أخر الاخبار

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل السابع عشر17 والثامن عشر18 بقلم تميمه نبيل


 رواية لعنتي جنون عشقك الفصل السابع عشر17 والثامن عشر18 بقلم تميمه نبيل


رفع رأسه عنها ببطء ..... وقد توقفت أنفاسه بعد أن كانت تتصارع منذ لحظة فوق بشرتها الحريرية .مد يديه الاثنتين ليستند عليهما على الوسادة من جانبي وجهها و قد اصبح وجهه فوق وجهها ينظر اليها ......بلا أى تعبير , و كأنه لم يسمع اعترافها منذ لحظة ......
ظلت مستلقية على ظهرها تنظر لعينيه المشرفتين عليها ......و قد تسمر كلاهما كتمثالين حجريين ....أو متصارعين يلعبان لعبة التحدي بالنظرات ........
قام فجأة ليجلس على الفراش ثم سحبها بوحشية من ذراعيها لتجلس أمامه هى الأخرى .......اخذت تنظر اليه وقد علت شبه ابتسامة مستفزة على زاوية شفتيها , و ارتفع حاجبها الايسر باستهتار أمام عينيه الجائعتين اللتين تحاولان التركيز على عينيها دون جدوى , ليعودا و يضيع منهما الطريق ........
ازداد الاستهزاء فى عينيها الوقحتين وهى تراه يحاول استعادة سيطرته ليركز على الاعتراف الاجرامي الذى طلبه ......... وقد حصل عليه .........
استطاع اخيرا النظر الى عمق عينيها ...... وما ان شاهد نظرة الاستهزاء و الابتسامة الساخرة حتى اشتعلت عيناه بنيران الحقد الدفين و لمعتا بالغضب الاسود فمد يده ليقبض على خصلة من مؤخرة راسها و يجذبها بقسوة الى الخلف لترجع راسها ....... اغمضت عينيها من شدة الألم , لكنها لم تنطق بحرف ....... ان كان يظنها ستستجدي منه الرحمة فهو اذن واهم .........
( أعيدي ما قلتِه ........)
ضربتها كلمتة المتوحشة وصدمتها بالكره الذى غلف كل حرف منها , لكنها سيطرت على الشعور المؤلم الذى طعن قلبها و قالت ببرود جليدي وهى لا تزال مغمضة عينيها راسمة نفس الابتسامة التى
( لقد سمعت ما قلته جيدا ..........)
مد يده الحديدية ليقبض على فكها ويهزه بعنف وهو يهدر
( افتحي عينيكِ .........)
فتحت عينيها ببرود لتنظر لعمق عينيه وهى تحضر نفسها لرؤية حقده عليها والذى ما ان رأته حتى عضت باطن خدها دون ان يلاحظ هو سوى البرود المسيطر عليها .........
نظر اليها بازدراء مخفي داخل التوحش المندفع من عينيه ........اخذت حدقتاه تتحركان عى وجهها و كأنه يستشف الجواب من ملامحها الضعيفة بعد ان يئس من قراءة عينيها الباردتين القاسيتين ........ولم تفهم هى ماذا ينتظر قبل ان يبدأ تعذيبه لها , كانت تظن انها ما ان تلقي اعترافها اليه حتى يسارع الى رميها الى الجحيم , لكن ما لا تفهمه هو سبب لمحة التردد التى ظهرت حاليا لعينيها ........ألم يصدقها ؟........مستعدة ان تهبه روحها ان اخبرها الآن انه لا يصدقها ............
( أمتِعيني بكل التفاصيل القذرة ................)
غار قلبها و عاد ليندلع بنيران القهر.............القهر من ذلك المتوحش الذى خدعها برقته يوما .........ليذيقها ليلة من السحر المجنون و يشعرها بما لم تشعره مع غيره أبدا ...... علمها ما لم تعلمه من كل حياتها التى عاشتها لتعبث بقلوبِ العابثين ليخروا تحت قدميها طالبين الرضا من صاحبة السحرالأسود ........ والتى كانت تركل قلوبهم دون أى شعور بالندم ..........
و الآن جاء دورها .........لتشعر ببعضٍ مما اذاقته لعبيدها ......كيف سقطت له بهذه السهولة والغباء , كيف انخدعت بعاطفةٍ كاذبة أطلت من عينيه ..... حتى وان لم تكن حبا و كانت مجرد رغبًة وجنونا ,لكنها كانت تعتقده قد تقيد بها بسلاسل سحرها التى لم تخيبُ هدفا ابدا ........لينجح هو في تكبيلها بسلاسلها ..........
عاد ليرعد فيها بوحشية وهو يهز فكها اكثر حتى كاد ان يخلعه من وجهها ( انطقي ايتها ال........انطقي سابين وارحمي نفسك من غضبي ......... منذ متى قررتما تصفية حسابات الماضي لتكون دارين هى الضحية بينكما ......)
اغتاظت من لفظة ضحية ...... هل هو من السذاجة ليعتقد ان تحرُر دارين من زواجٍ برجلٍ مثل مازن مهران يجعل منها ضحية .........
ذلك الوغد الحقير الذى كان لا يتورع عن وصفها بأقذع الالفاظ أمامها ....حتى تصورت أنه متزوج من انسانة لا يتحملها بشر ,لكن تصرفه الأخير جعلها تدرك كم هو حقير ...... و الكلام الفاسق الذى تعمد ايصاله لأحمد عن مدى تطور العلاقة بينهما جعلها تتأكد ان اى شيء مما قاله سابقا هو كذب حقير لمجرد ان يحصل على تعاطفها و بالتالى يحصل عليها فى نهاية الأمر ...... ولو بأى طريقة , بزواج او بغيره .........ولو كان هذا الغبي الجالس أمامها الآن يحاسبها على ضياع مازن مهران من شقيقته , سمع كلامه عن دارين لكان قتله بيديه ..........بدلا من ان يعذبها هي تحت ادعاء ...... تطهيرها ...... المنافق ......المجنون .......
لم يظهر على ملامحها الرخامية الناصعة أيا من العذاب العاصف الذى يهيج بداخلها فى هذه اللحظة .......و ظلت تنظر اليه بمنتهى البرود ثم قالت اخيرا بصوتٍ قد يجمد اى رجل ......غير احمد مهران
( بماذا تهمك التفاصيل ؟......أردت اعترافا و قد حصلت عليه )
ثم نظرت اليه نظرة الهبت كيانه وهى تضيف بفحيح ( و أنا كلي شوق لأرى خطواتك الفذة لتطهيري من جرائمي ........)
تركت يده فكها الذى كان لا يزال ممسكا به الا إنه عبس قليلا حين شاهد أصابعه منطبعة بعلاماتٍ حمراء على خدها دون ان تظهر له انها كانت تتألم .......لكنه قال بقسوة متعمدة
( ليس الأمر بمثل هذه السهولة ........ ليس قبل ان أعرف .....كيف ..... ومنذ متى .......)
نظرت اليه وهى تبادله القساوة بقساوة اشد و اعلى وقالت وهى تشدد على كل حرف ليصله جيدا
( كيف ؟...... انت تعرف خطوات الخطة جيدا و التى انتهت بتدمير زواج دارين .... حتى وان كنت تتوهم بأنك أنقذت زواجها بزواجك مني !!.......لكنى فى الحقيقة سأظل بينهما طوال العمر , لن يتمكن مازن من نسياني أبدا .........فقد عمِلت على ضمان ذلك جيدا ....
أما منذ متى ؟؟؟........ فذلك أنت تعرفه جيدا ....منذ ان جعلت أمك والدي يترك زوجته و بناته ليرتمي في أحضانها ...........)
لم تكد تمر لحظة منذ ان نطقت الحرف الاخير في كلامها البشع حتى شعرت بلسعة شديدة فى خدها بعد ان ارتفعت يده عاليا لتهبط مرتطمة بوجهها , في صفعةٍ قوية القت بها على الوسائد خلفها ............
رفعت يدها ببطء لتتلمس اثار صفعته على وجهها و التى يبدو و كأنها انطبعت على قلبها ....هل هذا هو شهر عسلها ؟ .......... هل تلك هي الايام التى اخذت تعد اللحظات قبلها لتصل اليها ؟................. غامت عيناها وهى تنظر اليه بشرود دون ان تذرف دمعة واحدة .........
قام من مكانه بعنفٍ وهو يغرز أصابع يديه بخصلات شعره وهو يغمض عيناه هامسا
(يا الهي .......)
ظلت تنظر الى الصراع الذى يعانيه ..... جانبا منها يتلذذ بمعانته و كرهه لذاته لأنها تمكنت من إيصاله لذلك المستوى الذى بالتأكيد لم يصله مع غيرها أبدا .........
لكن جانبا آخر منها ...... مخفي عميقا بداخلها , كان يحثها لتنهض و تضربه و تصرخ بوجهه الا يصدقها ...... الغبي الذى لم يحركه نحوها الا انتقاما طويلا عمره من عمرهما معا , ولا ذنب لهما به ...........
فتح عينيه بصعوبة لينظر اليها بأسى طويلا الى ان قال اخيرا بصوتٍ متعب
(اياكِ ان تدخلى أمي فى الحربِ بيننا سابين ........و قتها لن اضمن ردة فعلى تماما كما فعلت الآن )
همست وهى تنظر اليه بحقدٍ دفين
(انت الذى طلبت ادخالها .......انت من أحضرتني الى هنا .....الى صندوق ذكرياتها مع ابي )
استقامت و نهضت من الفراش لتندفع اليه وتواجهه وهى تكمل بشراسة
(لم تفكر الا بانتقامك انت ...... ليس لدارين فقط بل لتكن صادقا مع نفسك يا احمد بل انت تريد الانتقام مني بسبب الماضي الذى لم تستطع غفرانه او التعامل معه ...........فكان زواج دارين المهدد هو فرصتك الذهبية لتنتقم من ذلك الرجل الذى أسر قلب أمك الى الآن .....حتى وان كان ميتا فابنته موجودة لتنتقم منها .......اليس كذلك ؟......لم تفكر الا في غضبك أنت من الماضي ....... لم تفكر أنك لم تخسر شيئا حقا ......لم تفكر فى أنا ......أنا يا احمد ..... أنا من تركني والدي ...... أنا و إخواتي ......نحن من فقدنا والدنا ...... بسبب حبه الذى لم يستطع التغلب عليه ابدا ........سما التى كنت تساعدها فى الخارج بمنتهى الشهامة , تركها والدها وهى لا تزال رضيعة.... لم تعرفه ابدا ..... بسبب حبه .....بسبب تلك العاطفة الأنانية المسماة حبا ......و أنا .... أنا اتذكره جيدا , أتذكر ابتسامته , أتذكر حنانه علي أنا وإخوتي.......لكن أتذكر أيضا اننى رأيته يصفع امي ذات مرة ...... تماما كما فعلت أنت الآن .......لم تفكر بكل ذلك حين أحضرتني الى هنا بالذات ..... الى المكان الذى تعمدت ان أجد فيه تلك الذكريات عن ذلك الحب البائس الذى عرفت الآن أنه السبب في ترك والدى لنا ........سنواتٍ وسنوات و أنا اسأل نفسي عن سبب اختفائه من حياتنا ........عما ارتكبناه من خطأ ليتركنا ....... اتذكر آخر مرة رأيته بها ....... حين قبل وجنتي وهو يقول لي انه آسف و ان لا خيار له سوى ذلك ....... ولم أفهم وقتها قصده... لم أعرف سوى أننى لم أره ثانية ....و الآن ......الآن فقط عرفت .....قرأت رسائله لها ..... رأيت صوره معها .......و عرفت لِما تركنا ....من أجلها ..... من أجلها هى .....)
كانت آخر كلماتها خرجت من شفتيها همسا حزينا مقهورا و قد أغمضت عينيها ........ و استدارت و هى غير قادرة على النظر اليه فى تلك اللحظة .......
أخذ ينظر اليها بعد انفجارها منذ لحظات وهو مشدوها مما سمعه ..... لقد قلبت كل الحقائق ......لقد قلبت كل زوايا الأمور بداخله .....لم يكن ينظر الى سابين التى عرفها من قبل ....... لم يعرف من هى تلك الطفلة الواقفة أمامه الآن بعد ان ضاع منها والدها .....
تمنى فى هذه اللحظة ان يأخذها بين ذراعيه لينسى أمه و والدها ....لينسى دارين وذلك الحقير مازن ......لينسى ايثار بكل الآلام التى سببتها لعائلته ........لكن ليس بعد ..... لازال هناك الكثير بينهما .......لازال يبعده عنها الكثير و الكثير .........
همس لها ( سابين .......)
التفتت له بشراسة حين سمعت همسه باسمها و نظرت اليه نظرة أوقفته عن التحرك اليها ......ثم قالت له بكرهٍ لا حدود له
( لن أسامحك ابدا يا احمد مهران ........تذكر هذا حين تأتى الي تستجدي السماح .....و ستفعل...... وعدا مني ستفعل .......حينها تذكر اننى لن أسامحك ابدا ........)
تجمد فى مكانه و ملامحه لا تعبر عن اى شيء ........ثم عادت القسوة لتغلف نظرته وهو يقول بصوتٍ منخفض
( لن يأتى هذا اليوم أبدا سابين ..........فلا تنتظريه ........يا زوجتى )
انحنى ليلتقط كنزته وقميصه ثم اندفع مغادرا الغرفة صافقا الباب خلفه بكل عنف .................
نزل درجات السلم و شياطين الغضب تطارده ........... الغضب من الجميع , و الغضب من نفسه قبلهم جميعا .........
و عبارتها تتردد فى ذهنه ........... (الآن فقط عرفت .....قرأت رسائله لها ..... رأيت صوره معها .......و عرفت لِما تركنا )
لم تكن تعرف ...... لم تكن تعرف ما حدث بالماضى ....... لم تعرف الا الآن ....... أى انه لم يكن هناك انتقامٍ من امه بسبب الماضي
........
أخذ يخاطب نفسه بغضب ........ها قد حصلت على أول اجابة ......ولا تزال بقية الأجوبة التى يريدها و سيحصل عليها ......
كان قد وصل الى سيارته و هو ينهي ارتداء كنزته بعنف .......ثم حثه شيئا ما لرفع رأسه الى نافذتها ........ليراها تراقبه منها بملامحٍ استطاع ان يرى بها الشر الاسود .... وما ان التقت نظراتهما حتى شدت الستائر لتغلقها بعنف و هى تبتعد عن النافذة........
هدرت أنفاسه بغضب وهو يتذكر اعترافها الغبي الزائف ..........
لماذا تفعلين ذلك .......لماذا تصرين على إخراج اسوأ ما فيكي.............
وعاد اليه صوتها الذى خرج من عمق روحها و هى تقول بكل ثقة ( تذكر اننى لن أسامحك أبدا ........)
سنرى هذا فى وقته يا سابين ....سنرى ........وحين شعر أنه على وشكِ الانفجار دخل الى سيارته و انطلق بها , يكاد لا يرى ما أمامه من شدة الجنون الذى يشعر به فى هذه اللحظة .......
.................................................. .................................................. .................................................
استيقظت سما صباحا من نومها الحالم على أصواتٍ مرتبكة آتية من المطبخ , و حين انتبهت و تيقظت تماما كانت نهاية هذة الاصوات هو صوت تحطم عالى أفزعها ........ نظرت بجانبها فذعرت حين وعت الى الفراغ الذى كان يحتله منذ ساعات .......فشهقت وهى تهمس ( فارس ......)
اندفعت لتنهض من الفراش بسرعة .... واخذت القميص الملقى باهمال على حافة الفراش لترتديه وهى تغلق ازراره باصابع مرتجفة اثناء جريها باتجاه المطبخ ...... و ما ان وصلت الى بابه حتى فوجئت بالمنظرالماثل أمامها .......
فعلى أرض المطبخ كان فارس جاثيا على ركبتيه و هو يشتم هامسا بينما أخذت يداه تحاولان تلمس الاشياء المرمية امامه و من بينها العديد من القطع المكسورة ........
أمعنت سما النظر الى هذه الاشياء ففوجئت بوجود صينية كبيرة ملقاة على الارض ..... و بجوارها تناثرت العديد من قطع التوست المسخن.....بالاضافة الى كأسٍ محطمة تماما و تحتها العصير المسكوب منها ...... وبعض قطع الحلوى المتناثرة كذلك ......وفى وسط هذه الاشياء استقرت وردة حمراء كبيرة تعرفها تماما كانت قد ذكرت لفارس مدى جمالها و هى مزروعة بالقرب من باب البيت .....
أمالت سما برأسها لتستند الى إطار الباب دون ان تصدر صوتا و هى تضع يدها على قلبها الذى يخفق بكل معاني العشق الموجودة فى هذا العالم ........
يالهى .....هذا الأسد الاعمى كان يحضر لها الفطور ......لقد جهز كل شىء بمنتهى المهارة ......حتى الوردة لم ينساها .......
دمعت عيناها وهى تشعر بغصةٍ فى حلقها .......لكم تتألم من أجله ......ولكم تحبه ...بل ان كلمة الحب تبدو بسيطة جدا بالنسبة الى ما تشعر به فى هذه اللحظة ..........كانت تعلم ان هذا هو فارس الحقيقي ...... هذا هو حبيبها الذى راهنت على حبه رغم قسوته عليها ......كانت تعلم بان فارسها هو طفلها ........لم يخدعها قلبها ابدا ........انتظرته طويلا ليأتى اليها ...... حبها المستحيل .....حبها الصعب المستحيل ........
مدت يدها لتمسح دموعها بصمت ثم دخلت الى المطبخ وهى تسير حافية على الارض الناعمة الى ان وقفت بقربه .........
رفع فارس رأسه و هو عابسا ..عاقدا حاجبيه , ينظر أمامه بوحشية .......ثم همس بغضبٍ لم يستطع السيطرة عليه
( ما الذى أيقظك الآن ؟..........الا أستطيع الهروب منكِ للحظة ؟.......)
ابتلعت ريقها ثم اخذت نفسا عميقا و هى تهبط ببطء لتجلس بجواره على ركبتيها , ثم مدت يديها وهى تلتقط الاشياء المتناثرة من امامه و تضعها فى الصينية ثم اخذت تجمع القطع المكسورة ...........لكن حين حاول النهوض هتفت بصوتٍ منخفض
( انتظر لحظة يا فارس حتى لا تجرح نفسك ..............)
زفر بحنقٍ ثم عاد ليجلس هو يخفض نظراته المتألمة .......بينما أخذت تمسح الارض من العصير و القطع المكسورة .و حين انتهت عادت لتجلس بجواره ......ثم همست بدفء
( هل كان هذا الفطور لي ؟..............)
اجابها بحنق و هو يشعر بصدره يضيق
( إن لم يكن لكِ فلمن هو اذن ؟..........هل تجدين أحدا غيرنا هنا ؟...........)
عادت عيناها لتدمع مرة اخرى ...بل هى لم تجف اصلا لكنها لن تسمح له بان يلحظ بكائها ......... مدت يدها لتلمس وجهه برقة ثم أخذت تحدد معالمه بأصابعها بكل نعومة حتى شعرت بعضلاته تستريح من تشنجها ...... الى ان استسلم متنهدا وهو يستمتع بملمس أصابعها ...........حينها همست برقة
( لم يفعل أحدا هذا لى من قبل .............ماذا فعلت لأستحق كل هذه السعادة ؟.....)
مد يديه ليجذبها من خصرها و يجلسها على ركبتيه و هو يستند بظهره الى الخزانات خلفه .........ثم همس وهويداعب شعرها
( بل ما الذى لم تفعليه الى الآن .........أنتِ تستحقين ان تكوني أميرة .... لا ان تتقيدين برجلٍ أعمى لتظلي تخدميه دون مقابل )
أمسكت بوجهه بين يديها و هى تقول بغضب
( لا تقل هذا عن نفسك .........كف عن التذمر فأنت أفضل من الجميع في نظري و لن أسمح لك بقول هذا عن الرجل الذى أحب مرة أخرى ........)
ارتسمت الابتسامة على وجهه اخيرا فتنفست الصعداء و هى ترتمي بأحضانه لتنعم بدفئها ......بينما أخذ يمرر يده على ساقها الناعمة حتى وصل الى القميص فقال لها بعبث
( هل ترتدين قميصي ؟.....................)
رفعت رأسها قليلا لتنظر اليه ثم قالت بهزل رافعة حاجبها
( نعم ........ هل لديك مانع ؟....)
أجابها بشغفٍ عابث
( المانع الوحيد هو أننى لا أستطيع رؤيته عليكِ ......)
قضبت جبينها و هى تتذكر بعض المناسبات ثم قالت بجرأة و هى تبتسم
( ومنذ متى كانت تمنعك عيناك عن رؤيتي ............)
ابتسم ابتسامة مفترسة تنم عن تأييده لكلماتها ........ ............
فانتهى بهما الأمر بأن سقطت سما من على ركبتيه جالسة على الأرض الصلبة الباردة بقوة...... فضحكت بتأوه و تهتف عابسة
( فارس ............لقد آلمتنى )
الا إنه لم يهتم وهو يميل بها و قد غابت عنهما الدنيا فى عالمٍ رائع من العواطف الدافئة ................
استطاع فارس النطق اخيرا بتقطع
( هل أخبرتك سابقا كم أنتِ رائعة ؟............)
ازدادت سما اقترابا منه وهى تهمس بارتجاف
( لا بأس أن تكررها كل لحظة ............)
أخذ فارس يضحك و عاد ليقبل كل جزء من وجهها و هو يدغدغها قائلا بجموح بين كل قبلة
( أنتِ رائعة .....أنتِ رائعة .....أنتِ رائعة )
بينما كادت سما ان تختنق من شدة الضحك الى ان أحمر وجهها بشدة و أخذت تسعل و المرح يملأها
خاف فارس عليها من شدة سعالها فاكتفى بذلك وهو يضمها اليه متنهدا بسبب هذا الصباح الرائع ........
بعدها بساعة ٍ واحدة كانا يتمشيان وهو يلفها بذراعه و وجهها مستقرا على صدره ......على الشاطىء المهجور و الذى بدا ملكهما فقط ليشهد على سعادته ....وحبها .......
همست سما برقة ( لقد اشتقت لسابين جدا يا فارس .......أنا أكلمها كثيرا لكنها لا تجيبني )
قال لها فارس ضاحكا ( هذا لأنهما مشغولان ......يفعلان ما نفعله كل يوم )
أحمر وجه سما و هى تضربه فى معدته برقة ضاحكة ......ثم قالت بعد فترة
؛( أتظنها قد حصلت على سعادتها أخيرا ؟..........................)
امتنع فارس عن التعليق على سابين حتى لا يبدد النظرة الرومانسية التى تنظر بها سما الى زواج سابين بينما هومثل الجميع لا يرى سوى أنها أوقعت بأحمد مهران بكل اقتدار ......فحاول ان يغير الموضوع وهو يمد يده ليتلمس وجهها برقة ليتبين ملامحها ثم همس لها بشوق....................
( و ماذا عنكِ سما هل أنتِ سعيدة حقا ؟..........)
قبلت صدره برقة ثم همست بنبرةٍ اخبرته الكثير
( الم أخبرك ذلك للتو ..........أنا سعيدة ...سعيدة جدا لدرجة أننى بدأت أنظر للحياة بنظرة مختلفة تماما )
ابتسم فارس بمرح و هو يلاعب شعرها و يقول
( وما هى نظرتك الجديدة للحياة يا سيدة سما ؟.........)
أجابته بحماسٍ يتوهج ( أنا أفكر أن أكمل دراستي .........................)
كانت لا تزال ملصقة جانب وجهها بصدره فلم ترى وجهه الذى اختفت منه الأبتسامة ..... و النظرة المتوحشة التى علت عينيه ....
لكنها شعرت بتوقفه عن السير فجأة فرفعت وجهها اليه متسائلة.......حينها شاهدت تلك النظرة التى أخافتها و جعلتها تهمس
( فارس ...... ماذا حدث ؟)
خفت قليلا تلك النظرة بعينيه .....ثم قال بهدوءٍ قدر الإمكان
( ما الذى جعلك تفكرين بالدراسة الآن .......بعد كل هذه السنوات ؟..)
شعرت سما بالتوجس من نبرته الهادئة و غضبت من نفسها بشدة لأنها القت اليه اقتراحها مرة واحدة دون ان تمهد له الطريق أولا.......كانت تشك فى موافقته و قررت ان تنتظر الوقت المناسب الا ان روعة هذا الصباح جرفتها ........لتجعلها ترغب في ان يشاركها حماسها ..........لكنها الآن تستطيع رؤية انها افسدت الأمر تماما ........
همست اليه وهى ترفع يدها لتلامس صدره
( لم يكن هناك مجالا من قبل .........أما الآن فأنا اشعر بأننى قادرة على النجاح و تعويض ما فاتني .........هل تمانع يا فارس )
قال بنفس النبرة الهادئة
( وماذا كانت دراستك ؟.............)
اجابته مندهشة و مصدومة من عدم معرفته الى الآن ...............
( كنت أدرس الطب ........ فالواقع لم أدرس سوى سنة واحدة فقط ثم تزوجت بعدها .......)
ارتفع حاجباه بصدمة وهو يهمس ( الطب ؟؟......هل تردين ان تصبحي طبيبة ؟......)
ظلت سما تنظر اليه بوجوم وهى غير قادرة على قراءة أفكاره ........يا الهى ما اكثر ما يجهله عنها ......لم يفكر ان يسألها مرة واحدة عن دراستها التى اختطفها منها بعد ان كانت تحلم باليوم الذى ستصبح فيه طبيبة .......الا ان حبها لفارس أوقف كل مشاريع حياتها و كل أحلامها عن المستقبل .....ليصبح كسب حبه هو حلمها الوحيد .........
أبعدت تلك الأفكار السلبية عن رأسها ...........و هى تحاول أن تنقل حماسها اليه قائلة
؛( نعم ...... نعم يا فارس ,كان ذلك حلمى الوحيد قبل ان ألقاك ..........و الآن أتمنى ان احققه )
ظل ينظر امامه و هو يخفي ما يشعر به تماما ........فهمست مرة أخرى
( فارس .............)
رفع يده فجأة ليوقفها عن الكلام باشارة منه ثم قال بحزمٍ لا يقبل المناقشة
( سما ......انسي هذا الموضوع تماما ,فانا لن أقبل ان تعملي أصلا ,فلما تتعبين نفسك بالدراسة ؟)
شعرت فى لحظةٍ واحدة بتكسر كل أحلامها على صخور قلبه القاسي ......و امتلأت عينيها بالدموع فى لحظة واحدة .....فهمست كمحاولة أخيرة
( لكن يا فارس ...................)
سحبها بين ذراعيه وهو يقبلها بشدة موقفا كلامها ..الى ان ضمن استجابتها الكاملة.......... ثم قال اخيرا بعد ان رفع رأسه عنها ..بصوتٍ اجش من العاطفة
( سما نحن فى شهر عسلنا الذى طال انتظاره ........فهل هذا وقتا للكلام فى الدراسة ؟)
شدد من ضمها اليه..... ليشعر برطوبة دموعها على بشرة صدره العارية ....الا انه لم يظهر انه شعر بدموعها .....وهو يهمس فوق وجنتها
( هل هناك ما هو أغلى عندِك منى ؟........سما )
اجابت سما هامسة وهى تهز رأسها بينما دموعها تنساب على وجهها ....(لا......)
و ليتأكد من جوابها أعاد نفس السؤال فوق شفتيها ....الى ان حصل على نفس الاجابة وهى تمد ذراعيها لتطوق عنقه ........تخبره بقبلتها عن كل ما يريد معرفته فى الوقت الحالى ............
تلك الليلة حين كانت تنام بقربه ....ظل هو مستيقظا بجوارها .....يتخلل شعرها باصابعه , ناظرا أمامه بألم ......
اليوم شعر بتمزق قلبه تحت دموعها على صدره ...... لكنه قاوم ألمه .......لأنه يحمي ممتلكاته , وسما أصبحت أغلى ممتلكاته و سيكون ملعونا اذا تركها تفلت بعيدا .....كما ضاع منه حبه الأول ......لكن الآن ان ضاعت سما منه فهو لن يجد سببا آخر ليحيا من أجله ......حتى وان لم يكن هذا حبا .......يكفى ما تجلبه الى حياته من أمل ...... وسعادة ......
اقترب منها ليتلمس شفتيها بكل رقة ......ثم أخذ يهمس فى أذنها
( أنتِ تتسربين من بين أصابعي بمنتهى السرعة ياسمينا ..........حتى وان لم تدركي ذلك بعد , لكن الرياح تريد أن تحملكِ بعيدا....... ,لكن وعدا منى ان ذلك لن يحدث ابدا مادام فى صدري نفسا يتردد ......أنتِ لي ياسمينا .....لقد خلقتِ لي وقد وقعت أنا على عقد امتلاكك قبل حتى ان تعرفي معنى الحياة .......قد أكون قاسيا لكن هذه هى الحياة , و انا أنوى ان آخذ حقي بها ...........الم يكن هذا هو طلب الجميع ........لا أفعل الآن سوى أننى انفذ ما رسمتوه جميعا منذ ثلاث سنوات .........فلا مجال للندم او لتأنيب الضمير عندي .....)
تململت سما فى نومها قليلا وهى تئن الى ان استيقظت فجأة شاهقة بعنف .........ففوجئت بوجه فارس الشرس مطلا فوقها ,فهمست بخوف
( فارس .......ماذا هناك حبيبي ..هل يؤلمك شيء )
ابتسم ابتسامة باهته ثم قال بعد فترة
(نعم .......نعم يا سما ,أشعر بصداعٍ فظيع ,لقد عاد أسوأ من السابق .......)
استقامت سما جالسة بجواره وهى تقضب جبينها بقلق تتلمس جبينه وتهمس
( مرت فترة منذ ان أصبت به ........فلماذا عاد اليك الآن )
تردد قليلا ثم قال وهو يتعمد تضييق عينيه بألم
( يبدو اننى لم أحتمل التوتر أبدا ..........هل تجلبين لي الدواء يا سما من فضلك )
فى لحظةٍ واحدة .....كان القرص بيده وكوب الماء فى يده الأخرى وبعد ان انتهى ......همس لها بخشونة
( سما أعرف اننى أحتاج الى كل دقيقة من يومك .......خاصة ها قد بدأت الأوجاع تعود الي مرة أخرى..... أنا حقا آسف )
جذبت سما رأسه بكل رقة لتريحه على صدرها وهى تدلك له جبهته هامسة بحب متألمة لألمه
( هششششش.........لا أريد ان أسمع هذا الكلام السخيف مرة أخرى , لن تعود أوجاعك باذن الله ...قد يكون هذا صداعا لأنى وترتك صباحا ......أنا التى يجب ان تعتذر حبيبي ........ويجب ان تعرف أنك الأول فى حياتى دائما ولو استطعت زيادة دقائق يومي لأعطيها لك , لفعلت بدون تردد ........)
ارتسمت ابتسامته المفترسه على شفتيه وهو ينعم بحضنها الدافىء ......... والكلمات التى أراد سماعها , والتى سيحرص على سماعها كل لحظة لو أمكن ...............
.................................................. .................................................. ................................................
كان ينظر اليها بشغف ٍ فى المرآة وهى تساعده فى ارتداء سترته ....... إنها تداوم على فعل ذلك منذ عدة أيام .....وهى لا تعلم ان هذه الحركة البسيطة تلهب مشاعره وتحثه على عدم مغادرة هذه الغرفة الى مكانٍ ممل كالعمل .......
كانت واقفة خلفه تمرر يديها بعدم تركيز على كتفيه بعد أن ألبسته السترة .......ثم حانت منها التفاته الى المرآة .....لتفاجأ بنظرته الجامحة اليها تساندها ابتسامة مفترسة على زاوية فمه .......فاحمر وجهها بشدة و هى تخفض نظراتها بسرعة ...... فضحك بشغفٍ وهو يجذبها بين ذراعيه ليقول
( أعتقد أنكِ علمتِ ما أفكر به فى هذه اللحظة اليس كذلك ؟..........)
ازداد احمرار وجهها وقد فلتت منها ضحكة رقيقة خجولة .........فلم يستطع المقاومة اكثر فجذبها اليه يقبلها بشغفٍ افقدها الوعى بكل ما حولها ........
ابتعد عنها أخيرا وهو يتنهد بعمقٍ حتى كاد ان يسحبها مع الهواء الداخل الى رئتيه محملا بعطرها العذب .........عطرها الذى لم تضيفه ابدا الى نفسها .... بل منحته إياها الطبيعة بكل بساطة ........هذه الرائحة استنشقها حين حملها بين ذراعيه للمرة الأولى وهى طفلة صغيرة لم تتعدى الخامسة .......وقتها لم يعلم لماذا سكنت هذه الرائحة خياله طويلا و قد فسر الأمر بأنها رائحة الأطفال الناعمة المحببة ......لكن بمرور السنوات ,ظلت هذه الرائحة تسكن قلبه ...تداعبه كلما اقترب منها متعللا بأى شيء , ليدرك ان هذا هو عطرها الطبيعي
...............
عاد ليقترب منها مرة اخرى ليدفن انفه اسفل عنقها عله يصدق أخيرا انها هنا بين ذراعيه وقد أصبحت ملكه .........
ابتسمت بحزن و هى تميل برأسها ليلامس خدها خده بنعومة لتستمد منه كل الحماية التى تحتاجها .....همست بداخلها ....أين كنت ....لماذا لم تنتشلني من قبل .......لو كنت أعلم أنك قدري لكنت انتظرتك .......لما كنت ضعت من دونك ........كنت أخى الصارم , وكنت أخاف من قسوتك .......لو كنت أعلم ......لو كنت أعلم ......
لم تدري ان كلمتها غادرت شفتيها بهمسٍ معذب .......الا حين رفع رأسه و هو ينظر الى عينيها المبللتين طويلا .....ثم همس أخيرا
( لو كنتِ تعلمين ماذا حبيبتى ؟..............)
لعقت دمعة وحيدة انحدرت ووصلت الى شفتيها بنعومة ......ثم هزت رأسها بعلامة ٍ لا معنى لها .......ظل ينظر الى عينيها طويلا لا يمل منهما دون أن يثقل عليها بالاسئلة ........فدائما ما يتركها تبكي كما تريد حتى تكتفي دون يحاول العودة الى الماضي ........ وهذا ما كان يريحها وما كانت ممتنة له .......
أمسك بوجهها بين كفيه ..... و ابتسم لها مطمئنا بان كل شيء سيكون على مايرام .لكن دون أن يحتاج الى الكلام .......ثم قال لها أخيرا
( هل تحبين الخروج مع السيدة اسراء مرة أخرى ؟.......)
نظرت اليه مندهشة تماما كالمرة السابقة ...... ما هذا التطور ؟ هل يفعل ذلك لإرضائها ..........مع انها متأكدة من عدم رغبته في خروجها من باب القصر .......لكنها لم تستطع كبت حماسها هذه المرة .....فلقد مر اسبوع على خروجها مع السيدة اسراء الى المجمع التجاري ......و كانت تعتقد ان هذه كانت المرة الأولى و الأخيرة التى سيسمح فيها ادهم بخروجها .......لذا لم تعلق الآمال كثيرا على إعادة الكرة .......و احتمال مقابلتها لصديقتها الجديدة مرة أخرى ..... مع أنها كانت تتوق لذلك بشدة .... لم تكن تدري متعة أن يتحدث المرء الى شخصٍ غريبٍ لا يعرفه ..... ليفضي اليه بما لا يستطيع البوح به لمن يعرفهم ......شعرت المرة السابقة بشعورٍ غريب ... شعورٍ من راحةٍ محملةٍ بالألم .........و لكم كانت تريد أن تعيد هذا الشعور مرة أخرى .......بالاضافة الى شعورها بأنها عادت انسانة سوية تجلس مع أمرأةٍ شديدة الأناقة .... شديدة الثقة بالنفس ... والتى تمنت ان تكتسب جزءا من ثقتها ...... وتصبح بمثل جاذبيتها و اناقتها .........و تختفى منها تلك الفتنة ِ الهمجيةِ القذرة التى تجذب اليها وحوش الأرض ......كما وصفها أحد تلك الحيوانات الذين عرفتهم سابقا .........فقط جذابة ...... جذابة و راقية .... لاتثير غرائز كل من يراها .........كما قيل لها سابقا ........
فهل تجرؤ على رؤيتها مرة أخرى ؟؟.....لقد كانت ..سمر ...مبدية أشد الاهتمام برؤيتها مرة أخرى , مما جعل حلا تشعر بالزهو قليلا و ارتفاع روحها المعنوية .......هناك من يريد رؤيتها لشخصها ..... وليس لأغراضٍ دنيئة ......
همست لادهم تحاول التأكد مما سمعته
( حقا يا ادهم ؟.....مرة أخرى ؟.......كنت أظنك تخاف من خروجى وحيدة , لكن ها أنت تسمح لي بالخروج بمفردي مرتين خلال أسبوع ؟.......)
ثم تابعت و قد أصابها دلال الأنثى العاتبة بالرغم من حماسها الخفي
( ألم تعد تخاف علي يا أدهم ؟..........)
فى حركةٍ واحدةٍ مباغتة مد ذراعيه ليعتقل خصرها ثم رفعها عاليا ليصبح وجهه فى مواجه عينيها المتسعتين ببراءة ...........اخذ نفسا عميقا و هو ينظر لعينيها عابسا ......ثم قال أخيرا باندفاعٍ غاضب
( تبا يا حلا ... انا أحاول أن ......لكن أنتِ لا تساعديني بما تقولينه ....بنظرة عينيكِ البريئتين بسذاجة ......)
لم تفهم تماما ما يحاول قوله ......لكنها ظلت تنتظره لأن يكمل ....شعرت ان كلامه الغير مفهوم يدفىء قلبها .......
قال أخيرا وهو يتنهد بيأس
( فى قرارة نفسي لا أريد ان تخرجي من باب القصر ..........لكنى أعلم ان ذلك مستحيلا , فها أنا أحاول ان أروض نفسي بالرغم من شدة ما أعانيه من خوفٍ عليكِ )
أحاطت عنقه بذراعيها و هى تقول بتردد تحاول ان تقنع نفسها قبل ان تقنعه
( ادهم .....أنا لست طفله , صحيح أننى لم أفعل سابقا ما يجعلك تثق بي ...... لكنى .....لكنى أحاول , فلا تخف على و لا تلم نفسك )
أنزلها ادهم على قدميها ثم ضمها الى صدره بكل قوة حبه و خوفه عليها ..... لا يريد ان تبتعد عن قلبه أبدا .......
اخيرا ابتعد عنها قليلا و هو يقول بحزمٍ حاول تجميعه قدر الإمكان
( اذن ... فلنحاول خطوة خطوة ......فلتخرجى مع السيدة اسراء اليوم ......و .... وحاولى الاسترخاء قدر الامكان )
مد أصابعه ليتلمس و جنتها برقةٍ اذابت قلبها و هو يهمس بعد لحظة
( ليس معنى اننى أخاف عليكِ ..........ان يكون هناك ما يخيف لا أريدك ان تشعري بالذعر , لا تقلقي حبيبتى فعيوني عليكِ دائما )
شردت بعيدا لحظة و هى تتذكر نفسها تسير هائمة مذعورة تنظر الى كل شخصٍ يقترب منها على انه سينقض عليها فى أى لحظة .......لو كان رآها فى هذه اللحظة لكان شعر بالخجل منها بكل تأكيد ......... الحمد لله أن عيونه لم تكن عليها كما يحاول ان يطمئنها و الا لكان صُدم من منظرها المخزى و هي تسير وحدها بعد رحيل السيدة اسراء ..........
أومأت حلا برأسها موافقة و هى تبتسم ابتسامة مترددة ترد على ابتسامته المشجعة لها ........ابتعد عنها متثاقلا بعد ان قبلها على جبهتها مودعا .......الا إنه عاد اليها مرة أخرى ليمسك بذقنها يرفعه اليه وهو يقول بصرامة محببة
( لا أريد ان انبهك لملابسك مرة أخرى .........)
ابتسمت ابتسامة واسعة وهى تومىء برأسها له ........ وقد عادت لذاكرتها نفس الجملة حين كانت فى السادسة عشر وهو يقولها بصرامة أشد منها الآن .........
عادت لتهمس بعد أن خرج من الغرفة ..........أين كنت .......لو كنتُ أعلم ..........
الفصل السابع عشر (2) 

ظلت حلا تنظر الى قائمة الأسماء الموجودة على شاشة هاتفها الخاص ......و التى لا تحتوى الا على اسمين اثنين فقط .....اسم ادهم يليه اسم ........سمر ....و التى أصرت ان تعطيها رقم هاتفها مؤكدة عليها ان تهاتفها و قتما شعرت بالرغبة فى الخروج معها .....بينما لم تملك حلا الجرأة لتعطيها رقمها ........
أخذ إصبعها يتردد كثيرا فى الضعط .........هل ستتذكرها ..... قد تكون مجرد انسانة ودودة و لا تعتقد بالفعل ان حلا ستأخذ الموضوع بجدية و تحاول مقابلتها مرة أخرى .........لكنها تحتاج اليها نوعا ما , احساس غريب طرأ عليها منذ ان قابلتها ...... هل هذا هو معنى الصداقة التى لم تعرفه قبلا ..... حتى مع هلال .....احتياجها لأنسانة غريبة كسمر اكثر ضرورة من احتياجها لعفوية و مرح هلال ....
اخذت نفسا عميقا فى النهاية ثم ضغطت على اسمها ........كانت لحظة واحدة وهى على وشك ان تغلق الهاتف بعد ان غلبها ترددها ....الا ان الصوت الجذاب ذو النغمة الموسيقية وصلها قائلا
( مرحبا .....)
كرهت حلا غباءها على هذه الخطوة الغير محسوبة ,. الا إنها لم تجد سبيلا سوى أن تكمل للنهاية ...........فهمست متلعثمة
( س..سمر مرحبا .....آآآ....أظن أنكِ لن تتذكرينى , لكن ....لكن أنا كنت ...........)
قاطعها الصوت المحبب و هو يأتي اليها حاملا الثقة و الألفة
( مرحبا حلا ........)
ابتسمت حلا قليلا و هى تلصق الهاتف باذنها و تسير بخطواتٍ متعثرة فى الغرفة ..... لقد تذكرتها ......
ثم همست بإحراج ( لقد تذكرتِنى ..................)
جاءها صوت سمر حاملا الابتسامة معه
( بالطبع تذكرتك فأنا لا أنسى أصدقائي ابدا .........ثم أننى أنا من طلبت منكِ مكالمتي )
ترددت حلا وهى لا تعلم بماذا تكمل كلامها .......لقد شعرت بنشوى غريبة حين أخبرتها سمر بأنها تعتبرها من أصدقائها .......
قاطع ترددها صوت سمر و هى تقول بعذوبة
( حلا انا أشعر بالملل ......ما رأيك ان نخرج اليوم ؟)
اتسعت عينا حلا و هى لا تصدق ان هذا ما كانت تريده لكنها كانت محرجة من رفض سمر لرفقتها , خصوصا و أنها لم تمهد لها الأمر قبل اليوم فقد تكون مشغولة ........لكنها انبهرت بعفوية سمر الشديدة و هى تخبرها بمنتهى البساطة أنها تريد أن تخرج اليوم ......لكم تتمنى أن تصبح في نفس ثقتها ........همست حلا و هى تبتسم
( سيكون ذلك رائعا .......... هل من الممكن ان نتقابل في نفس المكان , أنا لن ......لن أستطيع الذهاب الى غيره )
جاءها الرد من سمر مطمئنا ودودا ( بالطبع حبيبتي لا مشكلة ........سأكون في انتظارك هناك بعد ساعتين )
ضمت حلا الهاتف الى صدرها و هى تبتسم متحمسة ..... ها هى أول خطوة من خطوات ترميم نفسها ......لقد عادت للإختلاط بالناس .......
.................................................. .................................................. ..............................................
كانت حلا تنظر اليها مبهورة بحركات يديها و هى تبعد بها شعرها الناعم القصير عن عينيها ..... تؤرجح ساقا فوق الأخرى وهى تجلس أمامها بكل أناقة ......تتحدث بثقة , شديدة المرح ....... و أيضا مستمعة رائعة , فقد كانت حلا هى التى تثرثر معظم الوقت .....حتى حين كانت تسكت خوفا من أن تضجرها ........ كانت سمر تقول لها بمحبة ..... لماذا توقفتِ عن الكلام ...........
لم يبدى أحدا إستعداده لسماعها من قبل .......حتى ادهم .........منعه توحشه من الإستماع الى الماضي , خوفا عليها من ردة فعله ؟... او خوفا مما قد يسمعه و يكون فوق احتماله .... المهم أنه من بعد المرة الأولى التى سألها فيها .......لم يحاول إعادة الكرة , صحيح أنها شعرت بالارتياح من عدم إلحاحه , ........ لكن في زاوية من زوايا قلبها ......كانت تشعر بالألم من ردة فعل ادهم الذى تظاهر بأن شيئا لم يكن ...... و أن حمايته المبالغ فيها هى شىء طبيعي و منطقي ..........
عادت حلا من أفكارها على لمسة يد سمر الناعمة على يدها وهى تهمس حتى لا تجفلها
( حلا.........أين شردتِ ؟)
التفتت حلا اليها بسرعة ثم أخفضت نظرها الى يد سمر الممسكة بيدها ...... الا أن سمر لم تسحب يدها هذه المرة , ثم قالت مبتسمة
( الم تخبريني انكِ لا تفضلين أن يلمسكِ أحد ؟........لكنك لم تعترضي الآن )
سحبت حلا يدها ببطء ....ثم قالت بعد فترة
( أنا أتوجس من الأشخاص الغريبين عني .........لقد مررت بعددٍ لا بأس به من الأشخاص السيئين في حياتي )
قالت سمر بمرح ( لا تبدين لي كبيرة في العمر لهذه الدرجة ............)
سبحت غمامة حزن على وجه حلا و هى تعود للشرود هامسة
( قابلتهم جميعا فى الخمس سنوات الأخيرة من حياتي .......أو على الأصح في ثلاثٍ منها فقط )
نظرت سمر اليها باهتمام ثم قالت أخيرا بهدوء
( الن تحكِ لي ما حدث معكِ اليوم أيضا .............)
ظلت حلا ناظرة الى يديها المتشابكتين أمامها ثم همست بتقطع
( أنا لا أستطيع ..... هناك أشياءٍ حدثت لى و لست فخورة بها )
قالت سمر بصوتٍ منخفض ( هل تعرضتِ لعنفٍ من أى نوع ؟........)
قالت حلا بعد فترة بهمس ( قد أكون تعرضت لكل أنواع العنف ...........)
سحبت سمر نفسا عميقا ثم حاولت مرة أخرى ( قد يريحنا أن نحكي لأشخاصٍ غير أنفسنا ما يؤلمنا ........فلماذا لا تحاولي )
عادت تلك الدمعة الوحيدة لتنحدر على وجنتها لتجد مكانها ككل يوم ...... و ظلت صامتة قليلا ثم قالت
( لا أريد .....لا أريد ان يتركني ادهم ......لم أعد استطيع الحياة بدون حمايته لي , ماذا لو قرر فجأة أننى أصبحت غير ملائمة له , كيف سأعيش و أين سأذهب ........ أنتِ لا تعلمين كيف كانت حياتي من قبله .........كنت انهار ببطءٍ كل يوم ...الى أن جاء هو وانتشلني )
تقبلت سمر أن حلا قد اتجهت بتفكيرها الى طريقٍ آخر تماما غير الذى كانت تحادثها فيه و سايرتها فى الكلام قائلة
( ادهم هذا زوجك بالتأكيد اليس كذلك ؟....... لكن مما أخبرتني به شعرت أنه يحبك جدا , فلماذا تخافين أن يتركك ؟)
رفعت حلا عينيها بسرعة ٍ الى سمر و كأنها قد القت اليها بقنبلة .........و ظلت تنظر اليها طويلا ثم قالت هامسة
( يحبني ؟........ لا الوضع بيننا مختلف , إنه ليس حبا كالقصصِ الرومانسية ِ و الأفلام .......إنه فقط .... يشعر بالمسؤليةِ نحوي , هذا هو ادهم ... يجيد حماية من هم تحت مسؤليته .......)
نظرت اليها سمر باهتمام و كأنها لا تصدق أن هذه هى نظرة حلا الى زواجها .......ثم قالت
؛( وهل كان يجب ان يتزوجك ليتحمل مسؤليتك ؟..........لا أعتقد انه يصل الى هذا الحد فى الحماية )
ظلت حلا تنظر اليها طويلا و كأنها انفصلت عن هذا العالم ثم همست بشرود
( قلت لكِ ان وضعنا يختلف ......ادهم كان أخى الأكبر منذ اكثر من عشرين عاما )
ابتسمت سمر ابتسامة خبيثة و هى تقول بمرح
( وهل يتعامل معكِ الآن على أنه أخاكِ ........لا أصدق هذا عن أدهم )
نظرت حلا اليها بدهشة و قد احمر و جهها من ملاحظة سمر الا أنها قالت ( و كيف تعرفين أدهم ؟........)
لم ترمش عينا سمر لكنها قالت بعد فترة ( طبقا لما أخبرتِنى عنه .....أظن انه لا يشعر نحوك بأى نوعٍ من الأخوة أبدا )
ازداد احمرار وجه حلا وهى تطرق برأسها .........كيف تخبرها بأن زواجها من أدهم كان صفقة بينهما .......صحيح أنه يحميها بشكلٍ رائع و هو دائما و أبدا سيظل الصخرة الصلبة فى حياتها ........ الا أن ذلك لا يمنع أنه تزوجها بالطريقةِ الوحيدة التى تتزوج بها نساء آل الراشد.........
( حلا ......) رفعت حلا رأسها لتواجه صاحبة النداء الناعم , فقالت سمر بثقة
( أعتقد ان خوفك الغير منطقي على زواجك هذا له علاقة بالماضي اليس كذلك ؟...........)
ابتلعت حلا ريقها و هى تومىء برأسها بتردد قم قالت بهمسٍ مختنق
( أنا ......أنا كنت متزوجة .....قبل أن أتزوج أدهم )
ظلت سمر تنتظر البقية ...... فأكملت حلا و هى تشعر بغصةٍ في حلقها
( كنت متزوجة من انسانٍ سيء للغاية ........فعل بي أشياءٍ ........لو عرفها أدهم ......)
قالت لها سمر بصوتٍ منخفض ( و لماذا تزوجتِه؟............)
تحررت خيوط الدموع من قيودها و هى تأخذ مسارها فوق وجه حلا التي قالت أخيرا بما يشبه النشيج
( ظننت وقتها أن لا خيارٍ لي ........ظننت أن بقاء أمى و أخوتي فى القصر مرهون بموافقتي )
سألتها سمر بخفوت ( و بالطبع لم يكن ذلك صحيحا .......... من أوهمكِ بذلك )
شهقت حلا و هى تهمس ( من عرفت لاحقا أنها باعتني و قبضت الثمن ..........)
لم تحاول سمر التطرق اكثر لهذا الموضوع .....فقد بدت حلا على وشكِ الانهيار ......ثم قالت لها بعد لحظات
( حلا هل تعرفين ماذا أفعل حين أشعر بالضيق و لا استطيع مخاطبة أحد ..... أكتب كل ما أشكو منه , وهى طريقة فعالة جدا حين أكون غير قادرة على المواجهه ........لذا أريد منكِ أن تكتبي عن كل شىءٍ سبق و ضايقك ووقتها لن يكون لديكِ أى قلق فأنت لا تواجهين الا نفسك ........و من يعلم , قد تثقين بي يوما و تسمحين لى بقراءة ما كتبتِ )
ابتسمت حلا بضعف و هى تعدها بالمحاولة ..... بعد فترة سألتها سمر بحذر
( حلا أخبريني شيئا .........هل النفور الذى أخبرتني به تشعرين به تجاه كل الرجال مثلا ....أم أشخاصٍ معينين كالغرباء مثلا )
همست حلا بعد أن هدأت قليلا ( إعتقدت لوقتٍ طويل أننى أنفر من كل الرجال .......الا أدهم )
ابتسمت سمر و قالت ( ولماذا الا هو ؟............)
احمر وجه حلا و هى تقول بتلعثم ( لا أعلم ......حقا لا أعلم ....كل ما أعرفه هو أنه يشعرني بالكمال حين أكون معه , و هذا مالم أشعر به مع أي انسانٍ غيره .........لكن ....في بعض الأحيان لا أشعر بذلك النفور على هذا النحو الشديد فأنا فقط أخاف من العنف و الصراخ و لا أحب أن يلمسني أحد .......لكنى أكتشفت أننى أستطيع التعامل كأى شخصٍ طبيعي فى ظل هذه الظروف ...... فأنا مثلا لا أخشى من صديقي هلال .......)
اختفت ابتسامة سمر تدريجيا و هى تسأل بحيرة ( هل لديكِ صديقٍ اسمه هلال ........ كنت أظن أنك لا تخرجين من القصر أبد )
ابتسمت حلا قليلا وهى تقول ( بالطبع ......هو موجود معنا فى القصر )
نظرت اليها سمر بتوجس ثم قالت ( هل يراه أحدا غيرك ؟ .......)
فأجابتها حلا بعفوية ( لا .......)
عبست سمر وهي تنظر اليها بتركيز ثم قالت ( حلا هل من الممكن أن تكوني قد اخترعتِ صديقا فى خيالك ........خوفا من الإختلاط بأصدقاءٍ حقيقين )
اتسعت عينا حلا بعدم تصديق للحظة ثم انفجرت ضاحكة و هى تقول
( ماذا ؟!!......هل تظنيني مجنونة الى هذه الدرجة ؟!!..................اذن دعيني اطمئنك , هلال انسان حقيقي من لحم ودم و هو يعمل فى حديقة القصر )
ابتسمت سمر ابتسامة مهزوزة لا تحمل أى مرح ثم قالت
( وهل يعلم أدهم بصداقتك له ؟.........)
قالت حلا بسرعة ( يا الهى لا بالتأكيد ........أدهم سيجن ان عرف أننى تساهلت مع أحد العاملين فى القصر , انه لا يؤمن بالعفوية و المساواة بين البشر وهذا ما يضايقني به ...... بالنسبة لى كل الأشخاص متساوون .......فأنا مثلا عرفت آخرين من الوسط المخملي أشد قذارة من الحشائش الضارة التى يقتلعها هلال .......)
ظلت سمر تنظر اليها فاغرة فمها قليلا ..غير مستوعبة تفكير حلا الذى ابتعد كليا عن الكارثة التى قد تنكب عليها يوما ما ..... وبالتأكيد لن يكون السبب ... الفروق الإجتماعية بين الطبقات .......
حاولت سمر التكلم بعقلانية ( حلا .....استمعي الي جيدا ..... هل هلال هذا تربى معكم في القصر مثلا ؟.....)
نفت حلا قائلة ( لا .... لقد بدأ العمل في القصر قبل أن أتزوج أدهم بعدة أشهر .....)
عبست سمر و هى تقول ( اذن الا ترين انه شديد الجرأة ليصادق زوجة صاحب القصر الذى يعمل به ........حلا أنا لا أريد أن أخيفك لكن أنتِ في بداية مراحل التعامل مع الناس بعد انقطاعٍ قد يقرب من السنتين.. و من قبلها ما تعرضتِ له فى زواجك السابق .........لذا فحكمك على الغرباء قد يكون فى غير محله ....... وقد تعطين ثقتك الى من لا يستحقها من شدة رغبتك فى بدء حياة طبيعية بين الناس )
توترت حلا قليلا ثم همست ( أنتِ تبالغين .....إن رأيتِ هلال ستدركين إنه يبدو كطفل فى مرحه وعفويته , لا أعتقد أنه مؤذى ......كما أنه حتى و أن كان ماذا يستطيع أن يفعل و أنا بداخل القصر ..........لا ... أنتِ فقط شديدة الارتياب )
ابتسمت سمر بضيقٍ وهى تشعر بعجزها عن التصرف ..... الا أنها آثرت ترك الموضوع حتى لا تثير خوف حلا ......
ظلتا طيلة ساعتين من الزمن تتحدثان فى أشياءٍ كثيرة ... تتطرق أحيانا الى حياة حلا و التى كانت تشعر بمرور الوقت بزيادة تعلقها بالرائعةِ سمر ..... و كأنها تعرفها منذ زمن .......
حتى أنها اصطحبتها بعد ان انتهيتا من الحديث الى جولةٍ فى محلات الملابس الراقية ..... و ساعدتها فى انتقاء طقما أنيقا رائعا ......
و ما أن ودعتها حتى شاهدت السيدة اسراء تأتى اليها مهرولة من بعيد ...... وما أن وصلت اليها حتى قالت و هى تلهث
( اعتذر جدا سيدة حلا على التأخير .......لكن أنا ممتنة للغاية لسماحك لي بزيارة ابنتي فهذا يوفر على الطريق الطويل من القصر اليها )
ابتسمت حلا و هى تتعلق بذراع السيدة اسراء و تقول
( لا عليكِ سيدة اسراء .......فأنا استمتعت اليوم جدا ....لكن بالطبع تسعدني رفقتك جدا )
.................................................. .............................
؛( ما رأيك يا أدهم ؟.........)
نظر اليها و هو مستلقيا في فراشه بكسل تلك الليلة واضعا ذراعيه خلف رأسه ينظر اليها بشغف و هى تختال أمام المرآة مرتدية زيا كلاسيكيا أنيقا , أبيض اللون ذو تنورة ضيقة تكاد تلامس ركبتيها ... و سترة ذات أزرار محكمة تظهر نحول خصرها بينما انساب شعرها الرائع خلف ظهرها فى موجاتٍ ذهبية و عسلية متفاو

الفصل الثامن عشر (1) 

ظلت سابين مكانها طويلا .... طويلا ....تمشي بضع خطواتٍ ثم تقف , ثم تعود للسير مرة أخرى , رافعة رأسها الى أعلى السلم بين الحين و الآخر .... و كأنها ستراه بهذه الطريقة , .....كانت العاصفة المجنونة تضرب جدران هذه القلعة منذ وقتٍ طويل .. تقفز من مكانها كلما قصف الرعد , تريد الجري على السلالم و الدخول الى ذلك الفراش الضخم المغطى بالستائر الشفافة .... و الذى بدأت تعتاده في الليالي الأخيرة .....الفراش وحده يبدو كحصن وهى تتمنى في هذه اللحظة الصعود اليه ودفن نفسها بين أغطيته السميكة ........ إنها ترتدي ملابس خفيفة كالعادة ... فهى لا تهتم أبدا ببرودة الجو , لكن الآن الجو في هذه المنطقةِ البعيدة يبدو وكأنه يلسع بشرتها الناعمة بسياطٍ باردة ....... 
هل هو البرد ما يلسعها بهذا الشعور المؤلم ..أم وجوده هو بالأعلى ... في نفس الغرفة التى بثها فيها أشواقه المجنونة ... 
و يجرؤ الآن على النوم هنالك بمنتهى التبلد و البرود .... ماذا كانت تمثل له حقا ؟.... الهذه الدرجة كانت مجرد نكرة بالنسبة له ..... استغلها فقط ليداوي جروح ماضيه الصدىء .....الا يشعر بقليلٍ من الشوق اليها .... 
حتى ليلة أمس حين ضعف أمامها ..... لم يتطلب الأمر سوى بضع كلماتٍ ليبتعد عنها تاركا إياها وحيدة بعد أن كادا يذوبان شوقا لبعضهما ...... 
ابتسمت ابتسامة مريرة و هى تتذكر رجالٍ أشداء كادو ان يخروا أمامها طلبا لنيل كلمة منها او حتى نظرة .... والآن ها هي تقف وحيدة , بالأسفل ..تتساءل ان كان يتمنى ان تصعد اليه ..... 
لكن سواء تمنى ام لا .... فستصبح ملعونة وتستحق كل ما يصيبها ان استسلمت له ........ليست هي من تسلم لعدوها بهذه السهولة ..مهما بلغت سطوته عليها ....... 
وضعت يدها برفق على جيب بنطالها تتحسس الظرف المخبىء به ...... تحترق لتخرجه و تكمل ما به , الا انها لن تجرؤ على ذلك الآن ...... 
عادت للتفكير مرة أخرى بهذه الرسالة الآتية اليها من الماضي ..... كيف وصلت الى هنا ... او كيف عرف والدها انها ستكون هنا يوما ما ....... 
هل قرأه احمد ..... لكن الظرف كان مغلقا باحكام مما يدل على ان يدا لم تلمسه من قبل.....لكنه كان يعلم بالرسائل الأخرى بالتاكيد , ومن المؤكد قد قرأ اسمها على هذا الظرف في وسط الأظرف الأخرى .... فكيف لم يغلبه فضوله ليفتحه ........ 
شعرت فجأة بالارهاق من كل ما مرت به اليوم ... وأشدها رسالة عماد الراشد المهلكة لها ......فجلست بتعب على الكرسي الضخم المذهب ذو الفرش المخملي الوثير و رفعت ركبتيها الى صدرها و هي تتنهد مسندة رأسها على ركبتيها .......... وسرعان ما سحبها النوم بعيدا وهى تعلم ان لا شيء ممكن ان يقلقها الآن ....... طالما هو موجودٌ بالأعلى ........ 
داعبت اشعة الشمس الدافئة وجهها بنعومة لتدغدغها و هي تشعر بجسدها مسترخي بشكلٍ رائع خرافي ....ما أجمله من حلم .... كانت ذراعاه محيطتان بها و لمساته تحرق بشرتها الناعمة ..... صوته الهامس يتسلل اليها ضاحكا بنعومة 
ساعديني قليلا سابين ....... 
ثم شعور رائع بالدفء ملأها بهجة خالصة ........فتحت عينيها ببطء وهى تتمطى باسترخاء ممتع ....فجأة و بعد ان عاد اليها وعيها بالكامل , تذكرت انه هنا معها في القلعة في نفس الوقت الذى أدركت أنها تنام في الفراش الضخم ......... 
استقامت جالسة فجأة و هى تنظر حولها فوجدت نفسها وحيدة في الفراش...... لقد نامت الليلة السابقة على الكرسي الضخم بالطابق السفلي هى متاكده انها لم تصعد الى هنا ....... انعقد حاجباها و لمعت عيناها بوحشية وهي ترى أمامها الاحتمال الوحيد المطروح .... كيف جرؤ ........كيف جرؤ ان يلمسها بل و يحملها الى هنا .......عديم الاحساس ....... عادت اليها فجاة صورا من حلمها الناعم ..... ثم تساءلت بهستيرية ان كان حلما بالفعل وهى تكاد تشعر بلمسات يديه تجري على بشرتها بينما هى تتنهد باستسلام لتسمع صوت ضحكته الصغيرة ......نظرت الى أسفل الغطاء برعب و هى متوجسة مما ستراه ...الا ان الرعب كان مصيره لحظة واحدة قبل ان تدرك بدون ان تنظر الى أنها ترتدي منامتها الفضفاضة و المفضلة لديها ....والمضحكة بشكلٍ مخزي.. فهى سوداء ومنقوشة من أولها لآخرها بصور ساحراتٍ يطِرن على مكانسهن السحرية ...تحول الرعب في لحظةٍ واحدة الى طوفان من الغضب الأعمى ...... لقد أبدل لها ملابسها ....... لقد أبدل لها ملابسها .....نقلها الى الفراش ثم أبدل لها ملابسها كما يفعل مع ابنته ........... 
لا تعلم ما الذى أشعل فتيل الغضب بداخلها الى هذه الدرجة الخطيرة .......اهو تجرؤه على ان يلمسها بهذه الوقاحة و هي ليست في كامل وعيها .......ام ...... ام استطاعته ان يختار لها مثل هذه المنامة بالذات من بين ملابس نومها الحريرية الشديدة الاغراء .....ثم ينام بجوارها بمنتهى البرود دون ان يتاثر بقربها منه و كأنه ينام بجوار ابنته ......لكن هل نام بجوارها فعلا ........آخر ما تتذكره هو همسته الضاحكة ثم ....... الآن تذكرت ...... ملمس شفتان ناعمتان على شفتيها وهمسه باسمها بكل نعومة وهو يقبلها ........و بعدها تذكرت انه لمس شعرها وهو يهمس باذنها ( لا تخافي ..... انه الرعد ....سأظل هنا فنامى ولا تخافي ) 
أرادت ان تعيد مرة اخرى أنها لا تخاف من اى شيء الا ان سحر النوم شدها بعيدا .......أفاقت من شرودها على صوت جريان الماء في الحمام الملحق بالغرفة و الذى لم تنتبه اليه الا الآن ........فقفزت من مكانها و اخذت تتلفت بحثا عن ملابسها حتى وجدتها مطوية على الكرسي فالتقطت بنطالها تتحسس جيبه , ثم شعرت بالراحة حين وجدت الرسالة لاتزال بمكانها ......القت البنطال من يدها و هى تشعر بالحنق يتزايد بداخلها من تحكمه في كل ما يخصها في هذا المنفى الذى اختاره لها ........... 
ثم حانت منها التفاتة فأبصرت بدلته مطوية على الكرسي الآخر .......فلمعت عيناها وهى تتجه اليها بكل سرعة لتفتش جيوبها ....لا تعلم عن ماذا كانت تبحث تحديدا , فهو بالتأكيد ليس من السذاجة ليترك المفاتيح في أحد جيوبه حيث تستطيع ايجادها بكل سهولة .... التقطت أصابعها محفظته و على الفور فتحتها ........كانت تحتوي فى قلبها على ثلاث أغلفة شفافة لوضع الصور بها .........و قد كانت بالفعل هناك صورة فى كلا منها ........ 
أول صورة كانت لتالا وهى تضحك بأقصى اتساع لشفتيها ,ابتسمت سابين قليلا وهى تنظر الى هذه الصورة المضحكة , ثم قلبت الغلاف الثانى .....لتختفي ابتسامتها ويلمع غضبا مجنونا بعينيها ....فقد كانت هناك صورتين متقابلتين , الاولى كانت لوجه امراءة مبتسمة جذابة , شديدة النعومة بعينيها اللتين تشبهان بندقتين ..... و قد انسابت موجات شعرها البني الناعم حول وجهها و كتفيها و قد تطايرت بعض خصلاته مع الهواء ...... كانت امراءة عاشقة ..... هكذا فكرت سابين بغضب , من نظرة عينيها الى من التقط لها هذه الصورة فهى بالتاكيد امراءة عاشقة ........و في الصورة المقابلة كانت هناك نفس المرأة تنظر ضاحكة لكن الاختلاف الوحيد انها لم تكن وحيدة في هذه الصورة .... بل كان هو واقفا خلفها يحيطها بذراعيه وهى تميل عليهما من شدة ضحكها بينما اختفت معظم ملامح وجهه داخل موجات شعرها المتطاير ............ 
اذن .....هذه هى ...... وهو لا يزال يحتفظ بصورتها ملاصقة لقلبه أينما ذهب , ألما مفاجىء ضرب صدرها , لم تعرف له سببا .... قد تكون رغبته يوما .. واستسلمت لجنون مشاعره ذات ليلة ....قد تكون مشتاقة لقبلاته احيانا ......لكن هذا لا يفسر الألم الحارق الذى يكاد يعصف بها الآن من مجرد رؤيتها لامرأة لم تعد موجودة معها فى هذا العالم ....... 
لم تعرف يوما شعورا اطلق عليه الناس اسم الغيرة ..... رأت امامها أشد النساء سحرا و نسبا و ثراءا .....الا أنها كانت تنظر اليهن بإستهزاء مشعلة هذا الشعور المجهول بالنسبة لها في قلوبهن ...... لتأتى الان مجرد صورة عمرها عدة أعوام لتعطيها فكرة واضحة عن هذا الشعور الذى اذاقته لمن عرفنها من النساء ...... 
رفعت رأسها وهى تلقي المحفظة بعنفٍ على الكرسي .... لم تتخيل انه أحبها أبدا , لكنها و بالرغم من ذلك كانت واثقة من سلطانها عليه , لكن الآن تشعر باختلال في جميع موازينها ........ 
لم يحتج الامر منه سوى ليلة واحدة ليكتفي منها تماما ......ليلة لم تكن كافية لتجعله يخرج هذه الصورة من قلبه الى الآن ......وها هو الليلة الماضية حيث كانت مستسلمة مغيبة بين ذراعيه مكشوفة له .....لم يتطلب منه الأمر سوى ان يلبسها منامتها الحمقاء التى لم تعرف بأى عقلٍ جلبتها معها فى حقيبة ملابس شهر عسلها البائس بكل معنى الكلمة .......... 
فجأة شعرت ان سيطرتها على نفسها بدأت فى التداعي وعرفت أنها ستقوم بعملٍ أحمق الآن............... 
خرج أحمد من الحمام وقد لف منشفة كبيرة حول خصره وهو يقوم بتجفيف شعره بأخرى صغيرة ....ليفاجىء بسابين تقف امام النافذة توليه ظهرها .......تفاجأ تماما بهذا الهدوء الخادع فقد كان يظن أنها ستثور محطمة كل ما حولها ما ان تستيقظ , لكن ما ان وجدها واقفة أمامه بهذا الهدوء و ضبط النفس حتى ازداد توجسه ...... لكن ذلك لم يمنعه من ملاحقة خطوط جسدها الفارع و التى لم تستطع منامتها الخرافية ان تخفي سحر معالمه ....... تذكر نفسه ليلة أمس حين نزل في وقتٍ متاخر من الليل ليبحث عنها فوجدها جالسة على الكرسي الضخم رافعة ركبتيها الى صدرها دافنة رأسها بينهما , بينما انسابت موجات شعرها السوداء لتكاد تبتلعها كلها حتى لم يكد يظهر منها سوى كومة الشعر الحريري وذراعين بيضاوين ناعمتين تحيطان بركبتيها ..... عرف من قبل ان يخاطبها انها راحت في سباتٍ عميق من صوت تنفسها المنتظم ..... 
لم يستطع مقاومة الاغراء القاتل الذى حثه على التحرك اليها ثم أحاط كتفيها بذراعه و هو يدس الأخرى أسفل ركبتيها ليرفعها الى صدره الذى ارتمى عليه رأسها و هى في عالم غير العالم ....... استمرت رحلته في الصعود عبر السلالم دهرا .... او قد يكون هو الذى اخذ يتلكأ عند كل درجة ليستمتع بدفء جسدها الملقى على صدره .......و ما ان وصل الى الغرفة حتى اتجه الى الفراش لكنه لم ينزلها على الفور بل ظل يتمايل بها قليلا كما كان يهدهد تالا وهى رضيعه لتغمض عينيها وتنام ........وحين استشعر برودة ذراعيها اللتين صارتا كالرخام اضطر الى انزالها للفراش على مضض ...... واتجه الى الدولاب الضخم ففتحه ليبتسم من رؤية ملابسها معلقة و أخرى مطوية بترتيبٍ و انتظام و كأنها عروس صفت ملابسها في بيتها الجديد على استحياء ...... 
اخذت أصابعه تمر على الأقمشة الحريرية لقمصان النوم المهلكة التى جلبتها معها .........ثم تركها ليجد شيئا أسودا ثقيلا مطويا عرف بعدها انه عبارة عن منامة منقوشة بالكامل كالتى ترتديها تالا في الشتاء ......لكن منامات تالا كانت وردية ذات قططٍ او ارانب , أما هذه في سوداء ذات ساحراتٍ يطرن على مكانسهن ......كادت ضحكة ان تفلت من بين شفتيه وهو لا يتخيل ان يناسبها شيئا اكثر من هذة المنامة التى شعر بالجنون يقتله ليراها على سابين صاحبة السحر الاسود .......... 
وكانت الطريق أمامه ليلبسها لها صعبة للغاية وهى تتلوى بين ذراعيه الى ان قبلها وهو يهمس لها بأن تساعده وتكف عن التلوي بهمسٍ أجشٍ مما يهيج في صدره.. فاستسلمت بعد لحظة لتتنهد بنعومة ....... 
ولكن الأصعب هو الاستلقاء بجوارها طوال الليل دون ان يحاول ملامستها ..... كان هذا كحرقٍ متعمد لأعصابه , و الآن وهو ينظر اليها في منامتها المغرية تلك.. يتساءل ما الذى منعه عنها الليلة الماضية ؟... هو ليس متأكدا من أى شيء بعد الآن ...... 
الى متى ستظل ساكنة على هذا النحو المريب متى ستنفجر بتلك الإنفجارات المجنونة ...... والتى بدأ يتسلى بها , ....قرر هو أخيرا استفزازها فقال بتهكم 
( صباح الخير يا زوجتى العزيزة .........أرجو ان تكوني قد نمتِ جيدا ليلة امس ) 
التفتت سابين اليه ببطء بعد ان وصلها صوته السمج ..و ظلت تتطلع اليه قليلا بتحدٍ سافر رافعة أحد حاجبيها بطريقة زادت من ريبته ..الا انه أخفي ما بداخله ليطغى عليه شعوره بالتسلية .... تحرك من أمامها ليلتقط بدلته لكنه وجدها مكومة على الكرسي بشكلٍ غريب فمد يده ليمسكها ليصعق بأنه ممسكا بجزءٍ صغير منها ..... شعر بأن عينيه تخدعانه فمد يده الأخرى ليلتقط كومة من الاجزاء الصغيرة الممزقة التى كان يطلق عليها هذا الصباح بدلة .......... 
أقفلت قبضتيه بشدة على الكومتين من القطع الممزقة حتى ابيضت مفاصل أصابعه و هاج غضبا شرسا في أعماقه و هو يصرخ بصوتٍ رجرج الغرفة 
(ساااااااابين ........) 
لم يهتز لها رمش من صرخته الحيوانية المتوحشة ودفعها التحدى المجنون لأن تبتسم باستفزاز وهى تقول بصفاقة 
( كان يجب ان تخفي المقصات .......) 
رمى القطع من يده على الأرض ثم هجم ناحيتها في لحظةٍ واحدة كنمرٍ يثب لاقتناص فريسته ...حاولت الهرب منه وهى تجري الى الفراش لتقفز من عليه لتتجه الى باب الغرفة , الا انه أمسك بها من ذراعيها وأدارها لاويا ذراعها خلف ظهرها الملتصق بصدره ....أخذت تصرخ به ان يتركها وهى تقاومه بشراسة , الا انه شدد من قبضته عليها حتى تأوهت و صمتت فهمس فى اذنها بصوتٍ كالفحيح 
( ستعتذرين الآن و حالا عن فعلتك الحمقاء سابين ..اتقاءا لشري ) قالت وهى تحارب الألم النابض بذراعها من جراء ضغطه الشرس عليها 
( لن اعتذر و لو قتلتني ........) 
ترك ذراعها ثم أمسكها من أعلى ذراعيها ليديرها ناحيته و هو يصرخ بها 
( الن تتعلمي الإحترام أبدا ....ستظلين وضيعة طوال عمرك ) 
لمعت عيناها بشراسة وهى تنظر الى عمق عينيه.......ثم همست بقسوة 
( من أنت لتنعتني بالوضيعة ..... أيها المنافق ...ال ......) 
أمسك بشفتيها بين أصابعه ليغلقهما ثم همس بتهديدٍ خطر 
( لا تزيدي من رصيدك السيء لدي يا سابين ......فأنتِ بالتاكيد من ستخسر ) 
صمتت تماما وهدأت تحت ضغط أصابعه على شفتيها و بدا وكان عينيها فقدتا وحشيتهما الا انهما لا زالتا تبرقان لكن ببريقٍ مختلف و يبدو ان هذا البريق قد نفذ مثل السهم الى عمق عينيه ..... لحظاتٍ ثم رفع أصابعه عن شفتيها المكتنزتين و التى زاد من احمرارهما ضغطه عليهما .......كم بدت في هذه اللحظة ........لا يعرف تحديدا , متوحشة ......طفلة ......امرأة مغوية شديد الإغراء ......وقد تكون كل هذا .......ما يعرفه انه يشعر الان انه يقبض على شيءٍ نادر لم يره من قبل ........ 
همس همسا أجشا ( هل تعرفين انه من المفترض ان أقتلك الآن ........أنا لم اكن مستعدا و ليس معى ملابس غيرها ) 
ارتفعت زاويتي شفتيها قليلا ثم همست هى الاخرى ( اذن هذا خطؤك .......لقد فعلتها معي من قبل وتركتني بدون ملابس ) 
عبس قليلا ثم قال بتجهم ( لم أكن أنوي ذلك ......نسيت ليلتها ان حقيبة ملابسك داخل السيارة حين غادرت ) 
ظللت غيمة من الألم عينيها لتطفىء من اشعاعهما .... ورأى هو لمحة الألم لكن الغريب انه لم يشعر بأي لذة انتصار ....بل شعر بثقلٍ فى صدره جعله يزداد عبوسا ........ثم قال اخيرا بصوتٍ عميق يظلله لمحة من التسامح 
( اذن فقد اصبحنا متعادلان الآن ...... وهذا فقط ما رحمك من غضبي ) 
ثم اكمل بعبوسٍ زائف ( هل تخبريني كيف اتصرف الآن ...........) اخذت ابتسامة شيطانية ترتفع تدريجيا على شفتيها حتى همست أخيرا ( ليس لك سوى حلا واحد ....... يا زوجي الحبيب ) 
توجس من نبرة صوتها التى لم تستطع اخفاء الشر بها ........فتابعت بعد لحظات 
( ما أجمل ما ساشعر به حين أرى زوجي حبيبي يرتدي ملابس والدي ........... وانا أعرف كم كنت تحبه ) 
تجلت الوحشية بكل وضوح في نظراته و قد أوشك ان يبطش بها الآن انها لم تشعر باى ذرة خوف منه وهى تكمل بتحدي قاتل 
( ليس هناك حلا اخر الا اذا أردت الاتصال باي أحد ليأتي الى هنا محضرا معه بعض الملابس لك .......) 
شعر انه على وشكِ خنقها او رميها من النافذة من شدة الغضب الآن و لم ترحمه هى بل اكملت 
( المشكلة ان عمر ملابسه قد تعدى العشرين عاما ........ لكن ليست مشكلة ضخمة ستبدو ظريفا بداخلها بلا شك ) 
أمسك بذقنها بين أصابعه بشدة .......لكن عدة لحظات من النظر الى عينيها المشتعلتين ببريق الهزل جعله يبتسم قليلا .... ثم قال بهدوء 
( بإمكانك ان تكوني مرحة يا سابين .......لم أعرف هذا الجانب بكِ من قبل ) 
همست من بين اصابعه 
( انت لم تعرف اي جانب مني أبدا ... احمد مهران , لقد اخترت ان تعرف ما أردت ان تعرفه ) 
نظر الى عمق عينيها الحادتين ثم قال بعد لحظة 
( لهذا أنتِ هنا يا سابين ..... لأعرف ما لا أعرفه عنكِ و أرى ان كنتِ تستحقين عناء المحاولة ) 
انتزعت ذقنها بشدة و هى تكمل بشراسة نمرة 
( نعم ... نعم .... عناء محاولة تطهيري اليس كذلك ؟؟ اذن أخبرني احمد ان كنت لم تتزوجني لتنتقم مني بسبب الماضي و بسبب دارين فلماذا تكلف نفسك مثل هذا العناء ........ ما الذى ستستفيده من كل هذا ؟..... لا بد انك تعتقد أنك تخاطب طفلة لتقنعها بما تقول ) 
لم يجد ردا لها ..... لم يستطع ايجاد حلا لما هو فيه ....... و ماذا بعد ؟.... الى متى سيظل مغلقا عليها ابواب قلعته ؟........ 
أخفض نظره امام نظرها للمرة ِ الاولى ...... متهربا من سؤالها و قبله متهربا من نفسه ......ثم قال أخيرا بصوتٍ منخفض 
(بالمُناسبة .....إن تالا تسأل عنكِ كل يوم .........) 
لم يكن هذا الرد الذى تنتظره ..... تالا ؟؟ ..... ما دخل تالا فيما تقوله الان ؟.......فقررت مجاراته و هى تقول هازئة 
( وماذا تخبرها ؟.........بالطبع لم تقل الحقيقة ....لن تدعها تعرف ان والدها يتصرف كرجال العصابات فحبس زوجته فى مكانٍ بعيد بعد خطفها ليلة زفافها ) 
عبس وهو يتظاهر بالتألم قائلا 
( هيا الآن يا سابين ...... الا ترين نفسك أصبحتِ درامية للغاية ...خطف و حبس ؟.......لم تكن ليلة زفافك خطفا على ما اتذكر ) احمر وجهها لملاحظته الوقحة لكنها رفضت ان تظهر له ارتجافها و ظلت واقفة أمامه بوجهٍ متحجر ثم قالت أخيرا بتصلب 
( و ماذا عن الأميرة والدتك ؟..... هل كانت تعرف بمخططاتك منذ البداية ؟.........هل اتفقت معك على الانتقام أولا بسبب زواج دارين الفاشل وثانيا ان الفرصة سنحت للانتقام من ابنة ايثار الراشد التى خطفت حبها قديما ) 
يا الهي لكم هى معقدة حياتهما معا ...... وها هى تتهمه بنفس الاتهام الذى رماها به ....... وتظل لعبة الانتقام تدور من حولهما كحلقة ٍمفرغة ....... 
قال لها بكل وضوح ( أمي ايضا تسأل عنكِ سابين تكاد تنهار من شدة قلقها عليكِ ............على ابنة عماد الراشد و ان كنت قد تجرأت و آذيتك ) 
اهتزت قليلا حين سمعت ما قاله و رمشت مرة بعينها ........ لقد صدقت ما قاله فقد قاله بكل ثقة لكن ما ادهشها هو شعورُ بالخواء قد نبت في داخلها ...... منذ ان رأت هذه المرأة في حفل زفافها و هي تشعر برابط خفي يجمعهما ..... من المفترض ان تكرهها الا ان هذا بداخلها لم يحدث ابدا....... حتى بعد قرأتها لرسائلهما التى تقطر من جروحِ حبهما ..........لم تستطع ان تكرهها حقا و ها هى تسمع بقلقها عليها و رغبتها في معرفة مكانها ............ 
هل من الممكن ان تكون ايثار خائفة عليها الآن .......خوفا , قلقا , رغبة فى الاطمئنان ....... أى شىء من هذا الذى يسمى أمومة ..... ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيها و هى تسخر من هذا التفكير الغبي الذى طرأ على ذهنها المشوش ......... 
نظر احمد الى نظرتها الشاردة و ابتسامتها الحزينة فسألها بخفوت 
( ما معنى هذه الابتسامة ؟.............) 
أفاقت على صوته العميق فقالت وهى تسترد انفاسها 
( لا شيء ......... تذكرت شيئا محبطا ) 
اقترب منها اكثر ليهمس في أذنها و قد اشعلته نعومتها التى لم يعرفها الا لحظاتٍ قليلة 
( و انا لا أريد ان تشعري بالإحباط يا زوجتى .......زوجة احمد مهران لا يجب ان شعر ابدا بالاحبإط وهو موجود ) 
نظرت اليه بغيظٍ و أوشكت على النطق بردٍ سفيه من ردودها المجهزة الا أنه لم يمهلها فقد التقط شفتيها لتضيع كلماتها المتهورة بين شفتيه الدافئتين المتطلبتين ......... 
لحظاتٍ أعادتهما معا احمد و سابين ...... اللذان يملان الجو من حولهما بشراراتٍ و العابٍ نارية متوهجة ........... 
امتدت يداه لتحاوطان ظهرها بتملكٍ سافر اقوى من اى تحدي كان بينهما يوما و ازدادت قبلاته عمقا لتغيب عن واقعها المؤسف و ترفع ذراعيها لتحاوطا عنقه و تغيب به و فيه عن كل ما حولهما ............. 
دفن وجهه في موجات شعرها المجنونة و أخذ يستنشقها عله يهدأ من جنونه الا أنها زادته جنونا وهوسا وهو يهمس في اذنها 
( ماذا تفعلين بي أيتها السابية .......أيتها السابية التى سبيتها في قلعتي بعيدا عن كل البشر ) 
ارتجفت قليلا فشدد من ضمها اليه حتى كاد ان يحطمها وهو يكمل بعاطفةٍ وحشية 
( هل تعلمين مقدار ما أشعر به من سحرٍ وانا في طريقي الى هنا كل ليلةٍ ......... متشوقا لرؤية تلك الهمجية ذات الشعر المجنون كليلةٍ سوداء ) 
حملها بين ذراعيه بعنفٍ و هو يتجه بها الى الفراش ... لكنها استجمعت بعضا من تركيزها المشتت و هى تقول بوهن 
( هل ستأخذني من هنا و نرمي كل الماضي بعيدا ؟..............) توقف تماما و ظل ينظر الى عينيها المتحديتين و هى محمولة بين ذراعيه .......ثم قال وصدره يصعد و يهبط بصعوبة 
( لن تخرجي من هنا الآن يا سابين ...... ستخرجين من هنا عندما تصبحين كما أريدك ان تكوني ) 
لم تصدق ما سمعته ...... اشتعل غضبها في لحظةٍ ليطغى على اي مشاعرٍ اخرى فاخذت تتلوى صارخة بين ذراعيه بينما هو يحاول التمسك بها الى ان افلتت منه في النهاية لتسقط منه على الارض بشدة آلمتها ........ 
مد يده اليها لتنهض الا انها ضربته على ظاهر يده بشدة لتبعدها و هى تنهض متألمة ......ثم قالت بشراسة 
( تقصد كما كانت حبيبتك الوديعة التى لم تستطع مفارقتها الى الآن ...........تريد ان تجعل مني صورة لها , سيكون ذلك افضل من صورةٍ تحتفظ بها قرب قلبك منذ يوم ان رحلت ) 
لوهلة شعرت أنه سينقض عليها ليقتلها من الجحيم الذى ظهر بعينيه و قبضتيه اللتين انقبضتا بشدة ....... ظل صامتا طويلا ثم قال أخيرا بصوتٍ هادىء لكن أوجع روحها 
(هل فتحتِ محفظتي ؟..........) 
ندمت للحظة على تهورها و تطرقها الى موضوعٍ من المفترض الا يهمها بشىء ..... لكنها اضطرت ان تجيبه بثبات 
( نعم فتحتها الست زوجي ؟............كم احزننى الا أجد صورة لي بجوارها ) 
أجفل بشدةٍ من السخريةِ الواضحة في لهجتها فقال بهدوء 
( انتِ لا ترقين لأن تكوني بجوارها..............) 
لو ان احدا لكمها في معدتها لن يكون ذلك اشد الما مما شعرت به في هذه اللحظة .... ارادت ان تجرحه بشدة , ارادت ان تصيبه في مقتل بجرح حبيبته الغالية , الا انها لم تستطع ..... طالعتها الابتسامة الحانية لصاحبة الصورة و النظرة التى تبدو وكانها تنظر اليها لتوجه اليها رسالةٍ ما .........فلم تجد سوى ان تهمس بتحدي 
( سنرى ...... سنرى يا احمد مهران ) 
( سنرى .......سنرى يا سابين الراشد ) أعاد جملتها بلامبالاة زادتها غضبا 
ابتعد عنها و هو يتجه ناحية الدولاب قائلا بهدوء 
( اذن بما انكِ لستِ في مزاجٍ جيد للحب ........فاسمحي لي بالاستعداد للذهاب ) 
مزاج جيد للحب ...... لم تشعر في هذه اللحظة انها كرهت شخصا اكثر مما تكرهه الان , تماما كما تكره جسدها الخائن الذى يضعف امامه باستمرار 
نظرت اليه وهو يلتقط احدى البدلات القديمة ذات اللون البني المحروق و يتجه بها الى الحمام مرة اخرى دون ان يلقي عليها نظرة واحدة 
اخذت انفاسها الساخنةِ تلهث من شدة غضبها من نفسها قبل ان يكون منه .........اتجهت الى النافذةِ مرة اخرى لتتطلع منها و لم تعلم كم ظلت تنتظر الى ان سمعته من ورائها يقول باستهزاء 
( ما رأيك يا زوجتي ؟..........) 
التفتت لتنظر اليه .....شعرت فجاة بالدوار , للحظةٍ شاهدت عماد الراشد أمامها , نفس الحجم والطول , نفس الهيبة و الاتزان , نفس الجاذبية القاتلة .......نفس اللون الذى اعتاد ارتداؤه ........ 
تزايد احساسها بالدوار فتراجعت خطوة لتستند على النافذةِ خلفها و قد زاغت نظراتها ليختفي وجه احمد ويحل مكانه وجه عماد الراشد ...لحظة واحدة وعاد وجه احمد مرة اخرى وهو ينظر اليها مقطب الجبين و يسألها بقلق 
( سابين ..... سابين هل انتِ بخير ) 
رمشت بعينيها اكثر من مرة وقاومت هذا الدوار لتنظر اليه بثقة وهي تقول بثبات 
( للاسف انتما من نفس الحجم ..... كم كنت اتمنى ان تخرج من هنا ببنطالٍ قصير و اكمامٍ تكاد تصل الى مرفقيك ) 
عاد الهزل يتلاعب بشفتيه وهو يطمئن الى انها سليمة ٍ كالهررة ثم قال لها 
( اذن فقد خاب ظنك .......) 
ظلت تنظر اليه دون ان ترد ..... ما أشد وسامته , انه يبدو كابطالِ الافلامِ القديمةِ المتانقين ......جاذبيته مهلكة في الماضي والحاضر أفاقت على صوته وهو يقول باتزان 
( سأذهب الآن ....... لا داعي لأي حركاتٍ متهورة يا سابين ) 
( متى ستعتقني يا احمد ........الا ترى انك بالغت , الا تخاف ان انتحر مثلا ) 
التفت ينظر اليها للحظة ثم قال اخيرا 
( أنتِ لستِ ضعيفة لتفعلي ذلك ..... ولوكان لدي شكٍ واحد بذلك لما كنت تركتك هنا ) 
لمعت عيناها وهى تقول بعنف 
(لكم سيسعدني ان افعل ذلك فقط لأمحو ثقتك ) 
ابتسم هازئا ثم قال ( لكنك لن تفعلي .......) 
استدار مرة اخرى ليغادر فنادته دون تفكير ( احمد ....)
توقف مكانه دون ان يلتفت لندائها الملهوف فقالت بتردد ( ذاك اليوم ...... عندما رأيتك و أنا صغيرة .....ماذا كان هذا ؟...أنا لا اتذكر ) 
ظل صامتا لا يلتفت اليها ......ثم قال أخيرا بخشونة وجفاء 
(كنتِ في بيتنا ..... جئت مع أمك , والتى تكرمت يومها بالصراخ في وجه أمي و طعنها باتهاماتٍ بشعة , وحين دخلت الى المنزل كانت أمى على وشكِ الاغماء من هول ما سمعته ) 
ابتلعت سابين ريقها بصعوبة ثم سألته هامسة 
( وما كان سبب ما فعلته ؟............) 
ظل صامتا لحظاتٍ طويلة ثم تنهد بتعبٍ اخيرا وقال 
( كان هذا اليوم بعد فترة وجيزة من موت والدك سابين ......وكانت هى قد تزوجت من خالى بالفعل الا إنها حين علمت بموته صارت كالمجنونة ) 
همست سابين بلهفة ( هل حزنت عليه ؟........) 
ضحك احمد ضحكة خاليةٍ من اى مرح ثم قال بمقت 
( نعم بالتأكيد لقد حزنت عليه بشدة ..... خاصة حين علمت انه لم يترك لكن أى شىء ...... حينها جاءت من عند المحامي الى بيتنا مباشرة وكنتِ انتِ معها ....لتصرخ بأمي انها هي السبب فى ضياع كل ما كان يملكه ......بالرغم من اننى أعلم انه ترك لها الكثير قبل ان يتركها .....الا أنها كانت تتخيل وجود المزيد ) 
أغمضت عينيها من كلِ ما سمعته ...... كيف تستطيع التعامل مع كل هذا ....... كيف ........ 
لم تفتح عينيها الا بعدما سمعت صوت اغلاق باب الغرفة لتجد نفسها وحيدة في الغرفة فالتفتت الى النافذةِ من خلفها لتستند بجبهتها الباردة على زجاجها ......الى ان رأته خارجا متجها الى سيارته لكن قبل ان يدخلها رفع رأسه اليها تماما كما فعل المرةِ السابقة ....... 
لكنها لم تبتعد هذه المرة ....ظلا يتبادلان النظر طويلا الى ان شدت الستائر الناعمة ببطء لتخفي بها وجع قلبها ..............
الفصل الثامن عشر (2) 

مرت أياما سريعة و تعددت اللقاءات بينها و بين سمر و كل مرة كانت تشعر بانها حصلت على شيئا جديدا لا تستطيع تفسيره ....لكن المؤكد انها تشعر براحة لم تشعر بها منذ زمن 
جالسة في فراشها رافعة ركبتيها , تستند عليهما مفكرة اوراقها بيضاء تنتظر ان تحمل اوجاعا اهلكتها .....كيف تكتبها ...لقد دربت نفسا منذ اكثر من سنتين على النسيان .....او بمعنى اصح التجاهل , فكيف تعود لتنبش ما فات , هل سيكون هذا في صالحها ......تخشى ان يصيبها الجنون مرة اخرى ...... لقد اكدت لها سمر انها تراها اكثر من طبيعية فلتنسى فكرة الجنون هذه تماما ........ أخبرتها ان نفسها هى المتوجعة و ليس عقلها ....... 

أمسكت القلم بتردد و بدات تحاول 

لا اعرف ماذا افعل الآن , فانا لم اكتب شيئا في حياتي من قبل .... وما اكتبه لن يكون قصة بل سيكون واقعا سيئا جدا ......من اين أبدا .....اخبرتني صديقتي الوحيدة ان ابدا من النقطة التى اريدها ......فلاختار البداية التى اريد ........ 
و انا اريد البداية منذ ان كنت سعيدة .... أياما كنت فيها لا يشغلنى فيها الا اللعب و الانطلاق , لم أعرف للخوف معنى ...... 
بلى عرفت قليلا ..هههههه كنت اخاف من وحشٍ له أعين رمادية دائما ما كانت تراقبني بقسوة و غموض , لا اعلم ماذا يريد مني ..... 
هذه هي بداية حياتي ...... اول ذكرى كانت لشخصٍ مخيفٍ ضخم يسالني بصرامة عمن اكون و ماذا افعل هنا في هذا القصر بالذات الذى انا فيه الان ......يومها كنت ارقص مسحورة من هذا القصر المذهل كقصور الحكايات و الذى اخبرتني امى اننا سنعيش به ....... 
لم اصدق روعة ما يحدث معي ...الى ان رأيته .....كان واقفا بشموخ ينظر الي بعينين صارمتين ....يومها ظننت انه لن يكون هناك من ينغص علي حلمى سوى هذا المخلوق الضخم , فعزمت منذ اول مرة رايته فيها على ان أحاربه والا أعطيه الفرصة لكي يبعدنا عن قصر أحلامنا ......... 
اليس من الغريب ان هذه هى أول ذكرى بحياتي ...... انا لا اتذكر اى شىء حدث من قبل دخولي الى القصر هنا .......أحاول ان اعتصر ذاكرتي لكن .......لا شيء ....... 
اتذكر أحيانا قسوة يد أمي ......كانت قاسية و مؤلمة جدا ......صوتها عالٍ حين يصيبها الجنون , لكن كان هذا قبل ان نأتي الى هذا القصر , فبعد ان أتينا ..... كان واجبا على أمي الالتزام بقواعد هذا المجتمع ان ارادت البقاء به ......... 
كما انها كانت تحرص على الا تمسني.......... طالما كان هو موجودا ...........وحش آل مهران .......... 
يوما حين كنت في السابعة عشر فعلت شيئا اغضبها فلم تتمالك نفسها ..... وهبطت على وجهى بصفعةٍ من ظاهر يدها أدمته من خاتمها الثقيل الذى كانت ترتديه .........وحين استدرت و انا اضع يدى على وجهى مرعوبة شهقت حين وجدته واقفا ورائي وفى عينيه نظرة متوحشة لن انساها ابدا ..........لم ينطق بكلمة ....ظل ينظر الى يدي الموضوعة على وجنتى المجروحة ........ 
وحين نطق اخيرا لم يقل سوى ( ايثار .....تعالي الى حجرة المكتب , اريد ان اتحدث معك ......) 
العجيب ان رغم عبوسها الشديد وكرهها له الذى قفز من عينيها .....تبعته دون ان تجادل فهي ايضا كانت تخاف من سطوة هذا الشاب و مكانته في هذا القصر ولدى الامبراطور .......مع انه كان يومها لا يتعدى الثامنة والعشرين , الا انه تكلم معها بكل صلف و كانه يفهمها انه قادرا على رميها خارج القصر لو تجرات على الاعتراض .......و هذه هي المكانة التى حددها لها الامبراطور بنفسه حتى لا تتجاوز حدودها مع ايا من آل مهران ..........لكم كانت منزلة وضيعة رضتها لنفسها ....... 
اقتربت من الباب على اطراف اصابعي و نظرت من الشق المفتوح به .......كان ادهم واقفا ظهره لامي بينما هى تحاول التظاهر بالصلابة ....الى ان التفت اليها بسرعة و أمسكها بشدة من ذراعها فارتعبت انا و شهقت بصمت بينما هتفت هي تسأله ان كان نسي انها زوجة والده .......الا انه قال لها جملة لن أنساها الى الآن 
( حلا بالذات .........تخصني انا فاياكِ ان تكرريها ايثار , والا فقسما بالله ان أرد صفعتك لكِ المرة القادمة ........دون اعتبارٍ لاحد ) 
ارتعبت مما قاله ......لا أعلم هل هو الخوف ,..... الغضب من طريقته مع أمي ....., كلمة تخصني التى ارسلت الرجفة في أوصالي ....لم أعلم ماذا قصد بها ........ 
صحيح أننى سمعته يقول بعدها بكل هدوء 
؛( لست محتاجا ان انبهك ان هذا ينطبق على سما وسابين ايضا ..غير مسموح لكِ ان تمسي أيا منهن بسوءٍ تحت سقف هذا القصر ) 
ثم اكمل بازدراء ( ولو انى أعلم انكِ لا تؤذين الا حلا ......لكن لا مانع من تحذيرك ) 
رأيت امى واقفة امامه صاغرة تحاول التظاهر بالكرامة من نظراتها الوقحة المستهينة لكنها كانت ترتجف بداخلها ......انا شعرت بذلك .....و من ذا الذى لا يرتجف حين يخاطبه وحش آل مهران بهذه الطريقة ......... 
لم ينسى سما وسابين .....لكني لم انسى انا ايضا تاكيده الاول على اننى أخصه ....... وسألت نفسي مرة أخرى ..... ماذا كان يقصد ..... 
ترى هل لو كان والدي موجودا كانت حياتي ستختلف ..... كم اتمنى ان اتذكره , وجهه يضيع مني تماما , وصوره اختفت من كل مكان .....اتذكر اننى كنت أجلس دائما على كتفين قويتين تحملانى الى السماء وانا اضحك بلهفة باسطة كفي اليها ...... 
لكن ما أتذكره جيدا ان شخصا آخر حملني على أكتافه لرؤية الالعاب السحرية .... في عيد ميلاد سابين الاسطوري بالنسبة الى باقي الاطفال والذى لم احظى بمثله ابدا ....... يومها كنت أحاول ان أرى من وسط ازدحام الاطفال الاطول منى ولم استطع رؤية اى شىء .....لكن فجأة شعرت بيدين حديديتين ترفعاني من خصري في لحظةٍ واحدة لأستقر على كتفين قويتين حتى أصبحت الرؤية مفتوحة أمامى تماما ..... لم احتج لأن انظر لأرى من كان يحملني..... فقد كنت أعلم ....... 
يوم ميلادي الثامن عشر 
لما قفزت كل هذه السنوات ؟...... لأنى لا أملك الكثير مما يثير ذكرياتي , دائما كنت مطيعة لا أسبب المشاكل .... لكنى كنت مبتهجة أحب القفز و المرح .....هههههههه احب المقالب كثيرا ..... وخاصة حين أرى سابين وقد أصابها الجنون .......فهى حين تغضب تصبح مجنونة كأمي تماما ....... لكنها ليست مؤذية مثلها فالامر لم يتعدى يوما بعض الخدوش .........ترى هل هي سعيدة الان , لم تسنح لي الفرصة أبدا لكي اخبرها اننى لم اتمنى لها سوى السعادة .....حتى وان كان هذا لا يظهر علي ...... 
المهم .....اعود الى عيد ميلادي الثامن عشر 
كان يوما فارقا بحياتى ..... على ما اعتقد , لكنى لم الحظ يومها ..... لو كنت قرات الإشارات , لو كان أحدا دلني .......... 
ساظل اتعذب بهذين الحرفين طوال حياتي .....لو .........لو ...... 
كنت قبل يوم عيد ميلادي بعدة ايام في اشد حالات تعاستي .... فقد كنت اريد الذهاب في رحلةٍ مع جامعتي .... ولم اكن قد ذهبت الى اى رحلة من قبل .......الا ان بالطبع طلبي قوبل بالرفض ..... اخبرتني امي بان طلبي مرفوض تماما منه ......قالتها بلامبالاة بالرغم من انى شعرت في نظراتها بشيءٍ من الغموض و السخرية من شيءٍ لمحته و انا لا افهم ....... 
لكنى لم اتوقف عند نظراتها الغريبة بل قررت لاول مرة ان اواجهه بطلبي بعد ان تعسف سابقا في الكثير مما يخصني ...... 
تركت امي خلفي بنظراتها غير المريحة و اندفعت يوجهني غضبي نحو حجرة المكتب التى يتواجد بها معظم الوقت بعد العمل .....دفعت الباب ودخلت دون استئذان ........فوجدته جالسا خلف المكتب يطالع اوراقه , فاهتزت شجاعتي اللحظية ما ان رفع راسه ونظر لي بهدوء فتسمرت مكانى و لم أستطع النطق ......الى ان حثني هو على الكلام بصوته الذى طالما أرعبني 
( ماذا هناك يا حلا ..........) 
ترددت ثم اخذت نفسا عميقا ثم حاولت الكلام بتخاذل 
( اخبرتني امى انك لم توافق على ذهابي الى الرحلة ) 
ظل ينظر الي بثبات ثم قال اخيرا بصوتٍ قاطع ( نعم ...... ولا مجال للجدال في هذا الموضوع ) 
تكلمت بانفعال... لكن بخوفٍ ظاهر علي ( لكن انا لا اطلب شيئا أبدا ...... عيد ميلادى بعد عدة ايام , وأنا لا تُقام لي حفلة كالتى تُقام لسابين كل سنة , فلماذا حتى الرحلة التى اتمناها , لا استطيع الذهاب فيها ) 
أخفض نظره لحظة حتى ظننته لن يكلف نفسه عناء الرد ...الا انه قال اخيرا دون ان ينظر الي 
( لست انا من يقيم تلك الحفلات السخيفة لسابين ......امك هي من تريد تعريفها للمجتمع , وكأنهم لا يعرفونها بالفعل ) 
صمت لحظة محاولا الا يظهر سخريته الواضحة من امي ثم رفع عينيه اخيرا لي قائلا بصوتٍ عميق 
( الا تعجبكِ هديتي لكِ كل سنة ............) 
ارتبكت وانا اعلم ان الاعجاب لا يناسب ما يهديه لي كل سنة ......فهو دائما ما يجلب لي شيئا رائعا كاشياء سابين ... وانا اعلم اني لم اكن لاحصل على ايا منها من اي مكان الا من عنده هو .......فلم يكن أحدا يهتم من قبل بما لدي او ما أتمناه .....الا هو 
قلت و انا اخفض صوتي بخجل 
( تعجبني جدا ......كلها , لكن أنا كنت اقصد أنى أريد ان افعل شيئا مميزا هذا العام .....ارجوك يا ادهم وافق ) 
هز رأسه برفض حتى قبل ان اكمل كلماتي , فاشتعل غضبي و انا اهتف 
( هذا ليس عدلا ...... انت تفرق بيني وبين سابين وسما في المعاملة .......انا الوحيدة الممنوعة من الرحلات و الخروج مع اصدقائى و مخالطة زملائي ......انت السبب في اني ابدو انطوائية بينهم ) 
ظل يستمع الى صراخي دون ان يرف له جفن ثم قال أخيرا بهدوءٍ مرعب 
( هل تحاولين لفت نظر أحد زملائك يا حلا ..........) 
ارتبكت للغاية و شعرت بان وجهى كاد ان ينفجر من شدة احمراره ......صحيح اننى كنت اتمنى ان اعيش قصة حب في هذه المرحلة من حياتي , لذا كنت اريد الاختلاط بالناس اكثر عليِ أجد فارسي المنتظر , لكن لم يكن هناك أحدا معينا ........فقلت بارتباك وانا اشعربخجلٍ قاتل من محادثته في موضوعٍ كهذا ...... 
( لا ..... لا طبعا , ما هذا الذي تقوله .......) 
ظل صامتا مدققا في عيني ثم قال اخيرا ( جيد ...... فلو علمت يوما يا حلا أنك ..........) 
صمت دون ان يكمل تهديده الا ان الهلع دب في اعماقي من نظرته المتوحشة ........أخيرا قال بهدوء 
( تقولين أني أفرق بينك و بين سما وسابين ..........الحقيقة أنى أعلم انهما تستطيعان الاعتماد على نفسهما ..... أما انتِ فلا تستطيعين ) 
يومها حين سمعت تبريره شعرت انه اهانني ..... لا اعلم لماذا , لكن بداخلي كنت انتظر ردا آخر غير الذى سمعته , وقد آلمني رده جدا ....ظللت صامتة انظر اليه وقد امتلات عيناي بالدموع في لحظةٍ واحدة ثم انحدرت على وجنتي بصمت ثم قلت أخيرا بهمس 
( هل فعلت يوما ما يجعلك لا تثق بي ؟.....) 
قام من خلف مكتبه و اقترب مني وعيناه لا تبتعدان عن عينيّ حتى وصل الي ثم قال لي 
( انا اثق بكِ .......لكني أخاف عليكِ اكثر ) 
لم أتمالك فضولي حين سألت بسرعة ( ولماذا لاتخاف على سابين وسما ........) 
مد يده واخذ يتلمس وجنتي ...... اذكر جيدا تلك الصاعقةِ الكهربيةِ التى اصابتني حين لمسني .... احيانا كان يقبلني على وجنتي فى أعياد ميلادى او عند نجاحي و كنت انا اقف دائما متصلبة حتى تنتهى قبلته التى تبدو كلصق طابع بريدي على وجنتي ...... 
لكن شيئا ما تغير هذه المرة ........حين خفض راسه و لامست شفتاه فكى ......كانت هذه هى المرة الاولى التى اشعر فيها اننى اصبحت امرأة , حتى اني من هول ما شعرت به اخذت انهر نفسي ..... أفيقي يا حلا انه ادهم ... هل وصل هوسك في البحث عن الحب الى هذه الدرجة .......ثم أفقت من أفكاري على صوته الذى خرج غريبا عن صوته الذى أعرفه 
(عيد ميلادٍ سعيد يا حلا .......) 
ثم شعرت بشىءٍ بارد يتسلل ليحاوط رزغي .......لاجده قد البسني سوارا ذهبيا رائعا , تتدلى منه قلوبٍ ذهبية و ملائكة .........رفعت يدي الى مستوى عينى واخذت أهزها لأسمع رنين الالعاب الذهبية وهى تقرع بعضها ........ثم رفعت نظري اليه .........وهمست 
( انه رائع .......) 
أسكتني بنفس القبلة على فكي حتى بدى وكان مذاقها قد اعجبه ..........افقت من افكاري المجنونة على صوتٍ كان بالنسبةِ لي من اقبح الأصوات ....... 
( كان يجب ان تغلقا الباب ........) 
انتفضت بشدة و انا ابتعد عن ادهم و استدير لرؤيته ........سبب كل لونٍ اسود في حياتي ....... 
طلال مهران ..... ابن عم ادهم .....ذلك العم الذى لم أعرف عنه الا انه مات في إحدى المصحات بعد صراعٍ مع خللٍ عقلي لا سبيل للشفاءِ منه .......ليرحل عن هذه الدنيا بعد ان حاول الامبراطور جاهدا اخفاءه عن حياة العائلة و المجتمع........ 
لكنه ترك نبتة مسمومة .... سممت حياتي .....طلال مهران ..... 
لطالما كرهته دون سبب ...... بل لم يكن هناك من أحبه ابدا , لذا كان يثير شفقتي في بعض الاحيان ....الى ان عرفته تماما المعرفة .....وقتها تمنيت الموت له الف مرة ......فهل توجهت كل امنياتي ناحيته ليموت بالفعل .......هل اكون انا السبب في موته بكل ما كنت احمله من كرهٍ له ......... 
منذ هذا اليوم الذى رآني فيه مع ادهم .......تغيرت نظراته لي , وكأنها اصبحت تحمل وعيدا وتهديدا ..... لا اعلم سببه ....... 
الذى أعلمه اننى بعد ان خرجت من الغرفة يومها وقبل ان ابتعد كثيرا سمعت صوتا مكتوما .... تبعه تأوه و صوت سقوط على الارض , فادركت ان ادهم ضربه بسبب ملاحظته الوقحة .....لكنى لم أعد بل صعدت السلم جريا و انا للغرابة كنت مبتسمة ...... 

أغلقت حلا مفكرتها وهى تشعر بالدوار قليلا من تلك الذكريات التى وصلت الى بداية سقوطها ......لن تستطيع ان تكمل اليوم .....فلتكمل غدا .... لاداعي لان ترهق نفسها كما قالت سمر .....آه يا سمر كم كنت أحتاجك ........ 
رفعت يدها وهزتها ثم ابتسمت .... حين سمعت صوت الرنين الناعم الذى لم تسمعه منذ خمس سنواتٍ ....... منذ ان تزوجها طلال .....لتكون اول ذكرى لها في زواجها المنكوب هو شده لهذا السوار حتى قطعه فسقط من يدها وحين اعترضت تلقت اول صفعة منه ....والتى لم تكن الأخيرة ...... 
اغمضت عينيها لا تريد العودة الآن الى مثل هذه الذكريات لقد اكتفت .........المهم أن السوار قد أُصلح ..... بعد ان كانت تخبئه طوال هذه السنوات في صندوق ذكرياتها و طفولتها ........ 
قطع صوت باب القصر تفكيرها ...... لقد وصل اخيرا ....... 
قفزت من الفراش بسرعةٍ وهى تشعر بشوقٍ غير عادي له , قامت باخفاء مفكرتها جيدا حتى لا يراها ...... ثم لم تنس ان تمر بالمرآة أولا قبل ان تنزل اليه .......لم تكن ترتدي قميص نوم مكشوفا , لكنها كانت ترتدي عباءة حريرية قرمزية فضفاضة ذات فتحة عنق مثلثة شديدة الطول والاغراء مطرزة بالخيوط الذهبية , و شقين طويلين على الجانبين يصلان الى اعلى ساقيها ......كانت مبهرة ........ 
نزلت بسرعة على السلالم وعباءتها تتطاير خلف ساقيها .....ثم اخذت تتلف يمينا و يسارا باحثة عنه الى ان وجدت باب حجرة المكتب مفتوحا قليلا و النور يخرج منها ..... 
ابتسمت حين شعرت فجأة بانها تريد ان تكمل حياتها منذ تلك اللحظة التى قبلها فيها في هذه الحجرة بالذات حين كانت في الثامنة عشر ...... أرادت ان تقص السنين التى تلت تلك اللحظة , لتبدأ من الآن .......... 
كان يمسك الهاتف حانقا يستمع الى محدثه وهو ينزع ربطة عنقه بنفاذ صبر ثم يلقيها بعيد .... هتف اخيرا بغيظ 
( اى خصوصيةٍ تلك التى تخبريني بها ؟....... انها تخصني بكل تفاصيل حياتها , اريد ان اعرف كل ما دار بينكما ...لقد انتظرت طويلا و انا اريد ان اكون على علمٍ بكل ما يجري منذ هذه اللحظة ) 

ظل يستمع قليلا ثم قال وهو يحاول السيطرة على نبرة الغضب في صوته 
( سمر ليس هذا ما اتفقنا عليه ...... ليس ان تبعديني تماما عن الصورة كما تفعلين الآن ) 
صرخ مرة اخرى ( اريد ان اعرف كل شيء .... اريد ان اسمع كل حرف ) 
(ادهم .....) صمت وهو يلتفت بسرعة الى صوت حلا الدافىء الذى افزعه , نظر اليها ليرى ان كانت قد سمعته لكن لم يظهر على وجهها الا بعض القلق فاغلق الخط دون تفكير .......... 

اقتربت حلا منه بهدوء وهى تهمس 
؛( ماذا حدث يا ادهم لقد كنت غاضبا بشدة ..........هل لديك مشاكل في عملك ) 
تنفس الصعداء ثم قال اخيرا بهدوء 
( نعم يا حلا لدي بعض المشاكل ........) 
صمت حين وعى الى منظرها المذهل والذى لم ينتبه اليه من شدة خوفه ان تكون قد سمعته , فاخذ نفسا عميقا وهو يجري عليها بنظراته الشغوفة صعودا و نزولا متلكئا ليزداد الشوق بداخله من تلك الاميرةِ العربيةِ التى خرجت للتو من كتبِ التاريخ ........ 
استطاع اخيرا ان يهمس حين وجد صوته 
( ما أجملكِ يا حلا .......لطالما كان مجرد النظر اليكِ بهجة لي ) اتسعت عيناها البريئتان قليلا ثم اتجهت اليه ببطء حتى وصلت اليه و رفعت نظراتها المشتاقة اليه ثم همست 
( لقد اشتقت اليك ...........) 
ابتسم ابتسامة اذابتها و مد يده ليتلمس وجنتها بحنان وهو يقول بصوتٍ اجش 
؛( هل تأخرت عليكِ اليوم ؟..........) 
أمالت راسها لتسند خدها على كفه ثم همست وهى تغمض عينيها 
( بل انا التى تأخرت عليك ...........) 
امسك بذقنها ليرفع رأسها اليه ثم قال متحيرا 
( كيف تأخرتِ لم افهم ..........) 
رفعت ذراعيها الى خلف عنقه فسقطت اكمامها الهفهافة حتى كتفيها ثم استطالت على أطراف أصابعها لتهمس أمام شفتيه 
(كان هناك حديثا بيننا لم ينتهي منذ ما يقرب من سبع سنوات ..هنا ..في نفس هذا المكان.................) 
ظهر الالم جليا بعينيه وارتعشت عضلة بجانب فكه فعرفت انه تذكر تماما تلك الليلة ......فقالت و شجاعتها تتزايد اكثر و اكثر 
( هل تتذكر ؟.........قلت لي انك تخاف علي ...... قبلتني على خدي كما لم تقبلني من قبل ) 
ارتفعت اكثر لتقبل وجنته بكل نعومةٍ ورقة ...... ثم ابقت شفتيها ملاصقتان لفكه القاسي وكانها بهذا تعود لتلك الليلة لتطلب منه الصفح ...همست فوق بشرته 
(قبلني كما قبلتني تلك الليلة .........لم أفهم وقتها ....سامحني ... سامحني ارجوك ...لم أفهم ..... اعطني فرصة أخيرة و اعدني الى تلك اللحظة وانا سافهم هذه المرة .......اعدك انني سافهم ) 
تحشرج صوتها وكاد ان يختفي في آخر كلماتها وهى تشعر بغصةٍ في حلقها 
أحاط خصرها بكفيه وهو يشدها اكثر اليه و ينظر الي عينيها المبللتين ........ثم أخفض رأسه ليقبل جانب فكها بقبلةٍ................. دمغتها باسم ادهم مهران للابد ......... 
انهمرت دموع




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close