رواية دمعات قلب الفصل الحادي والعشرون21 والثاني والعشرون22 بقلم رباب فؤاد


 
رواية دمعات قلب الفصل الحادي والعشرون21 والثاني والعشرون22 بقلم رباب فؤاد


طرقت (هالة) باب غرفتها المفتوح بهدوء وهي تنظر إلى (طارق) يعدل رباط عنقه في المرآه، فابتسم بعذوبة لصورتها المنعكسة وعيناه تحملان تساؤلاً عما تريده. 
دلفت إلى الغرفة بنعومة وهي تتنحنح بحرج قائلة ـ"هل ستتأخر اليوم في المستشفى؟"

التفت إليها وهو يغلق أزرار معصميه قائلاً بنفس الإبتسامة ـ"أعتقد ذلك...فلدينا اجتماع مع المدير العام".

قالها وتنحنح وهو يعدل ياقة قميصه بشكل سينمائي ويضيف ـ"يبدو أنه سيكافئني على مجهودي الخرافي في الفترة السابقة وكأنني الجراح الوحيد بالمستشفى..ولهذا أرتدي الملابس الرسمية".

ضحكت على عبارته وهي تلتقط السترة من فوق الفراش وتساعده في ارتدائها قائلة ـ"ستكون هذه المكافأة إستجابة لدعاء أمي لك..فهي تدعو لك أكثر مما تدعو لي ولأبنائي".

أدخل ذراعه في كم السترة التي تمسكها (هالة) قائلاً بمرح ـ"أهذه غيرة؟ أم محاولة للوقيعة بيني وبين أمي؟"

ضحكت ثانية وهي تعود لتقف أمامه وتربت على كتفه قائلة بنبرة خاصة ـ"لا غيرة ولا شيء..ربنا يهني سعيد بسعيدة".

ضحك هو لطريقتها في الحديث قبل أن يكتسي صوته بالجدية وهو يقترب بوجهه منها ويسألها بود ـ"المهم...بعد الاجتماع سأجري جراحتين بإذن الله..أي أنني سأعود بعد العاشرة مساء إن شاء الله. هل أجبت سؤالك؟"

تخضب وجهها خجلاً لإقترابه منها فتراجعت قليلاً وهي تزدرد لعاباً وهمياً وتحاول أن تقول بشكل طبيعي ـ"تقريباً..بعد إذنك ستأتي (نهى) صديقتي لتزورنا بعد المغرب".

تناول ساعة يده وهو يسألها بإهتمام ـ"هل تريدينني أن أستقبل زوجها؟"

قالت في سرعة ـ"كلا...سيوصلها أخاها بسيارته فقط..زوجها مع الأولاد في الخليج وهي هنا في زيارة قصيرة لتطمئن على والدتها المريضة".

عقد حاجبيه للحظات لاح فيه الضيق على وجهه قبل أن يسألها وهو يلتقط جواله من جوار الفراش قائلاً بروتينية ـ"وهل زرت أنت والدتها؟ عهدي بك أنك تعرفين الواجب".

قالت بثقة ـ"طبعاً زرتها وإستأذنت منك قبلها".

التفت إليها وعادت ابتسامته الهادئة إلى وجهه وهو يقول ـ"دائماً أقول إن الذوق كله عند (هالة) دون جميع النساء".

إلتهب وجهها من الخجل وهي تخفضه أرضاً وتتمتم ـ"شكراً". 

أربكه خجلها غير الطبيعي فضغط فكيه بقوة لثوان قبل أن يسألها ـ"هل أشتري بعض الحلويات وال..".

قاطعته في سرعة لتفلت من حيائها ـ"كلا..سأصنع حلوى مميزة نحبها وهي ستحضر معها القهوة العربية التي اشتقت لرائحتها".

مد يده يلتقط علبة السجائر والولاعة وهو يقول مازحاً ـ"أهم شيء أن تتركوا لي جزءاً من هذه الحلوى".

تابعت عيناها كفه وهو يلتقط علبة السجائر ويهم بوضعها في جيبه فأسرعت تقول بضيق ـ"ألم يكفك أكثر من شهر؟"

توقفت يده في الهواء وعقد حاجبيه مستفهماً لتتابع هي بنفس الضيق ـ"لقد عدت إلى التدخين منذ أكثر من شهر...أدرك أن ما مررت به صعب ولكنك أقوى من أن تخضع لسيجارة".

خفض عينيه أرضاً ثم عاد يرفعهما قائلاً بجمود ـ"أخبرتك أنني أدخن كلما شعرت بالضيق، وليس طوال الوقت".

أدهشته بحنانها وهي تقول ـ"فلماذا لا تعيدها إلى عصمتك إذاً؟ لماذا تكابر وتقاوم حبها في قلبك؟"

إتسعت عيناه في دهشة وهو يسألها باستنكار ـ"ماذا تقولين يا (هالة)؟ أي حب هذا الذي أقاومه؟ لقد كنت أعيش وهماً كبيراً وأفقت منه".

قالت بنفس الحنان ـ"لا تعاند نفسك...أعتقد أن شهراً فترة كافية جداً كي تهدأ أعصابكما وتبحثا ...".

قاطعها قائلاً بحدة أخافتها ـ"نبحث ماذا؟ إنها ليست قضية السلام...لقد إنتهى الأمر ولا يستحق إعادة النظر فيه..هي أهانتني أمام الجميع، وكرامتي لا تسمح بأن أتركها على ذمتي بعد ذلك".

حاولت تهدئته قائلة بإبتسامة مرتبكة ـ"ولكن حبكما..".

قاطعها وهو يشير إلى قلبه قائلاً ـ"قلبي قبل كرامتي لا يقبل الإهانة..هي باعت هذا القلب وتمسكه بها، وأنا كذلك لم أعد بحاجة إليها. لقد كنت وفياً لها حتى النهاية وكنت مستعداً للتضحية من أجلها بكل شيء..لكنها باعتني عند أول منعطف".

قالها وزفر بعمق قبل أن يستغفر ربه بصوت خافت ويعود ليرسم ابتسامته العذبة ويقول ملوحاً بسبابته في تحذير ـ"دعك من هذا..لا تنسي نصيبي في الحلوى".

ثم تابع وهو ينظر إلى علبة السجائر في كفه قائلاً ـ"وإذا كانت السجائر تضايقك أعدك ألا أدخن ثانية".

وأقرن قوله بالفعل وهو يلقي بعلبة السجائر في سلة مجاورة للفراش ويعود بوجهه إليها مازحاً ـ"لقد توقفت عنها من أجلك قبل ذلك، وها أنذا أتوقف ثانية من أجلك".

وبحركة عابثة أشار إلى وجنته وهو يخرج من الغرفة قائلاً ـ"ألا أستحق مكافأة لأنني أطيع زوجتي؟"

قالها ومضى إلى عمله تاركاً (هالة) وقد إتسعت عيناها في ذهول من جرأته التي جعلتها تشتعل حرجاً للمرة الثالثة خلال أقل من نصف ساعة.

حاولت ألا تُحمل مزحته أكثر من معناها وهي تُلهي نفسها بأعمال المنزل التي لا تنتهي مستغلة أنها في إجازة عارضة من عملها بالمدرسة.
ولكن حينما ارتدت ملابسها إستعداداً للقاء صديقتها وقفت تتأمل نفسها قليلاً في المرآة.

لم تكن ملابسها ملفتة قياساً بما إعتادت إرتداؤه لإستقبال صديقاتها حينما كانت في الخليج.

كانت ترتدي سروالاً قصيراً من الجينز يصل إلى منتصف ساقها وبلوزة قطنية حمراء ناعمة بدون أكمام زانتها رسوم لبالونات مختلفة الألوان.

كانت تبدو أصغر سناً في هذه الملابس، وخاصة بعدما أضافت رتوشاً هادئة من مساحيق الزينة لتبرز جمال عينيها السوداوين وتزيد غموضهما، ورفعت شعرها الأسود الفاحم قليلاً ليصل إلى منتصف ظهرها بدلاً من نهايته.

ورغم ذلك راودتها هواجس أن يراها (طارق) هكذا ويسيء فهمها.

إنها ترتدي هذه الملابس لأنها تشتاق لأوقات مرحها مع صديقتها، 
تماماً كما تشتاق لأوقات برائتها قبل أن تتزوج وتخنقها المسؤوليات.

وبتمرد غريب عليها أكملت وضع زينتها بأحمر الشفاه اللامع وهي تتمتم لنفسها في المرآة قائلة ـ"(طارق) لن يعود قبل العاشرة، وحينها تكون (نهى) قد عادت إلى منزلها وأزلت أنا مساحيق التجميل وعدت إلى ملابسي المعتادة...لا يُعقل أن أقابلها مثل ربات المنازل اللائي يهملن أنفسهن...كفاني إهمالاً".

قالتها وأعادت تأمل نفسها وقد ارتسمت ابتسامة رضا على شفتيها ولسان حالها يقول "نعم كفاني إهمالاً".

*الفصل الثاني والعشرون 

"ماذا؟؟ ساعدته في الزواج من أخرى؟"

هتفت (نهى) بهذه العبارة في ذهول واستنكار بالغين وهي تتأمل صديقتها تتابع في بساطة ـ"(نهى)..لا تنسي أننا تزوجنا مرغمين، ولم يكن من المعقول أن أفرض نفسي عليه كزوجة وأنا التي كانت تعارض فكرة الزواج من الأساس".

ضربت (نهى) كفاً بكف وهي تقول في حيرة ـ"لا حول ولا قوة إلا بالله.. وأنا التي توقعت أن أجدك تحملين طفله على ذراعك. الغريب أنني لم أشك لحظة في سعادتك أثناء حديثنا على الإنترنت وحينما قابلتك في بيت والدتي الأسبوع الماضي".

أزاحت (هالة) خصلات شعرها عن وجهها وهي تقول بهدوء غريب ـ"لأنني سعيدة بالفعل...سعيدة بهذه الحياة أياً كانت، ولم أكن لأخبر مخلوقاً بحقيقة علاقتي ب(طارق) لولا سؤالك المُلح عن سبب عدم إنجابنا حتى الآن".

تخضب وجه (نهى) خجلاً وهي تقول بحرج ـ"آسفة يا (هالة)، لم اقصد التدخل في حياتكما..لكنني توقعت أن...".

ربتت (هالة) على كفها قائلة بودـ"حبيبتي أنت أختي التي لم تلدها أمي، ولهذا فتحت قلبي لك".

احتضنتها (نهى) بحب صادق قائلة ـ"يعلم الله وحده مدى حبي لك منذ عرفتك".

ثم ابتعدت عنها وهي تمسح دمعة حائرة على طرف عينها قائلة ـ"المهم كيف هي زوجته تلك معك؟"

هزت (هالة) كتفيها قائلة بلامبالاة مصطنعة ـ"لم أرها سوى في صور الزفاف التي أحضرها (طارق) خلسة كيلا يراها الأولاد..هي فاتنة تبارك الله، وفي عينيها شقاوة محببة و..".

قاطعتها (نهى) قائلة بغيظ ـ"لم أسألك عن رأيك فيها يا (هالة)...أنا مقهورة مما فعلته أنت أصلاً...تسلمينه بيديك إلى أخرى؟؟ ماذا ينقصك أنت كأنثى ها؟؟؟ أشك أنك ارتديت ملابس كهذه أمامه".

شهقت (هالة) في استنكار قائلة ـ"أجُننت؟ كيف يراني هكذا؟ كلانا يعامل الآخر كأخ وصديق، ولا ينبغي أن يتغير ذلك".

سألتها صديقتها بضيق ـ"أخ وصديق؟؟؟ اصبري إلى أن تلد له وحينها سينسى أخته وصديقته وأبنائها و..".

قاطعتها (هالة) هذه المرة وهي تقول بنرة محايدة ـ"إطمئني...لن تنجب".

اتسعت عينا (نهى) وهمت بالتعقيب لولا أن سبقتها (هالة) بقولها ـ"لقد انفصلا".

بدت (نهى) وكأنما أخرستها الصدمة فتابعت (هالة) قائلة ـ"طالبته بالطلاق حينما علمت بأنها لن تستطيع الإنجاب..وطلقها منذ شهر".

لاح بريق ماكر في عيني (نهى) لم يخف عن عيني (هالة) التي قالت في سرعة وكأنها تدفع عنها إتهاماً مباشراً ـ"لقد حاولت معه أكثر من مرة أن يعيدها إلى عصمته، ولكنه يثور في كل مرة..حتى هذا الصباح ثار و...".

قاطعتها (نهى) بإببتسامة هادئة قائلة ـ"(هالة)..أنت تحبينه".

رفعت (هالة) رأسها في حدة وإستنكار فتابعت (نهى) بنفس الهدوء الواثق قائلة ـ"لا تحاولي الإنكار...أنت تحبينه ولكن كبريائك يمنعك من مصارحته بهذا الحب بعدما ابتعد عنك في بداية زواجكما".

حاولت (هالة) الإعتراض ولكن صديقتها تابعت قائلة ـ"أدري أنك كنت ترفضين فكرة الزواج وأنني أقنعتك بها على مضض، وأنه لو لم يضايقك ذلك الموظف يومها لربحت رهانك مع نفسك وظللت أرملة (حازم) رحمه الله. ولكنك أنثى في المقام الأول يا (هالة). أنثى تحب أن تشعر بضعفها وحاجتها إلى رجل يقف إلى جوارها. وحينما يكون الرجل حنوناً، لا تستطيع الأنثى الفكاك من أسر حنانه. صدقيني الحنان هو السلاح الوحيد الذي لا تستطيع المرأة مقاومته."

تاهت نظرات (هالة) بعيداً ولم تحر جواباً وهي تسمع صديقتها ومرآة روحها تقول بصدق وحالمية ـ"ربما تستطيعين مقاومة الحب ووأده في مولده بحجج عديدة، وستنجحين في ذلك. أما الحنان فهو الشعور الذي يدغدغ مشاعرك رغماً عنك ويدفعك إلى التعلق بهذا الشخص وكأنك مسلوبة الإرادة".

أطرقت (هالة) بنظرها إلى الأرض وكلمات صديقتها تدوي في عقلها.
نعم هي تحبه، وتحب حنانه عليها وعلى أطفالها، وحتى على أمها.
حنانه الصادق الذي لا رياء فيه، ولا هدف خلفه.
ربما يبدو ضعيفاً أحياناً أمام والده، ولقد خذلها أمامه من قبل.
لكنها تغاضت عن ألمها من هذا الموقف بعدما أخبرها بأنه يحب أخرى سواها، لأن ألم مصارحته كان أقوى.

لم تكن تتوقع منذ البداية أن يكون زوجاً طبيعياً لأرملة شقيقه الوحيد بعد عام من وفاته.
ولكنها حاولت أن تبدو زوجة طبيعية كيلا تلعنها الملائكة.
ورغم إبتعاده عنها، ومحاولاته الهروب من أن يجمعهما وقت النوم معاً، لم تمنع نفسها من الإشفاق عليه.
فهو طبيب وسيم وخلوق ومن أصل طيب تتمنى أعرق العائلات نسبه، ومع ذلك أُجبر على الزواج من أرملة لديها ثلاثة أطفال.

أياً كان حبه لأبناء أخيه، وأياً كان إحترامه وطاعته لأبيه، فلابد وأن يحب نفسه أكثر.
لابد وأن تكون له زوجة خاصة به يبدأ معها حياته وأحلامه.
زوجة لم تكن لغيره من قبل.

ولهذا شعرت بأنها مدينة له بمعروف لابد من رده.
وهنا داست على قلبها وحافظت على ما تبقى من كرامتها وفضلت أن تساعده في الزواج من محبوبته.
فأن يبقى إلى جوارها وأطفالها أخاً وأباً أفضل من أن يكون لها زوجاً لا يشعر بها ولا يبادلها أية مشاعر، بل وربما يلعنها سراً لأنها كانت سبباً في ضياع حبه.

هو ضحى من أجلها، وهي قادرة على التضحية بدورها.

ومن هنا كان إصرارها على إتمام المعروف إلى النهاية، وإعادة (سمر) إلى (طارق) و...

"(هالة)....أين ذهبت؟"

أجفلت (هالة) وهي تشعر بلمسة صديقتها لكفها فالتفتت إليها في شرود وابتسامة باهتة على شفتيها لتسمعها تتابع ـ"فيم تفكرين؟"

أجابتها (هالة) في هدوء ـ"لا أنكر أنك على حق...ولكني لا أستطيع تغيير موقفي. لقد طوقني هو و(سمر) بمعروفهما، ولابد من رد الجميل".

سألتها صديقتها بعدم إقتناع ـ"على حساب قلبك؟"

أجابتها بثقة ـ"على حساب أي شيء سوى أولادي".

ثم ما لبثت أن هتفت بصديقتها بلهجة مرحة لتغير الموضوع ـ"(نهي) يا ماكرة...ألهيتني في الحديث كيلا أشرب القهوة وأنت تعلمين مدى شوقي إليها..هيا أفرغي لي فنجاناً فرائحتها تزكم أنفي".

قالتها وتظاهرت بتقديم الحلوى لصديقتها التي تناولت حافظة القهوة لتفرغ منها وهي تتابع (هالة) بنظرات آسفة.

جلستا لدقائق في صمت وكلتاهما تحتسي القهوة وعقلها شارد بعيداً عن حدود الغرفة، ولم يخرجا من شرودهما إلا على صوت جرس الباب فقالت (نهى) في دهشة ـ"هل تنتظرين أحداً؟"

هزت (هالة) رأسها نفياً وهي تضع فنجانها على الطاولة قائلة ـ"كلا..عمي لم يخبرنا أنه قادم..ربما كانت (سناء) جارتي".

لم تكد تتم عبارتها حتى تناهى إلى مسامعهما صوت (هاني) الشقي وهو يهتف بجذل ـ"لقد عاد بابا..لماذا لم تفتح بالمفتاح؟"

بلغت دهشتها الذروة وهي تحدق في وجه صديقتها التي ابتسمت بمكر فأشاحت (هالة) بكفها في ضجر قائلة ـ"أمر غريب..لقد أخبرني أن لديه جراحتين بعد الإجتماع مع المدير..اللهم سترك".

قالتها ونهضت باتجاه الباب وفتحته قليلاً وهي تنادي ابنها قائلة ـ"(هاني)...تعالى هنا".

أتاها الصغير يقفز كعادته وهو يقول في سرعة ـ"لقد عاد بابا (طارق)".

قالت بهدوء ـ"أعلم ذلك يا حبيبي..هيا أحضر إسدال الصلاة من غرفة جدتك و(هند) ولا تصدر ضوضاء..فربما كان بابا (طارق) منهكاً من العمل".

أومأ الصغير برأسه وأسرع لينفذ طلب أمه التي تناهت إلى مسامعها عبارة تهكمية

"إسدال الصلاة؟؟؟!!!!!!" 

جلستا لدقائق في صمت وكلتاهما تحتسي القهوة وعقلها شارد بعيداً عن حدود الغرفة، ولم يخرجا من شرودهما إلا على صوت جرس الباب فقالت (نهى) في دهشة ـ"هل تنتظرين أحداً؟"

هزت (هالة) رأسها نفياً وهي تضع فنجانها على الطاولة قائلة ـ"كلا..عمي لم يخبرنا أنه قادم..ربما كانت (سناء) جارتي".

لم تكد تتم عبارتها حتى تناهى إلى مسامعهما صوت (هاني) الشقي وهو يهتف بجذل ـ"لقد عاد بابا..لماذا لم تفتح بالمفتاح؟"

بلغت دهشتها الذروة وهي تحدق في وجه صديقتها التي ابتسمت بمكر فأشاحت (هالة) بكفها في ضجر قائلة ـ"أمر غريب..لقد أخبرني أن لديه جراحتين بعد الإجتماع مع المدير..اللهم سترك".

قالتها ونهضت باتجاه الباب وفتحته قليلاً وهي تنادي ابنها قائلة ـ"(هاني)...تعالى هنا".

أتاها الصغير يقفز كعادته وهو يقول في سرعة ـ"لقد عاد بابا (طارق)".

قالت بهدوء ـ"أعلم ذلك يا حبيبي..هيا أحضر إسدال الصلاة من غرفة جدتك و(هند) ولا تصدر ضوضاء..فربما كان بابا (طارق) منهكاً من العمل".

أومأ الصغير برأسه وأسرع لينفذ طلب أمه التي تناهت إلى مسامعها عبارة تهكمية

"إسدال الصلاة؟؟؟" 

إلتفتت في حدة لصديقتها قائلة لتغيظهاـ" لا تتخيلي أنه سيراني في هذه الملابس...نجوم السماء أقرب لك". 

لم تتمالك (نهى) نفسها من الضحك وهي تراقب صديقتها ترتدي إسدال الصلاة وتحكم طرحته فوق شعرها ووجهها كما لو كانت تستعد للصلاة بالفعل، فقالت بسخرية وهي تنهض لترتدي عبائتها السوداء ـ"هل تتوقعين أن يصدق زوجك أنك كنت معي بإسدال الصلاة؟"

هتفت بها (هالة) في حنق قائلة ـ"اجلسي وسأنادي أمي تجلس معك..منذ تركتنا لصلاة العشاء وهي مع الأولاد..سأناديها وأرى سبب عودة (طارق)".

حاولت(نهى)الإعتراض فلوحت(هالة)بسبابتها محذرة وهي توسع عينيها كما تفعل مع أبنائها وهي تحذرهم قائلة ـ"قلت اجلسي...ستسافرين قريباً ولا أدري متى اراك ثانية".

قالتها وخرجت إلى غرفتها مع (طارق) الذي كان يوليها ظهره ويخلع سترته.
طرقت الباب بهدوء كالعادة وهي تسأله بقلق ـ"(طارق) لماذا عدت مبكراً؟ هل أصابك شيء؟"

ضحك من نبرتها القلقة وأجابها وهو يستدير ليواجهها ـ"أعتذر عن الحضور مبكراً، ولكن المريض تراجع عن إجراء الجراحة و..."

قطع عبارته وهو يتأملها للحظات وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة.

كان واثقاً من أنها ارتدت الإسدال الآن فقط حين وصوله، وأنها ترتدي تحته شيئاً آخر.
فمع زينتها الرقيقة تلك لا يمكن أن تجلس مع صديقتها بإسدال الصلاة.
لذا قال مشاكساً ـ"ماهذا؟ صوان ملابسك يمتليء بالملابس من كل نوع وتقابلين صديقتك بالإسدال؟"

أربكها سؤاله وحارت في الإجابة للحظات قبل أن تقول بإرتباك ـ"ل..لقد كنت معها في الشرفة لترى صندوق العصافير الذي أحضرته ل(هند) في يوم مولدها، ولذلك ارتديت الإسدال".

تظاهر بتصديقها وهو يتجه إليها قائلاً ـ"أهااا...حسناً. أريني ماذا ترتدين إذاً".

زاد ارتباكها والتهب وجهها خجلاً وهي تشعر بإقترابه فقالت لتخرج من الغرفة ـ"لا يصح أن أترك صديقتي الآن...سأذهب لأودعها وأجهز لك العشاء..ألا تتضور جوعاً؟"

تحسس معدته بكفه قائلاً بألم مصطنع ـ"جئت على الجرح..نعم أتضور جوعاً...أخبريني أولاً أين نصيبي من الحلوى؟"

أشارت بكفها إلى الحمام الملحق بالغرفة قائلة ـ"غير ملابسك وريثما تنتهي من حمامك يكون طبق الحلوى في انتظارك..المهم ألا تكثر منها وإلا فقدت شهيتك".

تحسس معدته ثانية وهو يتجه إلى الحمام قائلاً ـ"لا تقلقي...فأنا اليوم أتضور جوعاً بالفعل".

لم تتحرك من موقعها عند باب الغرفة إلا حينما لمحته يغلق باب الحمام، فأسرعت إلى صوان ملابسها وفتحته لتلتقط أول بلوزة حريرية صادفتها في سرعة قبل أن تغلق الصوان وتغادر الغرفة في خفة ونبضات قلبها كقرع الطبول في أذنيها.

وعند باب غرفة الصالون التي كانت تجلس بها مع صديقتها فوجئت بوالدتها تحاول إقناع(نهى)بالبقاء قليلاً وسمعتها تعتذر قائلة ـ"كان بودي البقاء أكثر، ولكن ينبغي أن أعود إلى أمي، فسأسافر بعد غد إن شاء الله ولابد أن أقضي الفترة الباقية معها".

تدخلت (هالة) في الحديث قائلة ـ"ولكن الحديث لم ينته بعد، وكذلك القهوة".

قبلتها صديقتها على وجنتيها قائلة ـ"نكمل حديثنا على الهاتف، وبعدها على الإنترنت. أعدي القهوة كل خميس واشربيها معي على الماسنجر".

ثم صافحت والدة صديقتها واتجهت إلى باب الشقة قبل أن تلتفت إلى صديقتها التي تبعتها قائلة بضحكة مكتومة وهي تشير إلى البلوزة الحريرية التي تمسكها بيدها قائلة ـ"ارضي بقدرك يا (هالة) وخذي بنصيحتي...أراك على خير".

احتضنتها (هالة) واستودعتها قائلة ـ"لقد أستودعتك، فلا تجعليني أرتكب جريمة الآن...هيا مع السلامة".

وحينما أغلقت الباب خلف صديقتها هرعت إلى غرفة ابنتها لترتدي البلوزة الحريرية فوق بلوزتها الحمراء.
ولكن لسوء حظها لم تنتبه إلى البلوزة إلا متأخراً...

فقد كانت البلوزة شبه شفافة
جزء منها لامع مثل الساتان، وجزء آخر أقرب إلى الشيفون الشفاف
وبالتالي كانت البلوزة الحمراء واضحة من تحتها

دارت بعينيها في الغرفة تبحث عما يمكنها إرتداؤه بدلاً من تلك البلوزة، لكنها لم تجد سوى إسدال الصلاة، وهو طلب منها أن يراها دونه.

راودتها نفسها بالعودة سريعاً إلى الغرفة لتأخذ بلوزة أخرى قبل أن يخرج من الحمام، وعزمت أمرها على ذلك.
لكنها ما أن خرجت من غرفة الصغيرة حتى تناهى إلى مسامعها صوته يناديها من غرفتهما قائلاً ـ"أين الحلوى يا (هالة)؟ لا تقولي إنها إنتهت".

غاص قلبها بين ضلوعها للحظات قبل أن تجد صوتها لتقول بهدوء ـ"حالاً يا (طارق)".

واتجهت إلى المطبخ لتجهز طبقه وهي تدعو الله ألا يلحظ (طارق) ارتباكها

تعليقات