أخر الاخبار

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل التاسع عشر19 والعشرون20 بقلم تميمه نبيل


 رواية لعنتي جنون عشقك الفصل التاسع عشر19 والعشرون20 بقلم تميمه نبيل


صغيرتي سابين ......

حين تقرأين هذه الكلمات .... أكون أنا قد غادرت بعيدا عن هذا العالم و سيكون قد حدث هذا منذ سنواتٍ عديدة بالنسبةِ لكِ

أستطيع تخيلك الآن واقفة أمامى , شابة رائعة السحر و الجمال ..تسبي القلوب , تماما كما سبيت قلبي حين نظرت لعينيكِ الزرقاوين لأول مرة وأنا أحملكِ رضيعة بين ذراعي .......

قد لا أملك الحق في طلب السماح منكِ صغيرتي .....لكن لا أملك سوى ان أترجاكِ لتكملي الرسالة لنهايتها .......

لم يكن هناك ما يمكنني فعله سوى ذلك سابين .....فقد كانت النهاية ...وقررت ان أرتاح في لحظاتها ......

كنت مستعدا لأمضي عمري فقط من أجلك انتِ وإخوتك ...فلا سبب آخر قد يعطيني البهجةِ التى جلبتموها الى حياتي ......و قد عاهدت نفسي ان تظل روحي لكُن... طالما في صدرى نفسا يتردد .......لكن شاء القدر ان يكون هذا النفس قد أوشك على الرحيل بلا عودة ....

ستكون الصورةِ الأخيرة لي شديدة القسوة عليكِ صغيرتي ......قد لا تتذكرني حلا , لكن أنتِ ستتذكريني لذا أردت ان أحميك من رؤيتها ......فضلت ان تبقى في ذاكرتك صورة لي لا تتألمين حين تريها .......

حمدت الله حين علمت بمصيري لكن خوفا تسلل الى قلبي من ان تكون النهاية القاسية في فراشٍ بارد موحش .....اردت السكن الى الروح الوحيدة التى كانت ملاذى في كل عثرة .....

حلما بعيدا عمره ضعف عمرك ...... حلما لم انله الا و انا اودع هذا العالم , لاجد ساعدتى في ايامي الاخيرة مع من احببتها دوما وابدا ..... اميرة .......

مهما كانت نقمتك علي يا سابين لكن اياكِ و النقمة عليها هي ...... لم تفعل سوى انها قررت خوض النهاية الشاقة معي ..... لم تكن والدتك لتتحمل ابدا ......

اريدك ان تتاكدي انى كنت دائما مخلصا لوالدتك يا سابين ..... حتى قلبي حاولت دائما تطويعه لايجاد افضل مافيها لاحبه , وصدقيني اننى نجحت فى ذلك في كثيرٍ من الاحيان , لكن حين علمت بحالتي , كان يجب ان اعرف انها ستتغير , لم تكن ايثار من النوع الذى يتحمل المآسي ابدا ..... لذا فبعد صدمتها الاولى بدات في التباعد وزيادة الجفاء الذى كان بيننا دائما .......

وقد شعرت بالخوف ...... يؤلمني جدا هذا الاعتراف , الا اننى مدينا لكِ به ........ نعم شعرت بالخوف , وكنت احتاج الى شخصا بجانبي , ولم يكن هناك افضل من حلم عمري .......

لقد خيرت والدتك بين البقاء معي وبين التحرر مني , فكان ان اختارت حريتها ..... وقد عذرتها .... حقا عذرتها ........

صدقيني حبيبتى ان قلبي يرق لحالها الآن , فهى لازالت شابة رائعة الجمال عليها ان تختار البقاء مع زوجٍ مريض الى ان تترمل في نهاية المطاف , او ان تنال حريتها لكن وهى تتحمل مسؤلية ثلاث بنات صغيرات لتشق حياتها وحيدة بهن ........

لم استطع يوما تفهمها ..... وهذا ما كان يشعرني بالذنب تجاهها دائما .......حاولت وحاولت , ولكن الهوة بيننا كانت تزداد اتساعا ......

قد يكون حبي لاميرة متغلغلا بداخلي لم استطع محوه طوال سنوات زواجي بوالدتك , لكني لم اخدعها يوما و ستظل والدتك دائما لها مكانة انها والدتك انتى و اختيكِ ...... وهذه المكانة ما لن تحتلها اى امراة اخرى .........

هذه الرسالة ستكون مع اميرة ...... ستتكفل بايصالها اليكِ حين تكوني مستعدة او حين ياتى الوقت لتبحثي عني ........و قتها ستجديني بين سطور هذه الرسائل ........

سابين ....مهما كان غضبك منى .....او حتى لامبالاتك بكلماتي ......لكن حققي لي رغبة اخيرة و حافظي على شقيقتيكِ ........

اشعر بخوفٍ مؤلم من تركهما ........وعدتني اميرة بالبحث عنكن مهما تطول بها السنوات , الا اننى اشك في ان تسمح ايثار بهذا , ستبتعد وتبعدكن , و هذا ما اخشاه ....... اتساءل اى الطرق ستلقي ايثار بكن فيها .......

اشعر انكِ الاقوى يا سابين , بل اعلم هذا علم اليقين ......لذا اريد منكِ التمسك بهما ابدا .....ستكون سما قوية مثلك ,ستقويها الايام ....لكن لسببٍ مجهول اشعر بالخوف على حلا ..... هل يكون السبب هو قسوة امك الدائمة عليها , ام اننى اعلم كم هى هشة و ضعيفة ...... لا تضيعيها ابدا يا سابين ..... ابدا ........تذكري هذا كلما نظرتِ الى عينيها البريئتين فهي ستكون دائما بحاجة اليكِ .......

اعلم انكِ ستكوني امانها فى هذا العالم ولن تسمحي بان يصيبها اى مكروه سواءا هى او سما ..........آه يا سابين كم كنت اتمنى ان ارى سما اكبر قليلا , اعلم بداخلي ان سما ستكون يوما ما ذات شانٍ عالٍ , و ستحقق الافضل في حياتها ....لكن قبل ان يحدث هذا ساتركها رضيعة و لن تعلم عني شيئا ابدا ......ترى هل حكيت لها قصصنا التى كنا نرتجلها معا انا وانتِ ؟......

هل ستحكين لها عن تركي لكم ؟........ ام ستتجاهلونى تماما وكانى لم اكن ؟..........لكن مهما كنت في حياتكن , فانا لا اتمنى لكن الا حياة رائعة لكل منكن ....... وان تجد كل واحدة حبها دون ان تبحث عنه طويلا .......

ارجو الا تظلي متالمة مني حتى لحظة قراءتك لهذه الرسالة يا سابين .......يوما ما ستعيشين حبا قويا لدرجة ان يغير كل اتجاهاتك , وقتها فقط قد تسامحيننى و تشفقين على حبٍ ضاع منى ولم اجده وانا على شفا النهاية ........

فلابقى ذكرى طيبة لكِ يا سابين ........

والدك : عماد الراشد

طوت الرسالة ببطءٍ و ارجعت راسها لتستند الى ظهر الفراش مغمضة عينيها تحاول امساك دمعتين هاربتين تريدان التسلل عبر اهدابها الطويلة المغلقة ........

لن ابكي ......لن ابكي .......

ظلت كلماته تطوف براسها تكاد تهلكها من شدة عذاب من كتبها ..... من الواضح ان النهاية كانت مؤلمة له ......و كان يشعر بالخوف من الموت وحيدا .......

عند هذه النقطة لم تستطع مسك نفسها اكثر فرمشت لتسقط الدمعتان الحبيستان ..........

ذلك الرجل الضخم القوى .... الذى كان بطلها يوما ما ...... كان يشعر بالخوف من الموت وحيدا .....

و في لحظةٍ واحدة عادت اليها كل ذكرياتها معه ..... و التى كانت قد تعمدت نسيانها على مر السنين حتى نجحت تماما و اصبح عماد الراشد عبارة عن مجرد اسما يلي اسمها على الاوراق ......

اما الان فهى تتذكر كل تفاصيله , ابتساماته , الصلابة النافذة من عينيه الحنونتين .........القصص ..... نعم كيف نسيتها ...... كانا يجلسان معا على الفراش كل ليلة دون كتاب قصص ......بل كانا يتشاركان في تاليف قصةٍ معا كل ليلة ........قصص عن الساحرات و الاشباح المضحكة ........هل لهذا السبب ظلت تبتاع كل ما عليه صورا للساحرات طوال تلك السنوات .......

ابتسمت ابتسامة حزينة من بين دموعها ..........الان فقط ادركت انها كانت تشتاق اليه للغاية , الان فقط ادركت ان الحياة كانت ستختلف بوجوده ........

لقد أوصاها بحلا كثيرا ... هل كان يشعر حقا ان مكروها سوف يصيبها .... آآآه لقد فات اوان حمايتها منذ زمن .......

رفعت يدها لتغطي عينيها و قد شهقت شهقة بكاءٍ لم تستطع منعها ........آهٍ لو يعلم ماذا اصاب حلا ..... وهى لم تستطع فعل اي شيء ,

الامر الجيد الوحيد انه رحل عن الدنيا دون اى يرى ما حدث لها و كيف باعوها ثم ساقوها الى الجحيم .........

وها قد باعت نفسها مرة أخرى لأدهم مهران .......دون أيضا أن تتمكن هى من فعل أى شىء للمرةِ الثانية..... أرادت وحاولت منعها الا أن الغبية استسلمت بمنتهى الضعف و المهانة , وهى متأكدة أن ادهم لا يريدها الا عقابا لها على تركها له من قبل ..حتى وإن كانت لا تعلم بعد برغبته فيها ... الا إن هذا حال بنات الراشد أن يبقين مرهوناتٍ لرجال مهران ...........

إنها لا تعلم تفاصيل كثيرة عن زواجها بذلك الحقير طلال مهران .......لكنها كانت تعلم أى نوعٍ من البشر كان , كانت تفهم اختلاله الواضح من نظراته , و بعد زواجهما بدا هذا الاختلال و كانه انتقل الى عيني حلا نفسها ..... مرة بعد مرة , سفرة بعد اخرى ....كانت حلا تعود بشكلٍ غريب يؤكد لها كل ما كانت تشعر به ........ وها هى حلا ضاعت للأبد .......

و سما ..... ستكون ذات شأنٍ يوما ما ؟؟...... يا الهى إنه لا يعرف ما آل إليه حالها , فبعد أن تركت دراستها لم تصبح أكثر من مجرد جارية لشخصٍ يتفنن في إيلامها ........

لكم حاربت و صرخت .....لكنها اكتشفت أنها كما لو كانت تحارب أمواج البحر , وأن القدر لا مهرب منه ......

هل كان يعلم أن ايثار التى خاف عليها من أن تضيع ببناتها في هذه الدنيا الواسعة .....ستتزوج في النهاية من الامبراطور.. الأخ الأكبر لأميرته و الذى كان السبب في تفريقهما قديما ......و كأنها كانت تتعمد أن تعذب روحه من حولها .......

يبدو أنه لم يكن يفهمها جيدا ..... فايثار ليست ممن يخاف عليهم المرء بل يخاف منها ........

لم تستطع كبت شهقاتها المخنوقة ..... لقد حملها فى رسالته الأنانية مسؤلية حلا و سما........ولقد ضاعت الاثنتان منها , قد تكون هى الناجية الوحيدة من براثن ايثار الراشد ........صحيح أن غبائها أوقعها بين فكي احمد مهران , الا أن ايثار لم تكن المستفيدة هذه المرة ....

لقد باعتهما بأبخس الأثمان , ظنا منها بأن الإمبراطور سيترك لها النصيب الأكبر بعد مماته , لكن إمبراطور مهران لم يكن بهذه السذاجة فاعتبر أن ما نالته في حياته هو أكثر من كافٍ بالنسبةِ لها.... فترك كل شيءٍ لآل مهران فقط ...... , بعد أن تلاعب بمصير حلا وسما بمنتهى الوحشية و كأنه امتلكهما مع ايثار .......

و ها هي تخسر كل شيء بعد أن خسرتهما معا ...........

قاطع أفكارها فجأة صوت سيارة آتٍ من النافذة ......هل جاء مرة أخرى .....

مسحت وجهها بكفيها بسرعةٍ ثم قفزت من الفراش لتنظر من النافذة ..... الا أنها صدمت حين رأت سيارة غريبة تقف أمام الباب , و السائق ينزل بسرعة ليفتح الباب الخلفي للسيارة ..........

نظرت الى الساقين الأنيقتين اللتين هبطتا على الأرض ثم خروجها من السيارة ..........صعقت ..... صعقت تماما حين رأتها هنا , اذن فقد كانت تعلم بما ينتويه احمد , كانا متفقين على هذا المخطط الإجرامي .........

رفعت أميرة رأسها دون أي مقدمات لتنظر الى النافذة حيث تقف سابين و الشرر الأسود ينطلق من عينيها . .... فأزاحت نظارتها الداكنة من فوق عينيها و ابتسمت و قد بان الإرتياح على محياها بشكلٍ واضح ........

لم تنتظرها سابين لتصعد اليها بل اندفعت يسيرها غضبها الأهوج لتنزل هى اليها ........و كانت في نهاية السلم و شعرها الغجري يتطاير خلفها , حين فتح الباب بهدوء و دخلت تلك السيدة الأنيقة الشقراء و التى لم يأخذ الزمن الكثير من جمالها .......

( كنتِ تعلمين ....... كنتِ في زفافي تعلمين كيف ستنتهي تلك الليلة )

ظلت اميرة تنظر اليها بهدوءٍ تتخلله الراحة التامة دون ان تنفعل بصراخ سابين الشرس ......ثم قالت اخيرا بصوتٍ ناعم عذب و كأنها لم تسمعها

( كيف لم أفكر انكِ هنا الآن ؟.........كدت أن أجن وأنا لا أعلم أين أنتِ بينما يذهب احمد الى عمله كل يوم و يأتى الينا أنا و تالا مساءا )

تفاجأت سابين تماما مما سمعته ...... هل تصدقها , لكن لماذا ستكذب , الأولى بها أن تتشفى بما هي فيه لا أن تتظاهر بالإرتياح .......

شعرت سابين أنها في دوامة عميقة , وأنها لم تعد تفهم شيئا من هذا الجنون الذى سيطر على حياتها مؤخرا .......

كانت أميرة تتأمل حيرة سابين وهى سارحة في ملامحها و كأنها لا تريد ان تشبع منها , ثم لم تلبث أن اقتربت منها و مدت أصابعها لتتلمس وجنتها ثم خصلاتها الطويلة ..... همست أخيرا

( كل ما فيكِ يشبه والدتك .........لكنى مع ذلك لا أراها , لا أرى سوى والدك ينظر إلي الآن )

للمرة الثانية تشعر أنها استسلمت لسحر تلك المرأة فان كانت هي تمتلك السحر الأسود كما يقال عنها , فهذه المرأة تمتلك بالتأكيد السحر الأبيض ..... لا عجب أن وقع عماد الراشد في بحورِ غرامها الى نهاية أيام حياته ....... إنها العكس من ايثار تماما ........

ظلتا تنظران الى بعضهما البعض طويلا كمحاولة لقراءة كلا منهما للأخرى ........الى أن قالت سابين أخيرا بصوتٍ خافت

( هل كنتِ تعلمين بنيته في الانتقام مني ؟..........)

ردت أميرة بعد لحظة بهدوءٍ حزين

( بل أنا أعلم أنه لا يريد الإنتقام منكِ ........احمد لا يعرف معنى الانتقام )

ابتسمت سابين ابتسامة ساخرة شريرة ثم قالت بصوتٍ كالفحيح

( اذن ما الذى افعله هنا برأيك ؟.............)

همست أميرة بما يشبه ابتسامة ( هذا ما يجب أن تكتشفيه بنفسك )

تابعت سابين تقول بقسوة ( يظن بهذه الطريقة أنه أنقذ زواج دارين ؟..........)

همست أميرة بعد عدة لحظات ( لقد أجبر احمد مازن على أن يطلق دارين ........ قبل أن تتزوجا )

صدمت سابين .... أجبره على ان يتركها ..... اذن لماذا تزوجها ان لم يكن بسبب الماضي او بسبب دارين ........هل ه مجرد انتقام على ما لم يستطع تجاوزه ......

قالت سابين بحيرة ( تقولين هذا ولا يبدو عليكِ الحزن ........)

قالت أميرة بهدوءٍ صلب ؛( لم أحبه يوما ...... كان قلبي يخبرني دائما أنه خائن بطبعه )

همست سابين وهى ليست واثقة من أي شىء 

( لماذا تزوجني ؟........ كنت أظن أنه يريد حماية زواج دارين , ثم ظننت أنه يريد الإنتقام من ابنة عماد الراشد , ......)

سكتت وقد شعرت أنها بدأت تهذي ....... فقلد تداخلت الحقائق لديها و لم تعد تعلم شيئا أبدا .........

قالت أميرة وهي تراقب حيرتها .

( أنا نفسي لم أصدق انه سيتزوج يوما بعد ليال ............لكن حين رأيتك ........)

نظرت سابين اليها وهى لا تعلم قصدها فقالت بصلابة

(بالطبع ........ليال ذات المنزلة التى لن تصل اليها أية امرأة أبدا )

أجابتها أميرة بصوتٍ يحمل الكثير ( لكنك وصلتِ بالفعل الى نفس منزلتها ........لقد سلمك اسمه و اسم طفلته وهذا ما لم أكن أنا أظنه أبدا , فهل تعتقدين أنه يصل في أنتقامه الى هذه المرحلة )

ثبتت سابين نظرها على عينيها و قالت ( اذن ماذا يريد مني .........)

ردت أميرة ببساطة ( وما الذى تريدينه أنتِ منه ........ ولماذا تزوجته أصلا ؟.....لا أصدق أنكِ أردت الزواج به لمجرد أنه فرصة ذهبية لأي امرأة او لأنه أفضل من مازن مهران....حتى أننى لا أصدق أنكِ أفسدتِ زواج دارين , لقد كان محكوما عليه بالفشل من البداية , وأنا أعرف أنكِ ابتعدتِ عن الصورة تماما حين علمتِ بسفرهما و محاولتهما للصلح.......هذا الكلام الذى تحيطين به نفسك لتبني قوقعة صلبة تخيفين بها من حولك لن يخدعني ....... لماذا تحيطين نفسك بكل هذه القساوة المزيفة ...... مما تحاولين حماية نفسك )

استدارت سابين بعنفوانٍ دافعة بشعرها الى خلف ظهرها بحركة غرور ثم قالت بقسوة

( لا أحب دور التحليل النفسي هذا .......فلا تأتي الى هنا مدعية أنكِ تعرفينني حق المعرفة , فإن كان هناك ما تعرفينه فهو أننى ابنة ايثار الراشد ..... زوجة عماد الراشد و أم بناته )

ظللت سحابة ألم عينيها الرماديتين الناعمتين و هى تشرد بهما بعيدا ....فتسلل شعورٌ حارق الى قلب سابين , لماذا جرحتها ......لكن ماذا كان عليها أن تفعل و قد أفسدت قصة حبهما حياتها و حياة شقيقتيها ......هل من المفترض أن تشكرها لإعتنائها به اثناء مرضه .......

نظرت أميرة اليها اخيرا ......ثم همست ( بل أنتِ ابنة عماد الراشد يا سابين ..... فإياكِ ونسيان ذلك أبدا )

استطاعت سابين بالكاد ان تبتسم ابتامة ساخرة مريرة ثم قالت بقسوة

( إن كنت لا أتذكره هو شخصيا .........فلماذا أتذكر أننى ابنته , ثم لا أعتقد أنه كان ليهتم , ففي النهاية اختارك أنتِ ليموت بجوارك )

أغمضت أميرة عينيها من شدة ألم الذكريات القاسية التى طافت بقلبها من تلك الأيام القاسية التى ظلا فيما يمسكان بأيدي بعضهما منتظرين انقضاء المصير المحتم .......و دموعهما تختلط معا ........

( هل تزوجتما في النهاية ؟...........)

جعلها سؤال سابين البارد تفتح عينيها الدامعتين فلم تستطع سوى أن تومىء برأسها وهى تشعر بغصةٍ تكاد تقضي عليها .......ثم قالت أخيرا بصوتٍ متحشرج

( ومكثنا هنا في هذا المنزل الى النهاية ........فقد كان يريد الإبتعاد عن كل الناس )

شعرت سابين أنها على وشكِ الإستسلام لدموعها مرة أخرى , لكنها بذلت جهدا خرافيا لتتماسك أمامها ثم قالت أخيرا بصلابة

( لقد وصلتني رسالته .........لماذا لم ترسليها الي من قبل )

أخذت نفسا مرتجفا ثم قالت وهى أيضا تحاول التماسك (لقد طلب مني أن أوصلها اليكِ حين تكوني مستعدة ......وكنت أعلم من بعيد عن حياتك الصاخبة فلم أظن انكِ كنتِ لتهتمي بها ........ لكن ها أنتِ وصلتِ إليها وحدك )

تابعت بحزن و تصميم ( كدت ان ان من القلق عليكِ وانا اسال احمد عن مكانك كل يوم فلا يجيبني ابدا .... حتى لمع هذا المنزل بداخلي في لحظة واحدة , لم اصدق ان يصل احمد في شراسته الى هذا الحد ..... انه ليس احمد الذى اعرفه ابدا ,......... لذا فالقرار لكِ الآن , ان كنتِ تريدين ان تكون هذه هي النهاية ,فاصعدي لتجهزي نفسك لتغادري معي في الحال ........أما اذا كنتِ لا تريدين تلك النهاية , فعليكِ ان تبقي لتشكليها بنفسك )

ظلت سابين تنظر اليها طويلا وكأنها تحولت الى تمثالٍ رخامي ...... حتى تابعت أميرة بحزم

( ما هو قرارك يا سابين ؟....... هل تريدين هذه النهاية بينك وبين احمد ؟ لانه ان غادرتِ معي الآن فسينتهي كل شيءٍ بينكما .........اتخذي قرارك وانا ساكون بجوارك ايا كان ..............هل هذه هي النهاية ؟...)

ظلت صامتة لعدة لحظات ..... ثم قالت اخيرا بصوتٍ اجوف

( سأصعد لأجهز نفسي .............)

.................................................. .................................................. .............................................

لا يصدق انها هنا حقا بين ذراعيه ...... كانت كل الايام السابقة تستيقظ بين ذراعيه, فلماذا لا يصدق اليوم تحديدا ؟.......

حلاه التى لطالما حلم بها ..... حلمه الذى كان يظن طوال السنين انه يملكه بين يديه و انه يتنظر قفط انقضاء الوقت لتحقيقه ....... لتاتى ضربة قاتلة لتنسف حلم السنين .........

انه يشعر الان كما لو انه كان يجري طويلا .... ثم جاءت اللحظة التى انتهى فيها جريه , ليحصل عليها اخيرا ......لم يشعر انه حصل عليها الا الان ...... فقد كان يعذبه شعور خفي بالذنب لطريقته في الزواج منها و التى بدت في نظره كالابتزاز ......

لقد استغل اشد فترات حياتها انهيارا وضياعا .......ليظهر فجأة عارضا عليها الابتعاد بها عن كل من حولها .......فسقطت بين يديه كحمامةٍ جريحة .........

اخذ يتلمس خصلات شعرها و يبعدها بنعوكة عن وجهها ثم اقترب براسه منها وهو يهمس في اذنها

( حلا ....... حلا استيقظي حبيبتي , لقد اشتقت اليكِ )

رمشت قليلا وهى تتحرك برقةٍ بين ذراعيه وما أن فتحت عينيها و طالعتها العينان الحبيبتان حتى ابتسمت و مدت يدها الى وجهه تتلمسه وكأنها تريد ان تتأكد أنه موجود بجوارها بالفعل .... ثم تنهدت هامسة

(صباح الخير حبيبي ....... حبيبي ......حبيبي )

رافقت كلماتها قبلة شغوفة بين كلا منها حتى شعرت ان قلبها يكاد أن ينفجر من سرعة ضرباته

استطاعت ان تهمس وسط عاصفة عشقه الهوجاء

( أحبك يا ادهم ...... أحبك لدرجة أنى بدات بالفعل أنسى كل ما كان في حياتي من دونك )

همس بصوتٍ خشن ( ان ظللتِ ترددي مثل هذه الكلمات فلا أضمن ان تخرجي من هنا سليمة )

نظرت حولها و هي تعي بعد لحظات أنهما ناما هنا في حجرة مكتبه بعد ان أغلقها بالمفتاح ..... فهمست و وجنتيها تشتعلان

( يا الهي لا اصدق أننا نمنا هنا ....... ماذا سيقول عنا من في القصر , لقد أفسدت أخلاقي تماما يا ادهم , لم اكن هكذا أبدا , هل تذكر كيف كنت من قبل ؟..........)

ضحك و هو يشعر بقلبه يزداد حبا لها خفقة بعد خفقة ثم قال بصوتٍ أجش

(أنا أذكر كل تفاصيلك و اعشقها ..... أنتِ كما كنتِ يا حلا لم تتغيري أبدا )

مرت سحابة ألم على عينيها ...... لكني تغيرت ...... أنت حاولت الحفاظ علي طويلا و جاء هو ليلوث روحي بكل ما استطاعه

ظلت صامته دون أن تخرج هذه الكلمات الى شفتيها .........لكنها عادت لتلمس وجهه من جديد وهى تهمس

( أنت هنا فعلا ....... و أنا أصبحتُ زوجتك يا ادهم , لن يؤذيني شيئا بعد الآن اليس كذلك )

شدد من ضمه إليها حتى كاد أن يحطم أضلعها و هو يؤكد بصوته الصلب

( لن يؤذيكِ أحدا أبدا ما دمت أتنفس يا حلا ........ أبدا حبيبتي )

ارتجفت ابتسامتها وهى تهمس بحزن ( لماذا تأخرت يا ادهم ........)

لم يدعي عدم الفهم كما لم يملك الا أن يقول بغضبٍ لم يستطع مداراته ( ولماذا وافقتِ ؟...........لماذا وافقتِ يا حلا ؟)

أغمضت عينيها بألم و لم تستطع الرد فما كان منه الا أن دفن وجهه في عنقها وهو يهمس باختناق

( أنا آسف ...... لم أكن أريد أن أصل الى هذا الموضوع مرة أخرى , وليس الآن تحديدا ,....... حلا ....حلا لا تبكي حبيبتي )

شعر بقلبه يتفتت حين أحس برطوبة دموعها المتساقطة على خده فقال بصوتٍ اجش

( حلا لا أريد أن أكون السبب في حزنك مرة اخرى ........لا أعلم ما الذى دفعني لقول ذلك )

فتحت حلا عينيها المبللتين ثم همست بضعف و هي تنشج

( لقد أخبرتني أمي أن والدك هددها بطردنا من القصر اذا لم أوافق , وقتها شعرت بالرعب و العجز ........و قلت أننى لن أعطي ردي قبل أن أعرف رأيك و كنت متأكدة أنك سترفض و ستقف في صفي ......الا أن أمى أخبرتني أنك كنت تعلم قبل أن تسافر و لو كان الأمر يهمك لما سافرت دون ان تعطيني رأيك ..........وقتها شعرت باننى وحيدة وغاضبة ....... كنت غاضبة منك للغاية ..... لأنك كنت تتدخل في كل تفاصيل حياتي ..... خروجي , أصدقائي , ملابسي , كل شيء كنت تتحكم به عن بعد .........لكن حين احتجتك بجانبي للمرة الأولى ...... سافرت و تركتني أواجههم وحدي ....... لم تبالي حتى بمعرفة قراري )

لم تستطع الإكمال فقد أخفت وجهها في كتفه وهى تبكي على كل ما فاتها ........الى ان سمعته يهتف بكلماتٍ نابية أجفلتها , فهى تعرف من المقصود بها .......ازداد ارتعاشها حتى باتت غير قادرة على التماسك , فسكت ادهم و هو يضمها اليه بينما تشعر بتصلب عضلاته من شدة الغضب .... تجرأت بعد لحظة من النظر اليه فهالها وجهه الذى اصبح في مثل لون الدم وعيناه المرعبتان .......الا انها لم تخف منه , لم تعد لتخف منه ابدا ...... انه ادهم حبيبها ......

رفعت ذراعيها لتحاوط بهما عنقه و هى تتخلل شعره باصابعها و تنظر الى عمق عينيه المتوحشتين هامسة تحاول تهدئته

( لا تغضب يا ادهم أرجوك ...... الا يكفي أننا أصبحنا معا أخيرا ؟)

همس بغضبٍ يحاول السيطرة عليه دون جدوى

( لا ..... لا يكفي يا حلا ليس قبل أن تعرفي حقيقة الأمر )

قالت بهدوءٍ حزين ( حبيبي ..... لم تكن مدينا لي بشيءٍ وقتها , كما أنى عرفت بعدها أن مسالة طرد والدك لنا من القصر كانت مجرد كذبة )

اخفض جبهته حتى لامست جبهتها ثم وضع اصبعه على شفتيها وهو يقول باختناق

؛( ششششش ...... اصمتى و اسمعيني جيدا ......اتفقنا ؟)

أومات برأسها من تحت إصبعه ........فترك شفتيها و نظر الى عينيها النديتين الحزينتين ثم همس

( لم أكن أعلم أي شىء عن موضوع زواجك البائس هذا , لقد تعمدوا اخفاؤه عني تماما لأنهم يعلمون جيدا ما سوف تكون ردة فعلي .....لقد انتظروا حتى سافرت و أتموا كل شيء قبل ان أعود ...... هل تظنين أنه لو علمت مجرد تفكيره بكِ كنت لأتركه لحظة واحدة ؟)

انسابت الدموع على وجنتيها ...... عقلها يطلب منها الصمت و النسيان , أما قلبها مازال مجروحا منه دون سبب ........

همست بخفوت ( لماذا أخفى والدك الأمر عنك ؟....... أفهم تصرف أمي جيدا , لكني لا أفهم سبب ما فعله بي والدك بعد أن رباني في بيته )

عقد ادهم حاجبيه وظللت القسوة عينيه ثم قال بغضب

( أولا لم يربيكِ غيري في هذا القصر و لا حتى ايثار ......كنت أتابعك دائما و أوجهك أحيانا , وكانت عيني عليكِ دائما .......فلا تنسبي هذا الفضل لغيري أبدا ....مفهوم ؟؟)

ابتسمت من بين دموعها وهى تومىء لوجهه الحبيب القريب من قلبها ........فقال بعدها بغضبٍ حاول السيطرة عليه

( لا أريد أن اتكلم عما فعله والدي في حقك و في حقي ..... لقد آذاني وفضل ط.....وفضله عني , كان مهما لأعماله و كان يكافؤه دائما )

همست حلا وهى تكاد تختنق ( وكنت أنا آخر مكافأة له ....... اليس كذلك ؟)

ضمها ادهم اليه يهدهدها وقلبه يتمزق من أجلها بينما هي تبكي ما أضاعوه من برائتها ومن حبها للحياة

همست في أذنه و هى تتعذب ( لقد آذاني كثيرا يا ادهم ...........)

تقلصت عضلاته و شعرت بجسده يغلي غضبا فهمست ( أرجوك الا تنفعل .....أنا أحتاج اليك بشدة , لكن لا أريد ان أغضبك )

ابتعد عنها قليلا لينظر الى عينيها ....ثم قال بصوتٍ حاول أن يودعه ثقة الدنيا كلها ..فقط ليجعلها تطمئن له

( ألن تحكي لي ............)

الفص التاسع عشر (2) 

ابتلعت ريقها بصعوبة و هي لا تعلم امن الحكمة ان تحكي له أم تدع الماضي ......استطاعت الهمس بصعوبة

( لقد بدوت غير مستعدا للسماع ....... أخشى أن ......)

لم تستطع المتابعة اكثر فمد اصابعه ليبعد خصلة من شعرها الى خلف أذنها ثم انحنى ليقبل شفتيها بكل نعومة ثم همس حتى لا تتردد

( لم أكن أريد أن أخيفك بردة فعلي ......لكن الآن أشعر أنك أصبحت قادرة على مواجهتى بكل ما آلمك , أليس كذلك )

أومات برأسها بينما بدت غير واثقة بشكلٍ يفطر القلب ....فحاول أن يهمس في أذنها

( لم تكونى ملكه أبدا يا حلا ....أخبريني )

أومأت مرة أخرى دون أن تستطيع النظر إليه ثم همست بتقطع

( أخبرتني أمى .... أخبرتني حين رفضت الزواج منه ...أنه لا يريد زوجة فعلية ,بل يريد فقط مجرد واجهة اجتماعية ,لذا فلن أتحمل منه الكثير .........لكن من أول ليلة .... لم يكن هذا ما حدث ......من أول ليلة و أنا وجدت نفسي و قد اُلقيتُ في بحرٍ من جحيم ......لم يكف عن المحاولة أبدا ...كل ليلة .....الى أن تنتهي كلها بنفس الشكل .......لا أكاد أرى ما حولي من شدة الضرب وصوت صراخه يصم آذاني بأننى أنا السبب ......لم أعلم كيف كنت أنا السبب ...لم أفهم ما الذى أخطأت به .........)

شعر أن نحيبها الصامت يكاد يخرق اذنيه و يفتت قلبه فزاد من ضمها حتى خشي أن تتفتت بين ذراعيه .......بداخله بركانا هائج و هو يحاول منعه من الظهور حتى لا يرعبها , فأي عذابٍ هذا الذي يعانيه ......

أن يستمع الى تفاصيلٍ ُتخبره عن محاولاتِ ذلك الحقير لتدنيسِ طفلته الحبيبة التى حاول الحفاظ عليها طوال عمرها من كل العالم المحيط بها ....

أن يسمع دور تلك الأفعى السامة في خداعها بكل حقارة كما لو لم تكن ابنتها يوما أبدا ......لتلقي بها الى مصيرٍ أسوأ من الموت ........

أن يسمعها وهى تخبره بكل براءة بأنها كانت السبب .......يشعر الآن كما لو كان قادرا على تحطيم كل ما تقع يده عليه .... ها هو الجانب البدائى يوشك على الظهور بأسوأ صوره وهو يحاول كبته بكل ما يستطيع من قوة .......

انتظر قليلا حتى تستطيع إلتقاط أنفاسها المبعثرة و هو غير واثق إن كان يجب عليه أن يمسك وجهها ليخبرها بكل عنف أنها لم تكن السبب لأى شىءٍ أبدا ......بل هو عذرا ألقاه ذلك المختل ليزيد من عذابها , أم من الأفضل أن يترك ذلك لسمر كما يملي عليه المنطق .....

كان يتمنى أن يكون هو من يستطيع أن يوقظها من ذلك الكابوس البشع بكل تفاصيله , الا إنه لا يعرف السبيل الصحيح لذلك , يشعر أحيانا أنه كاد أن يفقدها أو أن يزيد الوضع سوءا حين حاول التصرف و حمايتها , فلقد انهارت بسببه عدة مرات منذ أن تزوجها ......شعر بغصةٍ مؤلمةٍ في حلقه من شعوره بأنه قد يكون سبب لها الأذى يوما .... بدعوى حمايتها ........

ظل يتلاعب بخصلات شعرها بذهنٍ غائب بينما عضلاته القاسية اخبرتها عن شدة ما يعانيه..........لكنها كانت تريد ان تخبره .... تريد ان تلقي براسها على كتفه و ترمي اليه بكل احزانها .....لم تستطع منع نفسها من الهمس

( كنت أدعو الله كل ليلة ان يحصل على غايته ...... لعله في النهاية يتمكن من تركي , حاولت تلبية كل .......)

(هششششش...........كفى)

قاطعها و هو يغلق فمها بإصبعه ......قد يكون أنانيا في إسكاتها , الا أن رجولته لم تتحمل , كان هذا فوق احتماله , رفعت عينيها المتسعتين الدامعتين لتنظر الى عينيه اللتين ظللتهما القسوة ......فانتابها الرعب مما قالته ..... هل هى غبية .......هل تريده أن يخرجها من حياته ...........و ماذا عن الباقي مما أوشكت قوله .........يا الهي هل يشعر الآن بالنفور منها .......

حاولت الكلام عبثا ..... الا إنها لم تستطع من شدة خوفها , فما كان منه حين لاح له خوفها من غضبه الا أن وضع خده فوق خدها وهمس في تجويف عنقها ........

( حلا ....... قد لا أكون أحيانا بنفس القوة التى ترينني بها , فأنا أضعف مثل باقي البشر , وأنتِ نقطة ضعفي الوحيدة ..........لكن مهما ضعفت فلا تخافي أبدا ..........لن اؤذيك أبدا , مفهوم )

همست حلا و قلبها يضرب كالطبل ( لست خائفة من أن تؤذيني ......... أنا خائفة من أن تبعدك حياتي السابقة عني )

نظر الى عينيها بعينيه المتألمتين و حين تكلم نفذت قسوة كلماته الى قلبها

( لن يبعدني عنكِ الا الموت ....... هذه هى الحالة الوحيدة التى لا أستطيع أن أضمنها , لا يخيفني شيئا فى هذه الدنيا الا أن أتركك فيها وحيدة , سأعمل يوما بعد يوم على أن تصبحي أقوى فأقوى .....لأن لو حدث لي ......)

( اصمت ..... أرجوك اصمت ,ادهم أنا لن أستطيع أن أعيش بدونك , عدني الا تتركني أرجوك ..... عدني )

ابتسم برقةٍ حزينة على تلك الأعوام التى ضاعت منه و هى بعيدة عنه ثم قال بهدوء

( لا أستطيع حبيبتي ....... لن يكون هذا بيدي , لا تبكي حلاي ........ لا تبكي حبيبتي )

اقترب منها ليقبل شفتيها التى لامستها دموعها .......و انزل ذراعيه اسفل ظهرها ليضمها الى قلبه ..... متى كبرت صغيرته و اصبحت بمثل هذه الروعة ....لم يأخذ الحزن والأم شيئا من برائتها و جمالها ......و يكاد يجزم أنها ستظل بنفس الروعة مهما مرت عليها السنوات .......

غيبها في موجة عشقه ......فتاها معا في أحضان بعضهما علهما يستطيعا نسيان قسوة ما كان يوما ........بينما ستشهد تلك الغرفة يوما ما لهما بعد سنين عديدة ...... بأن فيها أعلنا عن حبهما ........ وفيها أعلن حبهما عن اشراقة طفلتهما ..........
.............................................

يا الهى إنها سعيدة ... سعيدة للغاية , من كان يظن أن تكون يوما بمثل هذه السعادة ....... اخذت تدور وتدور وهى تستمتع بهذا الصباح الذى فاض بحبه لها وحبها له .........كم هو حبيب وقريب لقلبها , وكيف لم تشعر بحبه من قبل ...... هل كانت عمياء ........

نظرت من النافذة تستمتع بهذا الصباح المشرق ...... ليته لم يذهب الى العمل , الا يستحق الامر ان يظل معها طوال اليوم ....... 

ابتسمت وهى تشعر بأنها أصبحت من تلك الزوجات المتطلبات اللاتي لا يطقن أعمال أزواجهن ........نعم فاليوم تستطيع فعلا أن تقول بكل فخر ..... أنها زوجة ادهم مهران ........

لفت نظرها شخصا ما بالأسفل يشير إليها ......إنه هلال ....... ما العمل الآن , إنها لا تريد أن تكون جاحدة معه ,لكنها أيضا لا تريد أن تغضب ادهم منها .......

مرت عدة أيام لم تنزل الى الحديقة بالرغم من اشتياقها لورودها و افتقادها لهلال الا أنها لا تريد لأي شيءٍ أن يخرب فرحتها الجديدة ......

هزت برأسها علامة النفي إجابة على سؤاله لها بالنزول .....فأخفض يده وهو ينظر إليها نظرة ألمت قلبها للغاية ....... لم تكن يوما جاحدة و ناكرة للجميل ......فلقد كان هلال بجانبها حين احتاجت لصحبته ...... وها هي تتنكر له , لكن ما العمل فادهم إن علم أن هلال تجاوز حدوده قد يتسبب في انقطاع عمله ............

قست قلبها أخيرا فلوحت له ببطءٍ وخجل ثم أغلقت الستائر .........أغمضت عينيها وهى تشعر بالذنب للغاية , لكن هذا أفضل لها وله .....

مرت عدة دقائق حتى سمعت رنين هاتفها , فابتسمت و جرت إليه ....ها هو ادهم لم يتحمل شوقه اليها و يريد الإطمئنان عليها .......لكن ما أن نظرت الى شاشة الهاتف حتى طالعها رقم غريب ...... توجست كثيرا فهذه أول مرة يطلبها أى رقم غير ادهم أو سمر 

تركته حتى توقف الرنين , فهو على الأغلب اتصالا خاطئا .........الا إن لحظة أخرى وعاد الهاتف للرنين بنفس الرقم , انتابها قلقا لا تعرف سببه و فكرت في تجاهل الرقم ....... الا انها شعرت بالسخافة ,فلا داعي لكل هذا الخوف من لا شيء .......

رفعت الهاتف الى أذنها و ردت بصوتٍ خفيض ..... فوصلها آخر صوت توقعت سماعه على هاتفها يهتف حانقا 

( لماذا لا تردين على هاتفك ........حلا ...... حلا ردي علي )

تشنجت أصابعها على الهاتف و قالت بغباء رغم معرفتها لهذا الصوت جيدا ( من ؟........)

جاءها الصوت أكثر حنقا ( هل نسيتِ صوتي ؟........ نسيتِ صوت أمك ؟)

ابتلعت ريقها هذه أول مرة تكلمها منذ ان تزوجت ادهم ....... و هى لا تتفائل كثيرا حين تظهر أمها بعد انقطاع .....قالت بتردد 

( لا .... لا بالطبع .... مرحبا أمي ..... كيف حصلتِ على رقم هاتفي ؟......)

جاءها صوت ايثار ممتعضا بوضوح ( يا له من ترحيب ؟.......المهم .... أريد أن أراكِ حالا )

اتسعت عينا حلا ارتياعا ..... ادهم لن يقبل أن تأتي ايثار الى هنا أبدا .......فقالت وهى شبه تهتف 

( لن أستطيع ....... مستحيل ...أياكِ ان تأتي الى هنا يا أمي ....... ادهم سيغضب تماما )

وصلها صوتا كالفحيح ( يوما ما ...كنت أنا سيدة هذا القصر الذى تتحدثين عنه ......على العموم لا تقلقي لن آتي سأنتظرك في شقة سابين ......)

صرخت حلا ( أمي ..... أمي ....مستحيل أدهم لا يسمح لي بالخروج , أرجوكِ أخبريني ما الأمر )

وصلها صوت ايثار الذي بدأ يفقد صبره ( اسمعيني جيدا أيتها الغبية ...... يجب أن تأتي حالا هناك أمرا قد يدمر زواجك بل وقد يدمر سمعتك كلها .......)

باتت أنفاسها تخرج من شفتيها كالشهقات .... يا الهي ... إنه شيئا من الماضي , نعم ... نعم ... كان يجب أن تعلم أن الماضي لن يذهب بهذه السهولة 

همست بضعفٍ وصوتٍ لا يكاد يسمع ( سآتي اليكِ ........)

تركت هاتفها ثم شعرت أن ساقيها أصبحتا غير قادرتين على حملها فسقطت جالسة على حافة الفراش تنظر أمامها بعينين متسعتين غير قادرتين حتى على البكاء ......لماذا الآن ..... لماذا الآن ...... لن ترى السعادة أبدا في حياتها , كان يجب أن تدرك ذلك حين لاحت لها بوادر الأمل .....

ما العمل الآن .... كيف ستخرج من هنا ..... السيدة اسراء ؟؟؟....... لا ...لا ... قد تعتمد عليها في أي موضوع أقل ضررا من أمها , فلو علم ادهم .....لن يسكت الا بعد أن يصل الى كل شيء ......

فجأة قفزت واقفة و اتجهت جريا الى النافذة ...... ها هو لا يزال موجودا ..... أخذت تلوح بذراعيها حتى لمحها فنظر إليها بتساؤل , فأشارت إليه أن ينتظرها فستنزل إليه .........

لحظاتٍ وكانت تتسلل خارجة دون أن تراها السيدة إسراء أو أحدا من الخدم ........وما أن وصلت إليه حتى كانت تلهث بعنف تحاول الكلام لكن دون ان تنجح سوى في اخراج لهثاتٍ غير مفهومة , لمس هلال ذراعيها بيديه و هو يحاول تهدئتها 

( مهلا ... مهلا يا حلا ....التقطي أنفاسك أولا )

حاولت مرة أخرى فنجحت في الهمس بتقطع ( أريد ... أريد الذهاب الى أمي ..... هناك أمرا هاما لكن لا أريد أن يعلم ادهم )

لم تكن تعلم أن يديه تضغطان على ذراعيها عندما قال بحزم ( سأقلك اليها .........)

نظرت اليه بأمل ثم همست ( لكن كيف .... الحارس لن يسمح ......)

قاطعها هلال وهو يقول بثقة ( نستطيع الخروج من الباب الصغير الموجود بالسور الخلفي ...... كان صدئا منذ زمن لكن أنا تمكنت من فتحه )

لم تستطع تصديق حظها فقالت بلهفة ( أن خرجنا الآن على الفور فقد نعود قبل أن يلاحظ أحد ..... اليس كذلك )

أومأ هلال برأسه قائلا ( هيا ....)

بعدها بوقتٍ قليل كانت واقفة أمام ايثار تنتظر مصيرها .......استطاعت الهمس دون أي مقدمات 

(ما الأمر أمي .........)

ايثار أيضا لم تحاول التظاهر بمظهر الأم التى اشتاقت لابنتها ... بل لو أن حلا أمعنت النظر اليها لحظة لكانت لاحظت ان هناك شراسة و نارا حارقة تنبعث من عمق عينيها .......الا أن هم حلا الوحيد هو معرفة سبب وجودها هنا والعودة سريعا .......

( لقد وصلني هذا اليوم ...........)

و أخرجت أسطوانة مدمجة أمام عيني حلا الحائرتين .........فهمست بضعف ( ما هذا ؟.........)

وضعتها ايثار في الحاسوب بكل هدوء بينما أعصاب حلا تحترق تماما ........لحظاتٍ وظهر أمامها على الشاشة مكانا تعرفه جيدا .....بهوا واسعا ممتدا لبيتٍ شديد الثراء ....أناسٌ يتراقصون في أماكنهم و يشربون ومنهم من ظهر في أوضاعٍ شديدة الإنحلال ......انطلاق صوت الموسيقى بدا كقصفٍ أصاب صدرها ........

إنها تعرف هذا المكان .... وتعرف هاؤلاء الناس ....... وتعرف تلك المرأة التى ترقص أمامهم لترفه عنهم بينما هي تكاد تموت بداخلها ......تعرف ذلك الذي يقترب منها وهي ترقص ........وتعرف مالذي سيقوم به في اللحظةِ التالية .......

نعم هذا ما تذكره .....يمسك وجهها بين كفيه الثقيلتين ليجذبه اليها بقسوة مقبلا إياها بعنفٍ وسط هتافِ الموجودين .........

رفعت كفيها لتغطي بهما خديها بينما فغرت فمها و كأنها جثة هامدة لا روح لها .........لم يعد للكلام أي معنى لقد انتهت حياتها و قضي الأمر .......

وصلها صوتا ناعما كجلد الأفعى يهمس بأسف

( لا أعلم من أرسله الي .......... لقد خيبتِ أملي فيكِ يا حلا , لم أستطع تصديق ما رأيته ....... كيف تتصرفين على هذا النحو , و كيف تحضرين في مثل هذه الاماكن .....هل تعرفين كيف ستكون ردة فعل زوجك عندما تقع تلك الإسطوانة في يده .......بل حين تقع في يد كل من يعرفه .......كيف كنتِ بمثلِ هذا الغباء يا حلا )

ظلت واقفةٍ كتمثال دون حتى أن ترمش فتابعت ايثار ببرود 

( من الأفضل أن تجلسي قبل أن تنهاري ...........)

دفعتها بيديها لتجلسها على الأريكة خلفها ....ثم ربتت على وجنتها وهى تقول بصرامة 

( أفيقي يا حلا ..... ليس هذا وقت ذهول )

لم تنطق حلا و كأنها لم تعد حية أصلا .... الا إنها شهقت فجاة حين تلقت صفعة على خدها و صوت ايثار يدخل مسمما الى أذنها 

( أفيقي ......الآن تشعرين بالصدمة ؟.... ألم تكوني مصدومة وأنتِ ترقصين بهذا الشكلِ الفاضح و تقدمين أنتِ و زوجك مثل هذا العرضِ المجاني ......)

نظرت حلا اليها بعينين مذهولتين ثم لم تعرف كيف استطاعت الكلام فصرخت بإستجداء وهي ترتجف متضرعة

( لكن كان هذا رغما عني ......أمي أرجوكِ .... أنتِ تعلمين , لقد أخبرتك , لقد رجوتك أن تنقذيني منه .....تعلمين أننى حاولت الهرب منه عدة مرات ...... لكنه كان يعيدني و كان وقتها عقابي يجعلني أتمنى الموت نفسه ....... لقد حاولت الاستعانة بكل من أعرفهم ومن لا أعرفهم....... لكنه أحكم الحصار حولي تماما .......كنتِ تعلمين يا أمي أني كنت أفعل كل هذا مجبرة ..........)

كانت ايثار تنظر اليها بتبلد قاسي و كأنها لا تفهم ما تقوله ....... ثم قالت أخيرا بنبرةٍ تحمل الإزدراء الخفي 

( لطالما كنتِ ضعيفة للغاية يا حلا ....... بشكلٍ يدعو للشفقة , لا أعلم ممن ورثتِ ضعفك المزري هذا ......... أنتِ لا تشبهيني في أي شيءٍ اطلاقا ....... أحيانا أشك أنكِ ابنتي ....... لم تستطيعي حتى الدفاع عن نفسك .....هل تظنين أنه لو كانت سابين أو سما هى من تزوجت طلال .......كانت هذه الاسطوانة ستكون في يدي اليوم ؟؟............. )

نظرت حلا اليها و قد بدأت تشهق بأنفاسٍ معذبة ثم قالت من بين شهقاتها 

( لقد قفزت من النافذة ...... لم ينجح أشدهم في نيل ما يريده مني )

مطت ايثار شفتيها بامتعاض وقالت ( طبعا ...... اخترتِ أشد الحلول جبنا ......)

قامت حلا من مكانها وهي تصرخ ( لم يكن هناك أي حلولٍ أخرى ...... لقد سلمني زوجي اليه , و سلمتموني أنتم اليه مرة أخرى )

نظرت ايثار اليها دون أن تبدي أي تعاطف مع منظرها المثير للشفقة ثم قالت ببرود 

( ليس هذا وقت كلامٍ لا طائل منه ........... الأمر الجيد أنه ليس موضوع إنتقام , بل هناك شخصا يريد ثمنا معقولا لهذه الإسطوانة )

نظرت حلا اليها وهي لا تفهم تماما المقصود فمسحت وجهها بكفيها و هي تقول متلعثمة 

( أي ثمن ؟......لا أملك شيئا ......ادهم هو من يملك كل شيء من أين آتي بالمال ..... ساعديني أمي أرجوكِ )

همست ايثار مرة أخرى ( غبية بشكلٍ ميؤسٍ منه ....... كيف لا تملكين مالك الخاص ؟ أنتِ زوجة ادهم مهران أيتها الغبية ........لقد حذرتك من الزواج به فادهم ليس سهلا أبدا .........أخبريني كيف ستتصرفين الآن )

عادت حلا لتبكي مرة أخرى و قد غاب بصيص الأمل الوحيد الذى كانت تملك الى أن سمعت ايثار تقول فجأة بحزم 

( أعطِني خاتم زواجك ........)

نظرت حلا اليها بذهول ثم نظرت الى خاتمها الماسي الضخم ثم قالت بسرعة وهى تبكي 

( لا ..... لا ....لن أستطيع , أرجوكِ يا أمي .....سيسألني ادهم عنه ....)

عبس ايثار وهي تقول بشراسة 

( سيكون هذا حلا مؤقتا حتى تأتي بثمنا معقول فقد يقبل وقتها ..........هاتي )

خلعت حلا خاتمها و أعطتها إياه وهي تبكي بشدةٍ حتى كاد و جهها أن ينفجر من شدة احمراره ثم نهضت راكضة الى الباب لكن قبل ان تصل يدها الي مقبضه و صلها صوت ايثار الشامت 

( حلا ........ زوجك على علاقةٍ بامرأةٍ أخرى )

التفتت حلا لتنظر اليها ذاهلة و قد سقط قلبها في حين أكملت ايثار بابتسامة تشفي 

( و أنتِ تعرفينها جيدا فقد سعت بنفسها للتعرف اليكِ .............اسمها سمر )

.................................................. .................................................. ................................................

فتح باب قلعته الصامتة الحزينة ......الظلام يغطي المكان و الصمت يملؤه الا من أصواتِ الرياح الباردة ..... أغلق الباب خلفه فاهتزت الجدران مرسلة رعشة فراغٍ بداخله ......

كذلك الفراغ الأسود المحيط به ..... لقد غادرت أسيرته الهمجية , اختارت الرحيل بعيدا ...... رفضت الفرصة التى منحها لها و هربت بعيدا .......

لماذا يشعر اذن بمثل هذا الخواء ..... مالذى ضاع منه ..... سابين ؟.......ما كان كل هذا ؟.........

مجرد أملا واهيا في اصلاحها أم عقابها ...... أم رغبة همجية في سبيها و امتلاكها ......

هل أصابته لعنة سابين الراشد فبات لا يعلم من هو ......و كيف كان من قبلها ........

شعر اليوم بلكمةٍ في صدره حين أخبرته أمه أنها علمت أخيرا أين يخفيها و أنها ذاهبة لإنهاء تلك المهزلة التى طالت ......فإن كان صادقا مع نفسه , فليجد سببا لما يفعله ... لا أن ينصب نفسه الها لمحاسبتها ......

لم يشعر الآن و هو يقود سيارته الا به ينقاد أسيرا الى هنا ..... الى أسر السابية ......

كيف سيرحل من هنا بدونها ..... كان متأكدا انه سيرحل بها يوما ما ...... هل جن ... هل جن تماما ......إن أمه محقة في شيءٍ واحد ...أن هذه المهزلة قد طالت ..... وكان يجب انهاؤها ..... لن يستطيع تغييرها رغما عنها , لن يسيتطيع خلق صورة في خياله , لن يستطيع نسخ ليالٍ أخرى .......لقد اكتشف بعد أن أمضى مع سابين كل تلك الأيام الماضية , أنها و ليال متشابهتان تماما .. ليس في الشكل اطلاقا بل في القوة .... في شراسةِ الدفاع ...في الطفولةِ النابعةِ من الداخل ...في الشجاعةِ النادرة وفي الرغبة الخفيةِ في الحماية لقد أراد أن يصنع ليالٍ كاملة ... الا أن حساباته قد أخفقت ...... لقد اختارت ..... خيرتها أمه فاختارت .......

لقد انتهى يا احمد ......انتهى .....

صعد السلالم متثاقلا في الظلام دون أن يكلف نفسه بفتح الأنوار ثم اتجه الى غرفتهما ........لقد تركت الضوء دليلا وحيدا على وجود امرأة غجرية همجية عاشت هنا ذات يوم .........

دفع الباب المفتوح قليلا ليدخل الى تلك الغرفةِ التى قضى فيها ليلة من السحر ستظل في مخيلته الى آخر العمر .........

ما أجمل تلك الإضاءة الخافتة , إنها تضفي على الغرفة جوا من السحر يذكره بها ......لقد تركت منامتها ذات الساحرات .... التقطها بين يديه ليرفعها الى وجهه يستنشق عطرها الذى لايزال يملؤها و هو يغمض عينيه .........

( لم أكن أعلم أنها أعجبتك الى هذه الدرجة ............)

التفت بسرعة حين سمع صوتها الناقوسي يصل رنانا الى أذنيه .........ليجدها واقفة متكئة على إطارالباب مكتفة ذراعيها ..... مذهلة ......شعلة من الجمال الهمجي ...بقميص نومها الحريري و لونه الذهبي ..... وشعرها المجنون المنطلق في لفائف غجريةٍ تتعدى خصرها ........

( لم ترحلي .........) قالها بصوته الغامض

نظرت الى عينيه في تحدي سافر وهي ترفع احد حاجبيها في استفزاز لمشاعره الهوجاء ........ثم قالت بغرور 

( لم أقرر النهاية بعد .........)

اشتعلت عيناه بها ولها .........وهو يقترب منها بخفة الفهد دون أن تتحرك هي من مكانها .... الى أن وصل اليها فرفعت عينيها المغويتين اليه ثم همست من بين شفتيها المصبوغتين القرمزيتين 

( لقد استسلمت يا احمد ........)

تأوه هامسا ( يا الهي )

ثم مد يديه ليجذبها اليه مقبلا إياها بكلِ عنفِ الأيامِ السابقة .......فارتفعت ذراعيها طوعا لتحاوطان عنقه وهي تبادله عاطفته المجنونة 

حتى كاد أن يفقد عقله وهو يقتحم أسوارها العالية ..........ثم حملها بين ذراعيه ليلقي بها على الفراش ذو الستائر الناعمة بينما هي تضحك ضحكة رنانة أفقدته ما تبقى من سيطرته الأخيرة ليهجم عليها ويبثها جحيم أشواقه ........

وفي غمرة هواهما المجنون همست لعينيه 

( لماذا تزوجتني ؟........)

رد عليها كالمهووس ( لأنك أسرتِني أيتها السابية ....... لن أستطيع العيش بدون بعد الآن سابين )

جذبت رأسه اليها و قد انتهى وقت الكلمات ..........

.................................................. .................................................. ...........................

استيقظ من نومه الرائع على أشعة الشمس الذهبية التى تخللت أكثر أحلامه جنونا ...... لقد سقط أسيرا لسابيته , وكان هذا أروع ما عاشه يوما .......

مد ي


الفصل العشرون (1) 

هل يمكن أن يكون المرء ميتا بينما هو يتنفس ........ هل يمكن أن تتوقف دقاتِ القلب فجأة دون انذار لينتظر صاحبه الموت دون أن يناله ..... بينما يبقى جالسا في تبلد منتظرا ....... ماذا ؟........

كانت عيناها جافتان .... متحجرتان , تنظران أمامهما دون أن تبصرا...........ألما حادا يمزق صدرها غصة كالصخر تكتم أنفاسها ....

ماذا كانت تتوقع ؟...... لقد انتهى زمن النهايات السعيدة و القصص الخيالية .... 

بعد كل ما عاشته في حياتها , كانت قد اقتنعت أن السعادة لم تكتب لها , و تمكنت من أن تتعايش مع هذا الواقع ..... اعتادت منذ حداثة سنها أن تتعايش مع الألم .....أن تصادق الظلم لتجعله حليفها ......

حاولت تقبل حياتها , الا أن حياتها تمردت عليها ..... لتلقي بها الى أحضانه , معطية اليها الأمل , تخبرها قصة جميلة عن أميرةٍ نجت من الأشرار ....و طارت الى فارسها .... درعها في الحياة ......

نُسجت القصة جيدا ..... حتى القصر و أمير الأحلام ...... كل تفاصيل القصة حاكت لها حلما لم تكن لتصدق بوجوده ......

كل ما حولها كان يهتف لها باسما ..... ابتسمي يا حلا ..... ابتسمي .....لقد جاء يوما لتصبحي فيه بطلة الرواية .......أميرة حبيبها ...

حبيبها ......آآآه ..... حبيبها ..... كم عاما مر لتدرك أن حب عمرها كان بجوارها منذ أن فتحت صفحات ذاكرتها ......

و الآن .....الآن بعد أن اعترف لها بحبه بعد طولِ سنين ,...........تأتي الحياة لتنبهها بالا تنسى ما فات ...... وأنه لا هروب مما كان , 

لقد خدعت نفسها و محت فترة من حياتها اعتقدت أنها دفنت للأبد , لكن ها هى تبادر للخروج من وكرها كوحشٍ دميم سيفترس كل ما حاولت ترميمه ..... 

لكن هو .....هو .... لماذا فعل ما فعل ..... هل ليعاقبها , هل هذا انتقاما طويل الأمد .....أم أنه ببساطة لم يستطع التعامل مع كل تعقيداتها ...... كانت في داخلها تعلم أن لسعادتها معه نهاية لا محالة , فرجلا مثله مهما أحبها يوما الا إنه بمرور الوقت سيعلم أنه يستحق الأفضل , كما يرى كل من حولهما .......

و لقد اختار الأفضل .... سمر ..... لا يمكن أن تقارن نفسها بها أبدا ..... إنها هى المرأ التى تليق به , ولابد أنها سعت الى التعرف اليها لترى عن قرب من تلك التي أوقعت بوحش ال مهران .......

يا الهى ..... ولقد حكت لها الكثير ...... يا الهي لقد حكت لها بمنتهى الغباء عن أشياءٍ كان يجب أن تبقيها مدفونة الى الأبد , ترى هلى ستستغلها لتفضحها عند ادهم ........

إنها الى الآن لم تستخدم أي شيء ضدها ........يا الهي إن الدائرة تضيق من حولها , ....... كل ما حولها يطوف و يحارب ليبعد ادهم عنها ...... ولقد بدأ هو في الاستسلام أخيرا . اذن فلماذا تخاف ...... فلا شيء آخر يهم في هذه الحياة ما دام سيتركها .....لما الخوف مادامت ستموت في كل الأحوال .........

لكن ماذنبه هو في أن يتحمل مثل هذه الفضيحة , فحتى وإن كان سيتركها من أجل امرأة تليق به فهذا هو الأمر الصائب , لكن لن تتحمل أبدا ان تكون السبب في أي أذى له ...... أبدا ...... ولو تطلب هذا آخر نفسا في صدرها .......

(حلا .......... انظري الي وتكلمي , منذ أن نزلتِ وأنتِ شاحبة بشكلٍ مخيف )

جاءها صوت هلال الجالس بجوارها في شاحنته المتهالكة ...... يحاول التسلل من الضباب الذى يغشى عقلها .......

الا إنها لم تستطع النطق ولم تستطع حتى البكاء , عيناها نديتان لكن تأبيان البكاء لتريحاها .........

( حلا أنا الآن أشعر بالخوف فعلا عليكِ ....... مالذى حدث بالأعلى ؟...... كان يجب أن أصعد معكِ مهما اعترضتِ )

؛( حلا ..... أرجوكِ اجبيني )

صوته المختنق بمشاعرٍ غريبة كان بمثابةِ الشرارة التى انطلقت بداخلها لتصيب أعماقها في مقتل ........

لم تدري الا وهي تشهق شهقة مذبوحة لتسقط رأسها بين كفيها في نحيبٍ مخيف .... أصابه بالرعب...........

؛( حلا .......حلا ..... حبيبتي ماذا حدث لكِ )

حلا حبيبتي ..... هذه هي كلمة ادهم ..... كيف ستتحمل الا تسمعها مجددا ..... كيف ستحيا بدونه , لماذا الآن ؟ ......لماذا الآن ؟.......

لماذا بعد ان عرفت طعم الحب لأول مرة ؟...... لماذا ليس قبل ذلك ؟......... كيف ستتحمل الآن ؟........

ظل هلال ينظر الى نحيبها المرعب وهو يشعر بأنه يموت مع كل شهقةٍ من شهقاتها ...... لماذا ساقها الى هنا ؟... ما الذى تسبب فيه ........لحبيبته ...نعم حبيبته......... 

مد أصابعه المرتجفة ليزيح خصلة من شعرها المتساقط فوق كفيها و وجهها ........إنها لا تشعر به أبدا ..... جسدها يرتجف للغاية و يهتز بشدة مع بكائها ......

أنزل يده ليمسك بكتفها المرتعشة يحاول بث الاطمئنان اليها , لكنها لم تهدأ بل ازدادت رعشتها و بكاؤها فمد يده الثانية ليمسك بكتفها الأخرى و هو يديرها ناحيته برفق .......ورأسها متساقط كزهرةٍ ذابلة .........

يا الهي ما أجملها .... حتى وهي في هذا الانهيار تثير بداخله مشاعر بدائية لم يعرفها من قبل ..........

اقترب رأسه ببطء من رأسها المنتحب الساقط ليستنشق رائحة شعرها العذبة وهو يغمض عينيه ........ لم يستطع أن يمنع همسته المخنوقة 

( حلا ....... يالهي .....يا حلا ......)

شعرت فجأة من بين هذاينها بشيءٍ غير مفهوم ..... هناك من يمسك بها ووجهه يكاد يقترب من عنقها .......فانتفضت مذعورة رافعة رأسها لتجد عينان خضراوان يلمعان كعيونِ الهررة في مواجهة عينيها .....

توقفت أنفاسها محتبسة في صدرها و قد بدأت تشعر بدوارٍ كثيف يلف عقلها الكليل ......لكنها استطاعت النطق بتعثر 

( اب ..... ابتعد ....ماذا تفعل )

اشتعلت عيناه اكثر وهو ينظر اليها بصمتٍ للحظاتٍ طويلة دون أن يجيبها ....... ثم همس أخيرا و هو يشدد من قبضتيه على كتفيها 

( اهدئى حلا ..... ليس هناك ما تخافي منه ,...... إنه أنا هلال ........)

اتسعت عيناها و قد زاد دوارها الا انها كانت تحاول بكل قدرتها التمسك بآخر خيوط الوعي و هي تهمس بذعر 

( ابعد .... يديك ......حالا )

دون شعور منه تقريبا كانت يديه تدلكان أعلى ذراعيها .... ثم همس بنظراتٍ تائةٍ في عينيها 

( أنا فقط أهدئك ....... منذ ان نزلت من عند أمك و أنتِ منهارة تماما , أخبريني حلا ماذا حدث .......)

أخذت تحاول التملص من بين يديه بضعف وهي تشعر بالدوار يكاد يطيح بها ..... تاقت بشدة الى الهرب في موجات الضباب المحيطة بها , الا أن همسا بعيدا في زوايا عقلها أمرها أن تظل واعية و الا تسقط .......فهمست بضعف وهي تحاول الابتعاد عنه قدر الإمكان 

(هلال ..... أريد الرجوع الى القصر .....الآن )

همس في أذنها ( ماذا لو لم أرد ان أعيدك ؟........)

رفعت نظراتها المهزوزة اليه و قد اتسعت حدقتاها قليلا ....ثم همست بخوف 

( ماذا تقصد ؟......أنا .... يجب أن أعود قبل أن يعلم ادهم بخروجي )

لمعت عيناه لأول مرة بمشاعرٍ سوداء لم ترها من قبل ..ثم شعرت بقسوة يديه على كتفيها اكثر و هو يهمس بغضب 

( ادهم ..ادهم .. ادهم , الى متى ستظلين خاضعة له بهذا الشكل , أنا متأكد أنه سبب الانهيار الذى تعانيه الآن وليست أمك أبدا , اليس كذلك )

ظلت تنظر اليه مذهولة فاغرة فمها و قد بدأ الدوار يخف تدريجيا بأمرٍ سريعٍ من عقلها الضائع ..ثم استطاعت القول أخيرا بهدوء ...

( ابعد يديك من فضلك ...........)

نظر اليها لحظة و هو يدرك فجاة ما كان يفعله ثم تركها بسرعةٍ وهو يتأوه يائسا 

( أنا آسف ..... يا الهى آنا آسف , لم أقصد أن أخيفك يا حلا ....... لكن أنتِ تعلمين أنكِ أصبحتِ مهمة جدا لي , و أنا أظن أننى أصبحت أنا الآخر مهما لكِ فلا تنكري , ....... )

أخذت نفسا عميقا و عيناها لا تحيدان عن عينيه للحظاتٍ طويلة ..بينما قلبها يصرخ مهددا بالتوقف في أية لحظة....تلك النظرات ...تلك النظرات قابلتها كثيرا .. لا يمكن أن تخطئها أبدا ..... أخيرا قالت بصوتٍ مهزوزٍ ضعيف 

( نعم ....... نعم لقد أصبحت مهما لدي )

اتسعت عيناه و لمعتا بشدة ثم ظهرت على شفتيه طيف ابتسامة وهو يعاود مسك كتفيها بذهول هامسا 

( لقد كنت أعلم ...... لقد كنت أعلم , قلبي لم يخطئني أبدا )

اغمضت حلا عينيها بشدة و أخذت تعد في أعماقها تحاول السيطرة على الهيستيريا المتصاعدة بداخلها ثم همست بارتجاف 

( هلال أرجوك ...... لا تلمسني , أنت تعلم ما ممرت به من قبل )

نزع يديه بسرعة و هو يقول لاهثا 

؛( آسف ..... آسف مرة أخرى حبيبتي , لم أعد استطيع الابتعاد عنكِ للحظةٍ واحدة ........تلك الأيام التى قررتِ فيها الابتعاد عني كانت كالجحيم ......لقد اعتدت عليكِ بشكلٍ مجنون يا حلا ........هل تعلمين ذلك )

نظرت اليه بعينين ميتتين وهي تومىء برأسها بابتسامةٍ شاحبةٍ لا معنى لها ثم همست أخيرا بضعف 

( هلال .... هل يمكنك أن تعيدني الى القصر ..... للمرةِ الاخيرة ..... أنا سأترك ادهم الى الأبد , أعدك )

أخذ هلال نفسا طويلا متعبا ثم قال أخيرا باستسلام 

( بالطبع ..... بالطبع سأعيدك , و سأبقى معكِ لحظة بلحظة ..... لن أتركك أبدا )

أومات برأسها علامة الموافقة و هى تشعر بأنها ستفقد وعيها بين لحظةٍ أو أخرى لكنها تشبثت بآخر لمحاتِ وعيها بإرادة من حديد و هى تحاول أخذ أنفاسٍ بطيئة متتالية كما أخبرتها سمر من قبل ......سمر ..... ما الذى جعلها تتذكرها من جديد ......يجب أن تقتلعها الآن بأي طريقة من تفكيرها حتى تصل الى القصر .... وبعدها تستطيع الموت بسلام .....لكن الآن لابد أن تسيطر على نفسها ....... أمامه ....

كيف لم ترى ما هو واضحا لها الآن من قبل ؟.........كيف كانت بمثل هذا الغباء و السذاجة ؟.............كيف آمنت مرة أخرى هي من دون الناس لشخصٍ غريب ؟......... الن تتعلم أبدا ؟........

الآن وهو يتكلم بمنظره المهووس هذا قفز سؤالٌ مرعب فجاة الى رأسها ...... كيف علم بعنوان أمها .... كانت من الخوف و الارتباك بعد مكالمتها فلم تدرك سوى أنها استقلت معه شاحنته القديمة التى كانت أمام الباب الخلفي الصدىء ....ثم بقت صامتة ناظرة الى البعيد الى ان أفاقت على صوته وهو يعلمها بوصولهما ......

لا تعلم كيف قفز هذا الى رأسها في اللحظة التى رأت بريقا مختلفا لعينيه ..... يا الهي إنها تشعر بأنها على وشكِ الإصابة بنوبةٍ قلبية , لكنها لن تخذل ادهم هذه المرة , ولن تتبني أجبن الحلول كما قالت امها ........

التفتت الى هلال تبتسم بصعوبة وهى تمسح وجهها المغرق بالدموع و همست بآخر جهدها 

( فلنعد الآن ..... من فضلك )

.................................................. .................................................. ............................................

كان ادهم جالسا في خضم أعماله المتعاقبة بينما يشرد بخياله بين الحين والاخر عن ذلك الأمر الذى ينتظر وصول تأكيده ....إنه يحترق بداخله , لكن لا يشعر بأي وخزٍ من تأنيب الضمير على الاطلاق .........

تماما كما لا يشعر بأيا منه بعد مكالمته المبكرة لايثار و التى أبلغها فيها أن تتوقف عن انتظار المبلغ الذى كان يصلها منه على مضضٍ بصفةٍ دورية ..... وذلك فقط لأنها كانت يوما ما تحمل اسم الامبراطور .....

لكن الآن لم يعد يهتم حتى وإن لم تجد قوت يومها ..... كفى ..... لا يستطيع أن يساعد تلك المرأ بعد الآن و بعد ما سمعه من حلا على وجه الخصوص .....يكفي أنه يحزم كل مقدرته بالكاد ليمنع نفسه عن أذيتها ........

كان يحاول على قدر الإمكان التركيز في أعماله منتظرا مكالمة بين لحظةٍ او أخرى , الى أن رن هاتفه لكن ما أن طالعه اسم السيدة اسراء حتى رد سريعا و أعصابه تتوتر اكثر من توتره الحالي ... لماذا تتكلم السيدة اسراء ؟.... منذ مدة و حلا هي التى تكلمه في أي شيء يخصها أو يخص القصر ..فما الذى حدث ؟؟ .....

كل قلق الدنيا فاض بداخله فقط في اللحظة التى استغرقها ليرد على السيدة اسراء التى ما أن رد حتى وصله صوتها المهتز و المشبع بالقلق .....

( سيد ادهم ........ السيدة حلا!!! ....)

هبط قلبه بين قدميه في لحظة واحدة و هو يشعر بقبضةٍ جليدية تعتصر صدره ... لكنه تمكن من النطق بصوتٍ مختنق اجش 

( ما بها حلا ؟؟ ..... هل أصابها شيء ؟؟... تكلمي من فضلك بسرعة )

جاء صوت السيدة اسراء متوترا و هى تتلعثم 

( إنها ..... ليست في القصر ...لقد دخلت منذ قليل الى الغرفة لاطمئن عليها حين لم تجبني , لكني لم أجدها .... فبحثت عنها في كل مكان دون أن أعثر على أي اثرٍ لها ..... لكننى وجدت هاتفها بالغرفة)

صمت لعدة لحظات محاولا استيعاب ما سمعه على وجه الدقة ثم قال محاولا السيطرة على الرعب الغير مبرر بداخله 

؛( كيف ؟.. لا أفهم ..... هل خرجت ؟..... هل سمح لها حارس البوابة ِ بالخروج ؟؟.....)

أجابته السيدة اسراء بسرعةٍ و بحيرة 

(لا .... لا ... لقد أكد لي أنها لم تعبر من بوابة القصر ....فبحثت عنها في كلِ جزءٍ من الحديقة ِ .... الشيء الوحيد الذى لاحظته هو أن الباب الخلفي من السور مفتوحا .....)

هدر الخوف بداخله كحلقاتِ إعصارٍ أهوج وهو لا يتمكن من حل شفرة كلام السيدة اسراء فقام من مكانه بلمح البصر و هو يرتدي سترته قائلا بانفعال 

( الباب الخلفي الصدىء ؟؟.... لم يفتح هذا الباب منذ سنين .. كيف فُتِح ؟..... لن تستطيع حلا فتحه بمفردها أبدا .......)

وصله صوتها مرتجفا اكثر و هى تتلعثم قائلة 

( نعم بالتأكيد .... لابد أن هناك من ساعدها ........)

وصل صبر ادهم الى منتهاه فصرخ بصوتٍ رج موجاتِ الاتصالِ بينهما 

( من سيساعدهاااا ..... ولماذا تحتاج الى التسلل ؟؟.........)

أجابته السيدة اسراء مرتجفة 

( أنا حقا لا أعلم يا سيد ادهم ...........أنا ...)

قاطعها صراخ ادهم المجنون 

؛( أنتِ ماذا ؟؟........ كيف غفلتِ عنها ؟..... لقد كانت تحت مسؤليتك فكيف خرجت دون أن تشعري بها ؟؟؟..... إن حدث لها مكروه فلن ينجو أيا منكم من غضبي ......)

لم تجبه فقد كانت تدرك شدة خوفه على حلا و الحق أنها أيضا مرتعبة على تلك الصغيرة التى أصبحت في نفس مكانة ابنتها في الفترة البسيطة التى أمضتها معها ... وكان قلبها ينبئها بقدومِ كارثةٍ من بعيد ..... فقط تأمل الا يكون قد أصابها مكروه ......

.................................................. .................................................. .......................................

كان ادهم يقود سيارته كالمجنون يشعر بقلبه يخفق ضاربا خوفا و غضبا ........أخذ يتفادى السيارات من حوله و عقله لا يفكر سوى بما هو العمل الأحمق الذى أقدمت عليه حلا ..... كان يظن أنها قد تغيرت للأفضل كثيرا الأيام الماضية , أنها قد كفت عن تصرفاتها المتهورة و الغير متزنة ......

لكن ها هى بكل برود تتسلل بعد خروجه تاركة هاتفها وراءها ........كانا معا منذ عدة ساعات دون أن تلمح حتى بنيتها في الخروج ....ما هو المكان الذى تريد التوجه اليه سرا دون أن تعلمه ؟.......و كيف فتحت الباب ؟........

حسابك معي يا حلا سوف يكون عسيرا ......سأريكِ معنى غضبي الذى لم تعرفيه الى الآن......

, يبدو أننى قد تهاونت معكِ كثيرا و قد غركِ هذا فقررتِ أن تستغليه .........فقط حين أجدك ..... , حين أطمئن أنكِ بخير حبيبتي .........

فجأة برق اسم سمر في ذهنه .... بالطبع و من غيرها , قد تكون حلا احتاجت اليها فقررت الذهاب إليها و المنطقي أن تخفي الأمر عنه .........

التقط هاتفه بلمح البصر ... لحظاتٍ و كان صوت سمر الهادىء يصله فسألها بسرعةٍ و عصبية 

( سمر ..... هل حلا معكِ ؟....)

وصله صوتها متحيرا قلقا ( لا ..... ليس من المفترض ان نتقابل اليوم , لماذا ؟...... هل خرجت ؟؟ )

شتم ادهم بعصبية دون مراعاة لوجود سمر معه على الهاتف ثم ضرب المقود بقبضته أكثر من مرة بعنفٍ لم يستطع السيطرة عليه ....

فقالت سمر في محاولة لتهدئة الموقف 

( اهدأ قليلا يا ادهم ......... دعني أفهم جيدا , هل خرجت حلا دون أن تخبرك ؟؟)

لهث ادهم بعنفٍ و قلق وهو يجيبها هادرا 

( نعم ..... نعم لقد خرجت الغبية دون أن تعلمني بمكانها تاركة هاتفها في القصر ....... إنها لا تزال تعاني أحيانا من نوباتِ الدوار ما أن تخاف أو تقلق ......ماذا لو تعرض لها أحدا وهي في هذه الحالة , كيف ستتصرف ؟.........)

جاءت كلمته الاخيرة صراخا كاد أن يصم أذن سمر التى قالت بعد لحظة 

( كيف خرجت ؟ أنت أخبرتني أنك تشدد الرقابة عليها في داخل القصر وعلى البوابة ؟............ لقد أخبرتك مرارا أن اسلوب الإحتجاز قسرا هذا لن ينجح أبدا و ها هي خرجت بمنتهى السهولة حين أرادت ....... كم مرة أخبرتك أن تعطيها بعض المساحة و القليل من الحرية ِ لتلتقط أنفاسها التى كتمتها أنت بتعنتك ........)

لم يصدق ادهم نفسه وهو يستمع الى لهجة سمر العصبية و التى تعنفه بها لتعلمه كيف يتعامل مع حلا ..... حلا التى رباها بنفسه , لتأتى سمر الآن و تتجرأ على أن تخبره بخطؤه في التعامل معها ......

لم يتمالك نفسه حين صرخ ( سمر ....... سمر .... أنتِ تختبرين صبري في هذه اللحظة , أنا لست في أفضل حالاتي الآن ....)

أخذ نفسا عميقا ثم قال بهدوءٍ متوتر بشدة 

( اسمعيني جيدا يا سمر ..... لقد خرجت حلا من الباب الخلفي و الذى لم تكن لتستطع فتحه بمفردها أبدا ........هناك من يساعدها .هل أخبرتكِ بشيءٍ من هذا ؟...........)

لم يصله سوى أنفاسا متردده بدأ القلق في التسرب اليها ..... فعلم وقتها أنها تعلم شيئا لن يعجبه ..... توترت عضلاته و تقلصت و اشتدت قبضته على المقود و همس بفحيح 

؛( سمر .........كل ما تعلمينه , وحالا قبل أن أرتكب جريمة ......... )

جاؤه صوت سمر متوترا قلقا وهي تهمس 

( ادهم .....سأخبرك بشيءٍ قد يكون تافها ...... لكن عدني الا تتهور ......)

فقد ادهم هدوؤه الخادع وصرخ ؛( تكلمي الان يا سمر ..............)

ظل يستمع الى صوت سمر عبر الهاتف لعدة لحظات دون أن يقاطعها ......و مع كل حرف يصله كانت وحشية مرعبة تتصاعد الى عينيه و تنفذ مع هسيس أنفاسه اللاهبة ....... حتى بات في نهاية الحوار ...... كوحشٍ حبيسٍ جائع أُطلق سراحه ..........

في آخر كلمات سمر التى حاولت أن تهدئه ..... أغلق الهاتف دون أن ينطق بحرفٍ واحد ثم ألقى بهاتفه من نافذة السيارة المنطلقةِ كالسهم دون أن يبالي به ...... ثم زاد من سرعة السيارة أكثر و أكثر فاندفت به كالقذيفة متجهة ....... الى القصر .........

.................................................. .................................................. .........................................

دخل بسيارته من البوابة بسرعةٍ عنيفة دون أن ينسى الصراخ في وجه حارس البوابة المسكين و الذى لم يفهم بما أخطأ .......لحظاتٍ بعدها و اوقف السيارة بحركة واحدة مصدرة صريرا عالٍ جدا ..... ثم اندفع خارجا منها صافقا الباب بعنفٍ كاد ان يحطم زجاجه , 

لم يدخل الى القصر بل لف حوله الى الحديقةِ الخلفية .... حيث تقبع حجرة من يعتني بالحديقة , فركل الباب بقدمه وهويدخل ليجدها خالية كما توقع .....

اندفع يدور بها كالوحش الهائج يرمي كل ما تطوله يداه حتى أنه لم ينس أن يحطم المرآة بقبضته ......الى أن وجد كومة من الأوراق على مكتبٍ صغير فذهب إليها وهو يحاول التأكد مما تراه عيناه , التقط الاوراق بين يديه لتطالعه صورة لإمرأة مرسومة بأقلام الفحم في كلا منها ...... مرة وهى شاردة تنظر للبعيد, مرة و هى مستندة على إطار النافذةِ تتطلع منها حزنٍ دل على براعة من رسمها .....أو ....دل على شدة احساسه بتلك المراة ......

أخذ يقلب صورة خلف صورة وكلها لنفس المرأة ..... التى لن يخطىء ملامحها أبدا ...... حلا .......

صرخ فجأة و هو يمسك الصور معا بقبضتيه ليشقهم في حركةٍ واحدة الى نصفين ثم يلقي بها أرضا لتكمل عليها قدمه التى أخذت في سحقها تماما .......

أين هي ..... أين هي ......الى أين يمكن أن يذهبا ...... هل فعل بها شيء ؟هل تجرأ ولمسها ؟.......

لم يستطع أن يتمالك نفسه من هول الغضب الأعمى و الذى أعمى بصيرته كذلك , فصرخ بشدة 

( أين أنتِ يا حلاااا ........)

غرز اصابعه في خصلاتِ مقدمة راسه يكاد ينتزعها من جذورها و هو يلهث بعنف ثم اندفع خارجا و هو يخلع ربطة عنقه التى كادت ان تخنقه في تلك اللحظة ......

رمى سترته على أرض الحديقةِ تبعتها ربطة عنقه و هو ينوي التوجه الى السيارةِ ليقلب طرق المدينة كلها بحثا عنها ......

لكن قبل ان يتحرك خطوة واحدة ....... كانت هى واقفة امامه بعد ان دخلت من نفس ذلك الباب الخلفي ...... يتبعها ذلك الحقير الذى لا يتذكر انه رآه سوى مرتين أو ثلاث ........

تسمرت حلا مكانها تماما .....بوجهٍ شاحب و عينين ميتتين ...... وقلبٍ تخلى عن نبضاته .......

لم يكن الرعب هو الوصف الامثل للتعبير عما تشعر به في تلك اللحظة .......الهلع ربما ....ام انه تبلد من فقد القدرة على الحياة .....

كل ما تعلمه هو انها وقفت امامه متسمرة دون حركة .......لم تستطع حتى على ان تخرج نفسا مرتجفا من بين شفتيها ......

يا الهى ... لم تره يوما بمثل هذه الحالة ..... كان شعره مشعثا , ازرار قميصه مفتوحة حتى ان بعضا منها ممزق .........و عيناه ......عيناه كانتا حمراوان بلون الدم .......مخيفتان ...بل مرعبتان ... لم ينظر اليها بهذه الطريقة من قبل , حتى في اشد حالات غضبه منها سابقا لم يكن لينظر اليها بهذه الطريقة ابدا .......... نظرة عنيفة مشبعة بالوحشية ...... لكن تختلط بشىءٍ ما ...... كشعورٍ بالغدر او الطعن .......عند هذا الادراك شعرت بقلبها ينزف دما ......فهزت راسها نفيا و كانها تمنعه من الشعور بهذا الغدر .........

هزة راسها كانت الشرارة التى جعلته يفيق من سكونه الوحشي ليهمس من بين اسنانه 

( اين كنتِ ؟........)

ظلت تنظر اليه برعب لا تعلم بما تجيبه ..... ان الدائرة تضيق من حولها اكثر واكثر .......ها قد سقطت كل اقنعتها .....لا مفر , لن يهدا قبل ان يصل الى كل ما اخفته عنه يوما ..... وحينها سيرميها من حياته الى الابد , ليذهب بعدها الى من تليق به قطعا .......

استطاعت ان تهمس بضعف ؛( كنت .....كنت .....عند .....)

في هذه اللحظة بالذات .... اختار الاحمق ان يتدخل لاعبا في في نهاية ايام عمره ......قائلا وهو يتقدمها 

( كانت معي ......فان اردت ان تواجه احدا فلتواجهني )

وكانت هذه هي بداية ..... الجنون ..... جنون الوحش ..... الذى ظهر طيف ابتسامة مجنونة على زاوية شفتيه , ثم تمكن من الهمس 

( نعم .... أنت ....لقد كنت أنتظرك )

فجأة اندفع ناحيته بسرعةٍ لم يستطع هلال أن يدركها حين تلقى قبضة مريعة على فكه أسقطته أرضا , ثم لم يترك له ادهم الفرصة ليستوعب ما حدث , بل هجم عليه ليمسك بعنقه بقبضةٍ حديدية بينما قبضته الأخرى انهالت على وجهه وأنفه و هو يشتم بألفاظٍ لم تسمعها حلا من قبل و لم تعرف معناها ......

استفاقت حلا من ذهولها اللحظي لتصرخ فجاة و هى تندفع محاولة الإمساك بذراع ادهم 

( كفى ادهم ..... كفى ستقتله )

الا ان ادهم لم يبدو أنه سمعها أصلا ...الا حين دفعها بذراعه بعنف ليسقطها أرضا .......ثم استقام واقفا و مد يديه الى حزام بنطاله الجلدي فخلعه بسرعة و لف مقدمته حول قبضة يده التى رفعها عاليا ليسقط به على صدر هلال و ذراعيه اللتين تحاولان تفادي هذا السوط اللاسع المنكب عليه من كل صوبٍ كحممٍ نارية ....

أخذت حلا تصرخ وتستغيث و هى تغطي عينيها بكفيها حتى لا ترى هذا المنظر البشع أمامها ......الى أن سمعت وقع أقدامٍ تجري اليهم , و استطاعت أن تسمع صراخ حارس البوابة و هو يحاول الإمساك بادهم بشتى الطرق الا أنه بدا كوحشٍ هرب من أسره ليفترس كل من حوله ......فلم تستطع حلا التى كانت تصرخ و هى جاثية على ركبتيها أن نتظر لكل هذا العنف أمامها .... فقد ذاقت هي ذات مرةٍ طعم حزامٍ جلدي مثل هذا .........

فجأة شعرت يدين حديديتين تجذبانها من ذراعيها لترفعاها على قدميها و صوت ادهم يصرخ بها 

( افتحي عينيكِ ....... افتحي عينيكِ يا حلا )

و كان يهزها بشدة مع كل أمرٍ حتى فتحت عينيها المرعوبتين المتورمتين و هى تشهق لتلتقط أنفاسها المذعورة ..... فصدمتها عيناه المتوحشتان وهما تنظران الى عمق عينيها و هو يصرخ في وجهها 

( انظري اليه ...... انظري الى صديقك الغالي )

لفت راسها بارتعاش و عيناها متسعتان برعب حتى أبصرته ممدا على الأرض بوجهه المليء بالكدمات .......فصرخت بشدة لتغلق عينيها مرة أخرى و هى بالكاد تنطق بكلمات ٍ من بين صراخها 

( لقد قتلته ...... يا الهي لقد قتلته )

لكن ادهم لم يجبها بل جذبها من ذراعها خلفه بوحشية ٍ وهو يقول بصوتٍ لاهث للحارس ....

( أريد أن أجده حين يسترد وعيه ...... إياك أن يهرب و الا فلتتحمل ما سيحدث لك )

ظل يجرها خلفه الى أن وصلا الى القصر و قد سقطت منه عل الارض عدة مرات من كثرة تعثرها حتى تمزقت ساقي بنطالها الجينز و جرحت ركبتيها , الا إنه لم يبالي ...... بدا و كأن شخصا آخر تقمص ادهم حبيبها الذى لم تره يوما بمثل هذه الوحشية و القسوة من قبل .....

كانت تكاد تجري وهى تحاول تعقب خطواته بينما أخذت تشهق باكية بعنف و قد فقدت السيطرة على نفسها تماما .....و حين تعثرت ساقطة على درجات السلم خلفه تتابعها أعين الخادمات والسيدة اسراء بذهول .... فأوقفها ادهم على قدميها ثم مد ذراعه ليحيط بها خصرها و يرفعها صاعدا السلم وهو يحملها بذراعا واحدة صارخا بصوتٍ مرعب 

( الى ماذا تنظرون ؟...... اذهبوا الى أعمالكم حالا )

فتفرق الجمع جريا كل في طريقه خوفا من ذلك الوحش الهمجي الذى يرونه لأول مرة ....... وحين دخل بها الى الغرفة ألقاها من ذراعه فسقطت على الأرض , لكنها لم تبقى مكانها بل أخذت تزحف مبتعدة عن العنف الذى ستواجهه لأول مرة من ادهم و هو على هذه الصورة البشعة .......

ظلت تنظر اليه شاهقة برعب و عيناها متسعتان تكادان تسعان وجهها كله .. الا انه لم يراف لرعبها بل اقترب منها ببطء و هى تبتعد عنه زحفا اكثر واكثر ..... الى ان توقف لاهثا ثم قال بصوتٍ كالفلاذ

( أين ذهبتما ؟....... ومنذ متى وأنتما تخرجان معا ؟)

ظلت عيناها المذعورتان تتطلعان إليه بينما صدرها يعلو ويهبط بعنف .... فصرخ مما جعلها تنتفض هلعا 

( أجيبي يا حلا ......منذ متى ؟)

فتحت شفتيها عدة مرات الا أن صوتها لم ينجح في الخروج كل مرةٍ الى أن قالت أخيرا بصوتٍ يخنقه النحيب 

( لم نخرج أبدا ..... أبدا )

تابع استجوابه لها وبينما لم يلن وجهه أبدا ( أين ذهبتما ؟........)

لم تجد بدا و قد شعرت بان النهاية اتية لا محالة فقالت مرتعشة تستجديه ( كنت عند أمي ....... أقسم لك أنني كنت عند أمي )

هنا فقط بدأت الصورة تتضح له .... بالتأكيد ايثار .... ومن غيرها سيصيبه الجنون بعد مكالمته لها..... الا أن ملامحه لم تلين لها أبدا , فقال بصرامة مخيفة 

(لماذا ذهبتِ اليها ..... وإياكِ و الكذب علي يا حلا )

دفنت وجهها بين كفيها و أخذت تنتحب بشدة و هي تدرك أنها النهاية ... فما كان منه الا ان اندفع جالسا القرفصاء بجانبها , يمسكها بقسوةٍ من ذراعيها وهو يهزها لترجع رأسها الى الخلف بشدة ثم قال بصوتٍ كنافثةِ اللهب 

( ولماذا أخفيتِ عني ذلك و تسللتِ خارجة مع ذلك الحقير ...... منذ متى و أنتِ تتحدثين معه ؟ ....... أجيبي )

خف نحيبها قليلا و نظرت اليه بعينيها المنكسرتين و كأنها تودع وجهه الحبيب لآخر مرة .....ثم همست باكية

( أخبرتك ..... من قبل أن..... هناك الكثير لم تعرفه عني بعد ......... لقد ظهر جزءا من ماضي لم أردك ان تعلمه , ظننت أننى قادرة على اخفاؤه مجددا ...أردت أن أحميك و أحمي زواجنا ....شيئا سيدمر سمعتك ...لم يكن بيدي يا ادهم .. ما فات لم يكن بيدي , كنت مجبرة عليه )

سكتت وهي تعلم أنه لن يفهم شيئا من حديثها المجهول بالنسبةِ اليه ... الا إنه قال بصوتٍ مطعونٍ في صميمه 

( و اخترته هو ليحل لكِ مشكلتك ؟........ بعد كل ما بنيناه معا الفترة السابقة ...... عند أول صعوبةٍ تواجهك تختارين شخصا حقيرا ليساعدك ؟.......كيف يمكنني الوثوق بكِ بعد الآن.... لقد استنفذتى كل فرصك معى...... منذ سنواتٍ عديدة و أنتِ تخذلينني دائما .... لكن هذه المرة لم تخذليني فحسب , بل طعنتني يا حلا ......بعد كل ما حاولت أن أمنحه لكِ , اخترتِ خيارا حقيرا ليساعدك على تجاوز ماضيكِ .....)

ترك ذراعيها فجأة و كأنها ستلوثه ثم انتفض واقفا ينظر اليها بوحشية ثم قال لها أخيرا بصوتٍ مخيف

( لقد أخطأتِ خطأ كبيرا ..... كبيرا جدا و أعدك أن عقابك عندي سوف يوقفك عن حماقاتك لآخر حياتك )

لكن قبل أن يتحرك وجدت الجرأة التى بعثتها خوفها من أن يورط نفسه بأى عملٍ متهور فقالت تستجديه باكية بشدة

( دعه يذهب يا ادهم ..... لا تؤذه أرجوك , لقد كان هذا خطأى )

عاد اليها في خطوةٍ واحدة ليجثو أمامها جاذبا شعرها بقسوة وهو يصرخ بصوتٍ أرعبها 

( هل واتتكِ الجرأة على الدفاع عنه أمامي ....... هل تريدين أن أقتلك )

ثم رفع يده الأخرى عاليا .... فأغمضت عينيها رعبا و هى تشهق منتظرة نزول يده على وجهها .....

لكن مرت عدة لحظات ولم يحدث شيء ففتحت عينيها ببطء لتفاجأ بنظرة عينيه المشبعة بالألم .... هل لهذه الدرجة جرحته ....هل كان شيئا بسيطا اعتقدته يوما من الأيام أنه مجرد وسيلة للهرب من خيالاتها و وحدتها , هو السبب في ذلك الجرح العميق الذى تراه الآن في عينيه ..........

ضم قبضته بشدة ثم اندفع واقفا ليخرج من الغرفة لكن قبلا استدار اليها ليقول بصوتٍ مهين 

( لن تخرجي من هذه الغرفة الا على جثتي ........كنتِ تعتقدين أنني أسجنك من قبل ...... اذن فلترى معنى السجن الحقيقي منذ اليوم)

ثم خرج من الغرفة صافقا الباب خلفه بعنف ... بعدها سمعت صوت المفتاح و هو يغلق الباب به ....

ظلت تنظر الى الباب في نحيبٍ صامت معذب و هى تشعر بأن عالمها كله قد انقلب الى جحيمٍ في لحظة واحدة ......

الفصل العشرون (2) 

غرفة أخرى .... سادها جنونٌ من نوعٍ آخر .....وحشا آخر يدورهائجا أسيرا في قفصه .....يتوقف بعد كل خطوة لينظر حوله , عله يجدها ..ويكون ما حدث هو من وحي خياله المسحور بها ......

يصرخ بغضبٍ كل دقيقة ..... يركل شيئا ما كل لحظة ..... تكلم في كل مكانٍ تستطيع الذهاب اليه دون جدوى ......سأل الجميع دون أن يجد اجابة .......و كأنها تركت هاتفه فقط لتسخر من حاولاته الفاشلة ِ في العثور عليها ......

هل يبلغ عن سرقة السيارة ........ فسيارة احمد مهران الخاصة ستنقلب لها الدنيا حتى تعود اليه ....... لكن كيف ذلك و المجنونة هي التى سرقتها ..........كم سيسعد حين يأتون له بها مكبلة بالقيود ......و لو عليه لكان أحب أن تعيش خلف القطبان نتيجة فعلتها الحمقاء...

سابين .... توقف في مكانه لحظة ليهمس باسمها .....هل رحلت فعلا ....كلا هناك خطأ ما بالتأكيد , ليس بعد اللية الماضية ...لا تستطيع أن تكون بمثل هذه القسوة أبدا .....

ما تشاركاه ليلة أمس ليس من وحي خياله .... لقد كانت ذائبة بين ذراعيه , و عينيها .....آآآآه من عينيها , لقد حكت له الف قصة جميلة ...هل كان كل هذا تمثيلا لتنهي الفصل الأخير من تلك المسرحية الهزلية .......

نظر الى المرآة لتطالعه صورة رجلا ضخما عاري الصدر مفتول العضلات مشعث الشعر و لحيته نامية قليلا ......رجلا خرج للتو من سحر ليالي الف ليلة و ليلة .......

وضع يده على الجانب الايسر من هذا الصدر الصلب القاسي و هو يشعر بألما قويا بداخله .....لقد أصابته في مقتل تلك الساحرة الشريرة اذاقته سحرها متعمدة ثم هربت بما تبقى منه ,........... 

اندفع الى الفراش المدمر ليلتقط تلك الورقة الصغيرة المطحونة بفعل قبضته ......ليطالعها عله يستطيع التصديق أخيرا.....

أنا أحمل طفلك بداخلي .........طفله ...... هل سابين بالفعل تحمل طفله .... أم أنها خدعة لتؤلمه أكثر .......

طفل من سابين ..... في وسط وحشية الغضب الذى تملكه بعثت هذه الفكرة ابتسامة خرقاء الى شفتيه ........طفلة ..... لكم يتمنى أن تكون طفلة بعينين زرقاوين و خصلاتٍ حريريةٍ سوداء .........

مجرد تخيل تلك الصورة بعث رعشة ناعمة الى قلبه المتألم ....... هل قلبه هو الذى يتألم ؟....... متى أحبها ..... وكيف .......

كان يريدها زوجة ليطوعها مبقيا على قوتها وشجاعتها ......كان يريد سحرها و فتنة عينيها ........

لكنه أبدا لم يظنه الحب ......لم يظن أن يعرف الحب مرة أخرى بعد ليال ......كيف سحرته و ألقت عليه لعنتها .... كان يظن لعنتها هي فتنتها الطاغية ...... الا إنه اكتشف الآن أنها أشد براعة و فتكا ....فقد ألقت عليه لعنة حبها ...... لكنها رحلت .... لم تعطه الفرصة ليعطيها حنانه الذى كان يدخره لها بعد أن يمرا معا بتلك المرحلة التى قررها بنفسه بمنتهى الغرور ...........

نظر مرة أخرى الى الورقة و هو يقرأ كلمتها ....... لكني أشد شراسة حين أحب ........

المجنونة القاسية .... أبت أن تتركه الا بعد أن تعلمه بحبها ليتلظى بنار القهر وعذاب حبها أكثر و أكثر ...........

أشد عقاب له , أن تتركه و هي تراه بهذه الصورة القاسية دون أن تمنحه الفرصة ليريها ما كان يريده لها ........

انتفض فجاة بقسوة و وحشية و عقد حاجباه ...... لماذا يتكلم بصفة الماضي ...... فقسما بالله أنه لن يتركها ترحل عنه أبدا سواءا كانت تحمل طفله أم كانت مجرد خدعة مجنونة منها ....... فوالله لو كانت تلك كذبه فسترى منه أياما أشد سوادا من التى مضت ..... لكن لن يتركها ...... الخلاصة أنه لن يتخلى عنها أبدا .... ولن يسمح لها بالابتعاد كثيرا فقد تكون مستمتعة تضحك في هذه اللحظة تظن أنها قد حققت انتصارا واهيا عليه ..........

لكن فلتري يا سابين من سيضحك في النهاية ..... ومن هو الذى سيأسرك في أحضانه الى آخر العمر .....

امسك هاتفه مرة أخرى ليطلب سيارة أخرى في الحال ثم توجه الى ارتداء ملابسه وهو يتوعد و يقسم بأغلظ الأيمان .......

.................................................. .................................................. ...............................................

ما أجمل السعادة ..... ما أروع أن تصبح زوجة , هل هناك ما يوازي بهجتها الآن و هي واقفة تطهو له .... حبيبها الغالي ...طفلها الوحيد و سيد قلبها ......فارسها المغوار .........

تلك الفترة مرت عليها بمباهج الحب المتوهج ....لكن أيضا لم تكن سهلة عليها , فلقد اكتشفت الكثير من طباع فارس الصعبة و التى لم تكن تدركها جيدا قبل أن يجعلها زوجته .....

فهو شديد التملك , كثير التطلب ......أناني الى حدٍ ما , لكنها دائما ما تحتويه لتتحايل على الموقف و تمتص سوء طباعه .... لقد تألمت قليلا في عدة مواقف , لكنها تعود دائما لتضمه الى صدرها قلبا وقالبا .....

لن تتخاذل الآن بعد أن نالت مبتغاها .... تعلم أن الحياة الواقعية تختلف عن حياة الأحلام الوردية , وهي بالذات لم يكن طريقها مع فارس مفروشا بالورود .....لذا فإن كانت تحتاج الى القوة سابقا ....فهى الآن تحتاج الى أضعافها .....وسيكون الصبر هو سلاحها .

كانت تدندن بلحنٍ ناعم وهى تتمايل على أنغامه , تحرك معلقتها في المقلاة بتراقصٍ مع تمايلها .....تستنشق رائحة ماتعده بشهية و كأنها أضافت اليه القليل من حبها ........

شعرت فجأة بيدين قويتين دافئتين تمسكانِ بخصرها , فابتسمت و هي تكمل غنائها و تمايلها بين يديه القويتين ..... بينما هو نزل برأسه ليدفن وجهه في عنقها الناعم ليقلبه بشغف باعثا رعشة مجنونه في أطرافها ......سمعته يهمس و شفتاه ملاصقتان لعنقها .......

؛( أنتِ تنوين اثارة جنوني بالكامل اليس كذلك .......أنت تتعمدين اغراق نفسك بهذا العطر اللعين )

اتسعت ابتسامتها و برقت عيناها بشقاوة و هي تقول باغرء 

( هل ظننت أننى سأرحمك بعد أن عرفت سرك ...........)

ضحك بخفةٍ و هو يجيبها صوتٍ أجشٍ خافت 

( لا ترحميني قدر استطاعتك........لكن اعلمي أنني سأجدك دائما بهذه الطريقة )

ضحكت و هي تميل برأسها الى الخلف مغمضة عينيها لتستند عليه ثم همست 

( وهل تظن أنني أمانع ؟............يوم تتوقف عن البحث عني لن أكون وقتها في نفس العالم معك )

لم يستطع مقاومة جمالها اكثر وهو يديرها اليه بخفة لينظر اليها لحظةٍ و كأنه يشبع من ملامحها الموجودة في خياله قبل أن ينقض عليها مهاجما بكل أسلحته دروعها واحدا تلو الآخر .....الى أن سلمت له أخيرا معلنة انهزامها أمام غزوه الهمجي ..... لكن دون أن تنسى اطفاء الموقد خلفها ......فهي تستطيع نسيان نفسها لكن لا تستطيع نسيان وجبتها المحملة بالحب له .......

بعد فترة طويلة وهي مستلقية في أحضانه كقطة ٍ مدللة همست له بشوق ( أحبك ......)

فكانت قبلته الحانية هي الرد المعتاد الذى اعتادت سماعه دائما على كلمتها التى تمطره بها ليل نهار ... الن يأتي اليوم الذي يرد فيه بمثلها .....هل ستعيش لتسمعها من قلبه القاسي , بداخلها تعلم أنها ستسمعها يوما ما و ستنتظرها .....

مررت يدا حانية على بطنها المسطحة وهي تتخيل نمو طفلا صغيرا بداخلها ... مع أنها تعلم أن ذلك لن يحدث الا بعد أن يقرر فارس اعطائها الإذن بالموفقة ....

التفتت الى وجهه الحبيب المسترخي ثم لم تستطع منع نفسها من الهمس 

( ألم يحن الوقت بعد يا فارس ......)

نظر اليها مقطبا جبينه و هو يسأل ( لأي شيء ؟.......)

ابتلعت ريقها و همست مترددة ( الأطفال .....)

أغمض فارس عينيه وهو يتأوه بملل قائلا ( ليس مجددا ..... الم ننتهي من هذا الموضوع بعد ؟)

عبست وقد انتابها العند هى الأخرى فقالت بحدة ( سننتهي حين تعطيني سببا منطقيا لرفضك المتعنت ...)

قست عيناه و بان الغضب على ملامحه الا إنها رفضت أن يرهبها غضبه , هذا حقها و هي تنوي الحصول عليه فقالت بشجاعة 

( فارس .....لما هذا الرفض ؟)

قال لها بغضب و نفاذ صبر ( ما الذى أستطيع أن أقدمه الى طفلٍ صغير .....أنتِ ستتحملين مسؤليته بالكامل , لن أستطيع أن أساعدك بشيء,..... هل تدركين ذلك )

قالت له بسرعةٍ و صلابة ( أنا أعرف ذلك جيدا ..... وأنا أرحب جدا بتحمل مسؤلية ابني كاملة و بالنسبة لك فأنت لديك الكثير لتقدمه الى طفلك ... هذا ليس سببا مقنعا يا فارس )

نهض جالسا على الفراش بحدة و هو يقول بصوتٍ قاطع

( هذا الموضوع سينتهي الآن و هو غير قابل للنقاش )

فجلست هي الأخرى و هي تكاد تكتم انفعالها الشديد و هي تقول بحدة 

( لحظة واحدة ... دعني أفهم ذلك جيدا ... أنت ترفض أن أتابع دراستي و ترفض أن أعمل ..... و ترفض أيضا أن أكون أم ..... لا اصدق )

قام من الفراش منفعلا و هو يقول بصرامة ( بل صدقي .....و أريد أن ينتهي هذا الجدل العقيم حالا )

صرخت سما و قد فقدت التحكم في نفسها ( بل لم ينتهي بعد .... لا أصدق مدى أنانيتك )

التفت اليها و عيناه المتوحشتان تكاد أن تفترسها و هو يصرخ مزلزلا الغرفة 

( نعم ..... نعم أنا أناني لعين , و أنتِ تعلمين ذلك جيدا .....أنا لم أخدعكِ من قبل )

صرخت هي الأخرى ( وماذا لو أصريت على طلبي .......)

نظر اليها عابسا بشدة و هو يمعن في كلامها ثم قال بلهجة تهديدٍ مخيفة 

( إن كنتِ تفكرين في خداعي و وضعي أمام الأمر الواقع ..... لأجدك تخبريني يوما أنكِ تنتظرين طفلا , فلا تلومي الا نفسك يا سما )

ذبحتها كلمته فهمست غير مصدقة ما سمعته ( خداعك .......)

فسكتت و قد حفر الألم معالم وجهها ... يا الهي ما أشد قسوته ..... لم تكن تعلم أنه بمثل هذه القسوة ....و الظلم ......

سابقا حين كان يصرخ بها و يأمرها و أحيانا تتطاول يده عليها .....لم يكن الألم حينها يوازي ما تشعر به الآن .... فهي سابقا كانت تعلم أن عجزه هو السبب في قسوته بينما في داخله يقبع طفل وحيد يخاف من الظلام المحيط به ........

لكن الآن ...... ترى منه وجها آخر ... وجها شرسا ..... وجها لا تستطيع أن تبرر له تصرفاته القاسية .......

وضعت يدها على فمها مغمضة عينيها و هي تطلق شهقة بكاءٍ مرير .......

استدار فارس ناحية باب الغرفة يسير اليه مستعينا بعصاه الرفيعة الخرقاء و التى أخذت تتخبط بكل شيءٍ في الغرفة ........

كانت سما قد ساعدته الأيام الماضية على عد خطواته وحفظ عدد كلا منها في كل جزء من منزلهما الجديد ليعتاد على التحرك به......لكن الآن يشعر انه نسي الأعداد التى حفظها كلها ..... حتى بات الخروج من باب الغرفة يشبه الخروج من متاهة .... خاصة حين تلاحقه شهقاتها المعذبة ......

.................................................. .................................................. ..............................................

أخذت ايثار تمشي بعصبيةٍ جيئةٍ و ذهابا .....عيناها تلمعان بوحشية وجسدها يتمايل كما تتمايل الكوبرا ...... , كعب حذاءها المسنن الرفيع و الذى يصلح لأن يستخدم كسلاحٍ قاتل يطرق على الأرضِ اللامعة بجنون ......

تمسك بهاتفها تنتظر اتصالا منه لكن دون جدوى ......

همست أخيرا بغضب ؛( ذلك الغبي .... لقد أكدت عليه أن يكلمني ...... تبا .... تبا ...إنه أخرق لا يعتمد عليه )

زفرت بحنق و هي تتخلل خصلاتِ شعرها السوداء الطويلة بأصابعها الرفيعةِ كالمخالب و المزينة بخواتم ثمينة هي كل ما تبقى لها من زمنٍ مضى ......

همست أخيرا بحنقٍ لنفسها ( لا جدوى من ذلك ...... سأكلمه أنا , أوف لن أستطيع الإنتظار أكثر )

طلبت رقمه و هي تنتظر الرد على احر من الجمر الى ان فتح الخط اخيرا فلم تصبر قبل ان تصرخ بشدة 

( أين كنت أيها الغبي ...... ألم أعيد عليك أكثر من مرة أن تتصل بي ما أن تصلا )

لم تسمع سوى هسيس أنفاسا غاضبة ..... ففكرت بسخريةٍ أن هذا الصعلوك يشعر بالإهانة ... بعد أن أمنت له وظيفة في القصر .. أصبحت لديه كرامة ليعتد بها , بل و تجرأ على أن يحب زوجة صاحب القصر أيضا ...... يا له من أحمق...... 

اعادت عليه بمنتهى الصلف و الغرور 

(المهم أخبرني ..... هل انهارت كالعادة أم أنها استطاعت الصمود؟, ... هل طلبت منك الذهاب الى ادهم ؟.......لماذا لا تجيب أيها الأحمق هل أصابك الصمم )

مع صراخها الأخير انقطع الخط ... فنظرت الى الهاتف بذهول و هي غير مصدقة لما فعله .... لقد أغلق الخط .....الحقير الصعلوك أغلق الخط ......

رمت الهاتف على الأريكةِ بعنفٍ وهي تصرخ كجنيةٍ شريرة ..... ثم أخذت تسير كالمجنونةِ و هي تفرك أصابعها بعصبية ......

لم تعلم كم مر عليها و هي في هذه الحالة المجنونة ...... الى أن سمعت فجأة صوت جرس الباب فعقدت حاجبيها و هي تتسائل عن هوية القادم اليها الآن .....ثم اتجهت الى الباب لتفتحه ... و بعدها و قفت متسمرة مكانها و هي تتطلع الي وحشٍ كاسر بعيونٍ شيطانية .....

.................................................. .................................................. .............................................

كانت سما مستلقية على فراشها بعيونٍ مفتوحة متورمةٍ من كثرة البكاء .... منذ ساعةٍ واحدة حملها فارس على جوادٍ أبيض الى عالمٍ من مشاعرٍ هوجاء دافئة أذابت قلبها ..... هكذا هي العلاقة بينهما ... رائعة جدا بل اكثر من رائعة فلماذا الآن تشعر و كأن خنجرا مسمما قد غرز في صدرها ......

لقد آلمها هذه المرة جدا , حتى أنها لا تعرف إن كانت ستستطيع نسيان ما قاله ......إنه لا يريد طفلا منها .... ببساطة لا يريد , فأعذاره واهية و أنانية للغاية ..... إن كان يحبها حبا حقيقيا لما كان قسى عليها بهذا الشكل ....

إنها تشعر بأنه طعنها في أنوثتها , ...... بالرغم من كل المشاعر العنيفةِ التى يجرها و يلقي بها فيها كل يوم , الا أن كلماته القليلةِ الآن كان لها تاثيرا أعمق و أفظع عليها كامرأةٍ تريدُ أطفالا من زوجها .......

لم تشعر يوما أنها ضعيفة مثلما تشعر الآن ......ظلت لاكثر من ثلاث سنوات قوية لا يرهبها بقسوته ......محبة لا تشك في قوةِ حبها له ....محاربة لا تضعف أبدا ..... فهل بدأت تستسلم الآن ..... في مجرد بضعة أسابيع ستنسى تعب ثلاث سنواتٍ و أكثر......

قاطع افكارها الحزينة صوت فارس و هو يصرخ غاضبا منفعلا اثناء مكالمته لأحدٍ ما ...... فانتفضت مذعورة و هي تجري اليه لتجده يلقي بهاتفه على الطاولة بغضب ....

فسألته بقلق ( ما الذى حدث يا فارس .......من كان يهاتفك ؟)

التفت اليها غاضبا و قال بانفعالٍ زائد ( هذا ما نحصل عليه بسبب عائلتك الكريمة ........)

اتسعت عيناها و نهش القلق أعماقها فسألته بسرعةٍ ( ماذا حدث ؟...........تكلم أرجوك )

قال بسخريةٍ غاضبة ( يبدو أن المجنونة أختك قد قررت فجأة بعد انقضاء شهر العسل ... أن الزواج لا يلائمها تماما فرحلت بمنتهى البرود ...... و ها هو احمد يكلمني صارخا يهدد و يتوعد إن كنا نخفيها عندنا ......... وكأن سابين تحتاج الى مساعدتنا )

ذهلت سما مما سمعته فقالت برعب

( مستحيل ....... مستحيل أن تفعل سابين ذلك لابد أن هناك خطأ ما ...... إن سابين تحب احمد جدا )

فقد السيطرة على نفسه و هو يصرخ

( حب ..... حب ...... حب ..... ألن تفيقي من أحلامك السخيفة تلك أبدا , كل شيءٍ لديكٍ تقيسينه بمقياسِ العواطف و الشيء الهلامي المسمى حبا ....و هل تعرف سابين الحب أصلا ......متى ستكبرين , يبدو أن علي تحمل عبء طفلةٍ الى ما لا نهاية )

شعرت و كأنها تلقت لكمة في معدتها من قسوة كلماته فظلت تنظر اليه بصمت و قد وصلتها الحقيقة التى تجاهلتها طويلا .....هو ايضا صمت تماما و كانه علم بانه فضح افكاره اكثر مما ينبغي ....

ظل الصمت يظللهما طويلا ... و كأن كلا منهما ينتظر الآخر ليبدد ما هو فيه ويطمئنه أن كل شىء على ما يرام ..... لكن لم يجرؤ أيا منهما على الكلام .....

أخيرا نطقت سما بمنتهى الهدوء و ضبط النفس 

(سأكلم سابين لأطمئن عليها , لعلها تجيبني .......)

و خلال لحظة كانت تنتظر صوت سابين و القلق يعصف بداخلها .......الا ان صوتا رجوليا اجابها بانفعال , فنظرت الى الهاتف لحظة ثم ارجعته الى اذنها مرة اخرى و هي تقول بتردد 

( سيد احمد ؟ أهذا أنت ؟....... لماذا هاتف سابين ليس معها ؟)

انهال عليها صراخا حادا كاد أن يصم أذنها فأبعدت الهاتف قليلا وهي تغمض عينيها.......... لكنها عادت لتفتحهما مذعورة حين شعرت بالهاتف يخطف من يدها وصوت فارس يصرخ به بجنون و توحش 

( إياك أن تتحدث مع سما بهذا الإسلوب مرة أخرى ....... اذهب لتبحث





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close