أخر الاخبار

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث والعشرون23والرابع والعشرون24 بقلم تميمه نبيل


 رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث والعشرون23والرابع والعشرون24 بقلم تميمه نبيل


بعد مرور ثلاثة اشهر
كان أبناء آل مهران مجتمعين ككل ليلةٍ مصطحبين معهم خيبة كل يوم ..... بحثٍ دون جدى , وكأن الأرض ابتلعت بنات الراشد تماما .. 
كان احمد يدور حول نفسه ينفث حمما لهبية و هو يتوعد في سره ما سيفعله بها ......لن يحبسها في قلعة ٍ هذه المرة , بل سيضعها في كبسولةٍ و يرسل بها الى القمر ...... على كلِ ما تسببت فيه من شقاءٍ لكل من حولها .........
التفت لينظر الى ادهم المجهد والذى بانت عليه إمارات التعب و الحزن فقد أطلق لحيته الناعمة الخفيفة و قد بان عليه الوقار و في نفس الوقت بركانا يهدد بالانفجار .... 
جالسا في مقعدٍ وثير يسند جبهته على يده ...... هادئا في الأيامِ الاخيرة ........كان كوحشٍ ساكن يتقلب على جمر النار لكن يلتزم بالصمت رغما عنه ..... فحبيبته الصغيرة تحن عليه كل فترةٍ وتسمح له بتبادل الحديث معها لفترة ٍ وجيزة .......
ابتسم قليلا وهو يتذكر أحاديثهما الرقيقة في الأيام الماضية .... كانا كشخصين ناضجين يتعرفان لأول مرة ..... كل مرةٍ زادته معلومة صغيرة عنها ..... وكأنه لم يكن يعرفها من قبل .......إنها حلا برقتها و عذوبة صوتها لكنها لم تعد طفلة , بل أصبحت امرأة شجاعة او تحاول التحلي بالشجاعة بشكلٍ رائع يوما بعد يوم ...... 
إن صوتها يصبح أروع مع مرور الايام .... آخر مرة غابت عنه التهدجات الممزقة و أصبح صافيا ...... حزينا قليلا ....لكن صافيا كمياهٍ شفافةٍ عذبة .......
ضحكاتها الرقيقة و التى ترد بها على شراسته المعتادة كلما سألها عن مكانها ....تشعل قلبه و تجعله راغبا في مد يده عبر الهاتف ليجذبها من شعرها رغما عنها اليه .......فهي حلاه ..... إن أرادت أن تكبر فلتكبر بين أحضانه .....كما كبرت سنة بعد سنة منذ طفولتها .....
صحيح انه لم يوقف البحث , لكنه اطمئن بالا عليها قليلا ..... من حلاوة صوتها الجديد ........
لكنه يشتااااااق اليها ......يشتاق الى حبها ....يحتاج اليها .... فهو الآن متعبا جدا و هو في أمسِ الحاجة اليها .......يشعر بأنه طوال عمره لم يكن يستمد قوته الا منها ......سواء وهي في بيته تعطيه القوة ليصل اليها ..... او حين كانت بعيدة لتفجر براكين غضبه .....وحتى عادت اليه ليشرق بها بيته من جديد .......
أما الآن فقد اظلم البيت وضاعت ضحكاته ..... فقد اختفت حلاه ......اختفت أحلى من فيه ........
تنهد بصوتٍ مرهقٍ عال فنظر اليه احمد بتعاطف ..... فحال ادهم أصعب من حاله .......لأن حلا ليست سابين ..... حلا الرقيقة التى لم يرها سوى مراتٍ قليلة بالتأكيد ليست ساحرته الشرسة الشريرة .....حتى انه تعجب كثيرا من كونهما شقيقتين ......
هو يعرف تمام المعرفة بأن سابين تستطيع حماية نفسها جيدا ..... لكن ذلك لا يفيده بشيء , فهو غاضبا و بشدة .... يكفي أن يتخيل نظراتِ الرجالِ لها أينما ذهبت .....فهي الآن وحيدة و العشرات سيحاولون التودد لها ... بل و التذلل ايضا .....
اشتعلت نارا في صدره وهو يتصورها تبعث اليهم بابتسامتها الساحرةِ العابثة .... فهذه هي سابين و هو يعرفها جيدا .... إنه حاليا يثق بها لكنه يعرف رغبتها المجنونة في العبث بقلب كل من يستحق العبث بقلبه .....
إنها تطبق عدالتها الخاصة و هو الآن عرف ذلك من كل ما عرفه عمن حاولوا التودد اليها سابقا , ومن لم تضع حدا لهم سامحة لهم بالانزلاق شيئا فشيئا الى أن تلفظهم في لحظةٍ واحدة .......وهذا هو ما لم يستطع تجاوزه أبدا .......
والذى يقتله اكثر أن مازن مهران تحديدا كان استثناءا من هذه القاعدة ......كانت سابين تقترب رغما عنها منه خطوة خطوة .....الوحيد الذى نجح في جذبها هو المدلل صاحب الوجه الطفولي في عائلة مهران ..... 
لكنه الوحيد الذى يعرف ان خلف هذا الوجه الطفولي نفسا مدللة فاسدة تتلون كالأفعى لتحصل على ما تريده ..... منذ صغره وهو طفلا خبيثا يجذب الأنظار اليه بوجهه المحبب لكنه كان يخفي غيرةٍ من كلِ من حوله .....
حين تقدم لخطبة دارين ... رفض هو رفضا قاطعا .... لكن صغيرته الحمقاء ظلت تبكي أياما و أياما حتى خافوا عليها من المرض فوافق أخيرا وهو يعلم أنه زواجا محكوما بالفشل إن آجلا او عاجلا .... لكنه خدع نفسه و أوهمها بأنه من الممكن أن تغيره دارين بحبها .....
لكن حدسه الذي لم يخدعه أبدا صدق هذه المرة أيضا و ظهر وجهه الثعباني .....لكن ما يتعجبه هو سقوط سابين في فخه بهذه السهولة , بعد أن رفضت و تلاعبت بالكثيرِ من القلوب المريضة ......
ما الذى كانت تحتاجه ؟..... وأي يدٍ ساعدته لتسلمه مفاتيح سابين ليصل الي درجة منها اقرب قليلا ممن سبقوه ؟......
لكنه الآن وضع الحقير في مكانه الصحيح على بعدِ بلادٍ من اخته ...... و زوجته ......لكن أين هي زوجته ؟؟.......
قد يعيش معها اياما من نيران حارقة لا تهدأ بينهما بسبب عبثها..... لكنه سيعمل جاهدا على تربيتها من جديد و تعليمها الالتزام......و لن يستلم و يتنازل عنها .... فسابين الراشد ملكه منذ أن كانت طفله صغيرة ركلته بحصواتِ حديقته ........
لكن أين هي ؟...... أين ؟........
همس بسؤاله الأخير بصوتٍ مسموع .....فنظر اليه ادهم بوجوم يحاول حل تلك الأحجية ثم قال بصوتٍ يائس تقريبا 
( لو كنت أنت سابين .......أين من الممكن أن تتواجد الآن ؟....)
نظر اليه احمد يدقق النظر اليه طويلا لتتشابك عيناهما طويلا ثم هتف احمد فجأة بلهفة 
( العمل .........إن سابين لن تستلم لترك عملها أبدا فمن المؤكد أنا تبحث الآن عن عملٍ جديد )
نظر اليه ادهم باهتمام وهو يلتقط ما يفكر به احمد ...... لكن احمد سارع الى هاتفه ليعطي تعليماته السريعة ..... ولم يعد لديهم سوى الانتظار ........
عاد ينظر الى ادهم ليقول بوجوم 
( من المؤكد أن عملها سيكون أهم ما ستفكر به حاليا ..... بالرغم من وجود الطفل )
رفع ادهم راسه ينظر اليه بدهشة ٍ و قال ( طفل ؟!!........)
ابتسم له احمد ابتسامة حزينة وهو يومىء برأسه , فابتسم ادهم ابتسامة شاردة وهو لا يعلم لماذا أوجعته كلمة طفل الى هذه الدرجة .....
.................................................. .................................................. .............................................
لم تصل احمد أية اخبار سوى بعد يومين.... خلالهما .....لم تصله أي معلومةٍ عن تقدم سابين للعمل في أية مجموعةٍ أخرى ....بالرغم من علمه أن الجميع سيحاول اجتذابها بكل سرور .....لكن ......لا شيء ......
حين كان بمكتبه واقفا أمام النافذة يتطلع منها بشرود دخلت مساعدته الجديدة وهي شابة طويلة هيفاء جميلة ذات شعرٍ أسود ناعم يشبه شعر سابين الا إنه في نصف طوله .........حين بدأت العمل في أول يومٍ لها كموظفةٍ في مجموعة آل مهران , كان ذلك بعد يومين من زواجه بسابين ..... كان من ضمن مخططاته ان يستبدلها فورا بعد زواجهما ......خلف وعده لها ؟؟......ربما .....لكنه كان يسير وفق مخططاته التى كانت لأسبابٍ وجيهةٍ وقتها ........
لكن كل يوم ما أن يدخل مكتبه و ينظر اليها جالسة مكان سابين يشعر بتأنيب ضمير فظيع و رغبة متوحشة في جذبها بعيدا عن هذا الكرسي الذى تعبت من أجله صاحبته كثيرا .....وحققت فيه الكثير ..... والذى أيضا رآها لأول مرةٍ وهي جالسة عليه........
تذكر نظراتها الوقحة .....ابتسامتها المغرية ..... نظارتها ذات الإطار الاسود ......شعرها المعقود دائما .......
يا الهي كم يشتاق اليها ......كم يتمنى أن يخرج من مكتبه ليجدها على كرسيها بوقاحتها و سحرها ........كيف سلبت لبه بهذا الشكل الغادر .....متى سقط أسير سحرها , إنه حتى لا يعلم ........
تنحنحت مساعدته لتنبهه من شروده الحزين .... فالتفت ينظر اليها و طبعا عاوده الشعور بالذنب حين نظر اليها , الا إنه اخفى ما يشعر به بكل مهارة ....و هو يبتعد بنظره بكل ضيقٍ عن زيها الغير محتشم بالنسبة ِ للعمل , لكنها أفضل من تقدمن للعمل .... لكن ليست في براعة سابين ...... عاد مرة اخرى من تفكيره بسابين و قال بصوتٍ صارم خافت
( ما الأمر حسناء ؟.........)
ابتسمت مساعدته ابتسامة مغرية وهى تقترب منه برشاقةٍ مدروسة قائلة بصوتٍ ناعم وهي تضع ورقة مطبوعة أمامه 
( هذه هي أسماء كل الشركات التى أعلنت عن بداية افتتاحها خلال الشهرين الماضيين كما طلبت ..... ولقد تلقينا دعاية منهم بالفعل ...ماعدا واحدة فقط ... والغريب أنها أرسلت بريدٍ الكتروني لكل المجموعات تعلمهم بقرب افتتاح اسما جديدا.... لكنها استثنت مجموعة مهران )
كان احمد بالفعل قد هجم على الورقة الموضوعة على المكتب قبل أن تنهي كلامها و طارت عيناه الى الاسم الغريب الموجود بآخر القائمة ......ثم رفع نظره الى مساعدته قائلا بحزم 
( أريد كل المعلومات الممكنة ِ عنها .... وفي اقرب وقت )
أمومأت حسناء برأسها وهي مندهشة من شدة اهتمام احمد مهران باسمٍ مغمور الى هذا الحد .....لكنها ذهبت لتنفذ المطلوب رغبة منها في ابهاره بكل ما تستطيع ....
.................................................. .................................................. ..........................................
كان جالسا على حافة فراشه ... متشبثا بها ... مغمضا عينيه... وهو يرهف السمع لأصواتٍ ناعمةٍ لخطواتٍ متعثرةٍ تحوم من حوله .....حفيف التقاطِ ملابسه من على الأرض .....صوت القمصان وهي تعلق على الشماعات ... أيدٍ ناعمة تملس على القميص بعد تعليقه .... مرة ,مرتين..... أين هي ....ها هي المرة الثالثة ..... 
التقاط أحذيته المبعثرة ....الحذاء يمسح جيدا .... بضميرٍ منقطع النظير ....يصف الحذاء بجوار قرينه ......والآخر تلوه ......صوت الخطوات يقترب من الفراش ..... الاغطية تجذب قليلا من تحته لتعلمه برغبتها في تغييرها ......
نهض ببطءٍ من على الفراش وهو يهمس مبتسما ابتسامة شاردة (آسف .....)
لكنه لم يحصل على رد ... فقط سمع صوت حفيف الاغطيةِ الحريرية وهى تتطاير ..... باعثة بنسيمٍ عليل الى وجهه فتتسع ابتسامته قليلا ......مغمضا عينيه آخذا نفسا عميقا ...... لعله يلتقط ياسمينة متطايرة مع الهواء ...... لكن دون جدوى ..... لا ياسمينة داعبت أنفاسه 
إنه يسمع الآن صوت قرقعة قنيناتِ عطره ......ترتب أمام المرآة واحدا تلو الآخر .......أذنه التقطت نفسا ..... نفسا رقيقا يستنشق قنينة العطر الأخير ...قبل أن توضع كسابقتها .......
إن اذنه تستحق وساما ذهبيا ......فكر بابتهاج .......تدور من حوله تبتغي المغادرة.... فيدور معها وكأنه يراها ......همس أخيرا 
( لابد وأنكِ نحيفة وفي رشاقة الغزال ..........)
توقفت الحركة تماما و صدرت شهقة مكتومة من مكانٍ ما .....فتابع فارس بابتسامةٍ وقحة 
(من الجيد أنكِ لم تسمعيني .......يا قطعة الحلوى )
نفسا حادا وصل الى اذنه حتى أنه شعر بنافثةِ لهب على وشكِ الإنفجار في الغرفة فأكمل يتبع حركتها بعينيه 
( هل أنتِ جميلةٍ كخطواتك ؟........تتحركين كراقصة ... لستِ كالممرضات القساة اللاتي اختارتهن عمتي )
وصل الي سمعه صوت ارتطام شياؤه بغضب وهي توضع مكانها ........ثم صوتِ الخطواتِ تتحرك ناوية الخروج من الغرفة فقال بسرعة 
(انتظري ........)
توقفت الخطوات متاهبة للهرب في اية لحظة .............لكنه تابع وهو يتلوى خارجا من قميصه 
( خذى هذا القميص للتنظيف .........)
مد يده الممسكة بقميصه اليها ...... فسمع الخطواتِ الطفولية تقترب منه .... خطوة ... خطوة ......الى أن وصلت اليه فتوقفت أمامه تماما ....... نعم ..... تماما .......أنفاسها الناعمة تلامس أعلى صدره .......تتسارع الانفاس الساخنة وتجري على عضلاتِ صدره القوي العاري .......إنها انفاسٍ لفتاةٍ خجولةٍ مضطربة امام رجل نصف عاري .......أم هي انفاسِ امرأة ٍ تأثرت نبضاتِ قلبها لمرآه بهذا الشكل .......
أصابع مرتجفة امتدت لتلتقط القميص من بين يديه .....وما أن شعر بالأنامل الطويلة الرفيعة تلامس يده عبر طياتِ قماشِ قميصه ... حتى هجم بيده الأخرى على معصمها بقبضةٍ من حديد , وفي لحظةٍ واحدة كان قد أسقط القميص ليحيط خصرها بذراعه جاذبا إياها بقوةٍ الى جزعه الضخم و قبل أن تغادر شهقتها المذعورة شفتيها .....كان قد هبط برأسه كالصقر الى وجهها ملتهما شفتيها بين شفتيه في إعصارٍ ناري أزهق أنفاسها التى كادت أن تودي به الى حافة الجنون في الأيامِ السابقة ........
لم يعلم كم مضى من الوقت عليه وهو يلتهمها متذوقا مستمتعا بحلاوة طعمها ......هل هي ثوانى ... ام دقائق ......مستحيل أن يستطيع التحديد ..... فقد غاب تماما في سحر قبلتها ضائعا من عالمه ......
تركت يده معصمها لتنغرز في خصلاتِ شعرها الحريرية الطويلة و تتخللها بجنونٍ وهي تصل بها الى منتصفِ ظهرها .......
شعر بذراعينِ ناعمتين تلتفانِ بجنونٍ حول عنقه ..... ليزداد تعمق قبلتهما .......
ثم لم يلبث أن حمل أسيرته و رماها في حركةٍ واحدةٍ على الفراش وهجم عليها و مرت عليهما لحظاتٍ تاها فيها عن كلِ ما حولهما .......إنها هي ......إنها هي ........جائت اليه هاربة من حلمٍ مجنون 
لكن في لحظةٍ واحدة شعر بها فجأة تقاتله بشراسة نمرةٍ مفترسة الى أن تمكنت من القفزِ من على الفراش وجرت الى آخر الغرفةِ وهي تلهث بشدة ...... ثم تمكنت أخيرا من الصراخِ بشراسةٍ محببةٍ الى قلبه 
( من المستحسن أن تكون قد تعرفت علي ........ قبل أن تقدم على هذا التحرش الفاسق تجاه خادمةٍ مسكينة ....... يا فارس مهران )
جلس متمددا على الفراش مستندا الى مرفقه وهو ينظر اليها مبتسما ابتسامة شيطانية بينما صدره يتصارع هبوطا ونزولا يحاول التقاط انفاسه بصعوبةٍ بعد ذلك الإعصار الذى كان ...... لكنه تمكن أخيرا من الهمسِ بشغف 
( لا أعتقد أنه يعتبر تحرشا .... مادامت الخادمة المسكينة قد اظهرت هذا التجاوب المذهل ....الغير قابل للوصف ......السخي في عطائه ...ال ....)
صرخت بشدة وهي على حافة الجنون 
( كفى ....... توقف ....توقف .....أنا أكرهك ......أكرهك اكثر مما كرهت اي أحد في حياتي )
ضحك بشغف وهو يشير اليها بإصبعه لتأتي اليه دون حتى أن يتحرك من مكانه ........لكنها اكملت صراخها 
؛( توقف عن هذا .....أنا لست جاريتك بعد الآن )
ضحك اكثر وعبثه يتزايد في عينيه المشتاقتين لياسمينةٍ لم يرها من قبل ....ثم قال بصلفٍ عابث 
( إن لم تعودي جاريتي ...... فماذا تفعلين هنا ؟.....)
ظلت تنظر الى غروره طويلا وهي تعلم علم اليقين ... إن الأسد لا سبيل لتغييره أبدا ......و الأسد الأعمى على وجه الخصوص لا سبيل لأن يبصر ...... سيظل أعمى القلب الى النهاية .......
تمكنت من القول بتحدٍ زائف 
( أنا هنا بدافع الواجب ليس الا ..........)
ضحك فارس قليلا .. لكن ضحكة باهتة لا اثر للمرح فيها ثم قال بصوتٍ خافت ساخر 
( آآآآخ .... لقد أصبتِ كبريائي ياسميناا )
ابتلعت ريقها وهي تشعر بانها مجروحة منه ومن لامبالته حتى الاعماق ... حتى إنها لم ترى انكسار عينيه , لم ترى سوى قسوة ملامحه فقالت بقسوةٍ تضاهيها 
( لم تترك لي خيارا و أنت تتعمد اثارة جنون كل من يحاولون خدمتك ..... الن تتوقف عن تصرفاتِ الأطفالِ تلك ؟....)
رد عليها بجفاء 
( لم يجبرك أحدا على المجيء الى هنا ..... الم نودع بعضنا آخر مرة ؟)
طعنتها كلماته الفظة فلم تتمالك نفسها ولا المها و هتفت مدافعة 
( أنت لازلت زوجي ...... أريد حين أتركك نهائيا ... أن يكون ضميري مرتاحا تماما , حتى أستطيع المضي في حياتي )
تصلبت ملامحه وقست عيناه اكثر ... الا أنه سأل بهدوءٍ خطر 
( تقصدين بالمضي في حياتك ......إيجاد شخصا اخر بالطبع .....رجلا .... يستطيع أن يراكِ )
لم يخطر هذا ببالها من قبل .... لم ولن تكون سوى لفارسٍ واحد ..... هو فارس مهران ....الا ان الغضب أعماها و جعلها تقول بترفع 
( ولما لا ..... هل ظننت انني سابقى وحيدة طويلا ؟....... اشعر من الان ان الحياة بدات في ..........)
لم تستطع اكمال جملتها الحمقاء لن في لحظةٍ مرعبةٍ وقبل ان ترمش بعينيها كان الأسد قد قفز من مكانه ليصل اليها في خطوة واحدة ولم تخرج من شفتيها سوى صرخة صغيرة قبل أن تمتد قبضته لتقبض على عنقها و تضغط عليه بينما يده الأخرى جذبت شعرها بشدةٍ حتى صرخت الما .... لكنه لم يهتم لصرختها بدا وكأن شيطانا تقمصه وهو يهمس أمام وجهها 
( من قابلتِ خلال فترة تسكعك ........انطقي يا سما قبل ان ازهق روحك )
ظلت تنظر الى وجهه الشرس و هي لا تصدق أن هذا المجنون الذي يكاد يسحق عنقها الآن و يتهمها بهذه الخرافات هو نفسه العاشق الذى ضمها في جنون عاصفته منذ دقائق قليلة .....تمكنت من الهمس بغضب وهي تحاول التهرب من قبضتيه المتوحشتين 
( لم أقابل أحدا .......ليس بعد ...... لكني لن أظل جاريتك للأبد , سأتحرر منك يا فارس مهران )
تركت يده عنقها لتقبض على فكها بشدة وهو يقترب بوجهه من وجهها ليهمس بشراسة أمام شفتيها المرتجفتين 
( بل ستظلين جاريتي للأبد يا ياسمينا ..... ولو حاولت اللعب على هذه النقطة فستكون نهاية حياتك )
رفضت أن تخضع لهذا الارهاب فقالت بشجاعةٍ تتراجع قبل أن تبدا 
( الم نودع بعضنا آخر مرة ؟؟......)
ارتعشت عضلة بعنقه وخفت قبضته على فكها تدريجيا حتى أصبحت ممسكة بها بدفءٍ رائع ثم همس أمام شفتيها بجنون 
( لن تستطيعي توديعي ما حييتي يا ياسمينا .....لانك غارقة في حبي من قمة رأسك الجميل وحتى أصابع قدميكِ الصغيرتين )
أظلمت عيناها البراقتان و ارتجفت شفتاها ثم همست بشراسةِ نمرة جريحة تنازع الموت 
( و ما أدراك أنت بالحب ........)
القت بهمستها في وجهه فتراجع بحدة و كأنها رمته بشظيةٍ جرحته .... للحظاتٍ صمت هو وصمتت هي وكلا منهما ينظر للاخر دون ان يرى هو عينيها ودون ان ترى هي قلبه ........
جذب ذقنها ليرفعه اليه اكثر ثم انحنى ليلامس شفتيها مرة بعد مرة و كأنه بالفعل يودعها لآخر مرة ..... شعرت بهذا في قبلاته .... إنه يودعها بالفعل ....لم تفكر بهذا طويلا حتى تركها اخيرا ......وهمس مغمضا عينيه 
( اذهبي .......)
لم تكن مهياة لهذه الكلمة الحادة كنصلِ شفرة ٍ جرت على قلبها في لمح البصر لتخلف به خيط رفيعا داميا ........همست عابسة لتتأكد 
؛( ماذا ؟.....)
اعاد عليها دون ان يفتح عينيه 
( اذهبي ..... هيا .......)
انتزعت نفسها من بين يديه بقسوة ٍ وعدلت ملابسها بعنفٍ وهي لا تكاد ترى شيئا بعد أن تمزقت الى آلاف القطع ثم جرت عدة خطوات نحو الباب الا ان همسته اوقفتها 
( ياسمينا .....)
التفتت تنظر اليه .....دون أملٍ فقد مات بداخلها مراتٍ ومرات من قبل .......تاهت نظراته وشردت بعيدا ثم قال بهدوء 
( أردت أن اطمئنك أني لن أفشي سرك .........فلتعد شقيقتيكِ متى أصبحتا جاهزتين , لن أعيدهما أنا رغما عنهما ........لا تخشي شيئا لن يعرف أحدا أنكِ كنتِ هنا ........)
ظلت تنظر اليه بقلبٍ مطعون و عيونٍ تنزف دما ...... شقيقتيها ؟...... لم يعبرا حتى في ذهنها خلال الدقائق الماضية ........لكن هو بدا في قمه هدوؤه و سيطرته على نفسه 
استدارت تبغي المغادرة من هنا سريعا قبل أن تنهار أمامه لكنه نادى مرة أخرى بلهفةٍ 
( سما .......)
عادت لتلتفت اليه مرة أخرى وقد انهمرت دموعها هذه المرة على وجنتيها دون صوت فهمس فارس 
( سما .....لا تكوني لغيري أبدا )
اتسعت عيناها المغروقتانِ قليلا .... أرادت الصراخ , أرادت تحطيمِ ما حولها ......يالا ظلمه و تجبره وقسوة قلبه ..... فقط يريد أن تظل دائرة في فلكه الى مالا نهاية ..... أن تظل أسيرة حبه , وهو الذي لم يعترف بوجودِ ما يسمى حبا أصلا ......
لكن شيئا ما في عينيه منعها من أن تبثه سما لتقتل غروره , فتاهت عيناها الباكيتانِ بعينيه الضائعتين طويلا ...... الى أن همست أخيرا 
( حتى وإن أردت .......فلن استطيع )
ثم استدارات لتخرج من الغرفةِ جريا قبل أن يوقفها للمرةِ الثالثة ........ لكنه لم يحاول أصلا ...........
.................................................. .................................................. ..........................................
كانت سابين تمشي جيئة و ذهابا وهي في قمة الغضب بينما حلا تنظر اليها بتوجس وقلق مما ستفعله بسما حين تعود ......انها تبدو في شكلٍ شرس مخيف ..... فحاولت الكلام بخفوت 
؛( سابين ......إنها فقط ذات ضميرٍ حي اكثر من اللازم .....الا تعرفين سما و احساسها العالي بالواجب )
التفتت اليها سابين بشراسة وعيناها تلمعان وهي تهتف حانقة 
( واجب ؟!!..... اي واجب هذا ؟.... الا تكفيها اربع سنواتٍ كاملةٍ من حياتها لتنتهي من هذا الاحساس الأعمى بالواجب تجاه شخصٍ تلذذ بافقادها كل ما لديها من كرامة ؟؟)
أطرقت حلا برأسها شاعرة باليأس من أن تفهم سابين يوما معنى أن تحب بعمق حتى يفقد كل شيءٍ آخر معناه ....رن هاتف سما الذى تركته هنا ليجعل نبضات قلبها تقفز أضعاف المعتاد فقامت جريا اليه لترد على توأم روحها , ولكن مع نظرة سابين التى ازدادت وحشية وقسوة , لم تستلم حلا بل التقطتت الهاتف بكل ثقة وهي تقول بهدوءٍ عذب 
( سابين ... لقد انتهينا من كلِ هذا .... أنا صاحبة قرار نفسي و إن أردت أن أجيب زوجي فسأفعل ......أنا هنا بإرادتي لذا اعطيني حرية القرار من فضلك )
نظرت سابين اليها في حنقٍ لكنها لم تستطع ايقافها فقد كانت بداخلها تشعر بالاعجاب من تقدم حلا الرائع خلال الايام الماضية .....ظل حاجباها معقودان لكن ابتسامة غير مرئية بدأت في الظهور فابتسمت حلا ابتسامة عريضة وهي ترد على ادهم بصوتٍ خلاب و تبتعد بالهاتف .......
وفي تلك اللحظة فتح الباب ودخلت منه سما بتثاقل فاندفعت اليها سابين بغضب لتصرخ بها 
( لماذا تأخرتِ ؟...... كل هذا وأنتِ تعملين بلا توقف ؟......بدلا من ان توفري كل طاقتك استعدادا للعام الدراسي الجديد , اصبحت خادمة الآن ؟؟؟......)
رفعت سما عينيها المتورمتين الى سابين دون ان تنطق بكلمةٍ واحدة فقالت سابين و قد خمد غضبها تماما 
( ماذا حدث ؟...... هل كنتِ تبكين ؟.... ماذا فعل بكِ من جديد ؟)
لم تستطع سما التحمل اكثر فانفجرت باكية وهي تدفن وجهها بين كفيها ... فاقتربت منها سابين بسرعة وضمتها اليها وهي تربت على شعرها بقلق هامسة 
( ماذا حدث يا سما ؟؟ ....تكلمي لقد اقلقتني جدا )
لكن سما ازدادت تشبثا بها وهي غير قادرة على إيقاف عاصفة البكاء التى اصابتها , فقادتها سابين حتى اجلستها على الاريكة وهي مازالت تضمها الى صدرها .....ثم تركتها تبكي طويلا حتى شعرت بها تهدا قليلا فقالت بحزم 
( الآن أخبريني ماذا حدث ؟...........الأمر لا يحتاج الى ذكاء لقد تعرف عليكِ اليس كذلك ؟.....)
أومأت سما برأسها المدفون في أحضان سابين وهي تبكي بصمت ثم همست 
( آسفة جدا يا سابين أعرف أن هذا سيجلب لكِ المشاكل ........)
استمرت سابين تمسح على شعرها بنعومةٍ وهي تسند ذقنها عليه ثم همست برقة 
( لا عليكِ .... كان هذا سينتهي إن آجلا أو عاجلا .... لقد آن الوقت و أنتِ تعلمين هذا ....... الآن أخبريني ماذا حدث و لماذا أبكاكِ بعد أن تعرف اليكِ , الم يكفيه أن تعودي لخدمته بعد كلِ ما فعله ؟.......)
شهقت سما شهقة بكاءٍ ناعمة و همست بعذاب 
( لم يردني يا سابين ..... طلب مني الذهاب وعدم الرجوع ..... تماما كما كان يفعل قديما ..... لقد عشت في الوهم طويلا ......)
نفثت سابين هواءا ساخنا من شفتيها من شدة غضبها على ذلك الأحمق الذى تسبب في تعاسة سما طويلا .......قالت أخيرا بصوتٍ خافت 
( أعطِني الإشارة فقط يا سما وأنا سأذهب اليه وأضربه حتى يطلب الرحمة .....لطالما تمنيت أن يأتي هذا اليوم منذ اربع سنوات )
ضحكت سما قليلا من بين دموعها وهمست بعد لحظة 
( هل تتذكرين عندما كنتِ تدافعين عني دائما ونحن صغارا ؟............كثيرا ما جريت اليكِ وأنا أبكي و أنتِ بين صديقاتك , الا إنكِ لم تهتمي أبدا بهن و كنتِ تندفعي ممسكة بيدى حتى تضربي من أبكاني .....)
ضحكت سابين برقةٍ وهي تهمس 
( لقد تعرضت للعقاب بسببك كثيرا ...........)
ضحكت سما هي الأخرى بينما دموعها تابي الانقطاع ثم رفعت رأسها أخيرا و نظرت الى عيني سابين بعينيها الدامعتين وهمست 
( أعتقد أنها النهاية بالفعل يا سابين .....لقد قدمت كل شيء , لم أعد أملك ما أقدمه بعد الآن ........)
أومات سابين برأسها وهي تربت على وجنتها ثم قالت بحزم 
( لا أريد أن يشغلك أي شيءٍ بعد الآن عن التفكير بدراستك , مفهوم ؟؟.........كنت أتمنى أن تكوني معي أنا وحلا , لكن لن اسمح بأن يعطلك أي شيء بعد الآن ........)
قالت سما بهدوء حزين بالرغم من تمزق قلبها 
( أعتقد ان دراستي ستكون هي الأمل الوحيد للخروج مما أنا فيه .......لقد رهنت حياتي لشيءٍ واحد فترة طويلة ..... طويلة جدا .....و آن الأوان لأن يتغير هذا .......)
في هذه اللحظة خرجت حلا ووجهها لم يكن يوما اكثر جمالا منه في هذه اللحظة بابتسامتها المشرقة و كأنها مراهقة انهت للتو حديثها العاطفي مع خطيبها .......فهتفت سابين في وجهها مغتاظة منها 
( حلا لماذا تركتِ الملفات التى طلبت منك أن تدرسيها لتتعلمي منها .........ثم من فضلك امسحي هذه الابتسامة الحمقاء عن وجهك , تبدين كمراهقةٍ عاشقة .........)
ظلت ابتسامة حلا على شفتيها لم تغادرها وردت بكل هدوء 
( لن تنجحى في اغضابي الآن يا سابين ........سأدرسها بعد قليل , أما الآن فلي رغبة في الإستمتاع بصحبة شقيقتي )
ثم تقدمت لتحشر نفسها بينهما بالقوةِ وهما تحتجان الى ان تمكنت من الجلوسِ بينهما بكلِ براءة ثم نقلت نظرها بين كلا منهما الى أن استقرت على عيون سما المتورمة لكنها لم تسألها .... فقط أحاطتها بذراعها وهى تهمس 
(لم يكن هناك من هي أشد مني بؤسا .......فقط انتظري , الأيام السعيدة لم تأتيكِ بعد .......انتظري قليلا )
اغمضت سابين عينيها وهي تهمس حانقة 
( يا الهي هاهو المزاج العاطفي الأحمق الذى يتبع كل مكالمةٍ لها مع ادهم مهران الذى يحاول جاهدا أن يكون عاطفيا هذه الأيام )
ابتسمت حلا اكثر وهي تهمس حالمة 
( بل هو من علم الرجال جميعا كيف يكونوا عاشقين .........)
تأوهت كلا من سما وسابين بحنقٍ و ملل و قامتا من جوارها ........أخذت تضحك بسرور لمنظرهما الطريف ..... بل هي تشعر الآن أن الدنيا كلها أصبحت طريفة للغاية ........
الفصل الثالث و العشرون (2) 

تلك الليلة كانت حلا مستلقية في فراشها واضعة هاتف سما بجوارها على الوسادة .... تنظر اليه منتظرة بشوق أن يكلمها مرة أخرى ....
و فجأة علا رنين الهاتف بالفعل فأسرعت تلتقطه بسرعة , لكنها أصيبت بالإحباط تماما حين وجدت اسم احمد ....استمر الرنين وقلبها يرأف لحاله اكثر و اكثر .......كان بينهن اتفاقا غير معلن الا ترد أيا منهن على زوج الأخرى ..... لكن حلا لم تستطع احتمال تأنيب الضمير اكثر فلقد مرت ثلاثة أشهر دون أن تكلمه سابين ..... نعم هو أخطأ لكن ليس من العدل أن يتحمل كل هذا الكم من القلق ...... اتخذت قرارها بسرعة و ردت على الهاتف فوصلها صوته الملهوف مناديا 
( سما ؟؟ ..... هل هذه أنتِ ؟؟......)
ابتلعت حلا ريقها و ردت بصوتٍ منخفضٍ للغاية 
( لا ..... أنا حلا .... مرحبا احمد )
وصلها صوته اكثر لهفة و اكثر رقة 
( كيف حالك أنتِ يا حلا ؟.........)
ردت برقة ( بخير ........)
ثم صمتت تماما تنتظر سؤاله المفروغ منه فقال بلهفة واضحة ؛( كيف حال سابين يا حلا ؟.........)
ردت حلا بتعاطف ( إنها بخير تماما ..... غاضبة قليلا لكنها تحاول أن تخفي هذا )
سمعت صوته وهو يأخذ نفسا حزينا عميقا ثم همس مرة أخرى 
( هل هذا يؤثر عليها ؟........هل هي ؟.........)
لم يستطع أن يكمل فكرامته أبت عليه ان يتأكد من حلا إن كانت سابين تحمل طفله بالفعل ام أنها مجرد خدعة منها ......لكنه لم ينتظر طويلا حتى وصله صوت حلا الناعم 
( صدقني إنها بخير ....... والطفل أيضا )
سمعت حلا صوت ضحكة مختنقة و أنفاسا متهدجة ......فقد كانت تعلم أنه يريد التأكد منها , صحيح أنه من الجائز أن تقتلها سابين الا إنها لم تهتم .... ليس هناك قلبا في الدنيا يتحمل أن يظل احمد على مثل هذه النار و الحيرة .......لم يستطع الكلام للحظاتٍ طويلة فساعدته حلا وهي تهمس 
( سيكون لابنتك أخا او أختا صغيرة ...... اليس هذا رائعا ؟....)
وصلتها ضحكة متحشرجة أخرى اكثر تهدجا و اختناقا ..... يالهى ... ان هذا الرجل الكبير يبدو وكأنه تألم كثيرا بحياته .....و لقد أوقعه حظه السيء أخيرا بسابين ......الن ترق لحاله أبدا ......
أخيرا استطاع احمد الهمس بتضرع 
( حلا الن تخبريني أين هي ؟...........)
تنهدت حلا غاضبة من سابين بسبب هذا الموقف المتعنت لكنها همست بأسف 
؛( لن أستطيع ......صدقني لن أستطيع .....إنها .....مجروحة للغاية بالرغم من أنها لا تظهر هذا أبدا لكني أستطيع أن المح الألم بعينيها .....اعطِها فقط بعض الوقت .......)
تنهد احمد تنهيدة قوية ....ثم قال بعد فترة صمت طويلة 
( شكرا لكِ يا حلا .... على كلِ شيء.....لكن من العدل أن أخبرك أنني لن أوقف البحث عنها للحظةٍ واحدة ...... أن أرادت الوقت فلتأخذه لكن ليكن ذلك تحت أنظاري .....)
اتسعت ابتسامة حلا وهي تقول برقةٍ مشجعة 
( لن يلومك أحد على البحثِ عن زوجتك أبدا ...........ومن يعلم ..... قد تكون حيث تظن أنك أضعتها )
همس احمد بحيرةٍ وعبوس ( ماذا ؟..........)
فقالت حلا بابتسامةٍ خلابة ( تصبح على خير يا احمد .... قبل ابنتك نيابة عني ) ثم أغلقت الخط 
.................................................. .................................................. ........................................
في الصباح الباكر كانت حلا واقفة تنتظرعلى طريق البحر مرتدية بدلتها الرياضية بلونها الأبيض و شعرها مربوط على هيئة ذيل حصان ........ثم لم تلبث أن ابتسمت قائلة بعتب رقيق 
( لقد تأخرتِ ...........)
اقتربت منها سمر وهي الأخرى ترتدي بدلة رياضية سوداء فقالت بمرح 
( اعتذر جدا سيدتى .......هل ضايقك أحد ؟)
اتسعت ابتسامة حلا وهي تقول بمرح مماثل 
( وهل يجرؤ أن يقترب أحد من حلا الراشد ؟........فليقترب مني أحد لتكن نهايته )
ضحكت سمر وهي تقول 
( ياه.... لقد أرهبتِني حقا , اذن أنا معي حماية ممتازة فلا داعي لأن أخاف من أي أحد )
ضحكت حلا وقالت رافعة أحد حاجبيها ؛( بالتأكيد ......لا تخافي أنتِ معي )
ضحكتا طويلا ثم قالت سمر 
(اذن هيا بنا ........ أين توقفنا آخر مرة ؟....)
ثم انطلقتا لتجريانِ على طريقِ البحرِ معا جنبا الى جنب ............و استرسلت حلا في الحديث كما اعتادت في المراتِ السابقة .
.................................................. .................................................. ..............................................
بعد عدة ليالي كانت سابين مستلقية في الفراش الضخم ..... تحيط بها ستائره الشفافة ..... تعزلها عن العالم كله لترسلها الى ليلةٍ تحاول جاهدة أن تنساها ..... ليلة حبها للمارد الذى كسر شيئا بداخلها ......لينمو شيئا آخر .......
مدت يدها لتضعها على بطنها التى ظهرت بحياءٍ شديد ............إنها في الشهر الرابع الآن .........هل حقا مرت أربعة اشهر على زواجها باحمد مهران ..... إنها تشعر بها كاعوام ........
أخفضت نظرها الى بطنها وهمست وهي تتلمسها ....
( ترى من ستكون ؟...........لقد جئت في غفلة مني تماما .... هل ظلمتك بمجيئك الى هذه الدنيا ؟؟.......وعلى ماذا ستحصل ؟....أبٍ لا يحترم أمك و لن يثق بها ........ وأمٍ لن تسامح أباك أبدا .......هل ستلقى نفس مصيري أنا و إخوتي ؟.......)
قاطع طرقا رقيقا على الباب استرسال افكارها الحزينة ..... فنادت بهدوء وهي تخفي حزنها بمهارة 
( ادخل ........)
فتح الباب ودخلت اميرة بكلِ هدوء و وقار....... وهي تنظر الى أنحاء الغرفةِ بحزنٍ كما اعتادت أن تفعل كل مرةٍ تدخلها ...... فلقد لاحظت سابين ذلك مهما حاولت اميرة اخفاؤه .......
اقتربت اميرة منها وهي تبتسم برقة ثم جلست بجوارها على الفراش .....ثم وضعت يدها فوق يد سابين الملامسةِ لبطنها و همست بحب 
( كيف حال حفيدي ؟.........)
ابتسمت سابين قليلا مخفية الشرخ العميق بداخلها وقالت بهدوء ( بخير ..... على ما أعتقد )
قالت اميرة مبتسمة ( لا ..... لا اريد كلمة اعتقاد ... أريده بخير )
ابتسمت سابين دون أن تجيبها فتنهدت اميرة و قالت بعد تردد 
( الن تسامحي احمد بعد ؟.......إنه في حالة لا يحسد عليها )
أجابت سابين بقسوة ( هذه الحالة لا تقارن بما جعلنى أمر به .........)
أطرقت اميرة براسها وهي لا تجرؤ على مجادلتها في هذا الأمر .....إنها حتى هذه اللحظة لا تعرف كيف تمكن احمد من التصرف بهذا الشكل المخزي ......
حاولت ان تتكلم مبتسمة فقالت 
( وماذا عن قلبك أنتِ ؟.......)
ردت سابين بصلابة ( ماذا عنه ؟.......)
ردت اميرة بثقة ( قلت لكِ من قبل أنكِ أخذتِ نظرة عماد الراشد ..... وأنا أعلم جيدا نظرة عماد الراشد حين يحب )
ردت سابين بعد عدة لحظات ( ربما .......لكني أخذت ايضا قسوة ايثار الراشد )
ندمت سابين على الفور حين نطقت باسم ايثار .... فقد تجلى الألم بأقسى اشكاله في عيني اميرة حتى أنهما لمعتا بدموعٍ خفية .....صمتتا هما الاثنتانِ طويلا وهما تتجرعانِ الألم معا ....لا مزيد من الكلام ممكن أن يقال ......
في هذه اللحظة دخلت سما الغرفة مبتسمة وهي تلقي التحية على اميرة وتقبلها على وجنتيها , لكنها لم يفتها إرتباك اميرة الشديد حين رأتها .... حتى إنها أدارت عينيها و كأنها تخفي أمرا يخصها ....جلست سما بجوارهما على الفراش مبتسمة بقلق تتبادل معهما المزاح قليلا بينما غاب جو المرح عن الغرفة تماما .......
لم تستطع سما الصبراكثر فقالت بقلق 
(ماذا هناك عمتى ؟.... أنتِ تخفين عني شيئا ..... هل فارس بخير ؟ أرجوكِ أخبريني )
ارتبكت اميرة طويلا و توترت و بان الحزن في عينيها اكثر فاحترق قلب سما الى أن قالت اميرة أخيرا بشفقةٍ على سما 
( لقد سافر فارس اليوم يا سما ..........)
ساد الصمت جو الغرفة تماما بينما صعقت سما لما سمعته .... همست بعد فترة من الصدمة 
( كيف سافر ؟...... ولماذا ؟......)
أجابتها اميرة بحزن ( لم أعلم صدقيني الا بعد سفره ... لقد تعمد اخفاء الأمر عني تماما , لقد علمت أنه خطط لذلك منذ فترة فأرسل الى مدير أعماله بالخارج و الذى انهى جميع الاجراءات الأيام الماضية .......و جاء الى هنا ليصطحبه معه )
ظلت سما ناظرة اليها فاغرة فمها لا تفهم شيئا مما يقال .... أخذت تهذى بعد لحظات 
( لكن كيف ؟..... من سيرعاه ؟......إنه .......)
صمتت حين شعرت بعدم ترابط كلامها فقالت اميرة حزنا على حزنها 
( لا تقلقي ... لقد أخبرني مدير أعماله أنه في حالة هادئة و أنه سيتقبل المساعدة الطبية دون اعتراض )
حاولت سما الكلام ففتحت شفتيها الا إنها عادت لتغلقهما و هي لا تجد القدرة على الرد .... مدت سابين يدها لتربت بها على يد سما , التى نظرت اليهما بابتسامة مهزوزة وقالت بتلعثم 
( ماذا ؟.... لماذا تنظرانِ الي هكذا ؟..... أنا بخير حقا ..... قد يكون هذا خيرا له , فلقد تعب كثيرا و ....... أنا أتمنى له السعادة حقا ......إنه يستحق ان .......)
صمتت حين شعرت بغصةٍ فى حلقها كصخرةٍ مدببة و اندفعت الدموع الى عينيها فرمشت بسرعة وقامت من على الفراش وهي تهمس بتحشرج 
( عن اذنكما .......) ثم خرجت جريا من الغرفةِ و هي تشهق شهقة لم تستطع كتمانها ... زفرت سابين بحنق وهي تهمس 
( الأحمق ... الغبي , سيعرف مقدارها حين يكون قد فات الأوان )
نظرت اليها أميرة و هي لا تحتمل اكثر كل هذا الألم الذى سببه أبناء مهران لبنات عماد الراشد .... لقد أخلفت وعدها له ....وها هن بناته جميعن يعانين أشد المعاناة .......لقد خانت عهدها لحبيبها ......عند هذه النقطة قامت هي الأخرى من مكانها و هي غير قادرة على منع الدموع من القفز الى عينيها فنظرت الى سابين باعتذار قائلة 
( اعذريني حبيبتي .......)
ثم خرجت من الغرفة وهي تضع يدها على قلبها المتألم ........
.................................................. .................................................. ...............................................
كان احمد مهران جالسا بعظمة آل مهران ينافسه هيبة... أدهم مهران الجالس الى يمينه و مساعدته حسناء الجالسة الى يساره .....
كانا يجلسان بثقةٍ في اجتماعِ تعارف لعدد من رجالِ الأعمال و قد حضر الجميع بمساعديهم .... ماعدا واحد ..... وهو من ينتظره تحديدا .....على نارٍ حامية ....
التفت قليلا الى ادهم وهو يقول بملامح متصلبةٍ حتى لا يظهر عليها شدة التوتر الذى ينهش أعماقه 
؛( لا تنسى يا ادهم اننى اخبرتك فقط لتاتى معى وتمنعني من التصرف بحماقة .... فمن فضلك التزم الهدوء ان كانت هي , انا احتاج لسيطرتك اكثر من سيطرتي )
ظل ادهم صامتا قليلا وهو يشعر بالغضب يكاد يفتك به و أحمد يطلب منه التزام الهدوء إن رأى سابين أمامه الآن ..... كيف له أن يمسك أعصابه فلا ينهض ليحطم رأسها على ما سببته للجميع من أذى .....لكن لا سبيل آخر غير هذا إن أراد الوصول الى حلا ......
لحظاتٍ وكانت الساحرة تدخل من بابِ القاعة .... لتتبعها مساعدتها .....
فتح ادهم عينيه على أقصى اتساع وهو لا يصدق أنه يرى حلا أمامه ..........بينما هتف احمد همسا مصعوقا الى ادهم 
( يا الهي ..... إنها هي بالفعل )
مال ادهم في كرسيه الى الأمام و كانه ينوي الانقضاض عليهما فأسرع احمد للإمساك بذراعه وقد صعقه وجود حلا الذى سيفسد كل شيء بجعل الوحش ينتفض في أية لحظة ..... قال احمد وهو يستجدي ادهم الذى يحاول النهوض 
( أرجوك يا ادهم ليس الآن ...... بالله عليك لقد أحضرتك هنا لتهدئني , امسك أعصابك ..... الناس جميعا تتطلع بيننا و بينهما )
حاول ادهم جاهد السيطرة على أعصابه و هو ينظر الى حلاه التى غابت عنه لثلاثِ شهور ٍ كاملة ..... يا الهي ما اجملها ..... انها تبرق سحرا ......
نظرت حلا الى وجوه الحاضرين تبحث بلهفةٍ الى ان اصطدمت عيناها بعيني الوحش ......ها هو ..... انتفض قلبها مرة ... مرتين .... استمر في الانتفاض حتى شعرت به يكاد يقفز من صدرها ......ثلاثةِ اشهر .... لم تره لثلاثةِ اشهر ..... 
غاب كل الحاضرين عنهما الآن وقد اشتبكت عيناهما في حوارٍ طويلٍ صامت ...... يبث كلا منهما نار شوقه الى الآخر عله يفهم ....
كانت حلا هي أول من استرد وعيه حين همست دون صوت ... مجرد تشكلت شفتيها بحروف كلمة ( حبيبي .........)
اشتعلت عيناه عشقا و اشتياقا و ارتفعت زاويتي شفتيه وهو يلتقط حروف كلمتها من حركة شفتيها.......طافت نظراته عليها من رأسها الى قدميها , كانت تبدو مذهلة و بها سحر غريب جديد عليها .....
كانت ترتدي زيا كلاسيكيا رسميا أسود محتشما لكن في نفس الوقت يحدد معالم جسدها الخرافي بشكلٍ أشعله وجعله راغبا في خنقها و تقبيلها في نفس الوقت .......
لم يستطع الصمود اكثر وهو يحاول النهوض الا ان احمد ازداد تشبثا به وهو يهمس بحدة 
( ليس الآن يا ادهم أرجوك لقد بدأ الاجتماع بالفعل ونحن في غنا عن الفضائح حاليا )
أخذ ادهم نفسا عميقا و حاول التراجع في كرسيه حتى لا يهجم عليها أمام الناس بينما عيناه التهمتها التهاما وهي تجلس مقابلة له على طاولة الإجتماعات الضخمة دون أن تفارق عيناها عينيه ..........
في لحظة دخولهما الى القاعة دارت عيناها في لمحةٍ خاطفةٍ حتى التقطتت هدفها ..... ها هو ..... بالفعل هو بنفس الذكاء الذى توقعته عنه , وها هو نجح في الوصولِ اليها .....
دخلت سابين الى القاعةِ تتبعها حلا .... كانت مشيتها الرشيقة بدت وكأنها تخطو على قلوبِ الحاضرين ..... كانت كائنة خرافية من السحر و الأناقة ..... والوقار ...
حتى أن الصمت ساد القاعة تدريجيا ثم تعالت الهمسات بعدها يسألون بعضهم البعض إن كانت هذه هي سابين الراشد زوجة احمد مهران بالفعل أم أنه مجرد تشابه ......
أخذت النظرات تتنقل بينهما و تأكدو جميعا من أنها هي بالفعل زوجة احمد مهران من نظراته المشتعله اليها ......انتقلت نظراته لا إراديا الى بطنها الذى لا زال ضامرا لكن عينه هو فقط من التقطتت ذلك الإنتفاخ البسيط بها .... احترقت شفتاه بابتسامة رائعه وهو يرفع عينيه الى عينيها يسألها ففوجىء بل صعق من نظرةِ حنانٍ غريبة ٍ في عينيها احتوته والقته في بحورها مع ابتسامتها الحانية وكأنها تطمئنه أن الطفل بخير ..... كانت نظرة خيالية بينهما .... لكنها دامت لحظة ..... فقط لحظة حتى أنه لم يكن متأكدا منها حيث عادت القسوة والشراسة الى عينيها ......
تقدمت سابين كملكة غازية حتى جلست في مقابلته .... واضعة ساقها الرشيقة فوق الأخرى بكل أناقة دون أن تحيد عيناها عن عينيه بكلِ تحدي .......أغلق احمد كفيه في قبضتين قويتين حتى ابيضت مفاصل أصابعه و هو يحاول التحكم بنفسه حتى لا ينهض و يجذبها اليه .
استمر هذا الإجتماع طويلا حتى شعر كلا من احمد وادهم انهما على وشكِ الإنفجار من عدم قدرتهما على القيام بأي حركة .....
بينما كانت سابين تجلس بمنتهى البرود وهي تتطلع بنظرةٍ جليدية الى حسناء مساعدة احمد التى اخذت تتعمد الاقتراب منه كل فترةٍ لتهمس له شيئا .... حتى ان احمد نفسه شعر بالضيق وهو يحاول جاهدا الابتعاد عنها حين تهمس له شيئا ..... و عندما التقط نظرات سابين الثلجية عاوده الشعور الفظيع بالذنب وهي تراه سلبها ما تعبت من أجله كثيرا ........
أخيرا في نهاية الإجتماع قامت سابين بكل هدوء و وقار لتقول محدثة الحضور بعد تحيتهم 
( بالطبع وصلتكم خطاباتي بقرب بدء مجموعتي الخاصة الا إن الإسم هو ما سيتغير ...... ستصبح مجموعة عماد الراشد )
تعالت الهمسات و التعليقات و الجميع في حالةٍ من الدهشة ...... كيف أن سابين الراشد امتلكت الجرأة للنزول الى السوق بمجموعةٍ منافسةٍ لمجموعة مهران ..... وهل هي تمتلك بالفعل الإمكانيات اللازمة لمثل هذه الخطوة الجبارة ؟............
بعد لحظاتِ الصدمة الأولى علا فجأة صوت احمد مهران وهو يقول بصوته العميق الواثق 
( تهانئي على بدء المجموعة الجديدة ...... بالرغم من أن مجموعة مهران لم تتلقى دعوة )
التقت نظراتها بنظراته بتحدٍ سافر و قالت بسخريةٍ مبطنة لم يلحظها غيره 
( وهل تحتاج مجموعة مهران الى دعوة ؟؟........إنها مدرستي الأولى )
ارتفع حاجباه قليلا وهو يقاوم نفسه حتى لا ينقض عليها و يذكرها بمعلمها الأول .........استمر التحدي بينهما و بدأ الجو في التوتر الى أن أُعلِن عن انتهاء الإجتماع ..... وما أن بدأ الناس في الخروج أو النهوض لمحادثة بعضهم حتى قام أدهم مندفعا كأسدٍ في اتجاه فريسته بينما ظل احمد مكانه ينتظر على نارٍ خروج هذا الجمع من المراقبين له و لسابين .......
اتسعت عينا حلا قليلا وهي تشاهد اندفاع ادهم ناحيتها و عيناه مشتعلتانِ اشتياقا و ما أن وصل اليها حتى جذبها من يدها بقسوة وجرها خلفه بسرعةٍ شديدة حتى كادت أن تتعثر خلفه وهما يخرجانِ من القاعة .......
استمر ادهم يجرها خلفه يبحث بعينه يمينا و يسارا حتى حتى وجد باب سلم الحريق الخلفي فدفعه جاذبا حلا معه وما أن أغلق الباب خلفه حتى جذبها اليه محاوطا خصرها بذراعيه رافعا إياها عن الأرض وهو يجتاح شفتيها بشفتيه بقبلةٍ أخبرتها بعمقِ ما كان يشعر به وهو بعيدا عنها .....استمر شوقهما العاصف للحظاتٍ طويلةٍ وهي تحاوط عنقه بذراعيها و معلقة تتأرجح بساقيها ......
وحين ابتعدا أخيرا عن بعضهما وهما يتنفسانِ بصعوبة يتطلعانِ الى أعينِ بعضيهما بشوقٍ مجنون قطعته حلا وهي تمد يدها لتلامس بها لحيته الناعمة الخفيفة هامسة بتأوه و شغف 
( لقد أطلقت لحيتك ..... كل ما تفعله يزيدك وسامة و روعة )
أنزلها أدهم الى الأرض على قدميها لكن لا ليتركها بل ليجذب وجهها الحبيب اليه ليقبله بكلِ شغف ثم ابتعد مرة أخرى مقاوما نفسه و هو يجذبها من يدها وهو يهمس ( تعالي ..........)
هتفت حلا و هي تجري خلفه وهو ينزل بها على السلالم ( الى أين ؟.......أدهم .. الى أين ؟...... لن أستطيع أن أرحل دون سابين )
لكن ادهم لم يجبها وهو ينزل بها ..... ليتوقف عند كلِ طابقٍ مقبلا إياها بقوة ..........حتى وصلا أخيرا الى الطابق الأرضي ومنه الى سيارته التى انطلق بها حاملا معه حبيبة عمره كله ..........
.................................................. .................................................. .......................................
كانت سابين تلملم أوراقها من على طاولة الإجتماعات الضخمة وهي تشعر بعينيه مسلطتانِ عليها بقسوةٍ كادت أن تحرقها .... لكنها لم تهتم ولم ترفع حتى رأسها اليه ........حتى خلت القاعة تماما الا منهما و مساعدته .......
اقترب منها احمد ببطءٍ حتى وصل اليها ..... و للحظاتٍ لم يستطع النطقِ بكلمة وهو ينظر الى رأسها المحني و خصلة شعرها التى حجبت وجهها عنه .....
ظلا هكذا الى أن سمع صوتِ اقتراب كعبي حذاء مساعدته العاليين وهي تطرق بهما الأرض بنفاذ صبر ثم قالت بصوتٍ ناعم 
( هل سننصرف الآن يا سيد احمد ؟..........)
قال بصوتٍ صارم دون أن ينظر اليها ( يمكنك الإنصراف أنتِ حسناء .......سيوصلك السائق , أنا سأبقى لأقل زوجتي )
سمع صوت انصرافها بحدة دون حتى أن تلقي التحية على سابين الا إنه لم يكن ليهتم بها الآن ..... في حضرةِ ساحرته ......
رفعت سابين نظرها اليه رافعة حاجبها بسخرية وهي تقول بصوتها الذى لازال مغريا كما يتذكره تماما 
( حسناء ؟؟!!!........لقد أجدت اختيار من تخلفني )
التقى حاجباه وهو يشعر بنفس الشعور القاسي بالذنب .... الا انه رفض ان تبعده عن هدفه الذى عذبه لأشهر فقال بصوتٍ عميقٍ اجش 
( كنتِ تعلمين أنني سأجدك اليوم ..... لقد رأيت ذلك في نظراتك حين دخلتِ )
نظرت الى عينيه بتحدى وقالت بنعومة 
( عرفت أنك من الذكاء لتفكر باحتمال بدء عملي الخاص )
حاول جاهدا السيطرة على نفسه وهو يقول ( حسنا لقد لعبتِ و استمتعتِ بوقتك ..... الم يحن الوقت لننتهي من هذه المهزلة ؟)
ظلت تنظر اليه في صمت ثم قالت بعد فترة 
( لم تكن لعبة أبدا ..... إن كنت تريد أن تجدني , كنت لتج


الفصل الرابع و العشرون (1) 

كانت مستلقية على ذراعه تتطلع الى السقف وهي تشعر بنفسها تحلق فوق سحابة وردية , لم تشعر يوما أنها أكثر سعادة أو أنها كانت يوما في منتهى الكمال كما هي الآن .... 
أفاقت من أحلام يقظتها على لمساتٍ كأجنحة الفراشات تتجول على وجنتها رفعت عيناها الحالمتان اليه فصدمتها النار التى لازالت مشتعلة بهما ... ما أجمل عينيه .... كيف كانت تخاف منهما سابقا .... هل كانت عمياء بالكامل حتى فاتها هذا النبع من الحماية و الحنان ... والحب المتدفق منهما .......كيف لم تشعر بحبه وهي أصغر سنا ......كيف تصورت أنه تخلى عنها يوم أجبروها على الزواج من طلال .......ابتسمت ابتسامة حزينة لعينيه الرائعتين اللتين تلتهمانِ كل جزءٍ من وجهها ثم همست وهي تتلمس وجهه 
( أحبك يا ادهم مهران ......)
نظر الى عينيها الذهبيتين المختلطتين بخضار البحر وتاه فيهما ثم أخفض رأسه ليقبل شفتيها الناعمتين تحت شفتيه......ثم قال لها بصوتٍ منخفضٍ عميق , لايزال أجشا بعد تلك العاصفة النارية التى تشاركاها للتو
( أعشقك يا حلا الراشد .......) ثم همس متابعا وشفتاه تتجولان على وجهها الناعم
( لماذا لازلت أرى الحزن بعينيكِ ؟..........)
ابتسمت قليلا ثم همست بحزن وهي تتلمس وجهه و ذقنه التى عشقتها في غضونِ دقائق 
(يبدو أن قدرك هو أن يظل الحزن مرافقا لنظراتِ حبيبتك لك )
عقد حاجبيه قليلا ثم احتواها بشدةٍ بين ذراعيه , يضمها الى صدره يريد أن يدخلها قلبه ليحميها من حزنها ...همس بعد لحظة 
( مستعدا أن أدفع حياتي لأزيل هذا الحزن ..... فقط أرشديني كيف )
دفنت وجهها في كتفه القوية و لم تستطع منع دمعةٍ حزينة من التدحرج من وجنتها الى كتفه ثم همست 
( لقد فعلت كل ما عليك بالفعل ..... إنه دوري الآن , علي دين تجاه نفسي يجب أن أوفيه )
أمسك بذقنها ينظر الى عينيها الدامعتين ثم همس بصوتٍ أجش يسألها السؤال الذي سأله كثيرا من قبل 
؛( متى كبرتِ الى هذه الدرجة ؟.................)
ضحكت قليلا ثم همست وهي تمسح وجنتها بيدها الحرة 
( لقد سألتني هذا السؤال من قبل كثيرا ........ لقد كبرت يا ادهم ..... كبرت كثيرا .......منذ أن أخذوني منك من سنين )
بان العذاب في عينيه ليعود و يحتضنها بقوة الى صدره ثم همس في شعرها 
؛( لن يجرؤ أحدا على أخذك مني بعد الآن ....... أنتِ لي يا حلا دائما و أبدا )
أومأت برأسها و رفعت وجهها اليه تبتسم بعشقٍ لا نهايه لأعماقه ثم اقتربت لتحاوط عنقه بذراعيها لتقبله بقوة ٍ للمرةِ الأولى بهذه الجرأة فتاه في سحر قبلتها وهو يميل بها طويلا الى أن همس من بين أشواقه المستعرة 
( فلتتأكدي أنكِ لن تخرجي من هنا منذ هذه اللحظة ...... وأنا أيضا , فليذهب العمل الى الجحيم )
ضحكت قليلا تحت شفتيه الساحقتين ... الا أنه لم يفته تهرب عينيها من عينيه .... فما كان منه الا أن قطع شوقه اليها رغما عنه و رفع رأسه ينظر الى عينيها المرتبكتين بقسوة ثم هدر بعنف 
( حلا ؟!!!!...........)
لم تتصنع عدم الفهم ... فقد فهمت معنى سؤاله الخشن و هذا ما كانت تخشاه منذ أن هرب بها ........كانت تعلم قبل أن تحضر الإجتماع أنها لن تستطيع مقاومته ما أن ينفرد بها .....و لقد دربت نفسها طويلا على هذه المواجهه حتى لا تضعف أمامه ...... لكن الطبع انهارت كل مخططاتها ما أن نظر الى عينيها و تركت التفكير فى العواقب الى ما بعد ......
نظرت الى عينيه القاسيتين نظرة استعطاف ترجوه أن يتفهمها ثم همست بحذر 
( ادهم ......لا زال الطريق أمامي طويلا .... أنا لم أبدأ حتى بعد ......)
أمسك بذقنها بقوةٍ و قال بقسوة 
؛( ما المفترض أن أفهمه من هذه الجملة ؟............)
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ ثم همست بتردد 
( يجب .... أن أعود يا ادهم .........)
اشتدت قبضته على ذقنها حتى كاد أن يخلعها وهو يقول بوحشية 
(أصبتِ تماما .... يجب أن تعودي ..... الى بيتك والى زوجك يا حلا ......)
يا الهي ها هو ما كانت تخاف منه ..... كيف ستقنعه الآن ...... لكنها في مفترق الطرق الآن و يجب الا تتخاذل حتى لا تعود الى الوراء مرة أخرى بعد ذلك الإنجاز الضئيل الذى حققته .......
حاولت الهمس بلطف و هي تتلمس كتفه برقة 
؛( حاول فقط أن تسمعني قبل أن تقرر شيئا ..... يجب أن أعتمد على نفسي في ترميم نفسي قليلا يا أدهم ..... لقد اعتمدت عليك طويلا ... طويلا جدا ....حتى وصل بي الأمر حين حاولت التصرف وحدي ذات مرة ..... أن آلمتك .......وهذه كانت القشة الأخيرة .....لذا سأحاول جاهدة الرجوع الى حلا القديمة التى أحببتها .... بل و أفضل منها حتى .....لقد انتظمت في علاجي و سأبدأ العمل مع سابين , صحيح أنني لازلت لا أفهم به شيئا ..... لكنها بداية وأنا ممتنة لها .... معظم من لهن مثل ظروفي لن تتاح لهن مثل هذه الفرصة أبدا .... لذا يجب علي أن أعمل جاهدة على الا تضيع مني .....حاول فقط أن تفهمني )
لكن عينيه لم تلين أبدا .....بل ظهرت بهما الدهشة مختلطة بالقسوة وهو يهدر 
( هل تظنين حقا أننى سأسمح لكِ بالخروج من هنا .................هل وصل خيالك الى هذا ....)
نظرت نظرة صافية لا خوف فيها الى عينيه الغاضبتين و قالت برقة 
( تستطيع أن تحتجزني هنا .....أنا زوجتك و هذا قرارك و سأرضى به لأنك أهم عندي من أي شيء آخر في هذه الدنيا ...... لكنى أخبرتك بما أتمنى لنفسي ..... والقرار عائد اليك في النهاية )
شعر بغصةٍ في حلقه حين ضربته بوداعتها و رمت الكرة في ملعبه بذكاء .... يالهي يبدو أنها أصبحت امرأة خلابة و سيتعب معها كثيرا اكثر من تعبه معها وهي طفلة .......استطاع أخيرا أن يهمس حانقا 
( وما الذى يمنع أن تحققي كل ما تريدينه و أنتِ في بيتك ......أمام عيوني لأطمئن عليكِ ...بل تستطيعين العمل معي إن كان العمل يمثل لكِ كل هذه الأهمية ...... و ضعي في الإعتبار أننى بهذا اقدم تضحية كبيرة بأن أسمح بخروجك كل يوم لتختلطي بالناس )
ضحكت قليلا ثم همست بضعف 
( السبب الوحيد الذي سيجعلك تمنحني فرصة عمل هو أننى زوجتك .... حتى وإن فشلت تماما فستداري ذلك كما كنت تحميني دائما ......هل تتذكر حين كنت تحميني من سابين وأنا صغيرة ..... أشعر بأن هذا ما ستفعله دائما .....أما عملي مع سابين فلن يكون به مجال لأي تهاون ...... سابين أعطتني فرصة خرافية لكنها لن تتوانى عن سحبها إن لم أفعل ما أستحقها به .......بالإضافة الى إني أريد أن أشارك في مجموعة عماد الراشد ...... لا يمكنك تصور كم أن هذا الأمر بالغ الأهمية بالنسبةِ لنا )
زمجر بعدم اقتناع وهو يقول بعد فترة بحنق 
( حسنا .....أعملي في مجموعة عماد الراشد لكن عودي الى بيتك )
أسبلت جفنيها لا تعلم كيف توصل المعلومة اليه .... تحتاج الى مزيدٍ من الوقت ..... ما أن تعود اليه حتى تجرفها العاطفة العمياء ناحيته من جديد لتشتتها عن كل ما بدأت به ......لذا آثرت أن تعطيه جزءا من الحقيقه عله يتفهمه فهمست 
( إن سابين و سما في حاجةٍ الي ..... إنهما مجروحتانِ للغاية , و يجب أن أظل بجوارهما .........أعرف أنني لن أستطيع فعل الكثير لكن اجتماعنا معا من جديد كان له تأثير جيد علينا ..... لا أتذكر أننا اقتربنا يوما من بعضنا الى هذا الحد ...)
اقترب منها وعاد ليقبلها برقةٍ أذابت أطرافها الواهنة ..... وهو يهمس لأذنها بتملق 
( عودي الي يا حلا ...... أنا بحاجةٍ اليكِ حبيبتي ..... فقط عودي الي )
تأوهت حلا بعذاب وهي تشعر بقرب استسلامها ..... ما اسهل ان ترمي كل مخططاتها خلف ظهرها و تستسلم و تعود الى أحضانه الدافئة من جديد ..... لكن لن يمر وقتا طويلا حتى تعود لإحدى إنتكاساتها من جديد .... وهما يعلمانِ معا بأن هذا ما سيحدث ......ستعود لتتكل عليه من جديد ..... وتعيش فقط لأشواقها العاصفةِ اليه دون أن تجهد نفسها بمعالجة أي من مشاكلها .......
همست بترجي ( سأعود حبيبي ..... فقط إن سمحت لي بفترةٍ من ترميم نفسي ......صدقني مهما كان ما تعرفه عني , فهو لا يقارن بكل ما بداخلي من جروح وآلام .....لازال الطريق أمامي طويلا لأصبح إنسانة شبه طبيعية .......)
بدا وكأنه تذكر شيئا من حديثها فقال مستفسرا باندهاش 
( هل قلتِ أنكِ انتظمتِ في العلاج ؟............)
أومأت حلا رأسها وهى محرجة من القادم .... و بالفعل سألها بدهشةٍ أكبر 
( مع من تتتابعين علاجك ؟........)
رمشت بعينيها ثم همست بحرجٍ بعد فترة ( سمر .....)
انتفض مصدوما ثم هتف بغضبٍ أخذ في التصاعد أكثر و أكثر 
( سمر ؟!!!.......سمر؟!!!...... هل تآمر الكل ضدي ؟..... إخوتك و عمتى و السيدة اسراء و الآن ...... تخبريني أن سمر كانت مع هذا التآمر النسائي ........ ماذا فعلت , حتى تتآمرون ضدي بهذا الشكل ؟.........)
اقتربت منه لتتلمس فكه بيدها الرقيقة .....ثم همست برقة 
( حبيبي ..... لم يكن تآمر أبدا ...... أنا اخترت أن أبقى مع سابين وسما ولم تكن تعلم السيدة اسراء بمكاننا صدقني .... صحيح أنها أعطت رقم هاتف سما الى سمر بعد الحاحٍ منها ..... لكنها لم تعلم غير ذلك ..... أما سمر فبعد أن هدأت و فكرت في الأمر مليا و جدت أنها لم تتعمد خداعي و أنها أرادت مساعدتي حقا ..... وحين قررت أن أبدا العلاج من جديد لم أشعر برغبةٍ في البدء مع شخصٍ غريب .....لن يستطيع أن يفهمني مثلما كانت تفعل سمر ..... وفي النهاية لقد وثقت أنت بها لتساعدني فلما أتردد ........و بالنسبةِ لعمتى ......)
لم تستطع أن تجد ما تكمل به فرفع ادهم حاجبا غاضبا وهو يستحثها قائلا ( نعم ....... أكملي )
ترددت قليلا ثم همست ببراءة وهي تتلعثم 
( عمتى لم .....تعجبها تصرفاتكم ...الأخيرة معنا ... لذا قالت ..... قالت أن عليكم أن تتأدبو ...... قبل أن نعود اليكم )
ارتفع حاجباه بدهشة وهو يسمع تلك الخيانة الصادرة من عمته .....سيكون له حديث طويل مع احمد , لكن الآن فليهتم بسبب سعادته وشقائه لسنين طويلة ..... حلا ......
قال بصرامةٍ طريفة ( إن لم تعودي بنفسك فسآتى لأقيم معكن .........)
ضحكت طويلا وهي تهز برأسها علامة اليأس ......ثم قالت بعد أن هدأت 
( لا ..... شكرا ...... أنا أريد أن تظل سابين قطعة واحدة ...... كنتما قديما كالزيتِ و النار طوال الوقت ......حين كنا كلنا نقيم معا هنا )
صمتت قليلا ورفعت عينيها الحزينتين الى عينيه وهمست مرة أخرى 
( حين كنا كلنا نقيم معا ...... هنا )
رد عليها هامسا يتطلع الى حزنِ عينيها ( نعم ...... حين كنا كلنا معا , قبل أن يبعدوكي عني )
قالت محاولة الخروج من هذا الألم 
( ما رأيك أن نخرج للحديقة ...... لقد اشتقت اليها جدا )
حاولت الخروج من ألمها فنقلته الى عينيه .....اذ أظلمتا بشدةٍ فغاص قلبها من هولِ ما رأته في عينيه فهمست مرتعبة ( ادهم ......)
أغلق شفتيها المرتعشتين بإصبعه .... ثم أخذ نفسا عميقا وهمس 
( لا تخافي ...... لا أريدك أن تخافي مني بعد الآن ... أبدا )
انحنت عيناها بعذابٍ قاسٍ وهمست 
( لا أخاف منك ........لكني جرحتك من جديد )
قال بصوتٍ أجشٍ قاطع ( هيا لننزل .........)
أومأت برأسها بصمت وهي تراه يحاول أن يداري الغضب الدامي الذى ظهر بعينيه .....ثم نهض ليجذبها من يدها بقوةٍ لتقف معه ثم في اللحظةِ التالية كان قد انقض على شفتيها بقبلةٍ حاول فيها أن يدمغها باسمه .... اسم ادهم مهران .....
كانا يتمشيان معا في الحديقة بصمتٍ ثقيل الى أن وصلا الى أول الممر الموصل للحديقة الخلفية..... فتوقف .... وتوقفت هي معه بقلبٍ ممزق تماما .....رفعت نظرها الحزين تسأله السماح ....ثم لم تلبث أن همست دون أن تستطيع منع نفسها 
( ادهم ..... ماذا فعلت به ؟...)
نظر اليها بوحشيةٍ وقسوة ثم همس بعنف 
( انسي هذا الموضوع الآن يا حلا ...... )
الا أن نظراته المتوحشة لم ترهبها ..... ما يرعبها أكثر أن يكون قد ورط نفسه بشيء بسببها ....فهمست بعذاب 
(أرجوك أخبرني ..... لا تتركني لهذا العذاب , ......لقد وضعت ثقتي في شخصٍ لا يستحق ....وهو لا يستحق أن تؤذي نفسك بسببه )
نظر اليها بقسوة ثم قال 
(اذن فقد عرفتِ أنه شخصا حقيرا لا يستحق .......لا يستحق الصداقة التى منحتيه إياها )
أومأت برأسها والدموع تنهمر على وجنتيها ثم همست بتحشرج 
( علمت في آخر يوم رأيته .......لقد كان يعرف أشياءا كثيرة عني لم أخبره بها , لا أعلم كيف كنت عمياء وغبية الى هذه الدرجة .... الا أننى لم أكن في حالتي الطبيعية .... صدقني )
أخذ نفسا عميقا ثم قال بعده بصوتٍ أجش 
( هذا غير مهم الآن ......انسيه)
شهقت شهقة صغيرة ثم همست باختناق 
( ليس قبل أن تجيبني .....أرجوك ..... لا تتركني أتعذب بهذا الشكل )
أبعد عينيه عنها وعن عذابها الذي يمزقه ثم قرر أن ينهيه فقال أخيرا 
( اطمئني .....لازال يمشي على قدميه , الا أنني عملت على أن يبتعد على مسافةِ بلادٍ من أي مكانٍ من المحتمل أن تتواجدي به , وتأكدي أنه نال ما يستحق جزاءا عادلا لما فعله .......)
تنهدت بقوة وأغمضت عينيها وهي تشعر بأن عذابها أخذ في التلاشي تدريجيا بعد أيامٍ و أيام من الرعب الذى سببه لها هذا الأمر 
ثم فتحت عينيها لتنظر اليه باستعطاف 
(وهل ستستطيع أن تسامحني ........)
قال لها بصوتٍ خافت 
( ألم تخبرك الساعات الماضية .....ألم تعرفي من صوتي و أنا أتشرب صوتك كل ليلة دو أن أعرف مكانك )
قالت بضعف وهي تمد يدها الصغيرة لتتلمس صدره القوي 
(أنا أقصد هنا ..... عميقا .....حيث لا يرى أحدا غيرك ما بداخلك )
رفع يده ليغطي بها يدها و يبقيها على صدره بقوة ثم نظر الى عينيها ليقول بكل وضوح 
( أنتِ الوحيدة التى ترين ما بداخلي الآن ......و أنتِ تعرفين جيدا ليس هناك من شيء يستطيع أن يمس حبي لكِ )
ابتسمت بحزن .. نظر الى عينيها طويلا وابتسم ...... ثم أمسك بيدها و أكملا سيرهما .......
أول ما طارت اليه عينيها بلهفة هو حوض ورودها ..... لكن المنظر أمامها صدمها تماما .... لم يكن هناك أي حوض ..... ولا أية ورود ....... كان هناك أثار من أعشابٍ ضارة و كومة من أوراقٍ بنية و صفراء ...... كان منظره مقبضا تماما فلم تستطع منع نفسها من الهمس بصدمة
( أين ذهبت ورداتي ؟........)
مرت فترة صمت مقبضة الى أن قال ادهم أخيرا بوجوم 
( لقد أحرقتهم .........)
نظرت اليه مصعوقة بعينينِ متسعتين مجروحتين .....ثم هتفت بحزن 
؛( لكن لماذا .........لقد كانت .... كانت ....أول شيءٍ زرعته بنفسي )
لم تكن زراعة الورود هي تماما ما كانت تفعله بل كانت هذه الورود هي أول من سمع همسها ....أحزانها .....الآمها ......كانت أول من أفضت اليها بكلِ ما بداخلها حين ظنت أن لا أحد لديها ليسمعها .........
كان ادهم ينظر اليها وقد ظهرت كل انفعلاتها الحزينة على ملامح وجهها الشفافة التي لا تخفي شيئا ..... وشعر بقبضةٍ ثلجية تعتصر صدره من مرآها بهذا الشكل ..... لكن لن يستطيعا أن يكملا حياتهما معا و بينهما هذه البقعة السوداء ........سيتجاوزاها .... وسيعمل جاهدا على ذلك ......لقد أخطأ في حقها كثيرا لذا آن الأوان لأن يصلح كل ما فات بينهما ..... سيتألم ..... سيتألم مما سيسمعه في الأيام الآتية ..... لكن إن لم يتحمل الألم من أجلها ......فلمن يتحمله اذن .......
لن يترك أي شيء هي مستعدة لأن تفضي به ....سيسمعها و سيتألم .....لكنه سيسمع كل ما حدث لها أيام زواجها من طلال .......وكل ما فعله الحقير الذى أدخله بيته ..لكن ليس اليوم...........
همس بخشونة ( كنت غاضبا بشدة ...... لذا لم أتمالك نفسي)
شعر بلكمةٍ قويةٍ في قلبه حين شاهد عيناها تدمعان دون أن تجرؤ على الكلام حتى لا تثير غضبه اكثر ..... لذا أمسك بكفها الرقيقة و رفعها الى شفتيه ليقبلها ثم امسك بذقنها يرفع وجهها الذى انسابت عليه الدموع بصمت و قال بصوته العميق 
( لكني بعدها صنعت لكِ شيئا آخر ....على أمل أن تعودي لي )
نظرت اليه بحيرة وهي تسأله بعينيها الملهوفتين عما صنعه لها .......فأشار بذقنه الى شيءٍ ما خلفها , وحين استدارت فوجئت بشيءٍ لم تره فور أن أتت الى هنا ......
كانت هناك أرجوحة خشبية معلقة بحبالٍ سميكة بين شجرتين ضخمتين متجاورتين بجانب السور الخلفي للحديقة ....فغرت شفتيها بشهقةٍ صامتة وهي تنظر اليها ...ثم دون وعيٍ منها سارت اليها ببطءٍ حتى وصلت اليها و أخذت تتلمسها.........
فقال ادهم من ورائها بصوتٍ اجشٍ من العاطفة
( هل تتذكرين ..... حين كنتِ في السادسة و كانت لدينا أرجوحة ضخمة ... وكانت دائما سابين تنزلك من عليها حتى تجلس هي.......) 
أومأت حلا برأسها وهي تتطلع بشرودٍ مدهوش الى تلك الأرجوحة ثم أكملت كلامه همسا 
؛( الى أن وجدتني أجلس على السلم ذات يومٍ وأنا أبكي ......وحين عرفت أنني أبكي لهذا السبب .... صنعت لي ارجوحة من مقعد واحد .....بين هاتين الشجرتين ......وعلقت على الشجرة لوحة صغيرة مكتوبا عليها " ملك حلا الراشد .... وممنوع لأي أحد أن يستخدمها غيرها ")
استدارت اليه بسرعة وهي تبكي أكثر و أكثر ....ثم همست بتحشرج
( كيف نسيتها......كيف تاهت عن بالي و أين ذهبت القديمة .........)
أخفض عينيه وهو يشعر بالذنبِ مرة أخرى ثم همس بصوته الأجش 
( حين علمت بزواجك حطمتها شر تحطيم ...... كانت من مئات الاشياء التى حطمتها في ذلك الوقت ..... تصرفا أحمقا آخر يضاف الى لائحتى ...)
اقتربت خطوة منه ثم رفعت نفسها على أطرافِ أصابعها لتحاوط عنقه بذراعيها و تدفن وجهها في عنقه الدافىء هامسة 
( أحبك يا ادهم مهران .......)
أحنى جبهته حتى استقرت على قمة شعرها وظلا هكذا .... ثوانٍ أو دقائق ..... لا يعلمان ... المهم أنهما معا .....مد يديه القويتين ثم حملها من خصرها ليجلسها على الأرجوحة .......ثم أخذ يؤرجحها برفق وهي تضحك برقة الى أن قالت بمرح 
( يبدو أنك كبرت يا أدهم مهران ........)
عقد حاجبيه ثم قال وهو يقبض على حبلِ الأرجوحة بقوة يوقفها ( هل أنتِ مدركة لعواقب هذه الجملة المتهورة ؟..........)
أومأت برأسها وعينيها تلمعانِ بشقاوةٍ أشعلت قلبه ...... فما كان منه الا أن بدأ في أرجحتها ثانية .... لكن مع كلِ دفعةٍ كانت قوته تتزايد أكثر وأكثر .......حتى كادت ان ترتفع الى السماء وقد تعالت صرخاتها المختلطة بالضحك الهيستيري وشعرها الطويل يتطاير مجنونا متبعثرا في كلِ مكانٍ من حوله ليثير جنونه بها........الى أن لم تتحمل في النهاية فأخذت تستجديه بأن يوقفها ......فمد يد و أوقف الأرجوحة أخيرا بعد أن خاف عليها من شدة صراخها .......
بعد أن توقفت الأرجوحة تماما , كانت حلا متشبثة بكلا الحبلين وهي تلهث بشدة وعيناها متسعتان دامعتان من شدة الضحكِ و الصراخ ....وكان ادهم يضحك هو الآخر بصوتٍ عال .....لا يتذكر أنه ضحك بهذه الطريقة منذ فترةٍ طويلة ..... طويلة جدا ......
مد يديه ليمسك حلا من خصرها و ينزلها الى الأرض ... لكن لم تكد قدميها تلمسان الأرض حتى عاد ليحملها بين ذراعيها .....ثم همس بجانب أذنها همسا أجشا 
( يكفي لعبا ....هناك شهورا يجب عليكِ أن تعوضيها لي .....و سيبدأ تعويضك من هذه اللحظة )
ضحكت بمرح وهي تتشبث أكثر بعنقه وتنظر الي عينيه بتحدٍ سافر .... ثم انحنت الى اذنه تهمس 
( أنا انسانة عادلة .....وأحب أن أوفي ديوني أولا بأول )
ضحك بخفة وهو يتجه بها الى القصر .....حاملا اياها بجانب قلبه ...هامسا بعبث ( وهذا اكثر ما أحبه بكِ.......)
اثناء صعودهما السلم المتجه الى غرفتهما شاهدت السيدة اسراء التى كانت خارجة من أحد الغرف لكن ما أن رأتهما حتى استدارت عائدة دون أن تنسى أن تشير باصبع الابهام لحلا وهي تبتسم بخبث........
دفنت حلا وجهها الذى كاد أن ينفجر من احمراره وهمست ( يا الهي ماذا ستقول عنا الآن .......)
ضحك ادهم دون أن يهتم ......وما أن أغلق الباب خلفهما حتى نظر الى عينيها الجميلتين اللتين تلمعانِ بحبه .... ثم همس بتحدي محبب
( حسنا يا آنسة حلا ...... فلتخبريني مرة أخرى أنني كبرت )
ابتسمت لعينيه ....ثم فتنتها الشعرات الفضية المتناثرة بخفةٍ في لحيته الناعمة ......فهمست 
( لقد كبرت بالفعل يا ادهم مهران ...... بشكلٍ يخطف الأنفاس )
وكان هذا آخر ما تمكنت من قوله وهي تضيع معه لعالمٍ أخر غير عالمهما ........
.................................................. .................................................. ..................................................
كانت سابين في المنزل البعيد الذى لم تعرفه الا وهي زوجة احمد مهران ...... منذ عودتها من الإجتماع ....وهي في المكتب تدرس أوراقها بعصبية ... تزفر بين كل حين و آخر ....تحاول التركيز على الأرقام المرصوصة أمامها على شاشة الحاسوب..... لتشرد بتفكيرها للحظات ثم تنهر نفسها لتعود للعمل مرة أخرى ..... هامسة بغضب 
( كفى يا احمد مهران ..... ابتعد عن تفكيري )
دخلت عليها سما برقةٍ وهي تحمل معها طبقا به عددا من الشطائر وكوبا من الحليب .....وبعد أن وضعتهما أمامها على سطح المكتب ظلت تنظر الى وجهها القاسي الذى لم يرتفع اليها .... فهمست سما 
( يكفي عملا اليوم يا سابين ...... أنتِ ترهقين نفسك جدا .... كما أنكِ ترهقين أعصابك وهذا ليس جيدا لكِ .... أو للطفل )
رفعت سابين نظرها الى سما ثم ابتسمت بحنان لكن دون أن يظهر المرح عليها وقالت 
( سما الصغيرة تنصحنى الآن .........حسنا أمي ... لا تقلقي علي )
عبست سما وقالت ( أنا لا أمزح سابين ..... منذ أن عدتِ وأنتِ تحبسين نفسك هنا بحجة العمل .... الا أنني استطيع أن أقرأ عينيكِ جيدا .....ماذا حدث بينك وبين احمد )
اخفضت سابين عينيها مرة اخرى بلامبالاة ....ثم قالت بحزم 
( لقد حدث الشيء الطبيعي .....لقد انتهى كل شيءٍ بيننا )
همست سما مصعوقة بصوتٍ لا يكاد يسمع ( ماذا ؟......... لماذا فعلتِ هذا ؟.... لماذا تسرعتِ و لم تعطهِ فرصة , أنتِ تحبينه ولن تستطيعي إنكار ذلك )
نظرت اليها سابين بغضب وقالت دون ان تستطيع السيطرة على انفعالها .... كما اصبحت مؤخرا 
( ألن تنتهي بعد يا سما من تفاهاتك العاطفية تلك .... ها أنتِ أحببتِ بكل ما تستطيعين ... وأعطيتِ فرصة ...مرة واثنتين وثلاث ....وعلى ماذا حصلتِ في النهاية ؟......لا شيء .... باعك بأبخس الأثمان وترك كل شيء وعاد لحياته ......وها انتِ ستحصلين على لقب مطلقة ولم تكملي بعد عامك الثاني والعشرين .....هل هذا هو الحب الذى تريدينه لي ..... سأحصل أنا أيضا على الطلاق لكن على الأقل سأظل محتفظة بكرامتى )
كانت سما واقفة تنظر اليها بجمود دون أن يظهر على وجهها أي تعبير ... ماعدا عينيها اللتين بان الألم فيهما من قسوة سابين التى لم ترها منها من قبل ..... ثم دون كلمة واحدة استدارت لتغادر المكتب مغلقة الباب خلفها بكل هدوء ...
ظلت سابين تنظر الى الباب المغلق ولم تصدق أنها آلمت سما بهذا الشكل البشع ....ماذا فعلت لها لتقسو عليها بهذا الشكل .....
همست وهي تلقي الأوراق بغضب على سطح المكتب ..
( كله بسببك يا احمد مهران .....لقد كنت أكبر حماقةٍ ارتكبتها في حياتي كلها )
لم تستطع أن تلحق بسما الآن ....إن أعصابها على شفا الإنهيار ... وهي بالأكيد لن تتحمل أية مناظر عاطفية مرهقة من سما في هذه اللحظة .....
نظرت الى شاشة حاسوبها .....ثم فتحت الصورة المرسلة اليها ........ صورة الشخص الذى ستنتظره في المطار بعد عدة أيام .....عمار الراشد ..........
إنه يختلف تماما عن الشخصية التى رسمتها في عقلها ......عمار الراشد ...لا تعلم بعد درجة قرابته لوالدها , لكن جاء عرضه مواتيا لها تماما ...صحيح أنها لازالت تحت قيد دراسة الموضوع ولم تعطهِ رأيها مباشرة ...لكن أعجبها أن ينزل بنفسه حتى تعلم مع من ستتعامل تحديدا ..... 
رن هاتفها فالتقطتته تنظر الي رقم الطالب ثم ابتسمت قليلا لتاخذ نفسا عميقا محاولة تهدئة نفسها بدل أن تصب غضبها على تالا الصغيرة مثلما فعلت مع سما المسكينة .... ردت بهدوء 
( مرحبا تالا .........)
ردت عليها تالا بحماسة ( مرحبا سابين ......هل اشتقتِ إلي ؟.....)
اتسعت ابتسامة سابين قليلا وقالت بهدوء ( نعم يا شريرة ....اشتقت اليكِ )
وصلها صوت تالا جذلا متحمسا أكثر وهي تقول ببراءة ( اذن هل أستطيع أن أراكِ غدا .......)
ردت سابين بهدوء ؛( تستطيعين أن تأتي مع جدتك .........)
قالت تالا بترجي ( هل يمكنك أن تأتى أنتِ الينا ........إن أبي ....متعبا جدا....)
قالت سابين بسرعة ( ماذا به ؟......هل هو بخير؟..)
ردت تالا بحزن ( لا أعلم ....منذ أن عاد اليوم وهو حزين ....حتى إنه لم يقرأ معي قصة اليوم .....)
تنفست سابين الصعداء ..ثم قالت بعد لحظات ( قد تكون لديه بعض المشاكل في العمل ..... غدا سيصبح بحالٍ أفضل , لا تقلقي )
قالت تالا بترجي ( حسنا هل يمكن أن تأتى و تقليني ....... من فضلك ... جدتي لن تكون هنا , ستذهب الى عمتي )
تنهدت سابين ثم ضغطت بإصبعيها مابين عينيها من شدة ارهاقها ثم قالت باستسلام ..( حسنا ... غدا صباحا سآتي لأصطحبك )
وصلتها أصوات تالا الفرحة فابتسمت سابين وهي تسأل نفسها ...ما الذى دهاها .....من المؤكد أنها هرمونات الحمل المجنونة .
الفصل الرابع و العشرون (2) 

كانت سما في غرفتها ...تبكي بصمت و قلبها يعتصرها بشدة .... دافنة رأسها في الوسادة ..... متى سينتهي عذابها .... تريد أن ترتاح ولا تعرف للراحة سبيلا ...... الى متى ستتحمل ما تقاسيه ......متى سيموت حبه في قلبها , وهل سيموت أصلا ......
رفعت رأسها قليلا لتنظر الى هاتفها الملقى بجوارها على الوسادة ..... هل تجرؤ ؟...... فقط تريد أن تسمع صوته .....لماذا تمنع نفسها ... فلتذهب الكرامة الى الجحيم .... متى كانت الكرامة فاصلا بينها و بين حبها ؟... فلماذا تهتم الآن ؟..........
أمسكت الهاتف وطلبت رقمه ...... مسحت دموعها بيدٍ مرتجفة وهي تنتظر ....هل سيرد عليها ؟... هل سيكون قاسيا للحد الذى يجعله يتجاهلها تماما ...راميا أربعة سنين زواج خلف ظهره ...دون حتى أن يتكلما كأناسٍ متحضرين .....
ثوانٍ قليلة وكان الصوت الحبيب يرد عليها هامسا 
( ياسمينااا.........)
أغمضت عينيها لا تصدق أنه بالفعل أشفق عليها وقرر أن يسمعها صوته ... أخذ قلبها يخفق بقوة وهو يتعرف على صوت ساكنه ......وصلها صوته هامسا أجشا 
( ياسمينا .... هل ستظلين صامتة ؟... )
انتفضت على سؤاله ثم حاولت النطق بهدوء ... الا أن كلامها خرج متعثرا متحشرجا و كأنها تسعل 
( آآ....كيف حالك ....فارس , ظننت أن من واجبي ...... من واجبي الإطمئنان عليك )
ضحك قليلا ضحكة خافتة ثم قال بوجوم ( أنا بخير ..... لا تقلقي )
تاهت عيناها وهي تبحث عن أي شيء لتطيل الحوار معه قبل أن يغلق الخط ..فقالت بعد لحظات 
( هل تأخذ أدويتك بانتظام .... هل تستطيع التعامل مع الممرضات ؟......)
قال فارس ببساطة ( قلت لكِ لا تقلقي لقد استسلمت أخيرا و أنا تقبل كل ما يعطفن علي به )
ابتلعت ريقها ثم لم تستطع منع نفسها من السؤال ( هل هن ممرضات ؟؟.... أقصد هل رأيتهن ؟......)
وضعت يدها على فمها تكتم الشهقة التى كادت تصدر عنها من هولِ ما قالت .... الا انه لم يغلق الخط كما توقعت بل ضحك بخفةٍ و قال بكلِ هدوءٍ و استمتاع 
( هل تريدين أن تعرفي إن كن جميلات ياسمينااا ؟........لما لا تسألي بكل بساطة ؟.....)
قالت بغضب وهي تخطىء اكثر واكثر 
( وكيف ستعرف ان كن جميلات ؟؟...........)
الا إنه مرة أخرى لم يغضب أو يثور بل قال بعبث
( تعرفين أن النظر ليس كل شيء ..........فمعكِ مثلا تأكدت بالدليل القاطع من أنكِ خلابة دون أن أراكِ )
شعرت بغضبٍ أحمق يشتعل بداخل كيانها ... دون أن تدرك مدحه الشغوف لجمالها ... كل ماسيطر عليها هو أن يكون قد عاد لعبثه القديم .... فما معنى هذا الهدوء و السرور الذى يقطر من صوته .... بعد أن كان دائما متشنجا غاضبا .....
قالت بغضب و شراسة ( ما معنى هذا يا فارس ؟...... هل نسيت أننى لازلت زوجتك ؟......حتى وإن لم يكن بالفعل لكننا لم نتطلق بعد ...لذا أنا لن أقبل أن تهينني بأن تكون غير مخلصا لي كما أنا مخلصة لك .... الى أن ينتهي ما بيننا رسميا)
ساد صمتا ثقيلا قاسيا عليهما معا ... ما الذى قالته ... لم يطرأ الطلاق ابدا على بالها من قبل .... اقصى ما كانت تتمناه بعد ان تركها هو ان يترك لها اسمه .... كذكرى منه .... لكن كلمات سابين ظلت متشبثة في قلبها كمخالبٍ مفترسة ... الى أن انهارت أعصابها الآن ونطقت بهذه الحماقة ......
سمعت صوته يهمس بصعوبة وقد فقد كل سروره وعبثه ( طلاق ؟..........)
أرادت أن تصرخ بأعلى صوتها ....لا ....لا ..... أرجوك لم أقصد ...لم أقصد ... أرجوك لا تنتهز الفرصة وتتصيد لي هذا الخطأ ....
يا الهي مالذى جعلني أتحامق وأكلمه الآن ؟...... كان يجب أن أعرف أننى سأنطق بإحدى حماقاتى كالمعتاد .....يا رب ساعدني ....
جاء صوت فارس خشنا صارما يناديها (سما......)
أغمضت عينيها وهي تنتظر مصيرها الذى جلبته لنفسها بمكالمتها الغبية .. لكنها لم تجد بدا من الرد بهمس مختنق ( نعم ........)
سمعت صوت نفسا حدا و كأنه يتنفس بصعوبة ثم قال أخيرا بنفس الصرامة 
( أريدك أن تعديني وعدا ...... لا تفكري بطلب الطلاق الآن ....أعرف أنكِ ضيعتِ معي سنواتٍ كان من الممكن أن تكون الأجمل بحياتك ..... لكن كل ما أطلبه منكِ أن تنتظري ..... فقط انتظري قليلا......)
انهمرت دموعها على وجنتيها بصمت وهي تشعر بنصالٍ حادة تمزق قلبها .... سيطلقها .... قليلا و سيطلقها .......استمر بكاؤها دون أن تصدر صوتا الى قال بقوة ( سمااا .... عديني )
همست فبان بكاؤها ( أعدك .......)
تنهد بحزن ثم همس ( أراكِ لاحقا ......)
ردت عليه بهمسةٍ لم يسمعها ( نعم .......) و بعد أن أغلقت الخط أخذت تبكي طويلا ..... طويلا جدا ......الى أن سمعت صوتِ بابِ غرفتها يفتح و خطوات سابين تقترب منها .... لكنها لم تجرؤ على رفع رأسها من الوسادة ..... الى أن أحست بسابين تجلس على الفراش بجوارها ... لحظة و رفعتها لتضمها لصدرها وهي تقول 
( كل هذا البكاء بسبب الكلمتين الغبيتين اللتين نطقت بهما و أنا غاضبة ؟؟.........هذا الطفل من المؤكد تسبب في خللٍ ما بعقلي )
ضحكت سما دون أن تجرؤ إخبار سابين بمكالمتها الغبية لفارس .... لن تتحمل الآن غضب سابين , يكفيها ماهي فيه .....رفعت وجهها المغروق بالدموع ثم ابتسمت بجهد لسابين التى سألتها برقة 
( هل تصافينا ؟........)
أومات برأسها ..... ثم همست بعد فترة ( متى ستعود حلا ؟...... لقد تأخرت أم أنها لن تعود ؟...)
حين نطقت بهذا السؤال شعرت و كان حجرا ضخما اثقل قلبها .... كيف ستتعود على بعد أيا منهما بعد الآن ....يوما ما ستعود كلا من حلا وسابين الى ادهم واحمد ..... بالرغم من مكابرة سابين الا إنها موقنة من أنها ستعود اليه يوما ..... لن تستطيع أي امرأة مقاومة زوجا يحبها و يعتزم على استرجاعها......
أما هي فسينتهي بها الحال وحيدة يوما ما بعد أن تعود شقيقتيها الى زوجيهما ..... فهي لن تكون لرجلا آخر غير فارس مهران .....
أفاقت من أفكارها الحزينة على صوتِ سابين وهي تقول مبتسمة 
( لقد عادت بالفعل الأستاذة .........)
( من يسأل عني ؟..........)
نظرت سابين وسما الى الواقفة بباب الغرفة .... وقد كان مظهرها كمظهر امرأةٍ عاشقة بجنون فهى ترتدي نفس زيها الرسمي لكن شعرها الرائع انساب متموجا بجنون يصل الى خصرها بدلال .....لم تكن هناك زينة على وجهها ... الا أن احمرار وجهها و بريق عينيها كانا أفضل من أي زينة بالعالم ..........
هتفت سما بدهشة ( كيف اقنعت ادهم بإعادتك الى هنا ؟............)
ابتسمت حلا برقة وقالت
( لدي أساليبي الخاصة .....لدينا عملا لم ينتهي بعد ... ولقد قطعت لكما وعدا بأني لن أترككما الآن ......ليس بعد..)
وكعادة سما في نطق كل ما هو غير مناسب ... فسألتها 
( أين ذهبتما لتتأخرا كل هذا الوقت ؟...........كم أتمنى أن أخرج أنا أيضا قليلا و أروح عن نفسي )
احمر وجه حلا بشدة و هربت بعينيها من نظرات سابين العابثة التى لم تستطع كبت ضحكتها طويلا ...... فأدركت سما غباءها و احمر وجهها هي أيضا وهي تهمس متلعثمة 
(أعتذر يا حلا ..... لم أكن أعرف .... أقصد لم أفكر .....)
قاطعتها حلا وهي تهتف بإرتباك ( هلا غيرنا الموضوع من فضلكما .........)
كبتت سابين ضحكها ثم قالت بحزم 
( حسنا كفى عبثا .... حلا لا تنسي أنكِ ستأتين معي الى المطار لإستقبال عمار الراشد ثم نقله الى الفندق الذى سيقيم به ... سما أنتِ أيضا ستأتين معنا من باب التعارف)
أومأت سما برأسها بوجوم .....و ردت حلا بالموافقة ثم سألت سابين بقلق 
( ماذا فعلتِ مع أحمد اليوم ؟........)
عادت الروح المجنونة لتتلبس سابين بعد أن كانت قد هدأت قليلا فقامت من الفراش لتخرج من الغرفة متجاوزة حلا وهى تهتف بحنق 
( وما دخلكما بشؤوني الخاصة .... فلتهتم كلا منكما بحياتها بعيدا عن حياتي )
همست سما متنهدة بملل ( ها قد عادت الروح العدوانية من جديد ..........)
نظرت اليها حلا وهمست بحزن ( هل ساءت الأمور الى هذه الدرجة ؟........)
أومأت سما برأسها دون أن تجيب ...... لكن قبل أن تكمل حلا كلامها كان هاتفها الجديد يعلن عن اتصال ادهم ..فردت عليه مبتسمة 
( ادهم ..... لم تكد تمر نصف ساعة على انصرافك )
وصلها صوته الحانق وهو يهدر في أذنها ( لا أعلم أصلا كيف وافقتك على هذا الجنون ........والآن تتذمرين من اتصالي بكِ؟ )
ضحكت بمرح وهي تلوح لسما و تخرج من الغرفة لتتحدث اليه .....ابتسمت حلا بحزن وهي تتذكر مكالمتها المأساوية لفارس منذ قليل ....وهمست لنفسها .... متى ستعتق قلبي .....متى .......
.................................................. .................................................. ................................................
صباحا كانت سابين جالسة في سيارتها تنتظر تالا أمام منزل احمد الذى لم تدخله من قبل .......لم يطل انتظارها حين فتح الباب و أطل منه احمد و خلفه تالا تقفز بمرح و كأنها في أسعد أيام حياتها .......
زفرت سابين بحنق .... ما الذى يفعله هنا ؟...... لماذا ليس في عمله ؟.........هذا ما كان ينقصها ....
اقترب منها احمد الى ان وصل للباب المجاور لها وفتحه دون ان تستطيع منعه ثم جذبها برفق من ذراعها لتخرج من السيارة ....لم تستطع الإعتراض مع رؤية تالا التى تنظر اليهما و كأنها تشاهد فيلما عاطفيا ......
وقفت أمامه تماما ... وجهها مواجه لصدره ... و يده لا تزال ممسكة بذراعها بدفءٍ شعرت به من خلال ملابسها ......
بدأت الكلام بهدوء دون أن تنظر الى عينيه 
( كنت أريد أن أصطحب تالا لتمضي اليوم معي ..... وسأعيدها اليك في المساء )
كانت عيناه تلاحقانِ عينيها الهاربتين و ابتسامة حنان تعلو شفتيه ....ثم قال أخيرا بصوتٍ دافىء 
( لقد دخلتِ الى الموضوع مباشرة دون حتى أن تلقي التحية علي )
أخذت نفسا طويلا خفيا وهي تشعر بغضبٍ لا حدود له .... الى متى ستستمر تمثيليته السمجة هذه .....لكنها لا تستطيع التصرف وتالا خلفه ... لا ذنب لها لتصدمها بوالدها ..... تبا لتلك الحنية الجديدة عليها والتى لا تعرف من أين أتت .......
رفعت عينيها الشرستين الى عينيه المغروقتين بالإستفزاز و التحدي وهي تحاول أن تجعله يقرأ ما بهما من تهديد .. الاأن ذلك لم يؤثر به ... بل زاد التحدي في عينيه .... فقالت بحزم 
( هيا يا تالا ادخلي السيارة ......لقد وافق والدك )
لكن تالا ترددت قليلا ... الى أن قال احمد بهدوء 
( في الواقع ...... لقد غيرت رأيي , ستمضيانِ يومكما هنا )
ارتفع حاجبا سابين و توحشت عيناها أكثر لكن قبل أن تفتح شفتيها برفضها القاطع ... تابع احمد بمرحٍ حازم 
( إن لم تدخلي بإرادتك فسأحملك الى الداخل بنفسي )
أوشكت على أن تلقي بحممها الغاضبة في وجهه ... لكنها عدت الى العشرة بداخلها ثم قالت بهدوء 
( لا لن أستطيع عذرا ......فهل ستسمح لي بأخذ تالا أم أنصرف من هنااااا....... )
خرجت أخر كلمتين من شفتيها و كأنهما صراخا ....دون أن تستطيع السيطرة على نفسها .....حينها أخذت تالا تقفز مرحا وهي تهتف 
( لقد رفضت ....احملها أبي ...احملها ....)
اتسعت ابتسامة احمد و ارتسمت الشيطنة في عينيه ..... فحذرته سالبين هامسة بوحشية 
( لا تفكر بذلك حتى .......)
الا إن احمد تجاهلها تماما وهو يرفعها بحركةٍ سريعةٍ بين ذراعيه جعلتها تصرخ من المفاجأة ثم أخذت تضربه على كتفه وهي تصرخ 
( أنزلني يا احمد حالا ......توقف عن هذه التصرفات الطفولية )
الا أنه ضحك قائلا وهو يستدير بها غامزا لتالا التى تقفز وتصفق بيديها 
( لا أستطيع أن أرفض طلبا لأميرتي الصغيرة ......لقد أمرت بأن تدخلي الى البيت محمولة بين ذراعي .....اذن هذا ما سيحدث )
أدخلها بالفعل الى المنزل الرائع و الذى خطف أنفاسها ما أن دخلته ... فتوقفت عن المقاومة وهي نتظر حولها للمنزل الذى يضم كل ما حلمت به يوما ..... وكأنه قد شاهد أحلامها عن البيت الذى تمنت أن تسكن فيه يوما ... فأسسه كما تحب ....
شعر بتأثرٍ عميق بداخله وهو يرى انبهارها بالمنزل ...حتى إنها أوقفت المقاومة بين ذراعيه دون أن تشعر .....فأحنى رأسه اليها وهمس في اذنها بحب 
( مرحبا بكِ في بيتك ........)
نظرت الى عينيه بوحشية بعد أن أفاقت من شرودها على صوته فهمست هي الأخرى 
( لن يكون بيتي أبدا ......)
همس لأذنها الحساسة ( بل سيكون .... )
ظلا ينظرانِ الى بعضهما بتحدي الى أن قطعه صوت تالا المتحمس 
( جدتي .... لقد نجحنا في خطتنا , سابين ستمضي اليوم معنا هناااااااااا )
استدارت سابين برأسها لتجد أميرة واقفة عند السلم مرتبكة للغاية تنظر اليها باعتذار .....بينما أغمض احمد عينه يائسا من سذاجة تالا اللامتناهية ......
أخذت سابين تنقل نظرها بين ثلاثِ أزواجٍ من العيونِ العسليةِ المتشابهة ....وقد ظهر عليهم جميعا الإرتباك وكأنهم اقترفو ذنبا فظيعا ....
ساد الصمت للحظات و سابين غضبها يتفاقم اكثر واكثر فشعر احمد بأن سيطرتها على نفسها ستتلاشى قريبا ....فقرر أن ينهي غضبها سريعا خوفا عليها ......
فاقترب من اذنها ليهمس برقة 
( سابين ..... من فضلك لا تخذلي تالا ....إنها متحمسة جدا لوجودك , كما أني لم أخبرها بعد بالطفل .... فضلت أن تكوني موجودة معنا حين أخبرها ......أقضي اليوم معنا , و أعدك أن أوصلك بنفسي مساءا )
للحظةٍ تاهت مابين عينيه الصافيتين وشفتيه المتحركتين بكلامٍ لم تسمع نصفه ..... هو أيضا خفتت آخر كلماته الى أن انقطعت حين شاهد نظرتها التائهة اليه .....شعرت سابين في هذه اللحظة بمضخةٍ عملاقة تضرب جانب صدرها ......و قد كان هذا هو قلبه الذى أخذ يخفق سريعا ......ابتلعت ريقها وقررت أن تنهي هذا الجنون سريعا ..... فقالت بهدوء 
( حسنا .......سأبقى اليوم )
رمش احمد بعينه ليستفيق من سحرها المجنون ...... وتنفست اميرة بإرتياح بينما أخذت تالا تقفز كعادتها ........
ومر هذا اليوم بسحرٍ غريب على أربعتهم ..... كان هناك دفئا يلفهم لم تشعر به سابين من قلب ......أكلو معا ... ولعبو معا .... وضحكو كثيرا .....حتى أن سابين منذ بداية اليوم أن تستمتع به وتنسى مخططاتها ...... ليومٍ واحدٍ فقط ...... هو هذا اليوم ..... وغدا ستعود الى مقاتلته .... لكن اليوم ..فلتعش ما لم تعشه من قبل .....
لم يتوقف احمد طوال اليوم عن الاهتمامِ بها .... وتدليلها .... كانت كلما ارادت شيئا , يجلبه اليها بنفسه .....حتى انها بعد أن تعبت من الوقوفِ و اللعب في الحديقة ...... تمددت على الأريكة لتريح قدميها , فأتى أحمد اليها ليرفع قدميها ثم يجلس بجوارها واضعا قدميها على ساقيه ليدلكهما لها ......وقتها رفعت عينيها اليه .... فالتقت عيناهما معا طويلا .....وكأنه يريد أن يمحي بحركاته الناعمة كل ما آلمها به من قبل ......قال لها أخيرا بصوته العميق 
( الم تكتفي بعد يا سابين من بعدك عني .......أعلم أن بدايتنا كانت سيئة للغاية , لكن لنصنع بداية جديدة .... من أجلنا جميعا )
ردت عليه سابين بهدوءٍ تشوبه لمسة حزنٍ خفي 
( لا تدع الأوهام تتلاعب بك يا احمد ...... ليس معنى هذا اليوم أنني سأعدل عن قراراتي , لا حياة لنا معا وأنت تعلم ذلك جيدا .....أنت لن تثق بي يوما ... وأنا لن أستطيع نسيان ما فعلته بي )
أخفض عينيه وهو يشعر بقسوة كلمتها بأنها لن تستطيع النسيان .... وهل يستطيع هو .....قال لها بصوتٍ خافت 
( يجب أن تعلمي أنكِ ستعودي الي ..لا شك بهذا........فلما لا نقلل أيام فراقنا )
قبل أن تجيبه أتت تالا لتجلس معهما فأنزلت سابين قدميها الى الأرض ببطء وقد شعرت بتردد احمد في تركها .....لكنه لم يتركها تماما بل اقترب منها ليلف خصرها بذراعه وهو يقول لتالا دون أن يرفع عينيه عن سابين 
( تالا ....سابين تريد أن تخبرك شيئا )
نظرت سابين اليه بقسوة ... بينما انتظرت تالا بتحمس ....فنظرت اليها سابين ولم تجد بدا من التكلم بهدوء 
( تالا ....أنا و والدك نريد أن .......أنه سيكون لكِ أخا أو أخت عما قريب )
ذهلت تالا تماما و اتسعت عيناها بشدة ... ثم بعد لحظات انفجرت في البكاء الشديد ..... نظرت سابين بصدمة الي رأسها المحنى و المدفون بين كفيها الصغيرين .. وفي لحظةٍ هاجمتها صورة حلا حين كانت في نفسِ عمرِ تالا وكانت ايثار تضربها في كثيرٍ من الأحيان ..هي أيضا كانت تؤذيها الا أنها كانت صغيرة في هذا الوقت ولم تدرك تأثيره على حلا ... كان من المفترض أن تعاملها كما كانت تعامل سما دائما ....شعرت بغصةٍ في حلقها . فقامت من مكانها الى أن وصلت لتالا ثم هبطت على ركبتيها وهي تضمها الى صدرها وتهمس لها 
( هيا الآن يا تالا ....ما الأمر ....الا تعلمين أنكِ ستظلين فتاة أباكِ المفضلة .... لن يتغير هذا أبدا )
دفنت تالا وجهها في صدر سابين وهي تنشج ثم قالت باختناق ( لست ....لست أبكي ....لأني حزينة )
أدارت سابين رأسها الى احمد لتسأله المساعدة .... الا أن نظرته قطعت سؤالها .... كان ينظر اليهما مسحورا حزينا في نفس الوقت ...بهرته سابين في تعاملها مع تالا .... لم يتصورها أبدا بهذه الصورة .....رفع عينيه الى عينيها ثم قال بخفوت 
( إن تالا تبكي دائما عندما تنفعل أو تتحمس بشدة ......)
ابتسمت سابين ثم استدارت الى تالا الباكية وجذبت خصلة من شعرها وهي تقول بمرح 
( لقد أخفتني يا شريرة .....اذن فقد اتضح أنكِ طفلة مثل باقي الأطفال لقد شككت في هذا كثيرا ....هل أنتِ متحمسة للطفل القادم ؟ )
أومأت تالا برأسها وهي تمسح وجهها بيدها ثم قالت بصرامة وهي تشهق 
( لكن ليكن في معلومك يا سابين حين يأتي هذا الطفل سأتين به وتعيشانِ معنا هنا...... وأنا لن أقبل بغير ذلك )
عادت سابين لتنظر بقسوةٍ الى احمد الذى كان يضحك الآن من ابنته التى تشبهه في صرامته .........
في المساء ذهبت سابين لتغسل وجهها استعدادا للرحيل و أثناء سيرها في الممر شعرت بيدين قويتين تجذبانها من خصرها لتلصقانها بالجدارِ خلفها ... شهقت بصدمة , ثم قالت بعد لحظاتٍ بغضب 
( ابتعد يا احمد ......)
ابتسم وعيناه تبرقان ثم همس قرب اذنها ( حاولي ابعادي ....)
دفعته في صدره بكفيها الا إنها كما لو كانت تدفع جدارا صلبا ....
قالت بغضبٍ يتصاعد (ابتعد عني يا احمد ......)
الا إنه كان يقترب بوجهه من وجهها و ابتسامة عابثة على شفتيه فأخذت تدفعه لكنها لم تستطع النجاح حيث أمسك بذراعيها ليلفهما حول عنقه ثم تمكن من تقبيلها بكلِ ما اعتمل في نفسه من شوقٍ اليها ........مرت عليهما لحظاتٍ دافئة لتكمل سحر هذا اليوم , الى أن أبعد يديها ليأخذ نفسا عميقا قال بعده بحزم
؛( هيا....استعدي لأوصلك )
رمشت بعينيها عدة مرات لتستوعب ما يقوله ....ثم ابتعدت تسير أمامه بكلِ ما استطاعت من السيطرة على النفس 
أخذ يراقبها وقلبه يصرخ مناديا إياها بشدة .....لكنه تمكن من اخماد شوقه قليلا وهو يفكر .....قريبا ستعودي الي بإرادتك يا ساحرتي المجنونة .....قريبا جدا .....
ثم تذكر جملة أميرة صباحا ....وهي تقول له .....سأساعدك لتستعيد قلبها فإن أخفقت فاعلم أنها فرصتك الأخيرة ..........
.................................................. .................................................. ........................................
كانت سابين وسما وحلا واقفاتٍ في المطار بانتظار عمار الراشد ......الى أن همست سابين 
( ها هو ذا ..... تقريبا ...انه يشبه الصورة نوعا ما )
أخذ يقترب منهن مبتسما .... فاتسعت عينا حلا وفغرت سما شفتيها بينما رفعت سابين حاجبها بإعجاب من تلك الهيئة الخرافية المطلة عليهن .......
كان شابا طويلا بعضلاتٍ قوية يبدو في منتصف الثلاثينات..يرتدي بنطالا من الجينز يبين ساقيه القويتين ...وسترتة جلديةٍ سوداء على قميصٍ ناصع البياض 
كان وسيما للغاية بوجهٍ رجولي صلب ...الا إن اكثر ما كان مميزا به هي عينيه بلونهما الأخضر القريب من الرمادي ....لقد حصل على عيون عائلة الراشد المعروفة بعيونهم ذات الألوانِ الغريبة ....
كان مختلفا عن رجال آل مهران المعروفين بقسوة ملامحهم ......
مالت سما الى اذن سابين وهمست 
( ما هذا الكائن المذهل ؟!!!.......)
ابتسمت سابين وهمست ( كفى يا سما ......لقد اقترب )
وصل اليهن ثم تكلم مبتسما فخرج بصوتٍ رجولي عميقٍ للغاية ذو نبراتٍ رنانة 
( لابد أنكن بنات عماد الراشد .....لا أرى أجمل منكن هنا )
ضحكت سما ببلاهةٍ تقريبا فلكزتها سابين بمرفقها .....بينما كانت حلا مذهولة لا تعلم بما ترد عليه .... الا ان سابين هي من تولت الحديث لتمد يدها اليه قائلة 
( أنا سابين ......مرحبا عمار , حمدا لله على سلامةِ الوصول )
أمسك بيدها بيدٍ حازمة قوية وهو يقول مبتسما ( سابين الجميلة بالطبع .... سررت لرؤيتك )
ابتسمت بسحرها المعتاد وهي تقول بصوتها الرائع (هذه هي حلا وهي من ستكون مساعدتي ......أما هذه الصغيرة فهي سما )
ابتسم اليهن بابتسامةٍ ذكورية جذابه سمرتهن في أماكنهن ثم قال 
( كم أنا مسرور للتعرف عليكن آنساتي .......)
همست حلا لسما مدهوشة ( آنساتي !!! ........لقد نسيت هذه الكلمة منذ زمن )
ضحكت سما وهي تحاول اخفاء فمها بيدها ثم قالت سابين 
( لابد أنك متعبا من السفر .....لنذهب الآن الى الفندق الذى ستقيم به لترتاح )
أومأ برأسه مبتسما وكأنه ولد بهذه الابتسامة الجذابة .........
انتظرن الى أن يسير أمامهن .... الا إنه ظل واقفا مكانه ليقول وهو يمد يده 
( بعدكن .......)
نظرن الى بعضهن بدهشة ثم سارت حلا وسما متعلقتانِ ببعضهما وقد عجزتا عن إمساكِ ضحاتهما الصغيرة المذهولة 
بينما ابتسمت سابين له بسحرٍ وتقدمته لتمشي بكل ثقة .........
بعد أن استقر في غرفته و أنهى الإجراءات ...... كان يجلس معهن ليتعارفو اكثر .... 
فقالت سابين ( اذن فوالدك كان ابن عم والدي ..........)
رد عليها عمار بهدوء
( نعم ..... لطالما حكى لي عما حققه عماد الراشد .. كانا تقريبا شريكان ... لكن عماد الراشد هو من أسس الشركة )
ثم تابع بقسوة
( كان يتقدم بسرعةٍ جبارة بالنسبة الى عمره ... وكادا أن يصلا الى كلِ ما تمنياه , الا أن شخصا ملقب بالامبراطور وضعهما تحت أنظاره وحاربهما بكل ما يملك .... كان يستعمل كل الطرق الغير نظيفة لمحاربتهما , لكن الأمر لم يكن منافسة في السوق لأنهما كان في البداية ولم يقتربا حتى من مستواه .. بل كان له علاقة بعداوة قديمة فقد حكى لي والدي أن عماد الراشد وقتها كان يريد أن يتزوج أخت هذا الملقب بالامبراطور .ظل يطاردهما الى أن رحل والدي عن البلاد يائسا تماما...إنه رأس مجموعة آل مهران .... بالتأكيد سمعتِ عنها طالما أنتِ متواجدة في سوق هذا العمل )
سعلت سما اثناء شربها العصير فمد عمار يده بمنديلا نظيفا لها وهو يقول برقة ( تفضلي .......) 
فهمست محرجة ( شكرا ......)
الا إن سابين لم يرمش لها جفن بل ظلت هادئة تماما ثم قالت برقة 
( بالطبع أعرفها .... وأعرف الإمبراطور ... لقد تزوج من أمي منذ أكثر من عشرين عام ...ايثار الراشد بالتاكيد سمعت عنها ... لقد تزوجها أبي بعد رحيل والدك على ما يبدو ......أما أنا فتزوجت من احمد مهران وهو ابن اخت الامبراطور و التى كانت سبب العداوة كلها ........)
بهتت ابتسامته تماما وهو ينظر اليها منتظرا أن تضحك وتخبره أنها مزحة .... الا أنها ظلت هادئة تماما فصدم من هذا الواقع الجديد فأكملت سابين 
( ويجب أن أخبرك أيضا أن حلا متزوجة من أدهم مهران وهو رأس مجموعة آل مهران الآن )
نظر عمار الى حلا المحرجة و قد بدأت الصدمة في الظهور بالفعل على وجهه ... لم ينتظر سابين لتكمل فسأل بتوجس وهو ينظر الى سما 
( من المؤكد ... أن سما الجميلة قد أفلتت من مخالب تلك العائلة ....أنتِ لستِ......)
الا أن سما قالت بارتباك و تلعثم ( متزوجة من فارس مهران .......)
ارتفع حاجباه بشدة ثم بدأ في الضحك طويلا ...ثم قال من بين ضحكاته 
( لكم ستطيب لي الإقامة هنا ............)






تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close