أخر الاخبار

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث عشر13والرابع عشر14بقلم تميمه نبيل


 رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث عشر13والرابع عشر14بقلم تميمه نبيل

كانت تشعر بأنفاسه الدافئة على وجهها .. تستنشق رائحته الرجولية الرائعة .. شعرت بلمسات أصابعه على وجنتيها ...وهو يقترب بوجهه من وجهها ببطء ثم ....

أيقظها صوت رنين هاتفها لتفتح عينيها بحنق و هى تلعن من ايقظها من هذا الحلم الرائع .... الا أنها ما أن رأت الإسم الفذ أمامها حتى هبت جالسة فى فراشها وهى تلتقط نفسا عميقا ... ثم أجابت بصوتٍ يكاد يسحر قلوب أعتى الرجال ببحته المميزة

( نعم ...)

اجابها بصوته العميق النبرات دون مقدمات

( أمامك عشر دقائق و سأكون تحت بنايتك لأقلك معى ........)

هتفت بجذل

(عشر دقائق ؟!!!...... أنت تمزح )

رد عليها بحزم

(عشر دقائق سابين ..... ثم أصعد لآخذك كما أنتِ .....)

ضحكت بإغراء وهى تقول

( وقتها ستثير فضيحة فى العمل ........فقد أكون لا أزال ملتفة بالمنشفة )

شعرت بالسعادة العابثة وهى تسمع صدى أنفاسه المتحشرجة و التى وصلت سخونتها اليها عبر الهاتف .....ثم رد عليها أخيرا بصوتٍ أجش

(عشر دقائق سابين....)

ثم أغلق الخط دون أى كلمةٍ أخرى ....فقفزت سابين من فراشها فى لحظةٍ واحدة لتتسابق مع الزمن ... بينما الابتسامة العابثة الواسعة تغطى شفتيها الجميلتين .......

بعد عشر دقائق تماما سمعت رنين هاتفها لينبئها عن وصوله فالتقطتت حقيبتها و حذائها و انطلقت تجرى .......

أخذ ينظر اليها و هى قادمة نحوه وهى تقفز على قدمٍ واحده بينما تعدل حذاءها العالى الكعب فى قدمها الأخرى .....ما أجمل رشاقتها ...وقوامها ...إن ساقيها تذكرانه بساقى البيانو الموجود فى بيته...... وابتسامتها ..... ها هى تنظر اليه الآن ...و تبتسم ابتسامة قد تسحر قديس من روعتها .....

اخذ يراقبها تقترب منه بعد ان اعتدلت و هى تسير بطريقة عارضات الازياء ... بل و افضل منهن ايضا .... ليس من العدل ان تمتلك امراءة واحدة كل هذا القدر من السحر .......من حقها اذن ان تكون بكل هذا القدر من الأذى ......

كتم أفكاره حين فتحت الباب و جلست برشاقة بجواره ...... التقت عيناها بعينيه حاملة معها كل قدر الإغواء الذى تستطيعه .....ابتسمت و هى تشعر ببدء اقترابه منها فأغلقت عينيها مترقبة و هى ترفع رأسها قليلا لأعلى .......

(لقد اشتقت اليكِ جدا ......)

انطلقت هذه الجملة من خلفها فا نتفضت سابين شاهقة بصدمة فى نفس اللحظة التى قفزت فيها تالا مظهرة نفسها بعد ان كانت مختبئة .....

رمشت سابين عدة مرات تستوعب وجود تالا معه ....بينما كان احمد يراقبها مبتسما باستفزاز ثم قال اخيرا حين لم ترد سابين على تالا

(لقد اصرت تالا على تمضية اليوم كله معكِ فى العمل .... انها متحمسة للغاية )

لحظة ... لحظة ... ماذا ؟!!!! .... من سيمضى اليوم مع من ؟!!!.......لا.... لا .... بالـتأكيد لن يحدث .... انها لا تتحمل ان تكمل كلمتين مع اى طفل فكيف بقضاء يومٍ كامل معه .... وفى العمل أيضا ؟!!!.......

ظلت سابين صامتة تحاول التظاهر بالابتسام .... بينما هى بداخلها تغلى غضبا منه ..... انه اول يوم بعد عقد قرانهما ... كيف يفكر ؟!!!!

ابتسم بخبث ثم ادار وجهه لينطلق بالسيارة ....... بينما هى تتميز غيظا ....... و شوقا ......
.................................................. .................................................. ..............

تنهدت سما بعمق .... مغمضة عينيها ,جاثية على ركبتيها بينما تمسح برأسها على حجر ايثار والتى اخذت تمسد شعر سما بنعومة ....تنهدت سما مرة أخرى ثم همست 

(لقد اشتقت اليكِ يا أمى ..... اشتقت اليكِ جدا)

ابتسمت ايثار بسحرٍ رائع و هى تقول بدلال

(نعم اشتقتِ الي .... و الدليل انكِ منذ عدت ِ لم تأتي لزيارتي الا الآن وبعد ان طلبت انا منكِ )

اخذت سما تطبع قبلاتٍ حانية على ركبتي ايثار ... ثم همست بحزن

( انا آسفة ..... آسفة جدا أمى ..... كانت ظروفى .....صعبة قليلا )

قالت ايثار بصوتٍ اودعت به كل حزنها

( كنتِ دائما اكثر بناتى عطفا علي ..... الا انكِ تغيرتي منذ ان تزوجتِ من فارس )

ارتبكت سما ثم قالت وهى تهمس بحزنٍ عميق

(انتِ تعرفين ظروف فارس يا امى ..... انه يحتاج الى كل ما يمكننى من رعاية )

ثم تابعت بهمسٍ فيه ظل عتاب خجول

(لم تهاتفيني مرة واحدة أمى ..... كنت فى امس الحاجة اليكِ ... حاولت مكالمتك لكنك ....)

صمتت و قد اختنق صوتها بدموعها التى بدأت تترقرق فى عينيها ........ قالت ايثار بصوتٍ هامس

(هل كبرتِ يا سما و اصبحتِ تحاسبيننى ....)

اغمضت سما عينيها بعد ان سقطت منهما دمعة وحيدة على وجنتها ... وهى تحاول نسيان ايام كانت تظل ليلتها ساهرة تبكي من قسوة حبيبها عليها .... من وحدتها .... من غربتها .... و كانت وقتها فقط تهفو لكلمة من أمها .. او حتى ان تسمع صوتها حتى لا تشعر بمثل ما كانت تشعر به ...... لطالما كانت سابين هى القلب الذى تلجأ اليه دائما لكنها لم تستطع ابدا ان تستفيض فى اخبارها بما يحدث لها لمعرفتها بشدة سابين و بأنها لن تسكت على ما يصيبها فتبدأ باشعال الحرب على فارس ووالده الذى كان قادرا على سحق سابين لو عارضت مخططاته .... الوحيدة التى كانت تعلم هى امها .... وكانت تنتظرها يوما بعد يوم ليرق قلبها و تأتى اليها فى منفاها البعيد لتؤنس وحدتها .... كانت بحاجة اليها بشدة ...لكنها لم تأتِ ابدا ..... وقد كسر هذا قلبها كما كسره فارس مرارا ......

لكنها الآن ما أن ارتمت فى حضن أمها حتى شعرت بأنها قد نسيت كل آلامها و أحزانها ....

استمرت ايثار فى مداعبة شعر سما ثم قالت بصوتٍ خافت

(ان فارس يمنعك من رؤيتى اليس كذلك ؟....)

اسرعت سما بالنفى سريعا و هى لا تعلم انها لا تستطيع الكذب ابدا ..... فابتسمت ايثار برقة وهى تقول

(هل يعلم انكِ هنا الآن ؟.......)

رمشت سما بعينيها ..كما تفعل عندما تكذب دائما ....فابتسمت ايثار اكثر وقالت

(هذا ما كنت اظنه ......)

ارتبكت سما ثم قالت وهى تنظر الى ايثار

(انه لا يقصدك انتِ شخصيا .... لكنه لا يجعلنى اختلط بالناس كثيرا )

اتسعت ابتسامة ايثار و لمعت عيناها بشدة كالنجوم و هى تهمس بشرود

(يبدو انه متعلق بكِ بشدة ....)

لم ترد سما بينما شردت هى الاخرى بعيدا .... بعيدا عند حبيبها .... هل حقا هو متعلق بها بشدة .... هل باتت مهمة لديه ام انه مجرد امتلاك ...... هل يحتاجها هى ام يحتاج رعايتها .....

ظلت عيناها الجميلتان شاردتان بعيدا وهى لا ترى الابتسامة الظافرة لايثار التى تراقبها دون ان يفوتها اى تعبير خرج من قلب سما الصغيرة ....لطالما كنتِ المفضلة لدى يا سما .... لم اشعر ناحية حلا و سابين بما اشعر به ناحيتك ..... و بالتاكيد انتِ من ستنقذنى حبيبتى .....

ارتفع رنين هاتف سما لتنتفض من شرودها حين طالعها اسم فارس فارتجفت بشدة و هى تعلم عمق المصيبة التى ستلقى عليها ....ابتلعت ريقها ثم ردت عليه بهمسٍ

(ن...نعم فارس ...)

صرخ فيها من الجانب الآخر

(اين انت؟.....)

ارتجفت سما بشدة و قالت متلعثمة

(أ...أنا ....ك...كنت ....)

قاطعها صوت صراخه من جديد ليهز الهاتف فى يدها بذبذباته

(انتِ عندها اليس كذلك ؟...... اجيبينى عليكِ اللعنة .... ذهبتِ دون ان آذن لكِ ....خرجتِ دون ان اعلم ....حسابك سيكون عسيرا يا سما ...)

كانت دموعها قد بدأت فى رسم خطوطا بيضاء على وجهها و اخذت ترتعش بشدة و هى غافلة عن ايثار التى تراقبها بصمت هازىء

حاولت سما الكلام وهى تهمس

( فارس لم يحدث .....)

قاطعها كالمجنون دون ان يعطيها فرصة للكلام

(اصمتى ... دقائق و اجدك امامى ...هل تفهمين ....)

هدأت سما تماما و صمتت للحظاتٍ بينما جفت عيناها تماما ثم اخذت نفسا عميق و قد بدأت تحس باحساس غريب يسري فى عروقها ليبعث سخونة فى اعصابها .... دفعتها هذه السخونة الى القول بمنتهى الهدوء

( سأبقى ... فارس )

ساد صمتا قاتلا فى الجهه المقابلة و لم تسمع الا انفاسا هادرة تكاد تحرق اذنيها .... ثم بعد عدة لحظات سمعت صوته يأتى منذرا بهبوب عاصفة هوجاء

( ماذا قلتِ ؟......لم أسمعك جيدا ....)

ردت بمنتهى الهدوء

(قلت اننى سأبقى فارس .... أمى تحتاجنى الآن و سأعود بعد ان انتهى من مساعدتها )

ساد نفس الصمت القاتل للحظات ثم همس فجأة

(اذا لم تأتِ حالا فلا تزعجى نفسك و تأتِ ابدا .......)

صمتت هى و صمت هو ...... بعد ان القى قنبلته و التى اصابتها فى مقتل و لم تتحدث الا انفاسهما المصدومة

تمكنت اخيرا من النطق همسا

( حسنا اذن .... ان كان هذا هو قرارك )

لم يجبها .... لم يستطع .... لم يستطع ان يصدق انها سما التى تكلمت الآن ..... مالذى حدث ؟.... كيف استطاعت ان تنطقها ... ولما الآن ؟....

سنين وهو يجرحها و يدفعها دفعا لتركه ... الا انها كانت تقاتل بشراسة لتبقى بجواره مهما فعل .....فما الذى حدث الآن ؟؟.....من اول مرة ترى فيها ايثار .... تنقلب عليه لتتخلى عنه بمنتهى البساطة ....

نعم ... نعم .... ما كان يخاف منه قد حدث ... وها هى سما تتسرب من بين اصابعه .... بعد ان كانت تتشبث به كأمٍ تأبى التخلي عن طفلها .....

اغلق الهاتف دون ان ينطق بكلمة ثم اغمض عينيه و هو يشعر لأول مرة بألمٍ كاسر ينهش اعماقه .... الما فاق الالم الذى شعر به حين فقد بصره ... و الذى شعر به حين فقد حبيبته .... و اى الم شعر به يوما ما

فالتى فقدها الان هى..... سما .....

سقط الهاتف من يد سما وهى لا تشعر بنفسها الا وقد بدأت تشهق بعذابٍ لا يمكن وصفه .... اخذت تبكي وتبكي حتى سحبتها ايثار الى احضانها الناعمة و هى تمسد شعرها .... ثم همست فى اذنها

(لا تقلقى ...سيأتى اليكِ حبيبتى ... لن يستطيع الاستغناء عنكِ ..ومن ذا الذى يستطيع تركك ؟.....سيأتى بعد ان يكون عرف قيمتك فى حياته ......وحينها.......وحينها تستطيعين املاء شروطك )

الا ان سما لم تكن تسمع شىء الا صوت بكائها بعد ان انهارت فى احضان امها

.................................................. .................................................. ..................................

اخذت حلا تتسلل على اطراف اصابعها حتى وصلت الى السيدة اسراء و التى لم تشعر بوجودها بعد , الا حين شعرت بذراعين تلتفان حول اكتافها من الخلف و قبلة ناعمة انطبعت على وجنتها وصوت حلا الرقيق يهمس 

(صباح الخير سيدة اسراء )

ابتسمت السيدة اسراء ابتسامة صارمة يتخللها بعض الحنان ثم قالت

(صباح الخير سيدتى ...)

ابتسمت حلا و هى تلف حولها لتواجهها ثم قالت بصوتها الرقيق

(لقد قلت لكِ سيدة اسراء الف مرة لا احب كلمة سيدتى هذه ابدا ......انا حلا ...حلا فقط )

عبست السيدة اسراء بعدم اقتناع و هى تقول

(هذا لا يليق ابدا سيدتى ....)

تنهدت حلا بيأس من هذه السيدة التى اختارها ادهم لحمايتها .... لا تعلم من ماذا تحديدا ... فهى الآن تشعر بأنها فى احسن حالة ...لا ينقصها شىء ابدا .... تستطيع النسيان ..... بل ستعمل جاهدة على ان تنسى......

لكن اولا يجب عليها ان تجد طريقة للتعامل مع السجن الذى فرضه عليها ادهم .... و اول اركانه هو السيدة اسراء التى تعمل على استمالتها اليها منذ عدة ايام لكن باستجابة ضئيلة جدا من السيدة اسراء التى لا تعرف التهاون ابدا ...... اذن سيكون عليها التحايل ... ابتسمت بحزنٍ بداخلها .....وهى تتذكر اياما بعيدة جدا ... جدا .... كان التحايل هو لعبتها المفضلة ..... حين كانت تتحايل على سابين و تجعلها تركض ورائها فى اروقة هذا القصر و هى تصرخ من شدة غيظها .... حتى يأتى هو ..... لينقذها من مخالب سابين المتوحشة ....كان يكلم سابين دائما بلهجةٍ جافة و هو يخبرها انها هى الاكبر سننا فيجب عليها الا تخيفها بهذا الشكل ......

تذكرت مرة حين انصرفت سابين من أمامه بغضبٍ تضرب الارض بقدميها و هى تشتم بلسانها السليط ., وما ان اختفت حتى حاولت حلا الجرى هاربة من الوحش الضخم الذى يرهبها بالرغم من دفاعه عنها دائما .... الا انها شعرت به يمسكها فجأة ليرفعها عاليا حتى اصبحت عيناها تواجه عينيه .... اصابها الرعب و اخذت تتلوى لتنزل الا انه امسكها باحكام و هو ينظر اليها عاقدا حاجبيه ثم قال بقسوةٍ

(الن تكفى عن مقالبك .....) ظلت صامته مرعوبة منه بينما تابع هو بنفس القسوة (انا اعلم انكِ عبثتِ باشيائى الخاصة امس)

لا تزال تتذكر كيف اصابها الرعب وقتها و هى تواجهه العينين الرماديتين القاسيتين ...... عادت الى لحظاتها الحالية الى نفس العينان الرماديتان التى لازالت ترهبها لكن...... لكن ..... لكنها رهبة مختلفة .....اصبحتا قادرتين على اشعال النار بداخلها لتسيل دمائها كحممٍ بركانية داخل عروقها .... احمر وجهها بشدة حين تذكرت ليلتهما السابقة معا ......

عادت الى السيدة اسراء نافضة سطوته الحديثة على عقلها ......ثم ابتسمت بسحرٍ و قالت برقة

(ماذا تفعلين سيدة اسراء؟ .....)

اجابتها بأدب

( اسجل ما نحتاج اليه , و احدد مهمات زينب و أمل وهدى لأوزعها عليهم .. بينما ارى ما لم يتم انجازه بالامس لاعيد اضافته الى اعمال اليوم ....)

كادت حلا ان تتثاءب الا انها منعت نفسها فى آخر لحظة و هى تحاول التظاهر بالاهتمام مومئة برأسها ....وحين انتهت السيدة اسراء من سردها الطويل ..... نظرت الى حلا من فوق نظارتها بتركيز ثم قالت بحزم

(انتِ لم تستمعى لأي شىء مما قلته اليس كذلك ؟.... حسنا سيدة حلا انتِ تردين قول شيئا ما فما هو ؟...)

ابتسمت حلا بدلالٍ مقصود وهى تحاول استرجاع سحرها القديم وهى تقول باحراج

(آآآ.... أريد النزول الى الحديقة قليلا ...)

أومأت السيدة اسراء برأسها وهى تقول بينما تجمع اوراقها

(حالا سيدتى ....)

قالت حلا بسرعة وهى تحاول السيطرة على نفسها

( لا داعى لأن تتركى ما بيدك سيدة اسراء .... لن يحدث ما يسيء ثانية ... أعدك ...)

لكن حين رأت علامات الرفض التى بدأت فى الظهور على وجه السيدة اسراء المتصلب قالت بسرعة و هى تجلس على الكرسي المقابل لها

( سيدة اسراء ... انا اعلم ان لديكِ ابنة متزوجة من سنى .... ماذا سيكون شعورك حين ترين ابنتك مسجونة مثلي بهذا الشكل ...)

تجهمت السيدة اسراء قليلا ثم قالت بتذمر بعد لحظات

(انتِ لستِ مسجونة .... السيد ادهم قلق عليكِ فحسب ...)

حاولت حلا الابتسام الا ان ابتسامتها جاءت مرتجفة بينما قلبها يصرخ عاليا من القلق وهى تقول بتلعثم

( هل ... اخبر...هل قال لكِ ...اى ...)

قاطعتها السيدة اسراء قبل ان تكمل

(لم يقل سوى انه يخاف عليكِ بشدة ...)

ابتسمت حلا بضعف و هى تفكر فى هذا الوحش الرقيق الذى يأبى ان يطلق سراحها .... اصبحت الآن فى الخامسة و العشرين و سيظل هو كظلها دائما .... حتى دون ان يكون موجودا ........

همست حلا اخيرا بضعفٍ يمس القلب

(انت لن تدعيننى اخرج وحدى ابدا اليس كذلك ؟......)

تنهدت السيدة اسراء ثم قالت باستسلام

(اسبقينى انتِ .... حتى اذهب لاحضار الافطار للسيد فارس ..و الاطمئنان عليه كما طلبت منى السيدة سما قبل ان تغادر..... فهو لم يتوقف عن ركل الجدران منذ الصباح الباكر )

ابتسمت حلا بسعادة مشرقة للمرة الاولى منذ ان عرفتها السيدة اسراء ...ثم قامت من مكانها بسرعة لتطبع قبلة ثانية على وجنتها و ابتعدت تكاد تجرى الى الحديقة بسعادة جعلت السيدة اسراء تعبس و هى تتسائل ... هل رفقتها مملة الى هذا الحد ......

لكن بعد لحظة من عودتها لاوراقها رفعت رأسها و هى تفكر ..... لماذا لا أشعر بالارتياح ...... اشعر ان اعصارا على وشكِ الهبوب مطيحا بالاخضر و اليابس .....وانا قلبى لم يخذلنى من قبل ابدا .....

الفصل الثالث عشر (2) 

قتربت منه ببطءٍ و هى تكاد تضحك من منظره و هو يرقص نفس رقصته الغبية .... مغمضا عينيه واضعا السماعات باذنيه ,منعزلا عن العالم كله .... لكنها الآن وهى قربه انه لا يرقص فقط بل يغنى اغنية غربية ... بصوتٍ اقل ما يقال عنه ..... انه الصوت الاكثر نشازا من بين الاصوات ....

ظلت واقفة خلفه تضحك و هو يروى الجزء الذى يقف فيه بالخرطوم و هويراقصه فى نفس الوقت .... ثم فجأة دار دورة سريعة و هو لا يزال يرقص مغمضا عينيه فاغرقتها المياه الباردة جاعلة اياها تشهق بصدمة عالية من برودة الماء ....فقفزت يمينا و يسارا لتتفادى الماء وهى تصرخ به ان يتوقف الى علا صوتها عن صوت الانغام الصاخبة فى اذنيه ..ففتح عينيه و احتاج لحظة ليستوعب ما فعله ..فترك الخرطوم على الفور و ازاح السماعات عن اذنيه ... وظل واقفا امامها لحظة لا يدرى ماذا يقول .... حتى انفجرت ضاحكة فجأة و هى تمسح الماء عن عينيها ....ابتسم من ضحكتها الرائعة وظل لحظاتٍ قليلة مستمتعا بهذه الضحكة الناعمة .... ثم قال اخيرا

(صباح الخير يا حلا ....)

توقف عن الضحك ببطء و هى لاتزال تشهق ثم تمكنت اخيرا من القول بعبوسٍ زائف

(صباح الخير يا هلال .... على فكرة انت احمق !!)

اتسعت ابتسامته ثم قال بسعادة

( انا اعتذر حقا ... لم اشعر بوجودك )

ابتسمت برقة تذيب القلب ثم قالت بهدوء

(هلال ... اردت ان اخبرك بشىء منذ فترة طويلة ............ انت ترقص بشكلٍ فاشل )

ضحك بخفة وهو يقول (اعلم هذا ..... انا لست اعد نفسي لمسابقة رقص )

قالت تبتسم (اذن لماذا ترقص ؟......)

اجابها بهدوء (لاننى احب ذلك ....)

قالت حلا (وهل تفعل كل ما تحب دون ان تهتم باحد ؟.......)

اجابها بخفة (ولما اهتم باى احد ؟......المهم ان افعل ما يرضيني )

خفضت عينيها تشعر بقرب دموعٍ آ تيه من اعماقها ... الا انها هزت رأسها قليلا و هى تهمس بداخلها ....سأنسى ...سأنسى ... حياتى رائعة و مكتملة ..... سأنسى ....سأنسى

راقبها وهو يشعر بتصارع غريبٍ للانفعالت على وجهها البرىء الذى لا يخفى شيئا مما بداخلها .....و لا يدرى لماذا يشعر بشعورٍ غريب يتملكه ... يريد ان يستحثها لتصرخ .... فقط ان تصرخ بصوتٍ عالى ....يشعر انها ستكون بخير ان فعلت هذا ...... لا يعلم لما يخبره احساسه بهذا ......

ظل ينظر الى شعرها الطويل المتطاير حولها بهمجية متناثرا فى كل مكان ...... يا الهى ما اجمله انه يلمع كالذهب رائحته الناعمة تصل الى انفه لتداعب قلبه .....

قال لها فجاة دون مقدمات (ماهو لون عينيكِ حقا ؟.....عسليتان ام خضراوان)

ارتفعت عينيها المتسعتين بدهشة اليه و هى لا تعلم ان كان من المناسب ان يسال مثل هذا السؤال ..... الا انها شعرت بداخلها انه يبدو شخصا لطيفا لا ضرر منه .....ظلت صامتة مترددة ... فقال هو بعد لحظات

(انهما مزيجٍ غريب بين اللونين ... لكن يتغير تمازجهما بتغير ما تشعرين به )

ظلت تنظر اليه فاغرة فمها قليلا .. ثم رمشت بعينيها و هى تقول محاولة تغيير مجرى الحديث بينما هى ترتجف قليلا

( لقد اخبرتني ان بامكانى زراعة ورودي الخاصة ....)

لمعت عينيه لحظة ثم قال (بالتاكيد تستطيعين ........ لكن اولا اذهبي لتغيير ملابسك المبتلة ....لا نريد ان تصابي بنوبة رئوية )

نظرت الى نفسها فذعرت من منظر ملابسها الملتصقة بها فاستدارت بسرعة لتجري و هى تقول

( لحظاتٍ و اعود لن اتاخر ....)

و انطلقت عائدة الى القصر و هى تتسابق مع الوقت لتعود الى حوض الورود الذى يكون لها فيه وردة باسمها قريبا ....

كانت تنزل درجات السلم بسرعة لتعود الى الحديقة بعد ان بدلت ملابسها .... لكنها اصطدمت بالسيدة اسراء فى طريقها ....فحاولت الكلام الا ان السيدة اسراء سبقتها الى الكلام وملامح القلق تبدو عليها

(السيد فارس .... فى حالة فظيعة لقد حطم كل ما بغرفته ...انه يبدوعلى وشكِ ارتكاب عملا متهورا ....)

لم تكد تكمل كلامها حتى وصلت الى اسماعهما صوت لعناتٍ و صراخ ... رفعت حلا و السيدة اسراء انظارهما الى اعلى السلم ليجدا فارس يحاول نزول السلم وهو فى حالة من الهمجية و الوحشية مما جعل منظره مرعبا بملابسه المشعثة و لحيته النامية اكثر من المعتاد و عيناه الحمراوان المتسعتان بوحشية تطل منهما ... نزل عدة درجاتٍ بتعثر فسارعت السيدة اسراء الى الصعود مرة اخرى حتى وصلت اليه لتحاول مساعدته الا انه دفعها حتى اوشكت على الوقوع ..... بينما هو يصرخ

( سأذهب لآتى بها ..... حتى لو اضطررت لأن اجرها من شعرها )

تمكن من نزول درجات السلم مرورا بحلا التى ما ان اقترب منها و هو بحالته الشرسة حتى صرخت مبتعدة عن طريقه دون ان تحاول مساعدته ....

لكنها استطاعت القفز جريا الى غرفتها لتتناول هاتفها و طلبت ادهم باصابعٍ ترتجف و ما ان اجابها حتى استطاعت بالكاد النطق ببعض الكلمات المتعثرة و هى ترتجف بشدة من الرعب الذى حاق بها منذ لحظات و تحاول فى نفس الوقت التقاط انفاسها بصعوبة و هى تشعر بالدوار يحيط بها و يجمع سحابة سوداء على ادراكها .....لكنها استطاعت سماع صوته الصارم و هو يتخلل الضباب المحيط بها ..

( حلا .... حلا ....استمعى الي جيدا .. حاولى اخذ نفسا عميق حالا ... لا داعى للذعر حبيبتى ... انا تحركت منذ ان تكلمتِ لحظات و سأكون عندك .... فقط خذى نفسا عميقا ببطء ....و لاتتحركى من مكانك ...ابقى مكانك يا حلا هل تسمعيننى حبيبتى ...)

ظلت ترتجف بشدة و هى تهمس بغير وعى

(سيقتلها... ستقفز من النافذة ... لو ...)

وصل اليها صوت ادهم و قد بدأ يعلو محاولا اقتحام الحواجز التى تبنيها بسرعة على حواف ادراكها

( حلا ... لا تخافى حبيبتى انا هاتفت حارس المدخل الآن و سيمنعه من الخروج الى اى مكان ..... خذى نفسا آخر و ابقي معى على الخط حتى اصل اليكم ...)

استمرت المكالمة بينهما ... من طرف ادهم فقط الذى اخذ يبعث اليها بكل الكلمات المهدئة التى تعلمها يوما .... اطمئن قليلا الى ان صوت انفاسها اخذ يهدأ تدريجيا بالرغم من انها لم تتكلم ... المهم الا تقوم بعملٍ متهور ...اللعنة يا فارس متى ستتعقل ...حتى الاطفال لا يتصرفون مثلك ....

وصل ادهم الى بوابة القصر ....لكنه لم يرى اى مما توقعه من قتالٍ بين فارس و حارس المدخل ... بل كان الهدوء المقلق يسود المكان ...ما ان دخل بسيارته حتى استقبله الحارس ... فسأله ادهم عن فارس ... اشار الحارس برأسه بعلامة ذات مغزى الى باب القصر فوجد ادهم فارس جالسا على السلالم الرخامية للمدخل بينما اغرق رأسه بين كفيه ...... فما كان من ادهم الا ان دخل بسرعة وهو يعيد الهاتف الى اذنه و يقول بهدوء

(لقد وصلت يا حلا .... فارس لا يزال هنا و لقد هدأ تماما ... اغلقى الخط الآن حبيبتى ... دقائق فقط و أكون عندك ....)

لم يغلق حتى سمع صوت تنهد ناعم من حلا ثم سمع همستها اخيرا

( الحمد لله ..اخيرا)

بالرغم من كل قلقة على فارس و كل الضغوط التى يعانيها ... الا ان همستها كانت لها تأثيرها عليه اشد من تأثير كل كلام الغرام الذى سمعه يوما ... ولم يشعر ان ظل ابتسامة ظهرت على شفتيه .....

وصل الى فارس ... الذى لم يرفع رأسه ... فجلس ادهم بجواره على السلالم و ناداه بهدوء ... الا ان فارس لم يرد و لم يرفع رأسه .. فمد ادهم يده ليربت على كتف فارس و هو يناديه مرة اخرى .... ظل فارس صامتا عدة لحظات ثم قال اخيرا بصوتٍ مهزوم

( لم استطع الوصول الى بوابة القصر يا أدهم ..... ظللت ادور و ادور و لم استطع الوصول اليها ....)

شعر ادهم بتمزق قلبه و لم يستطع الرد على فارس و هو يراه بمثل هذا الانكسار .... لحظاتٍ وصرخ فارس فجأة

(لما ستبقى معى ؟......اخبرنى يا ادهم ما الذى سيجعلها تبقى معى... )

رد عليه ادهم بصوتٍ هادىء واثق

( ستبقى لأنها تحبك ....)

ارتسم الألم بكل صوره على وجه فارس الذى اغمض عينيه ... ثم قال بعذاب

( تحب رجلا ... ظلت طوال معرفتها به تقوده من مكان لآخر ......)

قال له ادهم بعنف ( لا تكن اعمى يا فارس .... الا تستطيع ان ترى حبها لك ... ان كنت لا تراه فانت فعلا اعمى ...)

ظل فارس صامتا يحاول تصديق ما يراه الجميع و يشعر به فى داخله ..... لكن ان كانت تحبه فلما ليست هنا الآن بجانبه ....قال اخيرا لأدهم بعنف

( لقد اختارت البقاء مع ايثار يا ادهم ..... من أول مرة تذهب اليها .. اختارت البقاء معها ...الحقيرة التى لم تأتى مرة لزيارتها )

اقشعر جسد ادهم و نبض الغضب برأسه حين سمع الاسم الملعون .... الاسم الذى دمر حبيبته شر تدمير لا يعلم كيف يصلحه الى الآن

قال له ادهم يصرخ بصوتٍ خافت حتى لا يفقد اعصابه

( وهل ستتركها لها .... هل ستتركها يا فارس ... اياك ... هل تسمعنى ... اياك ان تقع فى نفس الخطأ الذى وقعت انا به حين تركت حلا ..... هل ترى كيف اصبحت حلا .... هل تتخيل ما الذى ممكن ان تفعله بسما ... والتى ستكون املها الوحيد الآن فستفعل كل ما فى وسعها لتستطيع السيطرة عليها ....)

صمت ادهم قليلا يحاول التقاط انفاسه بعد الغضب الاعمى الذى اطاح بعقله ... ثم قال بهدوءٍ صارم

( لقد قامت سما برعايتك طوال الفترة السابقة يا فارس ..... لقد آن الآوان لأن ترعاها انت الآن ... )

هدر فارس و قد انتقل غضب ادهم و خوفه اليه على سما الصغيرة

( هذا ما كنت انويه يا دهم ... كنت اريد الذهاب لآتى بها .... ولو بالقوة ...)

تنهد ادهم بنفاذ صبر وهو يقول حانقا

( لا تكن احمقا .... الا تتعلم ابدا ....سما لن تأتى بالقوة ابدا ....تغلب على ايثار يا فارس .. لا عطها الفرصة ابدا ...)

ظل فارس صامتا للحظات ثم قال اخيرا بتصميم

( ادهم هل تقلنى اليها ؟....)

ابتسم ادهم برفق وهو يقول

( بالتاكيد ... لن ندع سما لها ولو لليلة واحدة ....)

صمت لحظة وهو ينظر لاعلى ثم قال

( سأصعد لأطمئن على حلا قبلا .... لقد اثرت رعبها .... فارس سأحطم اسنانك لو اخفت حلا مرة اخرى ....)

ابتسم فارس شبح ابتسامة و هو يقول

( ومن الذى يجرؤ على الاقتراب من زوجة وحش آل مهران .....)

ابتسم ادهم و هو يصعد بسرعة الى حبيبته ... وهو يفكر .. فليفكر اى احد من الاقتراب من زوجة الوحش لينتهى عمره .......
.................................................................

رن جرس الباب فى شقة سابين ... فذهبت سما بتعب الى الباب و هى تتسائل ان كانت سابين قد نسيت مفتاحها .... لكن ما ان فتحت الباب حتى تسمرت مكانها و فتحت عينيها المتورمتين من شدة البكاء و نسي قلبها ان يخفق عدة مرات و هى ترى عشقها الوحيد وسبب عذابها واقفا امامها شامخا كفارسٍ مغوار اتى ليخطفها على حصانه ... ما هذه الابتسامة التى تغمر وجهه ... هل جاء ليجرحها ... هل جاء ليلقي الكلمة القاتلة ليغتالها بها بعد مافعلته صباحا ....هل جاء ل.... كيف جاء اصلا ؟.... قاطع صوته الهامس الحازم افكارها اللاهثة و هو يقول 

(ياسمينااا.....)

اصابها الاسم فى مقتل ليعيد تمزيق جروحها فصرخت و هى غير قادرة على التحمل اكثر

(انا لست ياسمينا يا فارس .... انا سما ... اسمى سماااا ... اذهب الى ياسمينتك.. هى ليست هنا )

انفجرت فى البكاء بعد انفجارها المجنون و الذى جعل عينيه تتسعان بدهشة من كلماتها المجنونة ثم تلمعان بشدة بينما انفاسه تتسابق للخروج من صدره فهمس اخيرا

( لكن انتِ هنا يا سما .... وانا لن اذهب بدونك ....)

توقفت عن البكاء تماما وهى ترى العزم على وجهه بينما عيناه تلمعان بشدة .. لكنها ابت ان تستسلم فقالت بهمس

( لكن انا مصممة على المجىء لمساعدة امى .....)

لم ينفعل لدهشتها و لم يظهر على وجهه اى تعبير حتى قال بهدوء

( لن امنعك عنها ... ستأتين لمساعدتها .... طالما ستعودين معى فى النهاية ...)

لم تصدق ما تسمعه ... ما الذى حدث له منذ الصباح الى الآن ... الا انها لم تستغرق سوى لحظة واحدة لتفكر فى الامر ثم قالت اخيرا

( دوما سأعود معك يا فارس .....)

تحرك الى الامام فى خطوة واحدة الى داخل الشقة دافعا سما للخلف بينما اغلق الباب خلفه ... ثم فى اللحظة التالية جذبها اليه مودعا كل انفعال هذا اليوم المجنون فى قبلته التى سحق بها شفتيها ......بينما طوق خصرها بذراعيه الحديديتين ليرفعها اليه قليلا ....... ارتفعت ذراعيها تلقائيا لتحاوطا عنقه بلهفة وهى تجاوب قبلته العنيفة بقبلاتها الناعمة حت كاد ان يفقد صوابه .....

(انا آسفة ..... انا آسفة ....) اخذت تهمسها بين شفتيه مرة بعد مرة حتى تأوه و هو يشدد من ضمها اليه ثم همس على بشرتها الناعمة

(هيا يا سما الآن حالا .... اريد ان اكون معكِ وحدنا ....)

(ما اجمل هذا .....) انطلقت هذه الجملة من خلفهما بصوتٍ مبحوح جعل ذراعى فارس تتصلبان حول سما فى حين تشنجت عضلاته وهو يرفع رأسه عن سما ببطء........

احمر وجه سما بشدة و حاولت التملص من بين ذراعى فارس الا انه كان كالقيد الحديدي حولها فأبى تركها مما ضاعف من احمرار وجهها فحاولت على قدر ما استطاعت ان تبتعد قليلا ثم قالت

( امى لقد جاء فارس ليأخذنى معه الآن ... لكننى سآتى اليكِ باستمرار )

قالت ايثار بصوتها الخافت الساحر

( اذن فقد رضى فارس عنى اخيرا ........رائع حبيبتى )

قال فارس لسما بهدوء محاولا عدم الانفعال

( اذهبى و جهزى نفسك يا سما لقد تأخرنا على ادهم هو ينتظرنا فى السيارة )

قالت سما بعد ان تركها فارس وهى قلقة من الجو المتوتر حولها

( فقط لحظة ... لن اتأخر ...)

وما ان اختفت حتى قالت ايثار بصوتها المخادع

(لقد مر وقت طويل منذ رأيتك آخر مرة يا فارس ....)

قال لها بسخرية ٍ حاقدة

(منذ يوم زواجنا انا و سما ....... كما لم تري سما من وقتها )

ردت عليه بهدوءٍ قاتل

( كنت مطمئنة من انها تحت رعايتك .....)

لم يفته تشديدها ال خفى على كلمة رعايتك .....الا ان ملامح وجهه المتصلبه لم تظهر اى شيء من حقده الدفين نحوها ثم قال اخيرا بهدوءٍ يماثل هدوءها

( على العموم ... سوف تجديننى امامك باستمرار .... فانا وسما لا نفترق طويلا ....)

ابتسمت ايثار ثم همست ( ان هذا يسعدنى بالتأكيد ......)

جاء صوت سما وهى تكاد تجرى من شدة لهفتها للعودة مع فارس ( انا جاهزة ..... )

مد فارس ذراعه فاتجهت سما اليه بتلقائية لتتعلق به و هى تقبل امها ثم ينطلقان معا ...... تاركين خلفهما عينين زرقاوين داكنتين تشتعلان نارا .....
.....................................................................
غمضت سابين عينيها و هى تحاول السيطرة على حنقها الشديد بينما تنقر بظهر قلمها على سطح مكتبها محاولة التركيز على الاوراق امامها .... الا ان صرخة اخرى من تالا جعلتها تزفر بغضب ثم قالت بحدة 

( تالا .... كفى لا استطيع التركيز ابدا )

ضحكت تالا بمرح ثم قالت

(الن تكفى عن هذا العمل الممل ....لن يغضب منكِ ابي ...هو اراد منكِ ان تجالسيننى , قال ان هذا سيكون عملك الاهم ...)

رفعت سابين رأسها تحاول ان تستوعب ما سمعته ... ثم قامت من مكانها ببطء و اتجهت الكرسي المقابل لمكتبها و جلست امام تالا لتسألها ببطءٍ خادع

( اعيدي الي ماذا قال والدك ؟........)

قالت تالا ببراءة وهى تؤرجح ساقيها بسعادة

(قال ان هدفك الاول سيكون الاعتناء بي ........ولن يشغلك عملك عنى ابدا ....)

لم تتغير تعابير وجه سابين و لم ترمش حتى بعينيها ثم حاولت استدراج تالا اكثر وهى تقول

( وماذا قال والدك عنى غير ذلك ؟..........)

ابتسمت تالا بخبث و ترددت مماجعل اعصاب سابين تحترق اكثر ... ثم قالت تالا

( حين قلت له انكِ تبدين ..... اقصد انكِ لستِ كصورة امى ....)

استحثتها سابين اكثر بابتسامة تسحر اى طفل

( ماذا قال تالا ؟........ سيكون هذا سرنا الخاص )

اتسعت ابتسامة تالا بسعادة و قد وقعت فى الفخ بسهولة فقالت

(قال ...انه ليست هناك من هى مثل امى ابدا .....)

رجعت سابين الى ظهر الكرسي ببطء بينما شعرت فجاة ببركانا من الغضب طاف فى اعماقها ... مالذى يحدث لها ؟..... كيف ان كلمة ساذجة من طفلة سخيفة تقلب كيانها الى هذا الحد ..... انها كلمة طبيعية منه لطفلة يتيمة نسيت امها ..... لكن لماذا هذه النيران المشتعلة فى اعماقها .....هل حقا هذا ما يراه ....

قالت سابين بنعومة ( اخبريني يا تالا هل أمك جميلة ؟........)

ردت عليها تالا بحماس ( انها رائعة الجمال .........)

شعرت سابين بالتحفز اكثر و اكثر ..... ثم قالت مرة اخرى و هى غير قادرة على التوقف

(و هل والدك ........)

( ماذا به والد تالا ؟.............)

انبعث هذا الصوت العميق الذى اعتاد ان يرسل الذبذبات الى اعماقها من باب مكتبها ..... راقبته سابين و هى ترفع حاجبها الايسر قليلا من منظره الضخم الرائع و هو يدخل الى المكتب كبطلٍ من الابطال بينما عيناه تجريان عليها بشغفٍ اثارها فى الحال

وصل اليهما بينما قفزت تالا لتتعلق به ....ثم قالت سابين بصوتٍ كصوت القطط الناعمة

؛(لقد وصلت اخيرا .....)

ابتسم احمد بخبث و هو ينظر اليها بشغف ثم قال

(هل تأخرت عليكما ......)

ردت سابين بابتسامة ساحرة زائفة وهى تهمس

( لا ....ابدا .... فقط اليوم كله تقريبا .....)

اجابها احمد و هو ينظر الى تالا المشعة من السعادة و المرح

( هل سببت تالا لكِ اى ازعاج ؟........)

نظرت تالا الى سابين منتظرة اجابتها .... بينما ظلت سابين صامتة عدة لحظات ثم اجابت

( لم يكن هناك ازعاج على الاطلاق ...... فهذا هدفى الاول ....)

نظر احمد الى تالا بعتابٍ مازح ثم قال اليها

(حسنا ايتها الواشية الصغيرة ....... يمكنك النزول للعب فى قسمك المفضل حتى نأتى و نصطحبك ....)

انطلقت تالا تجرى الى الباب و هى تلوح لسابين قائلة ( لا تتأخرا .....)

لوحت سابين الى تالا بصمت ثم قامت من مكانها لتعود الى كرسي مكتبها وتقول بعملية

( امامك القليل من الوقت لتنجز اعمال اليوم معي .....)

عبس احمد و هولا يزال مبتسما ثم سار حتى وصل الي سابين التى تتظاهر بتجميع اوراق العمل بينما كل اعصابها تلتهب من وجود هذا الكائن المفرط فى الرجولة و الذى يطل عليها من علو .... ثم لم يلبث ان انحنى عليها و همس فى اذنها

( يبدو ان الجميلة غاضبة مني .....)

لم يظهر اى انفعال على وجه سابين وهى ترد عليه ببرود

(ولما اغضب سيد احمد ......)

ضحك احمد ضحكة مغوية تغلغلت الى اعماقها لتقلبها رأسا على عقب ثم استقام و هو يقول

( حسنا آنسة سابين احضرى الاوراق و تعالي الى مكتبي ........)

ثم سار مبتعدا الى مكتبه وما ان اختفى حتى ابتسمت سابين ابتسامة ساحرة بينما قلبها ينتفض ثم سارعت الى لملمت بعض الأوراق دون ان تأخذ حاسبها .... فالعمل ليس فى تفكيرها حاليا ......وهما بالتاكيد لن يضيعا وقتهما فى شىء ممل مثل العمل .....

سارت الى مكتبه و دخلت بهدوء لتراه جالسا على كرسيه ..... شعرت باحساسٍ غريبٍ عليها من حنان لم تشعر به سوى تجاه شخص واحد فى حياتها و هى تراه يسند رأسه الى كفيه و قد بان عليه التعب ......

سارت بهدوء هى تعلم انه يسمع نغمة كعبي حذائيها العاليين .... التفت حول مكتبه ووضعت الأوراق عليه بلا مبالاة .... ثم دارت حول كرسيه لتصبح خلفه وهى تضع يديها على كتفيه و تبدأ فى تدليكهما ..... شعرت في البداية بعضلاته تتشنج تحت اصابعها ثم استرخى تماما وهو يتأوه بصوتٍ خافت ..... ظلت دقائق طويلة تمسد عضلات كتفيه و تصعد اصابعها الى عنقه .......بينما شعرت بأن صوت انفاسه بدأ يعلو قليلا مما جعلها تبتسم .......الا ان الابتسامة لم تلبث الا ان اختفت و حلت محلها الصدمة حين سمعت سؤاله الفظ دون حتى ان يرفع رأسه

( هل كنت ِ تفعلين ذلك مع مازن ؟.......)

تركت اصابعها اكاتفه فى لحظة ٍ و كأن نارا احرقتها بينما تصاعد الغضب فى داخلها كالاعصار .......ثم لم تلبث ان ابتعدت تنوي الخروج الا انه لم يسمح لها سوى بالتحرك خطوة واحدة قبل ان يرفع رأسه و يمد يديه الحديديتين ليمسك بها من خصرها و يجذبها الى حجره رغم مقاومتها الواهية

صرخت سابين به وهى تتلوى (اتركني احمد ......)

رد عليها بصرامة وهو يحكم امساكها (ليس قبل ن تجيبينني .....)

كفت عن المقاومة و هى تنظر اليه بشراسة ثم قالت بعنفٍ كنمرة ( لقد اتفقنا الا نذكر اسم مازن بيننا ابدا ......)

رد عليها بنفس الشراسة وهو يشدد على خصرها بيديه ( اجيبيني سابين ......)

اخذا يتنفسان بسرعةٍ كمصارعان فى الحلبة و عيناهما لا تحيدان عن بعضهما البعض .... ثم قالت سابين اخيرا

(وهل ستصدقني ........)

اجابها بكل ثقة ( نعم سأصدقك ......) اصابتها كلمته البسيطة فى الاعماق فهى تقريبا لم تسمعها من غيره قبلا .....

ردت عليه بعد عدة لحظات بمنتهى الوضوح ( لم يلمسني مازن يوما و لم المسه انا ايضا ......)

ظل ينظر الى اعماق عينيها دون ان يظهر عليه انه سمعها .... ارادت ان تعيد ما قالته الا انه لم يمهلها فمد يده و سحب نظارتها من على عينيها ليرميها على سطح مكتبه بإهمال .....ثم يمد نفس اليد ليجذبها من ذقنها اليه و يلتهم شفتيها بشفتيه .......غابت عنهما الدنيا .... وغاب عنهما مازن كأنه اصبح شخصا وهميا ......

نزلت اصابعه بعد عدة لحظات من الجنون الى عنقها تلامسه برقة ثم تابعت نزولها .... وما ان شعرت به يحاول العبث بأول ازرار قميصها حتى ابعدته بسرعة و هى تلهث .....ثم قالت بصوتٍ مرتجف

( لقد نسينا اين نحن .........)

رد عليها بصوتٍ عميق بينما صدره يعلو و يهبط ( لقد انسيتني نفسي......)

ابتسمت برقةٍ بينما تشعر بداخلها بأعاصير السعادة .... احمد مهران بنفسه يطلق هذه الجملة ... شعرت فى هذه اللحظة بأنها مدت يدها و استطاعت لمس نجوم السماء ..........

.................................................. .................................................. ............................

كانت خرافية ..... اسطورة .... اسطورة اغريقية قديمة ..... ساحرة خرجت من كتب الاساطير ... لم يكن هناك عروسا وجدت اكثر منها جمالا وسحرا .... خطفت اليها الأنظار و سبت القلوب بروعتها ....و تعالى الهمس من حولهما و هو يراقصها و هى بفستان زفافها .......كان المكان مظلما نوعا ما ... لا يضيئه الا انوارا ضعيفة اظهرت روعة العروسان وهما يرقصان على انغامٍ ناعمة

همس و فمه يلامس اذنها ؛( لا أصدق اننى امسك شيئا بهذه الروعة بين ذراعي .......)

رفعت نفسها لتلامس فكه الصلبة بأنفها و هى تستنشق رائحه التى اسكرتها.......بينما اخذ هو يضمها اليه اكثر غير مبالي بنظرات مئات المدعوين فى هذا الزفاف الأسطوري ....

بعد لحظاتٍ لا تعلم ان كانت طويلة ام قصيرة شعرت به يتصلب بين ذراعيها و هو يرفع رأسه و ينظر خلفها .... لكن قبل ان تستدير سمعته يقول بصوتٍ اجش ...

(اذن فقد تمكنتِ من الحضور ؟..........)

التفتت سابين تنظر خلفها لترى امرأة مهيبة ... وقورة تبدو عليها العظمة وآثار جمالا قديم ابى ان يفارقها .......ثم سمعتها تجيب بصوتٍ مهيبٍ خلاب تتذبذب فيه رقةٍ تأسر الروح

( لم اكن لافوت زفاف ابني الوحيد ......)

صدمت سابين تماما حين وجدت نفسها امام والدة احمد مهران و عمة ادهم وفارس .... كان هناك لهذه السيدة روعة خفية تجعل من يقف امامها يفقد القدرة على النطق او التحرك فى محرابها .......ثم همست السيدة المذهلة

( كما اننى كنت اتحرق شوقا لرؤية عروسك الجميلة ......)

اقتربت اكثر من سابين .... ثم مدت اصابعها لتتلمس وجه سابين بنعومة ٍ افقدتها القدرة على النطق و هى ترى ملامح السيدة المأسورة بها .......و التى همست اخيرا

(قال الجميع انكِ نسخة من أمك ....... الا اننى الآن ارى صلابة والدك تنبعث من داخل عينيكِ ......)

اتسعت عينا سابين و هى تهمس (أبي.......)

بينما لم ترى الملامح الشيطانية لأحمد من خلفها ...............................


الفصل الرابع عشر (1) 

كان اليوم منذ الصباح الباكر , يوما مشحونا متوترا لدى الجميع .... بل قد يكون يوما لمثار فضول و احاديث البلدة لها .... فاليوم زفاف احمد مهران من امراءة شديدة الجمال تدعى سابين الراشد ... لمن لا يعرفها ....
الجميع ينتظر حفلة الزفاف الأسطورية فى المساء ..... حفلا تم الاعداد له بمعجزة خلال ايام معدودة .... فستان زفاف تم طلبه من الخارج ليأتى للعروس على جناح السرعة ..... الوردود و الطعام تم توصيلهم صباحا من الخارج ايضا .....
الجميع على احر من الجمر يتنظرون حلول المساء لحضور هذا الحلم ... . من لا يعرفها يتسائل من هى وهل هى على هذا القدر من الجمال الذى يحكى عنها ..... ومن يعرفها يمط شفتيه ليتسائل كيف استطاعت ان تسقطه بهذه السرعة و السهولة وهى التى لا تحمل نفس الاصل و النسب .... مجرد موظفة فى مجموعته حتى وان كانت تملك سلطة اكبر من حجمها فى المجموعة فمهما كان ستظل موظفة و من عائلة الراشد .....
ومن يعرف انها ابنة ايثار الراشد تحديدا ...... يصدم صدمة عمره من قدرة الابنة على الايقاع بالمارد بعد ان اوقعت امها بالامبراطور .....و من يعرفهم جيد ... لا يندهش كثيرا ... فهذه هى الحلقة الناقصة فى سلسلة وقوع رجال مهران فى فخ ثلاث فتيات ... هن بنات زوجة الامبراطور .....
مشاعر مختلفة لدى قلوبٍ عديدة من اثارة... فضول..... غيرة ....و قد تكون حقد..... الان المشاعر الايجابية التى تحمل فرحا صادقا قد تكون منعدمة ..... اللهم الا صغيرة جميلة اسمها سما .... وطفلة لا تختلف عنها كثيرا اسمها تالا .......
و هذا الصباح....... فى قصر آل مهران كانت المشاعر المشحونة على أشدها ............
............. .................................................. ..................................
( لا أريد الذهاب يا ادهم ..... أرجوك )
خرج صوتها الرقيق يحمل نعومة ٍ محتالة.......تجعل قلبه يشتعل نارا وتثير فيه همجية الرجل البدائى الذى يرغب فى الانقضاض عليها و التهامها كلها دفعة واحدة ........
نظر اليها و هى مستلقية على صدره كقطةٍ بيضاء ناعمة ....... ما اجمل الاستيقاظ وهى بين ذراعيه ......لقد اغرقها ليلة امس فى بحر مشاعره الهوجاء مرارا ..... حتى خاف عليها اخيرا و قرر تركها ....
منذ ان استسلم لها و استسلمت له تلك الليلة و هو لا يكتفى منها ابدا ...... اصبحت تجري فى عروقه و تتداخل مع انفاسه ....الا ان هناك فى داخله همسا يطل برأسه القبيح ليسأله ان كان ما يفعله صحيحا او ان استسلامها المطلق له طبيعي .....
شعور من تأنيب الضمير يمزقه .... فهو ينهل من نبع السعادة معها...... او بالاصح منها , و يؤجل الأمر المحتوم الى ان يشبع منها ... الا ان الظاهر امامه انه لن يشبع منها ابدا .... فالى متى سيؤجل علاجها ........
لو كان الأمر يقتصر على كوبيسها ليلا .... وعلى الذعر الذى ينتابها فى الكثير من المواقف المخيفة بالنسبة اليها ..... لكان حاول ان يخدع نفسه ......
الا ان ما يقلقه هو انها أحيانا كثيرة تنسى بعض التفاصيل من الانهيارات التى تصيبها ..... احيانا اخرى تهذى بكلمة ٍ او بأخرى دون ان تدري .... كحين اتصلت به و هى فى حالة ذعر من غضب فارس ..... اعتقدت ان سما ستقفز من النافذة حين تواجهه غضبه ......لكن حين ذكرها بما قالته , انكرت تماما .......
لكم هو خائف عليها .... يذهب الى عمله كل يوم تاركا روحه بجانبها تحرسها من أشباحها ....... هل من الممكن ان تؤذى نفسها ؟...
لا يظهر عليها ذلك , فهى تبدو و كأنها تحاول استجماع قطع حياتها المكسورة تحاول جاهدة ان تعود لإشراقها القديم .... تحاول رسم ابتسامة ترميم على شفتيها باستمرار ....... تحاول ان تسعده .....آآآآآه ولكم تسعده .... لا .... انها تلقيه فى فوهة بركانٍ من البهجة و السعادة ...... لو مات من نوبة قلبية قريبا , فستكون هى السبب بالتأكيد ......
عاد يتطلع اليها مبتسما و هو يقول بحزمٍ يداخله الضعف من دلالها الماكر عليه 
( بل سنذهب يا حلا ...... لن يكون من اللائق ابدا الا نحضر زفاف احمد مهران )
اخذت حلا نفسا عميق و هى تحاول عدم الاستسلام 
( اذهب انت ...... فلست انا من يهم وجودى )
زفر ادهم و هو يقول بحزمٍ اكثر 
( اخبرتك اكثر من مرة يا حلا بما يتوجب عليكِ كزوجة ادهم مهران ......لقد آن الأوان لتتحملى المسؤلية )
انقبض قلبها و هى ترى الطرق تغلق امامها .... لن تستطيع ... لن تستطيع مواجهة هذا الجمع الضخم من البشر .... لن تستطيع و لاتريد .... لحظاتٍ وقالت مرة واحدة بصوتٍ متشنج عالى وصارم
(لن أذهب و هذا قراري النهائي ...)
نظر اليها بدهشةٍ وهو لا يصدق نبرتها التى خاطبته بها ..... يمكن للمرة الأولى , صمت قليلا و هو يشعر بانفعالين متناقضين احدهما الغيظ منها ومن جدالها فى امورٍ غير مقبولة على الإطلاق و الغضب من لهجتها الحادة التى لا يجرؤ احد على مخاطبته بها ...... وشعورٍ خفىٍ آخر نبع فى داخله فجأة بالسعادة من فورة الشجاعة المفاجئة التى واتتها لتواجهه بهذه النبرة ..... ...... 
كتم الشعور الثانى بداخله و قال بلهجةٍ حاول ان يودعها بعض الحسم 
( لا تخاطبينني بهذه اللهجة يا حلا .........)
زمت شفتيها و هى تعبس كالأطفال بينما شعر بقلبها يضرب بشدة تحت يده كأرنبٍ مذعور ......لم يستطع مقاومة حلاوتها و هى عابسةٍ ترفض النظر اليه ..... فانكب عليها فجأة بقبلةٍ جائعةٍ متوحشة قبل حتى ان تستطيع اخذ نفسا قبلها .... ظل يقبلها و هو يحرك شفتيه فوق شفتيها يمينا و يسارا حتى كادت ان تختنق بين ذراعيه فدفعته بضعف لتحاول التقاط انفاسها ......
تركها على مضض ليتنفس هو الآخر بصعوبة بينما استغلت هى الفرصة لتقفز من الفراش بسرعة و تلتقط روبها وترتدية تحت انظاره العابثة حتى جرت الى الحمام و اغلقت الباب خلفها .....الا ان بعد لحظةٍ واحدة سمعته من خلف الباب يقول بلهو 
( لا تتأخرى حلاى ....اريد ان ..... اهمس لكِ بشيءٍ سري )
ابتسمت بخجل و هى غير قادرة على التنفس بشكل طبيعي بعد... 
سمعت صوته الذى يزداد عبثا يقولبعد فترةٍ ليست بطويلة
( افتحى الباب يا حلا و الا فلا تلومى الا نفسك .......)
ضحكت ضحكة صغيرة خائفة قليلا وهى تعض على شفتها السفلى متخيلة بماذا يريد ان يهمس لها ..... اخيرا سمعته يقول بصوتٍ بان فيه الجفاء 
( حسنا ..... انا خارج ابقي انتِ كما تشائين )
ثم سمعت وقع اقدامه الغاضبة و هى تبتعد .... شعرت ان قلبها سقط بين قدميها .... لقد غضب مني... وسيذهب ....
فتحت الباب ببطء وخرجت و هى تشعر باحباط فظيع .... كانت تحاول ان تمزح معه فقط ....لكنها صرخت بشدة حين شعرت بذراعٍ حديدية تلتف حول خصرها و ترفعها لأعلى و صوته القوى يهمس فى أذنها
(اهدئى حبيبتى .... انه انا )
اخذت تتنفس بسرعة محاولة السيطرة على ضربات قلبها بينما اخذ هو يقبلها اسفل اذنها برقة ٍ حتى هدأت تماما و استسلمت له وهو يهدهدها بين ذراعيه ثم لم لبث ان ادارها لتواجهه و رفعها مرة أخرى بين ذراعيه لتصبح عينيها المشعتين تواجهه عينيه ظل صامتا عدة لحظات ينظر فى عمق عينيها بينما هى تبدو كالمنومة مغناطيسيا .... الى ان قال لها أخيرا 
(هل تثقين بي ؟.....)
أومأت برأسها بصمت .... فابتسم و السعادة ترفرف بداخله من هذه الايمائة الغالية عليه ثم قال بثقة 
( اذن سنذهب معا ... و سنواجهه العالم كله )
همست بصوتٍ مرتجف و هى مطرقة ٍ برأسها 
( لم اواجه احد منذ ما يقارب العامين ...... ان تعرف احدا علي الآن س .......)
قاطعها بحزم و هو يقول (لن يجرؤ احد على مس شعرة منكِ حبيبتي )
اقتربت بوجهها منه ببطء ثم اخذت تلامس ذقنه النامية بشفتيها الناعمتين ثم همست بإغواء تحاول اتقانه 
(ولما لا نبقى نحن الاثنين ......هنا وحدنا )
تأوه وهويضحك ضحكة صغيرة ...... مدركا ابعاد لعبتها و التى تحاول ان تلعبها هذه الايام كثيرا حين تريد شيئا ..... وهو ببساطة يريد الوقوع فى خداعها اللذيذ لأبعد الحدود ..... بطيب خاطر وهو مفتوح العينين .... الا انه قاوم نفسه و هو يأخذ نفسا عميقا ثم يقول 
( بل سنذهب ..... زوجة ادهم مهران لا يجب ان يخيفها اى شيء فى هذه الدنيا ..... وحتى ان لم اكن على قيد الحياه اريد ان تعدينني ان تظلى دائما ......)
انمحت باقي كلماته تحت صدمة شفتين ناعمتين انفرجتا برقةٍ على شفتيه ......... لكن قبل ان يذوب بها تماما سمعها تهمس بعذاب متوتر
(سأذهب .... طالما لن تتركنى )
همس بوحشية و هو يعتصرها اكثر بين ذراعيه ( ابدا .... ابدا يا حلا ...طالما فى صدري نفسا يتردد)
ثم همس بعنفٍ لها بعد لحظات من الشوق العاصف بينهما وهو يضع ذراعه تحت ركبتيها و يرفعها ليتجه بها الى الفراش 
( و الآن اخبريني ...... ماالذى كنتِ تنوين فعله ان بقينا هنا هذه الليلة )
تعلقت بعنقه وهي تعبس بشقاوة ثم تقول 
( هذا غش .....نحن لن نبقى )
مال بوجهه عليها بينما يده تعبث بربطة روبها ثم يقول بلهو 
(كان يجب ان تفكري مرتين قبل ان تعبثي مع الوحش ......)
ثم لم يعد هناك مكانا لأي كلام بينهما ..........
.................................................. .................................................. ...........................
وفى غرفة اخرى من غرف القصرتعالى هتافا حانقا نافذ الصبر 
(لن أذهب ..... لا أريد الذهاب لأكون التسلية الجديدة لهذا الوسط )
اقربت سما ببطء من خلف هذا الطفل الصعب المراس و هو ينظر من النافذة عاقدا حاجبيه زاما شفتيه بحنق .... فمدت ذراعيها لتحيط خصره و تسند خدها الى ظهره تتنهد بيأس ثم همست برقة 
( وهل سأهون عليك يا فارس لتتركني اذهب بمفردي ؟........)
اخذ يهز ساقه بعصبية و هو يعانى من صراعا بداخله ثم قال بعصبية 
( لا تذهبي .... ابقي معي )
رفعت سما رأسها بسرعة وهتفت بجزع 
( لا يا فارس ارجوك ..... انها سابين ... انه زفاف سابين , انا احترق لرؤيتها بفستان الزفاف .... )
وحين لم يرد زادت من ضم خصره اليها و هى تهتف 
( ارجوك يا فارس ..... ارجوك ....ارجووووووووك )
لم ترى وهى خلفه ابتسامته الحانية التى لا تظهر الا نادرا ...... ثم قال بصوتٍ اجش 
( الن تخجلى من مرافقة رجلا اعمى الى حفلا كهذا .........)
ادارته اليها و هى تنظر اليه بدهشة ثم قالت بقسوة 
( اخجل منك ؟!!! انت فارس مهران ..... اياك ان تنسى هذا ابدا ... انا لن اسمح لك بأن تنسى حتى و ان اردت انت ......)
ظل ينظر اليها و صوتها ينفذ الى اعماقه ليفجر ذكرى قديمة لفتاةٍ اعطاها قلبه و البسها خاتمه ...... كان صوتها حين سمعه لآخر مرةٍ يهمس بخجلٍ ( انا آسفة يا فارس ..... انا آسفة حقا .... لا استطيع مواجهه مجتمعي بزوجٍ اقل من المستوى الذى رسموه لي ....انا لست بهذه القوة ..... لكن سأظل احبك دائما ...) ثم شعر وقتها بأصابعها تلمس يده وتفتحها لتسقط فيها شيئا معدنيا باردا عرف انه خاتمه ....
و كان يظن ان قلبه تحطم وقتها ...... الا انه عندما ظن ان سما تركته و اختارت ايثار .....عرف حينها معنى الموت حيا ....صغيرته ..ملكه ... لن يتركها ابدا .....
مد يده الى وجهها الناعم و اخذ يتحسسه برفق ليرى الملامح التى حفظها بيده آلاف المرات.... ما اجملها .... الصغيرة المقاتلة ....
قال اخيرا و ظل ابتسامة يلوح لى شفتيه 
( ماذا ستدرتدين ؟...............)
نظرت اليه فاغرة فمها دهشة من استسلامه السريع ... و لحظة واحدة ثم استطالت لتتعلق بعنقه شاهقة و هى تقفز من السعادة بينما هو يضحك بخفة شاعرا ان كل مايحمله من هموم ٍ قد القى من على ظهره و لو مؤقتا ....... 
.................................................. .................................................. ..................................
؛( لا اصدق هذا ...... لا استطيع تصديق انك تمكنت من اقناعي باصطحابك معي!!!!.......)
نظر اليها فارس ببراءة و هو يقول 
( وما العيب فى ان يصطحب زوج زوجته لشراء فستان ..... الا يحق لى ان ابدي رأيي ؟.......)
نظرت اليه عابسة ثم تطلعت حولها لترى ان كان هناك من يراقبهما ...... ثم قالت هامسة بغضب 
( بهذه الطريقة ؟!!!!....... فارس ما تفعله غير لائق على الاطلاق .......)
ابتسم بخبث و هو يمرر يديه على طول جسدها ليستطيع رؤية الثوب الحريري الذى ترتديه .... الا انه اضطر ان يعيد ما يفعله للمرة الثالثة نظرا لأن الثوب هو آخر ما يفكر به ...... ماهذا القوام ؟.... متى كبرت بهذه الطريقة المتفجرة ؟...... هل يراها الجميع بهذه الأنوثة المتفجرة الا هو ...... شعر بالنار تشتعل فى اعماقه من كل عين نظرت اليها قبله .......كبت شعوره الخانق بداخله حتى لا يظهر على وجهه فيخرب فرحتها ......
لقد آن الأوان ..... لم يعد يطيق الإنتظار اكثر .... الليلة .... الليلة سيجعل منها زوجته , وما المانع فى ذلك ؟ .... انها تبدي نحوه استجابة تذيب الحجر ..... من الذى يستطيع مقاومة هذه المهرة الجامحة.......... 
لقد قضي الأمر و ستصبح ياسمينا ملكه الليلة ...... انها فى حالة عاطفية متوهجة بسبب زفاف سابين وهذا سيخدم هدفه ..... اخرجه من تفكيره صوتها الهامس و المختلط بضحكة خفية غاضبة و هى تقول 
( يا الهى لن اتعجب ان طردونا من المتجر الآن ......... لقد نظرت الينا سيدة رفيعة المستوى باشمئزاز للتو يا فارس )
اجابها بسرور ( دعكِ منها ...... انسيتي انك ِ مع فارس مهران .... استطيع جعل صاحبة المكان تطرد جميع الموجودين ..... وتغلق علينا المتجر ...... لأجعلك تقيسين كل ثوب موجود هنا )
احمر وجهها بشدة و هى تقول ؛( كفى عبثا يا فارس ..... لم اكن يوما بمثل هذه الصفاقة )
تظاهر بالتفكير لحظة ثم قال مبتسما بمكر 
( استطيع تذكر بعض المناسبات كنتِ فيها اكثر صفاقة بكثير ........)
اصبح وجهها الآن بلون الكرز و هى تعلم تماما اي المواقف يقصد ..... المخادع ....... تذكرت حين اقنعها بتغيير ثوب السباحة امامه .... كيف كانت بمثل هذا الغباء ففعلت ما طلب ..... فما ان انتهت من خلعه بصعوبة وتعثر تحت انظاره التى لا ترحم و المصوبة تجاهها بدقة السهم , حتى رأته برعبٍ يقترب منها ببطء و عينيه كعينا دبٍ مفترس ..... وقفت لحظة ذاهلة ثم صرخت 
( لم انتهى فارس عد الى مكانك ..... )
الا انه لم يعد بل ظل يقترب منها دون ان تختفى الابتسامة المفترسة من على شفتيه ..... تمكنت لحظتها من الجرى يمينا تبتعد عنه الا انه غير اتجاهه يلحق بها ..... فصرخت مرة اخرى ( فارس توقف هذا ليس مضحكا ......)
فضحك بعبثٍ و هو يتجه نحوها محددا اتجاهها بكل دقة ....... فجرت الى ناحية اخرى و هى تصرخ ( فارس .... لقد وثقت بك ) 
اجابها ضاحكا ( اذن فهى غلطتك ..... كيف تثقين فى رجل يرى امامه .....) 
لم يكمل كلامه ... بل اندفع مرة واحدة ليعتقلها بين ذراعيه وهو يضع يده تحت ركبتيها و يرفعها اليه مقبلا اياها بشغفٍ قاتل و هو يدور بها ..... يدور و يدور وقبلاته لا تتوقف ..... حتى ظنت انها فى دوامة وسط بحرٍ هائج ........ و هى التى كانت تظن انها فشلت فى اغواءه ......
لكن كالعادة تركها و هو يلهث مبتعدا عنها و هو يخبرها انه سينتظرها فى الخارج ........ بعد ان كادت تذوب به تماما ...... 
عادت من افكارها لتنظر اليه بغضبٍ يخالطه الاحباط ...... الى متى سيظل يتلاعب بها و يعطيها دروسا فى الحب غير مكتملة ..... 
ابعدت يديه عنها بحزمٍ وهى تقول بعد ان عاد اليها الاحباط ( توقف يا فارس...... لقد احرجتنى للغاية )
ابتعد عنها حين لاحظ تغير مزاجها ..... و هو يشعر تماما بمثل ما تشعر به , بل لا يقارن به اصلا .... لكن صبرا ياسمينا فالليلة ستكونين انتِ العروس صغيرتي .... ابتعد اكثر عند هذه النقطة حتى لا يفقد اعصابه هنا فى هذا المكان ........
قال اخيرا بصوتٍ اجش من العاطفة ( يبدو انكِ قد اخترتى الثوب اخيرا ......)
قالت عابسة ( لم اختره انا فهذا هو الوحيد الذى لم تبدي اعتراضك عليه ......)
سألها و هو يبدو مهتما ( صفيه لي ......)
قالت له ( اطمئن فكما تكفلت بنفسك و تأكدت .... هوحريري طويلا يصل الى الأرض لكن اكمامه شفافة قليلا تصل المرفقين و عليها تطريز رقيق .... هو ضيق حتى الوركين ثم يتسع اتساعا بسيطا الى اسفل .....)
سألها بهمس اضعفها ( ما لونه ؟............)
قالت له برقة و الابتسامة بدأت فى الظهور مرة اخرى على شفتيها من اهتمامه الجدى هذه المرة 
( انه مزيج بين الذهبي و الوردي ........ لون رائع لم أره من قبل )
قال بهمسٍ حزين مزق قلبها ( لابد انكِ تبدين كالحلم ...........)
اقتربت منه و هى تحاوط عنقه بذراعيها وتهمس فى اذنه 
( اذا كنت حلما فستستطيع و قتها ان ترانى ..........)
ضمها اليه مسندا ذقنه على رأسها يتنشق عطرها الناعم بينما تبدو هى بضغطها على صدره كالضماضة على جروحه الأزلية ........
.................................................. .................................................. .........................................
نظرت سابين الى صورتها فى المرآه .....لم تتخيل فستان زفاف ابدا بمثل هذه الروعه من قبل ...... لم يطرأ على بالها فستان زفاف ابدا ..... حتى مع مازن لم تتخيل نفسها ترتديه ابدا .......
لكنها حين تنظر اليه الآن تشعر انه صنع خصيصا لترتديه هى ........ كان فستان ملكة بحق ....
كان محكما تماما على نصفها العلوى و قد غطته الماسات اللامعة تماما حتى بات كالثريا من شدة لمعانه بينما ينزل من اسفل خصرها بقليل ليلتف قماشه الحريري حول وركيها باحكام ثم يتسع فى طبقاتٍ تظهر كل واحدة منها خلف الأخرى حتى تنتهى بالطبقة الأخيرة و التى يصل اتساعها الى درجة ان تغطى دائرة من الأرض حولها تتسع لشخصين معها ........بينما تم التوصية فى وقتٍ قياسي على سترة قصيرة تصل الى اسفل الكتفين فقط لتغطى الاكتاف المكشوفة للفستان بناءا على رغبة العريس الغيور للغاية ......
ابتسمت سابين و تتذكر صوته الصارم حين سألها ان كان فستانا يظهر منها اي شيء ...... ضحكت وقتها و هى تفكر بداخلها انه شخصا غريب يعيش فى عالم أغرب لم تعرفه من قبل ..... الا انه و ياللغرابة يشعرها بأنوثتها اكثر من اى عالم عاشته من قبل ......
تشعر انه يريد ان يخفيها عن اعين الناس التى تلتهمها ........ ابتسمت بعبث و هى تعاود النظر الى صورتها و تفكر ...... لا مانع لديها ابدا فى ان يخفيها عن اعين الناس فلنقل الشهر القادم على الأقل ............
الا انه بعدها عليه ان يتعلم العيش مع نظرات الناس اليها فهى ستعود الى حياتها الطبيعية المستقلة و عليه ان يتقبل ذلك ....... لكن بعد ان تكون قد اشبعت شوقها و جوعها اليه .......... فى شهر العسل الذى يعد سرا حربيا الى الآن يرفض البوح به ...........
قاطع رنين هاتفها افكارها فالتقطته من على طاولة الزينة لترى الاسم المثير يضيء ليضىء اعصابها معه , اشارت الى الفتاة التى تهتم بزينة وجهها ان تنتظر قليلا ......ثم ردت عليه باغوائها المعتاد هامسة 
( ماذا تريد الآن ؟...... الا تعلم اننا نسابق الزمن )
رد الصوت العميق عليها 
(اشتقت اليكِ ..... المكتب كان مظلما اليوم )
ارتفع حاجبيها بصدمة وهى تقول 
(هل ذهبت الى العمل اليوم ؟........)
ساد الصمت بينهما عدة لحظات ليقول أخيرا بتملق 
(كان لابد ان اذهب لأنهى آخر شيء ممكن ان يعطلني في شهر عسلنا .......)
احمر وجهها و هى تشعر بسخونة فى خديها من الصور المتلاحقة فى رأسها ........لتهمس أخيرا 
( لن اسمح بأى شيء يشغلك عنى ......سأكون انا فلكك الذى تدور به الشهر المقبل )
ساد الصمت مرة أخرى محرقا اعصابها لتسمع صوته يأتى اليها بارد و هو يردد كلماتها 
( ستكونين فلكى الذى ادور به الشهر المقبل .........)
صمتت وهى تتنهد بصمتٍ ثم قالت بعد لحظة بصوتٍ ساحر 
( دعنى الآن لأنتهى ...... و سأراك قريبا )
همس بصوتٍ أجش ( بالتاكيد سترينني قريبا .... قريبا جدا )
اغلقت الهاتف و هى تعض على شفتها من الاثارة ...... هل يمكن ان تكون الحياة اجمل من هذا ....
بينما العريس كان واقفا هو الآخر ينظر الى نفسه فى المرآة لكن بوجهٍ متجهم و عينين قاسيتين ...... كم شخصا سيدمر فى طريقه ؟..... لم يبالى بأي احد .... الا صغيرته تالا التى تبدو وكأنها تعلقت بسابين لدرجةٍ مقلقة .....لم يكن يتصور ان تحبها تالا ابدا .... ماهذا السحر فيكي يا سابين اليس هناك شخصا على وجه الأرض لا تسبينه بسحرك .......
ارتفع رنين هاتفه لينظر اليه و هولا يزال بيده فقطب جبينه حين نظر الى الاسم ...... رد بهدوء بعد ان اخذ نفسا عميقا 
(كيف حالك أمى ......)
وصله الصوت الناعم الذى عشقه من صغره 
( كيف حالك حبيبي .....هل لازلت عند قرارك ؟)
زفر بغضب ثم قال و هويحاول السيطرة على صوته 
(أمى انا الآن ارتدى بدلة العرس ........ باقي وقتٍ معدود على حفل الزفاف )
سمع تنهدها المرتجف ثم صوتها الحزين و هى تقول 
(فكر قليلا يا احمد .... ليس من العدل ان تحاسبها هى على مافعلت انا فى الماضى .......)
قاطعها احمد بحزمٍ وهو لا يريد الاستماع لأى شيءٍ من الماضى المؤذى 
( أمى انا لن احاسب احدا ...... انا اتزوج الم تكن هذه هى امنيتك منذ ان رحلت .......)
لم يستطع نطق اسم حبيبته الغالية فشعر بغصةٍ فى حلقه تمنعه الكلام ...........
تكلمت أمه بصوتٍ تخالطه الدموع الصامته و هى تشعر بحزنه المتجدد والذى لم يندمل بعد .......
( انا الآن فى طريقي اليك حبيبي ........اتمنى ان استطيع الوصول قبل انتهاء الحفل )
اخذ احمد نفسا عميقا و هو يشعر بحلول كارثه لدى حضور أمه الى الحفل الا انه لا يستطيع منعها .......فليحدث ما يحدث .......

الفصل الرابع عشر (2) 

(واااااااو ...... لا اصدق هذا , عفوا سيدتى الجميلة , لكنك تشبهين فتاة صغيرة حملتها و عمرها عامان اسمها سما ..... الا انك سيدتى تبدين كملكة من ملكات الجمال ..... فلا يعقل ان تكونى انتِ سما الصغيرة يبدو اننى اخطأت ......)
ضحكت سما بخجل من غزل ادهم الرقيق لها وهم يقفون فى مدخل القصر مستعدين للتوجه الى حفلة الزفاف ثم قالت باحراج
( هل ابدو جميلة حقا يا ادهم ...... لا تمزح )
قال لها ادهم بدهشة ضاحكا ( الم تنظري الى نفسك فى المرآة سيدتى الجميلة ؟....... ستحطمين ثقة كل المدعوات الليلة ... وقد يغطى جمالك على جمال سابين ..... لكن احذري من مخالبها )
اخذت سما تضحك و هى تتصور منظر سابين ان سمعت كلام ادهم .......
( الن نكف عن هذا العبث ....... انا اصلا اقنعت نفسي بالكاد ان اذهب ..... لاجد نفسي وافقا استمع الى احاديثٍ سخيفة )
انطلق صوت فارس متجهم حانق كطفلٍ مدلل يريد احد اخذ لعبته منه ..... فابتسم ادهم بخبث و هو يغمز بعينه الى سما التى احمرت خجلا ..... لكن حين استدار ليلتقط يد حلا فوجىء بها تنظر اليه عابسة هى الاخرى وهى تميل برأسها قليلا كأنها لا تصدق ما سمعته فارتفع حاجبيه من ردة فعلها الغريبة التى تبديها للمرة الأولى لكنه رفض ان يصدق املا زائفا انطلق بداخله ..........
مد يده ليأخذ يدها بين يديه و يرفعها الى شفتيه يقبلها بنهم و هو يكلم سما دون ان يرفع عينه عن عيني حلا
( لكن اعذريني سما ..... فحلا الليلة فاقتكما جمالا بلا منازع ......)
ضحكت سما بسرور و هى تقول ( لا مانع عندي على الاطلاق ...... لطالما كانت حلا الأحلى كما كان يقول الجميع سابقا .....)
استمر ادهم فى النظر الى حلا و هو يقول بهدوءٍ صلب
( كان هذا سابقا ...... فليجرؤ احد على قول هذا الآن عنها .... لتكون آخر حياته )
ابتسمت حلا قليلا و هى تخفض عينيها بينما احمر وجهها بشدة ...... تطلع ادهم اليها بشغف و هو يراجع نفسه فى الذهاب بها و هى على هذا الشكل الرائع ...... فقد كانت ترتدى ثوبا كثوب الأميرات بلون السماء الشاحبة الزرقة ....خصره مرتفعا الى اسفل صدرها بشريطٍ حريري ثم يهبط مسترسلا هفهافا الى كاحليها يتطاير حول ساقيها بنعومة كلما تحركت ..... بينما تركت شعرها الطويل مسترسلا براقا بنعومة على ظهرها بعد ان رفعت بعض خصل من جانبي وجهها بمشبكين ماسيين اضاءا و جهها .......
اقترب منها ببطء و هو يرفع شالها الذى سقط عن كتفيها بنعومة ....ليعيده مكانه ثم ابقى يديه على كتفيها و هو يقول بصوتٍ منخفض ( احرصي ان يظل هذا مكانه و الا ساجعلك ترتدين سترتي طوال الحفل .....)
اومأت برأسها بكل أدب ووداعة مما جعله يرغب فى اكلها دفعة واحدة ...... تنحنح يجلي حلقه ثم قال بهدوء
( هيا حتى لا نتأخر .........)
ثم امسك يدها الصغيرة و التى كانت باردة كالثلج و هى ترتجف .... فقبضت بأصابعها على يده تتشبث بها و هى غير قادرة على التحرك من مكانها و قد تصلبت ساقيها فنظر ادهم الى و جهها و همس فى اذنها دون ان يسمعه فارس و سما
( الا تثقين بي ...... لن اتركك لحظة واحدة )
أومأت على مضض بينما قلبها يرتجف من الخوف و الذى ظهر جليا بعينيها ثم مدت يدها الأخرى لتتعلق بذراعه ..... ثم يتجهون جميعا الى السيارة ...... فى رهبةٍ لا يعلم احد سببها ......
.................................................. .................................................. ...................................
كان ادهم يراقص حلا تحت الأضواء الخافته و هى مستندة برأسها على كتفه ... مغمضة عينيها تحاول ايهام نفسها بأنهما معا فى القصر ..... وحدهما ....لا يراقبهما هذا الجمع الغفير من البشر بينما ادهم يتمايل معها مسندا ذقنه على قمة رأسها و هو يفكر فى هذه السعادة التى اهدت له دون ان يدري ............
وكذلك سما كانت متعلقة بعنق فارس الذى بدا و كأنه يحترق من شوقه لإنتهاء هذه الليلة ليحمل عروسه بعيدا ... بعيدا جدا.......لتصبح له بعد عذاب السنوات السابقة .....قاطع تفكيره صوت سما المشع و هى تهمس بأذنه فجأة
( ما اجملها يا فارس ..... لن تستطيع ان تتخيل مدى روعة سابين فى فستان الزفاف .....و الحفل ايضا ... الورود و الشموع ....كل شيء رائعا يا فارس ..... عروسا كسابين تستحق كل هذا )
شعر و كأن احدا قد غرز خنجرا مسموما بصدره فجأة ..... انسحبت ذاكرته الى الصوت الطفولى الذى ابدى موافقته على عقد القران منذ ثلاث سنوات فى مكتب والده لينسحب بعدها خارجا تاركا الجميع خلفه بمن فيهم الزوجة الطفلة التى سميت باسمه للتو .....
ولاول مرة منذ سنواتٍ عديدة حدثت معجزة ان تبللت عينيه بدمعةٍ لم تسقط منها ابدا و لم يشعر بها غيره ...... همس لها بصوتٍ مختنق
(صفى لي شكل سابين .....)
نظرت اليه بدهشة تتعجب من نبرة الألم فى صوته و من اهتمامه المفاجىء بسابين .... لكنها اخذت تصفها له بصوتها الناعم الذى ينافس فى نعومته نعومة الأنغام التى يتمايلان عليها .........
كان ادهم يتحدث الى احد رجال الاعمال بينما تقف حلا بجواره صامتة متعلقة بيده لا تتركها ابدا و هى تعد اللحظات ليعودا الى القصر .... ملجأها الآمن .......
فجأة شعر بمخالبٍ كمخالب قطةٍ صغيرة تتشبث بكفه حتى جرحتها من شدة ضغطها عليه .... فنظر بسرعةٍ اليها فهاله شحوب و جهها الذى بدا كالقطن الأبيض و هى تنظر مرعوبة أمامها ......
فنظر تلقائيا الى ما ارعبها الى هذا الحد فوجد رجلا يقف فى زاوية بعيدة من القاعة و هو ينظر اليها ايضا لكنه ادار وجهه بسرعة ما ان لمح نظرات ادهم المتوحشة اليه ...... لحظاتٍ قليلة بعدها و كان اسم هذا الرجل لديه ....... فالتقط هاتفه فى غفلةٍ وحيدة من حلا و هو يقول لمحدثه ( الاسم الذى سأمليه عليك ..... اريد عنه كل المعلومات الممكنة , و فى اسرع وقت )........
ثم اخذ يبحث عن حلا بسرعة فهاله الا يجدها فى اي مكان اخذ يدور فى القاعة بهياج يبحث عنها حتى وجد فارس يقف وحيدا فاتجه اليه على الفور و سأله عن حلا فاخبره فارس بقلق انها منذ لحظات اخبرت سما بشعورها بغثيان فذهبت سما معها على الفور الى حمام السيدات .......
تركه ادهم حتى قبل ان يكمل كلامه و هو يسرع الخطى الى حمام السيدات ففتح الباب دون استئذان و دخل يبحث عنها و هو يسمع الصرخات المستاءة من السيدات دون ان يبالي بها , حتى وصل الى الحجرة الصغيرة المفتوحة فى النهاية حيث تقف سما مرعوبة وهى تحاول مساعدة حلا الجاثية على ركبتيها و هى تتقيأ فى المرحاض امامها بشكلٍ افزع الموجودات اقترب ادهم منها بسرعة و جلس القرفصاء بجانبها و هو يضعط على ظهرها مبعدا شعرها عن وجهها برفق بيده الأخرى .......
بينما اخذت سما تعتذر للسيدات عن وجود ادهم نظرا لحالةٍ طارئة ..............و بعد لحظات كان ادهم يوقف حلا على قدميها و يغسل لها و جهها و هى لا تتوقف عن الارتجاف ..... وما ان انتهى ادهم حتى اخذها بين ذراعيه و هو يهمس بأذنها ( لقد تكفلت بكل شىء .... لا تخافى ).........
اغمضت حلا عينيها وهى تدفن وجهها بصره , لا تريد ان تنفصل عنه ابدا ........ الماضى ... الماضى ... سيظل يلاحقها الى ان تموت .... لن تجد منه مهربا ابدا ......
خرج ادهم من حجرة السيدات و هو ممسكا بحلا التى تحاول جاهدة السيطرة على نفسها و هى تحاول الا تنظر حولها حتى لا تجده أمامها ......
همس ادهم فى اذنها ( هيا لننصرف يا حلا ......)
ظلت صامتة عدة لحظات ثم قالت بارتجاف
( لقد وعدتك يا أدهم ....... و سأبقى )
لم يصدق تلك القوة التى تحاول التمسك بها ...... فامسك وجهها بين كفيه يرفعه اليه وهو ينظر فى عمق عينيها المعذبتين قائلا
(الم اخبركِ قبلا كم انتِ رائعة ....... وكم انا فخور بكِ )
ابتسمت قليلا و هى تنظر الى وحش آل مهران .... وحشها المغوار ....وهى تتسائل متى سيتركها , هى و كل ماضيها بكل سواده .....
وصلت سما اليهما و هى تحتضن حلا بشدة و تقول
( الحمد لله انك بخير يا حلا ..... لقد ارتعبت )
ابتسمت حلا و هى تربت على شعر سما قائلة بضعف
( لا تخافي سما ...... هذه المواقف تحدث لي كثيرا )
دمعت عينا سما و هى تشدد من احتضان حلا التى بدت مثالا للعذاب و الألم ........وصلت اليهما اصوات الموسيقى الناعمة لتخرجهم من جوهم الحزين فانتهز ادهم الفرصة ليقول مبتسما
( اعذرينا الآن يا سما .....سآخذ هذه الجميلة لأرقص معها )
لكن حلا قالت بضعف ( لن استطيع الآن يا ادهم حقا .......)
لكن قبل ان يرد عليها سمع سما تسأله ( ادهم من هذه السيدة التى تحدث سابين ؟.........)
التفت ادهم لينظر الى احمد وسابين .....و السيدة التى تقف معهما فقال بدهشة وهو غير مصدق ( عمتى ؟!!......)
لينبعث صوتي سما و حلا فى وقتٍ واحد هاتفتين بدهشة اكبر ( أمى ؟!!.......)
.................................................. .................................................. ........................................
همست سابين تسأل السيدة الجميلة الواقفة امامها ...... والدة زوجها ....تلك الهالة الناعمة البيضاء التى تجلت أمامها فجأة كالملكة الأم
( هل قابلتِ أبي قبلا ؟...........)
بان حزنا دفينا فى اعماق عينيها الرماديتين الحانيتين والتى شردتا بعيدا .... بعيدا عنها و عن احمد الذى كادت نظراته ان تقتلهما معا الا ان سابين لم تكن تنظر اليه ..... كانت تنظر الى والدته مبهورة و التى تبدو و كأنها فتنتها........... تماما كما فتنت هى تالا الصغيرة.....
لكن قبل ان تسمع جوابها سمعت صوتا مبحوحا ساحرا بنعومة الافاعي جعل جسمها يقشعر غضبا يقول
(بالتاكيد قابلته حبيبتي ........ فهى كانت السبب فى ترك والدك لنا و الذهاب للموت فى احضانها )
اغمضت سابين عينيها من هول ماقالته تلك المرأة التى لن تتوقف عن اذيتها ابدا .... لكن ان تتجرأ و تأتى الى زفافها لتهين والدة احمد امامه بأكاذيبها الفجة ..... لقد اتت لتفسد زفافها و قد تأكد لها هذا حين سمعت صوت احمد يقول من خلفها بنبرة خافته جعلت الدماء تتجمد فى عروقها
؛( ان لم تحترمى من هم أعلى منكِ شأنا , فمن الافضل ان تغادري حالا ....... و الا فلا تلومي غير نفسك )
التفتت والدة احمد ببطء دون ان تهتز منها شعرة واحدة لتقابل بعينيها الرماديتين الصافيتين , عينا ايثار ذات اللهب الازرق الحاقد .....
ثم قالت بكل هدوء ووقار ( لن تتغيري ابدا ايثار ..... ستظل روحك الحاقدة تحرقك الى ان تقضي عليكِ فى النهاية )
قالت ايثار بهمسها الأجش ( تماما كما قضيتِ انتى على والد بناتى .......)
اندفع احمد هادرا بغضب صاعق ( هذا يكفي .... اخرجي من هنا حالا ......)
كاد ان يمسك بذراعها ليلقي بها خارجا .... الا ان سابين تشبثت به بقوة ٍ تقول ( ارجوك يا احمد لا اريدها ان تخرج بهذه الطريقة .........)
نظرة احمد اليها ارعبتها و سمرتها مكانها .... لكن من يلومه فايثار الليلة لم تكن لتفعل احقر من هذا ابدا ......لكنها بالرغم من ذلك تتكلم بثقةٍ و كأنها تحكي الحقيقة ....... ما الذي يحدث هنا ......شعرت سابين بالدوار من هذا الكابوس الذى تعيشه خاصة و ان معظم المدعوين الآن قد لفت نظرهم ما يحدث من فضائح العائلة الكريمة .......و اخذت اضواء الكاميرات تغمرهم حتى كادت ان تغشي عينيها ......
وصل اليها صوت ادهم الحانق المتوحش من خلفهم وهو يقول
( كيف تجرأت على الظهور هنا .... قسما بالله ان لم تخرجي حالا فلسوف القي بكِ خارجا بنفسي )
هذا ما كان ينقصني همست سابين فى داخلها بغضب ...ان يتدخل ادهم الآن ليفسد الموضوع اكثر و اكثر ..... لكنها التفتت اليه و قد فجرت كلماته الغضب الذى تحاول كبته فهتفت به
( ادهم لا تخاطبها بهذه الطريقة .... )
وصلت سما الي ايثار و اخذت تجذبها من ذراعها و هى تهمس بتضرع من شدة رعبها من الخراب الذى احدثته من حولها
(أمي ارجوكِ اخرجى معي الآن ...... ارجوكِ )
الا ان ايثار و والدة احمد ظلتا تنظران الى بعضهما و الماضي الأسود يندفع من بينهما ليعود بكل شروره مدمرا كل من حوله .......
قال ادهم مرة اخرى محاولا السيطرة على غضبه من تلك الأفعى التى ذبحته فيما مضى
( اخرجي الآن ايثار بما تبقى لكِ من كرامة .......)
و جاء صوت احمد و هو يقول بقسوة ( سيأتى من يصحبك خارجا الآن ثم سيقلك حتى باب بيتك .........)
ظلت ايثار واقفة مكانها و لحظاتٍ قليلة الى استسلمت جاذبة ذراعها بقسوة من يد سما لتندفع خارجة تلحقها شياطينها الحاقدة ......
تساقطت دموع سما مما حدث لايثار امامها بينما ظلت سابين متسمرةٍ مكانها تظر الى الارض وهي تقبض عل تنورة ثوبها بشدة حتى ابيضت مفاصل اصابعها و قد انحنت كتفيها من هول ماحدث لها فى هذا اليوم ...... ما الذى يمكن ان يحدث اسوأ من ذلك ......
وصل نادلا قلقا متوترا الى ادهم الذى لا يزال و اقفا قرب عمته بعد انصراف ايثار ليهمس فى اذنه
( سيدي .... السيد شقيقك يمسك بعنق مدعوٍ من المدعوين و يكاد يزهق روحه )
التفت ادهم اليه مصعوقا يسأله (اين ؟.....)
اجابه النادل بقلق ( فى الحمام سيدي .....)
نظر ادهم الى السماء وهو يتسائل بغضب ..... متى سينتهي هذا الزفاف المشؤوم ......
اخذ ادهم يدفع الجمع المتجمهر امام باب الحمام الى ان استطاع اخيرا ان يدخل ليفاجأ بفارس جاثما على شخصٍ ملقى على الأرض و هو يمسك بعنقه لا يريد افلاته بينما اثنين من الأمن يحاولان سحب فارس و تخليص الرجل من قبضته دون جدوى ..... اتجه ادهم اليه بسرعة و هو يمسك به من ثيابه ليشده و هو يصرخ
( كفى فارس ...... كفى ستقتله )
تمكن ادهم بمساعدة الامن من خليص الشاب بأعجوبة من يدي فارس ...... و الذى ما ان تحرر حتى قفز واقفا وهو يمسح الدم من زاوية شفتيه و هو يهدد ان والده سيدمر العالم من حولهم .......
اشتعل فارس مرة اخرى و هو يحاول الوصول اليه لكن ادهم و الحارسين امسكا به بشدة ......و صرخ ادهم
؛( ماذا فعل يا فارس ليستحق كل هذا .......)
هتف فارس الذى بدا فى هذه اللحظة كحيوانٍ مفترس همجى
(كان الحقير يتحدث هو و آخر عن سما ..... لقد سمعتهما وانا بالداخل )
صرخ به الشاب يستفزه من خلف ادهم ( انا اتكلم عن من تحلو لي ايها الأعمى ......)
حاول فارس الهجوم عليه مرة اخرى و هو يصرخ الا ان ادهم و الحارسين تشبثوا به مرة اخرى بكل قوتهم و صرخ ادهم
( كفى فارس ..... لا تنزل الى مستواه )
ثم لم يلبث ان استدار بسرعة ليلكم الشاب لكمة اسقطته ارضا و هو يكمل لاهثا
(دعني انا انزل بالنيابة عنك .......)
اندفع ادهم خارجا و هو يسحب فارس معه الى الخارج امام الأعين المذهولة بينما يتعالى من خلفهما صراخ الشاب الأحمق الذى اوقعه غبائه بين براثن اثنين من آل مهران ......
قال ادهم لفارس بغضب ( من اين علمت انه يتحدث عن سما نفسها .......)
قال فارس بصوتٍ لاهثٍ خافت ( كان يسأل صديقه ان كان رأى الشعلة الأنثوية التى تجر الأعمى خلفها .......)
صمت ادهم لحظاتٍ ثم قال له ( هيا بنا لنرحل .... لم اعد اطيق ان اظل هنا لحظة واحدة ......كان يجب ان اتوقع كم المآسي التى ستحدث فى زفاف الكارثة المسماة سابين ....)
وصلا الى سما التى صرخت حين شاهدت وجه فارس المكدوم الا ان ادهم اشار اليها لتصمت حاليا ثم اتجه الى حلا التى كانت الدموع تغطي و جهها راسمةٍ خطوطٍ سوداء على وجنتيها فأخذها بين ذراعيه و هو يهمس
( لقد انتهت الليلة حبيبتي ......انا آسف لأننى عرضتك لكل هذا )
دفنت و جهها فى صدره و هى تبكي ثم سمعها تقول
؛( لماذا لم تكتب السعادة لأي منا يا أدهم ......)
اندفع الألم حادا فى اعماقه وهو يتسائل.......الم تجدي سعادتك بعد يا حلا ؟.....
.................................................. .................................................. .....................................
كان يقود السيارة و لا يضيء وجهه الا الانوار الضعيفة الآتية من الليل الممتد حولهما ... فلم تستطع ان تتبين ملامح وجهه جيدا ....
الا انها كانت متأكدة ان ايثار نجحت فى مسعاها بكل اقتدار ...... يالها من ليلة ... ويالها من فضيحة ستظل الأجيال تتحدث عنها .... الا انها لم تكن تهتم لكل هذا .... فقط تتمنى ان تدخل الى عقله الآن لتعرف فيما يفكر....و كيف يشعر تجاهها الآن .....
عادت اليها كلمات ايثار التى القتها كالقنبلة الليلة ..... ماذا كانت تعنى بانها السبب فى ترك والدها لهن .... وأنه مات فى احضانها ....
كيف هذا ؟..... هناك فرق فى العمر بين والدة احمد وبين ايثار ...... هذا يبدو جليا , فايثار تبدو وكأنها لازالت شابة فكيف تعرفان بعضهما ....وما علاقة والدها بكل هذا ........
نظرت الى احمد مرة اخرى .... لقد بدا الليلة و كأنه كان يعلم عما قالته ايثار ........و لكنها لم تكن لتجرؤ على سؤاله الآن ......
وحين شعرت انها لن تستطيع احتمال الصمت اكثر همست بصوتٍ ساحر حتى فى حزنه
( اخبرني على الأقل الى اين نتجه ؟............)
التفت اليها الا ان ملامحه ظلت مختبئه فى الظلام ...... ثم قال اخيرا بصوته العميق
( ستعرفين حالا ..... اتمنى ان تعجبك مفاجاتي )
ابتسمت بدلال ٍ وقد ارتفعت روحها قليلا ثم مدت يدها ووضعتها على فخذه بنعومة و هي تهمس مبتسمة
(بالتأكيد ستعجبني ما دمت معى ....)
التقط يدها بيده و رفعها الي شفتيه و هو يهمس
(دوما سأظل معكٍ .....من هذه اللحظة وحتى آخر عمري سابين )
القت راسها على كتفه و هي تتنهد بارتياح بعد هذه الكلمات الآسرة التى سحبتها معها الى عالم الاحلام بعد هذا اليوم القاتل......
شعرت بأصابع حانية تتجول على و جنتها ثم تلتها ملمس شفتين رقيقتين اخذتا تمسحان شفتيها برفقٍ لتوقظها من نومها العميق ......صوته يخرج هامسا بين شفتيها
( سابين استيقظي ...... لقد وصلنا )
اخذت تتمطى بين ذراعيه التى اشتدتا عليها .... ثم ارتفع جفنيها ببطء لتطالعها عيناه اللامعتان المفترستان والتى جعلت قلبها يتفجر بألعابٍ نارية و مفرقعات ........
همست له بنعومة ( مرحبا .....)
رد عليها يهمس و هو يلامس شفتها السفلى بسبابته (مرحبا ......)
ظلا ينظران الى بعضهما و قد ابتلعهما الظلام من حولهما تماما سامحا لهما فقط بالنظر لأعين بعضهما .........
اخيرا همس احمد مرة اخرى ( لقد وصلنا .....)
انتبهت للمرة الأولى انه توقف بالفعل ..... فاستقامت بقدر ما سمحت لها ذراعاه ...... تنظر حولها , الا انها لم ترى سوى خيالات مبنى ضخم مغرق فى الظلام .....شعرت بالخوف فجأة لا تعلم ما سببه....... فهمست مرتجفة
(اين نحن؟..............)
نظر الى نظرة الخوف التى لم يراها فى عينيها مطلقا من قبل ..... كم بدت جميلة و ناعمة و صغيرة ..... كطفلة تقريبا بالرغم من انها فى السابعة و العشرين .....الا انها تصغره بتسع سنوات كاملة ........
كتم شعورا بالانقباض بداخله و رسم ابتسامة رقيقة على شفتيه .......ثم قال بهمسٍ اجش
(لقد احضرتك لقلعة الوحش ...... لالتهمك بمفردي )
احمر و جهها بشدة و اسبلت جفنيها ....شعر وقتها انه على وشك ارتكاب عملا احمقا , فتركها بسرعة لينزل من السيارة و يدور حولها ليفتح الباب المجاور لها , ثم مد يده يلتقط يدها و يسحبها اليه .....
و قفت سابين تحاول تبين المكان المظلم من حولها .... الا انها لم ترى سوى منزلا ضخما فى منطقةٍ منعزلة لم تتعرفها ......
قال لها احمد بغموض
( اعرف انكِ تشعرين بالاحباط ...... فربما كنتِ تودين السفر الى احد المتنجعات الراقية )
رفعت نظرها اليه و اهدته اشد الابتسامات سحرا و هى تهمس
( بل افضل تماما ان نكون وحدنا ,,,,,,)
شعرت فجأة باختفاء الأرض من تحتها حين مد ذراعيه و حملها بسرعة.....فشهقت ضاحكة و هي تقول
( احمد ...هذا الفستان يحتاج الى اربعة اشخاص ليتمكنوا من حملي .......)
ضحك احمد ثم قام بقذفها لأعلا لعدة سانتيمترات ثم التقطها مرة اخرى و هى تصرخ ضاحكة ............ثم اتجه بها اخيرا لتلك القلعة الغامضة ......
حين دخل احمد وسابين .......اخذت تنظر الى ذلك المنزل الضخم الذى يفوح منه رائحة الماضي المثيرة ..... بتصميمه الاثري و اثاثه القديم لكن فى نفس الوقت رائع ..... اللوحات الزيتية الضخمة .... الثريات الفخمة المتدلية ...... السجاد العتيق و الوانه التى يتداخل بها الأحمر الياقوتي الدافىء
صعد بها احمد مباشرة على السلالم الرخامية الى الطابق العلوي .... بينما اخذ قلبها يصرخ بشدة مما ينتظرها ........
دخل بها الى غرفة نوم ضخمة .... ذات فراشٍ ضخم يعتبر تحفة فنية فى حد ذاته بالستائر الشفافة التى تحيط به من كل جوانبه ......
انزلها على قدميها ..... فاخذت تدور حول نفسها مغمضة عينيها فاتحة ذراعيها ....... لا تصدق السحر الذى تعيشه ......اخذت تدور وتدور .... الى ان شعرت بذراعيه يعتقلان خصرها بشدة ...فارتفعت اقدامها عن الارض قليلا و فمه يلتهم فمها بقسوةٍ بينما اخذ يكمل الدوران هو وهويحملها .....وظلت سابين مغمضة عينيها لتعيش كل لحظةٍ من هذا الحلم .........
لحظاتٍ بعدها و كانت قدميها تقفان على الارض مرة اخرى بينما يده تمتد لتنتزع ترحة الزفاف و تلقيها بعيدا ...... لتشعر بعد ذلك بسحاب ثوبها يهبط ببطءٍ كاد ان يحرقها ...........
و بعد صراعٍ مع هذه الكومة الضخمة من الحرير ..... حملها اخيرا الى الفراش و القاها عليه .......ثم هجم عليها ليقضى على عذاب الأيام التى عرفها فيها ..... بينما ضاعا تماما و ضاع الماضى و المستقبل و كل شيء الاهما و اللحظات التى يعيشونها.....
فتحت سابين عينيها على صوتٍ اخترق نومها الهش لينتزعها من احلامها الرائعة ..... فقفزت جالسة و هى تحاول التأكد من الصوت الذى سمعته ...... وحين نظرت الى الجانب الخالي بجوارها ..... قفزت من الفراش و هى تجر اغطيته اليها لتلف بها نفسها ثم جرت الى النافذة و هى تحاول التبين من الظلام الذى لا زال يسود الدنيا بالخارج ........الا ان ما لم تخطئه ابدا ......هو سيارة احمد الذى انطلقت بسرعة ٍ محدثة صوتا عنيفا و مخلفة و رائها الرماد الهائج ......... وعروسا تقف فى النافذة مذهولة و هى لاتزال ملتفة بغطاء الفراش 





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close