رواية دمعات قلب الفصل الثالث عشر13والرابع عشر14 بقلم رباب فؤاد


 
رواية دمعات قلب الفصل الثالث عشر13والرابع عشر14 بقلم رباب فؤاد


فتح (طارق) عينيه بتكاسل وأدارهما إلى الفاتنة التي توسدت ذراعه ونامت في وداعة، فابتسم وداعب وجنتها وطرف أنفها وهو يهمس بحب ـ"(سمر)...(سموري)...صباح الخير يا حبي".

منحته ابتسامة ناعمة دون أن تفتح عينيها وهي تقول بدلال ـ"صباح الخير".

طبع قبلة دافئة على جبهتها وهو يهمس ـ"صباحية مباركة يا أجمل عروس".

فتحت عينيها لتطالعه بعينين عسليتين ناعستين وهي تجيبه بنعومة ـ"صباحية مباركة يا أحلى عريس".

داعب طرف أنفها ثانية قائلاً ـ"ألن تستيقظي؟ إنها الظهيرة الآن".

عقدت حاجبيها الجميلين بتبرم مصطنع قائلة ـ"حبيبي...إنه أول أيام زواجنا...فلماذا نستيقظ الآن"؟

تسللت أصابعه تدغدغها وهو يجيب بلهجة عابثة ـ"لأن سرعان ما سيأتي المهنئون بالزفاف، وينبغي أن نستعد لاستقبالهم مسبقاً".

تلوت بين ذراعيه وهي تضحك من دغدغته قائلة ـ"لن نفتح لهم الباب".

واصل دغدغتها وهو يحاول أن يبدو جاداً ـ"أنترك أبي ووالدتك على الباب؟ يالنا من جاحدين".

حاولت أن تبعد أصابعه عنها وهي تحاول الفكاك من الدغدغة التي تجعلها تضحك بهستيريا ـ"حسناً...حسناً...لقد استيقظت".

توقف عن مداعبتها وأدار وجنته إليها قائلاً ـ"أين قبلة الصباح"؟

ضحكت وهي تقبل وجنته قائلة ـ"أحلى قبلة صباح لأحلى عريس".

قالتها ثم نهضت تجلس على الفراش إلى جواره وتتأمل عينيه العسليتين المائلتين إلى اللون الأخضر للحظات قبل أن تهمس ـ"أحبك".

تاه في عينيها هو الآخر قبل أن يقول كالمنوم مغناطيسياً وهو يداعب شعرها الكستنائي ـ"الحمد لله أنني تزوجتك...لقد كنت حلماً صعب المنال".

تناولت أصابعه بين يديها وهي تقول بدلال ـ"والحمد لله أنه تحقق."

رفع كفيها إلى شفتيه يلثمهما بحب قائلاً ـ"أحبك يا (سمر)، أحبك وأعدك أن أملأ كل أيامنا حباً".

تاهت في عينيه ثانية ثم أراحت رأسها على صدره وهي تهمس بتبرم طفولي ـ" ألا يدرك الضيوف أن الحفل انتهى متأخراً"؟

ضحك لصوتها الطفولي ومسد شعرها بحنان قائلاً ـ"حبيبتي إنه يوم واحد فقط...سنغادر إلى الإسكندرية غداً إن شاء الله ولن يزعجنا أحد هناك".

ضحكت بدورها وهي تقول بصوت حالم ـ"آه...كم أعشق الإسكندرية، ومن المؤكد أن عشقي لها سيزداد معك".

عاد يدغدغها ثانية وهو يقول ـ"هيا إذاً يا عاشقة...فأنا أتضور جوعاً".

تلوت ثانية وهي تضحك قائلة ـ"هيا معي إذاً".

تركها وهو يعدل ياقة منامته قائلاً بلهجة سينمائية ـ"لقد اعتدت على تناول الإفطار في الفراش".

نهضت واقفة وجذبته من ذراعه وهي تمثل الصرامة قائلة ـ"لاااا...الرجال هنا لا يمثلون الدلال...هنا تقف معي في المطبخ وتساعدني".

نهض خلفها وهو يقول متبرماً ـ"ولكن (هالة) ت...".

قاطعته بنظرتها التي حار في تفسيرها وهي تقول ببرود كسا صوتها فجأة ـ"أنا (سمر)، ولست (هالة)".

تدارك نفسه سريعاً وهو يضمها إليه ويقبل رأسها قائلاً ـ"أسف حبيبتي...لم أقصد".

وكزته في كتفه بدلال ثم جذبته من كفه ثانية خارج الغرفة، وتبعها في هدوء إلى المطبخ ووقف عاقداً ذراعيه أمام صدره وهو يتابعها بعينيه وهي تفتح المبرد وتلتقط أطباقاً مغلفة من داخله قبل أن ترفع نظرها إليه قائلة ـ"حبيبي...لا تقف مكتوف الأيدي هكذا...هيا أشعل الموقد وساعدني في تسخين الطعام".

هز رأسه وهو يتقدم إلى داخل المطبخ ويتجه إلى الموقد قائلاً ـ"لم أسمع عن عريس يدخل المطبخ صبيحة زواجه".

التفتت إليه تتأمله للحظات ثم تناولت كفيه بين راحتيها قائلة بحزم ـ"حبيبي...ينبغي أن نضع قواعداً للتعامل في المنزل...كيفية المساعدة وتقسيم الأعمال بيننا".

رفع حاجبيه بدهشة حقيقية وهو يقول ـ"هل أنت جادة؟ لقد ظننتك تمزحين".

ضحكت وهي تتأمل دهشته قائلة ـ"ما سبب دهشتك هكذا؟ أنت طبيب وأنا طبيبة، أنت تعمل في مستشفى وأنا أيضاً...إذاً فكلانا يعود إلى المنزل مرهقاً، ولابد من التعاون سوياً في المنزل".

أذهله حديثها الواثق وكأنها أعدت لهذا الحديث عدته من قبل، خاصة حينما فتحت أحد أدراج المطبخ والتقطت منه دفتر ملاحظات وقلماً واتجهت بهما إلى طاولة تتوسط المطبخ وجلست أمامها قائلة ـ"هيا نتفق على هذه النقاط سوياً".

جلس أمامها على الطاولة وهو يقول بضيق ـ"حبيبتي...هذا الحديث لا يليق بأول أيام زواجنا...إنه شهر العسل...العسل يا(سمر) وليس الطبيخ والغسيل".

رفعت عينيها إليه وقد شعرت بنبرة الضيق في صوته وسمعته يتابع ـ"هذه القواعد والنقاط تستطيع الانتظار حتى نعود من الإسكندرية...ممكن"؟

مدت كفيها عبر الطاولة تحتضن أصابعه وهي تقول بابتسامة ودود ـ"طبعاً يا حبيبي...يالي من حمقاء لأعكر صفو يومك بهذا الطلب".

رفع كفيها يلثمهما بحب وقد اختفى شعوره بالضيق وهم بقول شيء ما حينما قاطعه صوت جرس الباب المفاجئ الذي افزع عروسه وجعله يمط شفتيه في تذمر قائلاً ـ"استغفر الله العظيم...لقد استيقظنا للتو يا جماعة...ألديهم كاميرا تصوير في الشقة أبلغتهم باستيقاظنا"؟

ضحكت وهي تتأمل تعبيرات وجهه المتبرمة ثم ما لبثت أن نهضت قائلة ـ"لا تغضب...سأفتح الباب و...".

قاطعها وهو يهب من مقعده ويمسكها من معصمها هاتفاً ـ"أجننت؟ كيف تفتحين الباب هكذا"؟

قالت بحرج ـ"حبيبي سأمر بغرفة النوم في طريقي وارتدي معطفاً حريرياً".

جذبها إليه وهو يقول في خبث ملوحاً بإصبعه في تحذير ـ"لا حريري ولا حتى صوف...أول قاعدة في البيت: ممنوع فتح الباب وأنت في لباس النوم".

وكزته في كتفه بدلال قائلة ـ"لقد ظننت أن القواعد ستنتظر عودتنا من الإسكندرية".

داعب طرف أنفها وهو يقول ـ"إلا هذه القاعدة...لا أحب أن يرى زوجتي غيري...هيا اذهبي وغيري ملابسك".

قبلت سبابتها ثم وضعتها على شفتيه قائلة بنفس الدلال ـ"ماشي كلام سي السيد".

قالتها واستدارت متجهة إلى غرفتهما، بينما عاد جرس الباب إلى الرنين ثانية فعدل منامته واتجه نحو الباب، ثم توقف أمام مرآه مجاورة ليتأكد من هندامه ويصفف شعره الناعم بأصابعه قبل أن يلتقط نفساً عميقاً ويفتح الباب.

الفصل الرابع عشر 

اقترب (طارق) من باب الشقة وألقى نظرة سريعة عبر العين السحرية قبل أن يلتقط نفساً ثانياً ويرسم ابتسامة واسعة على وجهه وهو يفتح باب الشقة ليرى وجه والده وحماته وزوجها وابنيه الشابين، فقال بدهشة وهو يدعوهم إلى الدخول ـ"أهلاً وسهلاً...هل حضرتم معاً"؟

ضحك والده وهو يجيبه ـ"لقد التقينا على باب الشقة".

صافحته السيدة التي تشبهها زوجته وكأنها نسخة بالكربون قائلة ـ"صباحية مباركة يا عريس...هل أزعجناكم"؟

ضحك (طارق) وهو يفسح الطريق لهم قائلاً ـ"البيت بيتكم يا جماعة...تفضلوا بالدخول".

دلفت السيدة التي لم يتجاوز عمرها الخمسين عاماً، ولم تفقد جمالها بعد، وتبعها زوجها الذي لا يبدو مريحاً، وابناه اللذان جالا ببصريهما في أرجاء الشقة قبل أن يتخذا مقاعدهما في صدر الردهة وأعينهما لا تزال تجوب الشقة.

لم يعرهما (طارق) اهتماماً وهو يلتفت إلى والده وينحني ليقبل ظهر يده باحترام قائلاً ـ"نورت بيتي يا والدي".

ربت والده على ظهره بحنان قلما يظهره، وهو يقول ـ"بارك الله لك يا ولدي".

صحبه (طارق) إلى الداخل بعد أن أغلق الباب، وما أن التفت حتى راعه ما رأى.

إتسعت عيناه في دهشة وتصاعدت دماء الغضب في رأسه أمام هذا المشهد، حتى هيئ إليه أن دخاناً يتصاعد بالفعل من رأسه وأن الدماء ألقت بغشاوة على عينيه فأصبح ما حوله مصبوغاً بلونها.

فأمامه كانت عروسه مرتدية قميص نوم أحمر وعليه معطفاً شفافاً من نفس اللون، وقد تركت شعرها الناعم منسدلاً على كتفيها وزينت وجهها بمختلف مساحيق الزينة وهي تتجه مبتسمة لتحتضن والدتها في سعادة.

كان يشعر بأصوات التهنئة من والدة زوجته وزوجها وابنيه السخيفين وكأنها تأتي من بئر سحيق، لأن انتباهه كله كان مع تلك التي يلتهما بأنظارهما اثنان من غير محارمها.

وبالرغم من الغليان الذي يشعر به في عروقه، اتجه إلى زوجته وسحبها من ذراعها بابتسامة جاهد ليزرعها على وجهه وهو يقول لحماته ـ"عذراً يا جماعة...البيت بيتكم طبعاً. لو سمحتي يا(سمر)، أريدك دقيقة".

قالها وهو يجذبها خلفه إلى حجرتهما التي دخلها وسمح للقليل من غضبه بالظهور وهو يقول من بين أسنانه وقبضته تضغط على ذراعها ـ"ما هذا الذي ترتدين؟ ألم أحذرك منذ قليل؟ لقد منعتك أن تفتحي الباب فكيف تخرجين إليهم بقميص النوم؟"

أدهشها غضبه، الذي لم تر له مبرراً، وهي تقول بهدوء ـ"حبيبي، إنهم أهلي ووالدك...لا يوجد أغراب".

هتف بها وهو يحاول ألا يعلو صوته قائلاً ـ"والله؟ وماذا عن أبناء زوج أمك؟"

ارتفع حاجباها في دهشة قائلة ـ"(طارق) إنهم أخوتي وأصغر مني، لقد نشأنا معاً".

هتف بها من بين أسنانه ـ"كلا ليسا إخوتك...وليسا من محارمك حتى تخرجي إليهم بهذا الشكل. لقد كانا يلتهمانك بأنظارهما".

أدركت بذكائها الأنثوي أنه يغار عليها فلمست وجهه بأطراف أصابع يدها الحرة قائلة بدلال ـ"أتغار يا حبيبي؟"

أبعد أصابعها عن وجهه بغضب قائلاً ـ"الأمر لا علاقة له بالغيرة. إنها عاداتنا التي نشأنا عليها وتعاليم ديننا التي تصف الحياء بأنه شعبة من الإيمان. حتى (هالة) لا تزال تجلس أمامي بالحجاب أغلب الوقت رغم أنني زوجها".

لم يكد يذكر اسم زوجته الثانية أمامها حتى شعر بملامحها تتغير وهي ترمقه بنفس النظرة التي حار في تفسيرها في الصباح قبل أن تجذب ذراعها من قبضته في قوة وهي تقول من بين أسنانها ـ"أعتقد أنني أوضحت من قبل أنني (سمر)، ولا يهمني ماذا تفعل (هالة)".

شعر بالضيق الذي اعتراها وبالجو الذي بات مشحوناً بينهما، فتنهد في عمق وهو يخلل شعره بأصابعه قائلاً بكل الهدوء الذي وجده داخله ـ"حبيبتي...أنا رجل شرقي وأصولي ريفية، ولا أحب أن ينظر الأغراب إلى زوجتي. سميها غيرة أو تشدد أو حتى رجعية، لكني لا أحب أن يراك غيري...ممكن؟"

تنهدت هي الأخرى ولانت ملامحها ونظرتها العدائية وهي تقول بهدوء تشوبه السخريةـ"أمر سي السيد...خزانة الملابس أمامك...اختر ما تريدني أن أرتديه".

منحها ابتسامة عذبة وهو يطبع قبلة سريعة على طرف أنفها المستقيم قائلاً ـ"لا لن أختر لك، فأنا أثق فيك وفي رجاحة عقلك. سأخرج إليهم ريثما تبدلين ملابسك".

قالها والتفت يغادر الحجرة قبل أن يستدير إليها ثانية ويباغتها بدغدغتها قائلا بجدية مفتعلة ـ"ثم أين كان هذا القميص بالأمس؟"

ضحكت من دغدغته قائلة ـ"خلاص تبت إلى الله...لن أرتديه لغيرك".

قبل جبهتها بحب قائلاً ـ"لا هو ولا غيره...هيا لا تتأخري".

منحته ابتسامة سريعة وهو يخرج قبل أن تلتفت إلى خزانة الملابس وتقف واضعة كفاها حول خصرها، وهي تتأمل ملابسها في حيرة قائلة بسخط ـ"يا ربي...أين كان هذا الوجه الرجعي من قبل؟" 


تعليقات