رواية كبرياء صعيدي الفصل الخامس والعشرون25 والسادس والعشرون26 بقلم نورا عبد العزيز


 رواية كبرياء صعيدي الفصل الخامس والعشرون25 والسادس والعشرون26 بقلم نورا عبد العزيز


الفصل الخـــامــس والعشرون (25) بعنــــــــــوان " مكر الشياطين  "

أنتظر "عيسي" أمام غرفة الفحص وأوشك عقله على فقد صوابه من الأنتظار وفي أذنيه صوت صراخها وألمها، وقفت "هدى" قربه حائرة مما يحدث وتتمنى ألا تفقد حفيدها قبل أن يولد وبنفس الوقت مٌندهشة على قلق "عيسي" لم تتخيل يوم أن "عيسي" ابنها سيعشق بهذا القدر الذى يجعل الجميع يروا الخوف فى جفنيه، لطالما عرف أنه ذو القلب الحجر لا يخاف شيء ولم يُخلق ما يجعله يرتجف أم الآن بات هذا الأمر ممكن وكأن "عطر" خُلقت لأجله، لأجل ترويض شراسته وتلين قلبه الحجرى، فتاة بحجم عقلة الأصبع تملك بعروقها نفس دماء عائلة الدسوقي لكن قوتها الحقيقي لم تُخلق من دماء عائلة الدسوقي كبقية أفراد العائلة، بل قوتها خُلقت من عشق "عيسي" لها، ظل يهز كفيها بحيرة مُتكئ بهما على الحائط من القلق مذعورٍ عليها حتى فُتح باب الغرفة الذى جعله جسده ينتفض من محله كقلبه العالق بغرامها، هرع إلى الطبيب بذعر مُتسائلًا عن زوجته:-
_ طمنيني يا داكتورة ، عطر كيفها؟

_ متجلجش يا عيسي بيه، المدام بخير والطفل كمان، اللى حصل دا مجرد أثر للتعب والمجهود اللى بتعمله وأنا أكدت عليها فى كل مرة بتجي المتابعة متعملش اى مجهود لأن الرحم عندها فيه مشاكل وللأسف مش هنجدر نعالج دا غير بعد الولادة 

تحدث بلهفةٍ خوفٍ عليها من أن يصيبها مكروه:-
_ فداها، فداها أى حاجة فى الدنيا وفداها العيل كمان ، المهم سلامتها هي

نظرت الطبيبة إلى "حِنة" التى تقف مفزوعة على فتاتها وهكذا "هدى" ثم تابعت الحديث:-
_ المجهود، بالله عليكم متتحركش كتير وتنام فى السرير الباجى من الحمل، إحنا خلاص عدينا نص الفترة أهو ومش باجي غير الجليل

أومأت "حِنة" لها بنعم وقالت بقلق:-
_ حاضر مش هتتحرك من السرير أبدًا يا دكتورة، ممكن نشوفها

_ مفيش مانع، أدخلوا شوفيها وإن شاء الله الصبح ممكن تخرج معاكم
قالتها الطبيبة ثم غادرت فدلف الجميع إلى الغرفة وكانت "عطر" نائمة بفراشها وعليها الغطاء الأبيض غرتها السوداء تظهر من حجابها البسيط الذى ساعدها "عيسي" فى أرتدئه قبل خروجهم، تبسمت بعفوية رغم وجهها الباهت مُنهكًا من الألم والخوف الذى تملكها مُعتقدة أنها ستفقد طفلها من شدة الوجع الذى شعرت به، تنهد "عيسي" بأريحية بينما ينحني إليها مُقبلٍ جبينها بطمأنينة فقالت بعفوية:-
_ عيسي

شعرت بأنفاسه الدافئة تضرب جبينها لتدرك مدة قساوة اللحظات القليلة السابقة وما شعر به من خوف وفزع حين رآها تتألم بهذا القدر، أبتعد عنها قليلًا حادقًا بعيناها الزرقاء وجمالهما الخلاب، تحدثت "حِنة" بنبرة خافتة:-
_ كدة يا عطر تخضينا عليكي

أبتعد عنها مُستقيمًا فى وقفته القائمة بهيبته ووقاره، شامخًا وعينيه لم تفارق زوجته الناعمة، تبسمت "عطر" إليهما وقالت بدفء:-
_ غصب عنى يا حِنة، حق عليا متزعليش

قبلتها "حِنة" بدلال ثم قالت بنبرة خافتة:-
_ فداكي يا حبيبتى أى حاجة، المهم سلامتك يا عطر

____________________________________  

أوقفت "خضرة" سيارتها خلف الجبل فى المكان المُحدد ومعه "عز" برجاله يقفوا فى أنتظار التاجر الذى جاء بعد دقائق معدودة فى الموعد المحدد، تقدم "عز" يرى صناديق الأثار ويفحصها جيدًا ليشك ببعضها فقال بحدة:-
_ إحنا متفجناش على أكدة

_ كيف يعنى؟ 
قالها التاجر البدوي بنبرة غليظة، أتصل "عز" بـ "حامد" يخبره بما حدث.
فى مطعم فاخم بمنتصف المحافظة داخل فندق سياحي، كان "حامد" جالسًا مع "خديجة" يتناولا العشاء معًا حتى رن هاتفه باسم "عز" مما جعله يقلق على تجارته فترك الشوكة من يده ومسح فمه بالمنشفة الصغيرة ثم أجاب على الهاتف:-
_ أيوة؟ طمنى خلاص؟

_ لا البضاعة فيها كام حتة متفجناش عليها، وبيجولوا يا نأخد الكل يا نسيب الكل
قالها "عز" بضيق وهو يقف بعيدًا عنهم

تنهد "حامد" بضيق ووقف من مكانه حتى لا تسمعه "خديجة" أكثر وذهب للخارج وهو يقول:-
_الكام حتة دول ميمشوش معانا فى السوج

أجابه "عز" بنبرة غليظة من الغضب وهذا الرجل يعقد صفقتهم:-
_ لا، دول نفسهم اللى رجعناهم المرة اللى فاتت، دلوجت بيلبسنا فيهم عافية يا نأخدهم على بضاعتنا يا مفيش خالص

-جدم خضرة، جدمهم منيل بنيلة خليك وأنا جاليك، متعملش حاجة لحد ما أجى
قالها "حامد" بنبرة حادةٍ مُستشاطٍ غيظٍ من عرقلة عمله وصفقته لأول مرة، دلف للمطعم بوجه عابس وقال بحدة:-
-جومي يا خديجة هنروح

أخذها للمنزل ثم أنطلق إلى الجبل، رأتها "كارما" تعود وحدها فسألت بقلق:-
-أمال بابا فين؟

-بغض النظر عن أنى مطايقيش بس أبوك راح لعز الشغل
قالتها "خديجة" بضيق وصعدت إلى الأعلى على عكس "كارما" التى أنتفضت من مكانها ذعرٍ من الخوف وتذكرت اتصالها بالشرطة كي تقبض على "خضرة" بثقة من عدم ذهاب والدها، أتصلت بـ "حامد" كثيرًا لكنه لم يجيب عليها مما أفزعها أكثر...
وصل "حامد" إلى الجبل وبعد مشاحنات فى الحديث وجدال قوية بين الطرفين، تحدث "حامد" بغيظ من ضغط شريكه عليه:-
-خلاص نأخدهم وأعتبرهم تألف عشان غلاوتك بس واللى بيننا

بدأوا بتحميل الصناديق فى سيارات "حامد" و"خضرة" وتسليم حقائب المال بسلاسة حتى قاطعهم صوت طلقات نيران من الشرطة التى تعم المكان والجميع فى حالة من الفزع لا يعلمون من أين ظهرت الشرطة من العدم بهذه الأعداد الكبيرة من رجالها، أنتفضت "خضرة" بذعر وصعدت إلى سيارتها وقبل أن تتحرك قُبض عليها لتلطم وجهها من الصدمة التى لجمتها الآن........
____________________________________ 

كان "مصطفى" يقود سيارته بطريقة جنونية على أقصي سرعة يمكنه بلوغها و "فيروزة" بجانبه عاقدة ذراعيها أمام صدرها وهادئة أو بالأحرى شاردة فى ذكرياتها معه تارة وفى أفكارها عما سيحدث حين تراه تارة أخرى، لا تُصدق أن بعد ساعات ستقابله وتقف أمامه وجهًا لوجه، خائفة على قلبها ومنه فى آنٍ واحد، تخشي على من الوجع وخشي منه من الضعف أمام عشيقها، لم تنتبه إلى نظرت "مصطفى" لها خلسًا وهو أيضًا خائفًا مثلها من هذا اللقاء، لأول مرة يشعر بالخوف من هذا اللقاء ولا يستوعب كيف طاوع قلبه وقبل بتراجيها له ويحضرها معه؟ لا يعلم ماذا ستفعل حين ترى "عامر"؟ عقله عالقًا هو الأخر فى التفكير الخبيث وكل أفكاره خبيثة الآن، تنهدت بضيق تشعر بخنق يحتل صدرها من الداخل فقالت بتمتمة أوشك "مصطفى" على سماعها بصعوبة:-
_ ممكن نجف على جنب شوية؟

أوقف سيارته على الطريق جانبٍ، فتحت "فيروزة" الباب بتعب مُترجلة من هذه السيارة التى تخنقها كأنها زنزانتها المُتحركة، ترجل الأخر مثلها وعينيه ترمق زوجته الغاضبة تتقدم أكثر نحو الجبال الموجودة على ضفتي الطريق، تنظر للفضاء الذى أمامها ولا تبالى بالأحجار المصفوفة حتى جلست على أحدهما من الخوف الذى صلب قدميها وجعلها لا تقوى على الحركة فأقترب "مصطفى" منها يضع قفطانه على أكتافها يحميها من برد الليل وضوء النهار، ما زال شفق الفجر يشق عتمة الليل حتى بزوغ النهار، تشبثت "فيروزة" بقفطانه كطفلة صغيرة ثم قالت بصوت مبحوح:-
_ أنا مستاهلش دا يا مصطفى، مش كدة؟ أنا مش وحشة جوى كدة عشان أستاهل يحصل فيا دا؟

جث على ركبتيه أمامها لا يبالى بالأتربة التى تلوث عباءته حتى بات فى مستواها وعينيه أمام عينيها مباشرة، حادقًا بها بجراءة دون خجل هذه المرة ولأول مرة يكسر حاجز الأميرة والجندي بعد أن رفع نظره بها كـ رجل لها وهى مَلكه وحده ورغم عينيه التى فضحت جراءته لكن لسانه تشبث بهذا الحاجز القائم بينهما حين قال بلطف لمس قلبها الجريح:-
_ لا يا أنسة فيروزة، متستاهلش دا، لا طيبتك ولا جمالك ولا مكانتك ولا حنيتك يستاهلوا كل دا، أنا وعدتك أجيبهولك تحت رجلك راكع يدفع ثمن كل دمعة نزلت من عينيك بسببه، ويدفع من دمه ثمن حزنك وحياتك اللى سرجها منكـ

ما زالت عينيها عالقة بالنظر إليه هذا الرجل الذي يداوى جرحها دومًا بالحديث الطيبة ولُطفه البالغ، على مدار هذه الأسبوعين الذى أصبحت هى زوجته به لم يعاملها سوى الحنية واللين كأنه جاء بلسمًا مداويًا لروحها المجروحة، تلألأت عينيها بدموع القهرة والحزن مُستائلة عن سبب كسرة قلبها بهذه الطريق؟ ليتابع "مصطفى" بلطف مُدركًا من داخله أن هذه فرصته الوحيد فى البوح بما داخله قبل أن يأخذها للقاء محبوبها الخائن، هاتفًا:-
_ لو على اللى ميستاهلش، يبجى هو اللى ميستاهلش، هو اللى ميستاهلش ذرة حُب واحدة من جلبك يا ست البنات، عامر مكنش يستاهلش يلمح طيفك من الأساس، راجل غبي صُح خسر جوهرة من حياته لو كان سأل راجل واحد فى البلد كان أنضرب بالنار ولا دخل مستشفى المجانين لأنه فرط فى جوهرة البلد كلتها

_ أنا جوهرة !!
قالتها بتساؤل وكلماته تلمس قلبها كنبرته الدافئة التى تطيب جروحها، تبسم "مصطفى" بسمة خافتة ثم قال:-
_ أنتِ أغلى من الزمرد يا أنسة فيروزة، رجالة البلد كلتها كانت تتمنى تلمح طيفك بس عشان يعرفه جمال أميرة سرايا الدسوقى كيف، متستغربيش أكدة؟! اسأل ذهب هى اللى بتنزل السوج وسط حريم البلد، بتسمع عنك أي؟ ، أنا رجالة البلد كلتها كانت بتحسدني لأني بلمح الأميرة المُدللة وبخرجها كمان ما بالك بيجولوا أي عني بعد ما أتجوزتها، صدجينى يا ست البنات عامر ميستاهلش دمعة واحدة منك تنزل عليه 

رفع يده إلى وجنتها يجفف دموعها لتخفض "فيروزة" نظرها إلى يده وشعرت ببرودة يده تخترق مسام بشرتها فقشعر بدنها بتوتر شديد مُغمضة العينين لتتساقط بقية دموعها مع غمضة العين فجففها "مصطفى" بلطف من جديد بعد أن ذُرفت على أبهاميه لتأخذ "فيروزة" يده بهدوء ووضعتها على قلبها الممزق لإشلاء ثم قالت:-
_ ياريت كان وجع دموع يا مصطفى، لكن هنا بيموت...

نظر "مصطفى" إلى قلبها وخفقانه الذى يشعر به أسفل راحة يده فشعر بغصة فى قلبه، تُحدثه عن رجل أخر وهو زوجها الآن، كيف لعقل أن يستوعب هذا؟ تابعت الحديث بهدوء قائلة:-
_ أنا عارفة أن ميصحش أتكلم عنه جصادك أكدة، ولازم أحترام رجولتك على الأجل كيف ما أنت أحترمتنى وسترتنى جصاد الخلق كلهم ورفعت رأسي، بس أنا مجهورة يا مصطفى جوى ومحدش حاسس بيا وعيونى مبجتش جادرة على البكي

سحب يده منها بلطف ثم قال:-
_ معاكِ عذرك يا أنسة فيروزة

نظرت له بهدوء ليقاطع نظراتهما المتبادل رنين هاتفه من رجله فوقف من مكانه مُجيب عليه:-
_ عملت اى؟

_ خليت الكمسري يشوف تذكرتها، رايحة إسكندرية
قالها الرجل بجدية وعينيه عالقة بـ "سكينة" التى تجلس فى مقعدها ليقول "مصطفى" بصوت خشن قوى:-
_ كيف ما توجعت، أوعى تغيب عن عينيك فى إسكندرية وأنا جاى فى الطريج 

شعر بيدها تتشبث برسخه مُتكأة عليه، نظر إليه والهاتف على أذنه فرآها تقف من مكانها مُمسكة بعباءته ليشعر بغصته تزيد من ألم قلبه فكلما تعمق بسحرها وغرق فى لطفتها وشخصيتها التى يحفظها أكثر من نفسه بسبب معاملاته السابقة معه، أيقظته "فيروزة" أن لم مكان له فى حياتها، أنهى حديثه مع رجله وأنزل الهاتف عن أذنه وهو يتقدم للأمام بخطواته وتسير "فيروزة" معه مُمسكة به كما هى حتى وصلوا إلى السيارة وفتح لها الباب فصعدت، أغلق "مصطفى" الباب وألتف مُتأفف بضيق شديد وعينيه تحدق بالهاتف يرسل إلى "عيسي" رسالته ثم صعد بسيارته وأنطلق من جديد فى طريقه إلى الإسكندرية......

___________________________________ 

دلفت سيارة "عيسي" إلى السرايا ثم ترجل ليأخذ بيد زوجته إلى الداخل، كانت مُنهكًا مما عانته أمس وتتحرك ببطيء خائفة من فقد طفلها رغم كل شيء فهى تشعر بحركته داخلها وركلاته العابثة بها، لطالما تمنت رؤيته مُنذ أن علمت أنه بداخلها، وضع "عيسي" ذراعه الأخر خلف ظهرها بحذر مُساندٍ إياها ثم قال:-
_ أطلعي أرتاحي يا أمي

أومأت إليه بنعم ثم قالت بنبرة ناعمة:-
_ حاضر، خليها ترتاح وتأكل زين .. أنا أتصلت بـ دهب تحضرلها الأكل 

هز رأسه بنعم ثم صعد إلى حيث غرفته بها، أوصلها إلى الفراش حتى جلست برفق وقالت بلهجة دافئة:-
_ تعبتك يا عيسي

أنحنى يرفع قدميها على الفراش وخلع حذاءها بلطف، مُجيب على كلماتها الغليظة:-
_ متجوليش أكدة، أنتِ سندي وربنا سبحانه وتعالى قال (ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) أنتِ سكني يا عطر وأنا كمان سكنك وسندك، لو متسنديش عليا هتتسندي على مين طيب؟!

رفعت يدها إلى وجهه الجاد رغم ملامحه الدافئة لكن قوته تحتل جزءًا كبيرًا من قوته، لمست لحيته بأناملها تداعبها لطالما عشقت هذه اللحية وأحبتها منه حقًا، حادقة بعينااه المُطمئنة لها قبل قلبها الذى يخفق كالمجنون أمامه وكأنه يتسابق داخل حلبة المعركة على من يفوز ويكسر عدد نبضاته، همهمت "عطر" بنبرة دافئة:-
-ماليش غيرك يا عيسي

تبسم "عيسي" إليها ووضع وسادة خلف ظهرها يُدلل دون أن يهاب شيء ولا يهتم لأمر شيء أخر سوى محبوبته، لا يهتم إلى مكانته وهيبته أمام زوجته، مُدركًا أن مهما بلغت مكانة المرء وماله وقوة نفوذه ستظل الزوجة الأقرب من وريده إلى قلبه والسكن الآمن له، يدُللها كما يكرم دينه المرآة ويعززها لتقول "عطر" بدفء وعينيها على زوجها:-
-ولا يكرمهن ألا كريم، أنا محظوظة بيك يا عيسي

تبسم على جملتها الآول وهو يحضر بيجامتها فقال بعفوية:-
_ دا أنتِ وصية رسول الله يا عطر

_ صلى الله عليه وسلم 
قالتها بسعادة فدق باب الغرفة وبعد أن أذن "عيسي" بالدخول، دلفت "حِنة" بوجه عابس وعلى ملامحها الذعر مُتسعة العينين وتقول بتلعثم:-
_ عطر!!

رمقتها "عطر" بأستغراب لحالتها والفزع الممزوج بصدمة فى ملامحها قبل تلعثم كلماتها فقالت بقلق:-
-فى حاجة يا حِنة؟

نظرت "حِنة" إلى "عطر" ثم إلى "عيسي" الواقف قرب زوجته فتمتمت بخفوت:-
_ أستاذ ضياء والدك تحت وعايزك

أعتدلت "عطر" فى جلستها من هول الصدمة التى لجمتها للتو من كلمات "حِنة" وتجمعت الدموع فى عينيها من الحزن، جاء الآن بعد أن تخلى عنها وترك الدائنين يقطعوها أربًا بلا خوف ولا رحمة به، فتاته التى لم تكمل العشرين من عمرها تركها وحيدة أمام رجال أقوياء يصارعوها وحدها، بسبب جاءت إلى هنا وتزوجت من "نصر" الذى أعتدت عليها دون شفقة أو رحمة، لأجله وبسببه ذاقت كل أنواع الألم والقسوة فى الحياة، مرت ذكرياتها أمام عينيها بسرعة البرق وفى لحظات معدودة فشهقت من القسوة التى ذاقتها وأرتشفتها كؤوس بلا توقف كالمدمن الذى يتجرع المخدرات، نظر "عيسي" إلى شهقتها بصدمة ورؤيته لدموعها الآن تجعله يرغب فى النزول وقطع رأس "ضياء" للتو من أجل صغيرته.....

_____________________________________ 

وصلت "فيروزة" إلى الإسكندرية معه ولم يغفو لها جفن بسبب قساوته، أتصل "مصطفى" على تابعه ليخبره بالعنوان فذهب "مصطفى" بها إلى هناك حيث الفندق الذى يقيم به "عامر" من أجل والدته التى جاءت للتو، رأته "فيروزة" من بعيد لينقبض قلبها وجعًا من رؤيته وهو يعيش سالمًا بلا أوجاع أو هموم، شعرت بأعتصار قلبها داخلها لتسلل يدها الضعيفة إلى راحة يده تعانقها بضعف تحتمي به من قسوة العالم، نظر "مصطفى" إلى يدها مُندهشٍ من تشابك يديهما معًا ثم رفع نظره إلى وجهها وعينيها العالقة بخائنها الخبيث، جاء تابعه له ليقول:-
_ عملت كيف ما أمرت يا مصطفى بيه، كلمت رجالتنا فى إسكندرية وهم جاهزين لأمورك أنت وعيسي بيه

_ أنا عايزة أتكلم معه؟ عندي سؤال واحد 
قالتها بتلعثم ودموعها تنهمر على وجنتيها، وضع "مصطفى" حجرًا من النار على قلبه وعقله من طلبها ثم قال بجدية:-
_ خليهم يجيبوا 

أخذها إلى أحد المطاعم الفاخر وقام بحجز المكان كاملًا، جلست أمامه على الطاولة فطلب "مصطفى" كوب من الليمون لها فقالت بتلعثم ورأسها مُنخفضة لا تقوى على رفعها بـ "مصطفى" :-
_ ليه؟ ليه عمل فيا كدة؟، كان ممكن يجولى معاوزش أكمل وأنا مكنتش هرمي نفسي عليه، أنا أكيد مهدوسش على كرامتي عشانه ولا عشان كنت بحب

سألها "مصطفى" بحيرة من أمرها قائلًا:-
_ كنتي، يعنى سامحينى فى السؤال أنتِ دلوجت مبتحبهوش؟

لم تُجيب عليه بكلمة واحدة وأحتضنت كوب الليمون الساقع بيديها الأثنتين، أتكأ "مصطفى" بذراعه على المقعد المجاور له بضيق يخنقه من الداخل، جاء رجاله بـ "عامر" مُمسكين به كالمجرم وهو خائفًا لكنه صُدم عندما وجد "فيروزة" و "مصطفى" من جاءوا إليه وليس "عيسي"، تخلي عن خوفه بعد أن تأكد من غياب "عيسي" وهندم قميصه بضيق ليقول بخنق:-
_ أنت يا مصطفى؟

أخذت نفس عميق يمزقها من الداخل بعد أن سمعت صوته ثم رفعت رأسها تجمع شجاعتها وتعتصر قلبها الأحمق الذى تعلق بهذا الخائن، رمقته بخوف يستحوذ عليها وقالت:-
_ أنا!!

نظر إليها بضيق شديد ثم قال بغلاظة:-
_ ست الحُسن، ست بنات البلد كلتها، هزتي طولكِ وجيتى لحد عندي عشان أيه؟ عشان تتأكدي أني هملتك ولا لأنك ممصدجاش أنى عملتها وجاعدة تبكي كيف الولاية ومجدرش تعيشي من غيري

لم يتمالك "مصطفى" أعصابه أكثر من طريقة حديثه الغليظة وبروده معها بينما قلبها يُفتت بداخلها، ساخرًا منها وهو من ألقاها فى الجحيم وحدها تحترق من نيران الوجع وحيدة،وقف من مكانه ولكمه بقوة حتى سقط "عامر" على الطاولة المجاورة ثم مسكه من قميصه بغضب يمزقه من الداخل وأمام ناظريه مشهدًا واحدًا وهى مُنكمشة فى ذاتها ليلة زفافها وتبكي بقهرة، هزه بقوة من قميصه يقول:-
-لا، دا عشان أنا وعدتها لأجيبك راكع تحت رجلها وتطلب منها العفو، أركع

ضحك "عامر" بسخرية من حديثه بطريقة هستيرية ثم قال:-
-راكع !! أنا أركع وأطلب العفو من دي؟!

أشار بسبابته على "فيروزة" بأستحقار مما جعل "مصطفى" يلكمه من جديد ثم ركل قدمه من الخلف بقوة ليسقط "عامر" على ركبتيه أمام "فيروزة" رغمًا عنها فقال بغضب سافر:-
-دى تبجي ستك وست ناسك كلتها

وقفت "فيروزة" بألم يزداد بداخلها أكثر من كلماته وأستحقاره لها غير مُصدقة أن "عامر" الرجل الذى أحبته وتحدت عائلتها بأكلمها لأجله يُحدثها بهذه الطريقة القاسية، كاد "مصطفى" أن يلكمه من جديد ورفع قبضته للأعلى لتمسكها "فيروزة" تمنعه من ضرب هذا الأحمق مما أدهش "مصطفى" ونظر إلى وجهها بصدمة ألجمته مُتمني من داخله ألا تنصر "عامر" خائنها عليه، تحدثت بنبرة قوية جاحدة وعينيها تحدق بـ "عامر" قائلة:-
-لا يا مصطفى، متضربهوش

ضحك "عامر" بسخرية على سذاجتها وعقلها الأحمق كقلبها الأبله الذى مُغرمًا به، أتسعت عيني "مصطفى" بصدمة ألجمته ونفضت قبضته من يدها من الغضب ولأول مرة "مصطفى" يغضب عليها ويتحاشاها غيظًا منها، سألت "فيروزة" بضيق:-
_ هو سؤال واحد، ليـــــــــــه ؟ 

صرخت به بأنفعالٍ وصوت عالٍ يعبر عن حقدها وكرهها له الذى سكنها الآن:-
_ ليـــــــــــــــــــــــــه؟ أذيتك في أيــــــــــــــه؟

_ ليــه!!! أنا مستغربكم جوى يا عيلة الدسوقى تعملوا العَملة وتجوله ليه؟! ، فيكم نطعة كدابة معرفش جايبينها منين؟ أبوكي يأخد مال أبويا ويوهم أن المليون جنيه اللى حيلته فى المجاولات هيبجى 10 أضعاف ويأخد ماله ويخسره وأبويا يموت بجهرته ولما أرد لكم جزء من اللى عمله أبوكي بتجولي ليه؟

أتسعت أعين الجميع وشل لسانها من هول الصدمة وكيف يكن بهذا القدر من الخبث والمكر، تسع سنوات يمثل عليها الحُب دون أن يخطأ، أبتلعت لعابها بصعوبة جافة من حلقها لا تستوعب الأمر فتمتمت بخفوت:-
-ترد جزء!!، أنت كنت بتمثل عليا تسع سنين الحُب، دا أنتِ شيطان ... لا دا الشيطان نفسه مش هعرف يعملها ويخبث ويمكر تسع سنين كان زمانه تعب... دا فُجر وربنا رحمني منك ومن شرك والسم اللى كنت بشرب منك وأنا مواخدش بالي، ربنا حب يرحمني منك ويعوضني بـ راجل بجد يكون سند وعوض وضهر

نظر "مصطفى" إليها بدهشة من حديثها عنه، تابعت الحديث بينما تقف أمامه وهو راكعًا كما هو بنبرة جادة وقوية:-
_ عارف يا عامر أنا جيت ليه؟ عشان أثبت لـ جلبي اللى حبك أنك متستاهلوش وأن واطي وخاين كيفك ميتزعلش عليه وبعد ما شوفتك عرفت أنت اللى عشته وياك فى تسع سنين من كذب وتمثيل، أتنسي فى أسبوعين ودا من رحمة ربنا بيا وبجلبي لأنه عالم أني كنت براعي ربنا فيك وبعاملك بما يرضي الله، جيت عشان أكرهك أكتر وأجول لـ جلبي أني نسيتك وأجولك على حاجة أنا لما شوفتك متوجعتش بالعكس أنا لما شوفتك حسيت أنى جبلت بعوض ربنا ليا ولما سمعتك شكرت ربنا أنه رحمنى منك وأدانى راجل لو عشت عمري كله أصلى وأحمد ربنا عليه مهيكفهوش، وأنى فعلًا مخسرتش فى كل دا حاجة غير السنين اللى ضيعتها مع زبالة كيفك وآن الآوان أنضف منها

ألتفت إلى "مصطفى" المذهول بحديثها عنها، رمقته بعيني لامعة على غير السابقة، نظرة لم يراها من قبل فى عينيها كأنها تخبره بأنها الآن قبلت به زوجٍ لها، أقتربت منه لتتبأطأ ذراعه بيدها بكبرياء وشموخ يزيدها جمال وعفوية وهمهمت بنبرة دافئة:-
-خلينا نمشي يا عوضي وسندي ، مشينى من هنا يا مصطفى

نظر "مصطفى" لها مصدومًا وما زال واقفًا لا يصجق ما يحدث فقالت بهمس فى أذنيه بسبب توافق الطول بينهما:-
-مش وجت ذهول وصدمات، يلا يا مصطفى

أستدار بها لكي يغادر المكان ومسك الرجال "عامر" لتقول "فيروزة" بنبرة حادة صارمة:-
-بعد أذن جوزى، أنا حجي هأخذه فى الأخرة

نظر "مصطفى" إليها بعد لفظها لكمة (جوزى) وقال بجدية:-
-همله كيف ما تأمر ست البنات؟

_روح أشترك فى مسلسل يا عامر تمثيلك رائع 
قالتها بسخرية وخرجت مع "مصطفى" من المكان، صعدت السيارة بحزن يُخيم على قلبها لا تصدق صمودها أمامه أكثر، نظر "مصطفى" لها بحزن بينما يقف أمامها قبل أن يغلق الباب لأجلها، جهشت فى البكاء لفترة طويلة وهو يقف أمامها يخفيها عن أعين المارة حتى سحبت وشاحه تمسح دموعها فتبسم عليها بخفوت، رفعت نظرها إليه وكانت عينيها حمراوتين من شدة البكاء وهكذا وجهها ذاك البشرة البيضاء التى توردت كعينيها لكنها تبسمت لأجله هذا الرجل الذي أكرمها وأعزها فقالت بخفوت وحياء شديد من كلماتها:-
-تتجوزني يا مصطفى؟

حدق بها بذهول مُستغربًا طلبها وفى الحقيقة هو زوجها حقًا، جففت دموعها مرة أخرى مُمسكة بوشاحه المحاط بعنقه وتشعر بأنفاسه التى تضرب جبينها من قربهما الشديد، تركت الوشاح وأخذت يده فى راحة يديها الباردة من رجفتها وهذا اللقاء المُميت اثم تابعت الحديث بدفء:-
_ تتجوزني؟! ، أنا عارفة أنك جوزي فعلًا بس أنا بطلبك للجواز مش تطلجني بعد فترة كيف ما أتفجت مع عيسي، أنا عايزاك جوزي يا مصطفى، أستحملني فترة وجدر اللى بيحصلي بس والله أنا أوعدك أنى مش هجرحك بكلمة وهجفل باب الماضي بمليون مفتاح وهرميهم كلهم فى البحر، مهجرحكش أبدًا ولا هأذي كرامتك ورجولتك، لو وافجت تتجوزني أنا هشيلهالك فوج رأسي العمر كله ولو موافجتش مهزعلش منك كفاية جميلك اللى عملته ويايا عمري ما هنساه واصل، خليك سندي يا مصطفى

ظل يرمقها بصمت حتى تنهي الحديث تمامًا وتنتهى وعودها الكثيرة له فقال بنبرة دافئة:-
_ حاضر يا فيروزة

تبسمت بسعادة لأول مرة يلفظ أسمها دون كُلفة وكأنه أعطاها الجواب بطريقة غير مباشرة، يُعيد لجسدها المُنهك الحياة ويعطيها الأمل فى الغد.....

كبرياء صعيدي
الفصل الســـادس والعشرون (26) بعنــــــــــوان " للعشق حربه الخاصة"

أتسعت أعين "كارما" على مصراعيها بعد أن سمعت بخبر القبض على والدها مع "خضرة" والحفرة التى صنعت بيديها والدها من سقط بها، ترجل "خديجة" من الأعلى مُرتدية بنطلون فضفاض أصفر اللون وعليه قفطان أسود طويل لا يظهر معالم جسدها من وسعه وطقطقة حذاءها العالي ترن فى أرجاء المنزل، ألتفت "كارما" على صوت خطواتها لتقول مُتلعثمة من هول الصدمة:-
_ أنتِ رايحة فين؟

_ رايحة أشوف جوزى يا بنت جوزى، جدمك جدم أسود علينا 
قالتها "خديجة" رافعة يديها للأعلى تضع الطرحة الصفراء على رأسها، حاملة حقيبتها فى ذراعها لتغادر المنزل، صعدت "كارما" إلى غرفتها بسرعة جنونية وأحضرت حقيبة السفر وبدأت تجمع أغراضها بخوف من نيران إنتقامها التى أحرقتها .......

_____________________________________ 

وقف "مصطفى" فى الشرفة الخارجية لغرفة الفندق يتحدث فى الهاتف مع "عيسى" يقول:-
_ هى أصرت أننا نسيبه فى حاله ومنأذهوش بس طبعًا الرجالة زمانهم جايبينه لحد عندِك 

تنهد "عيسي" بأريحية من قبضه على "عامر" وأخيرًا سيتكمن من أخذ ثأره من هذا الوغد الذي دهس قلب أخته وكاد أن يتسبب فى فضحها أمام الجميع، سأل بقلق:-
_ أنتوا فين أكدة؟

_ إحنا فى إسكندرية، فيروزة حبت تجعد هنا شوية، تغيير جو السرايا وتبعد عن الناس 
قالها "مصطفى" بيما ينظر من خلف زجاج النافذة على "فيروزة الجالسة على الفراش تضم يديها ببعضهم بحزن واضح فى ملامحها رغم طلبها بأستكمال هذا الزواج والبقاء مع "مصطفى" لكن حزنها وخذلان قلبها وعقلها يحتل معالم وجهها ورجفة جسدها، تابع "عيسي" الحديث بجدية صارمة:-
_ ماشي، خليها تغير جو وتريح أعصابها شوية، خلى بالك منها يا مصطفى

أومأ إليه بنعم، رأى "عطر" ارتدت ملابسها وتستعد للنزول إلى والدها الذي ظهر فجأة هكذا دون سابق إنذار فقال بجدية:-
_ أنا هكلمك تاني يا مصطفى

أغلق معه الهاتف وأتجه إلى "عطر" قبل أن تغادر الغرفة يمسك رسخها بينما هي تمسك بمقبض الباب فهتف بقلق:-
_ عطر، خلينى أنا أتكلم معاه

رفعت "عطر" عينيها بزوجها الشامخ الذى يقف أمامها ورغم محاولتها جاهدة فى الوقوف بصمود وهي قد جاءت الآن من المستشفي لكن بشرتها شاحبة وباهتة تهز هذا الصمود فقالت برفضٍ قاطعٍ :-
_ أنت أخر مرة شوفت عمك يا عيسي؟!! 

ألتزم "عيسي" الصمت بينما عينيه تحدق بزوجته المريضة وتعافر مقاومة المرض لأجل هذا اللقاء، أخذ بيدها مُساندًا إياها للخارج فتنهدت بقلق مما هو قادم بعد ظهور الغائب ثم قالت بنبرة خافتة:-
_ سيبني أتكلم معاه يا عيسي من غير ما تمنعني

أومأ إليها بنعم، وصلوا للأسفل معًا لترى والدها الذي وقف من مكانه فور نزولهما، توقفت قدمي "عطر" بدهشة من رؤيته مُنقبضة القلب من رجفة اللقاء، مع رؤيته رأت لحظة شجار هؤلاء الرجال معها مطالبين بأموالهم الذي سرقها "ضياء" وهرب، تطلعت بوجهه وعينيه التى تنظر إليها بقوة مُتشبثٍ بها كأنه أدرك للتو أن لديه ابنة وجاء يبحث عنها، تقدمت خطواتها بصحبة زوجها دون أن تبعد عينيها عنه وتتفحصه بحالته التى يرثي لها وملابسه الفوضوي التى تظهر دهس الدنيا له وكأنه كان مع الحياة فى صراع داخل حلبة المصارعة وقد هزمته، أقترب منها بسعادة تغمره يعانقها بينما يلفظ أسمها بدفء:-
_ عطر ، حبيبتي وأخيرًا لاقيتك

لم تشعر بدفء عناقه، بل تملكها شعور الأشمئزاز من هذا العناق فدفعته بعيدًا عنها وتزدرد لعابها من لقاء عينيها مع عينيه فقالت بنبرة جادة:-
_ لاقتني !! دا على أساس انك كنت بدور عليا ، مش كدة؟

هز رأسه بنعم مُجيبٍ على حديثها الذي شعر منه أنها تستهز به، جلسوا معًا و"عيسي" ينظر إليه بصمت ويشعر من تعابير وجهه انه جاء لشيء أخر، عينيه لم تكن مُشتاقة لأبنته واللهفة لم تظهر فى لقاءه بها، أدرك "عيسي" أن "ضياء جاء من أجل شيء خفى لم يبوح به بعد، سألته "عطر" بفضول يقتلها:-
_ أنت عرفت منين أنى هنا؟

_ روحتلك البيت والبواب قالى أن أخر مرة شافك كنت مع راجل بجلابية وعمة وحِنة قالت للجيران أنه جوزك وابن عمك ، عرفت أنك هنا؟ أتجوزتي مين فيهم؟
سألها بفضول شديد بينما عينيه أنتقلت إلى "عيسي" الجالس جوارها يُريد أن يعرف من هو من أبناء أخواته؟ أكمل حديثه بفضول شديد:-
_ نصر ولا عيسي ولا خدتي أخر عنقود العيلة خالد؟

توقع أن تُجيب بمنتهي الأخلاق والأدب كما اعتاد عليها لكنها فجأته بنبرتها الحادة وسخريتها منه فى الكلام قائلة:-
_ عيلة!! أنت تعرف العيلة؟ مش المفروض من باب أولى انك تعرف يعنى اي بنت وأب قبل ما تعرف يعنى أي عيلة 

أتسعت عينيه على مصراعيها من جوابها وصدمته جعلته يفقد أعصابه مُنفعلًا حين أنزل قدمه عن الأخر حادقًا بابنته التى تُجيبها هكذا وقال رافعًا نبرته قليلًا:-
_ عطر!! إياكِ تنسي أنى أبوكي ولما تتكلم معايا تتكلمي بأدب، أي قلة الأدب اللى أنت بقيتي فيها دى

كادت أن تُجيب عليه لكن استوقفه صوت "عيسي" الذي تنحنح بجدية وبدأ حديثه قائلًا:-
_ أحم عمي!! كونك عمي أولًا على عيني ورأسي وكونك حمايا ثانيًا مفيش مانع وكونك فى داري ماشي نبلعها لكن أنا لا عاش ولا كان ولا لسه أتخلج على ضهر الأرض اللى يرفع صوته فى مرتي ولا يكلمها بالطريجة دى

حدق "ضياء" بوجه "عيسي" الحاد وعقدة حاجبيه الغليظة التى جعلته يشعر بالخوف قليلًا ربما لأنه لا يعلم حتى الآن من هذا الرجل الذي  يجلس أمامه فقال بخنق شديد:-
_ مراتك اللى بتكلم عنها دى بنتي قبل ما تكون مراتك، ولو عايز أكسر رأسها هعمل كدة متتنفخش أوى كدة قصادها 

نظرت "عطر" إلى "عيسي" الذي تتطاير شرارة الغضب من عينيه من طريقة حديث "ضياء" معه دون كُلفة وأستفزاز مما جعله يكاد يقف من محله لكن أوقفه يد "عطر" التى تشبثت بيده قبل أن يقف تمنعه من أذي والدها وجد ابنها، نظر إليها بغيظ وكز على أسنانه من الضيق ثم عاد بنظر إلى وجه "ضياء" الذي تبسم من جلوس "عيسي" من جديد بعد دفاع ابنته عنه ومنعه من فتح أبواب العنان للغضب على والدها، تابع "عيسي" الحديث بنبرة تهديدية أرعبت "ضياء" من مكانه على الأريكة:-
_ سألتها أتجوزت مين؟ أنا عيسي الدسوقي وبما أنك متعرفش هى اتجوزت مين؟ يبجى لسه متعرفش برضو مين عيسي الدسوجى، شكلك أكدة جيت من الجطار علي أهنا ومسألتش حد فى البلد فواضح أنك جاهل 

رفع يده التى تمسكها "عطر" للأعلي وتابع حديثه بنبرة قوية غليظة:-
_ أفتكر يا عمي أنك لسه بتتنفس دلوجت وجاعد جصادي بفضل اليد الصغيرة دى

تحدثت "عطر" بنبرة خافتة وقد تمكن المرض منها وبدأ جسدها المُنهك يتمرد على رغبتها فى البقاء وقيادة هذا الحديث ورؤية والدها كانت كفيلة بأصابتها بالمرض أكثر فطلبت بهدوء مُستعطفة زوجها بأمال فى قلبه العاشق لها بأنه لن يرد لها طلب:-
_ خلاص يا عيسي، بعد أذنك خليه يطلع يرتاح وأنا كمان تعبانة وعايزة أرتاح وبعدين نكمل كلامنا

قالتها وعيونها الزرقاء ترمق والدها الذي يجلس مقابلها ببرود لا تعلم كيف ومن أين جاء به؟، وافق "عيسي" على طلبها ووقف من مكانه ينادي على "ذهب" مدبرة منزله رغم صغر سنها فقال بجدية:-
_دهب، بت يا دهب

جاءته الفتاة مهرولة إليه بعد سماع ندائه فقال بحزم شديد:-
_ وصل عمي ضياء لأوضة الضيوف اللى فى أخر السرايا وشوفي محتاجة أي وأعملهوله، وجهزوا الوكل اللى تأمر بيه ستك عطر عشانه 

أومأت "ذهب" إليه بنعم ونظرت إلى "ضياء" الذي وقف من مكانه وهكذا "عطر" المُنهكة وتضع يدها أسفل بطنها المُنتفخة، دلف "عيسي" إلى غرفة مكتبه بينما صعدت "عطر" الدرج مع والدها وأمامه "ذهب" ترشده للطريق فأستوقفها "ضياء" بمنتصف السلم بعد أن مسك رسخها النحيل وقال:-
_ عطر

نظرت إليه وبدأت تشعر بالقلق من نظراته واستحوذ عليها شعور أن "ضياء" يحمل كارثة فى جعبته أكثر ولم يبوح بها بعد، سألها "ضياء" بهمس حتى لا تسمعه "ذهب":-
_ فين الفلوس؟

أتسعت عينيها على مصراعيها والفضول بدأ يأكل قلبها وعقلها فسألت بتلعثم:-
_ فلوس أي؟

_ الفلوس اللى جمعتيها عشان تديها للتجار، انا عرفت أنك بعتي جهازك كله عشان تجمع مبلغ كبير وخدتي مقدمة للشقة، فين الفلوس دى؟
سألها بلهفة وحماس كالذي يتنظر فتح صندوق الكنز، تجمعت الدموع فى عينيها من هول الصدمة التى لجمها بها للتو، كانت تعلم أن شخص كـ "ضياء" لن يفهم بعمره معنى الأب جاء لكي يبحث عن ابنته ويطمئن عليها، شخص مثله لن يبالي بزواجها أو حفيده الموجود برحمها، لن يبالي بشيء سوى نفسه فقط ورغباته، أبتلعت لعابها بحسرة أعتصرت قلبها وجعلت الدموع تتساقط من عينيها الزرقاء، لو كان يعلم مدى قيمة دموعها فى قلب "عيسي" لخشي أن ينزلهما، لأجل دموعها مُستعد "عيسي" على هدم السرايا على رأسه ودفنه حي، شهقت من الوجع وقالت:-
_ أنت جيت عشان كدة؟ جيت عشان الفلوس مش عشاني، جيت عشان مصلحتك حتمت عليك تدور عليا عشان تأخذ اللى عايزاه، هو أنت أزاى كدة؟

لم يُجيب عليها فصرخت بوجهه بقوة دون أن تبالي لمرضها أو لوجود الأخرين معهم فى البيت:-
_ أزاى كدة؟ أزاى فى أب بالندالة دى يبيع فى بنته ويدوس عليها ويرميها للناس تأكل فى لحمها 

ألتف "ذهب" على صوت صراخها به وجاء "حِنة" من الأعلى على صوتها مثلما خرج "عيسي" من مكتبه يشاهد كالبقية هذا المشهد بأم عينيه، تابعت "عطر" بحسرة مزقتها لأشلاء أمامه:-
_ أنت زى السرطان فى حياتي بتأكل فيا وبس، أنا عمري ما عرفت أكره حد مهما أتاذيت من الدنيا لكن عرفت أكرهك أنت، أنا بكرهك بكـــــرهـــــك

نظر "ضياء" حوله ببرود لا يبالي بشيء ولا للعواطف التي تمزق أبنته للتو فقال بخنق من صوتها العالي:-
_ أتكلمي بأدبي يا عطر ووطي صوتك قصادي

ذرفت دموعها بأنهيار أكثر من بروده الذي يمزقها لجزيئات فقالت مُنفعلة من أستفزازه لها وبروده الحاد الذي نزل على قلبها كالخنجر المسموم:-
_ أدب!! مش بقولك أنت أزاى كدة؟ أنا عرفت دلوقت ليه جدي وأخواته أتخلوا عنك لأن اللى زيك عامل زى الطفيل لازم له إبادة من حياتنا عشان نعرف نعيش فى سلام، أنا كمان هتخلى عنك ومن اللحظة دى أنا أبويا مات

رفع يده لكى يلطم وجهها الباكي ليُصدم عندما مسك "عيسي" يده بغضب سافر قبل أن يجرأ على لمس زوجته، خرجت شهقة قوية من "حِنة" من الخوف بينما وضعت "ذهب" يديها على فمها خوفٍ من جراءة "ضياء" على ضرب "عطر" زوجة "عيسي الدسوقي" وبمنزله، تقابلت عينيه بعيني "عيسي" التي كانت تبث نار مُشتعل ستحرقه، عينيه جعلت "ضياء" يرتجف فى مكانه وقضبته التى أحكمت يده تعتصرها بقوة أرعبته أكثر، تحدث "عيسي" بنبرة خافتة يكز على أسنانه:-
_ خدي ستك عطر لأوضتها 

نزلت "حِنة" الدرجات حيث تقف "عطر" وأخذتها من يديها للأعلى بينما وقف "ضياء" فى مواجهة رجلها....

_______________________________________ 

وقفت "فيروزة" فى محل ملابس رجالة تختار قمصان وتي شيرتات مُختلفة الألوان الزاهية وتضعهم على أذراع "مصطفى" المُندهش من رغبتها فى تغير ثيابه الصعيدية، أخذته إلى غرفة تبديل الملابس وقالت بحزم:-
_ يلا، البس كل طجم زى ما هو 

_ بس!!

بتر حديثه ومعارضته فى الحديث وهى تقول بجدية:-
_ يلا يا مصطفى، أنت جولت أنك هتعمل كل اللى أنا عايزاه ، يلا بجى

دلف إلى الداخل بالإكراه لأجلها بينما وقفت "فيروزة" تنظر حولها ربما تختار شيء أخر من أجله حتى مر الوقت وخرج إليها مُرتدي بنطلون جينز أزرق اللون وقميص باللون السماوي الفاتح، ضحكت "فيروزة" بقوة عليه بعفوية مما جعله يشرد فى ضحكتها وصوتها التى يرن في أذنيه حتى توقفت "فيروزة" عن الضحك عندما سمعت سيدة أخر تضحك عليه، أقتربت منه بلطف ورفعت عن رأسه عمامته البيضاء وبعثرت شعره البني الناعم بأصابعها النحيلة ليُدرك سبب الضحك وهو أرتداء العمامة على ملابسه هذه، تبسمت "فيروزة" بلطف وباتت تخشي أن ينظر أحد إليه بنظرة عدم رضا أو أحراج بعد ما عززها "مصطفى"، أقتربت منه أكثر وهمست فى أذنه بلطف:-
_ أبجى دخل الجميص جوا هيبجى أحلى 

لم  يبالى لكلماتها بقدر أهتمام وفرحته من قُربها هكذا منه، شعر بأنفاسها ورائحة عطر تسللت إلى أنفه، دلف لكي يبدل ملابسه شيئًا فشيء حتى أنهي جولة تبديل الملابس ببنطلون رمادي وقميص أسود، دفع مبلغ وقدره مقابل كل هذه الملابس وذهبوا إلى البحر كما تريد "فيروزة"، كان "مصطفى" لينًا معها لم يعترض على أى طلب لأجلها، نظرت "فيروزة" إليه وهى تحمل المثلجات فى يدها وكان شاردًا بالنظر إلى زوجين يجلسون على الصرخة أمام الشاطئ والزوجة تتبأطأ ذراع زوجها ورأسها مُتكئة على كتفه بأمان، أصابه شعور الآمان الواضح فى وضعهما وتمنى أن تحصل "فيروزة" على نفس القدر من الآمان فى حياتها، فاق من شروده وأمنياته حين شعر بثقل على كتفه ليُدير رأسه بخفة يسارٍ ودُهش حين رأي رأسها تستكين على كتفه بأريحية وسمع صوتها تقول:-
_ عارف يا مصطفى، أنا حاسة أن جوايا فاضي، حاسة أن فى حاجة ضايعة منى والحاجة دى هى أنا، أنا بجيت أحس أن نفسي ضايعة منى، مبجتش أخرج وجطعت علاجتى بكل صحباتي، مبجتش بدخل محل الميك أب وأجعد بالساعات أختار الحاجات اللى بحبها، بطلت أتابع المسلسلات اللى بحبها، كل حاجة كنت بعملها فى يومي ضاعت مع روحي اللى ضاعت، أنا طلبت منك نجعد هنا شوية يمكن أجدر أصلح اللى باظ فيا فى مكان جديد ومع ناس جديد ومعاك

نظر إلى البحر صامتٍ يستمع إليها حتى تنهي فضفضة قلبها وأفكار عقلها الصغير، مُدركًا أنها ما زالت تعاني من الجرح والخذلان، تساقطت دموعها بحزن يمزقها أربًا مُتابعة الحديث:-
_ أنا بحاول أطلع من الضلمة اللى وجعت فيها، بحاول أعيش يا مصطفى، خليك معايا وأستحملني وجدر حزني ووجعي، جدر الكسرة اللى اتكسرتها 

تبسم بلطف من طلبها للبقاء معه ثم جمع شجاعته وقرب يده من يدها مُحاولًا إمساكها، نظرت "فيروزة" إلى يده التى تقترب وتبتعد منها فى آنٍ واحدٍ ، متردد فى لمسها وخائفًا من تجاوز الحد معها رغم كونها زوجته ففتحت يدها إليه مُستقبلة راحة يده برحب مما جعله يقدم على ضم يدها إليه، بدأ بعانق يدها الدافئة بين يديه وتمتم بالحديث بنبرة تلعثمية من التوتر مُرتبكٍ من لمسها لأول مرة:-
_ ما عاش ولا كان اللى يكسرك يا فيروزة، أنا وياكِ وفى ضهرك وسندك فى الدنيا، وطول ما أنا بتنفس مفيش حاجة هتكسرك أبدًا يا ست البنات

رفعت رأسها عن كتفه لتتقابل عيونهما معًا فشعرت بعناق أخر أقدم "مصطفى" عليها حين عانقت عينيه عينيها الباكية، أغلقت أناملها الصغيرة على راحة يده المُتشبثة بها، تمتمت "فيروزة" بلطف:-
_  خليك كدة على طول أو الفترة دى على الأجل، طمني يا مصطفى وطبطب عليا ومتسبنيش لدماغي عشان أفكارها مُرعبة وبتخوف جوى

رفع يده الأخري إلى وجنتها يجفف دموعها لتشعر برجفة جسدها من لطفه معها وزادت دموعها فى الذرف من الوجع مُتسائلة إذا كان "مصطفى" نصيبها فلما عشقت "عامر" وتجرعت من كأسه الخيانة والغدر وأصابها الخذلان......

_______________________________________ 

قدم "عيسي" شيك نقدي يحمل مبلغ إلى "ضياء" قائلًا بنبرة جادة:-
_ مش الفلوس اللى جابت أهنا، أديني بديك الفلوس وتختفى من حياة عطر للأبد 

نظر "ضياء" إلى الورقة وأتسعت عينيه على مصراعيها بجشع من هذا المبلغ وقال:-
_ أتنين مليون

_ فلوس الدنيا كلتها متغلاش على عطر وسعادتها، تأخد الفلوس دى ومشوفش وشك تاني يا عمي وألا متلومنيش على اللى هعمله، أنا عمرى ما تغاطيت على حد يرفع عينه فى مرتي واللى عملته انا همحي من رأسي عشان عطر  بس..
قالها "عيسي" بنبرة تهديدية أرعبت "ضياء" ليُفتح باب المكتب ودلفت "عطر" على سهو دون سابق أنذار تحمل فى يديها مبلغ من المال لتلقي به على المكتب وهى تقول بحدة:-
-أتفضل الفلوس أهى 300000 جنيه وامشي من حياتي، مش عايزة تفضل فيها تاني

وقف "ضياء" بطمع ورغم ما قدمه "عيسي" إليه لكن أخذ المال الذي أحضرته "عطر" بجشع والمال يسرق عينيه ويفقده عقله مما جعلها تنظر إليه بأشمئزاز وخذلان من كونه والدها....

__________________________________ 

حل الليل بالبلد وباتت الشوارع هادئة والجميع فى بيوتهم لتتوقف سيارة قرب التَرعة الموجودة بقرب الأراضي الزراعية وترجل منها رجلين ثم فتح احدهما الباب الخلفي للسيارة وسحبوا "نصر" منها غائبًا عن الوعي ووضعه على حافة الطريق وأنطلقوا سريعًا إلى بسيارتهما من حيث أتوا...
أشرقت الشمس وبدأ الفلاحون فى القدوم إلى أراضيهم ليرى احدهم "نصر" وهو مُستلقي على الأرض وناد على البقية ليشاهدون رجل من أعيان البلد بهيئته الفوضوي كالمتسول وغائبًا عن الوعي وبسرعة البرق أنتشر الخبر فى البلد على ألسنة الجميع ......

____________________________________ 

_ كيف تعملي أكدة يا أمى؟
قالتها "خديجة" غاضبة من تصرف والدتها بينما تجلس "خيرية" معهم فى مكتب الضابط، تحدثت "خضرة" بنبرة خافتة يائسة من الخروج من هنا:-
_ اللى حصل، حصل يا خديجة وخلاص

رن هاتف "خيرية" باسم أخاها "خالد" فأجابت عليه قائلة:-
-أيوة يا خالد .... إحنا عند أمك فى الجسم 

أجابها بنبرة غاضبة مما سمعه فى البلد على ألسنة الجميع:- 
_ أخوكي ظهر

انتفضت "خيرية بسعادة تغمرها بأريحية من عودة أخاها لتقول:-
_ بجد، فين؟ لا..لا ..لا ، خليك وياه لحد ما أجي أنا عاوزاه ضروري

أجابها عبر الهاتف بنبرة عابسة يهدم كل مخيلاتها بصرامته:-
-متجلجيش هو مبجاش ينفع يروح فى حتة ولا ينفع يفيد حد، بس حولى تيجي بسرعة جبل ما المصحة تأخده 

أتسعت أعينيها على مصراعيها من هول الصدمة التى ألحقتها بحديث أخاها الأصغر، وأخذت "خديجة" معها مهرولين إلى "خالد" .....

_________________________________ 

كان "عيسي" يسير فى حديقة السرايا ويضع الهاتف على أذنيه يتحدث به فقال:-
_ يعنى خلاص أكدة؟

_ بجول لحضرتك مبجاش ينفع لحاجة واصل، الداكتور جه وعمل اللازم كله ولو في حاجة يجدروا يعملوها أنهم يأخده للمصحة بأيديهم دلوجت 
قالها الرجل فى الهاتف ليبتسم "عيسي" من خطة أنتقامه وما فعله "نصر" بزوجته وأعتدائه عليها قد دفع "نصر" ثمنه الآن بلا رحمة كما لم يرحم "نصر" فتاته الضعيفة ومارس عليها قوته ولم يبالي لصرخاتها وطلبها للنجاة، لم يهتم لصوتها بينما تترجاه ألا يفعل بها، ركعت أمامه ترجاه أن يرحمها لكنه لم يبالي لضعفها واستقوى عليها يذلها ويُهينها فى أنوثتها وينتهك شرفها بكل برود مباليًا برغباته فقط......

______________________________________ 

جلس "مصطفى " بملل معها فى مكتبة الإسكندرية واضعًا يديه على الطاولة الكبيرة ويضع رأسه عليها بينما "فيروزة" غارقة فى سطور الكتاب التى تحمله في يديها، تأفف بضيق من الملل وهو يجلس هنا لساعات طويلة ووحده من يشعر بمرور الوقت بينما فتاته المشاكسة لم تشعر بشيء، تبتسم للحظة وتدمع عينيها للحظة أخرى، تلمع عينيها بالحُب تارة وتبكي حزنًا تارة أخرى، فهم أنها تعيش شعور الكلمات فى كتابها حتى أنهت الكتاب كاملًا بعد مرور ست ساعات وأغلقته لترى "مصطفى" نائمًا جوارها من الملل، تبسمت على صبره عليها ولم يقاطعها ولو مرة واحدة، انتظر أنت تنهي الكتاب دون أن يتذمر على جلوسه هنا، تبسمت بعفوية على صبره الطويل عليها وتسائلت هل الصبر طبيعة شخصيته التى لا تعرفها جيدًا؟ أم هذا الصبر من رحم الحُب الذي يحمله بين وطياته لها؟، رمقته بعفوية فى نومه تتأمل ملامحه الرجولية حتى رن هاتفه الذي جعلها تخجل من تصرفها وتحاشت النظر إليه سريعًا ويديها أسرعت فى فتحت الكتاب، أعتدل فى جلسته ويفرك عينيه بتعب فلم ينال ما يكفى من النوم حادقٍ بهاتفه وكان اسم "عيسي" ولأول مرة يتجاهل مكالمة من "عيسي" لأجلها...
وقف من مكانه وهو يقول:-
_ أنا هروح أجيبلك عصير 

تبسمت "فيروزة" عليه وقالت:-
-ممنوع الوكل والشرب هنا، أنا خلصت خلينا نمشي 

وقفت معه ليغادروا الإثنين معًا بينما يمطي "مصطفى" جسده بتكاسل وقال:-
_ مجوعتيش؟

_ جعانة جوى
قالتها ببسمة خافتة فأخذها إلى أحد المطاعم المجاورة....

_______________________________________ 

أغلق "عيسي" هاتفه بعدما رفض "مصطفى" الاتصال ونظر إلى وجه "عامر" الملأ بالكدمات بعد أن حصل عليه "عيسي" فقال بتهديد صريح:-
_ فيروزة تعفي عنك براحتها عشان وجعها، لكن أنا لا يا عامر، كان لازم تحسبها صح جوى جبل ما تفكر تعمل اللى عملته، وتفتكر أن فيروزة وراها راجل أسمه عيسي الدسوقي واللى يجرب لها ولا ينزل دمعة منها أكله بأسناني، وأنت يا ولد خالتى اللى حكمت علي نفسك بعملتك السودة دى ..............

يتبع 

           الفصل السابع والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا




تعليقات