أخر الاخبار

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الخامس عشر15 والسادس عشر16 بقلم تميمه نبيل


 رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الخامس عشر15 والسادس عشر16 بقلم تميمه نبيل


كان شعاع الضوء الشاحب يتسلل من بين الستائر العتيقة ليرسل بعض الأمل الى الغرفة الصامتة المهيبة والتى تجعل من يدخلها يشعر بأنه دخل الى زمن العصور الوسطى .....بستائرها المخملية الداكنة الحمرة و المرايا ذات الاطارات المذهبة و السجاد البارز رسومه
والفراش الضخم بأعمدته النحاسية المزخرفة و ظهره المغطى بلوحةٍ مشغولة على الحرير ..... و الستائر الشفافة المتطايرة تحيط بهذه الاعمدة .......
وكانت اغطيته وو ساداته المبعثرة فى كل مكان هى الدليل الوحيد على وجود حياة فى هذه الغرفة ..... وعلى المعركةِ الطاحنة التى دارت به منذ ساعاتٍ قليلة ........
بينما فى ركن من اركان هذه الغرفة الاسطورية و لتكتمل لوحتها الخيالية .... كانت تجلس على الارض امراءة رائعة الجمال , ملتفة بغطاء حريري رافعة ركبتيها الى صدرها ......و شعرها الاسود الهمجي ينساب متموجا على اكتافها وظهرها حتى كاد ان يلامس الارض التى تجلس عليها ......
لا تتحرك ..... لا ترمش , بعيناها التى تشبه الاحجار الكريمة ليس فقط فى لونها بل ايضا فى صلابتها و هى تنظر امامها بلا اى تعبير يدل على انها حية تتنفس ............
مشاعر ميته .... فراغ .... فراغ هائل بداخلها يجعلها لا تكاد ترى ما حولها .......
"لا تخبرينى ان واحدة فى ذكائك قد وقعت فى فخ عرض الزواج الزائف هذا ...." عادت هذه الجملة تطل بصوتِ الافاعي الناعم الى عقلها ...... كما ظلت تتسرب اليها طيلة الايام السابقة و هى تحاول اخمادها و ابعادها عن ذهنها بكل غباء .........
كيف فعل ما فعله ؟................ هنا تركها وحيده فى هذا المنفى .......بعد الليلة السابقة , كيف استطاع ان يكون معها بكل هذه الروعة و الصبر حتى حررها من كل حواجزها لتدخل عاصفته المهلكة و تذوب منه وفيه ..... كيف نجح فى منحها هذه السعادة بينما كان ينوي تركها على هذا النحو ........
ماهى ابعاد خطته الجهنمية ..... هل ظهور ايثار بالامس هو السبب .... ام كلامها البشع .... ام ان يكون قد خطط لانتقامه منذ وقتٍ ابعد ..... انقاذا لزواج دراين مثلا ؟........ هل وصل به الغباء لهذه الدرجة السوداء ؟..........
متى سيظهر ؟...... هل ينوي تركها هنا لتموت ؟........ ابتسمت ابتسامة مريرة و هى لا تتعجب ان فعلها ....... فانتقامه كان اسوأ من القتل الف مرة .....
حين نظرت اليه من النافذة و هو يطير مبتعدا ...... جرت فى لحظة تبحث عن هاتفها الا انها تذكرت انها تركته فى السيارة , فجرت تجر غطاء الفراش خلفها لتخرج من الغرفة و تهبط السلالم جريا و هي تبحث عن اي هاتف حتى و جدت هاتفا لا تتذكر انها رأت مثله الا فى الأفلام القديمة لكن حين رفعته الى اذنها بلهفة لم يواجهها الا الصمت المطبق الذى كاد ان يخرق طبلة اذنها ...... فانزلت السماعة عن اذنها ببطءٍ شديد و هى تنظر امامها و هى تشعر بالفخ الذى ُنسج لها ......... فاخذت نفسا عميقا تحاول تهدئة نفسها ثم صعدت السلالم مرة اخرى متجهة الى الغرفة ثم فتحت الدواليب الضخمة بعنف .... فلم تفاجأ كثيرا بانها فارغة تماما تنبعث منها رائحة ماضي غريب ......اغلقتها بعنفٍ وهى تصرخ بصرخةٍ شرسة تردد صداها فى ارجاء هذا المنزل العملاق ..........
لقد اخذ حقيبة ملابسها التى كانت اعدتها لقضاء شهر العسل و تركتها بسيارته .......... تركها وحيدة عارية فى مكانٍ مجهول بلا اى وسيلة مواصلات , ما كل هذا الكره الذى كان يحمله بداخله تجاهها ليفعل بها هذا ..... كيف استطاع ان يرغبها مع كل هذا السواد بداخله ..... استندت بظهرها الى الحائط و نزلت ببطء تجلس على الارض غير قادرة على التحرك بعد ان تكسرت الى الف شظية ..... ومن وقتها و هى تجلس بهذه الحالة ... حتى تسرب الشعاع الفضي من النافذة .........
.................................................. .................................................. ...........................................
كان مستلقيا على فراشه و اضعا ذراعه على عينيه كأنه يحاول محو الصور المتلاحقة لسابيةٍ همجيةٍ آتيةٍ من العصور السحيقة ......
تحاوط عنقه بذراعيها.... تتأوه و تتنهد بدفء ..... شعرها الأسود الهمجي يتناثر من حوله كستارة حريرية مظلمة تلقى على وجهه لتسحب منه و هى تلسع بشرته بنعومتها .......
كان يظن نفسه دائما من النوع المتزن المسيطر على نفسه ..... لا تهزمه مشاعر او رغبات ..... كل شىء كان يقوم به باعتدال الى ان عرفها .....
كما لم يظن ان تكون ناعمة الى هذه الدرجة المجنونة ................ و لا ان يكون بداخلها هذا النبع من البراءة التى ظهرت عليها لتجعلها تتجمد قليلا و تظهر عليها معالم عدم الثقة وهى تنظر اليه بعينين متسعتين فى رهبة بينما كان وجهها احمرمثل الورود الحمراء
لكن ما ان اخذ يهدئها حتى استسلمت بين ذراعية و ذابت معه فى عاصفة مجنونة اطاحت بهما معا .......
رفع ذراعه عن عينيه ببطء ليقوم و يجلس على حافة الفراش ....... ثم التقط الصورة الغالية الموضوعة بجوار الفراش ....... اخذ ينظر اليها طويلا .............حبيبتى اشتقت لعينيكِ الحنونتين ..... اشتقت ليديك التي كانت تمسح تعبي ...... صوتك ..... ابتسامتك ........
اخفض رأسه حتى لامس الصورة بجبهته ...... ثم همس
(سامحيني يا ليال .......... سامحيني حبيبتي )
وضع الصورة مكانها ....... ثم اخذ نفسا عميقا و مسح وجهه بيديه لتعود القسوة و البأس الى ملامحه ........ ثم نظر الى ساعة يده لحظة قال بعدها بهمسٍ شرس
(لازل اليوم امامك طويلا يا زوجتي ....... فانعمي بوحدتك قبل ان اصل اليكِ ايتها الشرسة )
.................................................. .................................................. .........................................
في نفس الوقت من الصباح الباكر الذى يتسلل شعاعه الفضى على غرفة اخرى حيث كانت تلاعب خصله شارد من شعره و هي مستلقية بجواره تستند على مرفقها و تنظر الي وجهه المجروح المتجهم .........همست له اخيرا
( تكلم معي يا فارس ....... مالذى يغضبك الى هذه الدرجة ؟....)
ظل مستلقيا على ظهره ناظرا امامه و ملامحه متصلبة لا يظهر عليها اي تعبير سوى القسوة ...... حاولت سما الكلام معه مرة اخرى فاقتربت منه و قبلته برقة على جبهته و هى تهمس
( لماذا لا تكلمني هل فعلت ما يغضبك ؟.............)
ارتجفت عضلة بجانب فكه الا انه لم يتحرك او يتكلم معها فقالت فى اسى
( اذا كنت قد اغضبتك فانا اسفة ......اصرخ بي كما تشاء لكن لا تصمت هكذا )
انسابت دموعها بنعومة على وجهها وهى لا تدري لها سببا .....بلى تدري ..... تدري اسبابا عديدة لدموعها.....انها كانت تظن انهما اقتربا من بعضهما كثيرا فى الايام السابقة ..... اقتربا كثيرا جدا ليطلعها على كل شىء يؤلمه .........
تبكي لانها كانت شبه لانها لا تتحمل رؤيته يعود الى انعزاله و يعاود الالم للظهور بعينيه من جديد ...... بعد ان كانت بدأت ترى ابتساماته و ضحكاته ...............
تبكي لأنها تغار من حلا ومن سابين .............. شهقت شهقة صامته و هى تغص بدموعها حتى لا يسمعها ...........
الليلة و هي تنظر الى كلا من حلا و سابين ..... كانت تشعر بالغيرة ..... ترى كيف ينظر ادهم الى حلا .... كيف يتشوق الى ان يقبل وجهها ..... كيف يبتسم لها .......كيف يتحين الفرص ليحيط خصرها بذراعه ......... و منذ يومين كانت واقفة فى الحديقة فى الظلام فى ركنٍ لا يراها احدا منه فشاهدت حلا واقفة فى شرفتها تستند بكفيها على سور الشرفة و هى تتأمل المنظر من امامها ...... ليأتي ادهم من خلفها ليفاجئها ثم اخذ يضاحكها .... الى ان حملها بين ذراعيه و دخل بها الى غرفتهما ...... ظلت تنظر الى شرفتهما طويلا و هى تشعر بتسارع دقات قلبها و سخونة فى خديها .....بينما اخذ الاشتياق ينهش اعماقها الى هذا الوحش الغبي بجوارها الذى يأبى ان يحرر انوثتها الى الآن ..... يذيقها حبه مراتٍ ومرات ثم يبتعد عنها ليتركها تحترق فى نار حبه التى اشعلها ...... لماذا يفعل بها هذا ......الازال يكرهها ...... هل يراها اقل من ان تصبح زوجة فارس مهران ......
سقطت دمعة من على وجهها بنعومة على وجهه ..... رمش بعينه مرتين ثم مد يده ببطء الى وجنتها يتلمسها و هو عاقدا حاجبيه ثم قال اخيرا بصوتٍ اجش
(لماذا تبكين ؟.......)
ابتلعت ريقها و هى تصدر صوت بكاءٍ منخفض بينما لم تستطع النطق .... فما كان منه الا ان ازداد عبوسا و جذبها بذراعه لتسقط على صدره ........ فلم تستطع ان تتحمل اكثر فاخذت تشهق باكية و هو يزيد من ضمها اليه دون ان يحاول تهدئتها ....... كيف يهدئها و هو لا يستطيع تهدئة نفسه .........
بعد ان بكت على صدره كثيرا تنهدت تنهيده كبيرة بعد ان هدأت قليلا من الاعصار المؤلم الذى اصابها ..... ثم رفعت نفسها بعد لحظات لتستند على مرفقها مرة اخرى وتعود الى النظر اليه ......... وحين شعرت ان قدرتها على الصبر نفذت اقتربت ببطء من وجهه لتلمس شفتيه بشفتيها الناعمتين برقة فشعرت به يتجاوب معها بخفة فتشجعت اكثر لتعمق قبلتها ..... شعرت به بعد لحظاتٍ يتشنج ثم امسك وجهها بكلتا يديه ليبعدها عنه و هو يلهث , فتجهمت لا تصدق انه يبعدها عنه .... حتى قبلاتها اصبح لا يريدها ؟........همست بتحشرج
( فارس ....لماذا تبعدني عنك ؟....)
صمت لحظة و انفاسه الغاضبة الساخنة تضرب وجهها بقسوة ثم قال لها بصعوبة
(انا لا ابعدك .......)
مدت يديها لتبعد كفيه عن وجهها ثم همست بجرأة
(اريد ان اقبلك .......)
ابتلع ريقه كأنه يسيطر على نفسه بمعجزة ولم يستطع النطق ..... فاقتربت من وجهه مرة اخرى لتقبل كل جزء من وجهه ..... وجنتيه ....عينيه ..... ذقنه .....لتنتهى بشفتيه مرة اخرى ...... هذه المرة جذبها اليه بشدة فوقه ليُسقِطها على الجهة الأخرى من الفراش و يميل فوقها وهو يغرقها بقبلاته الحارقة التى انسابت على عنقها و شفتيها ........و احاطت هى عنقه بذراعيها تتنهد بشوق و تحرك وجهها برقة يمينا و يسارا بتناغم مع وجهه ......... و بعد ان غابت تماما فى دوامه المشاعر التى تجمعهما , لم تشعر بنفسها وهى تهمس
( احبك .....احبك ........يا الهى كم احبك )
تجمد في مكانه فجأة , ما ان وصلت هذه الهمسات الملتاعة الى اذنيه ........رفع وجهه ببطء وهو ينظر اليها مذهولا ثم قال اخيرا
(ماذا قلتِ؟!!......)
نظرت اليه برعب وهى لا تصدق ان الكلمات التى قالتها فى قلبها آلاف المرات قد تحررت منها اخيرا و غادرت شفتيها ليسمعها هو .....قالت له مذعورة بتلعثم
( لم اق.....لم اقل شيئا.....)
مد يده ليقبض على ذقنها و اقترب منها بوجهه و همس بعنف ولوعة
( ماذا قلتِ يا سما ؟.....اريد ان اسمعها مرة اخرى )
ظلت صامته ترتجف و هى لا تعلم ان كان غاضبا ام سعيدا ...... وان كانت تستطيع ان تعيدها لاذنيه ام تسكت حفاظا على حياتها
اقترب ابهامه و سبابته من شفتيها فضغط عليهما برفق و اقترب منهما وهو يهمس مرة اخرى
(قوليها يا سما ......قوليها)
همست بدون وعي (احبك ....)
تأوه بعنف ثم وضع شفتيه على شفتيها المفتوحتين و همس فيهما ( قوليها ....)
همست بتحشرج لتخرج همساتها الى شفتيه مباشرة ( احبك ..... احبك .....احبك.....احب.. )
التهم كلمتها الأخيرة قبل ان تكملها ........وكاد ان يلتهمها هى كلها بينما يدور بها مرة اخرى الى الجانب الآخر دون ان يترك شفتيها ....مرت الدقائق المشتعلة بينهما و هو يدور بها من جانب لآخر حتى كاد قلبيهما ان يتوقفا من شدة صراعهما ...... وحين ظنا ان هذه هى نقطة اتحادهما اخيرا ....بعد عذابِ السنوات الفائتة ........
ارتفع صوت طرق صارم على باب الغرفة , ليأتي بعده صوت اكثر صرامة
(سيدتي .....السيد ادهم و السيدة حلا ينتظراكما على مائدة الافطار .......)
رفع رأسه عنها قليلا و هو يرتجف ثم اخذ يشتم بعنف بينما اخذت سما تعيد اكتاف ثوبها الى مكانها ثم وضعت اصابعها المرتجفة بسرعة على فمه لتكتم شتائمه البذيئة وهمست بسرعة وهى غير قادرة على التقاط انفاسها بعد
(اصمت يا فارس ستسمعك ......)
قال وهو يلهث تحت يدها المرتجفة (دعكِ منهما .....لن ننزل )
ثم عاد يقبلها بعنف يحاول استعادة اللحظات المجنونة بينهما , الا ان سما قالت وهى تتملص من تحته و تحاول الابتعاد عن مرمى شفتيه.......ثم استطاعت الهمس اخيرا
( ان لم ننزل سيعرفان ماذا نفعل ......)
ضحك فارس ضحكة صغيرة و همس وهو يهجم عليها مرة اخرى
(و ماذا نفعل ؟.........)
احمر وجهها و قالت تترجاه و تحاول الابتعاد عنه ( فارس ... ارجوك سيصعد ادهم ليطمئن عليك بالتأكيد ان لم ننزل )
قال لها بعنف وهو يزفر( الا يوجد اي خصوصية فى هذا المكان ؟........ )
قالت له سما فجأة بجرأة وعنفٍ يكاد يماثل عنفه (لقد كنت موجودة بجوارك طوال الليل .......بل كنت موجودة طيلة ثلاث سنوات فماذا كنت تنتظر .....)
نظر اليها مذهولا مما سمعه بينما ادركت هي ما نطقت به .........فساد بينهما صمتا مطبقا قاتلا للحظات طويلة , انهاها فارس حين همس
(هل تريدين ان تصبحي زوجتي يا سما ..... زوجتي بالفعل )
احمر وجهها بشدة الا انها قالت بعنف (غبي.......)
ثم قفزت من الفراش بسرعة وهربت الى الحمام بينما ظل هو بالفراش يبدو عليه الذهول من السرعة التي انتزع بها كل الاعترافات التى يريد منها .........ظهرت على شفتيه ظل ابتسامة اخذت تتسع تدريجيا حتى شملت وجهه باكمله , ثم همس لنفسه
(ستضطرين للانتظار لفترة اخرة يا سيدة سما ....... فترة بائسة قصيرة......... قصيرة جدا )
نظرت سما الى نفسها فى مرآة الحمام ...... ماهذا الذى قالته لفارس ....... كيف استطاعت ان تكون وقحة الى هذه الدرجة ......لقد ادى الكبت بها الى حافة الانهيار ...... ترى هل يشعر الآن بالنفور منها لأنها اعترفت له بهذه البساطة عما تريده ...... لكنه كان يعرف قبلا ان هذا ما كانت تنتظره ..... والا فلما كانت تسمح له بالاقتراب منها الى هذه الدرجة ........ الا اذا ...... الا اذا كان يتسلى بها فقط ...لا يريد التزاما ........لا .... لا .....فارس يريدها ..... هى تعلم بذلك .......حتى وان كان هو لا يعلم بعد انه يريدها زوجة ...... واما لاولاده ........
ابتسمت برقة و هى تتخيل اطفالا صغارا ...بنين وبنات .... يشبهون فارس ..... بكل جماله وروعته ........
آآآآه يا ادهم ..... هل كان من الضروري ان ترسل فى طلبنا الآن ..................تنهدت باسى ....... ثم عاودت الابتسام وهى تفكر
انت لى يا فارس ........ مهما طال الوقت انت لي .........
.................................................. .................................................. .............................................
كانت تجلس ممددة على الاريكة ينساب شعرها الاسود الناعم على اكتافها تتخلله بعض الشعيرات الفضية ......الدليل الوحيد على مرور السنين على هذا الشعر الرائع .....بعض الخطوط الدقيقة تشق هذه البشرة الرائعة التى تهافت الرجال للمسها يوما ...... عيناها ذات اللهب الازرق و التى لم تظهر سوى الحقد و الاغواء ..... هما فقط ما عرفتهما طوال عمرها .........
اخذت تنظر الى الصور القديمة بين يديها ......تنظر الى ابتسامته...... لعينيه ...... كم مرت السنوات بسرعة على فراقهما ........ سنواتٍ هى من عمر سما تماما .... احدى وعشرون عاما .....
كان وسيما جدا ..... رجلا بحق بالرغم من فرق العمر بينهما .....الا انه كان وسيما رجوليا... جذابا لاقصى حد ......
ابن عمها ....عماد ..... كان فخر عائلة الراشد , اكثرهم طموحا و مثابرة .... اكثرهم بأسا وصلابة ......كانت جميع فتيات الراشد تتمناه ....... الا انه فى النهاية اصبح من نصيبها هى .......يوم زفافهما كانت تشعر بانها ملكة و هى تسير متعلقة بذراعه وهى تنظر الى نظرات الغيرة العمياء من كل الفتيات من عمرها و الاكبرعمرا ايضا ........
لقد تزوجته وهى من عمر سما حين تزوجت فارس .......فى السابعة عشر ...... بينما كان هو في السابعة والثلاثين .... الا انها لم تكن لتهتم بفارق العمر بينهما ......ففى عائلة الراشد لم يكن هناك اي رجل يوازيه فى المكانة .......
لقد تعبت كثيرا وهى فى هذه السن الصغيرة لكي تلفت نظره وتوقعه فى حبائلها .......الا انها لم تيأس ابدا .....الى ان استطاعت اخيرا جره الى فخ الزواج ....... وقد حدث هذا بعد ان تعمدت افتعال فضيحة كبيرة , اجتمع بعدها رجال العائلة و ارغموه على الزواج من ابنه عمه المراهقة التى اغراها بدون اى ضمير ........
الا ان الحقيقة كانت انها ظلت تلاحقه و تلاحقه وهو لا يلقي بها بالا ابدا .........بالرغم انها اعتادت منذ ان بدأت تشب عن الطوق على ان يقع الرجال أسرى لسحرها الفتاك .........و كان كلما اهملها , ازدادت شراسة فى ملاحقته و اغواءه .......الى ان حانت اللحظة الحاسمة حين بدأت تشعر اكثر من مرة ببدء استسلام رجولته تجاه حرب الإغواء القاتلة التى شنتها عليه , فتعمدت حينها الاختفاء لفترة قصيرة عنه حتى اصبح كالمجنون ....... وحين ظهرت له فجأة بكل ما استطاعت جمعه من اسلحة الأنوثة و مقوماتها .......حتى لم يتمالك نفسه , ليهجم عليها محاولا اشباع القليل من جوعه الرجولي الذى ظلت تنميه طوال هذه الفترة .........ليفاجأ بعدها .....بهجوم عائلي حوله من كل جهة .........ودموع التماسيح و الافاعي تسقط من عينيها الزرقاوين لتسترحمه و تستجديه ......
و حين اجتمع رجال العائلة لمواجهته و سؤاله عن نيته .......رد ردا قاطعا لا يقبل النقاش بأنه سيتزوجها ......يومها .......يومها نالت ايثار الراشد حلمها الأول ...... وعرفت من وقتها ان طريق تحقيق الأحلام المستحيلة ليس صعبا .......ليس صعبا ابدا ...........
فلقد تغلبت على ارادة عماد الراشد........ وتغلبت فى لحظة على حبه القديم الذى استمر لمدة عشر سنوات قبل ذلك .......... والذى انتهى بفضيحة كبيرة لعائلة مهران .......فضيحة لم يغفرها ابدا آل مهران و كانت على وشك اراقة الدماء بسببها بين العائلتين ......
وقد انتهت بتحطم قلب عماد ليعيش على ذكرى اميرته الحبيبة لمدة عشر سنوات كاملة ....... الى ان ظهرت ايثار بكل انوثتها الفجة و اسقطته بعد كفاح مرير .......
و حين انجبا فتاة صغير ذات عيونٍ فيروزية كالاحجار الكريمة .........كانت الاميرة اصبح لديها ولدا فى التاسعة من عمره .......
رفعت ايثار عينيها من الصور القديمة و قد اشعل الحقد الاسود اللهب الأزرق فى عينيها لتطل النظرة المخيفة منهما ...... نظرة من يعرفها , يدرك ان هناك من سيتأذى أذى شديد .........
ليلة الأمس قررت انها لن تكون الخاسرة الوحيدة فى هذه الصفقة .... فتأنقت و اصبحت من الجمال بما يوازي جمال بناتها الثلاث .....و ذهبت بكل عزم الى زفاف سابين ...... لكن ما ان رأت أميرة القصة القديمة حتى احرقتها نيران الغضب الأعمى و لم تستطع تمالك نفسها فدخلت تلك الدخلة المسرحية التى افسدت كل شىء .......
لم تكن تتصور ان الأميرة ستظهر فى زفاف السابية التى سبت زوج ابنتها الوحيدة ...... كانت تظن انها ستظل بعيدة تتحسر على سقوط ابنها الوحيد فى نفس الفخ الذى سقط فيه زوج ابنتها ....... و اقد ارضاها هذا الاعتقاد , ارضاها تماما , بالرغم من انها لن تستفيد شيئا من هذه الصفقة عكس ما كانت ستحصل عليه من زواج سابين بمازن ........ الا ان مجرد تخيل الاميرة القديمة تبكي وتتحسر و تحاول اقناع ابنها بالعدول عن هذا الزواج ..... ارضاها تماما و جلب الى نفسها سعادة وحشية ........
لكن حين رأت الأميرة بكل سيطرتها وهيبتها وطلتها الملكية .......وهى تتلمس وجه سابين بتأمل و كأنها تستعيد الماضى منه ........حتى اشتعلت ايثار و اندفعت لتلقي قنبلتها الموقوتة كما فعلت , لتخسر المارد الى الأبد .......
التقطت هاتفها و طلبت رقما ثم اتاها الرد المقتضب ......فسألته بصوتٍ خافت مخادع
( كيف حالها ؟....... انت لم تكلمني منذ فترة )
لم تغفل اذنها عن صوت تأفف خافت من الطرف الآخر .... ثم ساد الصمت قليلا ليأتى الصوت البارد ليقول
( انها بخير ...... لا تطورات حتى الآن , ان حدث أى شىء سأخبرك )
اغلقت الهاتف وهى تبتسم بسخرية ...... الأحمق , يبدو انه سقط فى حبها كما كنت اتوقع تماما .......ومن يعرفها عن قرب ولا يحبها ؟.........
لكن هذا يخدم كل مخططاتها ..... فليحبها اذن كما يشاء , لكن عليه الا يأمل كثيرا فهى ابعد اليه من النجوم .......لكن ماذا ان احبته هى ؟........ ستكون هذه هى الكارثة...... لا..... بالتاكيد لا .......لا داعي للقلق ......
تنهدت بسخط وهى تتطلع حولها ......جميع بناتى اصبحن يسكن القصور و انا هنا فى هذا الجحر .........كتفت ذراعيها و اخذت تتلمسهما بكفيها وهى تتطلع حولها مرة اخرى ....... الصمت يخيفها ..... ها هي قد اصبحت وحيدة ...... الصغيرات لا يردنها فى حياتهن .........لكن ليس الامر بهذه البساطة .......هى السبب فى ما هن فيه الآن ..... هى من ادخلتهن الى مملكة آل مهران ......هى السبب فى انهن تربين فى القصور منذ صغرهن ...... و الآن يدرن ظهرهن اليها ........ لقد رحلت سابين دون تلقى بالا بها ...... تركت لها من المال ما تنفقه فى شهرٍ واحد فقط .......سما لم تأتي لخدمتها منذ فترة ...... الغبية ....تسلم دفتها الى فارس بشكلٍ ميؤوسٍ منه ....... لم تاخذ سما منها اي شىء ......انها ضعيفة للغاية .... تتحمل وتتحمل دون مقابل ..... لكن لن يظل الوضع هكذا طويلا ......ستدفع ديونك يا فارس .....لقد اخذت اغلاهن لدي .... ويجب ان تدفع ثمنها .......لقد دفعت قديما ثمن الطفلة التى حصلت عليها لترعاك ...اما الآن ......فقد حان الوقت لتدفع ثمن المرأة الدافئة التى تقدم اليك سببا لتحيا من اجله .........
ارجعت رأسها الى الوراء و هى تهمس ...... لابد انكِ تعيشين حلما اسطوريا الآن يا سابين .....لقد حظيتِ بكل ما تمنيتِه .....قد تكونين بالفعل اذكى منى ..... فأين انتِ و اين انا الآن ........
ظلت مكانها طوال اليوم تتحسر على أيامٍ ضاعت منها ..... على الرجل الأول فى حياتها و الذى تركها ...... على الامبراطور الذى لفظها بعد مماته من مملكته .......
وبعد وقتٍ طويل غفت مكانها على الأريكة التى لم تتحرك من عليها طوال اليوم ......... والصور القديمة مستقرة بين أحضانها ....
.................................................. .................................................. .............................................
مضى اليوم سريعا وانتشر الظلام مرة اخرى ليحيط بقلعة المارد ليحيطها بجوٍ رهيب من الخيالات و الظلال التى تشبه الأشباح و الصمت الذى لا تتخلله الا أصوات الحشرات الليلية .........
ثم فجأة انطلق صوت إطارات سيارة تقترب بسرعة جهنمية من باب القلعة , لتقف مرة واحدة مصدرة صريرا صارخا ....
صوت باب السيارة يفتح ثم يصفق بعنف ..........صوت باب القلعة الضخم يفتح مصدرا صوت مزلاقه القديم من الصدأ ....... ثم صوته وهو يغلق ليهز ارجاء المكان........
أقدامٍ سريعة تصعد الدرج ...درجتين ..درجتين .....تقترب وتقترب الى ان توقفت امام باب الغرفة لعدة لحظات ..... مقبض الباب يدور فى مكانه ببطء..... ليفتح الباب .....
سمعت صوت الأقدام تقترب منها بصمت على السجاد السميك ...... حتى وقفت هاتين القدمين أمامها مباشرة و هى لا تزال جالسة على الأرض ملتفة بغطاء الفراش ..... ناظرة أمامها بصلابة كتمثالٍ من الرخام .........
( كيف حال عروسي الساحرة ......)
انطلق صوته الذى تغير من الهمس العاشق ليلة أمس الى سخريةٍ هازئة ٍ الآن نفذت الى اعماقها لتطعنها فى صميم قلبها .......
ارتفع رأسها ببطء لتنظر اليه من مكانها دون ان تتحرك و دون ان تهتز عضلة واحدة بوجهها ..... ظلت عيناها الفيروزيتان تسبران عمق عينيه البنيتين الصلبتين .......ثم أخيرا همست بصوتٍ لا تعبير له
( لماذا تزوجتني ؟.........)
نظر اليها من علو ..... وسكت لا يملك الا الإعجاب بشدة بأسها و صلابتها .....لا يصدق انه لا يرى عينيها الجميلتين متورمتين من البكاء كما تخيلهما ........أى فتاة تستطيع ان تمر برعب الساعات السابقة وتظل بهذه الصلابة ؟................
لا انهيار .... لا حالات هيستيرية .... فقط سؤالا باردا مسلما به ...دون ان تحاول ان توهم نفسها بآمالٍ زائفة ........رغما عنه اعترف بأن هذه المقاتلة الشرسة , خصما لا يستهان به .......
انحنى ليجلس القرفصاء أمامها ..... ثم مد يده ليقبض على ذقنها ويرفع وجهها اليه ... ثم قال بعد لحظة بكل وضوح
(تزوجتك .... لأننى أردتك ان تكونى زوجتي )
جذبت ذقنها من يده بعنف و شراسة ثم قالت بغضبٍ أعمى
( دعك من التلاعب بالألفاظ و أخبرني عن خطتك الجهنمية ......... ماذا تريد منى ؟...)
نهض على قدميه ثم انحنى ليسحبها بعنفٍ من ذراعيها لتقف أمامه بينما ظلت تتلوى بشراسة كالنمرة بين يديه الى ان قال يتهجى كلماته ببطْء أمام وجهها
(أريد ان اطهرك ......)
سكنت تماما بين يديه لتنظر اليه بذهول محاولة استيعاب ما قاله للتو...... وحين وجدت أنه لا يمزح من الجدية المرتسمة على وجهه قالت تتأكد بصوتٍ خافت
( ماذا قلت ؟.......)
اجابها بنفس الوضوح وهو يشدد قبضته على ذراعيها
( لقد سمِعتِني.......سأطهرك من كل الافعال السوداء التي قمتي بها فى حياتك المسمومة )
ظلت صامته لعدة لحظات ...... ثم فجأة و كأن بركانا من الغضب انفجر بعد كل هذا التماسك الصلب خلال الساعات السابقة ...... لتصرخ صرخة عالية دوت كصوت الرصاص ....... بينما اخذت تتلوي وتضربه بأقصى قوتها بقبضتيها على صدره .... ثم اخذت تصرخ به بكلماتٍ بالكاد فهمها و هو يحاول السيطرة على مقاومتها الوحشية
( ايها النذل .... ايها المتوحش ..... من تظن نفسك لتحاكمني بهذه الطريقة ......)
ظلت تصرخ وتصرخ حتى بدأ صوتها فى التحشرج مهددا بجرحِ حنجرتها ........فاخذت تسعل قليلا وهى تقاوم ذراعيه بضعفٍ بدأ فى التسلل اليها حتى و قفت تماما تحاول التقاط انفاسها بصعوبة .....رفعت عينيها المجروحتين اليه و التى لا تزال الشراسة بهما تهدد بقتله ......وقف هو الآخر ينظر الى آثار الدمار الذى تسبب به ليحطم كيانها , لكنه لم يشعربأى نوع من أنواع الإنتصار ....بل على العكس الجرح الذى شاهده فى عينيها شتت عزمه ..... تماما كما حدث الليلة الماضية .... الا انه الآن لن يستسلم .....سيمضى معها الى نهاية الطريق .....قالت له اخيرا كفريسةٍ مجروحة
( ماذا تعلم عن حياتي لتقرر ان تحاسبني بهذه القسوة ؟..........)
شد على ذراعيها مرة أخرى و هو ينظر فى عمق عينيها ... ثم قال هامسا بشراسة
( انتِ ستخبرينني .........)
عقدت حاجبيها و هى تحاول الفهم الذى بات مستحيلا مع شدة التعب التى حلت بها ..... ثم همست تقول
( أخبرك بماذا ................)
تركت إحدى يديه ذراعيها لتقبض على فكها بقسوة و هو يصرخ بها بغضب
( ستخبريني بكل ذنبا ارتكبته يوما ....... كم رجلا اوقعتي فى حبائلك .... كم اسرة دمرتِ بعبثك .....كم رجلا ذاب فى حبك و اوهمتيه بأنك تبادلينه الحب بينما انتِ تتسلين به........كم لعبة اغواء مارستها لتتقدمي في عملك و تصلي الى المكانة التى انتِ فيها الآن ...... ستخبريني بكل هديةٍ ثمينة تلقيتها فى حياتك و ما كان المقابل )
كانت تنظر اليه مشدوهة من صراخه بهذا الكلام البشع .... لكن الأبشع ان الكثير منه كان صحيحا و هو يريد قائمة بكل التفاصيل الدنيئة لم يمهلها لتنطق حرفا واحدا فاخذ يكمل بوحشية
( ستخبريني بكل تفاصيل اللعبة المحكمة التى لعِبتها انتِ و أمك لتدمرا دارين .......او بالأصح تدمرا أمى تصفية لحسابات الماضي ....وفى نفس الوقت الحصول على الصيد الثمين الذى سيؤمن لكما المستقبل .... بالطبع من يكون غير مازن مهران )
صمت قليلا هو يحاول التقاط انفاسه ثم همس أخيرا
(لن تخرجي من هنا يا سابين الا بعد ان تعترفي بكل ما اقترفته من جرائم فى حق البشر فى سبيل مصلحتك الشخصية ........ و بعد ان تعترفي بها كلها .... سنجد الوسيلة التى تكفري بها عن جميع أخطائك المخجلة .......)
ظلت تنظر اليه برعب ٍ مما يطلبه وما يعتقده..... غير قادرة على الكلام ..... لم تكن تظن انه يحمل كل هذا القدر من الضغائن لها..... لم يكن الأمر مجرد زواج دارين ..... ان الامور معقدة اكثر مما تخيلت يوما .......استطاعت أخيرا الهمس بتحشرج وهى تنظر اليه بجرحٍ عميق
( طالما ان هذه هى مخططاتك فلماذا الليلة الماضية ..........)
لم تستطع ان تكمل كلماتها ....... بينما ظل هو صامتا و لم يجبها ......ففسرت صمته على الفور بالطريقة الوحيدة التى أوحت بها تصرفاته القاسية ..... فهتفت فجأة برعب ٍ تسأله و هى تجيب قبل ان تسأل
(كنت تريد ان تتأكد .... اليس كذلك .... كنت تريد ان تتأكد ان المرأة الحقيرة التى تزوجتها لم يمسها غيرك ........اليس كذلك ؟....)
اخذت تنشج بضعف دون ان تسمح بسقوط دمعة واحدة من عينيها .......ثم صرخت بضعف
( أيها المنافق ......تتصور أنك حامي الفضيلة .... بينما انت مناااااافق .... لست اكثر من منااااافق )
شدها من ذراعيها و صرخ بها ( الزمي حدودك يا سابين ......لن اسمح لكِ ابدا فى تخطي الخطوط التى وضعتها بيننا ....)
ظلت تقاومه و هى تصرخ ( لقد شهدت امام الله ان تكون زوجى ...... بينما فى ضميرك كنت تخطط لانتقامك القذر ..... الا تعلم ان هذا نفاقا أيها الفاضل ..... هل تخدع الله أم تخدع نفسك )
قال لها بهدوء بعد ان سمعها للنهاية ( لا نفاق يا سابين ..... انتِ زوجتى ولا نية لدي للانفصال عنكِ .... لقد تعهدت بحمايتك , و سأحميكِ حتى من نفسك ......)
ترك ذراعيها ثم ابتعد عنها و هو يقول
( سأتركك الآن لتفكري فيما قلته لكِ ....... فانا كنت اتكلم بجدية )
استدار ليبتعد ...الا انه لم يلبث ان استدار مرة أخرى و هو يقول بهدوء
( يجب أن تكوني شاكرة يا سابين .....فلكل انسان مهما بلغ شره الحق فى الحصول على فرصة ......فان اضاعها.. حُكِم عليه ان يعيش مع شره للنهاية ........ وانا اقدم لكِ هذه الفرصة فلا تضيعيها )
سار عدة خطوات الا انها هجمت عليه كالنمرة لتحاول خدش وجهه بمخالبها و هى تصرخ.....الا انه كان اسرع منها فامسك بها بشدة ليحملها بوحشية .... ثم سار الى الفراش وهى تقاومه بكل قوتها , وما لبث ان القاها بكل قوته لتطير عبر ستائر الفراش الشفافة لتسقط عليه بعنف ..... و ما ان حاولت الجلوس حتى خرج هو مندفعا من الغرفة ..........
قامت من الفراش و هى تحمل بيديها اطراف الغطاء الذى يلفها .......ثم جرت خلفه و هى تصرخ
( احمد ..... احمد .....)
كان هو بنهاية السلالم .... و هي تجرى خلفه و الغطاء الحريري و شعرها الهمجي الطويل يتطايران خلفها ..... اخذت تصرخ
( احمد لا يمكنك تركي هنا مرة أخرى ......... احمد )
وصل الى الباب فى نفس اللحظة التى وصلت فيها اليه ..... فجذبته من ذراعه بشدة و هى تكمل صراخها
؛( لن تخرج ..... اسمعتني .....لن تخرج و تتركني هنا )
ظلت تتشبث به بعنف وهو يحاول التخلص منها ....... الى ان حملها فى النهاية بذراعه من خصرها ليلقي بها بعيدا ..... فسقطت على الأرض تتأوه بضعف .....
قال لها اخيرا وهو يعدل سترته
( لا تنسي ان تأكلي شيئا ..... المطبخ مليء بالطعام ......وها هى حقيبة ملابسك بجوارك .......تصرفي بحرية فهذا بيتك ايضا )
ثم خرج دون ان يسمح لها بالنطق و هو يوصد الباب الضخم خلفه بصوتٍ زلزل أعماقها ..............

الفصل الخامس عشر (2) 

كانو جميعا يجلسون الى مائدة الأفطار صباحا .....يسودهم الصمت و الوجوم و كأنهم لم يتعافوا بعد من أثارحفل الزفاف بمهاذله .....فقد كان ادهم و فارس متجهمين بشدة .... وحلا تعلو ملامحها الصدمة ...... أما سما فقد كانت تجلس متألمة و هى تمسك فى يدها مجلة من المجلات العديدة الموضوعة أمامها .... تنظر الى الصور العديدة التى التقطت لهم فى مواقف متعددة من حفل الزفاف ..... ثم همست و قد تساقطت دمعة على و جنتها
( يا الهى لقد شوهوا الحقائق تماما ............)
اكملت وهى تختار بعض المقاطع من المجلة ( حفل الزفاف الأسطوري يتحول الى مهزلة .........شجارخفي بين والدتي العريس و العروس ينتهي برحيل والدة العروس دون حضور باقي الحفل ...........فارس مهران يضرب رجلا خلال حفل الزفاف ......ومن المواقف التى اذهلت المدعوات .. اقتحام ادهم مهران لحمام السيدات ......حيث فوجئت بعض المدعوات بوجود ادهم مهران مع زوجته داخل حمام السيدات ..........)
سكتت سما غير قادرة على المتابعة من شدة صدمتها ......... و ظل الصمت مخيما عليهم عدة لحظات ...... الى ان انفجر فارس فجأة بالضحك , رفعت كلا من سما وحلا رأسيهما اليه وهما تعبسان من مزاحه فى مثل هذا الموقف ثم قالت سما بحنق
( فارس ..هذا ليس مضحكا )
لم يستطع فارس السيطرة على نفسه و ظل يضحك بصوتٍ عالى حتى دمعت عيناه و هو يقول من خلال ضحكه
( كان هذا رائعا ....... اقصد اقتحام ادهم لحمام السيدات , سيظل هذا الخبر يلاحقه لسنين عديدة )
انطلقت ضحكة ادهم تعقب ضحكات فارس بشدة ........فهتفت حلا به
( أتضحك الآن يا ادهم ..... بعد تلك الفضيحة التى تسببت بها ..... لهذا لجأت الى سما عين شعرت بالتعب .... كنت اعلم انك ستقوم بعملٍ متهور )
ظل ادهم وفارس يضحكان بينما كلا من حلا و سما تنظران اليهما بغضب .... الى ان قال ادهم و هو يضحك
( الموقف الحقيقي ليس مضحكا .... لكنهم صورره و كأني حاصرتك فى الحمام ......و كأننا لم نستطع الصمود ضد اشواقنا )
احمر وجه حلا بشدة و هى تصرخ بينما علت ضحكات فارس اكثر
( ادهم ........توقف )
التققط ادهم يدها برقة يقبلها وهو لايزال يضحك ثم قال
( و الحقيقة اننى اقتربت كثيرا من فعل هذا لولا تعبك .........)
سحبت حلا يدها بسرعة و هى تهتف حانقة ( ادهم إن لم تتوقف ..... فسوف أغادر الآن )
ظل ادهم يضحك بشدة ثم جذب مقعدها ليجره اليه بكل سهولة وهى جالسة عليه حتى اصبحت ملاصقة له ....ثم احاط كتفيها بذراعه وجذبها اليه ليقبل زاوية فمها بكل رقة الى ان ذابت تماما و همست
( ادهم توقف نحن لسنا وحدنا .........)
همس لها فى اذنها دون ان يسمعهما فارس وسما ( ما رأيك ان تسبقينني الى الحمام لنحصل على الخصوصية التى نريدها .......فلقد اغرتني الفكرة تماما )
احمر وجهها بشدة حتى اصبح بلون الكرز الشديد الحمرة فأدارت وجهها وهى تحاول الإبتعاد عنه قليلا هامسة
( ادهم ارجوك .....توقف )
الا أن ادهم لم يتركها وهمس مرة أخرى فى أذنها بصوتٍ اكثر انخفاضا و اكثر دفئا لتدخل أنفاسه الساخنة الى أذنها مباشرة
(للأسف أنا مضطر الآن للذهاب الى العمل ...... لكن حين أعود ...... لن نخرج من الحمام الى صباح اليوم القادم )
شهقت حلا آخذة نفسا عميقا وهى تكاد تسقط تحت المائدة من مشاعرها الهوجاء التى اشعلها ادهم بكلماته الخارجة عن إطار الأدب .....
كانت سما تراقب ادهم وهو يتهامس مع حلا بينما اصبح وجه حلا على وشك الأنفجار من شدة احمراره .... فتشوشت الرؤية أمامها فجاة بسبب غمامة الدموع التى غطت عينيها .......و هى تتذكر فارس الذى ما ان صعدا الى غرفتهما الليلة الماضية ..... حتى انقلب على جانبه موليا ظهره اليها وهو يتمنى لها ليلة سعيدة !!!........
كان يجب ان تتوقع هذا .........لقد أفزعته باعترافها الأحمق بحبها له , انه الآن بالتأكيد يشعر بها حملا ثقيلا على أكتافه , لا يريد ان يلتزم به .........الى متى ستظل تتعذب بقربه منها على هذا النحو ......
( بماذا شردتِ ؟........)
نظرت سما الى فارس الذى همس لها بهذا السؤال .... فقالت بصوتٍ منخفض بعد لحظة صمت
( كيف عرفت اننى كنت شاردة ؟.......)
قال لها بابتسامة رائعة سحرت عينيها
( انكِ تتشبثين بكفي .........)
اخفضت نظرها بسرعة لتفاجأ بأنها تمسك بيده الموضوعة على المائدة أمامها و هى غارزة اظافرها القصيرة فى باطن كفه بشدة دون ان تدري ......
تركت يده على الفور و كأنها لسعتها .......ثم ابتلعت ريقها وهى تقول بجفاء ٍ لم يخف على أذنه الحساسة
( كنت شاردة فى ........ لا يهم ..... شيئا لا أهمية له ......لا تهتم )
ابتسم و قد لمعت عيناه ببريقٍ مشتعل وهمس بداخله ...... صبرا ياسمينا ....صبرا .....
اقترب منها وهمس فى اذنها .......( يبدو انكِ غاضبة من شيءٍ ما ........ان ظللتِ غاضبة لن اخبرك بالمفاجأة التى أعددتها لكِ )
التفتت اليه بسرعة و هى تهتف بتوهج ( أي مفاجأة ؟.........)
ارتفع رأسي ادهم وحلا ينظران الى سما التى هتفت بسؤالها بصوتٍ عالى دون ان تدرك .......فاحمر وجهها بشدة و صمتت تماما
فقال فارس مبتسما ( لقد كنت اخبر سما عن المفاجأة التي حضرتها لها الليلة .........)
فابتسم ادهم وهو يقول بغموض ( حقا ........ )
أوما فارس برأسه مبتسما ثم التفت الى سما يقول ( الليلة ....... سنذهب لتناول العشاء في الخارج مع أدهم و حلا )
شحبت سما و بهتت ابتسامتها ... وظلت تنظر اليه طويلا و هى تشعر أنه القى عليها دلوا من الماء المثلج ...... المتبلد ... عديم الإحساس ....عشاء ؟!!!!...... ومع ادهم و حلا ؟!!!!!....... هل هذه هى المفاجأة التى اتعب نفسه فى تحضيرها ؟.........
بالطبع بالنسبة له يعتبر هذا عملا بطوليا و تضحيةٍ لا مثيل لها ..........فهو منذ اكثر من ثلاث سنوات تقترب من الأربع حتى الآن ....لم يخرج معها الى أي مكان ........لذا فهو الآن يعتبر نفسه قد قدم اليها نجمة من نجوم السماء ..........
لم تشعر يوما بنفسها حانقة عليه كما تشعر الآن ............تريد ان ترفض ..... لكن نظرات ادهم و حلا المسلطتان عليها منعتاها من التفوه بكلمة ........
الا انه بدا وكأنه يريد أن يثير غضبها اكثر و اكثر ........فقال بتلهف ساذج
( الست سعيدة ؟...........كنت اظنك ستقفزين كما تفعلين دائما حين تتحمسين لشىء ........)
قال كلمته الأخيرة بصوتٍ اكثر خفوتا و دفئا فاحمر وجهها بشدة حين تذكرت الأيام التى كانت تقفز فيها بأحضانه و هما وسط الأمواج الى ان يكبلها بذراعيه فيسقطا معا فى الماء ........
عديم الإحساس ....... عديم الاحساس ......يذكرها دون خجل بتلك الأيام التى اعطاها فيها دروسا غير كاملة فى الحب ليتركها تتلهف اليه اكثر واكثر ........
قالت ببرودٍ غير قادرة على إخفائه ( انا سعيدة ...... سعيدة للغاية ...... اكاد اطير من البهجة )
عبس فارس وهو يقول بعتاب ( انا اشتم رائحة السخرية فى كلامك .......هل هذه هى المكافأة التى احصل عليها فى النهاية ؟......)
مكافأة ؟!!!.........مكافأة ؟!!!!.........هل يعتبر اناء العصير الثقيل هذا خطيرا اذا كسرته على رأسه ؟.........
اخذت نفسا عميقا و هى تحاول تهدئة نفسها ...... تُردد بصمت .....اهدئى .... انه فارس حبيبك .....يكفي انه يحاول ابهاجك حتى وان كان بشىءٍ بسيط ...... الا تتذكرين اياما كنتِ تتمنين فيها وردة او حتى ابتسامة من شفتيه ......يكفي انه بجوارك ....... انه حبيبك فارس يكفي انه بجوارك لا يهم أي شيئا آخر .........لا يهم .......
التفتت تنظر اليه بعينين مجروحتين .... ثم ابتسمت اخيرا برقة حقيقية و هى تقترب لتقبل وجنته قائلة
( انا آسفة ...... لم أقصد اغضابك , انا حقا سعيدة .....شكرا لأنك فكرت بي )
مد يده ليغرز أصابعه في شعرها و هو يجذبها اليه ثم يطبع قبله قوية على خدها كادت ان توشمه من شدة قوتها ..... ثم قال اخيرا
(أنتِ تستحقين الأفضل ...........)
لم تفهم ماذا يقصد .....و ما هو الأفضل ؟..........لكنها رفعت يدها لتلامس قبلته المطبوعة على خدها و التي كان تأثيرها يضاهى تأثير أشد قبلات الغرام ..................
.................................................. .................................................. .................................
دخل ادهم مهران بكل هيبته و عنفوانه الى المكان .... فتوتر الجميع رهبة منه , تقدم الى الفتاة الجالسة على المكتب و التى رفعت رأسها اليه مشدوهة من جاذبيته الخارقة ........وصلها صوته الرجولي العميق يسأل
( هل السيد أيمن وحده ؟.......)
اجابت الفتاة بتلعثم (نعم وحده سيدى .... من نخبره ....)
الا انها لم تكمل سؤالها حيث فوجئت بأدهم يتقدم مباشرة الى المكتب المقابل بكل ثقة .... اندفعت الفتاة خلفه لتقول
(سيدي يجب ان تحدد موعد أولا ........سيدي لا يمكنك الدخول دون أن اخبر السيد أيمن )
كان ادهم قد فتح الباب بالفعل ودخل قبل ان تستطيع ايقافه ........اتجه ادهم الى الرجل المذهول الجالس خلف المكتب.....ووقف امامه ينظر اليه نظرة اثارت الهلع في نفسه من شدة بأسها ........
قال ادهم بكل ثقة وهدوء (اعتقد انه من الأفضل ان نتكلم بمفردنا......)
اشار الرجل المصدوم الى الفتاة بأن تخرج و تغلق الباب خلفها ..... و ما ان خرجت حتى قام الرجل من مكانه ليلف حول المكتب و يتقدم مادا يده ليصافح ادهم وهو يقول بتلعثم
( سيد أدهم ..... انه شرف كبير ان تأتي بنفسك الى مكتبي )
تجاهل ادهم يده الممدودة ......و قال بصوتٍ صلب
( اجلس...... هناك حديث بيننا و قد يطول )
جلس الرجل على احد الكرسيين امام المكتب بينما جلس ادهم على الآخر مستندا بظهره , واضعا ساقا فوق الأخرى بكل عظمة ......ظل ينظرلحظاتٍ قليلة الى الرجل المرتبك الجالس أمامه يتهرب من عينيه ....... ثم قال أخيرا بكل حزم
( دون أي مقدمات ..... أريد جوابا مباشرا على سؤالي .......من أين تعرف زوجتي ؟.....)
اتسعت عينا الرجل و ارتبك اكثر واكثر ثم قال يتلعثم اكثر من الأول
( زو....زوجتك ؟!!...... انا لا اعرف ..... انا لا اعرف زوجتك سيدي )
تظاهر ادهم بالنظر الى سترته بلا مبالاة .... ثم قال بصوتٍ اكثر هدوءا
( فلنجرب بطريقة ٍ اخرى ........)
فجأة انزل ساقه و هجم على الرجل الجالس امامه بسرعةٍ لم يتداركها .... ليجذبه بعنف ٍ اليه من أعلى ربطة عنقه ليضيق الخناق على عنقه اكثر و اكثر حتى كاد الرجل ان يختنق و قد اتسعت عيناه على اقصى مدى .......فقال ادهم بنفس الهدوء
( حسنا الآن ......هل سأحصل على اجابة أم اثير فضيحة هنا انت فى غنى عنها ؟.......)
أوما الرجل برأسه رعبا ..... فتركه ادهم بشدة ليسقط على كرسيه مرة اخرى ......... تحرك الرجل من مكانه يريد ان يستدعي الأمن الا ان صوت ادهم انطلق قاصفا
( اياك ان تفكر في التحرك من مكانك لأنك لن تستطيع الوصول سليما الى اي مكان...... كما احب ان اعلمك بأن لدي ملفا قد يودي بك خلف القضبان لسنين عديدة.... بالتأكيد انت اعلم بهذا الملف اكثر مني ..... فانا أحبائي كثيرين وقد سرهم للغاية ان يخدمونني في هذا الموضوع )
عاد الرجل الى الاعتدال فى مكانه محاولا التقاط انفاسه ثم قال اخيرا بخوف
( ماذا تريد ان تعرف ؟....... لكن يجب ان تعطيني الأمان اولا...... فما ستسمعه لن يعجبك )
كتم ادهم الشعور المقبض بداخله ....... وظل وجه صارما بلا اي تعبير بينما اعماقه تغلي من التوجس وهو يقول
(اعطيتك الأمان ..... تكلم )
قال الرجل و هو يحاول السيطرة على نفسه متحاشيا النظر الى عيني ادهم المتوحشتين
( لا أعرفها حقا ..... فقط قابلتها مرة فى حفل منذ عدة سنوات...... حفلا كان يقام كل فترة .....لم اكن اعرف وقتها من تكون , كنت اظنها ......)
ابتلع ريقه وهو يخشى على حياته من الوحش الجالس أمامه و المستعد للإنقضاض عليه في أي لحظة ..... فماذا ان سمع الباقي ؟......
اكمل يرتجف وهو لا يملك سوى ان يصل للنهاية
(حاولت ان اكلمها و قتها ......حين وجدتها تقف وحيدة , الا انها قامت بصدي بشدة ...... حينها اقترب مني احد أصدقاءنا وجرني بعيدا .... ليسألني ان كنت مجنونا لأتجرأ وأكلمها هي بالذات ...... فسألته عمن تكون اذا كانت موجوده فى مكانٍ كهذا ......)
ابتلع ادهم ريقه وهو يقول بصوتٍ خافت مرعب
( أي حفلا كان هذا ؟.......)
اخفض الرجل رأسه غير قادر على الرد مرتعبا من هول ما سيحدث بعدها ......لكن حين شاهد ادهم يتحرك قال بسرعةٍ بلا تفكير
( حفلا ..... من الحفلات التي .....)
لم يجرؤ على الإكمال و هو ينظر يمينه و يساره بتوتر ......لكن ادهم فهم ....فهم و اصابته الحقيقة فى مقتل .... الا انه سأل محاولا الا يتحشرج صوته .....
( مع من كانت ؟..........)
قال الرجل و أعماقه تتآكل من الخوف
( لم اكن اعرف وقتها ..........الا ان صديقي الذى سحبني من جوارها قال ....... قال .....انها ملك لرجل من رجال عصابات كان يحضر مثل هذه الحفلات دائما وكنا نراه كل حفل مع امراءة مختلفة ....ومعظمهن من سيدات المجتمع , الا ان هذه الحفلات كانت تتسم بالسرية ..... وفي هذا الحفل تحديدا كان المقربون منه يعرفون انه جاء لينال هدفه اخيرا من سيدة شهيرة ..... زوجة رجل أعمال فى امبراطورية ضخمة ......و قد جاء معها زوجها ...... فهذه الحفلات ..... انت تعرف .....)
سكت وهو يعلم انه أعطى للرجل الجالس أمامه السلاح الذى سيقتله به ........ثم قال ادهم اخيرا دون أي تعبير
(وما الذى حدث بعد ذلك ........)
قال له الرجل بسرعة ( أنا لا أعلم حقا باقي التفاصيل ...... فأنا ما أن سمعت اسم رجل العصابات هذا .. حتى ابتعدت عنها على الفور .....فهو كان رجلا لا يرحم ...... ولا يتوانى عن سحق من يقترب من ممتلكاته ......وقد انصرفت على الفور مبتعدا عن مشاكل انا فى غنى عنها .......لكن ما سمعته بعدها ........ان هذا الحفل انتهى بنهايةٍ مأساوية ..... بسقوطها من النافذة !!!......وقد ارعبني هذا , ان المرأة التى كنت أكلمها منذ عدة ساعات ... سقطت من النافذة !!!...... وقد دارت في خلدي كل القصص المحتملة من ان يكون سقوطها متعمدا أو تم القاؤها من النافذة ........كنت أظنها ماتت طيلة هذه السنوات ...... لذا فقد صعقت حين رأيتها مرة أخرى ..... ولم أخطئها ... فوجهها لا يُنسى بسهولة .......)
سقطتت من النافذة ..... سقطت من النافذة ...... لا لم تسقط .. لقد قفزت من النافذة ..... لقد نطقت بها حلا أمامه .... و هو اعتقدها تهذي ..... قام من كرسيه ببطء فقام الرجل خلفه لا يصدق بقاؤه على قيد الحياة حتى هذه اللحظة ...... كان خلف ادهم مباشرة حين استدار ادهم بسرعة ليقبض بكلتا يديه على عنق الرجل الذى جحظت عيناه بشدة ...... ثم قال ادهم بشراسة و قد تحول فى لحظةٍ الى شيطان
( ان انتشرت كلمة واحدة مما سمعت الآن ...... فستكون من عداد الموتى 

الفصل السادس عشر (1)

مع كل دقيقة تمر تزداد خفقات قلبها جنونا .... حتى صارت فى النهاية دويا عميقا يعصف فى اذنيها ....و اخيرا انتهى الطريق و صفت سما السيارة امام المدخل ...... التفتت الى فارس الذى كان صامتا منذ فترة و سألت نفسها بما يفكر ..... هل يعيد أفكاره ....هل غير رأيه ..... لم تعد فجأة واثقة من نفسها ..... فثلاث سنوات ليست فترة هينة .... ثلاث سنوات افقدها فيها فارس ثقتها بنفسها تدريجيا حتى باتت معدومة .....حتى لحظات اقترابهما العاطفية , ظنت اكثر من مرة انه لا يفعل ذلك الا ليؤلمها بتركها بعد ان يرفعها لسماء المشاعر المجنونة ......لكن ما فعله الليلة ...... ما فعله الليلة كان حلما فوق الخيال ..... لم تشعر يوما بأنها سعيدة لهذا الحد المجنون ... الحد الذى اشعرها بالرعب .....الرعب من فقدان هذه السعادة .......آه يا فارس ... لا تفسد علي سعادتي .....ارجوك حبيبي لا تفسد علي سعادتي ...... قد اموت وقتها .... لم اعد استطيع التحمل اكثر ... لم اعد قوية بما يكفي .....

همس برقة و تردد

(لقد وصلنا يا فارس ........)

ظل صامتا لحظة غاص فيها قلبها رعبا ثم قال بصوتٍ يحاول فيه كبت الكثير

(هل انتِ مترددة ؟........)

اتسعت عيناها و هى لا تفهم سؤاله , او فهمت منه انه يتمنى ترددها ليظهر تردده هو الآخر .......فقالت وهى ترتجف

(ماذا تقصد ؟........)

اجابها بصوتٍ مكبوت و هو يحاول اخفاء انفعاله

(اسمع نبرة التردد فى صوتك ...... هل تعيدين التفكير فى علاقتنا ؟ لقد فاجأتك الليلة و لم اعطكِ الفرصة للتفكير فى تطور علاقتنا ....)

اخذ ارتجافها يتزايد و هى لا تصدق انهما جالسان فى السيارة يتحدثان بمنتهى الموضوعية فى أمرٍ كانت تظن انه بات جليا لديه ........

تنفست بصوتٍ مرتجف مسموع ثم سألته هامسة

( وهل تعطيني الآن الفرصة للتفكير بجدية ؟..........)

مد يده و نزع حزام الأمان ثم فتح الباب المجاور له و هو يقول بصرامة

(انزلي .......)

ثم نزل و صفق الباب بعنف و انتظرها الى ان وصلت اليه ثم سحبها من يدها و اندفع الى مدخل المنزل متعثرا وهو يجرها خلفه تتعثر هى الاخرى فى فستانها الطويل و هى تقول لاهثة

( انتظر يا فارس ...... انتظر سنسقط معا )

حاولت التوقف و هى تقول بارتجاف

( انتظر على الأقل لأحضر حقيبة ملابسنا من السيارة .....)

قال لها بعنف ( اتركيها ........)

حاولت جذب يدها منه مرة اخرى وهى تقول ( لكن ليس لدينا ........)

الا انه جذبها من خصرها اليه بشدة و هو يقول ضاغطا على اسنانه

(قلت لك ِ اتركيها والا القيتها في البحر و بقينا هنا بدونها ..........)

اخرج المفتاح من جيب سترته واعطاه لها وهو يقول بصلابة

( افتحي الباب ........)

فتحت الباب بعد عدة محاولات فاشلة من شدة ارتجاف اصابعها ثم شعرت به يدفعها أمامه بخشونة ........ الى ان دخلا ثم اغلق الباب خلفه بشدة و ما لبث ان التفت اليها ليمسك بكتفيها بقوة وهو يصر على اسنانه

( اذن ....... فانتِ تحتاجين فرصة أخرى للتفكير ؟.......بعد كل محاولاتك المستميتة لإغوائى ؟........الآن .... الآن يا سما تترددين حين يصل الأمر الى نقطة اللا رجوع ......)

صمت لحظة وهو يلتقط انفاسه الهادرة ..... ثم اكمل بما يشبه الفحيح اللاهب و وجهه يقترب من وجهها ليلفحه بأنفاسه الساخنة

( ثلاث سنوات ...... ثلاث سنوات و انا مرتبط بكِ , مخلص لكِ , اسمع همساتك التى تزداد نعومة كل يوم . اشعر بخطواتك من حولي و كأنك ترقصين لي دون ان اراكِ ....... تخرجين من شرنقتك يوما بعد يوم لتتحولين الى فراشة ناعمة تطير من حولي فى كل مكان ....... تلقي بسحرها الأخاذ علي لتهدد السيطرة الهشة التى فرضتها على نفسي ...........)

تركت يداه كتفها و امسكت بخصرها تشدها اليه بقسوة مما جعلها تشهق بشدة بينما حطت شفتاه على عنقها تداعبها وهو يأخذ نفسا عميقا منها ثم يهمس

(استنشق عطرك الذى تتعمدين اغراق نفسك به كل يوم ........ثلاث سنوات و انا امنع نفسى عنكِ .... لا اجرؤ على الاقتراب منك ِ وانتِ ملكى ........ )

تحرك وجهه ببطء ليمر بأنفه على صدغها و هولايزال يستنشقها بعمق و كأنه يتنفسها .......

(الى ان قررت ِ انتِ يا صغيرة لعب العاب الكبار .......منذ اشهر و انتِ تلعبين لعبة الإغواء والتى تجهلين قواعدها تماما .........)

اخذ فمه يقترب من فمها وهو يتابع همسه فوق جانب فكها

( هل تعلمين بماذا اشعر حين اجد تلك الصغيرة البريئة تحاول جاهدة استمالتي بكل الطرق الساذجة و البريئة التى تعرفها ........ و العجيب فى الأمر انها بكل سذاجتها اصبحت تشكل لي هوسا مع مرور الأيام ......... اصبحت اشد انواع جنوني ...... بت لا ارى غيرها ...... اتخيل نفسي معها , الامسها , اعلمها الحب كما تستحق , اذيبها بداخلي ....... اعلمها الا تعبث بلعبة الا ان كانت تدرك عواقبها ............عواقبها المجنونة ....جدا .....جدا )

كانت سما اثناء همسه الأجش تتنفس بصوتٍ يتعالى شيئا فشيئا حتى بات كشهقاتٍ لا تستطيع السيطرة عليها ........ وقتها ابتسم فارس بوحشية و جذبها اليه بعنف يهمس فوق شفتيها

( اذن يا سيدة سما ........ هل تحتاجين فرصة لإعادة التفكير ؟.... لانك لو كنتِ تحتاجين اليها ..... فيؤسفني ان اخبرك ان وقت التفكير قد انتهى منذ زمن ....... وآن وقت الأفعال )

ثم لم يلبث ان انحنى وحملها بحركةٍ واحدة جعلتها تشهق بصوتٍ اعلى و سار بها محددا مكان غرفة النوم بمنتهى المهارة ..........و ما ان دخل بها حتى انزلها على قدميها و مد يديه يتلمس ترحتها لينزعها عن رأسها و يلقي بها بعيدا ......ثم اعاد شفتيه الى الجانب المكشوف من عنقها و الذى يبدو انها تركته مكشوفا فقط ليقبله كما يشاء .........

شعرت سما بساقيها تذوبان من تحتها لا تقويان على حملها حين شعرت بيديه تجذبان طرفي الرباط المعقود اسفل ظهرها ثم تصعدان لتسحبان الرباط من عقداته المعقودة واحدة تلو الأخرى على طول ظهرها ..... ببطءٍ شديد كاد ان يحرقها الى ان انزل الثوب عن كتفيها و نزل بشفتيه معه .....حينها فقد الوقت معناه لكلا منهما و باتت الدقائق تمر بهما لا يشعران الا ببعضهما .... الى ان فقد فارس صبره اخيرا و حملها مرة اخرى وهو يتأوه هامسا

( اين الفراش ؟.........)

استطاعت سما النطق بصعوبة بصوتٍ لا يكاد يسمع وهى تنظر الى الفراش بعيونٍ زائغة

( بضع خطوات الى يمينك ...........)

ابتسم فارس حين سمع موافقتها المستترة اخيرا ثم سار بها الى الفراش بسرعة الى ان اصطدمت ساقاه به فالقى بها فوقه وهو يسمع صرختها الصغيرة فاخذ يخلع سترته بعصبية ثم يلقي بها ارضا ... تلاها قميصه ........و اخيرا وصل اليها و هو يميل بوجهه عليها يلهث من العاصفة الطاحنة بداخله ........ظل صامتا لحظة واحدة ثم قال بشراسة

( انتِ صغيرة جدا يا سما ....... و بريئة جدا .....جدا .... لا اريد ان اؤلمك اكثر مما آلمتك سابقا ...... لكنى لا استطيع الانتظار اكثر من ذلك ..........)

ثم هجم عليها ينهل من نبع حبها الذى حرم منه طويلا ..... طويلا ..... وظلت الغرفة صامتة لا يتعالى فيها الا اصوات تنفسهما و صوت امواج البحر الواصلة اليهما من النافذة التى ترسل بشعاع القمر ليغطيهما بوهجه الفضي ..............

.................................................. .................................................. .................................................

افاقت من نومها على اشعة الشمس الدافئة التى تداعب وجهها و على لمساتٍ كرفرفة اجنحة الفراشات تداعب كتفها و ذراعها .....رفعت يدها لتزيح شعرها الطويل عن وجهها ....... فرأت الوجه الحبيب يطل فوقها مبتسما بعبث ثم همس

( صباحا مباركا يا عروستي ...........)

احمر وجهها بشدة وخيالات الليلة الماضية تطوف برأسها فى لحظةٍ واحدة ......لم تستطع منع ابتسامة من الظهور فوق شفتيها فسألها

(لماذا تبتسمين ؟..........)

اتسعت عيناها و قالت هامسة

(كيف عرفت اننى ابتسم ........)

اجابها وهو يضحك بخفة

( الآن عرفت ...........)

ازداد احمرار وجهها و عبست بدلال ثم قالت ( لن تتغير ابدا .......)

ازداد اقترابا منها وهو يجذبها اليه هامسا ( الم اتغير ليلة امس عن فارس الذى عرفته قبلا .............)

شعرت ان وجنتاها ستنفجران من شدة اندفاع الدم اليهما و قالت بحنق ( فارس ........ توقف عن هذا )

اخذ يقبلها على شفتيها بكل رقة الى ان ذابت تماما بين ذراعيه ثم قال بصوته الأجش

( هل كانت ليلة أمس كما تمنيتِها وحلمتِ بها ...........)

عبست مرة أخرى وهى تقول ما بين الغضب و الخجل

(لم أتمنى شيئا ......... تجعلني أبدو يائسة )

اخذ يضحك بشدة و هو يقبل وجنتها و يقول

( نعم كنتِ شديدة اليأس و الإحباط ........ الا تعلمين اننى كنت استطيع تبين ذلك من صوتك الرائع بكل سهولة )

حاولت سما سحب نفسها منه وقد بدأغضبها يتزايد من مزاحه الثقيل و الذى احرجها بصدقه الا ان فارس ابى ان يتركها تبتعد عنه اطلاقا وهويشدد من تطويقه لها وهو يهمس لها بجدية

(لكني كنت اكثر منكِ يأسا و احباطا ...... هل كنت قاسيا عليكِ ليلة أمس ؟.....)

اسبلت جفنيها بخجل و هى تهمس ب (لا ) ناعمة دافئة جعلته يشعر بمشاعر غريبة بداخله فقال لها بوجوم

(لم ارد ان اؤلمك يا سما ......لكننى شعرت بتملك فظيع مؤلم لكِ ........انتِ تعلمين انكِ اصبحتِ ملكي اليس كذلك؟.......كنتِ دوما ملكي الا انكِ اصبحت كذلك قولا وفعلا ........... ولم يعد هناك مجالا للتراجع الآن , لن تكون حياتك لغيري ابدا فهل انتِ مدركة لذلك ؟........)

ارتجفت بين ذراعيه مع ارتجاف قلبها ..... لقد قال كل كلمة تسعدها ....يملكها ...يريدها ....يراها ...الا انه لم ينطق بالكلمة التى تتمناها اكثر من أى شىء فى هذا العالم .........جعلها تقولها له و ترددها كثيرا كثيرا الليلة الماضية فى غمرة هواهما ......لكنه لم يرد بها كان يسمعها ترددها كل مرة ليزداد جنونه .....لكنه لم ينطقها ولو لمرة واحدة ......ولم ينطقها الآن بعد ان هدأ جنونه ......... هل من الطمع و الجنون ان تشعر بلسعة الم خفية فى احدى زوايا قلبها ؟........بعد كل السعادة التى لم تعرفها قبله و جعلها تحياها ليلة أمس ........هل هى مجنونة .........ابعدت تلك الأفكار عن رأسها و حاولت تناسيها ثم نظرت لعينيه البراقتين الرائعتين و ما لبثت ان همست

(لطالما كنت ملكك يا فارس .....فكم مرة يجب ان أعيدها عليك لتصدقها ؟......)

ارتسمت ابتسامة شيطانية على شفتيه و هو يقترب منها بعينيه اللتين عادتا الى عبثهما من جديد و هو يقول

( ستكرريها للساعة الآتية ..........)

دفعته فى صدره و هي تقول ضاحكة

(كفى عبثا يا فارس ........... هل تتكرم و تخبرني كيف سنخرج الآن بهذا الشكل لنحضر حقيبة ملابسنا من السيارة ......)

اخذ يضحك وهو يقبلها قائلا

(و من قال اننا سنخرج من هنا ؟..........)

ابتعدت عنه تضحك بينما هو يشن هجوما جديدا عليها لينتهي بإسكات ضحكاتها تحت ضغط شفتيه المتوحشتين وهو يرفعها فوقه بحركةٍ سريعة و هو يعلمها الدرس الثاني من دروسه الفعالة...........الى ان غابت تماما عن العالم من حولها ........و بالتأكيد نسيا حقيبة الملابس تماما .........

.................................................. .................................................. ................................................

كانت تجلس معه فى الشرفة صباحا .....الافطار معدا امامهما لكنه لم يُمس من أيا منهما .......الصمت يسودهما و الهواء البارد يلفحهما و قد شرد كلا منهما بافكاره ....... هى بعيدا ...بعيدا جدا .......تمسك بالغطاء السميك الذى لفه حولها منذ قليل و كأنه حبل النجاة الذى تتشبث به ........

بينما هو شاردا بأفكاره فيها هى ...دون غيرها .....يراقب وجهها الاحمر من لمسات الهواء الباردة ....ينظر مفتونا الى شعرها الطويل الذى يطيره الهواء و يبعثه ليكاد يلمس وجهه .......

مرت عدة أيام منذ زفاف فارس وسما و من يومها و هو يعاني معاناة قاتلة .....يحاول اخفاء ما يعانيه عنها , الا انه متأكد تماما انها تشعر بتغيره لكنها لا تتكلم .....فقط تنظر اليه بين كلِ لحظةٍ و أخرى .... نظرةٍ متألمة و كأنها تسأله عما به لكنه يتظاهر بعدم ملاحظة نظراتها التى فى الحقيقة تقتله قتلا ........

لا يستطيع كلما نظر اليها الا ان يتخيل خيالات مؤلمة مرت بها طوال الفترة التى بعدتها عنه ..... مما يجعله كالمجنون لا يريد ان يفارقها لحظة واحدة .....

تقريبا طوال سنوات حياتها و منذ ان كانت في الخامسة و هى فعليا تحت حمايته .....حتى و ان كانوا جميعا لا يدركون ذلك , منذ ان كان صبيا فى السادسة عشر من عمره وهو يعتبرها ملكه ومسؤليته الخاصة اكثر من أختيها دون ان يدري لذلك سببا .....الى ان كبرت أمام عينيه سنة بعد سنة و أصبحت صبية رائعة تخطف الأنظار .........لتشعل الوحشية الفطرية بداخله و التى كان يحاول السيطرة عليها على مدار السنين ........و فى المرة الوحيدة التى غفل عنها .........ضاعت منه ,........ضاعت لمصيرٍ أسوأ من الموت ......فكيف يحتمل ؟...... كيف يحتمل كل ما عرفه ؟........وهو الذى يغلق عليها الأبواب لا يحتمل نظرة أى كائن بشري لها .......يخاف عليها من نسمات الهواء ......

أعاد نظره اليها ففوجىء بها تشهق دون أن تصدر أى صوت و خطوطٍ من دموعٍ صافيه ارتسمت بنعومة على وجنتيها ......شعر ان قبه قد تلقى لكمة من منظرها الصامت .......فاندفع من مكانه ليجثو القرفصاء أمامها ...... ثم أمسك بيديها الصغريتين اللتين اختفيتا تماما داخل كفيه الضخمتين ....... ثم سألها برقة حتى لا تجفل

( حلا حبيبتي ........لماذا تبكين ؟.......)

نظرت اليه بحيرة و كأنها لم تفهمه ثم لم تلبث ان سحبت احد يديها منه لتمررها على وجنتها لتتأكد من وجود دموعٍ عليهما .......لم تدري بماذا تجيبه , لم تكن تدري أنها كانت تبكي ..... ها هي تثبت له من جديد انها لا تزال شخصية غير متزنة كما قال لها ذات مرة ........لقد بدأ يتغير .... ومن يلومه .....انه ادهم مهران الذى يستحق الأفضل .......وهى بالتأكيد ليست الأفضل..........

نظرت اليه تحاول الابتسام ثم قالت باهتزاز

(هل تصدقني لو أخبرتك اننى اشتقت لسما ؟........)

نظر اليها بجموح يهزه ضعفها ........بالرغم من أنه متأكد ان هذا ليس سبب بكائها الا انه صدق اشتياقها لسما .....وهذه علامة جيدة ...جيدة جدا ......فابتسم لها برقة و مد يده ليمسح دموعها بنعومة كادت ان تذيبها ....فاكملت هامسة

(كنت قد بدأت أعتاد على وجودها بجانبي الأيام السابقة .......)

ابتسم ابتسامة رائعة ثم قال لها بجدية تكاد تكون صارمة

( ان كنتِ تحتاجين اليها فما عليكِ الا ان تقولي و سآمرهما بالعودة ......ولو رغما عنهما ...)

ضحكت برقة وعذوبة وهى تقول

( كنت قد نسيت كم من الممكن ان تصبح وحشا ..........)

ازدادت ابتسامته عبثا وهو يقول بهزل أجش

( نسيت بهذه السرعة ؟.......بإمكانى ان اذكرك كل ليلة حتى لا تنسي أبدا .....)

احمرت وجنتاها بشدة و اطرقت بنظراتها بعيدا عن نظراته المشتعلة اليها ......هو لا يعلم كم هى تريده ان يذكرها بهذا كل يوم و كل ليلة وكل لحظة .......حين تكون معه .....حقا معه بين ذراعيه فى لحظاتهما المجنونة , تنفصل تماما عن واقعها وتنسى كل ما مر بها قبلا ....لذلك تتعمد اثارته دائما دون ان يشعر بتعمدها .......ليذهب بها الى عالم غير العالم الذى عاشته , والذى يبقى قابعا فى زوايا عقلها الى الآن .....آبيا ان يتركها لحياتها النظيفة التى لم تعرفها الا ببيته هنا .......

رفعت نظرتها اليه لتبتسم لعينيه اللتى تأكلها أكلا ......ثم همست

( انا لا أريد ان ازعجهما ........سما تستحق السعادة أخيرا لقد تألمت كثيرا هى أيضا .......)

شتمت نفسها بصمت حين شاهدت نظرته تتغير وتتصلب و تعود الى الغموض الذي يسكنها منذ أيام ......لماذا لم تفكر قبل أن تنطق كلمتها الأخيرة الغبية و التى عادت لتذكره بما لا يعرفه بعد عن ماضيها .........

رفعت يدها لتلمس خده برقة وهمست تحاول اعادته الى مشاعره الجامحة

(أدهم ابقى معي اليوم ........لا تذهب للعمل انا اشتاق اليك كثيرا )

ابتلع ريقه بصعوبة وهو لا يريد ان يضعف أمامها ثم قال بلهجةٍ حاول ان يخفي الألم فيها

( انا اشتاق اليكِ اكثر و اكثر يا حلا .........لكن ......لكن لابد ان اذهب اليوم .......اسمعي ....لقد اخبرت السيدة اسراء ان تصطحبك الى المجمع التجاري ما رأيك ؟........)

اتسعت عيناها بدهشة لا تصدق ما يقوله فى لم تخرج منذ تزوجته الا لزفاف سابين و زفاف سما....ثم قالت مصدومة

( حقا يا ادهم هل ستسمح لي بالخروج ؟.........)

اخذ نفسا عميقا وهو يتمنى ان يتراجع عن قراره ليعود ويغلق عليها ألف باب بألف مفتاح ........الا انه قوى قلبه ليقول لها بتأكيد لا يمتلكه

(نعم .......ستكون فرصة لكِ لتستمتعي قليلا , هل انتِ سعيدة ؟........)

بدت فجأة خائفة غير واثقة بالرغم من تمنيها سابقا للخروج من أبواب القصر .......ماذا لو حدث وقابلت اي شخص عرفها سابقا مثلما حدث في زفاف سابين ......وقتها لن يكون أدهم موجود لينقذها .......حاولت ان تهمس بتردد

( لِما .....لِما لا نؤجلها ليومٍ آخر ؟.......يوما تكون متفرغا به لتخرج معي )

اغمض عينيه وهو يتمنى بداخله ان يوافق على هذا الاقتراح الرائع ........لكنه اخذ نفسا آخر وقال بحزم

( سأخرج معكِ كثيرا يا حلا .....أعدك بذلك ......لكن اليوم اريد ان تخرجي قليلا .......اتفقنا؟.....)

أومأت برأسها بتردد وهى تحاول الابتسام ........فقام من أمامها وهو يمسك بيديها ليجذبها لتقف معه .....ثم ترك يديها ليمسك بوجهها بين كفيه وينظر لعمق عينيها .....وظلا هكذا لحظاتٍ طويلة الى ان قال اخيرا

(اعتني بنفسك جيدا يا حلا .........أتعديني بذلك ؟....)

اومات براسها مرة اخرى وقلبها يهتز في اعماقها من لهجته القوية ِ الدافئة .........ثم انحنى عليها ليقبل شفتيها بقوة عاطفته المتقدة ثم ابتعد ليتركها قبل ان يضعف من جديد ..........و ظلت هى تنظر لظله المبتعد طويلا

.................................................. .................................................. ................................................

اخذ يراقبها وهى جاثية على ركبتيها ترتب التربة الناعمة حول النبتة التى زرعتها بيديها و هى وردة من عدة ورود زرعتها على مدى الايام السابقة ........

ان وقتها الذى تقضيه مع هلال كل يوم هو الاتصال البشري الوحيد الذى اصبحت تملكه بعد رحيل سما ....هذا باستثناء السيدة اسراء التى بدأت تعتادها و تألفها مع مرور الأيام ........الا انها تتوخى الحذر تماما حين تتكلم معها فى اى موضوع لانها تخشى انتقاله مباشرة الى ادهم .......

أما مع هلال فالوضع يختلف فهو وأدهم لا اتصال بينهم ......لكنها لم تستفيض معه فى الحديث كثيراعن أمورٍ تخصها فقط تستمتع بصحبته ....فى الأيام السابقة تكلما كثيرا عن كل شيء وعن أى شىء .......حكى لها عن دراسته ودهشت حين علمت تعليمه الراقي و انه يعمل هنا فقط لأنه أحب هذا العمل الى ان يحقق طموحه ......اخبرها عن سفره الى العديد من البلاد لا لشىء الا ليتعرف على بشرٍ جدد عليه ......لا شىء يفعله بحياته محسوبا او ذو هدف معين فقط يعيش بنفسه و لنفسه ........

الا انها كانت حقا تعتاد عليه بسهولة و سرعة بالرغم من خوفها من الجميع ......لا تعلم لماذا هل لأنه من سنها ام لأنه غريبا تماما عن عالمها الذى تريد الهرب منه لايعلم شيئا عن ماضيها ولا يثقلها بالاسئلة .........أم لأنه يمثل كل العفوية والانطلاق و الحريةِ التى افتقدتها .......

ضحكا كثيرا ومرحا كثيرا حتى باتت شخصا منفصلا تماما عن حلا القديمة المخزية .......وعن حلا التى يعرفها ادهم و التى لا تعرف الا ان تذوب به وتستمد منه الحماية .........

لم يحاول عقلها التطرق ولو لمرةٍ واحدة لردة فعل ادهم ان علم بتساهلها مع احد العاملين بالقصر .......بالتأكيد سيغضب كثيرا لأنها لا تلقي بالا بمركزها الحالى لكنه لا يمكن ان يؤذيها ..........ادهم لا يؤذيها ابدا .......حتى فى اشد حالات غضبه كان بسبب خوفه عليها

( ماذا بكِ يا حلا .......)

التفتت مجفلة الى هلال الذى يقف يراقبها بنظراته المتفحصة ......فسألته بوجوم

( ماذا بي ؟..........)

أجابها وهو يقترب ليجلس على الأرض بجانبها

(انتِ شاردة اليوم اكثر من أى يومٍ آخر ........الم يحن الوقت لتخبرينى بما يؤلمك كنت اعتقد اننا اصبحنا اصدقاء ؟)

ظلت صامتة و هى تكمل عملها الذى ادمنته و احبته ثم رفعت ظاهر يدها لتزيح خصلة شعر سقطت على وجهها .....كان ينظر اليها مأسورا ببراءةٍ مختلط باغراء فطري لم تتعمده ......ما اجملها و ما اعذبها .......وما اشد رقتها حين تعلو نظرة الحزن عينيها كما هى الآن .......

كان خرطوم الماء على الأرض بجانبه تتساقص منه بعض قطرات فمد يده ليجمع القليل منها ثم قذف بها الى وجه حلا التى انتفضت مذعورة ثم صرخت بحنق

(هلال كف عن سخافاتك .....لا اريدها اليوم )

اجابها وهو يبتسم ببراءة

(اذن اخبريني ما بكِ ؟...........)

تنهدت بحنق .....ها هو بدأ يسأل ......وهى لا تريد التحدث ابدا معه او مع غيره ........لا تريد الاعتراف ان ما يشغل بالها هو سبب التغير الذى طرأ على ادهم منذ عدة أيام ......لدرجة أنه سمح لها أخيرا بالخروج من القصر ........كانت تريد ان تتحرر من حمايته المفرطة وتخاف من سجنه .......فلماذا هى تعيسة الآن ......هل لأنها غير متزنة بالفعل ام ......أم لأنها تشعر ببدء هروب ادهم منها .....ان تركها ادهم تموت ......هو السبب.....هو الذى اذاقها الأمان الذى لم تعرفه قبله ........هو السبب ......لن تستطيع الحياة فى هذه الدنيا الواسعة المخيفة من بعده ......كيف يجرؤ و يتركها بعد ذلك .........هل تركها ؟!!.........هل سيتركها ؟؟؟.......

( حلا ..........) انتفضت مرة اخرى على صوت هلال فقالت بتذمر

(لقد أصبحت لحوحا جدا يا هلال .......)

رد عليها مبتسما ( ردي علي لتتخلصي من الحاحي .......هل تريدين ان ارشك بالماء مرة أخرى , لكن هذه المرة سأغرقك بخرطوم الماء ......)

عبست ونظرت اليه نظرة املت ان تخيفه الا انها زادت من اتساع ابتسامته فقالت بصرامة

(يبدو انك تتناسى انك تتكلم مع زوجة ادهم مهران .......)

بهتت ابتسامته قليلا الا انه رد بهدوء ( لا تلعبي هذا الدور يا حلا .......انه لا يليق بكِ )

اخفضت نظرتها بيأس ......نعم ....معه حق انها غير مقنعة تماما فى لعب دور زوجة ادهم مهران .....ان كانت لا تليق به شخصيا ....

قامت من مكانها ببطء وهى ترجع شعرها الذى ربطته على هيئة ذيل حصان الى خلف ظهرها ثم اخذت تنفض بنطالها الجينز من الاتربة ثم ابتسمت برقة حزينة

( لم أقصد هلال ......اعذرني انا لست فى افضل حالاتى اليوم ........لكن قد يتغير هذا حين اخرج )

سألها بدهشة و بسرعة قبل ان يستطيع ان يمنع نفسه

(هل ستخرجين ؟..........أين ستذهبين ؟......)

نظرت اليه بدهشة فتدارك نفسه و قال ( لم اركِ تخرجين وحدك منذ ان اتيتِ الى هنا ....هل نسيتِ ما حدث حين حاولتِ الخروج سابقا )

احمر وجهها احراجا و اغتاظت منه حين ذكرها بهذا اليوم المحرج .......فقالت بارتباك

(كان هذا وضعا مؤقتا .......وها انا سأخرج )

قال لها بغضبٍ لم يستطع كبته ( اذن فقد قرر فتح باب القفص لكِ قليلا ......ما أروع هذا )

رفعت عينيها اليه وقد ظهرت فيهما شراسة جديدة عليهما تماما .....ثم رفعت له اصبعا محذرا وهى تقول بصوتٍ خافت

(اياك .....اياك ياهلال ان تهين ادهم بكلمة أمامى .......قد اتساهل فى ما يخصني لكن أدهم مهران ....ادهم مهران فى منزلةٍ لن يصل اليها غيره ابدا .....)

ثم استدارت مبتعدة بخطواتٍ غاضبة ......الا انه قام من جلسته بسرعة وهو يلحق بها , فأمسكها من معصمها ليديرها ناحيته .....لكنه فوجىء بها تصرخ و قد بان عليها الخوف و هى تنتزع معصمها من يده و تدفعه في صدره بكل ما تملك من قوة ......

رفع هلال يديه امامه وهو يقول بلهفة

(اهدئى يا حلا .......لم أقصد اخافتك , أنا آسف )

اخذت تنظر اليه متحفزة وهي تلهث بعنف ........فقال لها يرجوها

(صدقيني لم أقصد اخافتك ........حلا لقد اصبحتِ مهمة جدا لدي ......ألم تدركي ذلك )

نظرت الى عينيه الخضراوين الفاتحتين بتشوش وهى لا تدرك ما قاله للتو .....ثم استدارت دون كلمة ٍ واحدة لتنصرف تاركة اياه ينظر اليها بندم على تسرعه الاحمق ........قد يقضي ما فعله على نيته بتحريرها .......

الفصل السادس عشر (2) 

كانت حلا تسير واجمة بجانب السيدة اسراء تتطلع الى واجهات المحلات بصمت ......كانت تظن ان الخروج لازال ممتعا كما كانت تتذكره منذ خمس سنوات .......بما كان يسمح به وحش مهران وقتها ......لكنها اليوم لا تشعر بالحماسة التى من المفترض ان تشعر بها .......

كانت السيدة اسراء تثرثر جاهدة محاولة الهاء حلا و كأن هذه هى المهمة الخاصة التى كلفها بها ادهم .......قاطع رنين الهاتف ثرثرة السيدة اسراء لتلتقط حلا هاتفها مبتسمة وهى ترد برقة

( ادهم انها المرة الثالثة التى تكلمني بها .........ولم تكد تمر ساعة منذ ان خرجنا من القصر )

وصلها صوته العميق الرائع وهو يقول بابتسامة سمعتها في صوته

( هل مللتِ من اتصالاتي ؟.......)

اتسعت ابتسامتها وهى تخفض نظرها و ترجع خصلة ناعمة خلف اذنها ......ثم همست وهى تحاول الابتعاد قليلا عن عيني السيدة اسراء الحادة كعيون الصقر

(لم أمِل منها .....لكن كنت افضل وجودك معي )

ساد الصمت عدة لحظات ليقول بعدها بصوتٍ أجش (حقا ؟...)

اجابته هامسة ذائبة من روعة صوته ( انت تعلم هذا جيدا .......)

جاءها صوته يسأل برفق (هل تقضين وقتا ممتعا .......)

أجابته كاذبة لتسعده (نعم .....كثيرا , السيدة اسراء لطيفة للغاية )

اجابها بصوتٍ خشن ( يبدو اننى سأبدأ فى الغيرة من السيدة اسراء المسكينة .....وعواقب ذلك لن تكون جيدة )

ضحكت بمرحٍ افتقدته منذ عدة أيام ثم همست (مسكين .....لا تشعر بالغيرة أبدا , سأعوضك حين تعود الليلة )

سمعت بابتهاج صوت جذبه الحاد لأنفاسه ثم أتاها صوته اكثر خشونة و هو يسألها (متى أصبحتِ بمثل هذه الوقاحة ؟.......)

اجابته بجرأة وهى تضحك (منذ تزوجتك ......)

رد عليها بعنفوان (لازال لدي القليل من الوقاحة لأكسبها لكِ ..........)

أخذت تضحك بأنوثة و قد تناست كل مخاوفها و هواجسها التى كادت ان تخنقها صباحا ......ثم سمعته يقول بصرامة

(لا تضحكين بهذه الطريقة وانتِ بالخارج أنسيت ان هناك ناس حولك.............ثم أخبريني ماذا ارتديتِ ؟..أياكِ أن تكوني قد أرتديتِ واحدا من بناطيلك الجينز التى تكاد تلتصق بساقيكِ ؟........)

اختفت ابتسامتها بسرعة و هى تخفض عينيها لتنظر الى بنطال الجينز الأزرق الذى ترتديه .......لكنه غير ملتصق بساقيها لهذه الدرجة , الا أنها لم تحاول استفزازه بقول ذلك .......لكنها سمعت صوته يهدر

( لقد ارتديتِه يا حلا اليس كذلك ........حين أعود ستودعينها لأننى سأحرقها جميعا )

حاولت استرضاؤه فقالت بوداعة (انا ارتدى عليه معطفا يكاد يصل الى ركبتي ...........أدهم ....أدهم لا تغضب مني )

سمعته يأخذ نفسا وقد شعرت به يهدأ ثم قال أخيرا بوجوم ( حسنا لا أريد ان افسد لكِ نهارك .........استمتعي بوقتك لكن أريد منكِ ان تسيري كالعسكر ........)

عادت تضحك مرة أخرى من هذا الوحش رقيق القلب الى ان نبهها بصرامة (حلا ماذا قلت عن الضحك بالخارج ؟ .............)

صمتت لكن ظلت ابتسامة جميلة تنير وجهها ثم سمعته يقول برقةٍ خشنة ( أراكِ الليلة ............حلا)

اجابته برقة (نعم )

ظل صامتا عدة لحظات ثم قال أخيرا ( لا شيء حبيبتي ..........استمتعي بوقتك )

همست برقة (سأفعل ......لا تقلق )

استدارت لتعود عدة خطوات جريا بسعادة الى السيدة اسراء التى كانت تراقبها باهتمام ......ثم تعلقت بذراعها بمحبة وهى تقول

( هيا سيدة اسراء فلنستمتع بوقتنا .......هذه أوامر السيد و لا يجوز الا ننفذها )

نظرت اليها السيدة اسراء بتعجب ثم قالت بابتسامة صارمة

( سبحان مغير الأحوال ...........حسنا يبدو ان هذه المكالمة كان لها مفعول قوى )

ضحكت حلا بسعادة ثم تذكرت تنبيهات ادهم فاخفضت ضحكتها و ظلت تبتسم ........طوال الوقت

بعد قليل رن هاتف السيدة اسراء فاستاذنت من حلا و ابتعدت لتتكلم بانتباه ......ظلت حلا تراقبها وهى تقترب منها وقد ظهرت على وجهها علامات الانزعاج .......فسألتها حلا بقلق

(ماذا هناك سيدة اسراء؟...........)

أجابتها السيدة اسراء بتوتر ( لقد تشاجرت ابنتى مع زوجها شجارا عنيفا .........سيدة حلا يجب ان اذهب اليها الآن )

قالت حلا (حسنا لا تقلقي هيا بنا .........)

أسرعت السيدة اسراء تقول ( لا داعي لأن تأتي معي سيدة حلا ..... انها تسكن بالقرب من هنا سأذهب اليها أنا و أعود اليكِ بسرعة )

توترت حلا وشحب وجهها و هى تقول ( لا .....لا أريد ان أبقى وحدي , دعي السائق يأخذني الى القصر )

قالت السيدة اسراء برجاء ( و أنا كيف سأعود ......المسافة من هنا بعيدة جدا و انا لا احتمل )

تشنجت حلا وهى تنظر حولها الى المجمع الذى اصبح فجأة يبدو كعالمٍ شديد الأتساع و قد يحدث به أى شىء .....او أن تقابل أى شخص يعرفها ........فهمست

( سأعيد السائق اليكِ بعد ان يعيدني ........)

تنهدت السيدة اسراء و قالت بحزن ( لا لن أقبل بهذا .......اذن لا مفر سأذهب و أعود بمفردي و أمري الى الله )

أخذت حلا تتردد بطيبة قلبها وهى لا تعرف كيف تتصرف و السيدة تبدو شديدة القلق على ابنتها التى من الممكن ان يكون زوجها المتوحش قد ضربها أو أصابها .......همست حلا أخيرا

( ادهم لن يعجبه أبدا ان أبقى هنا بمفردي ............)

نظرت السيدة اسراء لها بأمل و قالت بسرعة ( لن أغيب عنكِ اكثر من نصف ساعة .......ولن يعرف السيد ادهم بما حدث )

اخذت حلا في السيدة اسراء الطيبة التى سمحت لها أخيرا بالنزول الى الحديقة بمفردها دون ان تخبر ادهم في الأيام السابقة .....

قالت لها أخيرا على مضض ( حسنا هيا اذهبي .......لكن عديني ان تعودي سريعا ....سيغضب أدهم بشدة ان اتصل وعلم اننى بمفردي وأنا لا انجح في الكذب عليه طويلا .......)

أومأت السيدة اسراء بامتنان ثم قبلت حلا من وجنتيها بحنان ......فعادت حلا تقول بترجي

( أرجوكِ سيدة اسراء عودي سريعا ......لقد بدأت أشعر بالدوار من الآن .....)

غالبت السيدة اسراء قلبها و قالت بحنان ( لا تقلقي حبيبتي ......ستكونين بألف خير )

ثم سارت مبتعدة بسرعة قبل ان تغير حلا رأيها .........ظلت حلا تنظر حولها بضياع ..... منذ متى لم تخرج بمفردها ....منذ نفس الخمس سنوات المشؤومة .....

ظلت تسير على غير هدى .......ترتعب حين يقترب رجلا منها ....لماذا لا تشعر بهذا النفور ناحية ادهم ....فقط ادهم ......و أين هو ادهم الآن .....تشعر بالخوف ,هل تتصل به .....لكن لو اتصلت به سيصب غضبه على السيدة اسراء المسكينة .....يكفيها ما هى فيه

ظلت تسير وهى تشعر باختناق من ذلك الاتساع العملاق وهذه الكمية من البشر ........الى ان اصطدمت فجأة بأمراءة كانت تسير فى الاتجاه المواجه لها .......

انتفضت حلا بشدة بينما اخذت المراءة تعتذر برقة وهي تقول ( أنا آسفة .....آسفة حقا كنت أسير شاردة )

اخذت حلا تلتقط أنفاسها بارتجاف بعد ان ظنت للحظة انها اصطدمت برجل ........حسنا لا داعي للخوف انها شابة لا تخيف

نظرت حلا اليها فوجدتها شابة قد تكون في منتصف الثلاثينات ....طويلة, أنيقة ,جميلة القوام و جذابة للغاية بعينيها العسليتين و شعرها البني الناعم الداكن و المنسدل برقة حتى يلامس كتفيها ......كانت تبدو عليها معالم الرقي و الثقة بالنفس فشعرت حلا بارتياح لوجهها المبتسم برقة .......

تكلمت الشابة مرة أخرى و هى تمد يدها لتلامس ذراع حلا برفق

(هل انتِ بخير ....لقد أخفتك اليس كذلك )

هزت حلا رأسها بصمت ثم قالت بضعف

(مما أخاف ؟.........انا ايضا كنت شاردة , وداعا )

حاولت حلا الابتعاد قليلا الا ان هذه الشابة عادت لتلمس مرفقها وهى تقول ببشاشة

( هل انتِ متأكدة ؟.......تبدين شاحبة )

أبعدت حلا ذراعها بحدة عن يد الشابة و هى تدقق النظر لها لترى ان كانت عرفتها سابقا , لكنها واثقة انها لم ترها ابدا من قبل ...لكن مع ذلك يجب عليها ان تنصرف فقالت مرة أخرى

(أنا بخير شكرا لكِ ... وداعا )

لكن الشابة قالت لها بود و كأنها لا تنوي تركها

(هل أنتِ وحدك ؟....لا أريد تركك )

قالت حلا بنفاذ صبر وهى تبعد ذراعها للمرة الثانية (لا انا لست وحدي ..... ومن فضلك انا لا أحب ان يلمسني أحد )

رفعت الشابة يدها سريعا و اعتذرت برقة ( أنا حقا آسفة ......الجميع نبهوني الى هذه النقطة من قبل )

ندمت حلا على حدتها و قالت بصوتٍ أهدأ (أنا أيضا آسفة .......يبدو أننى متوترة قليلا اليوم )

ابتسمت الشابة و قالت ( لا بأس ..... ما رأيك أن نجلس فى أى مكان لنشرب قهوة او شيئا ما , فأنا أيضا انتظر أصدقائي و يبدو أننى حضرت مبكرا و لا أحب ان أجلس وحيدة .....)

ترددت حلا ....مستحيل أن تجلس مع شخص غريب فقد تكون انسانة غير سوية بالرغم من منظرها الراقي ........ وهى تعلم جيدا عدد الاشخاص الغير الأسوياء الذين من الممكن ان يقابلهم المرء ......لكنها لا تريد ان تسير وحيدة مرة أخرى .......

انها تبدو لطيفة ....لا يمكن ان تكون خطيرة ....ثم ان السيدة اسراء قاربت على الوصول

أخيرا أومأت حلا برأسها قليلا وهى تقول بتردد ( حسنا ......)

اتسعت ابتسامة الشابة ومدت يدها مصافحة الى حلا و قالت ( أنا سمر ....)

ابتسمت حلا بتردد ومدت يدها وهي تقول بخفوت يكاد لا يسمع ( و انا ح....حلا...)

.................................................. .................................................. ................................................

كانت واقفة أمام الجدار الأثري تنظر الى نفس الصورة التى تقف أمامها كل يوم .....صورة أميرة جميلة ذهبية الشعر بعينان رماديتان تبتسم برقة للفنان الذى رسم صورتها ......انها هى .... والدة أحمد مهران , لم تخطئها رغم مرور السنين على هذه الصورة ....لكن العينين و الابتسامة لا يمكن نسيانهما أبدا .....

انها جميلة الآن كما رأتها في حفل زفافها .... لكن فى شبابها .....كانت حلما ...أميرة حقا و قد اكتشفت ان اسمها أميرة ....لكم يليق بها ...

اثناء الأيام السابقة كانت تتنقل فى هذه القلعة لتعبث بكل ما تقع يدها عليه ..... فتحت كل الدواليب التى فوجئت بوجود بعض الفساتين القديمة المخبئة بها .... فساتين رائعة من فساتين زمنٍ ماض ....بضع سترات لا تزال تحمل عطرا رجوليا أخاذ .......

فتحت كل الأدراج ....لتجد رسائل قديمة صفراء اللون من مرور الزمن عليها .....رسائل بث فيها عاشق ٌ كل حبه و هيامه للأميرة الحالمة .....صورا قديمة تآكلت أطرافها ....صورا عديدة للأميرة الصغيرة التى تضحك بولهٍ وهيام للعاشق الذى يصورها .....و بعض الصور جمعت الحبيبين .....الأميرة يلفها ذراع رجلا شديد الوسامة .....رجلا لم تره منذ اكثر من أكثر من عشرين عاما ....لكن هذه الصور أُخذت له و هو أصغر سنا ....بحوالي عشر سنوات ......هو العاشق الذى نقش اسمه فى نهاية كل رسالة غرام ........ ......عماد الراشد .......

سمعت الصوت المعتاد لقفل باب القلعة و هو يفتح ثم صوت الباب الضخم وهو يغلق ليهز أرجاء المكان ...........

( هل تنتظرينني يا زوجتي الجميلة ؟.........)

وصلها صوته الساخر من خلفها .....ككل ليلة من ليالي الأيام السابقة ..... لكن الليلة ..........

مدت يدها فى حركةٍ خاطفة و امسكت بعنق المزهرية الثمينة الموضوعة على الطاولة الصغيرة أسفل الصورة الضخمة ..........

ثم التفتت بسرعة قاذفة المزهرية بكل قوتها ناحيته وهى تطلق صرخة شرسه تردد صداها فى أرجاء القلعة ..........

انحنى فى لحظةٍ واحدة لتمر القذيفة الموجهة نحوه من فوق رأسه مباشرة لترتطم بالجدار خلفه و تتحطم الى عشرات القطع اللامعة ....

اعتدل مرة أخرى دون ان يكلف نفسه بالنظر الى المزهرية المنفجرة خلفه ......بل تركزت نظرته المتوحشة على الجميلة الواقفة أمامه ترتدي بنطالا أبيضا خفيفا و قميصا تركوازية قطنية بحمالتين رفيعتين و قد انسدلت موجات شعرها المجنونة حول وجهها و أاكتافها بهمجيه حتى وصلت الى خصرها .... بينما كانت عيناها تلمعان بشرٍ لا يمكن وصفه فى أقدم كتب السحر ......

اخذ يقترب منها ببطءٍ شديد وعينيه لا تحيدان عن عينيها .......ثم قال بصوته العميق الخادع

( لقد كانت مزهرية قديمة ثمينة ذات ذكرى لا تقدر بثمن ...........يبدو ان علي تلقينك درسا يا زوجتي العزيزة لتتعلمي الأدب )

ثم اندفع مرة واحدة ...فما كان منها الا ان صرخت مرة أخرى و اندفعت تجري الى السلم بأقصى سرعتها لتحتمي بأحد الغرف .....لكنه أدركها قبل ان تنهي آخر درجات السلم ليجذبها بعنف و يلقى بها على كتفه و يكمل صعود الدرج بينما أخذت تصرخ بشدة و هى تضربه بقبضتيها ..... وترفسه بساقيها التى احكم ذراعه حولها ........ظلت تضربه و تضربه الى ان شعرت بقبضته القوية تصفعها على مؤخرتها بقوة ....فازداد جنونها جنونا و هى تصرخ بكل الشتائم البذيئة التى تعلمتها يوما ......فما كان منه الا ان صفعها مرة أخرى ....حين وصل أخيرا الى الغرفة التى ضمتهما معا ذات ليلة ........و بعد ان دخل القى بها على الفراش بقوة حتى كادت ان تسقط على الأرض من الجانب الآخر لولا تمسكها بحافة الفراش ......استندت الى الفراش بمرفقيها وهى تحاول الجلوس وهى تلهث بعنف و تشتم بصوتٍ اشتدت بحته من كثرة الصراخ الى ان كاد يختفي تماما ..........

راقبته وهو يخلع كنزته الصوفية من فوق رأسه ثم يلقي بها بعيدا , ثم اخذ ينزع ازرار قميصه واحدا تلو الآخر الى ان قذف به هو الآخر اتسعت عيناها لحظة وقد تسمرتا على عضلات صدره القوية و التى حبست أنفاسها اللاهثة في صدرها ....شاهدته يقترب منها بابتسامة ذئب ... فاستطاعت النطق بصعوبة بصوتٍ مبحوح مجروح من الصراخ

( ماذا تظن نفسك فاعلا ؟..........)

هجم عليها ليمسكها بقسوة من كتفيها و هو ينفث لهبا الى وجهها ثم قال بوحشية

( ألم أخبرك أننى سألقنك درسا يا زوجتى الشرسة ...........)

ثم لم يلبث ان هجم على شفتيها ليقبلهما بكل عنف ..... بينما أخذت تقاومه بشراسة نمرة فأمسك بقبضتيها و لوى ذراعيها خلف ظهرها ليكبلها بامساك معصميها بقبضةٍ واحدةٍ منه ....ثم جذبها اليه لترتطم بصدره و هو يعود ليكمل تعذيبه البطىء .......

مرت لحظاتٍ لا تعلم أو دقائق .......و قد سكنت تماما بين ذراعيه و قد هدها التعب و الصراع .......... و الشوق المضني لرجلٍ سحبها الى نجوم السماء ذات ليلةٍ مقمرة ......

ترك شفتيها المتورمتين أخيرا و همس بأذنها و هو يتنفس بصعوبة

( أعترفي سابين .......وفري على نفسك كل هذا و اعترفي )

لم تصدق انه يعيد على مسامعها أمر كل ليلة ........عادت لتتلوى بعنف وهى تصرخ

(أيها الأحمق .... الغبي ....أيها ..........)

كتم كلماتها البذيئة قبل ان تخرج من شفتيها لكن ليس بشفتيه هذه المرة بل مد سبابته و ابهامه ليطبقهما على شفتيها بشدة فاخذت تصدر أصواتا مكتومة و هو ينظر اليها ضاحكا ......ثم زال الهزل من عينيه ليقول بهدوءٍ مخيف

( تعلمي الأدب حين تخاطبينني يا سابين فأنا لن أصبر عليكِ كثيرا ......)

ثم عاد ينظر لعمق عينيها الفيروزيتين اللتين تقدحانِ شرا و قال مرة أخرى

( اعترفي سابين ..... اعترفي بخطتك القذرة مع أمك لتحطيم أمي و دارين .......)

ظلت تنظر اليه بكرهٍ عميق فترك شفتيها ببطء ..... ليعود و يلتقطهما بشفتيه برقةٍ هذه المرة أذابت عظامها .......ثم مد يده ليزيح حمالة قميصها برفقٍ أهلكها .....أنزل الحمالة الأخرى و هى ساكنةٍ كقطةٍ وديعة .....

مال بها ببطء الى ان استلقت على الفراش و هو فوقها يقبل زوايا شفتيها ....فكها عنقها ....التجويف الناعم بين عظام الترقوة .....

( لقد رسمت هى الخطة لتحطيم قلب أمك ......و أنا نفذتها )

توقفت شفتاه عند مقدمة صدرها............. ليرفع رأسه ببطء و ينظر الى عينيها القاسيتين الجليديتين ...............

.................................................. .................................................. .................................................. ...

دخل ادهم غرفته مساءا ليرى حلا نائمة فى الفراش تعطيه ظهرها الناعم الظاهر من قميص نومها الأسود الحريري .....على الضوء الخافت لمصباح الفراش ...........

نزع سترته ووضعها على الكرسي ثم اقترب منها ليستلقي بجوارها وهو يمسك بذراعها الناعمة .....ثم انحنى ليقبل كتفها برقة و هو يهمس

(حلا ....)

لم تجبه ...لكنه شعر بالاهتزاز الضعيف لجسدها ....فجذبها برفق لتستلقي على ظهرها ,فرآها كما توقع و الدموع تغطي وجهها بصمت

وهى تنظر اليه بعينيها المبللتين .........فهمست و بكائها يزداد ؛(ادهم......)

ضمها بين ذراعيه بقوة و هو يهمس (هششششش حبيبتي ...... ارتاحي)

دفنت وجهها بصدره وهى تبكي بألم ..........لقد أخذت تحكي اليوم لإنسانة غريبة تماما أشياءا كثيرة ......لم تحكيها لأحد عن ذكرى قديمة لوالدها ....... و عن عنفٍ تعرضت له لكن دون تفاصيل و عن ماضٍ لا تعلم كيف تتخلص من ذكراه .......

كم ارتاحت لها وكم ظلت تسمعها و هى تبتسم لها متعاطفة دون ان تنطق بالكثير ......الى ان امسكت بيدها فى النهايه و اعطتها منديلا لتمسح دموعها ...ثم قالت أخيرا

( حلا .....لما لا نتقابل مرة أخرى , أشعر اننا أصبحنا للتو من أعز الصديقات )

اخذت حلا تشهق لتبلل صدره بدموعها وهى تعلم انها لن تستطيع ان تقابل صديقتها الجديدة مرة أخرى ......ادهم لن يسمح لها , هى لن تستطيع ان تخبره حتى لا يعلم انها ظلت وحيدة فى المجمع التجاري لمدة ساعتين برفقة انسانة غريبة ...... سيجن جنونه لو علم بهذا و قد يعود لحبسها مرة أخرى ........

أنها متعبة ...... متعبة للغاية .... وحزينة للغاية .........

رفعت نفسها ببطء ليصبح وجهها أمام وجهه ثم مسحت دموعها بيدها و هى ترسم ابتسامة جميلة على شفتيها .......ثم اقتربت لتقبل شفتيه برقة وهى تطوق عنقه بذراعيها ..... همست أخيرا و هى تشعر به يحاول السيطرة على نفسه

( الم اخبرك اليوم أننى سأعوضك عن خروجي بمفردي ......)

استلقى على الفراش و جذبها اليه لتريح رأسها على صدره .....ثم اخذ يتخلل خصلات شعرها الطويلة بأصابعه وهو يقول

(نامي الآن حبيتي ....... تبدين متعبة جدا , التعويض الذى يكفيني أنكِ هنا فى بيتي ....آمنة بين ذراعي )

و كانت هذه آخر الكلمات التى سمعتها قبل ان يخطفها النوم بعيدا ...........





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close