أخر الاخبار

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الحادي والعشرون21والثاني والعشرون22 بقلم تميمه نبيل


 رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الحادي والعشرون21والثاني والعشرون22 بقلم تميمه نبيل


كانت سما جاثية على ركبتيها أمام ساقي ايثار الجالسة تحدق أمامها بشرود ...فحاولت مرة أخرى و هي تربت برقة على ركبتها قائلة بعطف 

( أمي ماذا بكِ ؟.........لماذا لا تتكلمين معي ؟........ هل حدث شيء ؟......)

ظلت ايثار صامتة تنظر الى البعيد ....عيناها شردتان مكسورتان , حتى كادت سما الا تتعرف اليها , إنها المرة الأولى التى ترى فيها أمها بهذه الصورة ......

أول مرة لا ترى اللهب الأزرق المنبعث من عينيها ليحل محله ذلك الإنكسار الغريب .... هل بدأت ايثار الراشد تفقد قوتها .... شعرت دائما أن هذا ما لن يحدث أبدا , فايثار التى عرفتها لا مكان للضعف أو الإنكسار في قاموسها ....

مدت أصابعها لتتلمس وجنة ايثار التى ازرقت قليلا ثم همست

( ما هذا ؟......هل ارتطمتِ بشيء ؟....... هل أنتِ مريضة امي ؟ هل شعرتِ بالإغماء و سقطتِ ؟.......)

( سما نحن هنا مما يقارب الساعة ولا أسمع أي تجاوب منها .... كما أنه من الواضح أن سابين لم تأتِ الى هنا......فلنذهب )

رفت سما رأسها اليه لتنظر بغضبٍ الى قسوة ملامحه ولامبالاته ......الا أنها أخذت نفسا عميقا لتسيطر على نفسها ثم عادت لتنظر الى ايثار قائلة برقة

( أمي هل تعرفين أين هي سابين ..... احمد مهران يبحث عنها كالمجنون في كل مكان , أنا قلقة عليها للغاية ..... هل هذا ما يشغل بالك أنتِ ايضا ؟ هل أنتِ قلقة عليها ؟...اطمئني فمهما كان قلقي انا ايضا , لكني اعرف ان سابين قوية و لن تتهور ابدا )

قاطعتها ضحكة هازئة من فارس لم يستطع كتمها ......فنظرت اليه بحنقٍ و قالت بهدوءٍ قدر الامكان

( فارس .... من فضلك ... الا ترى أن الوضع لا يتحمل سخريتك )

انعقد حاجباه بغضب و اتخفت السخرية من عينيه و ظهرت القسوة بهما و هو يقول بغضب

( وما دخلي أنا بهذا الوضع ؟.......إن أرادت أختك الرحيل فلترحل و سيكون احمد وقتها هو الرابح .........)

لمعت عيناها بغضبٍ أشد من غضبه و لم تستطع تمالك نفسها و هي تقول محتدة

( فارس الم تستطع تقديم دعمك فلتنزل و تنتظرني في السيارة ...............الا ترى أن أمي قلقة و متعبه للغاية ؟.......)

صدرت عنه ضحكة عالية مستهزئة خالية من كل أنواع المرح أجفلتها .......ثم عاد ليقول بشراسة

( من تلك التى تقلق ؟ ....ايثار ؟؟.......يبدو أنك لا تعرفين أمك جيدا , إنها لا تملك أي ذرة أمومة .... لا تعرف معنى الكلمة أصلا .... هل تتوقعين مني أن أصدق أن تلك التى باعتك و أنتِ أكبر قليلا من طفلة و لم تسأل عنكِ بعدها أبدا ...من الممكن أن تقلق على أيا كان غير نفسها ؟........)

نظرت اليه سما واجمة متألمة من شدة قسوته .....ها هو يعود لينكأ الجرح القديم , أما من حدٍ لقسوة قلبه .....الا يرى أنه يؤلمها بتطرقه للماضي .... الهذه الدرجة أحبت شخصا أعمى القلب .......

لكن قبل أن تنطق بحرفٍ واحد شعرت بايثار تنهض واقفة لتتعداها , ثم أخذت تصفق بيديها ببطءٍ شديد وهي تقول بفحيح الأفعى وقد عادت اللمعة الشريرة الى عينيها الحاقدتين

( رائع ....... رائع , أن أسمع فارس مهران وهو يقيم أدائي كأم ......تشعر الآن بأنك البطل الذى أنقذ سما الصغيرة مني اليس كذلك ؟)

اشتدت القسوة أكثر و أكثر في عينيه حتى بات شكله مخيفا وهو يستمع الى همسها الذي يبث السم في عروقه .........بينما أكملت همسها الشرس

( لكن قبل أن تتكلم بهذه الثقة فلتقم بسداد كل ديونك عن دورك في هذه الصفقة ِ القذرة )

أخذت سما تنقل عينيها بينهما و شرارات الغضب و الغل تتذبذب بينهما ...... تشعر ان هناك اسوا مما عرفته يوما منهما .... ابتلعت ريقها وهي تدعو الله الا تسوء الامور أكثر , فقلبها لم يعد يحتمل المزيد من الجراح .........الى أن تكلمت ايثار مطلقة طلقاتها الى صدر سما متتالية

( يبدو أنك نسيت ..... او تناسيت ......أن دورك في (صفقة الشراء ) كما تسميها ....... ينتهي في خلال ثلاث سنوات )

اتسعت عينا فارس قليلا و توقفت أنفاسه و هو يحاول التقاط أي اشارة من سما التي كانت تستمع اليهما بكل انتباه ........لكن ايثار لم ترأف بها وهي تتابع بوحشية

( ارتديت درع الفارس و خطفتها بعيدا وأنت توهمها بأنك المنقذ المغوار ........ في حين لم تخبرها أنك أنت و أباك قد اتفقتما معي على أن زواجكما لن يطول عن ثلاث سنوات أو أقل .......إن استعدت بصرك )

ذهلت سما وهي تتلقى هذا الخنجر المسموم في قلبها ثم هزت رأسها قليلا تحاول اقناع نفسها بأنها لم تسمع ما سمعته للتو ......لكن ايثار لم تعطها الفرصة بل تابعت

( لقد دفعتما ثمن ثلاث سنواتٍ من حياة ابنتي ........ و أكد لي والدك وكنت أنت حاضرا, أنها ستعود الي بعد هذه الفترة لتتابع حياتها و دراستها ...... لكن ها أنت تتفاخر و تتباهى بأنك البطل الوحيد هنا , لذا فبما أننا قد كشفنا أوراقنا ..... اذن أظن أنه من العدل أن تعترف بأن زوجة دائمة و في مثل حالتك ...هي أغلى ثمنا من زوجةٍ مؤقته استخدمتها كمسكن لأوجاعك )

( اخرسي .......)

انطلقت صرخة فارس المتوحشة من أعماق حنجرته ....... ثم خفض صوته وهو يهمس مترجيا

( سما ......)

كانت سما لا تزال جاثية على ركبتيها على الأرض تتطلع الي كلا منهما بنظرةٍ ميتةٍ لا حياة فيها .......صمت ......صمت .......فراغ أسود هائلا أحاط بها ........... الى أن جعلتها همسته الضعيفة تعود لتتطلع الى وجهه وكأنها تراه لأول مرة ........

قال فارس بصعوبةٍ وهو يشعر بألمها ينفذ الى قلبه دون أن تصدر صوتا

( سما ..... ليس الأمر بهذا الشكل ..... إنها مغرضة ملعونة لا تدعيها ......)

همست سما بكل هدوء و هي تقاطعه

( لا أدعها ماذا يا فارس ؟.........تخرب زواجنا ؟.........لكن حسب ما فهمته الآن , أن زواجنا قد انتهت صلاحيته منذ عدة أشهر )

همس فارس متأوها ( لا .....) الا أن سما لم تعطه الفرصة للكلام فنهضت واقفة وهي تتابع بهدوءٍ أكثر خطرا

( ثلاث سنوات ؟؟ ...... و أنا التي كنت أظن أنني أهب حياتي لشخصٍ بحاجةٍ الي ........حرمتموني من دراستي و نفيتموني بعيدا .......من أجل ثلاث سنوات فقط ؟؟............ما اسم هذا الزواج ؟..... زواج متعة اليس كذلك ؟؟.......أم زواج مصلحة ؟؟.......أم هو مجرد مسكن كما قالت امي ؟؟)

صرخ فارس بعصبية ( لا تدعينها بكلمة امي .......حتى الحيوانات تمتلك من الامومة يفوق ما تمتلكه هي )

ظلت سما واقفة أمامه تنظر اليه ...... ملامحها لم تتغير أبدا ...... لكن قلبها تحطم الى الف قطعةٍ ليسحقها بقدمه ..........

وقد كانت تظن أن حظها أهون من حظ حلا .......كانت تظن أنها قدمت حياتها في سبيل انسانٍ احتاجها يوما .......انسانا عشقته بكل جوارحها ......بينما هي كانت مجرد لعبة مؤقتة ليلهو بها فارس آل مهران .........الأسد أعمى القلب و الروح ........

بعد أن أصبح الصمت لفترة ٍطويلة هو الوحيد المسموع صوته بينهم بعباءته الخانقة قررت سما أخيرا قطعه قائلة بكل حزم

( بما أن فترة ايجاري قد انتهت يا فارس , فأنا الآن حرة تماما ....... لذا ..... فأنا سأبقى معك ........لأنك تحتاجني ......لكني سأكون مسؤولة عن كلِ قرارٍ يخص حياتي من الآن ....و أولها أنني سأتابع دراستي ......أما موضوع الأطفال فاطمئنك أنني لم أعد أريد أطفالك بعد الآن .......)

عاد الصمت ليسود مرة أخرى بعد كلماتها الحاسمة .......شعر فارس بعدها بقبضةٍ ثلجية اعتصرت صدره ..........فقد أصابته كلماتها في مقتل ..... سأبقى معك لأنك تحتاجني ........لا أريد أطفالك بعد الآن .........

في لحظةٍ واحدة انهارت كل أسواره العالية التي بناها حول قلبه الظالم .... طعنته بكلماتها البسيطة أكثر مما لو كانت استخدمت سكينا لتغرسه بقلبه ...بكرامته .....برجولته ....

احساسا فظيعا أن يشعر المرء بالعجز و الحاجة .....و ها هو أسد آل مهران يقف ذليلا مقهورا أمام شابة صغيرة , تملي عليه شروطها لتبقى معه ...... تخبره بكل وضوح أن الرابط الذى لا ينفصم و الذى كانت تترجى من أجله منذ ساعاتٍ قليلة ...أصبح غيرِ ذا اهمية بالنسبةِ اليها ......

إن كان هو اشتراها منذ ثلاث سنوات فقد أوضحت له الآن بكل ثقةٍ أنها على استعدادٍ لبيعه بنفس بساطة شراؤها ......ها هي الصغيرة تكبر و تملي الشروط ..... ها قد جاء يوما كان ينتظره من أول يومٍ لهما معا .... أخذ يحثها و يدفعها لتقف الآن أمامه بكل هدوئها و ثقتها ......

قال أخيرا بصوتٍ أجش قاسٍ

( وماذا لو رفضت ؟............)

صمتٍ لعدة لحظاتٍ كان كفيلا باشعال النار بقلبه و تدمير أعصابه تماما الا أنه أبى أن يظهر أيا من ذا على ملامحه القاسية ....الى أن نطقت سما بصوتٍ ورث في لحظةٍ واحدة جينات فحيح الأفاعي وهي تهمس

( اذن .......لن يكون أمامنا الا حلا واحدا .....أن نجدد عقد شرائي من جديد ...... لقد انتهت الثلاث سنوات يا فارس , فلتدفع اذن ثمن السنوات القادمة )

القت سما قنبلتها المدوية في المكان لتثير ذهول ايثار ...و روح غضبٍ شرسٍ هاجعة بداخله ...هل هذه هي سما فعلا من تكلمت ؟....أم أنها ايثار ؟..... أصبح غير متأكدا من الصوتِ فجأة ......لكن حتى و إن كانت ايثار ..... فإن سما لم تقفز لتمحو كلامها البشع .....اذن فما سمعه صحيح ......ودون أن يفكر مرتين قال بكل هدوء

( لا داعي لذلك ......لقد أصبحتِ بضاعة مستهلكة بالنسبةِ لي )

غامت عيناها فقد علمت الجواب مسبقا ..... لآخر لحظةٍ كانت تعتقد أنه سينتفض صارخا محطما جاذبا إياها .. حتى ولو من شعرها ...لكن ليخبرها أنها له و أن أيا من جنونها الذي نطقت به لن يخدعه و لن يبعده عنها ......

لكن ها هو استسلم بمنتهى الضعف .... صدقها الأعمى بمنتهى الغباء .... وكأنه كان يعيش مع أخرى غيرها لاكثر من ثلاث سنوات .....لم يعرفها يوما..... لم يشعر بحبها أبدا ........

همست أخيرا وهي تكاد تنازع الموت ( اذن لم يعد هناك ما يقال بيننا ......)

أوما رأسه قائلا بصوتٍ مختنق ( نعم ...)

ثم أكمل بعد أن أخذ نفسا محاولا به أن يهدىء من ضربات قلبه الممزقة

( سأغادر الآن ...... لا تنزلي معي سأستقل سيارة أجرة ..........البيت مفتوحا لكِ في أي وقت ....... إن أردتِ أخذ أشيائك )

ثم غادر ببطءٍ حين لم يتلقى ردا على كلماته الوقحة القاسية .... لكنها ليست اكثر قسوة من كلماتها ......غادر تاركا خلفه قطعة من قلبه ...القطعة الأحلى و الأغلى ......قطعة الحلوى التي لم يذق منها سوى طعم السعادة ...... صغيرته و أمه التى لم يرها سوى من خلال عطرها الناعم .......تلك السحابة التى ظللت أيامه بألوان الطيف .....

ها قد حانت اللحظة التى سعى اليها بكل جهده ..... لحظة رحيلها من حياته , بعد أن حول براءتها الى قسوةٍ اكتسبتها منه ......

ها قد دمر الشيء الجميل الوحيد الموجود بهذا العالم .......ايثار بنفسها لم تنجح في ما نجح هو ......ظلمها كثيرا فكان يغذي وحشا صغيرا بداخلها......لم يعد لديه سوى الرحيل فلربما تستعيد سماه ما دمره بعجزه و عماه .........

بعد أن أغلق الباب خلفه بهدوء اقتربت ايثار منها لتلمس أنهار الدموع المنسابة على وجنتها بنعومةٍ هامسة

( أخبرتك سابقا أنه سيعود دوما ...... من ذا الذى يستطيع الابتعاد عن سما الراشد )

رفعت سما يدها لتقبض على يد ايثار بقوةٍ كادت أن تحطم أصابعها .... ثم التفتت لتنظر اليها بعيني نمرةٍ صغيرة و هي تقول بصلابة

( حان الوقت لترحلي أنتِ أيضا من حياتي .....لقد اكتفيت منكِ ...........يا ايثار الراشد )

ثم رمت يدها بعيدا لتندفع آخذة حقيبتها ... خارجة هي الأخرى من هذا المكان الذي شهد اغتيال روحها ........ بيديهما معا ........

.................................................. .................................................. ..........................................

كان يصعد السلم بتثاقل ممسكا بسياجه .... لا يذكر يوما أنه كان متعبا مهزوما كما هو الآن .......

يوما طويلا من الألم و الإجهاد و نيران الغضب التي اندلعت بأعماقه ..... حلا التي أراها وجها لم يره الا أشد اعداؤه .... وجها كان يخفيه عمن حوله ... الوجه الخفي الذي يتسم به كل رجل من رجال آل مهران ......

قاطع صوت السيدة اسراء أفكاره السوداء و هي تقول بصرامة

( سيد ادهم .......لقد أغلقت الباب على السيدة حلا طوال اليوم دون حتى أن تعطيني المفتاح , لم أستطع حتى أن أدخل لها الطعام ....أنا لن أقبل بهذا أبدا ..... كما لن يقبل به أي شخص في قلبه ذرةٍ من رحمة )

التفت ادهم اليها ببطء ليرسل اليها نظرة كفيلة بإلقاء الرعب في قلبها .... الا إنها رفضت هذا الارهاب و وقفت أمامه بصلابة مصرة على موقفها

فقال ادهم بصوتٍ خفيضٍ مرعب ( سيدة اسراء .... هل تعتقدين أنه من الحكمة أن توجهي الي أي نقد , بعد أن فشلتِ تماما فيما أنتِ هنا من أجله )

ظلت السيدة اسراء مكانها بثبات ترفض أن يجرها للحديث عن هذا الشخص الذى وظفه بنفسه و قبل أن تأتي هي الى هنا

انتظرت عدة لحظاتٍ حتى تأكدت أنه يحاول التحكم بنفسه ثم قالت باحترامٍ حاسم

( سيدي ...... مهما كان ماحدث فالسيدة حلا ضعيفة للغاية وقابلة للإنكسار في أي لحظة و هذا الأسلوب سيعجل من انهيارها ... لقد اتصلت السيدة سمر اليوم أكثر من عشر مرات لتطمئن عليها , لأنها لا تستطيع الوصول اليك ..... حتى أنها كانت تنوي المجيء الى هنا لكن غيرت رأيها و بلغتني أن أوصل لك رسالة بأن السيدة حلا لن تحتمل طويلا ما يحدث و قد يحدث ما لا يحمد عقباه )

غطى ادهم عينيه بيده و هو يزفر بعنف ثم قال هادرا بعد لحظة

( لما لا تتركوني أتصرف مع زوجتي و تبتعدوا كلكم عنا ..... هل هذا طلبا صعبا للغاية ؟)

قالت السيدة اسراء بقوةٍ تحاول الدفاع عن منطقها

( لا تنسى أنك أنت من استعان بنا في البداية يا سيد ادهم )

نظر اليها بدهشةٍ وعيناه تلمعان بوحشية

( يبدو أنني أعطيتك سلطة أكثر من اللازم , فأنتِ تنسين أنكِ مجرد موظفة هنا )

قالت السيدة اسراء بنفس الحزم

( تستطيع أن تسحب هذه الوظيفة وقت تشاء يا سيد ادهم ..... لكن حتى هذا الحين فأنا أرفض أن أبقى تحت سقفٍ واحد مع السيدة حلا وهي تعامل بهذه الطريقة ...... إن حدث وانهارت أمام عيني فلن أسامح نفسي أبدا )

أغمض ادهم عينيه وهو يشعر بأنه قريب من الموت في هذه اللحظة ثم قال بعد أن أخذ نفسا عميقا

( أحضري طعام حلا الى الغرفة ......)

ثم نظر اليها نظرة قاسية لتمتنع عن الاحتجاج الذى كانت ستتفوه به , فلم تجد بدا من تنفيذ ما أمر به فشكله يوحي بأن أي جدلٍ آخر معه سينتهي بكارثةٍ أخرى و قد تتحمل عواقبها حلا , فذهبت مسرعة للمطبخ لتحضر طعام تلك المسيكنة التي لم تذق شيئا منذ الصباح الباكر

دخل ادهم الى الغرفة وقلبه يسابق عيناه في البحث عنها .. سبب كل تعبٍ ألم به منذ سنين عديدة .. صغيرته التي يتسابق الكل في محاولة خطفها منه ......

عثرت عليها عيناه وهي لاتزال في نفس مكانها جالسة على الأرض تسند رأسها على ركبتيها .... اقترب منها ببطءٍ حتى وصل اليها ثم هبط يجلس القرفصاء الى جانبها لكن دون أن ترفع رأسها فعلم أنها راحت في سباتٍ عميق من شدة التعب ...

شعر بحجرٍ مدبب قابع في حنجرته وهو ينظر الى الرأس المحني ذو الخصلاتِ الناعمةِ المنسدلة .... فمد يده ببطءٍ ليتلمس قمة رأسها بحنان و هو يشعر بقلبه يرق لها ولضعفها ....

رفعت رأسها بقلق تنظر أمامها بعينين ذابلتين متورمتين مظللتين بالنعاس و ما أن أفاقت تماما و رأت وجه ادهم القاسي أمامها حتى صرخت مجفلة قبل أن تستطيع منع نفسها .....

ذهل ادهم من تصرفها , فهو لم يؤذها جسديا لتصرخ عند رؤيتها له بمثل هذا الفزع ......حاول تهدئتها وهو يربت على وجنتها برفق مبعدا شعرها خلف أذنها ........ثم همس بجفاء

( اهدئي ......إنه أنا .... لن اؤذيكِ )

ظلت عدة لحظات في نفس نظرة الرعب الى أن غادر النعاس عينيها تماما و أفاقت على صوت ادهم الخشن فابتلعت ريقها بصعوبة و هي تنتظر ما سيحل بها تاليا ...... فقال ادهم أخيرا بنفس الجفاء

( اخلعي ملابسك لأنظف لك هذه الجروح )

للحظة لم تستوعب ما يقول .... أي جروح .....فتابع ادهم و هو يلمس ركبتها المجروحة

( لقد سقطت ِ عدة مرات ......)

نظرت الى يده على ركبتها وقد هزتها لمسته حتى الأعماق ثم عادت لترفع نظرها الى عينيه مستجدية منه نظرة من نظراته المحبة التى أدمنتها .... الا أن نظرة الجفاء الساكنة في عينيه صدمتها فهمست باسمه بضعف .........

لكنه نهض واقفا مادا يده اليها فأمسكت كفه القوية التى التقطتها لتنهض هي الأخرى على قدميها الا إنها ما أن وقفت حتى انتابها دوارا عنيفا في لحظةٍ واحدة و كادت أن تسقط لولا أنه تلقاها بين ذراعيه بسرعةٍ و حملها الي الفراش ثم همس بقلق

( حلا ..... هل أنتِ متعبة ؟...... هل أحضر لك طبيب ؟)

هزت راسها نفيا بسرعة و هي تدفن وجهها في صدره هامسة بنشيج

( لا أريد أي طبيب ...... لا أريد الا أنت , لا تعاملني بهذا الجفاء .... أرجوك )

ضمها الى صدره لحظاتٍ طويلة وهو يربت على رأسها برفق الى أن هدأت قليلا ثم أبعدها عنه ليحملها مرة أخرى الى الحمام فساعدها على خلع ملابسها المغبرة و طهر جروحها و بعد أن انتهت من استحمامها كان قد حضر لها ملابس نومٍ نظيفة مريحة لترتديها ....و بعد أن عادت الى الفراش وهو يسندها بذراعيه جلس خلفها و أخذ يمشط لها شعرها الطويل الى أن جاءت السيدة اسراء تحمل معها الطعام ....

تقابلت نظرة السيدة اسراء الحانية مع نظرة حلا المتوسلة فأومأت لها برأسها تخبرها بصمت أنها هنا و ستظل بجوارها و لن ترحل و تتركها أبدا ..... ثم وضعت الطعام على طاولة قريبةٍ حينها كان ادهم انتهى من تمشيط شعر حلا و ربطه لها فقالت السيدة اسراء بادب

( لو سمحت لي يا سيد ادهم ..... سأساعد السيدة حلا على تناول طعامها )

قال ادهم بنبرةٍ قاطعة ( شكرا سيدة اسراء .......... أنا سأساعدها , بإمكانك الإنصراف )

زمت السيدة اسراء شفتيها بغضب و هي مستاءة من هذا التعنت الا إنها لم تجد بدا من الإنصراف , خاصة بعد أن رأته يمشط لها شعرها فاطمئنت قليلا و هي تراه يعود الى ادهم الذى عهدته يعتني بحلا دائما .......

بعد انصراف السيدة اسراء وضع ادهم صينية الطعام على الفراش أمام حلا ثم دون أي كلام أخذ يطعمها بيده وكأنه يتحداها أن ترفض الطعام ......ففتحت فمها وهي تلتقط الطعام من يده مباشرة ....... كان الطاعم يبدو كقطع الأخشاب في فمها لكن ذلك لم يجعلها تتوقف أبدا ..... كيف تتوقف و هي تشعر أنها عادت للحياةِ مرة أخرى بملمس أصابعه على شفتيها ......

حين انهت صحنها كله مر بإصبعه على شفتها السفلى يمسحها ليقول بصوتٍ أجش

( يبدو أنكِ كنتِ جائعة تماما ...... لم أشعر بمرور الوقت )

ظلت تنظر اليه دون ان تجيب للحظات ثم همست أخيرا و عينيها تتوسلانِ عينيه

( لقد فقدت ثقتك ...... اليس كذلك ؟....... لقد أفسدت كل ماكان بيننا )

نظر اليها ادهم بعينين متالمتين فتابعت حلا برجاء و استعطاف

( اقسم لك يا ادهم انني لم أفعل ما يسيء اليك .......اقسم بالله )

قال بقسوةٍ بعد لحظةٍ انهارت أعصابها فيها ( لو كنت أشك للحظة واحدة أنكِ فعلتِ ما يسيء الي ... لما ظللتِ على قيد الحياةِ للحظةٍ واحدة )

عادت لتبكي من جديد بعد ان كانت ظنت ان عيناها نضبتا من الدموع و أخذت ترتجف بشدةٍ من قسوته الذى لم ترى منها الكثير بعد ...... ترى هل من الممكن أن يذيقها القليل مما أذاقها طلال .... فهي رأته قادرا تماما على إرتداء قناعِ الوحشية حين تعامل مع الحقير الذى إعتبرته صديقا يوما ما .......فمتى سيحين دورها .....

لكن الأهم ماذا سيفعل معه ؟...... كل ما يدمرها حاليا ان يتهور ادهم معه و تكون هي السبب في تورطه بجريمة ..... هل من الممكن أن يقتله بالفعل ؟..........

عاد نحيبها ليتعالى أكثر و أكثر فبدت في حالةٍ هيستيريةٍ ميؤس منها فامسكها ادهم من ذراعيها ليهزها قليلا و هو يقول بخشونة

( توقفي حالا يا حلا ..... ماذا فعلت لكِ الآن ؟؟ )

لم تستطع التوقف فرفعت كفيها لتغطي بهما وجهها ....لكنه امسك بيدها ليقول بعد لحظةٍ بقسوة

( لماذا لم تضعي خاتمك الى الآن ؟.........)

رفعت رأسها اليه و قالت بتقطع من بين كلِ شهقةٍ و أخرى

( وما ..... الفائدة ؟؟....... مادمت ستتركني ......في النهاية )

أمسك بذقنها لينظر في عينيها و هو يقول بصرامة ( فلتنسي كل هذا الهراء المتعلق بتركي لكِ ..... لأنه لن يحدث )

همست و هي ترتجف ( كيف عرفت قصة الخاتم ؟.... و ال .....الأسطوانة ؟.........بل كيف عرفت ذلك ال .......يا الهي كنت تعلم كل شيءٍ عني ..... وانا التى كنت اظن انني ابعدتك تماما عما فات ......... يا الهي )

ترك ذقنها و قام من الفراش لينظر من النافذة بأسى .. ثم قال بعد فترة

( انا أعرف عنكِ كل شيء يا حلا ...... كل ماحدث لكِ و أنتِ بعيدة عني ...... لقد جعلت ذلك شغلي الشاغل منذ ان تزوجتك و ربما من قبلها أيضا .......)

همست حلا من بين دموعها بذهول ( لم تشعِرني يوما بأنك تنفر مني .....بالرغم من أنك كنت تعلم )

قال ببطءٍ دون أن ينظر اليها ( لأنني لم أشعر بالنفور منكِ يوما ...... كنت أظن أنني أوصلت هذه النقطة اليكِ حتى باتت واضحة تماما )

ظلت تنظر الى ظهره بصمت تحاول استيعاب ما قاله الى أن تابع

( و الخاتم لم أره في إصبعك هذا الصباح حين عودتك.... وفي لحظة جنون اعتقدت أنكِ خلعته بارادتك حين كنتِ ..........., لكن بعدها علمت أنه مع ايثار )

همست وهي تبكي برعب من ردة فعله ( ادهم ...... تلك الاسطوانة , يوجد منها نسخ أخرى .........من الممكن أن تنتشر بين كل من تعرفهم , لذلك أعطيت الخاتم لأمي ...... لأن من أرسلها يريد ثمنها ........ وأنا لم يكن لدي أي مال .....)

صدرت عنه ضحكة هازئة صغيرة وو صلتها همسته المشمئزة ( كنت أعلم .........)

ثم أخذ نفسا عميقا و قال ( لا تقلقي يا حلا ..... لا توجد أي نسخ أخرى مع هذا المرسل الخفي ...... وحتى وإن وجدت و انتشرت فأنا لا أهتم .......لقد كنتِ شجاعة بما يكفي لتحملك ما سبق و النجاة منه سالمة .......لن أحاسبك أبدا على الماضي )

استمرت دموعها في الإنهمار على وجنتيها و هي تنظر الى ذلك الوحش الذى عشقته بكل كيانها ....و الذى لم تثق به لتأتمنه هو دون غيره ...........

كيف كانت بمثل هذا الغباء ... كيف آمنت لشخصٍ غريب .. وكيف جرحت ادهم هذا الجرح .. هل لهذه الدرجة كانت مختلة , هل لهذه الدرجة لم تستطع التمييز بين الصواب و الخطأ ....

نهضت من مكانها بإعياء و هي تتجه اليه ببطء الى أن اقتربت منه فوقفت خلفه تماما تستنشق عطر رجولته الذى أسكرها .... كيف ستحيا بدونه لو تركها ...آآآآه.... كيف ستتنفس بدونه .....

همست أخيرا بصوتٍ ضعيفٍ متوسل لا يكاد يصل الى أذنيه

(, أقسم لك أننى لم أفعل ما يخجلك مني أبدا .... أقسم لك , لقد كنت متعبة للغاية يا ادهم ... كنت أحتاج فقط الى شخص ... أى شخص ...أستطيع التحدث معه , أكلمه كالناس الطبيعين ....لم أكن في حالتي الطبيعية أبدا , كنت قد نسيت منذ زمن كيف أتعامل مع البشر .....وحين ظهر هو ....وجدت أن الأمر ليس مستحيلا , تخيلت نفسي و قد أصبحت طبيعية تماما , و أستطيع الإختلاط بالناس مجددا ...أحببت زراعة الورود .... أحببت شعورا يسمى الصداقة دون أى أغراض ....أحببت أننى لم أخافه مثلما فعلت مع كل الرجال الذين عرفتهم فتخيلت أنني قد بدأت في التعافي ....و منذ فترة وأنا أشعر أننى أتحسن أكثر فأكثر ..... فتوقفت عن التحدث اليه تماما..............الى أن احتجت لمساعدته ..............لم أستطع اللجوء اليك...... اعتقدت أننى أجنبك ما لن تستطيع تحمله ...أعرف كم يؤلمك أننى كنت لغيرك يوما ما ......كنت لا تستطيع تحمل كلماتي عما مضى ,وقد كان جزءا يسيرا مما حدث لي..... , فكيف اذا علمت بكل شيء ؟؟...لم أجد الجرأة لأواجهك بحلا التى لم تعرفها ....و التى تلوثت كثيرا بعيدا عنك .....

أنا آسفة .... أنا حقا آسفة ..........)

خرج اعتذارها الاخير كمجرد تأوه ناعم يختلط بدموعها..... بينما ظل هو موليا ظهره لها , لا يتحرك ........ يستمع الى كل كلمةٍ خرجت من شفتيها محملة بعذابها لتمزق نياط قلبه , .....إنها أطول مرة تحدثت فيها اليه .......لكنه يشعر بأنه يستمع الى انسانة غريبة عنه تماما .....ادعى كثيرا بكل صلف و غرور أنه المسؤول الوحيد عنها ....أنه هو من رباها ....أنه أخاها و أباها و حبيبها .....لكن هل فاته ان يكون صديقها ؟...... هل كان هذا مهما لديها الى هذا الحد ؟......هل أعطاها كل ما أعطاه لكن دون دعمه ؟؟ ...هل فكر فقط في ألمه هو حين كانت تبدأ في الكلام فلم تلمس منه القدرة على الإستماع اليها ..لذا لجأ الى سمر ؟؟.. رمى حمله الى من يستطيع تحمله ؟؟ صحيح أنها كانت تحتاج لمساعدةٍ طبية.......... لكن سمر شكلت لها أكثر من ذلك ........

علم من سمر عن مدى احتياجها لعلاقاتٍ انسانية في حياتها .... وهذا ما ساعد في ان تندفع اليها بكل كيانها ......

كم كان يائسا في البداية ,.متأكدا ان حلا لن تتجاوب معها ...الا أن ما أذهله هو سقوط حلا بمنتهى السهوله في أحضان سمر التى ضمتها أكثر ربما من أحضانه هو .......

هل تعلم أنه ما أن تبدأ سمر في اخباره بمدى تطور العلاقة بينها و بين حلا ........حتى يشعر بغيرةٍ قاتلةٍ تدب في أعماقه .....

هزأ من نفسه ..... وحش آل مهران يشعر بالغيرة من لجوء صغيرته لغيره ..... حتى ولو كانت طبيبة .... وحتى لو كان هو من استعان بها ....ليفاجأ بعدها باستعدادها للجوء الى أيا كان ......

ابتلع غصة في حلقه حين و صل الى ذلك مرة أخرى ....كيف سيتجاوز ما حدث .....إنه يعلم جيدا بالخطةِ المحكمة و التى نسجوها حولها .....لكن ما لا يستطيع أن يغفره هو سقوطها بمنتهى السهولة لشخصٍ غريبٍ حقير و من دون علمه ........

كان تائها في افكاره ... حين وصله صوتا غريبا عن صوتها ..صوتا لائما مغدورا حين همست

(لكن أنت أيضا قتلتني يا ادهم ..... ليلة أمس أعطيتني وعود حبك , اعطيتني أملا جديدا لأحيا من أجله ...... بينما أنت تخطط لقتلي دون رحمة)

التفت اليها ببطء لينظر اليها بحيرة وكأنه ينظر الى مختلة عقليا ..... فأكملت هامسة تتأوه بعذاب

( لقد علمت .... لقد علمت يا ادهم ....... لماذا أخفيت عني ؟...هل كنت تظن أنك ستجرحني ؟..... مهما كنت سأتالم فهو لا يوازي ما أشعر به الآن من غدرٍ من جهتك ......كنت أعلم في داخلي أنك تستحق الأفضل ..هيأت نفسي لذلك كثيرا .. لكنك ظللت ترفعني و ترفعني عاليا الى السماء ... ... بينما أنت ....... بينما أنت ترى من هي أفضل مني ........هل تحبها ؟.... اذن لماذا اعترفت لي بحبك ليلة أمس ؟........هل كان هذا مجرد شفقة منك ....... يا الهي .......لقد قتلتني يا ادهم )

عادت لتدفن وجهها بين كفيها وهى تبكي بصوتٍ ناعم .............بينما كان ادهم ينظر اليها عابسا و ذاهلا في نفس الوقت الى أن استطاع القول أخيرا بصوتٍ شديد الصرامة والغضب

( ومن هي تلك التى من المفترض أننى أحبها ؟............)

ازداد بكاؤها .... لكنها همست همسة واحدة لتوقفه عن انكاره و تجعله يخجل من نفسه (.... سمر ....)

ارتفع حاجباه و كذب ما سمعه للتو وهو يهمس ؛( من ؟....)

رفعت رأسها تصرخ من بين بكاؤها العالي ..( سمر .......)

اشتدت قسوة وجهه حتى بات مخيفا ... الا إنها رفضت ان يرهبها هذه المرة فأكملت تحاول البحث عن شجاعةٍ لم تعرفها من قبل

( لا تتعب نفسك بالإنكار ... لقد علمت بها ....رأيتها ... تكلمت معها .................يا الهي لكم تلائمك ......)

لم تستطع المتابعه و هى تحني رأسها باكية ..الا إنه لم يدعها للهروب بل رفع رأسها بقبضته القوية التي أمسكت بذقنها تكاد أن تحطمها ..لكنها ظلت مغمضة عينيها و الدموع تنساب على وجهها بصمت ...فقال بخشونة

( افتحي عينيكِ .......)

لكنها لم تستطع مواجهته سواء أن كان سينكر ..أو يعترف ....وعندما ظلت صامتة تبكي مغمضة العينين شد على ذقنها اكثر و هو يقول هادرا

( افتحي عينك يا حلا .......انظري الي و أنتِ تخبريني بأنني على علاقةٍ بغيرك )

فتحت عينيها وهي ترتجف لاعنة لسانها الأحمق الذى جلب هذا الموضوع الى العلن , اصطدمت عيناهما ..... اشتعلت عيناه للحظةٍ ... ثم عادت القسوة لتغلفهما وهو يقول بخشونةٍ اجفلتها

( بعد كل ما فعلته لكِ و ماحاولت ان امنحك ..... تصدقين كذبةٍ حقيرة عني .... ولا داعي لان اسال ممن سمِعتها , طالما اننا مراقبان طوال الوقت .......)

ظلت تنظر الى عينيه و الأمل يداعبها من بعيد ..... صوته ....خشونة كلامه .....ثقته .....كلها تخبرها أنه لا يحتاج للانكار , فهو ادهم مهران و إن أحب امرأة أخرى فلن يحتاج الى المداراة ليخفي الأمر ........

ابتلهت الى الله أن يكون هذا حقيقيا ......لكن سمر .... وطريقة تعارفهما .......أتكون هي من تحبه لذا أرادت التعرف الى من أسرته قبلها .......

استطاعت أخيرا الهمس بأملٍ خائف

( أتعرفها ؟....... سمر ......شابة جميلة سمراء ......)

نظر اليها و قسوته تمتزج بتقزز من مجرد أن تسأله بهذا الخنوع فقال بقسوةٍ و ارهاق

؛( و كيف تعرفتِ عليها ؟.. وأين؟.......كل مرةٍ كنتِ تخرجين فيها ؟......كل مرةٍ كانت تتركك السيدة اسراء فيها بمفردك ؟......)

اتسعت عيناها بذعرٍ و دهشة .... يا الهى ... ليس هناك ما لا يعرفه .... كيف ظنت أن بإمكانها إخفاء أي شيءٍ عنه ؟.......يبدو أنها لم تقدر ادهم مهران حق قدره .......

لكن .... لكن .... إن كان يعلم بهذا ايضا !!!.......همست أخيرا بحيرةٍ وهى تهز رأسها شاردة ....ترفع يدها المرتجفة الى جبهتها

( أنا لا أفهم ...... أنا لا أفهم ........ أنا متعبة جدا )

شعرت به يقترب منها ليمسك بذراعيها ... يسندها حتى لا تقع .....ثم اقترب وجهه من أذنها و قال بصوتٍ أجش فقد قسوته و اتسم ببعض الحنان

( حلا .......سمر ....صديقة لي منذ زمن ....إنها صديقة مخلصة وأنا لم أثق بغيرها لتساعدك ......)

رفعت رأسها تنظر اليه تحاول التأكد من عينيه .... عبست قليلا .... فتحت شفتيها تحاول الكلام لكنها عادت لتغلقها و قد هربت منها الكلمات ...... الى أن حاولت مرة أخرى فنجحت بصعوبة في الهمس

( أتعني أنها .......ماذا ؟؟.....مجرد صديقة أم ؟.........)

أكمل لها مباشرة دون مواراة ( إنها طبيبة .........)

تسمرت بين يديه , رافعة رأسها اليه ...تنظر الى عينيه باستعطافٍ الايكون ما سمعته حقيقيا .....لكن ما أن نظرت الى صلابة عينيه حتى أدركت الاجابة ......

لحظة واحدة قامت بعدها بدفعه بكل قوتها في صدره و هي تتأوه صارخة

( كنت تسخر مني كل هذا الوقت ..... يا الهى لابد أنكما ضحكتما علي طويلا ....... و أنا التى كنت أظن اننى حصلت على صديقة .....وكنت أظن أنك بدأت تقتنع بشفائي......... لقد خانني كل من وضعت ثقتي بهم ......يا الهي .... )

أخذت تتدفعه بقبضتيها و هي تبكي من شدة بؤسها .....لكن كأنما كانت تدفع صخرة ....و هو يحيطها بذراعيه بشدة يضمها الى صدره , شعارا بقلبه يتحطم بدلا عنها ......لم يكن يريد أن تعرف بهذه الصورة المؤذية لها .....

أمسكت يده بمؤخرة رأسها ليدفعها الى كتفه و يدفنها به بينما هي تتلوى بين أحضانه باكية بشدة حتى بدأت ساقيها تتخاذلان و شعر بها تتثاقل الى أسفل فمد يده الى أسفل ركبتيها ليرفعها بين ذراعيه بينما استمرت هي في البكاء دافنة وجهها في صدره .. تشعر أنها تريد البقاء به طوال العمر و لا تخرج أبدا الى تلك الحياةِ المرة بكل مارأته منها ......

ظل حاملا إياها بجانب قلبه الذى يضرب وجهها كمضخةٍ عملاقة ..... يشعر برغبةٍ مدمرةٍ في العودة لايثار سبب كل سوءٍ في حياتهما ليقتص منها على كل ما فات ........

أخفض رأسه ليلمس جبهتها بشفتيه محاولا تهدئة جسدها المرتعش ....حينها رفعت وجهها المتورم اليه لتنظر الى عينيه بعينين تائهتين وكأنهما تريان عالما آخر غير الذى تعيشه , ثم رفعت ذراعيها لتطوق بهما عنقه و هي تعلو بنفسها قليلا لتطبع شفتيها بقوةٍ فوق شفتيه ......

تجمد ادهم بمكانه و هو يشعر بأنها تقبله بغرابةٍ و كأنها ليست بوعيها لكنه لم يستطع منع نفسه من اعطاءها الأمان الذى تريده إن كان هذا سيخفف عنها ,وحين أنزلها على الفراش تطلع بحزنٍ الى عينيها الضائعتين ثم أخذ يربت على خصلات شعرها برفق وهو يضم رأسها الى صدره ... لكنه بعد بضع لحظاتٍ شعر بها تحاول التمادي أكثر فأبعدها عنه و همس لها بصوتٍ أجش

( نامي الآن .......)

الا إنها تعلقت بعنقه تحاول الوصول اليه بأي طريقة و هي تهمس باكية بتضرع

( أرجوك لا تتركني هنا وحيدة يا ادهم .....أرجوك ....لن أخرج من هنا إن كان هذا يرضيك لكن لا تتركني و تخرج , أنا أخاف من وحدتي هنا , أرجوك سامحني )

أخذ نفسا عميقا و يشعر بأنه سينهار قريبا بعد كل ما تعرض له من ضغوطٍ مؤخرا ثم همس أخيرا بخشونة

( حلا تمالكي نفسك .... أنا أيضا أحتاج الى وقت لاستطيع تجاوز ما حدث .. والى أن يحدث ذلك لا أعتقد أننى أستطيع السماح لكِ بالخروج من هنا ...... هل يمكنك تصور ما كان من الممكن أن يحدث لكِ لو تمادى ذلك القذر اكثر ...... من كان سيحميكِ وقتها .....لا أعلم ماالذى أستطيع فعله اكثر لأحميكِ من نفسك ؟...........)

اندفعت فيضانات دموعها من جديد و هي تتعلق به بشدةٍ وتقبل كل جزء في وجهه برعونة هامسة من بين قبلاتها

( لقد تعلمت الدرس هذه المرة جيدا ..... أرجوك ..... أرجوك )

جذب ذراعيها بعيدا بخشونة و هو يصرخ وقد فقد القدرة على التحمل

( هذا لن ينفع يا حلا .........لا تعاملي نفسك بهذه الطريقة المهينة )

ذهلت تنظر اليه وهو يرفضها للمرةِ الأولى .......عيناها المتورمتان متسعتان تكاد تبتلع وجهها الشاحب و شفتيها منفرجتان بأسى و كأنها تسأله وتعاتبه .......

وحين لم يستطع تحمل نظراتها المذبوحة قام من الفراشِ مسرعا و هو يتجه الى الباب ...... لكنه التفت اليها قبل أن يخرج قائلا بتعب

(لا تزيدي الضغط علي يا حلا ....., أشعر أنني لن أتحمل لوقتٍ طويل )

ثم خرج من الغرفة مغلقا الباب خلفه ......بينما ظلت حلا مكانها تتطلع الى الباب المغلق و هي ترى نفسها بصورةٍ مشوهة ....تسمع تهديده يرن باذنيها ......

الفصل الحادى العشرون (2) 

دخلت سما الى القصر بعد أن أخذت تلف بالسيارةِ لساعات وهي تبكي على حبها الضائع ..... ظلت تنظر حولها الى هذا المكان الشاسع .....لكم أحبته طوال سنواتِ عمرها .... وها هي لا تجد ملاذا غيره حين تضيق بها الدنيا ........

لكن ما أن وطئت قدماها الى داخل القصر حتى شعرت بروحٍ غير عادية .... الخادماتِ ينظرن اليها بأسى و قلق , و أدهم غير موجود ......أين حلا ؟.....

صعدت السلالم جريا حتى وصلت الى غرفتها فوجدت السيدة اسراء تتكلم من وراءِ البابِ المغلق بصوتٍ مهدىء و كأنها تغني أغنية ......فاقتربت سما بسرعةٍ منها و قبل ان تسألها عما تفعله سمعت صوت نشيج حلا و شهقاتها آتيا من الداخل فأخذت تطرق على الباب الذى فوجئت به مغلقا و هي تناديها بقلق 

( حلا ..... حلا إفتحي الباب ...... ماذا بكِ ؟....)

تطوعت السيدة اسراء بشرحٍ مختصر عما حدث إنتهاءا باغلاق الباب على حلا مرة أخرى و خروج ادهم من القصر منذ فترة وجيزة ....

اتسعت عينا سما ذهولا و هي تستمع الى تلك القصة ِ المجنونة التى تحكيها السيدة اسراء وهمست بعدها 

(..... يا الهي ... كيف كنتِ بمثلِ هذا الغباء و الجنون يا حلا ؟.........)

عادت لتطرق الباب مرة أخرى وهي لا تعلم ما جدوى هذا فحلا لن تستطيع فتح الباب لكنها أرادت على الأقل البقاء على إتصالٍ معها حتى لا تصاب بالإغماء من شدة بكائها ثم التفتت للسيدة اسراء تقول بجزع

( سأتصل بأدهم ...... لن يرضيه أن يراها في مثل هذه الحالة )

قالت السيدة اسراء بحنق ( لن تستطيعي الوصول اليه فهو عى ما يبدو قد تخلص من هاتفه منذ الصباح ....... لم أعهده عديم المسؤولية ِ هكذا من قبل )

أخذت سما تفرك جبهتها بيدها وهي لا تعلم كيف تتصرف ...... الى أن جاءت النجدة من السماء فرن هاتفها برقمٍ غريب 

وما أن ردت حتى أتاها صوت سابين الهادىء فصرخت سما على الفور 

( سابين ....أين أنتِ ؟.....إن احمد يبحث عنكِ كالمجنون ..... لا ليس هذا مهما الآن .... المهم أنني إطمأنيت عليكِ ..... سابين ساعديني أرجوكِ ....أدهم يحتجز حلا في غرفتها وهي في حالةٍ من الرعب يرثى لها ..... والمفتاح ليس معنا , ولا نستطيع الاتصال بادهم , ولا نريد أن نكسر الباب حتى لا نثير غضبه عليها أكثر فهي تصرفت تصرفا أحمقا للغاية ............سابين .........سابين اين ذهبت ؟.......)

نظرت سما الى هاتفها و قالت بوجوم ( لقد أغلقت الخط ............يا الهي اليس هناك من ينصفني أبدا )

ثم عادت الى حلا و حاولت أن تتكلم معها بهدوء كما تفعل السيدة اسراء دون نتيجة ....فحلا كانت في حالةٍ من البكاء و الهذيان غير قابلة للنقاش .............................

ركنت سابين سيارتها أمام باب القصر بعد اقصر فترةٍ استطاعتها من مكالمتها لسما التى أرادت أن تطمئنها فقط لعلمها أن احمد سيثير قلقها ...... لتفاجأ قبلا بما يفعله ذلك المجنون الهمجي ادهم بحلا .....

نزلت من السيارة صافقة الباب خلفها بعنف ثم اتجهت الى حقيبةِ السيارة لتخرج منها القضيب المستخدم في فك الإطارات و أغلقت الحقيبة بعدها بنفس العنف و اندفعت تصعد الى القصروهي تبدو على حالة ٍ مرعبةٍ من الوحشية بعينيها المشتعلتين غضبا و شعرها المتطاير خلفها و سروالها و كنزتها بلونهما الأسود .... كانت بحق تبدو كالساحراتِ الشريرات .........و سيكون الاحمق فقط هو من سيقف بطريقها هذه اللحظة ......

و ما أن فتحت لها الخادمة الباب حتى اندفعت تدخل دون استئذان لتصعد السلم وهي تعرف طريقها في هذا القصر جيدا ..........

الى أن وصلت الى سما و السيدة اسراء فكانت سما هي من صرخت بإمتنان 

( سابين ..... الحمد لله لقد كدت أن أنهار هنا ساعدينا أرجوكِ فقد تستمع اليكِ حلا ....)

قالت سابين بصرامة و كأنها لم تسمعها ( ابتعدي عن الباب يا سما .......)

وقفت السيدة اسراء أمام الباب تنظر بقلق الى ذلك القضيب الحديدي في يدِ تلك الشابةِ التى تبدو عليها معالم الشرِ و الجنون فقالت بقلق 

( ما الذى تنوين فعله سيدتي .... الموقف لا يحتمل أي تهور هنا )

ظهرت بتسامة متوحشة على شفتي سابين المكتنزتين ثم قالت بصوتها الناقوسي و هي تتحدث بنعومةٍ مخيفة

( سيدة .... ايا كان اسمك ....تبدين سيدة لطيفة للغاية , لذا ستبتعدين عن هذا الباب بكلِ طيبِ خاطر و تودعينا و نحن نخرج من هنا .......اليس كذلك ؟....)

ظلت السيدة اسراء تنظر عابسة الى تلك الشابة التى تحتاج الى اعادة تربية ثم قالت بعد فترة بحزم 

( أنا لست خائفة منكِ سيدة ...... أيا كان اسمك .... لكني خائفة على حلا ...... فلتفتحي الباب )

ثم ابتعدت عن الباب مفسحة الطريق الى سابين التى ابتسمت لها مومئة برأسها برضا .......ثم اقتربت من الباب لتأخذ نفسا عميقا و ترفع القضيب عاليا لتنهال على مقبض الباب ضربا بكلِ عنفٍ القى الرعب في قلبي السيدة اسراء وسما و هما تنظرانِ الى سابين وهى في مثلِ هذه الحالةِ الشرسة 

استمرت سابين في ضرب المقبض بهذا الصوتِ المرعب الى أن انكسر فجأة و أخذ يدور حول نفسه فركلت الباب بشدةٍ لينفتح أمامها ....

دخلت سابين اولا تليها سما و السيدة اسراء ........ ليجدن حلا نائمة على الارض متكورة كالجنين وهي تبكي و تهذي بكلماتٍ غير مفهومة فاندفعت اليها سابين و انحنت لتجذبها من ذراعيها وهي تهتف 

( ساعديني يا سما ...... سنخرج من هنا حالا )

امسكت سما بذراع حلا الاخرى وهي تساعد سابين في انهاض حلا ...... لكنها ما ان نظرت اليهما حتى صرخت قائلة 

؛( لن أخرج من هنا ...... لن أخرج من هناااااا .. لن أذهب بدون ادهم )

قالت سما التى بدأت تبكي هي الأخرى و هي تسند حلا 

( لما لا نتركها هنا يا سابين أرجوكِ ؟....... إن ادهم لن يؤذيها أنا واثقة من ذلك )

صرخت سابين بعنف وهي تتغلب على مقاومة حلا الضعيفة 

( كفى حماقة أنا لن اتركها لتقرر إفساد حياتها للمرةِ الثالثة .......الا ترين كيف أصبحت , هيا لنذهب من هنا ...... حالا يا سما )

ثم خرجن من الباب بصعوبةٍ وحلا تتشبث بإطارِ الباب باكية وهي تترجاهن أن يتركنها الى أن يأتي ادهم .. بينما سما انهارت بكاءا عليها 

استطعن أخيرا الوصول بها الى السيارةِ بمساعدة السيدةِ اسراء و ما أن ركبت حلا حتى انحنت اليها لتقبل جبهتها قائلة 

( فليحفظكِ الله يا حلا ...... ستكونين بخيرٍ حبيبتي لا تقلقي )

تبثت حلا بيديها وهي تبكي هامسة تستجديها ( أدخليني أرجوكِ لا أريد أن أترك ادهم .....أرجوكِ لن أستطيع الحياة بدونه )

الا أن سابين أبعدت السيدة اسراء برفق وأغلقت الباب لتقول لها بحزم ( سنرحل الآن ..... شكرا لمساعدتك )

أومأت السيدة اسراء برأسها و عيناها ممتلئتانِ بالدموع فربتت سابين على كتفها لتركب السيارة و تنطلق بها.......

و عندما مرت بحارسِ البوابة ابتسمت له باغواءٍ جعله يرخي فكه ببلاهةٍ من شدة سحرها بينما سما في المقعد الخلفي تضم حلا الى صدرها وهي تعلم أن الحارس لن يراها من الزجاج الأسود الخاص بسيارة احمد مهران ......

ثم أغلق الحارس البوابة بعد خروج بنات الراشد.................... من قصر آل مهران ................

.................................................. .................................................. ..............................................

اقتحم ادهم المكان بهيئةٍ مريعة ... ثائرا كوحشٍ فكوا عقاله ...... اندفع بسرعةٍ الى احمد الذى كان يدور حول نفسه ليمسك به من مقدمة قميصه بعنفٍ و هو يصرخ 

( أين سابين يا احمد ؟........من الأفضل لها أن تظهر حالا قبل أن أعثر عليها و أدق رأسها )

جذب احمد يدي ادهم عن ياقة قميصه بعنفٍ مما أدى الى تمزقها و هو يصرخ بغضب 

( هل جننت ؟..... ماذا بك ؟ و ماذا تريد من سابين ؟)

صرخ ادهم هو الآخر و هو يعاود لمسك احمد من ملابسه بقبضتيه القويتين 

( لقد خطفت تلك المجنونة زوجتي ..... من بيتي )

امسك احمد بقميصِ ادهم هو الآخر وهدر به كالمجنون 

( راقب الفاظك و أنت تتحدث عن زوجتي يا ادهم .......)

صرخ ادهم بوحشيةٍ هزت المكان ( أنت لم ترى بعد ما سأفعله بها حين أجدها ....تلك الحقيرة )

لم يتمالك احمد نفسه فلكم ادهم لكمة أدمت انفه ..... مسح ادهم الدم من أنفه لينظر الى يده ...........يتأكد مما قام به احمد للتو بعدها بلحظةٍ كانت قبضته تجد طريقها الى فكِ احمد لينتهي الأمر بينهما وهما ساقطين على الأرضِ يتبادلانِ اللكماتِ بكلِ عنفٍ .........

( فلتتوقفا حالا أنتما الاثنان .......)

انطلقت تلك الصيحةِ الحازمةِ التى عرفاها منذ الصغر ليرفعا رأسيهما وهما يلهثانِ الى أميرة مهران و هي تقف أمامهما بكلِ إباءٍ دون ان تهتز شعرة فيها ......

تابعت أميرة قائلة بصرامة

( الا تخجلانِ من نفسيكما .......ماذا تركتما للجاهلين )

نهض ادهم ببطءٍ وهو يلهث تلاه احمد و قد تمزقت ملابسهما تماما ..... بدأ ادهم الكلام.. قائلا بغباء ٍ لا يناسب الموقف

( مرحبا عمتي ...... كيف حالك )

منعت أميرة نفسها من الضحكِ بأعجوبةٍ على هذا الوحشِ الضخم ممزق الملابس و الذى جاء ليبحث عن زوجته و كأنها طفلة صغيرة ضاعت منه 

لكنها احتفظت بملامحها الصارمة و هي تقول 

( هل فقدت عقلك لتهجم علينا في وقتٍ كهذا باحثا عن زوجتك هنا .......)

عقد ادهم حاجبيه وهو يحاول تهدئة قلبه الملتاع .....ثم قال بعنفٍ مكبوت 

( لقد عدت الى القصر لأفاجأ بأن تلك الحية كسرت الباب و خطفت زوجتي )

عاد احمد الى غضبه مرة أخرى وهم أن يضربه الا أن صوت أميرة الصارم أوقفه

( اياك يا احمد ...... والا فقسما بالله سأصفعكما معا )

ثم عادت لتنظر الى ادهم قائلة بصلابة 

( ما معنى أنها كسرت الباب ...........هل كنت تحتجز زوجتك يا ادهم؟....في أي عصرٍ تعيش أنت )

غرز ادهم اصابعه في خصلاتِ شعره يكاد يقتلعه من جذوره و هو يهمس بعنفٍ 

( حبا في الله يا عمتي .....أنا أعصابي لم تعد تتحمل أكثر .....أين حلا ؟....أخبريني أين هي و أعدك أنني سأحاول الا أقتل سابين )

هدر به احمد ( فلتحاول فقط أن تمس شعرة منها ليصبح ذلك آخر أيام حياتك )

هزأت منه أميرة قائلة

( انظروا من يتكلم ؟!!...... الأسبق في عملِ العصابات و حجزِ الزوجات )

نظر اليها احمد ذاهلا من فتحها لهذا الموضوع امام ادهم و همس منبها بغضب (أمي ....)

الا أن أميرة تابعت حديثها قائلة بهدوء وهي تجلس أمامهما واضعة ساقا فوق الأخرى 

( ابن عمتك الهمام حبس زوجته في بيتنا القديم النائي لأكثر من شهر.... منصبا نفسه الها يعاقب و يحاسب )

نظر ادهم اليه بغضبٍ وذهول ثم هتف 

( هل جننت أنت أم ماذا ؟..... هل اعتقدت أنه لمجرد أنني لا أطيق سابين فهذا يمنحك الحق في معاملتها بهذه الطريقة معتقدا أنه ليس لديها أحدا ليدافع عنها ....... هل نسيت أنها أخت زوجتي و أنها تربت تحت سقف بيتي ..... مما يجعلك هذا معاديا لي شخصيا )

قاطعته اميرة تقول بسخرية 

( ها هو الشهم الآخر يتحدث موعظا ........بعد كل الأذى النفسي الذى لابد و أن تكون سببته لزوجتك بفعلتك الحمقاء )

قال ادهم و غضبه يتصاعد اكثر ( عمتى أنتِ لا تعلمين كلِ التفاصيل )

قاطعته أميرة بغضبٍ هذه المرة 

؛( لست بحاجة ٍ لسماعِ أي تفاصيل ........ فلتعلم أن سابين رحلت عن احمد و لا نعلم أين هي الى الآن )

هبط قلب ادهم متحطما بين قدميه و هو يهمس كالمجنون 

( ما معنى هذا ؟؟..... اننا لن نستطيع الوصول لحلا ؟...... يا الهي ...)

اقترب احمد من ادهم ليقول بلهفة يحاول اخفاءها 

( هل أخبروك في القصر أن سابين هي بنفسها التى كانت هناك ؟...... كيف كانت ؟.... هل هي بخير ؟ إن كسرِ الباب يحتاج الى مج
الفصل الثاني و العشرون (1)
كانت مشاعرا مجنونة تسود هذا المكان ....... في هذه الليلة التي بدت من أطولِ الليالي على أصحابها ........غضب مدمرا يهدد بإحراق المكان , قلقا مريعا , خوفا يائسا,..........كان كلا منهم يشعر بانه على وشكِ ارتكابِ جريمة ......
كان ادهم يتطلع من النافذة المظلمة أمامه ينظر الي البعيد وقلبه يكاد يحترق بين أضلعه لا تطالعه سوى صورة حلا بعينيها المجروحتين المتوسلتين عندما نظرت اليه آخر مرة وهو خارج من الغرفة ........يا الهي .... لقد كان قاسيا معها و هي لا تتحمل القسوة أبدا .....إنه يشعر دائما أن حلا بالذات لا يصح أن يعاملها أيا من البشر العاديين بل هي تحتاج الى معاملة كلمساتِ أجنحةِ الفراشات ..... و ها هو عند أول ضعفٍ له كإنسانٍ يغضب و يتألم ......ضاعت من بين يديه للمرةِ الثانية ..........
تأوه بصوتٍ مخنوق و هو لا يدري حقا من أين يبدأ البحث ..... شعر فجأة بشللٍ في تفكيره ........من أين يبدأ ......
قال أخيرا بصوتٍ أجش ممزقٍ من التعب
( فارس ...... أخبرني مرة أخرى .... ما معنى أن سما تركتك و رحلت للأبد ....... هل هذه صدفة أن ترحل في نفسِ يومِ اختفاؤهما )
ثم التفت لينظر الى فارس الذى كان جالسا هو الآخر صامتا بملامحٍ من حجر رسم الألم زواياها فبدا كتمثالٍ لليأسِ بعينه ....قال ادهم فجأة بثورة
( لم يخبروني في القصر أن سما كانت معهما ..... بالرغم من أنك تقول أنها رحلت منذ الصباح و هى لا تملك أي مكانا آخر لتذهب اليه بما إنها ليست عند ايثار ..... فأين ذهبت بالله عليك ؟...... أشعر أن الكل يتآمرون ضدي ..... الكل يعملون على توسيع دائرة البحث حتى لا أجد حلا ...........)
كانت آخر كلماته تبدو كصراخٍ عنيف كسر حاجز الصمتِ المحيطِ بهم .......ثم عاد لينظر الى احمد و قال بصرامة
( أنا لا أراك تكلم سابين أبدا ......فلتكلمها فربما ترد عليك أخيرا )
لم يرد احمد لعدة لحظاتٍ و هو جالسا دافنا رأسه بين كفيه ..... لم يتحرك..... لكنه تمكن من النطقِ أخيرا بخفوتٍ و يأس
( هاتف سابين ليس معها ........ لقد أخذته منها منذ أول يومٍ في زواجنا )
صرخ ادهم و هو يضرب زجاج النافذةِ بقبضته ( يا الهي ........ ما العمل الآن ؟......إننا اذن لا نملك سوى هاتف سما ....لكنها لا ترد منذ اكثر من ساعة على عشراتِ المكالمات التى وصلتها مني ..................على الأقل تركت الهاتف مفتوحا , وكأنها تطمئننا عليهن بهذه الطريقة ...... أنا أفهم سما جيدا انها تعطيني اشارة بانهن سالمات)
عبوس طفيف كسا ملامح فارس المتحجرة و قد طعن الالم فؤاده و هو يسمع من ادهم بأنه يفهم سما جيدا .....الكل يفهم سما فهي شفافة كنسيم البحر .....لكنه الأعمى الوحيد الذى لم يفهمها يوما ......بل لم يشعر بها أبدا ..... بكلِ حماقةٍ وغرور ظن أنه أعطاها كل ما حلمت به .......لكنه اليوم وفي هذه اللحظة يعلم أنه لم يعطها الا ما تستطيع الريح أن تبعثره في طرفةِ عين ..... بينما هي أعطته كل حياتها الفتية ..... ضحت من أجله بكل ما استطاعت ......لونت حياته و أدخلت اليها الابتسامة التى كانت قد نسيت طريقها الى شفتيه ......
و ها هو الآن يجلس أمام ادهم صاغرا مستسلما بينما يعلم ان صغيرته هي الأمل الوحيد في العثورِ عليهن ...... وها هي تعلمهم بهذا......فقط رنات هاتفها هي الصلة الوحيدة بينهما ......هي موجاتٍ تصل من قلبه الى اذنيها ...... حتى وإن كانت من ادهم .....فهو لا يملكِ الجرأة الآن لمكالمتها فقد تغلق هاتفها ...... الأمل الوحيدِ لديهم .......و لديه على وجه الخصوص ........
مرت هذه الليلة بسوادها الخالي من ضوءِ القمر الى أن أطل الشروقِ عليهم و هم غارقين باتصلاتهم على كافةِ المستويات.......و العمل على تعطيل أي احتمالٍ أحمق لسفرهن خارج المدينة ........لكن دون جدوى .........
مرت ساعتِ الصباحِ الأولى و انطلق كلا من ادهم و احمد ليبحثا في كلِ مكانٍ دائرين بنفسيهما على أملٍ واهي في العثورِ عليهن ......
و لكن مر اليوم بطيئا شاقا طويلا دون أن يعثر لهن على اثر ....... لو كانت حلا و سما وحدهما لما استطاعتا الابتعاد بعيدا .....لكن و بما أن سابين معهما فإن فرصة العثورِ عليهن تكاد تكون شبه مستحيلة ........
و حين حلت الليلةِ الثانية كانو مجتمعين صفر اليدين بعد بحثٍ طويل .............لم يستطع أيا منهم الكلام أبدا ..... كلا منهم جلس في زاوية بعيدةٍ عن الآخر ...... و كأنه يلوم الاثنين الآخرين قبل أن يلوم نفسه .......
عاد ادهم مرة أخرى الى مكالمة سما ..... رنين ..... رنين ...... دون رد .......أخيرا بعث بالحلِ اليائس الوحيد متمثلا في رسالةٍ صغيرة
( سما .....صغيرتي , أرجوكِ دعيني اسمع صوت حلا ...... لم أرجو أحدا من قبل , لكن من أجل أن أسمع صوت حلا في هذه اللحظةِ أنا مستعدا للتوسل .........إنها متعبة للغاية يا سما و أنا الوحيد الذي يعرف كيف يتعامل معها ....... إن كنتِ حقا تخافين عليها دعيني فقط أسمع صوتها .......)
بعث برسالته وهو يعلم أن لا فائدة مما يحدث ......بالطبع العشراتِ الآن يبحثون عن سيارة احمد مهران ....العشرات يبحثون عن سابين .... أما حلا و سما فليستا بنفس المعرفةِ بين الناس ...... لذا فليس هناك الكثير مما يستطيع فعله ......فقط البقاء هنا منتظرا أن يرق قلب سما عليه ........
عاد ليرن لسما مرة اخرى و هو يبتهل ان ترد عليه هذه المرة ..... رنين ....... رنين .......ثم فجأة سمع صوت فتح الخط .......
قام من مكانه صارخا باسم سما فارتفع رأسي احمد و فارس بحدة و قام احمد اليه جريا يحاول أخذ الهاتف منه الا إن ادهم استدار الى الناحية الأخرى وهو يتشبث بالهاتف و يهدر بكل لهفة للصمت المقابل من الطرف الآخر
( سما ...... سما صغيرتي أين أنتن ........سما أجيبيني هل حلا بخير ؟..... أريد أن أسمع صوتها على الأقل يا سما أرجوكِ صغيرتي )
لم يسمع أي رد لكنه حين صمت من هذه الثورة الجامحة تمكن من سماعِ صوتِ أنفاسٍ لاهثة تخرج بصعوبة مع نشيجٍ صامت ......
سقط ادهم بكل ِ قوته على الكرسي خلفه وهو يهمس مغمضا عينيه
( حلا .........)
لم سمع ردا ....فقط أنفاسها التى كاد يشعر بدفئها يلامس اذنه ...... كيف يخطىء أنفاسها .... إنه يحفظها عن ظهرِ قلب .....
للحظاتٍ طويلة ظل يستمع اليها .... الى أنفاسها التى لامست وجهه و شفتيه من قبل حتى أنه يعرف مذاقها ....... أناتها الضعيفة الآن تبدو و كأنها كلماتِ عشقٍ و غرام بعد أن اطمئن أنها بخير ........
ظل مغمضا عينيه يتذوق كل نفسا يسمعه و على شفتيه طيفِ ابتسامةٍ حزينة .... بينما احمد و فارس يكاد نفاذ الصبر و القلق ان يقتلهما .........
أخيرا همس ادهم دون ان يفتح عينيه
( هل أنتِ بخير يا حلا ؟............)
لم يسمع ردا مرة أخرى لكن تنهيدة حزينة أعطته الجواب فابتلع ريقه و فتح عينيه و تابع هامسا
( هل هنت عليكِ يا حلا ؟......... كيف استطعتِ الرحيل عني بهذه السهولة ؟...... من يتحملني حين أصبح مجنونا غيرك حبيبتي ؟ ......أخبريني أين أنتِ حبيبتي حتى آتى و آخذك .......)
تعالت التنهيدات حتى اصبحت شهقاتٍ خافته فحاول باستجداءٍ اكثر حتى لا ترتعب و تغلق الخط
( حلا ......صدقيني لن أمسك بسوءٍ أبدا صغيرتي , فقط أخبريني أين أنتِ ؟........ يكفيني فقط أن تعودي الى أحضاني سالمة ......فقط أخبريني لا تتركيني أعاني هكذا ............)
فجاة سمع صوتا صارما من الطرف الآخر يأتي من بعيد ثم أختفت أنفاس حلا الباكيةِ و حل محلها صوتا صلبا هدر في اذنه
( ماذا تريد منها بعد الذى فعلته ؟........ الا يكفي الحالة التى وصلت لها بسببك , حذرتك مرة من قبل يا ادهم مهران الا أنك لم تهتم .....الآن و قد ضيعتها من يدك للمرةِ الثانية فلا تلم الا نفسك ........ حلا ... لن ... تعود اليك )
شددت سابين على آخر ثلاث كلمات مما جعل ادهم يقوم من مكانه صارخا كالمجنون
( سااااابين ..... اقسم ان اقتلك ......ان لم تخبريني أين أنتن حالا ........ , لو كانت لديكِ ذرة شجاعة لكنتِ انتظرتي حتى تواجهيني بدلا من ان تخطفي حلا و انا غير موجود ............)
لكن قبل ان يسمع حرفا و احدا كان احمد قد اختطف الهاتف من يده بعنفٍ و وضعه على اذنه ليسمع صوتِ ساحرته الشريرة التى دمرت العالم من حولهم جميعا ....فوصله صراخها الشرس الذى اشتاق الي جنونِ نبرته
( فلتفعل اقصى ما عندك يا ادهم مهران ...... لو كنت انت الذى تملك الشجاعة لواجهت ندا يماثلك قوة بدلا من التجبر على حلا التى لم تخرج من محنتها الى الآن ...... لكن ها أنا ذا خير ندٍ لك ..... و لتخبر المجنون الآخر أن سما لن تعود اليه ولو على جثتي.......لقد تركتكم تعبثون كثيرا يا آل مهران .......و كان خطأ كبيرا منكم أن تمسو شيئا يخصني ...... فإن لم تعلمو بعد .....أنا ..ساااابين ...الراااشد )
( أنا أحبك .......)
قاطعت هذه الكلمة الهادئة صراخها المجنون لتصمت تماما و هي تتحقق من الصوتِ الغادر ....فتابع احمد قائلا بشغفٍ لم تسمعه منه من قبل
( لم تعطيني الفرصة لأقلها لكِ من قبل ...... كنتِ كشوكةٍ في خاصرتي في كلِ مرةٍ أراكِ فيها ....... لقد ذكرتي لي في ورقتك السخيفة أنكِ اكثر شراسة حين تحبين ....... لكنك لا تعلمين بعد كيف أكون أنا حين احب ........و بالأخص حين تهرب مني حبيبتي .......لذا فسأخبرك بكلِ هدوءٍ يا سابين ......فلتتعقلي و تعودي انتِ و شقيقاتك بكلِ أدب قبل أن أعثر عليكِ ... ووقتها ستعرفين كيف أكون شرسا حقا حين أحب )
وصله بعد فترة الصوت الناقوسي المذهل وهو يقول بكل إغراء العالم
( يال غرورك يا احمد مهران ......تقف مكانك ولا تملك أي ورقةٍ لتلاعبني بها , ومع هذا تأمرني بكلِ ثقةٍ أن أعود )
ظهرت ابتسامة شيطانيةٍ على شفتيه و هو يهمس
( ستعودين يا سابين .... وبنفسك ....قبل أن أصل اليك ِ )
ردت سابين بهدوءٍ ينافس هدوءه ( في أحلامك .......يا زوجي العزيز ) ثم أغلقت الخط .......
نظر كلا من ادهم و فارس الى احمد و اعصابهما تكاد تحترق انتظارا فقال اخيرا (؛ لقد أغلقت الخط .........)
استدار ادهم صارخا و هو يغرز أصابعه في خصلاتِ شعره بعنف بينما عاد فارس ليرتمي على الكرسي خلفه و هو يشتم .....
رمى احمد الهاتف و قد غادره هدوءه الزائف و عاد الغضب ليملأ كيانه بعد أن كاد يستسلم لرفرفاتِ صوتِ الشريرة و هو يداعب اذنه ..جالبا اليهِ ذكرياتٍ ليست في وقتها أبدا .........
عاد ادهم لينظر اليه مرة أخرى نظرة اتهام و هدر فيه ( هل يمكن أن تخبرني كيف سنتصرف الآن ؟........من المؤكد أنها ستأخذ الهاتف من سما أيضا ........)
نظر اليه احمد بوجوم لا يعرف ردا لسؤاله و اقسم بينه وبين نفسه أن سابين ستتلقى منه ما لم تره في حياتها ....... فقط حين يجدها ....
أغمض ادهم عينيه بيأس وهو يحني برأسه و يستند بكفه على الحائط و همس بتعب
( إنها لا تعلم حالة حلا ...... لا أحد يعلم كيف يتعامل معها غيري , ماذا لو انهارت من جديد ؟.........قد تؤذي نفسها عن قصد , أنا أعلم ...... يالهى لقد أغلقت عليها كل ما استطعت أن أغلقه , وها هي تتسرب بعيدا مرة اخرى .........)
اقترب منه احمد ببطء ثم ربت على كتفه و قال بصوتٍ مهزوز يحمل في طياته الكثير
( لا تخف عليها .........إنها مع سابين )
نظر اليه ادهم بوجوم ثم قال بغضبٍ مكتوم ( ومتى كانت سابين تعلم عنها أي شيء ؟.. متى كان أي أحد يعلم عنها أي شيء أو يهتم لها )
نظر احمد الى عمق عينيه و رد بثقة مختنقة في صوته المكبوت و ابتسامة شاردة ترتسم على شفتيه
؛( اذن فقد جاء الوقت لتتعلم من سابين ...... أنت لا تعلم سابين جيدا ....إنها قوية كنمرة , محاربة لا تهزم , شجاعتها لم أرها على غيرها ........... رقيقةٍ كطفلةٍ مشاغبة .........ناعمةٍ كوردة بيضاء , مجنونة كساحرةٍ تطير على مكنستها ..........)
نظر اليه ادهم وقد عقد حاجبيه وهو لا يصدق أن احمد مهران هو الذى يتكلم ...ثم قال أخيرا بغضبٍ يكاد أن ينفجر
؛( آآآآآ.......أكره أن أقاطع لحظات عاطفتك الجياشة ...... لكني الأن أبعد ما أكون عن الحاجةِ الى سماعِ غزلٍ يخص تلك ال ........يخص سابين ....... لو تكرمت )
نظر احمد اليه نظرة مريرة و قال بحزم
( ما احاول قوله أنك ستكون محظوظا لو استطاعت حلا التقاط بعضا من قوة سابين ........وهذا على ما يبدو ما فشلت أنت في تقديمه لها ......)
لمعت عينا ادهم بوحشيةٍ ومد يده بقبضةٍ من حديد ليمسك بذراع احمد و هو يقول هادرا
(كيف تجرؤ على انتقاد تصرفي ...... وماذا عنك و عن تصرفك الحقير مع سابين .......اذا أتيت للحقيقة فإنك أنت السبب الرئيسي الآن فيما نحن جميعا فيه )
ابتعد احمد عنه وهو يزفر بعمقٍ و قال بعد فترة و الغصة في حلقه
؛( هناك أشياءٍ .........لم أستطع تجاوزها )
صمت ادهم ولم يجد القدرة على الرد فهو يعلم جيدا ما يقصده احمد , فهو أيضا لم يستطع تجاوز الكثير من الحواجز بينه و بين حلا ...لذا فليس من حقه أن يضغط على احمد اكثر من اللازم .......خاصة و أن تحت واجة الهدوء الظاهرة عليه , يكمن بركانا على وشكِ الانفجار ........فهو احمد مهران و هو يعرفه اكثر من الجميع .......
.................................................. .................................................. ..............................................
كانت حلا مرتمية على فراشٍ تبكي بشدةٍ بعدما انهت سابين المكالمة بينها و بين ادهم بكل ِ قسوة ......يا الهي ما أقساها ......الم يعرف قلبها الحب أبدا ........
كانت ستموت حين سمعت صوت ادهم الحبيب يتسلل الى اذنها ....حبيبها الوحيد و حصنها الدائم ........شعرت بأن الروح قد دبت فيها من جديد حين سمعت صوته ... يالهي لم تكد تمر ليلة وها هي تكاد تموت بدونه ......
أخذت تشهق عاليا وهى تتكور حول نفسها , حين شعرت بقبضةٍ كالحديد على ذراعها ومخالبٍ مؤلمة تتشبث في لحمها لتجذبها حتى أجلستها .....ثم اتاها صوت سابين يهدر في اذنيها
؛( الم امنعك من مكالمة أيا منهم .....اليست لديكِ ذرة من كبرياء ؟......الم تكتفي بمافعله بكِ بعد.......لقد تجاوزت شعوري بالشفقة ناحيتك حتى أصبح اشمئزاز من ضعفك المخزي )
أسقطت حلا رأسها مغمضة عينيها بشدةٍ وهي تبكي و تشهق بصوتٍ عالٍ تحاول التلوي من بين يدي سابين حتى تفلت منها وتغلق اذنيها بكفيها , لا تريد أن تسمع رأيها ...... رأيها الذى تعرف بداخلها انه حق اليقين .....
لكن سابين لم تمنحها الفرصة للهرب من الحقيقة وظلت متمسكة بها بوحشية وهي تعلو بصوتها فوق صوتِ شهقاتِ حلا
(كم من الذل يجب أن تتحملي حتى تنتفض روحك رفضا لما تلاقيه من هوان ......في المرةِ الاولى كان لكِ عذرك نوعا ما فقد كنتِ صغيرة و كانت ايثار تسيطر عليكِ بشكلٍ ميؤوس منه ..... أما الآن فما هو عذرك ؟..... أنتِ امرأة ناضجة في الخامسةِ و العشرين , والى الآن لا تستطيعين اتخاذ قرارا يخصك بمفردك ......تتحملين ذله لكِ من أجل أن تظلي تابعة لظلِ أحد .... أي أحد ..... كما تعودتِ دائما )
صرخت حلا بشدة و وجهها يكاد ينفجر من شدة احمراره و تورمه ( كفى ..... كفى ..... لا أريد أن أسمع )
الا أن سابين ظلت على اصرارها و هي تصرخ اكثر
( الم تتعلمي من زواجك الفاشل الاول ؟..........لتبيعي نفسك مرة ثانية )
صرخت حلا بشدةٍ و هي تدفع سابين في صدرها حتى تمكنت من الافلات من بين يديها ثم استمرت في دفعها و قد فقدت السيطرة على نفسها تماما وهي تصرخ بلا توقف
( و ما أدراكِ أنتي بزواجي ......ماذا تعرفين عنه ..... كلا منكن سارت في طريقها دون أن تسأل عني ...... كنت أغيب لفتراتٍ طويلةٍ و أنا أنتظر أن تظهر أيا منكن لكن دون جدوى .......لقد ذقت كل أنواع الألم , ألما لم تكوني لتتحمليه أبدا و انتى تكلميني بكل هذا الاشمئزاز الآن ......هل ذقتي طعم الضرب مرة ؟...... الضرب بحق حتى تتذوقي طعم دمك ....... حتى سمعين صوت إحدى عظامك وهي تكسر .......حين تجبرين على الانحناءِ لتقبيل قدمي الذى يفعل بكِ كل هذا .......و الآن تأتين بكل ثقةٍ و تسأليني إن كنت أمتلك ذرة كرامة ؟...... لقد نسيت معنى هذه الكلمة أصلا .......)
صمتت حلا وقد هدها البكاء فدفنت وجهها بين كفيها لتفرغ كل آلامها بينهما , بينما أخذ جسدها يرتجف بشدة
ظلت سابين نظر اليها بصمتٍ للحظاتٍ ثم لم تتمالك نفسها فجذبت حلا من شعرها لتدفن وجهها المتورم من البكاء في صدرها وهي تحاوطها بذراعها الأخرى بشدةٍ كادت أن تحطم ضلوعها ........ استمر ارتجاف حلا طويلا بينما سابين تشدد من احتضانها اكثر واكثر و دموعٍ غادرةٍ بدأت في التجمع بعينيها المتوحشتين.......
الى أن سمعت صوت حلا ينفذ من صدرها مختنقا و هي تقول من بين عاصفة بكائها
( لقد آذاني كثيراااااا...... لقد كنت أنتظر أيا منكن كل ليلةٍ حتى فقدت الأمل فلم أعد انتظر الا شروق الشمس .........لو .... لو كان ادهم يعلم ما يحدث لي لكان طار الي و انتزعني منه .......فقط لو كان يعلم .........لم يفعل لي أحدا مثلما فعل هو أبدا .........)
استمر بكائها طويلا الى أن نشجت عدة مرات , بينما سابين تشعر بأن نشيجها ينفذ كخنجرٍ الى صدرها وهي تتذكر كلماتِ عماد الراشد الذى أوصاها بحلا بالذات .... و كأنه كان يشعر بما سيحدث لها .......لقد ارتاح بالا يرى ابنته وقد أصابها كل هذه الفظاعة و ال...... .......سقطت دمعتان خائنتان على وجنتيها لم تستطع منعهما ........أين كانت ؟......أين كانت وتركتها ؟...... شغلت نفسها بالنجاةِ من أسرةٍ مختلة ........وتركت حلا تواجه مصيرها مقنعة نفسها بأنها هي من اختارت طريقها فلتتحمله اذن .........تعاقبت الدموع على وجنتيها اكثر ..........
شعرت فجأة بأن حلا تشهق بشدة ٍو كأنها تلتقط أنفاسها بصعوبة فرفعت سابين وجهها وهي تمسكه بين كفيها لتربت بقوةٍ على خدها و تقول بصرامة ٍ مختنقة وراء دموعها
( خذي نفسا عميقا ..........هيا مرة أخرى , اهدئي )
نفذت حلا ما تقوله سابين تلقائيا الى أن خف ارتجافها قليلا و باتت أنفاسها تخرج كشهقاتٍ ممزقة من التعب
بعد لحظاتٍ طويلة ٍ وهما على هذا الحال تمكنت حلا أخيرا من رفع عينيها الى عيني سابين و همست بضعف و دموعها تجري كالانهارعلى وجنتيها
( أنا احبه ....... أنا أحبه يا سابين ولا أستطيع الحياة بدونه ......... أرجوكِ أعيديني اليه ..... لا أملك القدرة على الخروجِ وحدي )
صمتت وقد خنقها بكاؤها من جديد فاحنت رأسها ......لحظة واحدة و سحبتها سابين من ذراعيها و هي تقول بصرامة
( تعالي ......)
جرتها خلفها حتى وصلت الى المرآة أمامها ثم وقفت خلف حلا و قالت بنفس الصرامة
( انظري الى نفسك ....... ارفعي رأسك يا حلا و انظري لنفسك قبل أن أفعل أنا رغما عنكِ .........)
رفعت حلا رأسها ببطءٍ شديد وكأنها تشعر بالخزي مما ستراه ...... لكنها تمكنت من فتح عينيها أخيرا ...... ونظرت الى نفسها .....لم تحتج سابين أن تشرح أي شيء قبل أن تتفرس حلا في منظرها .......
كانت ...... كانت كشبحٍ هزيل ..... بوجهٍ متورم و شفتين انتفختا و احمرتا بشدة ...... عينين حمراوين واسعتين مذهولتين لا تعيا أيا مما يحيط بهما .......شعرها مربوط على هيئة ذيل حصان ....... منذ أن ربطه ادهم لها بالأمس ..... لكن خصلا كثيرةٍ الآن انسابت حول وجهها الشاحب الهزيل ......
لا تزال ترتدي قميص النوم الطفولي و الذى خرجت به من القصر .......يا الهي إنها تبدو بائسة للغاية ...... هل من المعقول انها تنظر الآن الى زوجة ادهم مهران ....... ما الذى وجده فيها ...... كيف تقبلها و هي تبدو مخزيةٍ الى هذه الدرجة ..........إنها تبدو كأطفالِ الشوارع المشردين ...... ليس في ملبسها فقط ..... بل في نظرة عينيها ...... نظرة عينيها لا تثير الشفقة ..... بل تثير الاشمئزاز كما قالت سابين ......نظرت الى وجه سابين الواقفة خلفها ...... إن الفرقِ بينهما كالفرقِ بين شعلةِ النار المتقدة .... وبين الرماد المتخلف عنها ......... انحنى حاجبها على هيئة رقم ثمانية فبدت كالجراءِ الضائعة ..... وعادت لتبكي من جديد .......
أمسكت سابين بذراعيها وهزتها بقسوةٍ وهي تقف خلفها ..........و قالت بصلابة
( انظري الى نفسك ..... هل هذه هي حلا ؟...... هل هذه هي أنتِ منذ ما يقرب من ست سنوات ......كيف وصلتِ الى هذا الحال .....بسبب ماحدث لكِ ؟؟؟...... لكنك نجوت ..... وهذا وحده انجازا يجعلكِ مجبرة على الوقوفِ على قدميكِ من جديد ......غير مسموح لكِ بالتخاذل بعد أن نجوتِ يا حلا ........هل تفهمين ؟......هل تفهمين ؟......)
كانت تهزها عند كل سؤال ...... فتتراقص خصلاتِ شعرها من حولِ وجهها و ترمش عينيها بسرعة ......... وينتفض قلبها بشدة ......
الى أن التقت عيناها بعيني سابين في المرآة ..... فسكنت الاثنتانِ تماما ......كان هناك اتصلا غريبا بين عينين مكسورتين خضراوين ممتزجتين بالعسل و أخرى تبدو كحجرين كريمين ليسا فقط في لونهما الأزرق الغريب بل في صلابة الأحجار ......
وكان عينا حلا كانتا تخبران عيني سابين بالكثير .........وعينا سابين كانتا تتلقى منها و كأنها تعرف جيدا .....
قالت لها سابين بعد فترة صمت طويلة قالتا فيها الكثير
( اذا أردتِ الذهاب فلتذهبي ....... أنا لن أحتجزك كما فعل هو , لكن بشرطٍ واحد أن تكوني راضية تماما عن حالك الآن ......ولتذهبي وحدك, أنا لن أعيدك بنفسي ..... إن أردت اختيار طريقك فلتسيري به بمفردك )
تركت حلا عيني سابين و اتصلت بعينيها هي و كانها تسالها عما تريده حقا .......أو عمن تريد أن تكونه ...... حلا الراشد .....أم زوجة ادهم مهران ............
اغمضت عينيها لتنساب دمعتان مرهقتان على وجنتيها وهي تفكر ....... ومن التي أحبها هو ...... حلا الراشد ......أم زوجة ادهم مهران ............
تركتها سابين بعد أن طبعت قبلة على قمة رأسها و خرجت بهدوءٍ الى سما التى كانت مستندة على الجدار المجاور لباب الغرفة و تستمع الى كل ما يحدث دون أن تجرؤ على التدخل .......
كانت محنية رأسها تبكي بصمت على ما وصل اليه حال بناتِ الراشد جميعهن ........
الكل يبحث عن زوجته كالمجنون ...... الا أنت يا فاس ..... الهذه الدرجة كنت رخيصة عندك ......الهذه درجة كنت أعيش وهما بنيته بنفسي .......يا الهي كم اشتقت اليك ...... لم أعتد البعد عنك لسنين طويلة ...... كيف سأتمكن من الإبتعاد عنك ..........
ترى حبيبي كيف تستطيع التصرف من دوني الآن ........ كنت تعتمد علي دائما , فماذا ستفعل الآن و من سيهتم بك .........كنت على استعدادٍ أن أبقى معك , لكنك رفضت عند أول بادرةٍ لخروجي عن الطوق ........
لم أكن الا مسكنا لك يا فارس ........ولم تكن الا ألمي دائما و أبدا .........

الفصل الثانى و العشرون (2) 

بعد يومين ......كانت سما متمددة على الكرسي الضخم ذو المساند بحيث تستند بظهرها على مسند و تؤرجح ساقيها من على المسند الآخر ....... تتلاعب بخصلاتِ شعرها , شاردة بعيدا عند أسدها الأعمى ........
و حلا متكورة على الكرسي المقابل كجنينٍ صغير في طياته حتى كاد ان يبتلعها و هى الاخرى شاردة تماما و عيناها دامعتان
أما سابين فكانت تجلس على المكتب الضخم واضعة نظارتها الطبية , تدرس أوراقا كثيرة تحاول إعدادها و ترتيبها ......بمنتهى التركيز
... تركيزٍ لم يقطعه الا الرنين المزعج مجددا .......
رفعت سما الهاتف من جوارها بملل وهي تنظر اليه ثم قالت بفتور وهي تعيده مرة أخرى ( احمد .......)
زفرت سابين بحنق وهي تعاود التركيز بأوراقها ...... لكن بعد نصفِ ساعة عاد الهاتف ليرن , فنظرت سما اليه لتقول بنفس الفتور
( ادهم........)
رفعت حلا رأسها عاليا كما كانت تفعل كلما سمعت اسمه .... رنين .... رنين ......
صرخت سابين فجأة بعدوانية
( فلتغلقي هذا الهاتف اللعين يا سما لم أعد أتحمل ..... اليس لديهم ما يشغلهم ؟... إننا في منتصف النهار ؟ أين أعمالهم ؟؟؟؟......)
لم تجب سما حتى لا تستفزها فلو استفزتها اكثر فلربما تأخذ الهاتف و تلقي به من النافذة .... وهي لا تريد أن تدمر أعصابهم اكثر بقطع وسيلةِ الاتصال الوحيدة بينهم وبين حلا وسابين ....
أوووووووف ..... إن سابين أصبحت لا تطاق بالفعل .... دائما متوترة و عصبية .... لم تعهدها متقلبة بهذا الشكل ..... الا إنها تزداد جمالا وبياضا .... هناك شيئا غريبا بها لا تستطيع تفسيره ......
عاد الرنين مرة أخرى .... إنه ادهم ثانية ......رمت سابين الأوراق من يدها على سطحِ المكتب ثانية ودارت بالكرسي الضخم استعدادا للإنقضاض على الهاتف المسكين ...... الا إنها وقبل أن تنهض من مكانها .......كانت حلا قد قفزت بخفة الغزال لتخطف الهاتف من جوار سما و تنطلق به جارية بعيدا , فصرخت بها سابين و هي تجري ورائها باقصى سرعتها صارخة
( حلا ..... اياكِ ..... اياكِ ان تجيبيه .....)
الا أن حلا وصلت بأعجوبة ٍ الى الحمام و تمكنت من إغلاق الباب خلفها على بعد خطوةٍ واحدةٍ من سابين التى أخذت تطرق على الباب ,
نظرت حلا الى الإسم الحبيب المضيء أمامها .....إن هذا الرنين هو الحافز الوحيد الذى يبقيها صامدة الى الآن .......
ضغت على الشاشةِ برفق و رفعت الهاتف بحذرٍ الى أذنها و أرهفت السمع الى صوتِ وحشها الحبيب ....
( سما ؟.......سما ؟..... هل هذه أنتِ؟........كيف حلا الآن ؟....أرجوكِ أجيبيني )
أغلقت حلا عينيها على الدموعِ الناعمةِ الحبيسةِ خلفهما و هي تبتسم بكل ما تحمله من حبٍ بداخلها لهذا القاسي المستبد ..... الرقيق ...
( كيف حالك حبيبتي ؟...........)
فتحت عينيها بسرعةٍ حين سمعت سؤاله المختنق فانسابت الدموع على وجنتيها والابتسامة تحولت الى ضحكةٍ صغيرة مشتاقه وصلت في طريقها الى أذنيه المتلهفتين ....... لكنها لم تر ابتسامته المشتعلةِ بعد ان سمع ضحكتها ...فقال بعنفٍ شغوف
( تضحكين وأنتِ بعيدة عني يا حلا ؟...... ظننتك تتألمين مثلي )
اتسعت ابتسامتها أكثر ....... وازدادت دموعها أكثر وأكثر ..........
قال لها ادهم بعشقٍ و كانه يستعطفها
( أريد أن أسمع صوتك على الأقل حبيبتي ......)
مرت لحظاتِ صمت ٍ طويل .... طويل .... لم يحاول قطعها و كأنه يبتهل في سره أن ترد عليه أخيرا........ الى أن وصلته همسة أحيته من جديد
( ادهم .........)
صرخ ادهم بشدةٍ ما أن سمع همستها حتى أنها أبعدت الهاتف عن أذنها للحظاتٍ الى أن ينتهى
( حلا .......حلا حبيبتي أين أنتِ ..... أخبريني و سأكون عندك في لحظات , أعدك أنني لن أؤذيكِ أبدا ......أبدا .....وسأحاول جاهدا الا أكسر رأس سابين ......فقط أخبريني أين أنتِ )
ضحكت مرة أخرى من بين بكائها الذى بات جليا لأذنيه ليمزق قلبه المشتاق اليها ...... الى قالت أخيرا بصوتٍ مختنق
( سأعود يا أدهم ................)
سمعت صوت تنهيدةٍ عميقةٍ صادرة من أعماقه قال بعدها بصوته العميق الواثق
( أين أنت حبيبتي و سأحضر حالا ؟........)
صمتت لحظة ثم قالت بصوتٍ هادىء وهي تغالب دموعها و ابتسامتها الحزينة
( سأعود وحدي .........)
قال بعد لحظةٍ من صمت و توجس ( لماذا ؟.........)
ردت عليه حلا بنفس الهدوء ( لأنني سأعود حين أعود حلا من جديد .......)
سمعت صوت خبطة قوية وكأنه لكم حائطا او شيئا ما فخافت عليه بشدة و نادته بسرعة ( ادهم .....)
وصلها صوته غاضبا بشدة و كأنه مل من كل هذا العبث
( لماذا تفعلين بي كل هذا ؟ هل تعاقبيني يا حلا ؟........كل هذا لأنني ضعفت قليلا , قد أكون آلمتك ... لكن الم تفكري أنكِ أنتِ أيضا آلمتني بشدة ......)
شعرت بغصةٍ في حلقها وهي تبتلع دموعها المريرة و قالت بضعف وتمزق
( أعلم .....أعلم حبيبي أنني آلمتك بشدة ....... و لم أكن أتصور أن أقوم بهذا , لهذا لن أعود قبل أن أرمم نفسي ...... سأعود حلا التى أحببتها قديما ......أما حلا التى تركتك فهي التى ستبعدك عني و أنا لا أريد أن أعيش اليوم الذى ستتركني فيه ......لن أحتمل هذا أبدا , وحتى إن لم تتركني سأظل دائما أعيش هواجسي و رعبي من أن تتركني يوما ما ........)
حاول الكلام هادرا وقد أحرقته كلمة حبيبي التى صدرت بعفويةٍ من بين شفتيها ( أبدا لن ........)
الا إنها قاطعته تترجاه أن يفهمها ( حتى لو بقيت معي للأبد ..... سيموت حبك لي يوما ما , لأنني لست هي ..... لست حلا التى أحببتها يوما ......)
سمعت صوت أنفاسه الممزقة الغاضبة ثم قال أخيرا
( حسنا ..... حسنا يا حلا , لكن بشرط أخبريني أين أنتِ لأطمئن عليك ِ )
ضحكت حلا ضحكة صغيرة حملت كل حزنها و ألمها ..... حبها و اشتياقها ....ثم همست
( هل تظن حقا أنني سأصدق بأنك ستظل مكانك لو علمت أين أنا ؟...........)
جذب نفسا حادا عميقا ثم هتف بحنقٍ لم يستطع السيطرة عليه
( نعم .....أنت محقة , لن أنتظر لدقيقةٍ واحدة حتى أصل اليكِ و اجذبكِ بين ذراعي حتى تصرخين طلبا للرحمة ......أتوق لتقبيلك يا حلا , أتوق لتقبيلِ شفتيكِ الشهيتين بشدةٍ تجعلني أكاد أقتل نفسي لأني تركتك آخر مرة ...... حلا لقد أصبحتِ تسرين في عروقي )
أغمضت عينيها حين تذكرت اللحظاتِ المخزيةِ لها حين تركها و خرج ..... لكنها تمكنت من الهمسِ أخيرا
( لقد أصبت حين تركتني يا ادهم ...... لم أكن لأحترم نفسي و أنا أستجدي سماحك بهذه الطريقة .......لا أعلم كيف كنت .......)
قاطعها ادهم بقسوة
( حلا توقفي ....أنتِ زوجتي , كان يجب أن أظل بجوارك , اعطِني فرصة أخرى يا حلا و أخبريني أين أنتِ ........)
همست حلا برقةٍ قبل أن تضعف اكثر
( سأعود .......أعدك أنني سأعود , و بأني لن أكون لغيرك أبدا ...........)
صرخ ادهم بشدة ( حلا لا تغلقي الخط ..........إياكِ )
لكنها أغلقت الخط وهي تعلم أنها لو أبقته مفتوحا للحظةٍ وحيدةٍ أخرى لكانت سقطت على ركبتيها تخبره بمكانها و تترجاه ليأتي و يأخذها
اخذت نفسا مرتجفا طويلا و مسحت وجهها بكفيها و هي تنظر الى صورتها في المرآةِ أمامها ....... ثم ابتسمت لها وهي تهمس
؛( اطمئني ......لن أبعدك عنه طويلا , فقط عودي من جديد )
ثم تقدمت وفتحت باب الحمام بهدوء لتواجه مصيرها المتمثل في سابين الشرسة الواقفة أمامها مكتفة ذراعيها تنظر اليها بوحشية ٍ لم تلبث أن أخذت في الإختفاءِ تدريجيا وهي تنظر الى عيني حلا الباكيتين ..... لكن مشعتين ..... وابتسامةِ أمل جديدة تحاول الإرتسام على شفتيها ......قالت سابين أخيرا
( ماذا قررتِ ؟..........)
قالت حلا برقة ( سأظل معكما .......الى أن أصبح جاهزة )
ابتسمت سابين و جذبتها بين ذراعيها بشدة ...... الى أن سمعا صوتِ سما الرقيق من خلفهما
( أنا أيضا أريد أن تحضناني .............)
ضحكت سابين و هي تفتح إحدى ذراعيها لتندفع اليها سما دافنة رأسها في صدر سابي متشبثة بحلا ...........
.................................................. .................................................. ...............................................
بعد أسبوعين ..... كانت تالا تقف في غرفة تغيير الملابس بمدرستها و قد بان الحزن على معالمها الصغيرة الرقيقة , كانت ترتدي ثوبا ابيضا صغيرا منفوشا كراقصاتِ الباليه بجوارب بيضاء طويلة شفافة و حذاءٍ فضي ..... كما أن الثوب مثبت في ظهره جناحي فراشة عملاقان شفافين مزينين بالالماساتِ المتناثرة .......و تاجٍ من ريشٍ ناعم هفهاف يغطي رأسها ......كانت ترتدي زي ملاكٍ صغير و قد بدت رائعة بشكلٍ يسلب العقل ......
لكن عينيها البندقيتين كانتا مائلتين بحزنٍ عميق وهي تفكر بأنها ستحضر حفلة عيد الأم وحيدة ..... بالرغمِ من إنها ظلت تتمرن للاستعراض الذى ستقدمه طويلا ..... كانت تريد أن تفاجىء به أباها .........لكنه نسي تماما , فهو مؤخرا في حالة غريبة .... لم يسبق له أبدا أن ابتعد عنها الى هذا الحد ......تمر أياما بكاملها دون أن تراه حين يعود متأخرا جدا بعد نومها بوقتٍ طويل ...... دائما شارد ....و أحيانا غاضبا بشدة ......لم يعد يتناول طعامه معها و لم يعد يقرأ القصص لها قبل النوم ..... لأنها لا تراه أبدا ......
كم كانت تنتظر عودة سابين من شهر العسل الذى لا ينتهي هذا أبدا ......لكن يبدو أنها لن تعود أبدا ....... الكل يخدعها و يظنون أنها تصدقهم حين يخبروها أن سابين مسافرة و ستعود ....... تماما كما أخبروها بأن لها أما مسافرة و ستعود وهي صغيرة .... الى أن جلس معها والدها يوما و أخبرها أن أمها لن تعود لكنها في مكانٍ أفضل و هي سعيدة لذا يجب أن يسعدا لها............
وقد تقبلت الامر لانها لا تتذكرها ..... لكن سابين .... كانت قد ظنت بأنهما ستكونان صديقتان جدا ...... فهما متشابهتانِ للغاية ......
لكن يبدو أن سابين تركت والدها و لن تعود أبدا ........ حتى دون أن تودعها ............و ها هي جدتها تتأخر عن الحضور , لقد نظرت الى المسرح من خلف الستائر و وجدت الكرسي المحجوز لها فارغا ..... لقد ضاع كل تعبها في التمرين هباءا و لن يراها أحد .....
( كيف حالك يا شريرة ..........)
انتفضت تالا بشدة حين سمعت الصوت المألوف و استدارت بسرعة صارخة
( سااااابين ؟..................)
كانت سابين واقفة أمامها بكامل أناقتها ترتدي فستانا ضيقا رماديا يحدد جسدها الفارع يصل الى ركبتيها و جوارب سوداء ناعمة تغطي ساقيها و حذاءا أسودا أنثويا بكعبٍ عالٍ رفيع و شعرها كان حرا طليقا على ظهرها بشكلٍ يخطف الأنفاس...... كانت تبدو مذهلة و كل الفتيات الصغيرات في غرفة التبديل ينظرن اليها بإنبهار يسألن بعضهن عمن تكون هذه الساحرة ......
قالت سابين و هي تبتسم ابتسامة شريرة رافعة أحدى حاجبيها
؛( بلغني أن هناك حفلا لعيدِ الأم ينقصه أما ...............)
ابتسمت تالا بخبث وهي تقترب منها .....ثم قالت بعد لحظة بمرح و تششك
( ومن هي الأم ؟.....أنتِ ؟.......)
اتسعت ابتسامة سابين وهي تقول ساخرة ( في أحلامك .........)
ضحكت تالا عاليا و قد شعرت فجأة أن الحزن قد غادرها و هي تجد ساحرتها الشريرة..... التى أكتشفتها يوما ..... تقف أمامها بكامل جمالها ......ثم ردت بمرح
( اذن ماذا تفعلين هنا .................)
نظرت سابين حولها الى الفتياتِ الصغيراتِ اللاتي يرتدين فساتين الملائكة و يتهامسن عليها .....ثم قالت مبتسمة ٍ بسخرية
( أردت أن أراك و أنت ترتدين هذه الأشياء السخيفة ........ ستبدين ظريفة على المسرح ...... قد يظن من يراكِ أنكِ طفلة فعلا )
ضحكت تالا عاليا الى أن جائت المُدرسة لتعلن عن استعدادهن للتحرك الى المسرح فتناولت تالا عصاتها السحرية الفضية بسرعة ثم قالت لسابين بلهفة ....
؛( ستجلسين في المقعد المحجوز لجدتي ....... كان من المفترض أن تحضر الا إنها لم تأتِ و حتى إن أتت فلتبحث لنفسها عن مكان جزاءا لتأخرها ..........)
ضحكت سابين من شدة وقاحة تلك المجنونة الصغيرة لكن قبل ان تنصرف تالا كانت قد التفتت الى سابين سريعا و نثرت مسحوقا فضيا لامعا من عصاتها السحرية فوق رأس سابين و هي تهمس
( هذه تعويذة حتى لا تختفي ثانية .........." فلتظلي أسيرة لأبي للأبد "...... )
ثم استدارت جارية مع باقي الصغيرات و هن يضحكن متحمسات .........
بينما ظلت سابين واقفة مكانها تنظر بشرود يراودها شعور غريب بأن تلك التعويذة قد سرت بالفعل و انتهى الأمر ..........
أثناء ذلك الأستعراض كانت سابين تجلس بحنق .... الملل يقتلها ....سابين الراشد جالسة في حفل ٍ مدرسي ..... تشاهد عرضا مسرحيا ساذجا .... لصغيراتٍ يبتسمن بسذاجة ٍ و حماسة , وكأنهن يقمن بمهمةٍ مستحيلة .....
وهي جالسة بين مجموعة من الأمهات يمسكن بأيدي بعضهن البعض و عيونِ بعضهن دامعة و كان صغيراتهن يقمن ببطولةٍ من نوعٍ ما ..........
انحنت الى الأمام تستند بذراعيها الى ركبتيها ........و أغمضت عينيها ..... سابين الراشد تشاهد هذا الاستعراض الساذج بدلا من أن تكون الآن في وسطِ اجتماعِ عملٍ مهم , أو تناقش صفقة ما ....... هل هذا ما آل حالها اليه ؟...... كل هذا بسبب الغبي احمد مهران الذى أفسد كل ما حققته يوما ........لابد وأنه استبدلها بأخرى .........
شعرت فجأة بيدٍ حنونة تربت على كتفها فرفعت رأسها لتنظر الى سيدةٍ متقدمةٍ في السن تجلس بجوارها تبدو عليها الطيبة قالت لها مبتسمة
( أنتِ تفوتين عرض ابنتك ........)
قالت سابين بتردد ( إنها ليست ..........) الا أنها قطعت كلامها و آثرت الصمت
سألتها السيدة بلطف (أيا منهن ابنتك ؟...........)
ظلت سابين صامتة للحظة تنظر اليها ثم قالت أخيرا بخفوت ( تالا .......)
ردت السيدة بابتسامة عريضة (تالا ؟.....لقد تعرفت اليها اليوم , إنها صديقة حفيدتي ..... إنها رائعة , إنكِ محظوظة بها )
أومأت سابين برأسها بصمت وهي تنظر الى تالا وهي تغني وسط الصغيرات
فتابعت السيدة تقول ( لكنها لا تشبهك إطلاقا .........)
ردت سابين بشرود دون أن ترفع نظرها عن تالا المبتسمة ( إنها تشبه والدها .........)
قالت السيدة بابتسامةٍ مرحة ( لابد أنكِ تحبين ولدها بشدة ........)
نظرت اليها سابين بنظراتٍ مبهمة فتابعت السيدة تقول بثقة
( يقولون أنكِ إن أنجبتِ فتاة شديدة الشبه بوالدها فذلك يكون من شدة حبك له )
ظلت سابين تنظراليها وهي تفكر ..... لست أنا من أنجبت تالا ......لابد أن ليال أحبت أحمد اذن بشدة .......
ياالهي..... ما تلك الحماقة التي تفكر بها .........لابد وأنها تلك الهرمونات اللعينة التي تتلاعب بعقلها ..........سمعت صوت غناء تالا واضحا وهي تتقدم لتغني وحدها على المسرح ........تبتسم لعينيها هي وحدها دون الجميع ......فابتسمت لها سابين بشرود وهي تلوح لها دون وعي ..........
و العجيب أن سابين استمتعت بباقي الإستعراض الى نهايته .............
بعد أن انتهى الحفل وقفت سابين مع تالا أمام المدرسة لتودعها فقالت تالا بلهفة
(سابين الن تعودي معي ؟..... هل ستتركين ابي ؟.....هل أغضبك بشيء ؟.....)
انحنت سابين اليها و جذبتها من خصلة من خصلاتِ شعرها ...... كما فعل معها احمد ...... مرتين ...... مرة وهي صغيرة ومرةٍ وهي زوجته ........
عادت لتنفض تلك الافكار من راسها ...... ثم قالت لتالا بصرامة زائفة
( لا دخل لكِ بمواضيع الكبار ........هل فهمت ؟)
الا ان تالا لم تضحك و لم تبتسم حتى فتنهدت سابين هي تخرج مفتاحٍ من حقيبتها الصغيرة و ناولته الى تالا قائلة بصوتٍ خافت
( ابعثي بسلامي الى والدك يا تالا ...... و أعطيه مفتاح السيارة و أخبريه أنها تقف هنا أمام المدرسة ليستطيع أخذها بسهولة)
ثم ابتعدت برشاقة وهي تلوح لتالا التى وقفت تراقبها بعينين دامعتين .........
تلك الليلة دخل احمد متثاقلا متعبا الى غرفة تالا ...... راقبها وهى تنام في فراشها و الضوء الصغير المضاء بجوارها يفضح تظاهرها بالنوم ......إنها غاضبة منه ........لقد نسي حفلها تماما ....... كيف تمكن من ذلك ؟......
اقترب منها و جلس على حافة فراشها ثم انحنى ليقبل وجنتها الناعمة .... لكنها لم تتحرك , فقال مبتسما
( تالا ....أعرف أنكِ مستيقظة ..... افتحي عينيكِ و واجهيني ...لا تهربي )
فتحت تالا عينيها ببطء ثم قامت جالسة لتضم ركبتيها الى صدرها و هي تنظر بعيدا عابسة
ابتسم احمد بحنان لجميلته الصغيرة التى تزداد سحرا يوما بعد يوم .......ثم قال بصوت خافت مشبع بالذنب
( تالا حبيبتي ......أنا آسف جدا لأني لم أحضر الحفل , لقد نسيت تماما ..... لن أكذب عليكِ و أقول أنني انشغلت , لكن الحقيقة أن ذهني أصبح متعبا للغاية فنسيت تماما ........لكن هذا ليس عذرا و لك الحق بأن تغضبي .......لكني أنبت جدتك لأنها لم تذكرني بينما لم تذهب هي )
نظرت اليه تالا عابسة و قالت بغضبٍ طفولي
( ليس من المفترض أن تذكرك ...... كان لابد أن تتذكر وحدك إن كنت تهتم )
اقترب منها ليأخذها بين أحضانه و يضمها الى صدره بشدة وهو يتنهد بعمق قائلا
( طبعا أهتم يا تالا ....أنتِ أغلى شخصٍ عندي في هذه الدنيا )
رفعت تالا رأسها لتنظر اليه ثم قالت وهي لا تزال عابسة
( على كلِ حال الخسارة خسارتك )
ابتسم أحمد بحنان وهو يقول ( بالتأكيد خسارتي لأني لم أرى ملاكي اليوم ......)
ظلت تالا عابسة وهي تخرج شيئا من تحتِ وسادتها و تناوله المفتاح قائلة
( ملاكك يبعث لك بسلامه وبمفتاح السيارة ........تستطيع أخذها من أمام المدرسة)
نظر أحمد بذهول يحاول التأكد من ذلك المفتاح المتدلي من بين أصابعها ثم هتف وهو يمسكها من كتفيها
( من أين أتيت بالمفتاح يا تالا ؟......هل رأيتِ سابين ؟)
ابتسمت تالا باستفزاز وهي ترد عليه قائلة
( نعم سابين كانت موجودة بالمدرسةِ اليوم ........وحضرت معي الحفل كاملا )
ظل احمد ينظر اليها بذهول لا يصدق ما سمعه .....الى أن قام من الفراش و أخذ يركل الحائط بقدمه عدة مرات حتى يفرغ شحنات غضبه تماما
بينما كانت تالا تنظر اليه فاغرة فمها وهي لا تصدق أن والدها من الممكن تصدر عنه مثل هذه التصرفات الصبيانية ......
هدأ احمد قليلا ثم التفت لينظر الى تالا طويلا ثم اقترب منها ليجلس على حافة لفراش مرة أخرى و يعاود احتضانها بقوة .... فقالت تالا بقلق
( ماذا حدث يا أبي ؟.......الن تعود سابين ثانية ؟)
أبعدها أحمد عنه قليلا وهو يمسك بكتفيها لينظر الى عينيها بكلِ قوةٍ قائلا بحزم
( إن سابين تلعب معنا لعبة حتى ترى مدى غلاوتها لدينا ....... لكني سأربح اللعبة أعدك ..... و سأحضر لكِ سابين الى هنا ...... فهي تخصنا أنا وأنتِ .....و سنعثر عليها معا لتكون لنا للأبد .....اتفقنا ؟)
ثم ضم قبضه ومدها لها فأومأت برأسها مبتسمة بمرح وهي تضم قبضتها هي الأخرى و تضرب بها قبضته .........
.................................................. .................................................. ...........................................
( إبتعدن ...... أخرجن جميعا من هنااااااا)
انطلقت هذه الصرخة الوحشية من ذلك المخلوق الهمجي الشرس ذو اللحيةِ النامية و الشعرِ المشعث و العينين الحمراوين من الغضب و السهر .....
ثم لم يلبث أن ضرب يدِ الممرضةِ الواقفةِ أمامه مادة يدها بأقراصِ الدواء لتتناثر بعيدا عنه مصحوبة بصيحة الممرضة المسكينة المرتعبة ....التى ما أن التقطت انفاسها حتى قالت بحنقٍ مرتعش من الخوف
( سيد فارس .... تصرفاتك غير مقبولة بالمرة .... نحن لسنا خادماتٍ عندك , وحتى وإن كنا فهذا لا يمنحك الحق في أن تعاملنا بهذه الطريقةِ المبتذلة )
ازدادت نظراته وحشيةٍ و شراسة حتى أنها شهقت برعب و هي تبتعد هي و زميلاتها الى آخر الغرفة عندما نهض فارس من فراش غرفته الذى كان يجلس على حافته ملتقطا عصاه الخفيفة الرفيعة و هو يطوح بها صارخا
( أنا في بيتي أيتها الحمقاء ..... أنتِ المتطفلةِ هنا و تجرؤي على إخباري كيف أتصرف ؟...... أخرجن من هذا البيتِ حالا لا أريدكن هنااااا )
تجرأت الممرضة و هي تزداد التصاقا هى وزميلاتها بالحائط خلفهن ....... على أن تقول بحزمٍ زائف مرتجف
( السيدةِ أميرة هي من أحضرتنا الى هنا ....... ونحن لن نستطيع مخالفة أوامرها , كما إن حالتك تحتاج الرعاية الطبية مؤخرا..... هذا بالإضافة الى الشؤونِ اليوميةِ العادية , فأنت لن تستطيع التصرف وحدك )
صرخ فارس و قد بدا كالمجنون
( اخرسي ....... اخرسي ..... لا أحتاج الى أي أحد ..... أخرجن ........ أخرجن من هنا قبل أن أقتلكن )
ثم أخذ يدور و كأنه يبحث عنهن ..... فتعالت صيحتهن و هن يتدافعن خارجاتٍ من الغرفة مرعوباتٍ من هذا الأسد الأعمى .... ناسياتٍ أنه ليس سوى أعمى و لن يستطيع فعل الكثير مع عجزه ......
بعد أن خرجن من الغرفة وهن يلهثن و أصوات التحطم العالية تصلهن من داخل الغرفة ......
التقطتت الممرضة هاتفها لتطلب رقما .....و ما أن وصلها الصوتِ المتلهف حتى ردت بغضبٍ وعصبية
( سيدتي ..... نحن لم نعد نستطيع التحمل اكثر ...... اعذريني في هذه الكلمة لكنه شخصا لا يطاق و أنت تستحقين الجنة على تحمله .....أنا آسفة جدا كنت أتمنى الا نخذلك .... لكننا نريد إعفاءنا من هذه المهمة ......)
وصلها الصوت الناعم متضرعا مستجديا حتى شعرت بالحرج الشديد أمام هذا الإلحاح فقالت بعد فترة
( سيدتي .... أنتِ تحرجيني بهذه الطريقة ..... أنتِ لا تعلمين كيف يعاملنا ..... إنه يعاملنا كالعبيد و يتطاول علينا .....لا أظن أن أيا من البشر يستطيع تحمل لسانه الشبيه بالصياط ....)
عاد الصوتِ الناعم ليحثها على البقاءِ قليلا مخبرا إياها أن لا أمل آخر لها..... الا بهن و أن مال الدنيا لن يكفي كمقابل أمام ما يقدمنه لها ......)
ظلت الممرضة تستمع الى هذا المدح باحراج حتى احمر وجهها ثم قالت اخيرا باستسلام
( حسنا سيدتي لكن هناك امرا اخر .... ماذا عن التنظيف ؟.... لم تستطع أخر خادمة على البقاء هنا لاكثر من ساعة ثم هربت من هولِ ما نالها من لسانه ....طاقما كامل جاء للتنظيف غير انه ظل يهددهم الى ان انصرفوا و هو يرفض حتى الخروج من البيت حتى يقوم احد بتنظيفه , كما انه لا يقصر في تدمير كل ما حوله , البيت الان يبدو في حالةٍ يرثى لها .... ونحن لسنا هنا للتنضيف )
أخذت تستمع قليلا حتى قالت في النهاية باستسلام
( حسنا نحن في انتظارك ..........)
فترة طويلة وهو جالس على حافة الفراش يلهث و يتشبث به بقبضتين من حديد .....مغمضا عينيه يتجرع عذابه وحيدا ..... إنه خائف ... خائف جدا .... أيستطيع أحد تخيل ما يشعر به من وحدة و غربة , إنه لا يعلم حتى كيف يحيا يوما بيومه , لا يواجهه الا أناسا أغراب استاجرهم ادهم او عمته ليقوموا على خدمته ..... الا أن الجميع تخلى عنه , حتى ادهم يبدو و كأنه قد نسيه تماما في غمرة ضياعه بحثا عن حلا ......شعر حين وصل الى هذه النقطة بان قلبه طار الى حلا ..... لانها ليست وحيدة بل هي مع روحه , علموا جميعا انها رحلت مع سابين و حلا .......ومن يومها و الكل يبحثون عمن يستطيعون ايجاده ...حلا او سابين او ........ سما ........
كيف كانت له حياة طويلة من ثلاثة عقود بدونها .... كيف كانت هذه السنوات ..... إنه لا يتذكر كيف كانت حياته من قبلها ...... هل فعلا كان لا يعرفها يوما .... تربت في بيته طوال عمرها و هو يدور كالأحمق في بلادٍ بعيدة .... من كان يريد رؤيته كان يسافر اليه دون أن يتفضل هو بالعودةِ اليهم ........منذ وفاة والدته وهو طف?











تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close