أخر الاخبار

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل السابع والعشرون27 والثامن والعشرون28 بقلم تميمه نبيل


 رواية لعنتي جنون عشقك الفصل السابع والعشرون27 والثامن والعشرون28 بقلم تميمه نبيل



كانت حلا تستمع الى صوت محدثها الغاضب في الهاتف بقلبٍ وجل مرتجف .....من حقه أن يغضب ... من حقه تماما .... لقد اشتاقت اليه اكثر من شوقه اليها بمراحل ..... إنه وحشها الحبيب ..... بالرغم من سعادتها بالإنجازات القليلة التى حققتها الفترة الماضية الا أن ألما متوحشا كان ينهش صدرها كل ليلةٍ وهي بعيدة عنه .... .تنهدت بحزن ثم همست ما أن انتهى

؛( حاول أن تفهمنى يا ادهم ...... كيف سأتمكن من ترك سابين بمفردها بعد أن عادت سما الى بيتها )

عاد ادهم ليصرخ بها

( لست مستعدا لتحمل نتيجة أخطاء سابين ........إنها مجنونة وقد تزوجت مِن مَن هو أشد منها جنونا , وإن انتظرنا الى أن يتعقلا فلن تعودي أبدا ........)

تنهدت مرة أخرى ثم قالت تستعطفه ليتفهمها

( ادهم حبيبي .....أيا كان السبب لكن الواقع الآن يقول أنها في الشهور الأخيرة من الحمل ....وليس لها الآن غيري لتساعدها فكيف أتخلى عنها ؟......لم تكن يوما بمثل هذه القسوة يا ادهم )

قال ادهم بغضب

( حلا ..... كفي عن الاعيبك التى أعرفها جيدا , تملقك في الكلام لن يفيدك أبدا .......وإن كان على خدمة سابين فسأحضر لها فريقا كاملا من الخادمات ليخدمنها .......جاء الزمن الذى أضطر فيه للبحث عن سبل راحة السيدة سابين حتى ترضى عني وتطلق سراح زوجتي .......ياللعبث )

حاولت حلا تهدئته قليلا وهي ترتجف من شدة المشاعر الغاضبة المكبوتة في صوته فقالت بترجي

( ادهم .......اسمعني فقط )

صرخ بغضب مقاطعا اياها

(أنتِ زوجتى ومن حقي عليكِ أن تطيعيني )

أغمضت حلا عينيها وبالرغم من اقتناعها بأنه محقا تماما الا أنها بعد فترة صمت قالت بعند

( هل عدنا لهذه النغمة من جديد ؟.........ما رأيك أن تأتي لتأخذني وتحتجزني من جديد ؟ فهذا ما كنت تجيده دائما )

ساد الصمت المشحون للحظة .... ثم قال ادهم بصوتٍ خافت اشد خطورة من صراخه

(سأنصحك نصيحة يا حلا ......ليس من مصلحتك أن تتفوهي بأي شيءٍ خاطىء الآن فأنا لست في أفضل حالاتي ...... وقد لا يعجبك رد فعلي ..........)

اتسعت عيناها قليلا ..ثم قالت بصوتٍ مصدوم ( هل تهددني ؟.........)

رد عليها بنفس النبرة الخفيضة ( لكِ أن تعتبريه تهديد إن أردتِ ........)

قالت بصوتٍ منخفضٍ مبهوت ( ادهم ....... لماذا تكلمنى بهذه الطريقة )

رد عليها ببرود ( لأنني مللت من تدليلك .......دون أن أحصل على أي اهتمامٍ مماثل منكِ )

اتسعت عيناها وهتفت ( لم تحصل على اهتمامٍ مني ؟؟.......كيف ..... كيف تقول هذا الكلام الظالم )

رد عليها ادهم بقسوة ( أخبريني شيئا واحدا تفضلتي وفعلته من أجلي ...........)

فتحت شفتيها بصدمة ....لا .....هذا ليس ادهم ...... لماذا يعاملها بمثل هذه القسوة .......شعرت أن قلبها على وشكِ التحطم ....همست بألمٍ وعتاب ( لهذه الدرجة لم تجد منى ما أسعدك يوما ........)

سمعت همسة غاضبة على الأغلب كانت إحدى شتائمه .......قال بعدها بعنف

(ليس معني أني عشت أياما قليلة سعيدة معك .....أنكِ بذلتِ أي مجهودٍ من أجلي في سبيل ذلك )

بدأت عيناها تدمعانِ وشفتاها ترتجفان ثم همست بضعف ( لا أفهم ........)

هتف ادهم حانقا

( عشنا أياما سعيدة لأنني أنا من حاولت كل ما في وسعي لإسعادك .... بينما أنتِ كنتِ دائما الطرف المستقبل , لم تحاولي أبدا قلب الأدوار و منحي بعضا من الإهتمام الذى أعطيته اليكِ )

هتفت حلا وهي تشعر وكأنه لكمها بكلامه ؛( كيف ......كيف .....لقد منحتك كل ما استطعت منحه على الإطلاق ......لكن حالتي .....أعرف أنك تعبت كثيرا .....لكن ..... لكن ......)

لم تستطع أن تكمل كلامها المبحوح وهي تشعر بغصةٍ في حلقها .....فغطت فمها المرتجف بيدها وهي تحاول منع نفسها من البكاء مغمضة عينيها .......

ناداها بصرامة ( حلا ........)

ردت عليه بعد لحظةٍ بصوتٍ مجروح ( نعم ......)

رد بنفس القسوة دون أن يلقي بالا بصوتها الذى يوضع أنها على وشكِ الانفجار بالبكاء في أية لحظة

(إن ظننتِ بأنكِ ستستدرين عطفي بالكلام المستهلك عن حالتك السابقة .....فلا تتعبي نفسك , لقد مللت القصة القديمة , أرى أنكِ تتقدمين بشكلٍ ملحوظ في كل نواحي حياتك ..... لكن بالطبع حين يحين دوري في المطالبة باثبات وجودي في حياتك ......تعودين الى الاختباء وراء ..... العذر الذي تلجأين اليه دائما لتضعيه حاجزا يمنعني من مجادلتك او التصرف بعكس رغباتك )

لم تستطع الرد ..... إنها لا تصدق ما تسمعه .... كأنها تستمع الى شخصٍ غريب و ليس ادهم أبدا ....

تابع ادهم بفظاظة

( كلمة نهائية ..... ستعودين ما أن أوفر لسابين من يساعدنها ..... هل كلامي مفهوم )

همست بشكلٍ محزن وهي ترتجف و تإن من قسوته

( المسألة ليست في وجود من يخدمها ..... إنها تحتاجني أكثر من أي وقتٍ مضى , إنها تتألم بشدة يا ادهم مما فعله احمد معها ......كيف سأتركها وسط أحزانها لأذهب وأجد سعادتي الخاصة بمنتهى الأنانية ........)

صرخ ادهم مرة أخرى وهو غير قادر على تحمل هذا الهراء اكثر

( حلا .... لا تدفعيني الى الجنون , فهل اهتم بكِ احد حين كنتِ تصارعين الموت في بلادٍ غريبة .....)

ساد صمتا قاتلا بعد أن انفجر ادهم بهذه العبارة المؤذية .......قال بعد فترة بصوتٍ أقل حدة ( حلا ........)

الا إنه لم يسمع ردا .....فقال مرة أخرى بقوة ( حلا ردي علي .........لا تنتهزي فرصة كلمةٍ قلتها في لحظة انفعال لتنقلبي ضدي )

عاد الصمت ليجيبه مرة أخرى ... الا أن صوت بكاءٍ ناعم وصله بصعوبة .....فصرخ بشدة

( هل تبكين الآن ؟........اللعنة ..... اللعنة ..... لم أعد أتحمل أكثر , أنا لست مراهقا لأستمتع بكل تلك التفاهات ...... عمتِ مساءا )

ثم أغلق الخط ......ظلت حلا تنظر بذهول الى الهاتف في يدها ودموعها منسابة على وجنتيها ......ثم ارتمت على الفراش دافنة وجهها في الوسائد وهي تشهق باكية .....

بعد أن هدها البكاء طويلا .... سقطت في غيبوبة نومٍ لفتها بستائرها المظلمة .... الى أن حل الصباح ........فتحت عينيها المتورمتين بصعوبة وهي تلافي اشعة الشمس الدافئة بيدها ......فجأة لاحظت وجود ظل رجلا .. جالسا باسترخاء على الكرسي الموجود بقرب النافذة .......يتأملها بصمت ...لكنها وشباك النعاس التى لازالت تحيط بعقلها واشعة الشمس التى تغشي عينيها من بين الستائر المفتوحة ... لم تستطع للوهلة الاولى تبين ملامح الرجل الموجود بغرفتها ......

انتفضت جالسة في مكانها وهي تشهق برعب ( ادهم .........)

أتاها صوته الدافىء العميق من الكرسي الذى يجلس عليه ( إنه أنا حبيبتي ........لا تخافي )

ظلت تلهث خوفا فقط لبضع لحظات ثم نشجت ببكاءٍ ناعم وهي تهمس مرة أخرى لكن إرتياحا لا استنجادا ........( ادهم .....)

طارت من فراشها وجرت حافية اليه الي أن رمت نفسها جالسة على ركبتيه مندسة في أحضانه وهي تتعلق بعنقه بذراعيها .....تلامس عنقه الدافىء بشفتيها ........المبللتين بدموعها المتساقطة ......وهي تهمس باسمه مرة بعد مرة .....

أحاطها ادهم بذراعيه برفق وهو يربت على شعرها .....هامسا بهدوء ( كفى حبيبتي ......لا تبكي )

رفعت وجهها المحمرالمبلل بالدموع اليه بعد فترة وغرقت طويلا في دفىء عينيه ......ثم همست بضعف

( لا تغضب مني ...... لا أتحمل غضبك أبدا , أرجوك )

قال ادهم بصوتٍ هادىء (لست غاضبا ...........)

خفق قلبها بشدة من هدوء نبرته ...... فهمست بقلق ( بلى .... أنت غاضب مني , لو فقط استطعت أن تتفهمني )

قاطعها ادهم بنفس الهدوء لكن يتخلله نبرة حزم

( حلا ...... قلت لكِ أننى لست غاضبا , وأنا أرفض أن نعيد نفس حوار الليلة الماضية ...لأنه من الواضح أننا لن نصل لأي مكان )

ابتلعت حلا ريقها بخوف وهي تمسح الدموع من على وجهها .... تلاحظ بتوجس إنه متغيرا للغاية .... لم يسابق لمسح دموعها , لم يسحقها بين أحضانه .... لم يقبلها الى الآن ......ليس ثائرا كما من المفترض أن يكون .......

همست حلا وهي تتحسس ذقنه الصلبة ( متى جئت ؟............)

ظل ينظر لعينيها دون أي تعبيرٍ ظاهرٍ عليهما ثم اجابها بهدوء ......(لقد قضيت الليلة هنا ............)

اتسعت عينا حلا بدهشة وقالت ( وكيف دخلت ؟............)

ارتفعت زاويتي شفتيه قليلا بسخريةٍ باردة وهو يجيب بفتور ( من تحت الباب ............)

ارتبكت حلا من جفاؤه لكنها قالت باحراج ( لا ..... أقصد هل سمحت لك سابين بالدخول ؟.......)

ارتفع حاجبه سخرية قاسية فتداركت نفسها وهي تتلعثم اكثر ( اقصد كيف قضيت .... الليلة هنا ؟...... ماذا ستفكر سابين الآن ؟؟.....)

الآن انعقد حاجباه غضبا .... يا الهي إنها تزيد من غضبه بكل كلمة تنطقها ...... ماذا بها ؟...... هل اعتادت البعد عنه فأصبح قربه يربكها من جديد .......غاص قلبها خوفا من أن يكون هذا هو الأمر ......هل صنعت حاجزا قديما بينهما .....إنها مستعدة لأن تموت ولا يحدث هذا من جديد ........جلت حنجرتها بضعف ثم حاولت من جديد فقالت بهدوء حزين

( لماذا قضيت الليلة هنا ؟...........)

ظل ينظر لعينيها لحظات ثم اجاب ببساطة ( خفت عليكِ حين سمعت بكائك ............)

دمعت عيناها وارتفعت شفتاها في شبه ابتسامة ثم همست بضعف ( ولماذا لم توقظني ؟............)

رقت عيناه قليلا بينما ظلت ملامحه بقساوة الحجر ثم قال بصوتٍ خافت ( حين تبكين وتنامين بعدها ........ لا يفلح قطار جرار في ايقاظك .......)

ابتسمت اكثر ولم تتحمل الدمعة التى ازداد ثقلها فسقطت كحبةٍ ماسية على وجنتها البيضاء .......فمد يده الى خصلات شعرها يتخللها باصابعه وهو يجذب رأسها اليه ليلتقط دمعتها بشفتيه .....تنهدت حلا بضعف والدمعات تتوالى وراء بعضها بنعومة ......وهي تتعلق بعنقه اكثر ..... همس ادهم بخفوت يتخلله الصلابة

( حلا ....... لماذا تخافين من العودة الي ؟...... هل لازلتِ تخافيني ؟.هل لهذه الدرجة فشلت في كل ما تعلق بكِ يوما ؟.........)

رفعت رأسها بسرعة اليه وهي تتأوه بحزن ثم همست تترجاه

( لا أخافك ..... لا أخافك أبدا , أنت حبيبي وأبي وأخي ...... لقد اكتشفت مؤخرا أنه لم يكن لي سواك أبدا ......)

ذابت عيناه حبا لها من بساطة كلماتها التى هزت قلبه فقال بصوته العميق ( اذن ما الامر ؟........ الم تشتاقي الي ؟...... )

رفعت أصابعها لتتلمس وجهه من جديد وهي تتأمل كل جزء من ملامحه .....لم تجب ....لم تهتم حتى بإجابة مثل هذا السؤال السخيف ....كيف فقط تشرح له خوفها ..... هل سيتفهمها ؟.........هل تعود وتغلق الماضي وتلقيه في بحر النسيان ........

شردت عيناها بعيدا عن عينيه اللتين كانتا تحاولانِ اقتحام روحها لفهم الحاجز الذى لا يزال بينهما والذى لا يستطيع ادراكه حتى .....

حين شعر بها وقد ذهبت الى عالمٍ اخر من أفكارها البعيدة .... أصر على ان يعيدها اليه .... لعينيه .....فقال بهدوءٍ صادم

(الا تريدين البدء في التفكير بأن تكوني ام .........)

عادت عيناها اليه بصدمة وقد انتفض جسدها انتفاضة بسيطة شعر بها تحت اصابعه المحيطة بخصرها ......ها قد عادت اليه بانتباهها كاملا ..... تبدو الصدمة جلية في عينيها .... فكر بعبوس .... الم تطرأ تلك الفكرة ببالها أبدا ......

ترجم السؤال مباشرة وقال بهدوء وحسم ( الم تطرأ تلك الفكرة على بالك من قبل ...... أم أنها لا تثير حماسك )

ظلت نتظر الى عينيه قليلا وهي تبدو في حالة من الشرود وعدم الاستيعاب .... أم ؟...... أم ؟....... وهل تستطيع ابنة ايثار الراشد أن تصبح أما ؟...... وهل من عاشت زواجا مثل زواجها البائس السابق تستطيع أن تصبح أما صالحة ؟.........هي دون النساء جميعا تستطيع تربية طفل ؟.........وماذا ستغرز فيه ...إنها حتى لم تتزن بما فيه الكفاية لتكن مسؤولة عن طفل .......

( حلا ......)

أفاقت على صوته الصارم ...فنظرت الي عينيه المتألمتين ......اتسعت عيناها وهي تنظر اليهما ,......رباه .... ماهذه النظرة , بسببها ؟..لكنها حتى لم تنطق حرفا واحدا حيال الموضوع .......همست متلعثمة

( ن..... نعم )

صمت لحظة ثم قال بجفاء ( هل ضايقتكِ الفكرة ؟.........)

رمشت بعينيها مرتين ثم همست بتردد ( لا ..... لا بالتأكيد )

ابتسم ادهم بسخريةٍ قاسية ثم قال ( نعم ..... يبدو التأكيد على نبرة صوتك بالفعل )

همست حلا بذعر ( لماذا تتصيد لي الأخطاء .... أنا لم أقل شيئا )

رد عليها ادهم بقسوةٍ رغم الألم الظاهر في عينيه ( لستِ في حاجة لأن تقولي شيئا .....لقد تكفلت عيناكِ بالأمر )

حاولت حلا الكلام الا إنه لم يمهلها فقبض على خصرها بيديه ليرفعها ويوقفها على قدميها ثم قام واقفا هو الآخر ... راقبته بقلق وهو يعدل قميصه ثم همست

( هل أنت ذاهب ؟.......)

ابتسم ادهم بشراسة ثم قال بسخرية ( نعم بالتأكيد ........هل ظننت أنني سأبقى اليوم معكِ هنا , متسللا كالمراهقين من دونِ علم أهلهم )

احمر وجهها بشدة وهمست ( لا أقصد هذا ...........)

نظر اليها بهدوء ثم قال ( يبدو أنكِ لم تقصدي أشيائا كثيرة يا حلا ...........)

حاولت أن تستعطفه وتراضيه الا إنه قال مقاطعا وقاطعا ( عامة ....... لقد جئت خصيصا لأودعك )

اتسعت عيناها بذعر وهي ترفع يدها لتلمس صدرها اللاهث بينما فغرت شفتيها المرتعشتين ......حاولت .... حاولت النطق الا إن حرفا لم يخرج من فمها .... كانت تشعر بأنها في أحد تلك الأحلام أو الكوابيس التى يحاول فيها الشخص الصراخ الا إن صوته لا يخرج فيظل يقاتل وكأن روحه معتمدة على خروج صوته ........

شعرت بالدوار ......وازدادت خفقات قلبها وشحوب وجهها .... فصرخ ادهم ( حلا..... حلا ماذا بكِ ؟)

للحظةٍ تركت الدوار يلفها عالمة أنه سيتلقاها بين ذراعيه .... وبالفعل في لحظةٍ واحدةٍ كان يحملها ليضعها الفراش برفق ثم أخذ يبعد خصلاتِ شعرها عن عينيها التائهتين وهو يهمس

(حلا .......أجيبيني , ماذا بكِ ؟....)

أخذ صدرها يرتفع بسرعةٍ وهي تنظر اليه متسعة العينين .... فوضع ادهم يده في منتصف صدرها يضغط عليه برفق وهو يهمس محاولا تهدئتها .....( اهدئي ..... اهدئي حبيبتي , أنتِ بخير .......لا تقلقي لن تصابي بالإغماء فقط انظري الي .......)

حاولت تهدئة انفاسها السريعة وهي تضع يدها الصغيرة فوق يده الضاغطة على صدرها .......نظرت اليه وهمست بتقطع

( ادهم .......ادهم ...... يالهي .......سأموت ان تركتني )

عقد ادهم حاجبيه بشدة ثم قال بغضب ( أتركك ؟؟....... هل جننتِ ؟..)

انسابت دموعها غزيرة فوق وجنتيها الشاحبتين و أخذت تهدىء نفسها قليلا .......( لقد ......لقد قلت .......)

ازداد غضب ادهم وهو يجذبها بعنف بين ذراعيه ضاما ايها الى صدره حتى كاد ان يخنقها من شدة ضغطه وهو يقول بقسوة

( اصمتى ايتها الحمقاء .......اصمتى )

اطمئنت بضربات قلبه القاسية التى كانت تضرب وجنتها بقوة فعرفت بانها حمقاء بالفعل ..... مهذا الذعر الذى اصابها ؟؟.......هل اصبح ادهم يشكل لها مثل هذا الهوس ؟؟..... كانت تعتقد انها قد بدات تحل تلك النقطة تحديدا مع سمر ...... علاقتها بادهم ........

كانت تعرف بأن تعلقها به قبل أن تبتعد عنه أصبح مرضيا نوعا ما .... وحقا كانت راضية بهذا فقد كان هذا الارتباط يشكل لها نوع من الحماية ضد أي شيء قد يعود ليؤذيها .........لكنها رغما عنها كانت تشعر بشيءٍ خاطىء في تعلقها الزائد به .... حتى أنها شبه أثارت اشمئزازه تلك المرة الأخيرة قبل أن ترحل مع سابين من القصر ......

في تلك الآونة الأخيرة قبل رحيلها كان ادهم هو كل ما تريده .... حتى أنها لم تكن تطمح بأن تخرج من غرفتهما !!!.....فقط تعد الساعات انتظارا له .......حتى هلال حاولت في النهاية قطع تلك الصداقة المزيفة به ....ليس عن اقتناع بمبدءٍ معين .....لكن فقط خوفا من أن يصيب أي شىء علاقتها بادهم ...... الوحيدة التى لم ترى غضاضة من التعلق بها كانت سمر .......وكانت دائما تحاول أن تسأل نفسها هل كل الزوجات مهووساتٍ متعلقاتٍ بأزواجهن لهذه الدرجة .... أم أن ما حدث لها سابقا بعيدا عنه كان هو السبب في تشبثها الغريب به ....وبالفعل كانت سمر تحاول تدريجيا الخروج بها من شبكة ادهم مهران .....

و في الفترة السابقة ... كانت قد بدأت تخف قليلا هوسها وتعلقها المرضي به .....وهذا هو السبب الأهم في اصرارها على الإبتعاد عنه

....أن تعتقه من انسانةٍ غريبة لا تصلح الا للشفقة عليها ....وبعد نجاحها في الابتعاد كل هذه الفترة وإيجاد عوامل أخرى لتشغلها عن مجرد ......التعلق بادهم مهران .........كانت تظن بأنها أصبحت متعلقة به تعلق صحي ....الى أن جائت كلمته التى حتى لم يجد الفرصة ليكملها , لتعود الى تلك المهووسة من جديد .......يالهي ماذا سيفكر فيها من جديد ........

رفعت رأسها لتنظر اليه بعجز حطم قلبه ...فأسمك بذقنها بقوةٍ وهو يقول بعنف

(هل ظننتِ حقا أننى سأتركك بعد كل ما خضناه معا ..... إن نظرتك لي مشرفة حقا )

أمسكت يده الممسكة بذقنها وهمست ترتجف ( لا أعلم ماذا أصابني حين سمعت كلمة الوداع ..... ادهم ..... أنا أخجل بشدةٍ من اظهار تعلقي بك ....لا أريدك ان تراني بهذه الصورة اليائسة .... لكن......فقط أريدك أن تعرف أنه إن تركتني سأموت ..... سأموت حبيبي )

شد على ذقنها يهزه بقسوةٍ وهو يقول آسرا عينيها بعينيه الغاضبتين

( اسمعيني جيد لأنني لن أعيد هذا الكلام مرة أخرى ...........أنا لن أتركك حتى ولو حتوقفت حياتك وحياتي على ذلك....هل فهمتِ ذلك جيدا أم أقحمه في عقلك العنيد )

ابتسمت بضعف تومىء وهي غير قادرة على إيقاف ارتعاشها .......فعاد ليضمها وهو يحاول تهدئة جسدها المرتجف وهو يهمس

( ارتاحي حبيبتي ......لم أقصد أن أخيفك )

همست من بين أحضانه الدافئة ( لماذا قلت أنك جئت لتودعني ؟.............)

أخذ نفسا عميقا ثم زفر بيأس....وهو يحرك يديه بقوةٍ على ظهرها ليوفر لها الأمان اكثر .....الى أن قال أخيرا

(سأسافر اليوم لإتمام عمل مهم ......)

رفعت رأسها بسرعة وهي تقول بذعر ( ستسافر ..... مرة أخرى ؟.... ولماذا لم تخبرني قبل الآن ؟.....)

ابتسم بحزن وهو يقول ( أردت أن تكون مفاجأة لك إن وافقت للعودة الي ........كنت أنوى اصطحابك معي , لكنى أرى الآن حماقة الفكرة )

تمزقت روحها يأسا وكللا ....الى متى ستؤلمه ......لم تجد سوى أن تهمس بتمزق ( كم ستمكث ؟.........)

رد عليها بصوتٍ لا تعبير له ( اسبوعين .........)

اسبوعين ؟......لن تراه لمدة اسبوعين ؟....... وهل ستستطيع , بالكاد تحملت سفرته اثناء اجراء جرحة فارس .....

لم تشعر بنفسها حين همست شاردة متاوهة ( أحبك .....يا ادهم )

ظل صامتا طويلا وهو ينظر الى عينيها الجميلتين بحزن ثم انحنى ليقبل وجنتها الناعمة وهو يهمس ملامسا بشرتها بشفتيه

( أحبك يا حلا ...... إياكِ أن تشكي بهذا أبدا )

رفعت ذراعيها لتطوق بهما عنقه وهي تودعه بقوةٍ كادت أن تفتت قلبيهما معا ...... همس ادهم بين خصلاتِ شعرها

( إن كنتِ تحتاجيني فسأبقى ..... حتى وإن لم تعودي معي )

كم أرادت أن تخبره بأنها بالفعل تحتاج اليه بشدة .....لكنها كانت على بعد خطوةٍ واحدة منه ... فلتخطوها دون أن تقفزها .....رفعت رأسها تنظر اليه من بين دموعها ثم مسحتها بيدها مبتسمة وهي تهمس بصعوبةٍ محاولة التظاهر بالقوة

؛( لا ..... لا حبيبي , فلتسافر لتنهي أعمالك وحين تعود باذن الله سيكون لنا حديثا طويلا )

شعر ادهم بالتوجس وهو ينظر اليها عاقدا حاجبيه .... ثم قال متوترا ( أي حديث ...........)

أمسكت وجهه بكلتا يديها ثم همست أمام شفتيه ..... وعينيها لا تحيدانِ عن عينيه .......

( لم أعد أحتمل ألمك وألمي ....... حين تعود سالما ساكون مستعدة للعودة اليك )

نظر اليها بقسوةٍ ممزوجةٍ بالدهشة ثم هدر قائلا

( حلاااا ...... أقسم انني على وشك خنقك ..... الآن ؟؟.....الآن يا حلا تخبريني أنكِ على استعدادٍ للعودة معي ؟......)

ضحكت حلا قليلا ثم همست وقلبها ينتفض ( لعل ذلك أفضل يا ادهم ..... بعد عودتك من السفر باذن الله ..... هذا إن بقيت على إصرارك )

همس ادهم بيأسٍ عاشق قبل أن يسحبها اليه ( أيتها الغبية ..........)

تعلقت به وكأنها تستمد الحياة من قبلته العاصفة التى اجتاحت كيانها كإعصارٍ عاصف .......وبعد لحظاتٍ حين أرجعها ليسندها الى الوسائد خلفها .... تململت منه متنهدة محاولة مقاومة تأثيره القاتل عليها ..... يا الهي ... ما أسهل الإستسلام له والضياع بين ذراعيه لتنسى العالم ...... لكنه كان هروبا ضعيفا ... يختفي سريعا ليعود الألم أشد من ذى قبل ........همست بعد أن نجحت في الإفلات من سطوته عليها

( اذهب الآن .....أرجوك , سأكون أفضل حين تعود .....أرجوك )

أغمض ادهم عينيه وهو يحاول تهدئة أنفاسه المضطربة ..... ثم نهض سريعا مقاوما سحرها الطاغي ..... لا بد له من أن يسافر تلك السفرة اللعينة ....... وستكون هديته حين يرجع ... أن يحصل على طفلته في بيته من جديد .......لو تعلم فقط كم يهواها قلبه وينبض بإسمها مانحا له الحياة... فقط لأنه أحبها ......حلاه وحلا أيامه ..........

سار مبتعدا ناحية الباب تاركا قلبه ليرافقها وهي ممددة على فراشها كطفلة بقميصِ نومها الوردي القصير ...... لابد له ان يخرج من هنا حالا قبل ان تسيطر عليه افكاره .......لكن قبل ان يخرج من الباب التفت اليها ونظر اليها طويلا ... نظرة يشوبها الحزن لكن مع حبٍ لا حدود له ثم قال بصوتٍ عميق حفر الالم نبراته

؛( بالمناسبة .......إن سابين تبدو جميلة للغاية , لم ارها يوما اكثر جمالا .......)

ثم استدار وغادر الغرفة سريعا تاركا حلا وقد فغرت شفتيها بتأوهٍ خرج منهما وكأنها تنازع الحياة .......ماقاله .... ونظراتِ عينيه الحانيتين الحزينتين ..... آآه يا حبيب عمري لكم ظلمتك وضيعت سنواتٍ من عمرك انتظارا لي ..... دون أن أعرف لما ..... ماذا وجدت في لتظل أسير ذلك الحب الذى لم يجلب لك سوى الألم .........

.................................................. .................................................. ................................

بعد اسبوع ......كانت حلا جالسة على فراشها ومذكراتها بين يديها كعادتها كل ليلة...تلك المذكرات التى كانت قد بدأت بها قبل يومٍ واحد من خروجها من القصر ...استطاعت في الفترة السابقة الحصول عليها مرة أخرى دون أن يلاحظ ادهم .... وها هي الآن بين أحضانها ... تخط فيها ما تستطيع أناملها المرتجفة خطه ......تشاركها دموعها المنسابة وحدتها ......لقد شارفت على الانتهاء , وقد آن الأوان لتضع حدا لهروبها الزائف من ادهم ..... ومن الماضي .......سيظل ماضيها سدا منيعا مخفيا بداخلها يفصلها عن ادهم .....مهما حاول هو اقناعها .....هي فقط تعرف أنه سيظل يفترسها الى أن يطير ادهم تلك الذكريات مع الرياح ........هو فقط من سيساعدها على ذلك ..وهي من ستساعده ........

كم اشتاقت اليه ......كم تتمنى أن تسمع صوته الدافىء فقط , أن ترى ابتسامته التى تنير لها الحياة طاردة شباك الألم القديم .......

لكنها لن تستطيع مكالمته الآن .... فما أن يسمع صوتها حتى يلاحظ ارتجافه و غالبا سيطير عائدا اليها ... وهي في حاجةٍ لأن تلتقط أنفاسها بعد أن تنتهي من تلك الأسرار الحزينة التى ترسمها على الأوراق ........كانت كلما خطت سرا , تنساب دمعة ماسية على وجنتها الناعمة لتسقط من على ذقنها لتشارك سرها على الورقةِ الناصعة ............ كل الأوراق تقريبا بها تشوها في أحد الكلمات نتيجة اختلاط دمعتها بالحبر الذى لم يجف بعد ...........

ظلت هذه الليلة تكتب وتكتب ..... الى أن حل منقذها الوحيد حاليا .... الى أن حل شروق الشمس فكانت قد انتهت من آخر كلمة والتى ترافقت مع آخر ورقة في مذكراتها .........وكانت آخر كلماتها

( سأظل أحبك يا حبيب العمر ........ولن يكفي عمري بأكمله لأعوضك عما فات , عزائي الوحيد أنني سأحيا بقربك حياتي القادمة , فوجودك هو من أحيا الأمل بداخلي بعد أن ضعت في هذه الحياة طويلا ........الى أن تلقفتني بين ذراعيك لتطهرني مما لوثني وأنا بعيدة عنك ....كم أتمنى أن أعود طفلة من جديد لأراك بعين الحبيبة ...... لأبعد خوفا من المجهول كان يعتريني حين أراك , ....... والآن فقط أدركت أننى ما كنت أخاف الا ضياعي منك ....... أحبك ...... أحبك يا ادهم مهران )

كانت الدموع قد أغرقت وجهها وهي تتنهد بنعومةٍ ناظرةٍ الى صورةٍ قديمة ..... لم تتذكر حتى متى التقطت لها ...... صورة وجدتها عند سما محتفظة بها فأخذتها منها قصرا بالرغم من اعتراض سما الشديد ..........

كانت صورتهم وهم واقفين بالحديقة اربعتهم .... كانت سابين تقف مائلة بإغراء وقد ظهر الامتعاض على شفتيها المكتنزتين كالعادة بجوارها سما متعلقة بذراعها كالعادة وهي تضحك بسعادةٍ وعينيها تشعانِ كالنجوم .... ويحيط بكتفيها ذراع ادهم ......لكن عينيه .....

لكن عينيه كانت ملتفتين الى الجهة الأخرى ......ينظر الى تلك الفتاة الانطواية الخجولة التى تقف بالقرب منه دون أن تلمسه .... وعيناها شاردتانِ بعيدا .........بينما نام شعرها الطويل على كتفٍ واحدة ليشكل فاصلا ناعما يحول دون رؤيته لمعالم وجهها .......

هل حقا كان ينظر اليها بهذه الطريقة .... وهي من شدة غبائها و ضعف بصيرتها لم تلحظ معنى نظراته ........

رفعت الصورة الى وجهها لتضغط على وجهه بشفتيها بقوةٍ ثنت الصورة ثم همست بصوتٍ كالخيال ( سامحني ............)

أغلقت مذكراتها وضمتها الى صدرها و ضمت ركبتيها اليها كما كانت تفعل حين كانت صغيرة خائفة .........ليس أمامهما الآن سوى أن تنتظره طوال الأسبوع المقبل ..... ويا لها من مدةٍ طويلةٍ ستحرق أعصابها الملتاعة عليه .........
الفصل السابع و العشرون (2) 

وبعد أن مر الأسبوع الثاني .......كان كلا من ادهم مهران وحلا الراشد على وشكِ الاحتراقِ شوقا لبعضهما البعض .......

اصرت حلا على الذهاب الى المطار لتكون في انتظاره لحظة عودته ..... كان شوقها اليه قد فاق كل الحدود .... اكثر حتى من تلك المرة التى سافر لفارس .... بل اكثر حتى من الفترة التى كانت مختفية عنه مع شقيقتيها ......لا تعلم لماذا استبد بها الشوق الى هذه الدرجة ........قد يكون شوقها للعودة اليه ؟...... لكن ....... ليس دون ان ....... ابعدت تلك الافكار السوداء عن تفكيرها حاليا .....

لا تريد ان يخرب شيء فرحتها بلقياه ......... 

حين ابصرته داخلا من ممر المسافرين .... اخذت تلوح له بقوةٍ وهي تقفز و تهتف بسذاجة ( ادهم ........ادهم ...)

نظر اليها بدهشةٍ حين سمع صوت هتافها ..... فاشتعلت عيناه شوقا لعدة لحظات , ثم اختفى ذلك البريق ليحل محله العبوس وهو يعقد حاجبيه ناظرا اليها بغضب وهي تقفز كالاطفال .... وشعرها الرائع يقفز معها و قد تعلقت بها عيونِ من حولها في مرحٍ واعجابٍ بطفولتها الممتزجة بجمالها المشرق .......

حدجها ادهم بنظراتٍ قاسيةٍ ذات مغزى معين علها تفهم وتكف عما تفعله ..... لكنها لم تكف فلم تلحظ غضبه اصلا حين وصل اليها قفزت تتعلق بعنقه بشدةٍ .وهي تهتف بسعادة 

( لقد اشتقت اليك ...... اشتقت اليك حبيبي جدا )

... فلم يستطع مقاومة شوقه اليها فعانقها رافعا اياها عن الارض للحظةٍ واحدةٍ فقط ثم انزلها و انتزع ذراعيها برفق وهو يرى نظراتِ الحسد في عينِ كل من حوله فقال هامسا بصرامةٍ في اذنها 

( توقفي عن تصرفاتك حالا يا حلا حتى لا اصيبك بعاهة ........ كم مرة انبهك الى تصرفاتك خارج المنزل )

أومأت برأسها متوقفة عن القفز وخففت من ابتسامتها الواسعة قليلا وهي تحاول الظهور بمظهرٍ وقور بينما بداخلها بركانِ مرحٍ لا يتفجر الا حين تشتاق اليه .........همست باحترامٍ زائف وهي ترمقه بنظراتٍ عابثةٍ هزت كيانه 

( لقد اشتقت اليك ...........)

ظل صارما عدة لحظات ثم رقت عيناه قليلا وقال بهدوء ( مع من جئت ؟............)

ردت بسعادة ( جئت بسيارة اجرة .......لم احب ان يشاركني احد لحظة لقائي بك )

اصبحت ملامحه مخيفة الان وامسك بذراعها وهو يهدر غاضبا بصوتٍ منخفض

( اتيتِ بسيارة اجرة بمفردك ... وعلى طريق المطار ؟؟...... هل جننتِ ؟.. ماذا لو كان مجنونا او منحرفا ........ كيف كنتِ ستتصرفين وقتها ؟..... لماذا لم تاتِ مع السائق الخاص من المفترض انه في انتظارنا الان .... اقسم انكِ تختبرين صبري يا حلا )

اتسعت ابتسامتها وعيناها تطوفانِ وتتشربانِ كل تفصيلةٍ حبيبةٍ من وجهه .......همست متطلعةٍ بحبٍ اليه بعد لحظة 

( لقد اشتقت اليك ......جدا..)

ابتسم قليلا من بين قسوته ثم نظر اليها بطرفِ عينه وقال (إنها رابع مرةٍ تقوليها ...... ماذا تريدين يا حلا ؟......)

ضحكت قليلا وعيناها تشعانِ حبا ... ثم همست ( لا أريد الا سلامتك .........)

ضحك من عبارتها البسيطة التى تذكرها الأمهات عادة للاباء أثناء خروجهن من المنزل .... كم تليق تلك العبارات بحلاه .... خاصة وإن كانت موجهة له وحده ......

قال بغضب بعدها ( لا تظني أننى سأمرر مسالة قدومك بسيارة أجرة بسهولة ..........) أومأت برقةٍ دون أن تعر بذرةِ خوفٍ منه 

فأحاط كتفيها بذراعه وهو يقبل وجنتها قائلا بصوتٍ أجش صارم ( هيا ........لنعد الى بيتنا )

أومات برأسها في صمتٍ بينما قلبها يدوي بداخلها كقصفِ المدافع .................................................. .

حين وصلا الى القصر بعد أن ظل الرحلة كلها ممسكا بيدها متلاعبا بأصابعها باعثا رجفة في أوصالها .......همست حلا لادهم وهما أمام القصر بتردد ( ادهم انا ...... سأعود مع السائق , لكن بعد أن أطلعك على شيء)

فنظر اليها ادهم بصدمةٍ موجعة شرسة ثم اندفع خارجا من السيارة بعنف دون حتى ان يحاول اقناعها ...... لكنها نزلت تتبعه وهي تسحبه من ذرعه الى المدخل حتى تستطيع التحدث اليه قبل أن ترحل ....... نظر اليها ادهم بشراسةٍ وقال بغضب 

؛( لقد قلتِ .........) لكن حلا قاطعته قبل أن يكمل كلامه وهي تضع يدها على فمه وهي تهمس 

( أعلم ما قلت ..... وسأعود اليك بعد يومين )

عقد ادهم حاجبيه وقال بتوجس ( ولماذا بعد يومين ؟...... لماذا ليس الآن ؟....)

ازداد لهاثها قليلا .... فأخذت نفسا عميقا لتهدىء من نفسها ثم فتحت حقيبتها المنتفخة ... لتخرج منها شيئا ......نظر اليها ادهم متسائلا ... الى أن وجدها تمد اليه كتابٍ أو مذكراتٍ وردية ..... نظر اليها قليلا ثم أخذها وهو يقول مبتسما بحنان وغضبه يتراجع قليلا 

( ماهذا ؟........ هل صنعتِ لي هدية بيديك ؟)

أومأت حلا ببطءٍ وهي تنظر اليه بحزنٍ خائف ......... لكن ما أن حاول ادهم فتح مذكراتها حتى أطبقت بيديها فوق يديه الممسكتين بها وهمست بوجل 

( لا يا ادهم .......... ليس الآن , أمامك يومان لتقراها , وبعدها ما أن تطلبني سأكون رهن اشارتك )

عاد يقضب جبينه متحيرا ثم قال بصوتٍ اجش (ماذا بها ؟...........)

ابتلعت ريقها وهي تنظر اليه بتوسل ... متمنية أن تنتزعها من يده لتحرقها بعيدا .....لكنها لن تفعل ... ليس بعد أن وصلت الى تلك المرحلة .......

همست حلا بضعفٍ تتأوه ( أرجوك ......لا أستطيع مواجهتك , فقط اقرائها حين أرحل ........أرجوك حبيبي )

ظل ينظر اليها طويلا .... وقلبه يخفق بعنفٍ كقلبها , فلقد قرأ ما أراده في عينيها قبل ان يقراه في مذكراتها ..... لقد عرف ما أرادت قوله ......وشعر بشجاعتها تغلب ضعفه .....لقد آن الأوان ليستمع اليها عبر أوراقها .........ويهزم ضعف رجولته الجريحة ......

همس ادهم بخفوت أصعب ما يمكن أن يقوله

(سأعيدك بنفسي ........ لكن أريدك أن تكوني جاهزة أمام الباب بعد يومين لآتي و أصطحبك.........تأكدي من ذلك )

عرفت حلا أنه يحاول طمئنتها وبث الثقة في نفسها من أن أيا كان ماسيقرأه لن يغير شعوره ناحيتها أبدا .....فأومأت برأسها تبتسم بخوفٍ واضح على ملامحها المشتتة وعينيها تبرقانِ بدموعٍ حزينة ....فالتقطها ادهم بين ذراعيه بقوةٍ يضمها الى صدره ....... والمذكرات حبيسة بين صدريهما .........

.................................................. .................................................. ..............................................

كان ادهم جالسا في غرفة مكتبه ..... في كرسيه الضخم الذى كان ملاذه لسنواتٍ طويلة ..... مستندا بظهره , ممسكا بتلك الحزمة الوردية بين يديه ليقرأ اولى كلماتها .........

لا أعرف ماذا أفعل الآن , فأنا لم أكتب شيئا في حياتي من قبل .... وما أكتبه لن يكون قصة بل سيكون واقعا سيئا جدا ......من أين أبدا .....أخبرتني صديقتي الوحيدة أن أبدا من النقطة التى أريدها ......فلأختار البداية التى أريد ........

و أنا أريد البداية منذ أن كنت سعيدة .... اياما كنت فيها لا يشغلنى فيها الا اللعب و الانطلاق , لم أعرف للخوف معنى ......

بلى ........عرفت قليلا ..هههههه كنت أخاف من وحشٍ له أعين رمادية دائما ما كانت تراقبني بقسوة و غموض , لا أعلم ماذا يريد مني .....

هذه هي بداية حياتي ...... أول ذكرى كانت لشخصٍ مخيفٍ ضخم يسألني بصرامة عمن أكون و ماذا أفعل هنا في هذا القصر بالذات الذى أنا فيه الآن ......يومها كنت أرقص مسحورة من هذا القصر المذهل كقصور الحكايات و الذى أخبرتني أمى اننا سنعيش به .......

ابتسم ادهم بحزنٍ وهو يتذكر حين رآها ترقص في بهو القصر .... طفلة ذهبيةٍ عسلية .... بضفائر ناعمة ........

وكأن هذا اليوم في مخيلته كان بالأمس ......ذابت عيناه اشتياقا لطفلته الحبيبة ........وتابع قراءة همساتها 

ترى هل لو كان والدي موجودا كانت حياتي ستختلف ..... كم أتمنى أن اتذكره , وجهه يضيع مني تماما , وصوره اختفت من كل مكان .....اتذكر أننى كنت اجلس دائما على كتفين قويتين تحملانى الى السماء وأنا اضحك بلهفة باسطة كفي اليها ......

لكن ما اتذكره جيدا أن شخصا آخر حملني على أكتافه لرؤية الالعاب السحرية .... في عيد ميلاد سابين الاسطوري بالنسبة الى باقي الاطفال والذى لم أحظى بمثله ابدا ....... يومها كنت أحاول أن أرى من وسط ازدحام الأطفال الأطول منى ولم أستطع رؤية أى شىء .....لكن فجأة شعرت بيدين حديديتين ترفعاني من خصري في لحظةٍ واحدة لاستقر على كتفين قويتين حتى أصبحت الرؤية مفتوحة أمامى تماما ..... لم أحتاج لأن انظر لأرى من كان يحملني..... فقد كنت أعلم .......

همس ادهم برقةٍ لنفسه ..... كنت انا حبيبتي ...... كما ساظل دائما ..........ثم تابع .....

يوم ميلادي الثامن عشر 

مد يده وأخذ يتلمس وجنتي ...... اذكر جيدا تلك الصاعقةِ الكهربيةِ التى أصابتني حين لمسني .... أحيانا كان يقبلني على وجنتي فى أعياد ميلادى او عند نجاحي و كنت أنا اقف دائما متصلبة حتى تنتهى قبلته التى تبدو كلصق طابع بريدي على وجنتي ......

لكن شيئا ما تغير هذه المرة ........حين خفض رأسه و لامست شفتاه فكى ......كانت هذه هى المرة الأولى التى اشعر فيها اننى أصبحت امرأة , حتى أني من هول ما شعرت به أخذت انهر نفسي ..... افيقي يا حلا إنه ادهم ... هل وصل هوسك في البحث عن الحب الى هذه الدرجة .......ثم أفقت من أفكاري على صوته الذى خرج غريبا عن ذلك الذى أعرفه 

(عيد ميلادٍ سعيد يا حلا .......)

اتسعت ابتسامة ادهم وانتفض قلبه من ذكرى صغيرةٍ لكن لم تترك عقله من يومها ..... كان على وشكِ الاعتراف بحبه لها في تلك اللحظة ...... ليته فعل .....فقط ليته فعل و لم ينتظر وهم أن يحافظ عليها لتزداد صلابةٍ قبلا ........

اسكتني بنفس القبلة على فكي حتى بدى وكأن مذاقها قد أعجبه ..........افقت من أفكاري المجنونة على صوتٍ كان بالنسبةِ لي من اقبح الاصوات .......

( كان يجب أن تغلقا الباب ........)

انتفضت بشدة و أنا ابتعد عن ادهم و استدير لرؤيته ........سبب كل لونٍ أسود في حياتي .......

طلال مهران ..... ابن عم ادهم .....ذلك العم الذى لم اعرف عنه الا انه مات في احدى المصحات بعد صراعٍ مع خللٍ عقلي لا سبيل للشفاءِ منه .......ليرحل عن هذه الدنيا بعد أن حاول الامبراطور جاهدا اخفاءه عن حياة العائلة ........

لكنه ترك نبتة مسمومة .... سممت حياتي .....طلال مهران .....

انقبض قلب ادهم وهو يقرا ذلك الاسم الكريه الذى شوه الصفحة الوردية .......ها قد بدأت الأحزان التى ذبحت روح طفلته .....

لطالما كرهته دون سبب ...... بل لم يكن هناك من احبه ابدا , لذا كان يثير شفقتي في بعض الاحيان ....الى ان عرفته تماما المعرفة .....وقتها تمنيت الموت له الف مرة ......فهل توجهت كل امنياتي ناحيته ليموت بالفعل .......هل اكون انا السبب في موته بكل ما كنت احمله من كرهٍ له .........

منذ هذا اليوم الذى راني فيه مع ادهم .......تغيرت نظراته لي , وكأنها اصبحت تحمل وعيدا وتهديدا ..... لا اعلم سببه .......

الذى اعلمه اننى بعد ان خرجت من الغرفة يومها وقبل ان ابتعد كثيرا سمعت صوتا مكتوما .... تبعه تأوه و صوت سقوط على الارض , فادركت ان ادهم ضربه بسبب ملاحظته الوقحة .....لكنى لم اعد بل صعدت السلم جريا و انا للغرابة كنت مبتسمة ...... 

شتم ادهم غاضبا وهو يغلق عينيه زافرا بقوة ......كيف سيكمل ان كان هذا ماشعر به من اول صفحة , ان قلبه يصرخ ويده متلهفةٍ لتحطيم شيءٍ ما ......اخذ نفسا عميقا ثم اجبر نفسه على فتح عينيه والمتابعة وهو يقلب الصفحة .....

كنت في التاسعة عشر ....باقي فقط عدة أشهر لأدخل العمر الذهبي لكل فتاة ...... حين قرروا جميعا الحكم بإعدامي ....قرارا تناقشوه فيما بينهم دون علمي .....نظراتٍ من حولي ترمقني منبئة بما دبروه لي ........ونظراتٍ شرسةٍ ترمقني مبتسمة ٍ بزهو لشخصٍ ذو روحٍ سوداء .....يخبرني بعينيه ...أن يوما ما سأتمنى الرحمة منه ولن يمنحها لي .......

اذكر ذلك اليوم الذى جاءت فيه امي وانفردت بي لتقول مباشرة دون مقدمات ( ستتزوجين طلال .......)

لحظتها ظللت انظر اليها دون أن أفهم ما قالته ...... طلال من ؟؟........ وحين همست بالسؤال ردت علي قاطعة ( طلال مهران .......)

اذكر جيدا تلك القشعريرة التى انتابت جسدي وأنا اسمع منها تلك المزحة الثقيلة ......الا إنها لم تكن مزحة , كانت واقعا أقرته مع الامبراطور ......ولا مجال للإخيار , لقدد تقرر مصيري و انتهى الأمر .........صرخت .... صرخت بشدةٍ فزعة .....

( أرجوكِ أمي ....... لا تفعلي بي هذا , إنه ....... إنه غير طبيعي أبدا , إنه يقرب لمجنون .......)

لن أنسى نظرة أمي الشرسة وهي تمسك بذراعي بأصابعٍ كالمخالب ........وتقول هامسةٍ بصوتٍ كالفحيح 

( وجودنا في هذا القصر أنا وشقيقتيكِ معتمدا على موافقتك ........لقدد قرر عمك ولا مجال لمعارضته )

صرخت بشدةٍ وأنا اغمض عيني لعلي افتحها لاجده مجرد كابوسٍ بشع ......هزتني بشدةٍ وهي تقول 

( انظري الي جيدا أيتها الحمقاء ..........لن يكون ذلك زواجا بالمعنى المفهوم , سيكون زواجا صوريا ليجعلك صورة تحمي ماء وجهه )

فتحت عينيا المتورمتين وأنا لا أفهم تحديدا ..... ليس زواجا بالمعنى المفهوم ؟........ وما هو المعنى المفهوم ؟؟؟........

حاولت أن أسألها بعيني الا إنها جاوبتني بشراسةٍ قبل أن أسال ( إن كنت ذكيةٍ بما يكفي ستستطيعين الاستفادة منه و الإمساك برقبته .....أنتِ ابنة ايثار الراشد وحان الوقت لتنالي بعضا مما نالته ...... انظري الي , انظري بسببي أين نشاتن ............)

طرأ في ذهني فجأة صورة العينين المراقبتين لي دائما فهتفت دون تفكير ( لن يوافق ادهم ........... لن يوافق أبدا وعمي دائما يحترم رأي ادهم )

نظرت لي أمي بسخرية لكنها لم تستطع اخفاء نظرة الكره العميق ما أن نطقت اسم ادهم ... لحظاتٍ وقالت بهدوءٍ ناعم 

( لقد وافق صغيرتي ......... لقد أخبر والده عن موافقته قبل أن يسافر لأن طلال يعتبر .......ذراعا مهما للمجموعة ولابد من مكافاته بإجابة ما طلب ........, و بالفعل موافقة ادهم زادت من رأي والده قناعة )

وقتها عرفت أنه تم الحكم بإعدامي وانتهى الأمر ......فقد وافق الوحش .......وحش آل مهران , أهداني لذراع مجموعة مهران ........رجل الأعمال الغير نظيفة كما سمعت ذات مرة ..............ومن ليخالف ادهم مهران ........

رفع ادهم رأسه عن المذكرات و أغلق عينيه قابضا بيده على تلك الورقة ليجعدها بين أصابعه ........كما قبضت قبضة الغدر على قلبه لتنتزعه من صدره 

هكذا باعوها ...... وهكذا حين حاولت التشبث بأي أمل كان اسمه هو أول من طرأ على بالها .......وهكذا قتلو الأمل وأوهموها بأنه يبارك تلك الصفقة الحقيرة القذرة ........

.................................................. .................................................. ................................

كانت حلا في ذلك الوقت واقفة قرب النافذة تتأمل الظلام الدامس أمامها متشبثةٍ بالستائر الخفيفة التي تبعث بنسائم تطير خصلاتِ شعرها 

تفكر والدموع تنساب على وجهها في صمت .........الى أين وصل ....... في أي يومٍ من حياتي هو يقرأ الآن ....... ماذا يشعر , بالشمئزاز مني ؟؟......لا ... لا .... ليس ادهم . أنا أثق به ...أثق في حبه لي ......لكني اخشى عليه من تلك القذارة كلها ........

جلس ادهم على الأريكة الموجودة في مكتبه والتى شاركته حبه لحلاه عله يرتاح من ذلك الألم النابض في رأسه ......أخذ نفسا ليتابع وشوشاتِ حبيبته اليه 

لا أصدق حتى الأن السرعة التى أتموا فيها كل شيء ..... وفي طرفةِ عين .... أصبحت حرم طلال مهران ......لقد أصر على إقامة حفلِ زفافٍ أسطوري ..... ليخبر العالم كله أنه اشتراها .... وحرص على أن يصل الخبر الى كل الجرائد والمجلات ..... حتى يعلم من كان هدفه من البداية ........كان يراقصني ويديه اللزجتين تسيرانِ على خصري وظهري مرسلا رعشة نفورٍ فطري في نفسي منه ....وأخذت أعد الدقائق لنتهي تلك الليلة البائسة .... والتى شهدت موت حلمي بفارس الأحلام الذى سيخطفني يوما ......

حين صرنا بمفردنا بعد كل تلك المهزلة المسرحية .......جذبني اليه بقسوة لينظر الى عيني طويلا ...... دقائق طويلةٍ وهو ينظر الي بكرهٍ عميق مع ابتسامة تشفي .......بينما انا الهث منتظرة ان يتركني كما وعدتني امي .......الى ان همس اخيرا بشراسةٍ مرعبة

( ها قد اصبحت ملكي .........و قبل ان يرمش فارسك بعينه )

اتسعت عيناي وانا لا افهم شيئا من الجنون الذى ينطقه .... استطعت ان اهمس برعب بصوتٍ تقريبا غير مسموع 

( من...... فارسي هذا ؟...............) اذكر ضحكته القميئة التى انطلقت عاليا .... طويلا .... الى أن سعل بشكلٍ يؤذى الناظر اليه ثم قال بصوته الكريه اخيرا 

( ادهم مهران يا صغيرة .......من اقسم على أن تصبح ابنة ايثار الراشد ملكه ليرميها بعد ذلك الى الطريق التى اتت امها منه )

لم افهم كل ما كان يهذي به ......الا إنني استشعرت بقذارةٍ في ما كان ينطقه ......لم أجد سوى أن أهمس بحيرة 

( أنت تهذي ........ ما دخل ادهم .......) الا إنني لم أستطع اكمال كلامي حين رفع يده وهوى بها على وجهي لاسقط أرضا من شدة صفعته ........شهقت ونظرت اليه برعبٍ وقد تحول فجأةٍ من مجرد شخص مثير للاشمئزاز ....الى شيطانٍ بشع .......

لم تخرج حتى صرختى من فمي ..... ظللت اتطلع اليه برعب ... الى ان انحنى ليجذبني من ذراعي وينهضني على قدمي ... متشبثا بي بقسوةٍ وهو ينظر الي بكره ... ثم قال بصوته المرعب 

( اياكِ يا ابنة ايثار الراشد ان تتفوهي باي كلمةٍ لا تعجبني .......... هل فهمتِ ؟..... أم أعيد عليكِ شرح ما قلته بالأفعال ؟)

أومأت برأسي بسرعة وأنا انظر اليه بذعر بينما وجنتي تشتعل سخونةٍ من يده التى بدت كمطرقةٍ ضربت وجهى .......

امسك بذقني وهوينظر الى مكانِ صفعته مبتسما ثم انحنى ليقبلني عليه وهو يهمس بشر 

( ترى ماذا سيقول ادهم الان لو عرف انني ضربت فتاته الصغيرة ؟...............)

انسابت دموعي بشدةٍ وانا ارتعش بين ذراعيه وتمكنت من الهمس محاولة ان افهم بالرغم من شدة رعبي 

( ما دخل ادهم ؟...... الم يوافق على زواجنا ؟........)

عاد ليضحك ثانية بشكلٍ اعنف وابشع ثم قال من بين ضحكاته ....( يبدو انكِ غبيةٍ بالفعل كما يقال عنكِ ...... الم تري الرغبة في عينيه وهو ينظر اليكِ .... الم تستشعري بها في لمساته على جسدك الجائع لها )

ارتعشت بشدةٍ وهززت براسي نفيا لما يقوله .... لا ارغب في تصديق ما يقوله .... لا اجرؤ على فهم ما سمعته .......

لم يحتج الى ان يسالني عن سبب نفيي فقال بصوتٍ قذر وهو يقترب من وجهي 

( بلى يا صغيرة .... كان يرغبك بشدة و أدفع عمري كاملا الآن لأرى وجهه حين يعرف أنني فزت في رهانٍ غير معلن بيني وبينه عليك )

انتفض قلبي وشعرت بروحي تكاد تخرج من جسدي ........وأنا لا أعلم ماذا أصدق بعد الآن .... هل كنت المكافاءة في صفقةِ بيع ... أم كنت جائزة رهانٍ بين عملاقي آل مهران ...............

نعم .... نعم كان ينظر الي بطريقةٍ غريبة ...... وتذكرت لحظتها كلمته الى أمي حين صفعتني .......حلا بالذات تخصني .....

كان تهديدا مباشرا من ادهم مهران ....... لقد قال أنني أخصه وهو بالفعل يكره امي ودخولها الى القصر ..... هل كنت عمياء وأظنه اخي دائما ؟..........

واثناء شرودي الذاهل شعرت بطلال يتقرب مني و يتلمسني بيديه .......صرخت وذعرت اكثر حاولت التلوي بين ذراعيه بعنف , الا انه كان اقوى مني .......صرخت استجديه 

( أرجوك لم يكن هذا ما اتفقت عليه مع امي .............)

وكأنني لحظتها أشعلت نارا من الشر الأسود في عينيه ...... وكانت تلك بداية ليلةٍ سوداء في حياتي .... تلقيت فيها صفعاتٍ بعدد ٍ اكثر من سنواتِ عمري ..... الى أن حل شروق الشمس ..... وقتها فقط تركني دون يحصل على اية نتيجةٍ مرجوة ...... اتذكر شكله الاسود والاشعة الرمادية متسربة من حوله ....... ينظر الي بشراسةٍ ...... بصق على وجهي باشمإزاز ثم غادر الغرفة .......

وكانت تلك الليلة هي اولى ليالٍ مرت علي بنفس الصورة ......وانتهت نفس النهاية ...... يصرخ بي أني السبب , يضربني و يبصق علي ثم يغادرني مع شروق الشمس يائسا .......واظل انا ملقاةٍ على الفراش اتطلع لاشعة الشمس الخجولة ..... واتمنى الا يطول عمري لاراها غدا .........

اغلق ادهم المذكراتِ بعنفٍ وهو يصرخ بكل اللعنات ......قام من مكانه راكلا الكرسي ليضربه بالحائط ...... يغرز اصابعه في شعره يكاد يقتلع?


الفصل الثامن و العشرون (1) 

( لا أصدق أنهما تركتاني بمفردي ...... و ركضتا خلف اشارة من زوجيهما )

كانت سابين متربعة على الاريكة الوثيرة مرتدية إحدى بيجامتها المريحة بعد يومِ عملٍ متعبٍ طويل ..... رافعة شعرها باهمال في كرةٍ غير متناسقة تتساقط منها الخصلات الناعمة بحرية ..... ممسكة بوعاء الشوكولا المخفوق تتناوله بملعقةٍ كبيرة ..... تفكر بحنق ...تنظر حولها الى ذلك الفراغ العملاق ..... بداخلها عميقا تشعر بقليلٍ من الألم والاحساس بالخيانة .... كيف تركتاها سما وحلا ......انها في حالةٍ مريعة الان .... طوال اليوم تتظاهر بأنها على اتم صحةٍ وثقة..... لازالت تذهب الى مقر الشركة الى الآن .... تحاول الظهور بسعادة بين عملائها الذين يتزايدون ببطءٍ كل يوم ..... لكنها تخلت عن الملابس الرسمية فاصبحت ترتدي بنطالها الجينز الملائم للحمل تعلوه قمصانها الفضفاضة الملونة بالوانٍ ناعمة .... حتى شعرها في معظم الاحيان كانت ترفعه على هيئة ذيل حصان .... حين تذهب لمقابلة عمل مهمة لم تكن تهتم بتغيير مظهرها البسيط الجديد عليها ... فقط نظارتها ذات الاطار الاسود هي التى كانت ترافقها من مظهر سابين القديمة .....

ورجال الاعمال الذين تجتمع معهم ينظرون اليها بملابسها الغير رسمية وبطنها المتكورة بمرحٍ وذهول ... لا يلبث ان يتضاعف ما ان تبهرهم ببساطة افكارها وبراعتها .... حتى شخصيتها تغيرت بصورةٍ غريبة فاصبحت مرحة لطيفة تسحر كل من تجتمع بهم بهيئتها الطريفة .........حتى ان العاملين معها كانو ينظرون اليها ببلاهةٍ اثناء ذهابها وايابها بينهم بضحكتها المرحة و تعليقاتها اللطيفة .... الا ان ذلك المرح كان يخفي الما يظهر ظله في عينيها الجميلتين المائلتين حزنا ........

و في ظرف ثلاثة اشهر كانت قد حصلت على عددٍ قليل من العملاء ... اقامت علاقات طيبة مع معظم رجال الاعمال .....نجحت في صفقتين تعتبرا هامتين للغاية ...... حتى ان واحدة منهما كان من المفترض ان تكون من نصيب مجموعة مهران ....... لقد راهنت نفسها على ان تحصل على تلك الصفقة ..... وتعبت كثيرا الى ان اقنعت هذا العميل الهام ..... وما ان مضى العقد حتى كانت على وشكِ القفز اليه واحتضانه من نشوة الانتصار التي تشعر بها ......وتمنت ان يمر الوقت سريعا لترى وجه احمد الذى تتخيله وهو على وشكِ الانفجار من الغضب لتجرؤها على نيل هذه الصفقة ........

الا أن الأيام مرت و نشوة الانتصار ضاعت....... لم يهتم ...... ولم يأتي ...... ترك لها هذا العقد وكأنه يسخر من انتصارها الهزيل بصمته ...... أكانت تتمنى الفوز بهذا العقد فقط من أجل أن تراه ؟.......

ماهذا الجنون الذى تفكر به ..... نهرت نفسها بشدة .......إنها لا تتمنى رؤيته أبدا ..... احمد مهران كان حكاية قديمة وانتهت .....

عاشتها بمرارها وبجنونها ..... الا أن لكِل شيءٍ نهاية ........

لم تهتم ابدا بالنظرات المحدقة في بطنها المتكورة و التساؤلات التى تدور في الاذهان عن مدى صحة الخبر المنتشر بوقوع الطلاق بينها وبين احمد مهران .......

انها تتعمد ان تتقبل تلك النظرات بثقةٍ مزيفة بالنفس ... نعم مزيفة .... لاول مرةٍ في حياتها تشعر بمثل هذا الانهزام ..... منذ شهور و احمد لم يهتم ولم يحاول حتى السؤال عنها .....

لا تصدق انها في لحظة ضعف كانت قد نوت ان تعطي زواجهما فرصة ... قبل تلك المرة المشؤمة التى رأته فيها لآخر مرة ....عاشت في الوهم للحظةٍ واحدة .... كان يجب عليها ان تدرك انها واحمد كقطارين تقابلا في نقطةٍ واحدةٍ ثم اكمل كلا منهما طريقه ... ولا مجال للعودة ..... ضربتها هذه الكلمة بقوةٍ في صدرها .....لا مجال للعودة ......الغريب في الأمر أنها لا تشعر بالحقد عليه .... لقد حاول وحاول ..... رجل بمثل شخصية وعقلية احمد مهران ....

حاول كثيرا في الوصول اليها ... او بمعنى أصح ( في ايصالها اليه ...) .......وفي اعماقِ نفسها اعترفت انها وافقت موافقة سرية على محاولة الوصول اليه ..... هل حقا كانت تخدع نفسها و تظن انه قد نجح في ترويضها منذ اول يوم في زواجهما ؟؟

بالتاكيد لا ... وهي تستطيع ان تعترف لنفسها الأن .... لم تبذل قصارى جهدها في محاربته و كسر قيوده التى كان يحاول فرضها عليها ..... بعد الصدمة الاولى ... ومنذ اليوم التالي لزواجهما وحين اخبرها بثقةٍ ان زواجهما لم يكن تمثيلا او خداعا وأنه لا ينوى أن يحررها منه .........لن يحررها منه ........ سكن قلبها في هذه اللحظة شعورا غريبا لم تسمح له في الظهور بعينيها ........

هزتها كلمتة التى انطلقت بثقةٍ تامة في وسط حربهما الشعواء ...... في كل لحظةٍ من غروره وحماقته كانت ترى هذه الكلمة تنبعث من عينيه من جديد بكل عنجهية ..... وقد كان هذا يدفء قلبها الخائن .....

الا تلك اللحظة التى قذف فيها بسهمه المسموم اخر مرةٍ راته فيها ....... لحظتها لم تجد تلك الجملة تنبعث من عينيه .... بل شاهدت النهاية .......

( اتحتاجين لشيءٍ سيدة سابين ؟.......)

رفعت سابين نظرها ببطءٍ لتنظر الى تلك الشابة البسيطة الملابس التى تقف أمامها مبتسمة تنظر اليها ببالٍ خالٍ من الهموم .... إنها امتثال ..... الوحيدة التى وافقت عليها سابين من بين العديد من الخادمات التى جاء بهن ادهم لمساعدتها .......

والآن هي تسأل نفسها بغضب عن السبب ........

اتسعت ابتسامة امتثال وهي تسال سابين

( سيدة سابين الم تسمعيني ... سألتك إن كنتِ تريدين شيئا ... الن تكفي عن أكل الشوكولا ... انه وعاء عائلي ... صحيح أن وزنك لم يزيد عن الحد المسموح به في هذا الشهر ....الا إن هذا لا يمنع انكِ تأكلين كثيرا وخاصة الحلوى , في لحظةٍ واحدة ستجدين وزنك قد تضاعف دون أن تتداركي الموقف )

ظلت سابين تنظر اليها بصمت وهي تلعق المعلقة الكبيرة .... وتسأل نفسها للمرة الالف .... لماذا وافقت على امتثال تلك , إنها على وشكِ أن تقتلها أو أن تخنقها .......

انها تقريبا في نفس عمرها جذابة ومتناسقة ... ويرتسم المرح على ملامح وجهها , كما انها فضولية وتتدخل فيما لا يعنيها بشكلٍ لا يطاق ......

قالت سابين ببطء و وهي تحاول الا تقفز عليها لتنشب مخالبها في عنق تلك المسكينة

( ماذا تريدين يا امتثال ؟..........)

اتسعت ابتسامة الشابة بسذاجة وهي تسرع لترمي نفسها جالسة قرب سابين على الاريكة .... بينما سابين ترمقها وهي تتربع بحريةٍ وكانها في بيتها تماما .....قالت امتثال بسعادة

(لقد انهيت اعمال اليوم , فاحببت أن أسليكِ قليلا , استطيع أن أرى شعورك بالملل ..... لماذا لا تتحدثين غالبا , أنا لا اطيق البقاء صامتة لفترةٍ تزيد عن الدقيقتين .... أظن أن ..... لا حول ولا قوة الا بالله , اخبرتك أن الاكثار من الشوكولا ليس مفيدا لكِ في هذه الفترة ... هاتِ يكفيكِ ما تناولته الى الآن )

نظرت سابين الى يد امتثال التى امتدت لتأخذ منها الوعاء تاركة لها الملعقة لتلعقها ..... هل تقتلها الآن .... انها في أمسِ الحاجة لأن تقتل كائنا حيا , وامتثال تبدو الخيار الأمثل ......

تناولت امتثال جهاز التحكم لتتنقل بين قنوات التلفاز بحرية .....وهي تقول بسعادة

( أعرف تلك الفترة من الحمل ... إنها الفترة الاصعب و الأثقل , تشعرين أنكِ مللتِ من نفسك ومن العالم , وتودين أن يقوم احدهم بتقشيرك من على الطفل من شدة اشتداد بشرتك ... لقد مررت بهذه الحالة في الثلاث اطفال .... كنت اكره منظري كل مرة , لكن زوجي هو من كان ينظر الي ضاحكا ويخبرني كل مرةٍ أن هذا الطفل تحديدا قد زادني جمالا عن سابقه ..... بالرغم من عمله الشاق كعامل بناء . الا انه حين أكون في فترة الحمل لا يتركني ابدا ويظل يرعاني و يدللني .... لا تستطيعن أبدا ادراك سبب تلك الحالة التى تنتاب الازواج حين يكونون في انتظار طفل ...... هم نفسهم يتحولون الى اطفال ولو استطاعو لجلبو لنا نجوم السماء .......)

بقت سابين تنظر اليها بصمتٍ تام وهي واضعة المعلقة في فمها وكأنها نسيتها تماما .....بينما تابعت امتثال

( اااه كم ذكرتيني بتلك الفترات السعيدة الطريفة حين يحاول الجميع تدليلي على غير المعتاد .........متى سيعود زوجك من السفر سيدة سابين , لم أره منذ أن أتيت الى العمل هنا )

فتحت سابين فمها لتجيب ..... الا إنها عادت لتغلقه , ستكون محترمة وتمنع نفسها عن القاء اللفظ البذيء الذى كانت على وشكِ التفوه به ... لقد مضى زمن اللسان السليط ولابد لها أن تعتاد حياة الامهات المحترمات ........عدت الى العشرة ثم اخذت نفسا عميقا واجابت بعدها بصوتٍ قد يجمد اي شخص من شدة برودته

(انه .... في عملٍ هام ...... لكنه ..... يطمئن علي وعلى الطفل هاتفيا كل ليلة )

نظرت اليها امتثال بحيرة لعدة لحظات ثم قالت تتسائل

( هاتفيا ؟؟..... لكن الاتصال لا يعوض غيابه , انا زوجي بالرغم من مشقة عمله الا إنه كان متواجدا اكثر خلال حملي في الثلاثة اطفال , كان مجرد منظر بطني المنتفخة يشعره بالسعادة , ويعد الايام حتى مجيء الطفل , لكن لأكون عادله ... انه دائما مهتم بي قدر استطاعته ......في حملٍ او في غيره ......حتى انه يبدو مثل الطفل الضائع بدوني ........)

ظلت سابين تنظر اليها بوجوم دون ان يظهر اي تعبير على وجهها ..... تتامل امتثال البسيطة امامها من شعر رأسها المغطى بوشاحٍ ملون ......قالت سابين بصوتٍ لا تعبير له

( ولماذا اذن سمح لكِ بالعمل في بيوتِ ناسٍ اغراب بل والمبيت لديهم ايضا؟....... مادام هو يضيع كالطفل بدونك )

اهتزت ابتسامة امتثال قليلا لكنها قالت بتردد

( الحياة صعبة يا سيدة سابين ونحن لدينا ثلاثة اطفال يحتاجون الى دخلٍ كبير .... لن يستطيع ان يتحمله وحده .... وأنا لا أعمل الا لدى اسرٍ موثوق بها ..... تماما مثلك .....لم يكن زوجي ليوافق الا بعد التأكد من البيت الذى سأعمل به ........لكنه ذلك لا يمنع انه غير سعيد بعملي اطلاقا .. حتى انه اشترى لي هذا ..... انظري ....)

نظرت سابين الى امتثال التى مدت يدها الى جيب تنورتها البسيطة واخرجت هاتفا متنقلا بخس الثمن للغاية .... الا انها كانت تنظر اليه بانبهار وسعادة وكانما حصلت على نجمة من نجوم السماء .......تابعت امتثال تقول بسعادة

( لقد اشترى هذا الهاتف خصيصا ليطمئن علي كل ساعة ..... من كان يظن ان يصبح لي هاتفي الخاص أخيرا , مع اني لا أجيد استعماله تماما حتى الآن الا انني استطيع الرد عليه حين يطلبني .... من الرائع أن أسمع صوته كلما أردت , أنا ايضا الاتصال لا يعوض غيابي عن البيت ....لكن ما باليد حيلة ......والمهم انه يثق بي ......., لكني لا ارى زوجك يكلمك كثيرا يا سيدة سابين ... هل هو منشغل الى هذه الدرجة ؟؟.......)

استمرت سابين في النظر اليها بوجوم ثم قالت بصوتٍ خافت بطيء

( لا .... انه ليس منشغلا الى هذه الدرجة , ..... إنه يكلمنى دائما لكن في الاوقات التي يعرف أنني بمفردي فيها و يكون متلهفا لسماعِ صوتي ...... نحن ..... نطيل الكلام معا ..... يسألني عن حالة الطفلة ويطمئن عليها ..... يسال عني ..... إنه يريد أن يعود اليوم قبل غد ...... لكن ......كما قلتِ ما باليد حيلة .......الحياة .....صعبة ..........انا ايضا زوجي يثق بي ثقة عمياء .....هو ليس هنا ..... لكنه متأكد من أنني لن أخذله أبدا .........)

فتحت امتثال فمها تريد الكلام وقد استهواها ان تتكلم معها سابين بهذه الاستفاضة ... الا أن رنين هاتفها الصغير قاطعها فابتسمت كطفلةٍ صغيرة وهي تنظر الى اسم زوجها الحبيب ....صبري .......

فاعتذرت لسابين بابتسامة وقامت مبتعدة لترد عليه .... بينما ظلت سابين تراقبها ..... تنظر الى همساتها .... وابتساماتها ..... انبهارها بالهاتف الجديد ... حتى انها حين تتكلم توجهه الى فمها خوفا من الا يصل صوتها الى زوجها ........

تناولت سابين وعاء الشوكولا التى تركته امتثال خلفها على الاريكة ... وعادت لتأكل منه في صمت وهي تتابع امتثال وكأنها تتابع مسلسلا في التلفاز ......تلعق المعلقة ... بينما تلف خصلة من شعرها على اصبعها بشرود ......

لا تعلم لماذا اثارت امتثال اهتمامها الى هذا الحد ..... لماذا تشعر بالرغبة في سماع ما يقوله زوج امتثال في هذه اللحظة .......لم تهتم يوما باهتمام ادهم بحلا ..... او المجنون فارس بسما ..إن كان يعرف معنى الاهتمام أساسا ......

الا ان امتثال .... تثير .... غيرتها بشكل فظيع ....... امتثال زوجة صبري ....... مالذى تمتلكه ولا تمتلكه سابين ؟؟...... صبري .. عامل البناء البسيط ... الذى يشقى هو وزوجته ليل نهار من أجل اطفالهما......لكنه لا ينساها أبدا ..... يغار عليها ..ممكن .........لكنه يثق بها ...... يخاف عليها ويتمنى إن كان بمقدوره رحمتها من العمل في المنازل وخدمة الأغراب .........

كل هذا استشفته من حديث امتثال الذى لا ينقطع .......عن زوجها وعن الهاتف الجديد ..... كل يوم تقريبا تلوح به أمام سابين ... لتعود وتخبرها من جديد عن تلك الهدية الجبارة وكان سابين لازالت لا تعلم ........

يالهي .... ما الذى تفكر به .... انها بالفعل على وشكِ الإصابة بالجنون .......إنها تغار من امتثال وصبري ..........

انها في مثل سنها .... لديها ثلاث اطفال تتركم لدى جارتها الى أن تنتهي من العمل ...... الا أن الحال اختلف بعد أن اصبحت تعمل لدى سابين فصار الأولاد ينامون لدى الجارة ......الراتب الذى حددته سابين مغري جدا .... لم تتقاضاه امتثال في كل البيوت التى عملت بها مجمعة ......لذا لم تستطع المقاومة ...... خاصة وإن طفلها الاوسط مريض ويحتاج الى علاجٍ دوري ..... وتكاليف العلاج باهظة بالنسبة لهما ......

كل هذا .... ولا تزال امتثال تثير غيرة سابين ..........كلامها عن رقة زوجها تشعرها بالاختناق ...... تريد ان تتذكر اي موقفٍ رقيق لتحكيه لها هي الاخرى عن ..... احمد .........

لكنها لا تجد سوى القسوة و وغيرةٍ هي الاسم المحترم لانعدام ثقته فيها ........لقد اعطته عذره ... حقا حاولت .... لكنه في النهاية لم يستطع التعامل مع حياتها السابقة ........

ربتت على بطنها المتكورة وهي تنظر اليها ..... لتهمس بحزن ( لقد ظلمتك قبل حتى أن أعرفك ............)

رفعت نظرها مرة اخرى لتنظر الى امتثال التى بدت حزينة الان وهي تهمس همسة وصلت الى اسماع سابين المراقبة لها

( أنا ايضا أتمنى لو كنت معكم .......لكن ما باليد حيلة )

شعرت سابين بقبضةٍ من جليد تعتصر قلبها فجأة .......وهي ترى المعنى الحقيقي للابتعاد بالقوة الجبرية .........

شردت وتذكرت حين حملها احمد ودخل بها الى بيته وتالا تقفز من خلفهما صارخة تقفز بمرح ........تذكرت حين كان كلا من اميرة واحمد وتالا ينظرون الى بعضهم بنظراتٍ متامرةٍ لنجاحم في استدراجها اليهم ........تذكرت شعورها وهي محمولة بين ذراعيه .... لاتزال تشعر بدفئهما وكأنه لا يريد أن ينزلها ......

تذكرت ذلك اليوم الرائع لهم معا ......وكانت من الغباء ان عقدت الآمال على يومٍ واحد .......فقط يومٍ واحد ...........الان تدرك ان زواجها مع احمد لم يتضمن الا يوما واحد صادقا ........ اما الباقي فكان مهزلة منذ اول ليلة ..... بل منذ ان راته في المكتب لاول مرة . افاقت من شرودها على صوت امتثال ياتي اليها قائلا بحزمٍ رقيق ( ساتحمل من اجلهم ....... نعم )

ظلت تلك العبارة تطوف في ذهن سابين لفترة ..... سأتحمل من أجلهم ..........واقترنت هذه العبارة دون وعيا منها بصورة احمد وتالا معا ......وفي نفس الوقت كانت يدها لاتزال تربت على بطنها ......

امتدت يدها تبحث عن هاتفها الباهظ الثمن على عكس هاتف امتثال .......والذى كان مدسوسا باهمال بين وسائد الاريكة الوثيرة .....وما ان تناولته حتى كادت ان تطلب احمد ..... لكنها عادت وترددت قليلا ثم بعد لحظة كتبت رسالة موجزة

( أنا اليوم مساءا سأذهب الى طبيبتي ..... مهما كان ماحدث الا انني لست من القسوة بحيث احرمك من أن ترى الطفلة معي خاصة وانك لم تحضر أيا من جلسات المتابعة الدورية من قبل ..... ولم تراها حتى الآن .....سأكون هناك في الثامنة مساءا وسأبعث لك باسم العيادة)

ثم ضغطت على الارسال قبل أن تفكر مرتين ..... وانتظرت ..... انتظرت ...... المكابر لن يرد عليها , هي تعرفه اكثر من نفسه , الا انه سيكون متواجدا ..... هي ايضا متاكدة من ذلك , ارتعش قلبها حين وصلت الى انها ستراه الليلة ........ منذ متى لم تره .... لم تسمع صوته ...... لم يقبلها ....... تذكرت اليوم البائس الذى قضوه هنا قبل ان يصل عمار ......كان ينتهز الفرص لينفرد بها في المطبخ ويقبلها كيفما اراد ...... وكانت هي تتمنع بغير صلابة جدية ....... ابتسمت وهي تتذكر تذمره و طفولته وهو يعاود جذبها اليه ..... تتناقض مع ملامحه الذكورية القاسية وجسده الضخم ...... هل في كلِ مرةٍ سيتشاجرانِ فيها سيراضيها بنفس الطريقة ؟؟........ عاطفة ذكورية طفولية في نفس الوقت ... دون ان يستطيع ايجاد كلمتين عاطفيتين مناسبتين .........ابتسمت بشوقٍ لما تفكر به .........

تذكرت وهو يناديها ... يا روح احمد ....الكلمة غير متناسبة اطلاقا مع صوته الرجولي الخشن ... الا أنها ما ان سمعتها حتى شعرت بقلبها يهتز و ركبتيها تهتزان ..... وهي تعتقد انه مهما طال بهما العمر ستظل هذه هي نفس ردة فعلها ما ان يناديها .....يا روح احمد ....تذكرته وهو يجذب خلصة شعرها بشدةٍ لتصرخ ..... وحين طرقها على رأسها لتحن عليه بابتسامة ٍ..........

فجاة اخذت ابتسامتها تبهت قليلا الى ان اختفت تماما ..... وهي تسال نفسها .. من اين جاءها الان انهما سيعودانِ الى بعضهما .......الم تكن منذ دقائق تفكر في النهاية .........امجرد رسالةٍ بعثت بها اليه ستحيي الامل في قلبها من جديد .......

لا ..... لا ......بالطبع لا , كانت فقط تريد حضوره , تريد رؤيته ... وقد تكون اخر مرة تراه وهي زوجته .... هل سيمسك يدها عند الطبيبة ......هزت راسها بشدةٍ تبعد عنها تلك الافكار السخيفة وهي تعاود التهام الشوكولا بكلِ حنق...... منه ..... ومن نفسها .....

عادت امتثال اليها في هذه اللحظة مبتسمة وجلست مرة اخرى بجوارها استعدادا لاستئناف الحديث الدائر بينهما ......لكن قبل ان تنطق حرفا واحدا عن فحوى مكالمة زوجها ....قالت سابين بصرامة

( امتثال اريد قهوة من فضلك .........)

عقدت امتثال حاجبيها استياءا من هدم سابين لهوايتها المفضلة في اجتذاب اطراف الحديث ......لكنها لم تجد بدا من النهوض وهي تقول بتحفز ( لقد شربتِ القهوة مرة اليوم .... يكفيكِ هذا .....ساحضر لكِ عصير )

ثم استدارت لتذهب الى المطبخ .. الا انها عادت الى سابين لتاخذ منها الوعاء والمعلقة ثم استدارت منصرفة .... ظلت سابين ترمقها بغضبٍ وهي تتمنى ان تقفز اليها وتنشب اظافرها في وجهها وشعرها مثلما كانت تفعل مع حلا قديما ...... الا انها الان لا تقوى على الحركة بعد عناء اليوم في العمل ..... خاصة مع التورم البسيط الذى بدا في الظهور بقدمها من طول فترة وقوفها وتحركها ..... ستؤجل قتل امتثال الى ان ترتاح قليلا ...... امتثال وصبري ....... هذا ما كان ينقصها في هذه الفترة من حياتها ..... قصة العشق الخالدة لامتثال وصبري !!!..........

نظرت الى الساعة انها تقترب من السادسة .... لا بد لها ان تبدا في ارتداء ملابسها فالطريق طويل امامها ......ستضطر الى اخذ امتثال معها ..... ستوصلها الى بيتها لتبيت مع اسرتها الليلة ......فلربما عاد احمد معها ......

نهرت نفسها بشدة ..... ها قد عادت الى حماقتها من جديد .........تاففت بحنق ثم نهضت بتثاقل تسند نفسها لتبدا رحلة صعود السلم الطويل .........بينما قلبها ينبض قافزا في الخفاء .........

.................................................. .................................................. ............................................

كانت جالسة على احد مقاعد العيادة .... محتضنة حقيبتها .... تنظر الى الزوجات الاتى راتهن اكثر من مرة على مدى الاشهر الماضية ... كل شهر ترى بعضهن .... تتكور اجسادهن مثلها .... وبجوارهن نفس الازواج ..... نفس النظرات المتحمسة ..... نفس الابتسامات الحمقاء .......والامل الواهي ........ونفس جلستها ..... والباقيات ينظرن اليها .... بعضهن بحسدٍ من جمالها .... والاخريات بالعطف لانها تلك الجميلة التى تاتي وحيدة دائما .......بادلتهم النظرات بنظراتٍ باردةٍ لا مبالية ......انها سابين الراشد ....وهي بالتاكيد لا تهتم لنظرات مجموعة من الزوجات الساذجات .......

اخفضت نظرها تنظر الى ساعة معصمها ..... انها الثامنة والنصف ...... ان الشوارع مزدحمة للغاية والمرور قاتل ... لا بد ان هاذا هو ما اخره .... حتى هي تعبت للغاية الى ان وصلت الى قلب المدينة .......

( سيدة سابين .....)

رفعت سابين عينيها مجفلة تنظر الى الممرضة البشوشة التى تنظر اليها ...... لم تجد سابين ما تنطق به فتابعت الممرضة

( انه دورك .....)

اخذت سابين نفسا مرتجفا ثم قالت بهدوء ( سانتظر .... قليلا . ان زوجي في الطريق الى هنا )

تعمدت ان يصل صوتها واضحا الى من حولها .... وبالفعل اثارت انتباههن ... جميع الزوجات المتواجدات اردن رؤية زوج تلك الجميلة التى تاتي وحيدة دائما ..... ابتسمت سابين بانتصار وهي تفكر فلتمتن بغيظكن ........كلها دقائق قليلة وسترين زوجي وهو يدخل بقامته من هذا الباب .......نظرت الى ساعة معصمها مرة اخرى ......انها التاسعة الان .......

مرت الدقائق بطيئة جدا ......وهي تشدد من احتضانها لحقيبتها .... تسالها الممرضة بعد خروج كل سيدة فتجيبها سابين انها ستنتظر قليلا .....ترفع نظرها بين الحين والاخر لترى النظرات الفضولية منصبة عليها ..... ماذا يريدون منها .... لماذا لا يلتهين بحالتهن وببطونهن المنتفخة بدلا من مراقبة حالتها الاجتماعية ..... انها تكره النساء جميعا ..... وتكره الرجال ايضا .... بشدة ....... كما تكره الاطفال ....... ماعدا تالا ..... وتلك الصغيرة المحاربة التى لم تبصر النور بعد .......

عند اخر سيدة دخلت كانت الساعة قد وصلت الى الثانية عشر ........لم يات .... لم يهتم ابدا .... حتى بالطفلة الصغيرة التى اخبرها بكل صفاقة ان تظل محترمة الى ان تسلمه طفلته ..........

اقتربت منها الممرضة بهدوء وانحنت لتربت على كتفها برفق هامسة

( سيدة سابين ...... لقد انصرفت اخر سيدة , لقد تجاوزنا ميعاد غلق العيادة والطبيبة تبلغك انها مضطرة للانصراف فهل ستدخلين الان )

رفعت سابين نظرها اليها وكانها فقدت القدرة على الاستيعاب او فهم ما تقوله ......اغروقت عيناها بدموعٍ حبيسة ابت ان تطلقها ....ثم بعد عدة لحظات اومات بصمتٍ وهي تنهض من مكانها لتدخل الى الطبيبة .......

نظرت سابين الى تلك الصورة المموهة امامها على الجهاز ...... شهقت مبهورة بصمت وعيناها تستحيلانِ لبركتين حانيتين في يومٍ صيفي ...... همست لنفسها بشرود

( انها مكتملة للغاية .........)

ابتسمت الطبيبة وهي تحرك اداة الجهاز على بطنها برفق ......ثم قالت برقة

( نعم ...... انها تقريبا مكتملة , انظري هاهي الاصابع اصبحت واضحة تماما , .... ومعالم وجهها اصبحت ظاهرة ايضا , اليست جميلة ؟؟..... انها بصحةٍ رائعة كذلك )

امومات سابين ببطء وقد تشوشت الرؤية امامها ..... وشعرت بغصةٍ في حلقها وهي تهمس باختناق

( نعم .... انها جميلة للغاية ... استطيع ان اراها , انها تشبه والدها تماما )

ضحكت الطبيبة عاليا وهي تقول ( هل استطعتِ رؤية الشبه بينها وبين والدها ؟.............)

اومات سابين مرة اخرى وقد انسابت الدموع الثقيلة على وجنتيها ثم همست

( انها تشبه والدها .......لانني احبه للغاية , لذا بالتاكيد هي تشبهه )

نظرت اليها الطبيبة بعطف وهي تقدر تلك اللحظات العاطفية بالنسبةِ لها ........ثم قالت بعد عدة لحظات

( سابين ..... ان ضغطك مرتفع اعلى من الشهر الماضي بالرغم من تحذيري لكِ .... وهذا يقلقني في هذه المرحلة )

مسحت سابين دموعها بيدها في صمت .... فناولتها الطبيبة منديلا بلطف , ثم قالت مرة اخرى

( انكِ تحتاجين الى الراحة و المتابعة كل اسبوع بدا من الان .......لكن انا اتكلم بمنتهى الجدية عزيزتي .... ممنوع الحركة , اريدك ان تستلقي على ظهرك الفترة المتبقية ....... هل كلامي مفهوم ؟؟)

اومات سابين براسها وهي فاقدة القدرة على النطق تماما بينما دموعها تنساب في خطوطٍ ناعمة ٍ على وجنتيها .... شاردة في تلك الصورة الصغيرة النابضة امامها ......صغيرتي المحاربة .... هكذا فكرت سابين .... ان تلك الصغيرة وجدت لتحارب الدنيا بشراسة ........

جلست سابين في سيارتها بعد ان خرجت من العيادة لكن قبل ان تديرها اسندت راسها وذراعيها الى عجلة القيادة بتعب .....لم تكن يوما مرهقة او ضعيفة مثل اليوم ..... لم تشعر يوما بهذا الكسر الذى تشعر به الان .... حتى ليلة زفافها حين تركها احمد وحيدة ......لم تشعر بمثل هذا الانهزام ابدا ........

رفعت راسها بعد وقتٍ طويل وهي غير قادرة على القيادة ابدا .....بمن تستعين الان في هذا الوقت ....اتحاول القيادة ؟؟ لكنها تشعر بتعبٍ فظيع ... وقد تستسلم للنوم اثناء القيادة الطويلة ..... لن تسمح لنفسها ان تتهور ابدا ... فهي لسيت وحيدة بعد الان .....انها تحمل محاربتها الصغيرة .....

التقطتت هاتفها تنظر اليه ... بمن تستعين ... بمن ..... لا يوجد سوى عمار فهل تكلمه في هذا الوقت ....انه الصديق الذى لم تعرفه سوى من اشهرٍ قليلة ولكنه دائما نعم العون لها .....لكن اتكلمه لياتي ويقلها في هذا الوقت ؟...... حين حزمت امرها ضغطت على الهاتف لتضعه على اذنها ... ثم بعد عدة لحظات قالت بانهزام واضح وشهقة باكية

( ادهم ...... من فضلك تعال لتاخذني )

.................................................. .................................................. ............................................

ارتمى احمد على كرسي مكتبه متعبا بشدة ... انه يعمل منذ السابعة صباحا دون انقطاع , انه يهلك نفسه في العمل بشدة مع ان سنه اصبح لا يحتمل مثل هذا المجهود الجبار ........هل كبر بالفعل .... ام ان روحه هي التى كبرت وثقلت بداخله .... وبعد ان كان العمل يعطيه القوة دائما ... اصبح يزيده تعبا فوق تعب .......انه في هذه الايام الاخيرة اصبح ضيق الخلق والجميع يتحاشوه .......

الى متى ستظل تداعب خياله .... الى متى سيظل صوتها الناعم يرن في اذنيه كدقاتِ الاجراس مع الرياح .......اما من سبيل للانتهاء من كل هذا .... انه ليس مراهقا حتى يصعب عليه الخروج من علاقةٍ حكم عليها بالفشل ..........

حتى لو كانت علاقته ..... بزوجته ...... ام طفلته ........سابين الراشد ........

تنهد بتعبٍ وهو متجهم يفكر ..... لقد افسد الامر تماما .....بعد كل تعبه وعنائه ليسترجعها ويعوضها عن بدايتهما السيئة معا ..... مجرد رؤية ذلك العمار ذو العضلات المحشوة في بنطالٍ ضيق يصلح لعارضي الازياء و ليس لرجال الاعمال ...... رؤيته اشعلت نارا هوجاء في صدره ... حتى بات يتخيل كيف تحدثه سابين .... كيف تنظر اليه .... تذكر كيف كانت تنظر اليه هو في بداية عملهما معا ..... يعلم جيدا انه طبعها ولن تغيره حتى لو ارادت ..... انها تهوى التلاعب بالقلوب ...... تهوى لعبة الملكة المتوجة على عرشهم ........ضاربة بكل اصولِ الحياء عرض الحائط ......

لقد احببها ... احببها كما لم يحب من قبل الا ليال ...... لكنه لم يستطع تجاوز عبثها في مواجة الحياة ..... عدم التزامها باية قيم ..... لديها بذرة نقية بيضاء ... لم ترها سوى تالا .. وامه .... وسما .....وحلا في النهاية .....

من تبقى لم يرى ما بداخلها ؟؟..... هل هو الغبي الوحيد ؟؟.......لا ليس غبي .... انه عاشق .... عاشق غيور يشعر بنارٍ حمقاء تدب في اعماقه ما ان ترتدي قناعها العابث ......

وقد انهارت سيطرته ومحاربته في سبيلها ما ان راى احد اقنعتها في اخر مرة ...... فاطاح بكل ما كان .... وكل ما كان ليكون ......

كم من الصعب ان يغير المرء من يحبه .....وكم من الاصعب ان يحب من هو غير ملائم له ........

زفر مرة اخرى بحنقٍ وتعبٍ اكبر وهو يرى النهاية مرتسمة بملامحها البائسة .......

شعر بطوفانِ غضبٍ يهدر في اعماقه .... لقد اضاع الفرصة في هذا اليوم .......كان يجب عليه ان يضرب ذلك العمار ضربة تمنعه من التباهي بعضلاته مرة اخرى الى ما تبقى من حياته ..... خسارة كبيرة .... كم يتمنى ان يعود اليه مرة اخرى ليكسر فك اسنانه .... هو السبب في انتهاء زواجه .......

اسند مرفقيه الي سطح المكتب وهو يدفن وجهه بين كفيه شاعرا بالمٍ لم يشعر به من قبل ...... لا .... ليس هو السبب , كان مجرد عود الثقاب الذى اشعل حقده من جديد على سابين المزيفة ..... سابيته المزيفة التى ما ان سحرته حتى خلعت قناع زيفها .... ليتحول السحر الاسود الى اخر نقي ابيض ربط قلبه بها ......

بياض الثلج ..... لكم تذكره سابين ببطلة تلك القصة التى يقراها لتالا معظم الليالي ...ولقد اخبر تالا بهذا مبتسما ...لكن تالا تذمرت وهي تخبره ان سابين تشبه الساحرة الشريرة ..... فحاول ان يكون جديا معها منبها لتكون اكثر تادبا عند الحديث عن سابين ..... لكن تالا لم تتراجع واصرت على ان سابين هي تلك الساحرة السوداء الجميلة التى تسال مراتها كل صباح ان كانت هناك من هي اجمل منها .....

لحظتها ظل يفكر ... هل هي حبيبته البيضاء ... ام ساحرته السوداء ......لكن في كلتا الحالتين .... هي سابيته التى سبت قلبه بغلالغها لاخر العمر ....... نعم ... يعرف الان ان حبها سيظل في قلبه مهما طال الزمن .......

اخرجه من تفكيره الحزين المؤلم صوت اهتزاز هاتفه بجانب صدره ...... فالتقطه من جيبه لينظر اليه بملل .... انها مكالمة غير مرغوبة , اوشك على ان يعيده الى جيبه مرة اخرى الا ان وجود رسالة ...... عدة لحظات و كانت عيناه تتسعان وهو يقرا الرسالة .... ثم لم يلبث ان همس بقسوة .... لا ..... لا ..... لا

ثم نظر الى ساعة معصمه بسرعةٍ ورعب ليجد انها الثانية عشر ......اغمض عينه وهو يضرب المكتب بقبضته هاتفا يشتم بحنق .......لا ..... كيف لم أرها قبل الآن ....... نهض مسرعا يكاد يخرق الارض من لهفة خطواته .... لكن الى أين يذهب الان .....

خمسة عشر دقيقة وكان يقف امام العيادة المظلمة المغلقة .... منتظرا في سيارته يراقب المارة قليلي العدد في هذا الوقت المتاخر ... ماذا كان يظن ؟.... انها ستنتظره الى الآن ؟..... كيف ... كيف ...كيف لم يرى رسالتها ؟... يبدو بالفعل أن كل الطرق تبعده عنها .....

تمنى في هذه اللحظة من كل قلبه .... ان تكون غير مباليةٍ بعدم مجيئه .... لأنها إن كانت مبالية فهذا يعني أنها تألمت للغاية , وآخر ما يريده في هذه اللحظة ان يلحق بها المزيد من الأذى ..... يكفي ما أصباها منه حتى الآن ......

تناول هاتفه يريد ان يطمئن عليها , لكنه تراجع ينظر اليه بصمت ,لا بد ان آخر ماتريده الآن هو ان تسمع صوته ..... لكنه قلق عليها جدا .... الى متى ستظل مصممة على الاقامة في منزل والدته ... ان المسافة بعيدة عليها ......ظل هاتفه في يده وهو يشعر بقبضة الياس تطبق على صدره ......

لحظاتٍ وكان هاتفه يرن .... انه ادهم ... ماذا يريد الآن ؟.... انه ليس في حالةٍ تسمح له بسماع أي شيء يخص العمل ..... انقطع الرنين في النهاية الا إنه عاد ملحا عليه ليجيب

رفع احمد الهاتف اليه بنفاذ صبر وهو يجيب بفظاظة

( ادهم عندما لم أجبك في المرة الاولى فهذا معناه انني لا اريد أن أكلم أحدا الان ..... سلام )

صرخ ادهم بصوتٍ مدوي كاد ان يخرق طبلة اذنه

( اقسم أنك إن اغلقت الخط فساتي اليك لاسحق انفك الغبي .....مما أنت مصنوع اخبرني . كتلة من العند والغباء متصلبة بداخل رأسك تمنعك من الرؤية بشكلٍ سليم .... كيف استطعت ان تترك زوجتك بهذا الشكل ؟هل وصل بك العند الى هذه الدرجة ؟.......اخبرتك من قبل يا احمد ان سابين هي اختى مثل سما تماما وإن اخطأت في حقها فعليك أن تواجهني شخصيا ........)

نصف الحوار لم يدخل اصلا الى عقل احمد الذى هتف سريعا

( ما بها سابين .... هل هي بخير .... هل هي عندكما في القصر ؟....)

رد عليه ادهم بقسوة

( هل تتجرا وتسال عنها الان ..... كيف تمكنت ؟.... كيف تمكنت من فعل هذا وهي في مراحل الحمل الاخيرة و الضغط العصبي مضر لها...............ما الذي فعلته اصلا ؟؟؟....)

شعر احمد بالقبضة تطبق على صدره اكثر واكثر ....ثم قال بصوتٍ مختنق ( الم تخبرك ؟........)

مرت عدة لحظات ثم قال ادهم اخيرا ( لم تخبرني شيئا ......أنا لا اعلم مالذي فعلته تحديدا , لكن من الواضح انك فعلت شيئا احمقا كعادتك )

ضحك احمد قليلا بمرارة من غباء ادهم ثم تنهد بعمق وهو يقول باختصار ( لم أرى رسالتها .... والا لكنت جئت )

سكت ادهم قليلا ثم سال بحيرة ( اية رسالة .........)

اجابه احمد بهدوء واجم

( بعثت رسالة لي ... حتى الحقها الى العيادة اليوم في ميعاد المتابعة الدورية ..... لكنى لم أرى الرسالة الا الآن )

ساد الصمت مرة اخرى ... ثم قال ادهم ببطء ضاغطا على اسنانه

( دعني افهم جيدا ...... هل تقول لي ان سابين اتصلت بي في منتصف الليل منفجرة بالبكاء وجعلتني اذهب اليها على اقصى سرعة حتى اني كدت ان ادهس شخصين الليلة في طريقي اليها .......... كل هذا ..... لأنك نسيت أن تذهب معها الى الطبيب !!!!!)

صدم احمد بشدة وقال مبهوتا

( انفجرت بالبكاء ؟؟؟......هل كانت سابين تبكي ؟؟؟؟..... سابين ؟؟؟!!!!....... ادهم ..دقائق وسأكون عندكم )

هدر ادهم حانقا ( احمد .... لاول مرة سأقولها لاحدٍ ما ......نحن لن نستقبل أحدا آخر الليلة ..... الى اللقاء .....)

سمع احمد صوت الاغلاق وظل جالسا متسمرا مكانه تماما يشعر بصدره يضيق اكثر واكثر ..... فاخذ يخفف من ربطة عنقه بعنف ..فاتحا الزر العلوي لقميصه .......لقد كانت تبكي .... لم يرها تبكي من قبل ........انه لا يصدق ان سببا كعدم مجيئه هو ما يجعلها تبكي .... ليست سابين التي تبكي لسببٍ كهذا ...... هل يذهب اليها ؟؟ ام انه سيزيد الوضع سوءا .......

زفر بنف وهو يفكر .... تبا لكل شيء ...... لو كانت مهتمة اصلا لكانت اتصلت به .... ولم تكن لتكتفي بهذه الرسالة الباردة ......

لقد تعب من كل شيء .... هذا يكفي , إن ارادته فلتتصل به ..... انه حتى لم يخطىء بحقها ليذهب اليها متذللا ..... تريد الظهور بمظهر الشهيدة أمام الجميع من اجل بضعة كلمات مختصرة بعثت بها بمنتهى البرود .......

أدار سيارته بحنق ثم اندفع بها بجنون عائدا الى منزله ...................

.................................................. .................................................. ...........................................

استلقت سابين على ظهرها تنظر بشرود الى سقف الغرفة بينما جلست حلا بجانبها وهي تربت على بطنها بلمساتِ حانية وابتسامةٍ ناعمة ..... ثم همست برقة

( لقد ارعبتنا يا مجنونة ...........ظننا أنكِ على وشكِ الولادة )

نظرت اليها سابين بصمت بعد لحظة ثم همست ممسكة بيد حلا على بطنها

( هل تعلمين .... كلما تألمت في هذه الايام , لا أرى الا وجهك أمامي .........)

ابتسمت حلا بحيرة وهمست ( و لما ؟؟؟......)

اجابتها سابين بهمسٍ حزين

( لم أساعدك كثيرا في ما مضى حبيبتي .......تركتك تواجهين مصيرك , لم اكن يوما كما يجب ان تكون الاخت الكبرى ..... كان لابد أن اقف في مواجة الجميع دفاعا عنكِ قبل أن يلقو بكِ الى هذا الحقير ........)

بهتت ابتسامة حلا قليلا وهي ترى الصور السوداء تتدافع امام عينيها من جديد .... لكنها اخذت نفسا عميقا لتقول بعده بهدوء

( انه النصيب ......لم يكن اي انسان يستطيع تغيير القدر , لكنك انتشلتني من هوةٍ سوداء كبيرة كانت تبتلعني يوما بعد يوم )

ظلت سابين تتطلع الى عينيها الجميلتين وهما تحكيانِ قصة حزينة ........فجذبتها سابين الى احضانها وهي تهمس ( تعالي .....)

احتضنتها حلا بشدةٍ وهي لا تزال واضعة يدها على بطن سابين لا تريد ان تتركها أبدا .... ثم همست بصوتٍ مبحوح

( اتعرفين كم انا متشوقة لاصبح خالة ؟؟..... متى ستاتين بها , انا لا أحتمل الانتظار ...... سابين ..... هل تظنين انني أصلح لأكون ام ؟؟؟...)

اخفضت سابين نظرها الى حلا بدهشةٍ من هذا السؤال ...ثم اجابت بحزمٍ بعد فترة
( وما الذى يجعلك غير صالحة لذلك ؟..........)

الفصل الثامن و العشرون (2) 

لم تستطع حلا الاجابة وهي تشعر بغصةٍ في حلقها .....لا تعلم ان ادهم كان واقفا خارج الغرفة مستندا الى الجدار يستمع الى صوتها العذب ......وقد ظهر طيف ابتسامة على شفتيه ............

اخذ نفسا طويلا ثم استدار ليطرق على الباب المفتوح ..... فرفعت حلا رأسها اليه تنظر اليه نظرة عاشقة ... اصبحت لا تفارق عينيها مؤخرا ... بينما ابتسمت له شفتيها وهما ترسلانِ اليه الوعود ......

حاول ادهم بصعوبةٍ التخلص من تاثيرها الساحر عليه وهو يركز نظره الى سابين التى تنظر اليهما بامتعاضٍ ساخر ....

تنهد بغضب ثم قال بصوتٍ حاول ان يجعله مهذبا على قدر استطاعته

( كيف حالك الآن يا سابين .........هل استطعت تجاوز الصدمة البشعة لفعلة احمد الشنيعة )

برقت عينا سابين بحنقٍ من السخرية التى تراها في عينيه .....الا أن ادهم لم يمهلها لتطلق لسانها السام فقال بهدوءٍ حازم وهو يمد ذراعه

( هيا يا حلا .....فلنترك سابين لترتاح )

ترددت حلا وهي تنظر الى سابين قائلة برقة ( نعم يجب ان تنامي قليلا ..... هل تريدينني أن انام بجوارك )

عبس ادهم بشدةٍ فلمحته سابين قبل أن يستطيع ان يخفي معالم شره ...... وفي لحظةٍ واحدة برقت عينا سابين بينما همس صوتها منكسرا

( الن يضايقك هذا يا حلا ؟.........)

اتسعت عينا حلا وهي تنفي بسرعةٍ ومن دونِ تفكير ( بالطبع لا ..... هل جننتِ ؟ سابقى معك حتى الصباح لا تقلقي )

احتضنتها سابين برقةٍ مخفية وجه حلا بين احضانها .....بينما ارتفع حاجبها الشرير وهي تنظر الى ادهم مبتسمة باستفزاز......

ضعط ادهم على اسنانه ثم استدار ليخرج من الغرفة وهو يشتم غاضبا ..... احمق تزوج من مجنونة .........فما المتوقع غير الذى يحدث الان ؟؟.........

.................................................. .................................................. .....................................

حين حل الصباح كانت سابين قد ارتدت ملابسها استعدادا للمغادرة ......بالرغم من كل محاولات حلا للتشبث بها , الا أن سابين كانت مصممة على الرجوع لبيتها ....أو ذلك الذى أوهمت نفسها انه بيتها وسكنته رغما عن صاحبه .......

حاولت سابين ابعاد تلك الافكار المؤلمة عن رأسها وهي تنظر لحلا بحنان وتقبلها على وجنتها بينما كان ادهم يراقبهما صامتا الى أن قال اخيرا

( لا أرى حقا سببا مقنعا يجعلك متمسكة برأيك العنيد هذا ....... أنتِ هنا في بيتك وأنتِ تعلمين ذلك فلما المكابرة )

ابتسمت سابين قليلا وهي تنظر الى ملامحه الصارمة ثم قالت بتحدٍ مرح

( لم استطع أن اتقبل يوما نظرية الأخ الاكبر هذه .............)

ظهر طيف ابتسامة على زاوية شفتيه بينما الصرامة لاتزال مرتسمة على وجهه ثم قال اخيرا

(كفاكِ مراوغة ..... انا مصرا على بقائك هنا , لقد اقترب ميعاد ولادتك ولا يجب أن تكوني بعيدة عنا الى هذه الدرجة )

ابتسمت سابين و اهتزت عيناها قليلا ثم قالت بهدوء

(لا تخف ......لست وحدي , معي تلك الزوبعة المسماة امتثال .........وهي ستجيد التصرف بدرجةٍ افضل منا جميعا )

حين لم يجد كلا من ادهم وحلا سبيلا الى اقناعها ... غادرت سابين مع السائق تراقبها حلا التى كانت متمسكة بخصر ادهم وعيناها دامعتان على تلك الصخرة القوية التى لم ترها يوما مهزومة كما تراها الآن .......
**********************

بعد مرور اسبوع

كانت سابين تتمشى في المجمع التجاري ممسكة بحلوى الغزل بين اصابعها تاكلها بنهم .....مرتدية بنطالها الجينز الازرق يعلوه قميصا ورديا خفيفا محكما عند صدرها لينزل متسعا بانتفاخةٍ محببة ليخفي بطنها الطريفة .... بينما كان شعرها عبارة عن لوحةٍ فنية من الفوضى ... كان يبدو تماما كعشِ عصافير ضربته الرياح ... بتلك الخصلاتِ الناعمة المنسدلة على وجهها المحمر الناعم ......

تسير للتتأمل واجهات المحلات من حولها بتكاسل ... بجوار زوبعتها الخاصة .. امتثال ... التى لم تكف عن الحديث لحظة واحدة ...عن صبري وعن الاطفال ....وعن القميص الذى اشترته لصبري بعد أن مضى اكثر من عامين لم يجلب لنفسه شيئا جديدا .......

( هل تظنين أن اللون الأخضر سيليق بصبري يا سابين )

لم تعرف سابين متى تحديدا توقفت امتثال عن مناداتها بلقب سيدة .... لتصبح سابين فقط .......لكنها لم تهتم كثيرا , منذ متى كانت تهتم بما يفرضه الناس من قوانين غبية ......ردت سابين بهدوء دون أن تنظر اليها وهي تتباع التهام قطعة أكبر من الحلوى لتلعق أصابعها بعد كل قطمة .....

( أنا لم أرى البارون صبري يا امتثال .....لذا لا استطيع معرفة إن كان اللون الأخضر يناسبه )

عقدت امتثال حاجبيها وهي تنظر الى القميص في حقيبته .....ثم رفعت عينيها الى سابين لتقول بتوتر

( أم من الافضل أن نعود لنستبدله بالوردي ..... ذاك الذى عليه كلاما أسودا وصورة قدم على الظهر )

ابتسمت سابين وهي تهز برأسها يأسا من تلك الحالة الميؤس منها .....امتثال .......ثم ردت بهدوءٍ مانعة نفسها من الضحك

( لا .... أعتقد أن الأخضر ملائم لعمره اكثر )

سكتت امتثال وهي قلقة خائفة ... فهذه الفرصة لن تعوض بقميصٍ اخر ..... لا بد أن يكون الأمثل ... ستمر فترة طويلة قبل أن يجلب لنفسه شيئا جديدا .... فعظم دخلهما معا يذهب معظمه الى علاج الصغير .... لذا لا مجال للرفاهيات ......

ولولا المكافاة الاستثانئية الضخمة التى منحتها سابين ... لم يكن ضميرها ليرضى بان تبتاع غير طلبات الاطفال ........

قالت امتثال لسابين بعد فترة ( لكن لمن ذلك الجهاز الذى ابتعتيه من محل لعب الاطفال...يا سابين )

ردت سابين بعد لحظة ( لابنتي ........)

اتسعت عينا امتثال وهي تنظر اليها وهتفت ( ابنتك ؟؟!!...... هل لديكِ ابنة ؟؟... أين هي ؟)

ردت سابين بهدوء وهي تتابع سيرها باسترخاء ( مع والدها ..........)

حاولت امتثال استيعاب تلك المعلومات الجديدة ثم قالت بقلق ( هل انتما ......... منفصلان ؟)

شعرت سابين بجرحٍ عميق انتشر في قلبها من تلك الكلمة التى تتهيا لها منذ اسبوع .....ثم ردت بصوتٍ لا تعبير له

( شيئا كهذا .......)

عبست امتثال اكثر ..ثم قالت بحيرة ( لكن متى انفصلتما ؟؟.....ومتى عاد من سفره ؟)

سكتت سابين للحظات ثم ردت بنفس الهدوء ( تلك الليلة التى وصلتك فيها البيتك .... عاد ليتصرف معي تصرفا آلمني للغاية , لذا أعتقد انه يفهمني أنها النهاية اخيرا )

وضعت امتثال يدها على صدرها وهي تنظر اليها بخوف .... ماذا فعل لها هذا المتوحش وهي تحمل طفلته ......

هدوء سابين لم يخدعها , استطاعت أن تشاهد الألم في عينيها للحظةٍ ثم اختفى ....... نقلت حقائب المتشتريات الى يدها الأخرى ..لتتعلق بذراع سابين بشدةٍ لتعطيها الدعم الذى تحتاجه .....

نظرت اليها سابين بدهشة ثم عادت لتنظر امامها وهي تضحك بتعب .....الا أن التعب تحول الى انكسار تام حين رأته ...... رأته أمامها على بعد عدة امتار .......كان ممسكا بيد تالا وهي تبدو واجمة .......

لم يرها الى الآن .. كان مشغولا بالتحدث الى تالا وكأنه يحاول أن يراضيها .....بينما هي تسير الى جواره دون أي حماس ....

توقفت سابين مكانها وهي تراقب .... زوجها وابنتها ...... على بعد عدة خطوات منها .......وكانت تالا هي أول من رأتها , حين اتسعت عيناها دهشة ثم هتفت بسعادة ( سااااابين .....)

ثم تركت يد والدها وجرت الى سابين لتحتضنها بشدة ... تأوهت سابين قليلا الا إنها ابتسمت وهي تربت على شعر تالا قائلة بحنان

( اشتقت اليكِ يا شريرة ........كيف حالك ,لماذا لم تهاتفيني بالأمس ؟؟)

رفعت تالا نظرها اليها وهي تقول بسعادة ( لقد نمت مبكرا .... لكن لم أتخيل تلك المفاجاة , كيف استطعتما أن تخفيا علي هذا اللقاء )

رفعت سابين نظرها بتردد الى احمد الذى كان واقفا مصدوما ..... عيناه تلمعانِ بشوقٍ لم يستطع اخفاؤه .....صدره يعلو ليأخذ نفسا محملا بنسماتها ......اثناء اقترابه منها ببطء ..... الى أن وصل اليها , وعيناه لا تحيدانِ عن عينيها الجميلتين .......

ظلا واقفين ينظرانِ الى بعضهما بصمتٍ طويل .... الى ان اقترب احمد منها ممسكا بذراعيها ليقترب وجهه من وجهها ببطء ..... نظرت اليه في هذه اللحظة بصدمة .... هل سيقبلها .... وفي اللحظةِ التالية كان فمه يقترب من وجنتها ليهبط قليلا مقبلا زاوية فمها ببطءٍ متعمد وبعد لحظةٍ وقبل أن يتركها ... انحرف فمه الى اذنها ليهمس ...(لم أرى رسالتك .....)

كلمة واحدة ..... مجرد كلمة ... بعثت بحنانٍ غادر تدفق الى أوردتها ...... لكنه لم يتعب نفسه في محاولة الاتصال او الاعتذار ....

احمد يعتذر ؟؟..... من تخدع .. انه من العند و المكابرة بحيث وصل الى درجةٍ مملة .......لكن على ماذا يعتذر لقد كتب لديها قائمة طويلة من الاشياء التى يجب أن يعتذر عليها ..... وهي الى الآن لم يصلها اعتذارا واحدا ........

ابتعد عنها ببطءٍ وهي تشعر بانها لا تريده ان يبتعد .... كم اشتاقت اليه ..... مهما حاولت الانكار .....لقد اشتاقت اليه وفعلت الأعاجيب لتراه الفترة السابقة وها هي تراه الأن ..... بالصدفة .........

ظلا ينظرانِ الى بعضهما في صمتٍ وعتاب ظاهرا على عينيهما .... حتى ان التوتر انتقل الى تالا.......... وامتثال ......... التى تشبثت بكم سابين تجذبها لتنحني اليها ثم همست في اذنها وهي تتطلع الى احمد بتوجس

( ما الخطة الآن يا سابين ؟....... هل تريديني أن اصرخ لأجمع الناس من حوله ؟؟......فقط اعطيني الاشارة وسنخرج من هنا وابنتك معنا سالمة )

نظرت اليها سابين بدهشةٍ .... قد تفعلها هذه المجنونة .....فهمست بسرعة وغضب ( اصمتي .......اصمتي تماما هل فهمتِ )

عقدت امتثال حاجبيها بشدةٍ وهي ترمق احمد بنظرةٍ شرسة تعلمه بها انها قادرة على الدفاع عن مخدومتها إن تجرأ و تصرف اي تصرف مشين .....بادلها احمد النظر وقد ظهر طيف ابتسامة تسلية على شفتيه ...... إن سابين لها القدرة على اجتذاب كل أنواع البشر بسحرها .........فها هو يجد كلا من تلك الشابة البسيطة على وشكِ النقضاض عليه وافتراسه .... وتالا التى ترمقه بغضب وهي تعلم انه يفسد كل شيء .... بالاضافة الى أمه التى لم تخاطبه الا على مضض منذ يوم اجتماعهم الاخير والذى انتهى برحيله ........

نقل نظره الى سابين والابتسامة الضعيفة تتراوح جيئة وذهابا على شفتيه .....وسابين ايضا بنفس المنظر ..... يريدان أن يبتسما لبعضهما .... يتمنيانِ النسيان والغفران ..... لكن كلا منهما يحمل الكثير من الجروح التي تسبب بها الآخر .......

كانت سابين هي أول من كسر هذا الصمت القاتل فقالت وهي تبعد نظرها عن عيني احمد متشاغلة باللعب في خصلاتِ شعر تالا .....

( اليوم عيد ميلاد تالا ......هل اعددتما حفلا ؟؟)

نظر احمد اليها باصرار لترفع عينيها وتواجهه الا انها لم تفعل ... فقال بصرامة

( لو كنا أعددنا لحفلٍ لكنتِ انتِ التى قمتِ بالتحضير )

رفعت عينيها اليه تنظر بقسوةٍ لم تخفي الالم وقالت بسرعة ( بأي صفة ؟؟........)

تطوعت امتثال للرد بقوة وهي تنظر الى احمد بشرسة ( بصفتك أمها بالطبع .......الا يكفي أنه يبعد ابنتك عنكِ ويؤذيكِ كما اخبرتني منذ دقائق )

اتسعت عينا احمد بدهشةٍ وارتفع حاجباه وهو ينظر الى سابين........التى أغمضت عينيها ونفثت نارا من شدة غضبها على تلك الحمقاء المتشبثة بها والتى تنطق بكل ما لا يجب أن يقال في هذه اللحظات الحاسمة

بعد لحظةٍ قال احمد بهدوءٍ خطير ( حسنا يا أم ابنتي المقهورة ..... إن كنتِ قد انتهيتِ فهيا لأقلك معي )

رفعت سابين ذقنها بغرور وهي تنظر اليه وقالت بقسوة ( شكرا .... أنا اتيت بسيارتي )

رمقها احمد بنظراته التى كادت أن تفتك بها ثم جذب تالا اليه وهو يقول بنفس الهدوء

( تالا ..... انتِ تكلمي ... أمك ترفض أن نقلها معنا )

امسكت تالا بكف سابين وهي تقول بلهفة ( سابين .... ارجوكِ تعالي معنا , او خذيني معك )

تنهدت سابين بغضب ... أن اخذت تالا معها فلن تستطيع ان تعيدها ... القيادة طويلة عليها مرتين ......إنه دائما ما يلجأ لتالا لتجبرها على الموافقة .....الن ينضج أبدا ........

زفرت سابين مدعية الاستسلام على مضض ..... بينما في الحقيقة قلبها يصرخ من السعادة لأنها ستبقى الى جواره ما لا يقل عن ساعة كاملة من الزمن ........

.................................................. .................................................. ........................................

بعد فترةٍ كانت سيارته تقف أمام بيته !!!!....... بعد ان وصل امتثال الى بيتها ... والتي نظرت الى سابين في تساؤل حذر ......فأومأت لها سابين بهدوء أن تذهب الى أطفالها ... بينما كانت تغلي غضبا منه ......

بعد أن أوقف احمد السيارة قال بدون مقدمات ( انزلي .......)

نظرت اليه بحدةٍ وهي تتمنى ان تقذفه باي شيءٍ ثقيل .....لكن وجود تالا ... وعدم وجود شيءٍ ثقيل في متناول يدها منعها ..... ابتسمت قليلا من افكارها .... فعاد احمد ليقول بفظاظة

(اكره أن أقاطع روحك المرحة في هذه اللحظة لكننا نريد أن ندخل البيت في خلال هذا اليوم .... من فضلك )

عقدت حاجبيها وهي تتوعده في نفسها ... لكن تورم قدمها والم ظهرها كانا يلحانِ عليها ان تدخل لتريحهما قليلا .....

نزلت بهدوء من السيارة .... لكنها لم تغفل عن فعل اكثر شيء ممكن ان يثير غضب احمد ..... وهو أن صفقت باب السيارة بكل قوتها

وقبل أن يصرخ بها احمد الذى توحشت عيناه كانت قد أمسكت بكف تالا المبتسمة لتدخل البيت بكل هدوء و إباء أمام انظاره الحانقة ......والمتمتعة بجمالها .........

ما أن دخلت سابين الى البيت حتى التفتت الى تالا وقالت وهي تلهث قليلا

( تالا ..... اتاخذيني الى غرفتك . لقد تعبت قليلا )

قال احمد من خلفها بحزم وهو يمسك بخصرها بيديه الدافئتين ( اذهبي أنت يا تالا ......أنا سأعاون سابين لتصعد لغرفتها وترتاح قليلا )

نظرت اليه سابين بغضب وقالت وهي تتملص من يديه التى بدأت تتحسس بطنها

( ليس لي غرفة هنا .......)

لمعت عينا احمد قليلا وهو يكاد ان يلتهم ملامح وجهها الشرسة ...... ثم قال بهدوء

( كفى عنادا ....هيا لتستلقي قليلا , سرير تالا صغير لك )

ارادت ان ترفض بشدة .... الا أن التعب كان قد هدها تماما فاختارت الاستسلام من جديد ......وما أن دخلت الغرفة الذكورية الأنيقة بالوانها التى يغلب عليها الأسود حتى اتجهت الى الفراش الواسع مباشرة وجلست عليه تتنهد بتعب ... ولحظة أخرى واخذت تتراجع الى أن استلقت على الوسائد خلفها مغمضة عينيها و قدميها على الأرض ..... لكنها شعرت بمن يرفع لها قدميها برفق لتستلقي باعتدال على الفراش .... ونفس اليدين تخلعان حذائها و تدلكانِ قدميها ..... الا أنها كانت في حالةٍ من غياب الوعي .... فلم تستطع حتى فتح عينيها ....لكنها استطاعت الشعور بيد دافئة تتلمس بطنها ..... وأخرى قوية تمسك بذقنها لتجذب وجهها الى شفتين قويتين دافئتين ..... اشتاقت الى شوقهما .........وكان هذا الشعور الحالم هو آخر ما تتذكره قبل أن تضيع في سباتٍ عميق .....

.................................................. .................................................. .......................................

استيقذت سابين على نسماتٍ صيفيه ناعمة تطل من النافذة المفتوحة ... ففتحت عينيها بضعف لتنظر الى الغرفة الغريبة عليها .....استقامت جالسة تنظر حولها .... وتذكرت انها جاءت مع احمد بمنتهى الضعف والاستسلام .......ما الذى أصابها لتكون ضعيفة الى هذه الدرجة امامه .....نهضت بغضبٍ من الفراش لتفاجا بانها ترتدي قميص نوم فضفاض أبيض يصل الى كاحليها ......لقد فعلها مرة أخرى ... فكرت بشراسة .... لا يراعي أية خصوصية لها ..... في المرتين كانت غائبة عن الوعي .......

تشعر الآن بالغضب الاحمق يهدد بالسيطرة عليها .......لكن فجأة ضرب راسها صداع عنيف حتى شعرت بذبذباته تنطلق من زاويتي عينيها ....فضغطت بكفيها على كلتا عينيها تتأوه بالم .......

( ساابين ....ماذا بك )

لحظات وكانت الذراعين القويتين تسندانها الى أن جلست على الفراش وهي تلهث بشدة ... هناك ضغطا في رأسها يكاد يغشي بصرها .... وأنفاسها تتسارع بشدة .....

تاوهت اعلى وهي تتمسك بذراعي احمد الذي سحبها الى الفراش مرة اخرى واستلقى بجوارها ممسكا بها بشدة ......ظل يهمس اسمها بقلق فوق جبهتها..... وحين حاول تركها ازدادت تشبثا به وهي تهمس بضعف

( احمد .....الالم يعصف برأسي , لا اتحمله ..... افعل شيئا ارجوك )

همس احمد بقلق ( سابين سأتركك لحظة لأكلم طبيبتك ..........)

صرخت سابين وهي تعاود تغطية عينيها و صدرها يتزايد علوه وهبوطه بشكل ملحوظ ......فضمها احمد اليه بقوة وهو يلهث قلقا .....قال بعد لحظة

؛( سابين حبيبتي ..... اهدئي قليلا , ستؤذين نفسك )

كانت دموعها تنهمر الان دون توقف على وجهها .......وقالت بضعف ( لقد آذيتني كثيرا ...... آذيتني اكثر من أي انسان عرفته )

اخفض نظره اليها بسرعةٍ وهو يسمع هذا الاتهام المتقطع الخارج من شفتيها المرتجفتين الما .......امسك وجنتها بيده الضخمة وظل يدلك لها جانبي وجهها برفق حتى يخف الم رأسها قليلا ثم قال يهمس

؛( سابين ..... سأتركك للحظةٍ واحدة حتى أتمكن من محادثة طبيبتك )

كانت الان قد بدات تبكي بهستيرية .... وكان تعب الفترة الماضية كلها قد حل عليها مخرجا كل العذاب الذى شعرت به ....ابتلع احمد ريقه بصعوبةٍ والرعب يكاد يمزق قلبه عليها .......

اقترب منها ليقبلها بارتجاف وهمس فوق شفتيها المرتعشتين الما وبكاءا ( سابين ...... ماذا تريدين اخبريني حبيبتي وسأجلب لكِ كل ماتحتاجين )

تأوهت اكثر وبكت أعلى وهي تغمض عينيها بشدة ثم صرخت باكية ( لن تعطيني أبدا ما أحتاج ..... لن تستطيع )

ضمها اليه بقوةٍ وهو يشعر بانه على وشكِ الانهيار من رؤيتها بهذه الحالة الغريبة والتى من المؤكد ستؤذيها..... همس في اذنها

( اخبريني ....... فقط اخبريني )

اخذت تبكي وتشهق في صدره عاليا متشبثة بقميصه من شدة الألم الذى سيفجر رأسها ......ثم صرخت بضعف واستجداء

( أريد ...... أريد .....أريد أن أكون كامتثال )

جمد في مكانه لحظة وهو ينظر اليها بحيرة .... هل هي تهذي ؟..... يالهي ... هل وصل بها الألم الى حد الهذيان .... فقال بغباء يحاول استيعاب ما تقوله ....

( هل تريدين تنظيف البيت بنفسك ........افعلي ماتريدين حبيبتي , أنا لن أمانع ابدا ... أنت سيدة هذا البيت )

صرخت وهي تضرب صدره بقوة وقد بدأت تفقد السيطرة على لسانها السليط الذى كان قد تعود الاحترام الفترة السابقة ......أمسك احمد بمعصميها بقوةٍ ورفعهما أعلى راسها مثبتا اياها على الوسائد من خلفها ......وصرخ في وجهها بشدة

( سابين ..... توقفي عن ذلك , إنكِ تضاعفين الم رأسك )

اخذت تبكي أمام عينيه وقد شعرت لاول مرة انها اصبحت مكشوفة له تماما بعد أن عرت روحها اليه بهذه الطريقة .... الا إنها فقدت القدرة على التمثيل .....أرادت أن تكون سابين الموجودة بداخلها لأول مرة ..... لا تلك التى كانت تحاول النجاة بها دائما ......

همست تلهث ببكاءٍ مرير ( أريدك أن تثق بي ......أريدك فقط ان تثق بي , لم يهمني رأي مخلوقٍ من قبل ........الا أنت )

اخذت تبكي بشدة حتى بدأت تهدا بصورة مرعبة الى أن غابت عن الوعي تماما .....بعد ذلك ... كان ماحدث عبارة عن أصوات متشابكةٍ رحلةٍ طويلةٍ في سيارة ..... هتافِ أشخاص ....أحدا يمسك ذراعها ويدس شيئا حادا بها .....بكاءٍ ناعم .......انها حلا او سما .....

شخص يقرأ آياتٍ قرآنية بجوارها ....يدٍ تمسك بيدها ...همس وصل الى اذنيها ......سلمها من كلِ شرٍ يا رب العالمين ...... احفظها لي ولطفلتينا .....

بعدها غابت عن الوعي عدة مرات .... لتعود كل مرةٍ بسماع اصوات مختلفة .... لقد انخفض الضغط .... الان هي الفرصة الوحيدة لتتم الولادة .....لا .... لا .... إنها لا تريد الولادة الآن ...... لم يأتِ موعدها بعد , سينتزعون طفلتها انتزاعا ..... استطاعت الهمس بضعف

(لا .... لا .... لا أريد الولادة الآن .........)

شعرت بيدٍ رقيقة تربت على كتفها وصوت الطبيبة تقول لها ببطءٍ ووضوح لتستطيع سماعها

( سابين .... لقد انساب الماء المحيط بالطفلة , دون ظهور أعراض الولادة ..... لذا لا بد من أن نخرجها الآن ... لقد انتظرنا الى أن انخفض الضغط )

اخذت سابين تبكي وهى تهز برأسها نفيا .....الى أن اقترب منها احمد ليمسك يدها بقوةٍ ويضع جبهته فوق جبهتها ......ثم همس باختناق

( اصمدي قليلا حبيبتي .......من أجل طفلتينا )

هدات سابين قليلا لكنها ظلت تبكي بصمت وهمست ( تالا .....)

أومأ احمد فوق جبهتها وهو يهمس بضعف ( نعم ...... تالا تحتاجك و تلك الصغيرة التى ستسمينها بنفسك ......وأنا أحتاجك قبلهما فاصمدي من أجلي حبيبتي )

اغمضت عينيها بوهن واراحت راسها الا انها سمعت صوت احمد وهو يسال الطبيبة بصوتٍ لا يشبه صوته

(هل من الصواب ان تجري جراحةٍ وهي في مثل هذه الحالة ......)

( لن نستطيع ترك الطفلة اكثر بعد ان فقدت السائل المحيط بها ..... كما ان سابين انخفض ضغطها واخشى ان يرتفع مرة اخرى وقتها سيكون من الخطورة اتمام الولادة )

اخذت سابين تتوه قليلا ثم تعود .....تشعر بمن يلبسها شيئا غريبا .... تسمع صوت احمد يقول بصلابة (سادخل معها .......)

صوتا اخر يقول (غير مسموح ..... من فضلك انتظر بالخارج )

ها قد بدا الشجار بين احمد وبين أحدٍ ما يريد اخراجه ....لم تستطع منع نفسها من الضحك بوهن شديد

(ساابين ....) وصلتها همسته ولمسة يده وهو يقترب منها بوجهه ذو النفس الدافىء الذى يلامس وجنتيها ... همس لها بلوعة

(هل أنتِ متيقظة حبيبتي .....افتحي عينيكِ وانظري لي )

فتحت سابين عينيها بصعوبةٍ شديدة فطالعها وجهه القوى يكاد يلامس وجهها ... في عينيه مشاعر غريبة لم ترها منه من قبل ....ابتسمت بضعف ... ورفعت يدها لتتلمس فكه القوي ... فاطبقت يده على يدها ليطبع شفتيه على راحة كفها بقوةٍ كادت أن تكسر عظام أصابعها الرقيقة ......تترك شفتاه كفها الآن لتنتقل الى أذنها ويهمس

( سأنتظرك .... لاتتأخري هنا حتى لا اقتحم المكان مطالبا بأم أطفالي .... هل فهمتِ ؟؟)

ضحكت سابين بتحشرج وهي تومىء برأسها ودموعها غير قادرة على التوقف ..........بعد ذلك اصبح كلِ شيءٍ ضبابي أمامها ....الى ان غابت عن الوعي تماما .......

كم مر من الوقت .....يبدو كدهرٍ من الزمن .... إن لم يخرجوها حالا من الغرفة الكئيبة سيدخل ليقتحمها ..... يااارب .... يااارب احفظها ... لقد شعرت بمرارة الفقدان من قبل .... يا رب لا أعترض على قضائك .......لكن لا راحة الا باللجوء اليك ......

احفظها من أجلي ومن أجل ابنتي يا أرحم الراحمين ....

شعر احمد بأنه على وشكِ الانهيار ....لم تأخذ ولادة ليال كل هذا الوقت .... ماذا يفعلون بالداخل كل هذا .........أفاق من شروده على كف أمه الحانية وهي تربت على كتفه هامسة ( لا تقلق حبيبي ... باذن الله ستكون بخير هي والطفلة )

نظر احمد الى أمه فتره بعينين حمراوين بلون الدم ثم قال باختناق ( إن حدث لها شيء ..... لن أسامح نفسي أبدا , أنا لم أعطها أبدا الفرصة التي كانت تستحقها ......كل من عرفها عن قرب فهمها جيدا ... الا أنا , وقد لا تأتي الفرصة لأقول لها هذا )

فتحت اميرة فمها لتنهييه عن هذا التشاؤم لكن خروج الطبيبة منعها من الكلام .......والتى اثار خروجها هجوم الجميع ... سما وحلا .. يليهم فارس وادهم .... لكن في المقدمة كان احمد يندفع الى الطبيبة بلهفةٍ سائلا عن حال سابين ..... فابتسمت وهي تطمئنه عن أن الولادة سارت على أكمل وجه ......وأن بعد دقائق بامكانهم الذهاب لغرفة الرضع لرؤية الصغيرة المحاربة .......

ذهب الجميع بعد ان استقرت سابين في غرفتها .... بينما ظل احمد بجوارها ممسكا بيدها وهي ترتجف بشدةٍ بعد افاقتها ... كانت تتاوه و دموعها تنساب من شدة الام الذى افاقت عليه ....كانهم مزقو معدتها بنصلٍ حاد شر تمزيق ......اقترب منها احمد يتلمس وجهها برقة يخبرها ان المسكن حالا سيهدىء الالم وانه لن يذهب الى اي مكانٍ حتى تخرج معه .......همست تبكي

( أريد المزيد من المسكنات..... لا أحتمل الألم )

ضحك احمد قليلا وهو يهبط برأسه ليقبلها بقوةٍ ليمنحها كل المسكنات التي تحتاجها ... تاوهت سابين حين ضغط عليها وهتفت بحنق

( ابتعد يااااا احمد .....بطنييييي ) فابتعد على الفور وهو يعتذر بلهفة ... قالت سابين بسرعة

(اين طفلتي ؟........) ضحك احمد وعيناه تتدفقانِ حبا غير موصوف ثم قال مختنقا ؛( لم أرها حتى الآن ... الجميع ذهب لرؤيتها , الا أنني سأراها حين تأتِ الى هنا ..... لنراها لأول مرةٍ معا )

فتحت عينيها تنظر الى ذلك المخلوق الضخم الخشن والذى ينظر اليها الآن بعينين تفيضانِ حبا .... هل تلك الصغيرة المحاربة هي التى ستعيده اليها ........هل لهما فرصة معا .......

بعد فترةٍ كانت الممرضة تدخل الغرفة مبتسمة تجر معها فراشا صغيرا ......يحتوي زهرة بيضاء ذات شعرٍ كثيفٍ اسود كجناح الغراب

شهقت سابين بصمت ... بينما تناولها احمد برقة وعيناه تتلالان حبا ودموعا ......قربها منه ليقبل وجنتها المخملية ثم همس الله اكبر في اذنها .....همست سابين بلهفة ( أريد أن أحملها .......)

ساعدها احمد لتستقيم قليلا برفق ثم ناولها الصغيرة بين ذراعيها وهو يسند ظهرها بذراعه ....ضمتها سابين الى حضنها بلهفةٍ وهي تنظر الى عينيها اللتين فتحتا الآن ....إنهما داكنتين كسطحي فنجانين قهوة .......همست سابين تناجيها بانبهار ( مرحبا .......)

سألها احمد مبتسما يهمس حتى لا يفسد تلك اللحظة (ماذا ستسمينها ؟.......)

لم تنظر اليه سابين بل ظلت تنظر مبهورة الى تلك الصغيرة التى تكاد تقسم أنها تبادلها النظر بمنتهى التركيز ......همست أخيرا

( أنت سميها .......) نظر اليها احمد بدهشةٍ هو يسأل ( أهذا ما تريدينه ؟..... متأكدة ؟؟)

أومات سابين دون أن ترفع عينيها عن الصغيرة ..... فقال احمد بعد فترةٍ ( سأسميها اذن تميمة .... فهي تميمتي الصغيرة )

نظرت اليه بدهشة ... وقالت بصدمة ( ماذا ؟؟ .... تميمة ؟؟... كنت أعلم أنك ستفسد الأمر ؟؟)

ضحك احمد وهو يشدها الى حضنه اكثر وهمس ( انظري اليها .... اليست تميمة ؟؟)

نظرت سابين الى الصغيرة المحدقة بانتباه .... فضحكت هي الأخرى وقالت ( نعم ...... نعم إنها تميمة .... فلتكن اذن تميمة )

.................................................. .................................................. ..............................................

في نهاية اليوم وبعد أن بقى الجميع ضاحكين سعداء بعد تلك الفترة العصيبة التى مرت عليهم .... أصرت عليهم سابين أن يذهبو جميعا ليرتاحو قليلا ......وبقي معها احمد بعد أن ودع تالا التى كانت من السعادة و الانفعال بحيث كانت تضحك وتبكي في نفس الوقت ....

اقترب منها احمد ببطء بعد أن أخذت الممرضة الطفلة وخرجت ......فجلس بجوار فراشها وبدون أي مقدمات التقط وجهها بين كفيه ليقبلها بقوةٍ ثم همس ( لقد تسببتِ لي في رعبٍ اليوم لم أشعر به في حياتي ... أيتها الحمقاء )

عبست في وجهه وضربته على ذراعه وهي تقول بحدة ( هل هذه هي فكرتك عن الكلمات العاطفية .........)

ضحك احمد وهو يضمها باحتراس قائلا بسعادة (وما الذى تعرفينه أنتِ عن العواطف ..... يا مجنونة )

نظرت اليه طويلا .... هل هذه هي بداية لهما ...... أتكون بالفعل ..... لن تجرؤ أن تساله ..... تريد أن تعيش الايام المقبلة بكل ما ستحملها لهما معا .......

فتح باب الغرفة فجأة بحركةٍ مسرحية ......وأطلت عشرات البالونات الملونة والمنفوخة بالهيليوم ......ثم تلاها وجه عمار المبتسم ..فاردا ذراعيه وهو يقول بصوتٍ عالٍ

(أين هي تلك الوالدة الجديدة المثيرة........)

أغمضت سابين عينيها .... يالهي .... لم تمر لحظات على تفكيرها بالبداية .... وها هو الأحمق يوشك على أن يكتب حروف النهاية بنفسه .......

سكت عمار حين فوجىء برؤية احمد في الغرفة .......فقال بفتور واضح ( والوالد أيضا هنا ...... ياللسعادة )

تشنج جسد احمد وتقلص عضلاته أخبر سابين أنه على وشكِ النهوض وافتعال فضيحة ستذكرها هذه المشفى لسنوات عديدة لاحقة .... فامسكت بيده بقوةٍ قائلة بحزم .... دون أن ترفع عينيها عن عينيه

(الن تهنىء احمد يا عمار ........)

أخذ عمار نفسا عميقا ثم وضع البالونات من يده وتقدم الى احمد مادا يده وهو يقول ( الازلت لا تفضل المصافحة ؟...............)

نهض احمد على مضض ثم امسك بيد عمار الذى جذبه فجاة ليهمس في اذنه ( لا تعتقد انني نسيت لكمتك ..... واعدك بان اردها لك )

لف احمد وجهه اليه ليهمس هو الاخر (لما لا نخرج الآن الى أي مكان لتريني ما تستطيعه ...........)

همس عمار ( ليس الآن ........لكن أعدك بيومٍ قريب )

ابتعد عمار مبتسما بسعادة وهو يربت على ذراع احمد مهنئا بزيفٍ واضح ...... ثم اقترب من سابين مادا يده اليها , لكن نظرة احمد أخبرتها أنها ستكون في عداد المفقودين إن تجرأت ومدت يدها ..........

نظرت سابين نظرة معتذرة الى عمار ... الذى سحب يده غامزا لها دون أن يراه احمد .......

فكرت سابين ...... إن عمار هذا يهوى التلاعب بالنار ..... وإن عرف احمد ما عرفته هي عن اقترابه من دارين فستكون كارثة فوق رؤوسهم جميعا .......

.................................................. .................................................. ............................................

بعد شهرين .....

كان احمد واقفا خارج غرفة تالا بعد ان نامت تميمة بمعجزةٍ بين ذراعيه اخيرا .......كان مستندا الى الحائط مبتسما مكتفا ذراعيه وهو يستمع الى سابين المستلقية بجوار تالا ..... تحكي لها قصة ارتجالية من وحي خيالها المبدع ......كانت قصةٍ غريبة عن مجموعةٍ من التنانين و السحرة و أيضا هناك عروس بحرٍ لكن دون بحر ...... تعيش معهم على الارض ......لقد اغفلت سابين هذه النقطة .......

ظلت سابين تحكي وتالا تضحك بمرح ..... الى أن قالت سابين في النهاية ( وها قد تزوجت عروس البحر من التنين .... بعد أن اكتشفا أنهما من نفس الفصيلة )

قالت تالا بمرح ( عروس البحر ليست من فصيلة التنانين إنها من الاسماك)

نظرت اليها سابين بحنق وهي تقول

(وماذا عن التنين اذن ؟.........إن ظللت تدققي في كل نقطةٍ بهذه الطريقة فلن أحكي لكِ قصة أخرى أبدا ...... هل فهمت ؟؟الآن هيا الى النوم لديك مدرسة مبكرا )

قبلتها سابين ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب لتجد احمد واقفا أمامها .......نظرت اليه بأمل وقالت ( هل نامت ؟؟؟........)

ابتسم دون أن يجيبها لكن بريق عينيه أخبرها الإجابة ..... اقترب منها ليحملها بين ذراعيه مرة واحدة وهو يقول بشغف

( أحبك ........يا أم البنات )

ابتسمت وهي تحيط عنقه بذراعيها وهمست ( أحبك ..... يا أبا البنات )

دخل بها أى غرفتهما متمنيا من كل قلبه الا تستيقظ الصغيرة الساعتين التاليتين ..... فلديه الكثير ليتباحثه مع أمها ........





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close