رواية هويت رجل الصعيد الجزء الثاني2الفصل التاسع عشر19 والعشرون20 الاخير بقلم نورا عبد العزيز


 رواية هويت رجل الصعيد الجزء الثاني2الفصل التاسع عشر19 والعشرون20 الاخير بقلم نورا عبد العزيز

____ بعنــوان “البــــراءة”____ 

عاد “عطيه” مساءًا للمنزل وهو يتحدث بالهاتف قائلًا:- 

-بكرة الصبح هكون عندك ولو وصلت لحاجة يا خلف كلمينى على طول 

فتح باب الغرفة ليرى زوجته جالسة على الأريكة غاضبة من عودته مُتأخر فقال بجدية:- 

-ماشي لما أشوفك الصبح 

أغلق الهاتف ووضعه على الطاولة ونزع عمامته عن رأسه وهو يسير نحوها ثم جلس جوارها وسأل بفضول:- 

-ما لك؟ 

أجابته ببرود شديد مُتذمرة:- 

-مفيش 

نظر إليها عن قرب وكانت ملامحها عابسة بشدة فقال بهدوء:- 

-لا دا في وفي كمان 

رمقته بعينيها وكادت ان تتحدث لكنها تراجعت وقالت بضيق:- 

-مفيش حاجة، أنا هحضرلك العشاء 

وقفت بانفعال وقبل أن تسير أخذ “عطيه” يدها فى يده ثم جذبها إليها لتجلس على قدميه، تطلع بها عن قرب وقال:- 

-أنا اللى مزعلك أكدة 

تحدثت بانفعال شديد هاتفة:- 

-قرايبك جم يباركولنا فى الصباحية وفضلوا قاعدين مستني العريس يرجع وأنا كنت فى نص هدومي وأنا معرفش حد فيهم وعريسي سايبنى طول اليوم فى صباحيتي و... 

أسكتها بقبلة سريعة على شفتيها، أزدردت لعابها بخجل شديد والقشعريرة تسيطر على جسدها وهى تنظر بعينيه فى صمت وهو يهمس إليها قائلًا:- 

-حجك على رأسي يا ست العرايس 

تسارعت نبضات قلبها بجنون ولسانها لا يقاوم على الحديث لأستكمال شجارها وتواري الغضب من كيانها ليحل محله الخجل والدقات المتتالية لقلبها العاشق إليه وهذا الحبيب يهزم غضبها بأقل رد فعل منه، تبسم “عطيه” على سكونها ثم نظر إلي يدها وأخذها بين يديه ليقول:- 

-أنا خابر زين أنى مينفعش أهملك لحالك الفترة دى ومتأكد كمان أني مينفعش أهمل نوح لحاله فى الشدة دى 

نظرت “ليلى” إلى يديهما المُتشابكة فى عناق دافيء ثم رفعت نظرها إلى زوجها وقالت:- 

-أنا مش معارضة وقوفك جنبه ولا بقولك سيبه لوحده فى شدته بس على الأقل مترجعليش أنا أخر الليل  

أومأ إليها بنعم وقال بلطف:- 

-حاضر  

تبسمت “ليلي” بعفوية وقالت بحب:- 

-هحضرلك العشاء 

قبل أن تتحرك شعرت بيديه تتطوق خصرها بأحكام حتى لا تذهب وهمس إليها بحب:- 

-أستني بس أنتِ مستعجلة ليه؟ 

تنحنحت بخجل شديد وتوردت وجنتيها بلون دماءها المتدفقة فى عروقها وقالت بصوت رقيق:- 

-أنا هسخنه بسرعة  

رفع يده إلى وجنتها ليشعر بحرارتها الدافئة ووضع خصلات شعرها خلف أذنيها بدلل ثم قال:- 

-أنا معايزش أكل، أنا عايز حاجة تانية 

نظرت إليه بخجل شديد ولم تتفوه بكلمة واحدة ليبتسم وهو يحملها على ذراعيه ويقف من مكانه وسار بها تجاه الفراش وهى تتحاشي النظر إليه فضحك بقوة عليها وهى مُنكمشة فى ذاتها خجلًا، أنزلها على الفراش برفق ثم وضع رأسه على قدميها لتنظر إليه بحب ويأخذ يدها اليسري ليضعها فوق صدره ويتشبث بها، تحدثت “ليلي” بعفوية:- 

-تعبت من التفكير صح؟ 

هز رأسه بالموافقة ثم قال:- 

-فكرة أن رجالة نوح اللى خطفوه خلت الكل يتوجع أن هو اللى جتله ورماه أكدة 

رفعت يدها اليمنى إلى رأسه تدلكها بحنان وتطلعت بملامح وجه زوجها بحب شديد لتهتف بثقة قائلة:- 

-أنا متأكدة أنك هتحلها  

نظر إلى عينيها بصمت لتبتسم بعفوية بسمة مُشرقة وكأنها تعطيه ما يكفي من الطاقة والأمل فأنحنت “ليلي” تقبل جبينه بدلال، ألتف “عطيه” إليها ليعانق خصرها كما هو ويغمض عينيه مُستلمًا للنوم على قدميها كطفلها الصغير فبدأت تربت “ليلي” على ظهره بحنان …. 

______________________ 

فتح باب الزنزانة ووجل العسكري يقول:- 

-نوح الصياد 

نظر “نوح” إليه ليقول العسكري:- 

-زيارة 

وقف “نوح” بملل من مكانه وهو يحمل سترته فى يده وما زال بنفس البدلة ليخرج مع العسكري فهمس إليه العسكري قائلًا:- 

-متزعلش منى يا نوح بيه 

أومأ “نوح” إليه بهدوء ففتح العسكرى باب المكتب ودلف “نوح” ودُهش عندما رأى زوجته هناك بصحبة “عطيه”، تطلع “نوح” بها فى نظرة طويلة حتى غادر الضابط المكتب لتسرع “عهد” إليه وتعانقه باشتياق جنوني فأخفض “عطيه” رأسه بعيدًا عنهما، ليطوقها “نوح” بجنون وهو يستنشق عبيرها الذي أشتاق له وأنفاسها تضرب صدره، أبتعد عنها بعد عناق طويل وهو يقول:- 

-أيه اللى جابك أهنا يا عهد؟ 

رفعت يدها إلى وجنته تلمس لحيته التى كبرت مُشتاق له والألم يفتت قلبها ثم قالت بهدوء:- 

-أنا كنت هتجنن وأجيلك من يومها بس غصب عني والله، سبحانه اللى صبرني وأديني القوة أستحمل فراقك عني 

أخذ يدها لتجلس على الأريكة بجانبه وقال:- 

-متجلجيش عليا يا عهد، المهم أنتِ تخلي بالك من حالك أنتِ وياسين 

همست إليه بعيون دامعة قائلة:- 

-أنت حالي يا نوح 

مسح على رأسها بدلال ثم قائلًا ببسمة خافتة:- 

-أطمني عليا يا حبيبة قلبي، أنا جدامك أهو زين  

تطلعت به بحزن شديد وهى تقول:- 

-خسيت النص وتقولي كويس 

تبسم بعفوية إليها ثم قال:- 

-من شوقي لكِ والله 

ألتف إلى “عطيه” وقال:- 

-جبتها ليه يا عطيه؟ 

تنحنح “عطيه” بضيق ثم قال:- 

-من يوم ما وفجت على رجلها وكل يوم تيجي الدار وتفضل مستنيني أرجع عشان أجيبها وجدامك أهو مرتك مبتسمعش الكلام وفاتن فعلًا بدور عليها هى وولدها  

نظر “نوح” إلى زوجته فتنحنحت بخوف من رد فعله ثم همست إليه قائلة:- 

-كنت هتجنن وأشوفك يا نوح 

تنهد بأختناق شديد من أفعالها ثم قال:- 

-عشان تشوفني أخسرك أنا أنتِ ولا ولدي، أسمعي الكلام يا عهد وخلي فى دار حُسنة ومتطلعيش منها تاني لحد ما أجيلك أنا فاهمة 

لم تجيبه وكان عنادها على إصرار مجيئها إليه يحتلها ليصرخ “نوح” بها بغضب قائلًا:- 

-متخلينيش أحلف عليكي بالطلاج لو طلعتي من الدار وأجبرك، أسمع الكلام من غير إجبارى أنا مناجصش خوف وقلق عليكم أفهمي بجى 

هربت دمعتها من جفنيها بحزن شديد ثم قالت:- 

-حاضر يا نوح من غير ما تحلف مش طالعة من البيت  

قتلته دموعها بهذه اللحظة ليرفع يده ويضم رأسها إلي كتفه ولا أحد يعلم بأنهيار قلبه فى هذه اللحظة وكما تمني أن يتوقف الوقت بهذه اللحظة وأكثر ما يرعبه بحق أن تصل فاتن إليها هى وطفلهما، غادرت مع “عطيه” بحزن يستحوذ عليها وعادت لمنزل “حُسنة” لتبقي به  

___________________ 

تحدث “همام” بجدية قائلًا:- 

-أنا مستعد أجيبلك واحد من رجالتي يشيل التهمة كلتها وأكيد لما يعترف أنه جتل خالد وهيطلع منها نوح بيه 

نظر “عطيه” إليه بجدية وقال بنبرة غليظة:- 

-ودا من أيه يا شيخ همام 

تبسم “همام بمكر ثم قال:- 

-تجوز ولدي أسماء وأعتجد لما تعرف أني جبتلهم جاتل أخوها مفيش اللى يخليها تمنع 

تبسم “عطيه” بسخرية شديد وهو يقول:- 

-ههههه بتعمل صفجة على حريم بس عادي مش غريبة عليك، متتعيش حالك يا شيخ همام، أنا خابر زين كيف أطلع نوح منها 

وقف ليغادر من مكانه غاضبًا وبعد أن صعد إلى سيارته رن هاتفه ليضعه على أذنه لثواني ثم ذهب إلي منزل “نوح” مُسرعًا وعندما دلف رأى سيدة عجوزة جالسة على الأريكة فى الصالون مع “سلمي” و”أسماء” ليقول:- 

-أنتِ مين؟ 

تحدثت الغجرية العجوزة قائلة:- 

-واحدة من الغجر يا بيه وجايلك تساعدني وأساعدكم 

نظر إليها بتعجب مُستغربًا كلمتها لتقول:- 

-أنا عارفة مين اللى جتل خالد وكمان السكينة اللى أتجتل بيها فين 

دُهش الجميع من كلماتها لتنظر “أسماء” إليها بصدمة ألجمتها وقالت:- 

-مين؟ 

على عكس “عطيه” الذي توقع القاتل بما أن هذه العجوز من الغجر لتتحدث السيدة بخوف ويديها ترتجف:- 

-مش جبل ما تدوني الأمان 

أومأ “عطيه” إليها بنعم ثم قال:- 

-تاج اللى عملتها أنا خابر دا زين لكن أنا اللى يهمني بجى سلاح الجريمة 

نظرت “أسماء” إليها بذهول وقالت:- 

-أنت كنت خابر أن نوح بريء؟ 

أومأ إليها بنعم ثم قال:- 

-نوح الصياد ميعملهاش  

نظر إلى الغجرية مُنتظر كلماتها لتقول:- 

-تاج بتهدنى بالجتل وأنا مهجازفش بحياتى  

أشار لها بنعم لتخبر بكل شيء أمام “أسماء” و”سلمي” ليأخذها إلى النيابة بنفسه كشاهدة وتتحرك الشرطة بالقبض على “تاج” وأحضر السكين الذي دفنته أسفل الخيمة، وخرج “نوح” بصحبة “عطيه”، على عكس “أسماء” التى صعدت إلى غرفتها بجنون وتتصل بوالدتها بهلع شديد لكنها لم تُجيب عليها فتأففت بخوف شدي:- 

-ردى يا ماما الله يخليكى  

بدأت ترتجف خوفًا من عدم تواصلها بوالدتها لتخبرها بقاتل أخاها.. 

____________________ 

سمعت “عهد” صوت صراخ من الأسفل لتخرج من الغرفة ونزلت الدرج لتُصدم عندما رأت مجموعة من النساء يبرحوا “خلود” ضربًا وعندما رأوا “عهد” أسرعوا إليها لتركض للأعلى بخوف شديد ثم دلفت لغرفتها بذعر لتحمل طفلها الرضيع على ذراعيها ففتح الباب، قالت بهلع:- 

-أنتوا عايزين مني أيه؟  

تبسمت النساء بمكر وهم يقتربوا منها مما أفزعها أكثر لتتشبث بطفلها بقوة وهى تعود بخطواتها للخلف حتى ألتصقت بالحائط ولا تجد مفر منهم وبدأت ترتجف رعبًا وخوفًا ثم قالت:- 

-فاتن اللى بعتتكم؟ أنا ممكن أديكم الفلوس اللى عايزينها والله وأضعاف اللى دفعتوه ليكم بس متأذوش ابنى 

أقتربت أحدهن منها لتصرخ “عهد” بقوة وأخذت المزهرية بيدها الأخرى وضربها بوجهها لتصرخ وهى تمسك رأسها ليقتربوا الأثنين منها وأخذت أحدهن “ياسين” والبقية أسقطه “عهد” على الفراش وبدوأ بضربها ببطنها تحديد فى مكان جراحتها وهى تتألم بقسوة وألم لا يحتمل ووضع الأخرى الطفل على الأريكة قبل أن تقترب منها، جاءت “خلود” من الخلف بمسدس وضربت طلقة بالهواء ليبعدوا عن “عهد” ونظروا عليها، سمع “نوح” و”عطيه” صوت الرصاصة ليفزع كلهما ويضغط “عطيه” على البنزين ، هددتهم “خلود” بالمسدس لتقف “عهد” بصعوبة من ألم بطنها وأخذت طفلها مُستغلة فرصة أقتربهن من “خلود” لتهرب “عهد” مُسرعة بـ “ياسين”، أرتجفت “خلود” بخوف من أقتربهن وهن على يقين بأنها لن تضرب أحد منهن وأخذوا المسدس منها ليدفعوها بقوة وخرجوا خلف “عهد”، خرجت من المنزل بذعر وهى لا تقوى على السير لكنها إذا أستسلمت للألم ربما تفقد طفلها للأبد، توقفت سيارة أمامها لتلفظ أنفاسها بصعوبة لكنها تنفست بأرتياح بعد أن رأت زوجها يترجل منها، أسرع “نوح” نحوها لتتشبث به بضعف مُستسلمة للألم وقالت بصوت مبحوح:- 

-نوح 

سقطت بين ذراعيه أرضًا وطفلها بين ذراعيها، نظر “نوح” إليها بذهول تام لا يُصدم ما يراه وزوجته فاقدة للوعي بين ذراعيه وهناك أثر دماء على ملابسها، ناداها بخوف شديد قائلًا:- 

-عهد..حبيبتى  

رأته أحد النساء ليفروا هاربين قبل أن يراهم، أخذ “عهد” للمستشفي وظل بجوارها ماسكًا يديها بأحكام... 

____________________ 

رحلت “فاتن” من المقابر وعادت للمنزل لتهرع “أسماء” إليها وقالت:- 

-مبترديش على تليفونك ليه؟ 

أجابتها “فاتن” ببرود شديد قائلة:- 

-عشان عارفة أنك هتعارضينى 

همست “أسماء” إليها بخوف من أن يسمعها أحد قائلة:- 

-عشان مش نوح اللى جتل خالد، دى تاج وفين شاهدة وسلاح الجريمة  

أتسعت عيني “فاتن” على مصراعيها بصدمة ألجمتها وتمتم بخوف:- 

-أنتِ بتجولي أيه؟ 

نظرت “أسماء” إلى خوف والدتها لتسأل بخوف شديد:- 

-أنتِ عملتي أيه؟ 

تركتها “فاتن” وأتصلت علي أحد النساء لكنها لم تجيب عليها لترتجف بخوف مما سيحدث وتحديدًا بعد ان علمت بخروج “نوح” من السجن فصعدت لغرفتها تختبيء بها 

____________________ 

فتحت “عهد” عينيها بتعب شديد لتراه جوارها مُحتضنًا يديها بيديه بأنتظارها لتبتسم بضعف شديد ثم قالت:- 

-نوح 

أقترب منها وهو يضع يده الأخرى فوق رأسها بحنان وقال بحب شديد:- 

-قلب نوح من جوا 

هربت دمعة من عينيها بخوف شديد وهمست إليها برجاء:- 

-قولي أن الكابوس دا خلص خلاص ومش هتبعد عني تاني 

رفع يدها بيده ليضع قبلة عليها بدلال مُطمئنًا لها ثم نظر بعينيها وهو يقول:- 

-خلص يا عهدي، خلص ومهبعدش عنكم تاني واصل 

أغمضت عينيها بأستسلام وأرتياح ليبتسم “نوح” عليها ثم تركها بالغرفة وخرج إلى “عطيه” ليقول بغضب سافر:- 

-عملت أيه؟ 

سأله “عطيه” بقلق شديد من غضبه:- 

-أنت ناوي على أيه؟ 

تنهد “نوح” بأختناق وعجز من معاقبة زوجة عمه وبنفس اللحظة لا يستطيع تركها بعد فعلتها بزوجته، تحدث بضيق شديد:- 

-طلعهم من البيت الكبير يا عطيه، معاوزش أشوف وشها لا هى ولا بنتها فى دارى تاني 

أومأ “عطيه” له بنعم ثم قال بحب:- 

-حمدالله على سلامتك يا صاحبي وعلى سلامة المدام 

تبسم “نوح” إليه بأمتنان شديد وقال:- 

-تعبتك ويايا يا عطيه 

تبسم “عطيه” بسعادة وقال:- 

-متجولش أكدة 

غمز “نوح” إليه بحب وقال:- 

-روحي لعروستك مع أن شهر العسل خلاص بس ملحوجة  

ضحك “عطيه” له ثم غادر مُبتسمًا... 

____________________ 

كانت “ليلي” واقفة مع “مريم” فى المطبخ يجهزون الطعام لتشعر “ليلي” بغثيان فى شديد لتضع يدها على فمها لكنها لم تتحمل الأمر أكثر لتركض إلى المرحاض فذهبت “مريم” خلفها بقلق شديد وقالت:- 

-ليلي، أفتح الباب  

دقات كثيرًا على الباب حتى فتحته “ليلي” من الداخل وخرجت لتفزع “مريم” عليها برؤية وجهه شاحبًا وتتعرق بتعب فسألتها بهدوء:- 

-واااا مالك يا خيتى 

وضعت “ليلى” يديها على وجهها بتعب وكانت باردة كقطعة الثلج ثم قالت بتلعثم شديد:- 

-مفيش  

أخذتها “مريم” إلى الأريكة لتجلس ثم قالت:- 

-هعملك حاجة دافئة 

سارت نحو المطبخ ليدق باب المنزل فذهبت نحوه تفتح، كان “عطيه” وقبل أن تخبره بشيء ركضت “ليلي” بتعب مرة أخرى إلى المرحاض لتقول “مريم” بقلق شديد:- 

-لا دا الحال دا ميتسكتش عليه واصل 

أسرعت لها بقلق ومعها “عطيه” فسأل بقلق على زوجته:- 

-مالها؟ 

-من الصبح وهى على الحال دا مخابرش مالها 

قالتها “مريم” بقلق ليقول “عطيه” بضيق:- 

-وأنتِ داكتورة بالأسم يعنى 

فتحت “ليلي” باب المرحاض بتعب ليأخذ “عطيه” يدها وقال:- 

-أجبهالك داكتور من برا  

رفعت “مريم” حاجبها بغرور فى صمت بينما خذها “عطيه” للأريكة فجلست عليها بتعب وكانت فى حالة من الخمول وبعد أن فحصتها “مريم” تحت أنظاره وقفت بكبرياء، سأل “عطيه” بقلق:- 

-مالها؟ 

عقدت “مريم” ذراعيها أمام صدرها ثم قالت:- 

-مش هتدفع تمن الكشف الأول 

مسكها “عطيه” من لياقتها وكاد أن يرفعها بقوته عن الأرض وهو يقول بزمجرة:- 

-أنا مناجصكش 

تأففت “مريم” بضيق من قسوة أخاها وقالت:- 

-هيكون مالها يعنى، عروسة وعاملة ترجع ودايخة وجرفانة من الوكل كله.. مش محتاجة داكتور ..حامل 

أتسعت أعين “عطيه” على مصراعيها بذهول ونظر إلى زوجته بدهشة وهو غير مُصدق ما سمعه ليترك أخته وكأن بعالم اخر وتمتم بسعادة:- 

-حامل 

أقتربت “مريم” منه بسعادة وقالت بخبث:- 

-مش هتحللي تمي ولاا أيه 

دفعها بعيدًا وهو يجلس على الأرض جوار زوجته وقال:- 

-ألف مبروك يا حبيبتى 

تبسمت “ليلي” بسعادة وهى تحدق به وقالت بفرحة تغمرها:- 

-حامل يا عطيه 

عانقته بحب شديد وهى لا تصدق السعادة التى تشعر به فتنحنحت “مريم” بهدوء لتخجل “ليلي” من وجودها وتبتعد عن زوجها، على عكس “عطيه” الذي حملها على ذراعيه مُسرعًا ووقف بها وسار نحو السُلم لتقول “مريم” بمزاح:- 

-متتأخرش عشان العشاء يا أخويا 

أجابها بجدية ولهجة غليظة قائلًا:- 

-متستنينيش يا مريم أنا شبعان مواكلش 

أنفجرت ضاحكة وذهبت نحو غرفة والدتها لتخبرها بأن حفيدها الأول قادم وستصبح جدة لتقول والدتها بجدية:- 

-أنتِ متأكدة؟ 

أجابتها “مريم” بثقة وهى تجلس أمامها على الفراش:- 

-عيب عليكي يا حجة هو انا بتاعت بطاطا  

___________________ 

وصل “عمر” بزوجته إلى شقة والدته بعد وصولهم من الصعيد فمسكت “عليا” يده بقلق وقالت:- 

-عمر بلاش أنا خلينا أروح 

نظر “عمر” إلى زوجته بأرتياح بعد أن أخذ يدها فى راحة يده وقال:- 

-متقلقيش يا حبيبتى 

طرق الباب ففتح “همسة” له وقالت بسعادة:- 

-عمر 

عانقته بحبه ورحب ثم عانقت “عليا” ورحبت بهم فسأل “عمر” عن والدته قائلًا:- 

-ماما فين أمال؟ 

أقتربت “همسة” منه بهدوء خوفًا من أن تسمعها والدتها وقالت:- 

-فى المطبخ بتعملكم الغداء بنفسها 

جلسوا فى الصالون معًا لتجمع “عليا” شجاعتها قليلًا وقالت:- 

-أنا هقوم أساعدها 

أشار “عمر” لها بنعم، دلفت للمطبخ ورأت والدته واقفة أمام البوتاجاز وتقلب الجمبري فى الصوص بالمقلاة، تنحنحت بحرج وقالت:- 

-أساعدك فى حاجة يا طنط 

تحدثت والدته بجدية صارمة:- 

-هتساعدينى بأيه ببطنك دى، أخرج أستني مع جوزك  

أقتربت “عليا” أكثر وهى تقول:- 

-أنا بقف فى المطبخ عادي مبنمش فى السرير طول الوقت أكيد، قوليلي أعمل أيه 

تأففت والدته بضيق شديد ثم قالت:- 

-يا ستى أنا مش عايزة حد يساعدنى أطلعي أرتاحي برا، حد يلاقي الراحة ويقول لا 

خرجت “عليا” بضيق من رافضها القاطع لها وبعد أن جهزت والدته السفرة جلسوا يتغدوا سوا وكانت “عليا” صامتة تنظر بطبقها بحرج وضيق وتشعر كأنها غير مرغوبة به، أتاها صوت والدته تقول:- 

-هى مراتك مبتأكلش ليه؟ دى حامل ولا يكون الأكل مش عاجبها 

رفعت “عليا” نظرها بحرج شديد ثم قالت:- 

-لا خالص تسلم أيدك أنا عمرى ما كلت سمك حلو كدة 

-طب ما تأكلى دا انتِ بتأكلى لأتنين 

قالتها بحدة لتؤمأ لها “عليا” بنعم وبعد أن انهوا الطعام جلسوا معًا على الأريكة يشاهدون التلفاز بينما جلس “يونس” يلعب على الأرض بالكرة لتأتي بالمكتبة فوقفت “عليا” بغضب خوفًا من والدة زوجها وقال بنبرة غليظة:- 

-أنا مش قلت مفيش لعب بالكرة فى الشقة ها 

جذبت من يده وجعلت يجلس جوارها ليبدأ فى البكاء بصمت ودموعه تسيل على وجنته، تحدثت والدة عمر بنبرة هادئة:- 

-تعالي يا يونس 

نظرت “عليا” لها بقلق بينما تحرك “يونس” بخطوات خافتة نحوها لتحمله على قدميها وقالت:- 

-فى راجل يعيط كدة 

تحدث “يونس” بصوت مبحوح باكيًا:- 

-أنا عايز ألعب 

وقفت والدة عمر وحملته على ذراعيها ثم أخذته لغرفتها فنظرت “عليا” إلى زوجها ليشير لها بأن تصمت وبعد دقائق خرج “يونس” من الغرفة بسعادة يركض وهو يحمل علبة من المكعبات الكبيرة مما أدهش “عليا” تمامًا لترفع نظرها إلى والدة “عمر” بعد أن جلست مكانها ولا تعلم ماذا تقول على عكس والدته التى تحدث قائلة:- 

-أنا مبكرهكيش يا عليا، أنا بس محبتش الطريقة اللى أتجوزتي بيها ابنى وومع ذلك حقك عليا لو أذيتك بكلمة كدة ولا كدة ولا جرحتك 

نظرت “عليا” بحرج شديد لها ثم قالت:- 

-العفو يا طنط متقوليش كدة 

نظرت والدته لها ثم قالت:- 

-طنط أيه بقى اسمها ماما إلا بقى لو انتِ لسه زعلانة مني 

هزت رأسها بالنفي مُسرعة وقالت:- 

-لا طبعًا يا ماما 

لتبتسم والدة “عمر” لها وهى تفتح ذراعيها لتذهب “عليا” وتجلس جوارها وتعانقها بحب شديد وسعادة تغمرها فطوقتها والدته وقالت:- 

-على فكرة أنا عاملة السمك دا كله عشان عمر قالي أنك بتحبي السمك 

تبسمت “عليا” إليها بحب فغمزت “همسة” إلى أخاها ليضحك “عمر” وهو يقول:- 

-أنا كدة أطمنت عليكم.. 

___________________ 

ترجل “نوح” من الأعلي بوجه حاد عابس ودخل غرفة الضيوف المنفصلة عن المنزل وكان “نادر” بالداخل فحدق به بغضب شديد وتبسم “نادر” ….. 

   

 
الفصل العشرون(20) الأخير
____ بعنــوان “لك القلب كاملًا”____ 

 

أستمع “نوح” لحديث “نادر” كاملًا فى صمت شديد دون أن يتفوه بكلمة واحدة ثم قال:- 

-طبعًا مجيئتك لعندي على عيني وعلى رأسي وكان نفسي أساعدك لكن أنا جطعت كل علاجتى بأسماء وأمها ولو عايز تطلبها روح لوالدتها أنا ماليش علاجة بيهم 

تنحنح “نادر” بخفة ثم قال بحماس:- 

-يا نوح بيه أنا … 

قاطعه “نوح” بنبرة حادة قاتلة:- 

-الموضوع دا منتهي لو سمحت  

أستأذن “نادر” بضيق للمغادرة من غضب “نوح” وثباته على موقفه فى مقاطعة “أسماء” ووالدتها بحزم ليقف “نوح” من مكانه ويصعد إلى غرفته وعندما فتح الباب وجد “عهد” تسير فى الغرفة ذهابًا وإيابًا بطفلها الصغير الذي تحمله على ذراعيها وتربت عليه لكى تساعده فى النوم ليقول بحب:- 

-نام؟ 

نظرت “عهد” إليه بجدية لتشير إليه بنعم وذهب إلى المكتب الموجودة بزاوية الغرفة ليفتح الدرج وهو جالسًا على المقعد، وضعت “عهد” طفلها بفراشه الهزاز ثم ذهبت إليه ووقفت جواره لتراه يخرج  دفتر الشيكات الخاص به ويكتب أسم “أسماء” به فسألت بتعجب شديد:- 

-بتعمل أيه يا نوح؟ 

أجابها “نوح” بنبرة هادئة دون أن يرفع نظره عن الورقة قائلًا:- 

-بخلص من الهم اللى على أكتافي  

نظرت إلى زوجها فكان منغمسًا فيما يفعله لترفع يدها إلى رقبته من الخلف تداعبها بدلال وكان يفكر بعقل شارد لتهتهم “عهد” قائلة:- 

-روق يا نوح عشاني 

رفع “نوح” رأسه للأعلى بقوة حتى يراها وهى تقف خلفه ثم قال بنبرة هادئة:- 

-أنا عايش عشانك يا عهدي 

أومأت إليه بنعم وببسمة مُشرقة هادئة ثم قالت بلطف:- 

-ربنا يخليك ليا يا حبيبي 

وقف من مكانه أمامها مباشرة ثم أخذ يدها فى يده وسار بها إلى الأريكة أمام شاشة التلفاز وهو يقول:- 

-تعبت منهم يا عهد، مبجتش عارف مين فين الصح ومين فين الغلط، أنا اللى ظالم ومفتري وجاسي كيف ما بيجوله ولا أنا اللى أتظلمت وخدت منهم كتير 

نظرت “عهد” إليه وكان القلق يحتل وجهه وعينيه خاشيًا أن يحمل ذنبًا على عاتقه من ظلم أحد وهذا الرجل الذي أمامها يقتله الظلم ولا يقوى على حمل شعور الظلم، تنهدت بأرتياح وهى تعانق يديهما بيدها الأخرى ثم قالت بلطف:- 

-سامح لو تقدر يا نوح لكن متجيش على نفسك وتحملها فوق طاقتك، لو قادر تغفر أغفر وخلي علاقتك بيهم علاقة سطحية شوية، ميرجعوش البيت.. اه ميرجعوش لأن أنا نفسي مش هقدر أثق فيهم وأعيش معاهم فى بيت واحد، مقدرش اسامح لكن أتعامل معاهم فى حدود اه لكن عمرى ما هنسي أنهم حاولوا يموتوني أنا وابنى 

نظر “نوح” إليها بحزن شديد ثم قال:- 

-وأنا مجدرش أجازف بيكي يا روحي ولا أدخلهم بيتي من تاني 

تبسمت “عهد” بخفوت ثم رفعت يدها إلى وجنته تداعب لحيته بنعومة مُدلل إياه ثم قالت:- 

-يبقي لو قادر تتعامل معاهم فى حدود مفيش مانع ومعتقدش أن دا هيكون بيضغط عليك ولا أيه 

أومأ إليها بنعم وكاد أن يُحدثها لكن قاطعه صوت رنين الهاتف فوقف ليتحدث بينما يسير خارج الغرفة، ظلت تنظر عليه من الخلف وعقلها لا يتوقف عن الشرود والتفكير بهذا الأمر وكيف يعاني من عائلته وكلما هدأت الأمور بينهما حدث الأسوء مما يزيد العبء عليه أكثر من السابق، أخذت هاتفها من فوق الطاولة وعندما فتحته رأت رسالة من “ليلي” أدهشتها ولم تصدق أبدًا ما رأتهلتغير ملابسها سريعًا وتركت طفلها مع “سلمي” فى رعايتها، أستقلت سيارتها الجيب الصفراء رباعية الدفع وأنطلقت إلى منزل “عطيه” وفور فتح “ليلي” للباب عانقتها “عهد” بسعادة تغمرها وفرحة عارمة بعد علمها بحمل صديقتها المُقرب، صديقة عمرها كاملًا وبمثابة أختها التى لم تنجبها والدتها، عناقًا طويلًا أستمر لكثير وهكذا “ليلي” تشبثت بصديقتها بقوة وبحضور “عهد” تشعر بأنها تملك عائلة كاملة لها، بمثابة الأم والأخت والصديقة فأبتعد “عهد” عنها وأغلقت باب المنزل وهى تقول:- 

-مبروك يا روحي، ربنا يقومك بالسلامة يا فرحة قلبي 

نظرت “ليلي” لها بعفوية وحُب شديد ثم قالت بتلقائية:- 

-الله يبارك فيكي، أنا هتجنن من ساعة ما عرفت ورغم أنه مجرد نقطة أنا بقيت مهوسة تقريبًا به وعايزاه يتحرك بسرعة 

ضحكت “عهد” أثناء سيرها مع صديقتها للداخل ثم قالت ضاحكة بلطف:- 

-لسه يا حبيبتى أنتِ مع كل لحظة ويوم هيمروا عليه جواكي هتحسي بشعور جديد ولحظة ما هتلمسي أيده وتشوفيه بين أيدكي دا أحساس تاني خالص ميتوصفش وكأنك امتلكتي العالم كله خلاص 

تبسمت “ليلي” بدلال وهى تلمس بطنها بيدها بحب فتبسمت “عهد” عليها وكأنها ترى نفسها أمامها والذكريات تُعاد مرة أخرى … 

______________________ 

جلس “نادر” مع “أسماء” فى غرفة الضيوف بالمنزل الجديد وقال:- 

-أنا حاولت معاه لكنه ثابت على موجفه، نوح مهيغفرش اللى حصل  

تنهدت “أسماء” بيأس وكأنها تعلم جيدًا بأن “نوح” لن يغفر ما فعلته والدتها بزوجته وطفله الرضيع، دخلت “فاتن" إلى الغرفة تحمل صنية العصير وتقول:- 

-متشغلوش بالكم بمشاكل العائلة، جولولى هنفرح بيكم أمتي 

أجابها “نادر” بعد أن أخذ نظرة خاطفة على “أسماء” التى نظرت إليه بخجل شديد ثم وقال:- 

-نعمل الخطوبة أول الشهر أن شاء الله 

تبسمت “فاتن” وهى تنظر نحو طفلتها التى تبتسم بسعادة تغمرها وقالت بسعادة:- 

-على خير الله، جولولي 

قاطعها صوت دقات باب المنزل فوقفت “فاتن” لكى تفتح الباب ووجد “علي” واقفًا أمامها مُتكأ على عكازه الخشبي فسمحت له بالدخول وجلس معهم جميعًا ليخرج من جيب عبائته شيك ووضعه على الطاولة، نظرت “فاتن” للشيك ثم إلى “علي” وقالت بجدية مُتسائلة:- 

-أيه دا؟ 

-دا مبلغ بسيط لزوم جواز أسماء وبكدة يبجى نوح عديه العيب وكان أصيل معاكم لأخر لحظة  

نظرت “أسماء” إلى عمها بحرج ثم إلى والدتها الصامتة لتتحدث هى عوضًا عن والدتها قائلة:- 

-شكرًا يا عمي بس أنا أشتغلت فى مدرسة وهتجوز على جد امكانياتي ونادر معندهوش مانع فى دا 

نظر “على” إليها هى و”نادر” الجالس أمامه ثم قال:- 

-أعتبريه دا جزء من ورثك، مش الورث هو اللى وصلنا للى إحنا فيه دا، الفلوس دى هى اللى خليت أبوكي وأختك فى مكانهم دا دلوجت وهى اللى زودت كره خالد لنوح ووصلته لمكانه دلوجت، يلا الله يسامحه .. خدوها الفلوس يمكن تنفع تصلح اللى اتكسر  

وقف من مكانه لكي يغادر وقبل أن يغادر قال بجدية حادة دون أن يلتف إليهم:- 

-بس تعرفوا اللى اتكسر عمره ما هيتصلح ولا هيرجع ولدي اللى مات ولا اللى راحوا منكم، يا ريتها كانت أتحرقت الفلوس اللى عملت فى الأهل أكدة وفرقتهم 

غادر المنزل بحزن شديد يخيم على قلبه وغيمة الفراق على صدره مما ألت إليه الأمور وما وصلوا إليه، وغررت عينيه بقليل من الدموع وهو يصعد سيارته لينطلق به السائق وهو يجفف دموعه من وجنته بأنامله النحيف وتجاعيد يديه تظهر بوضوح... 

______________________ 

خرجت “عليا” من غرفة نومها وكانت والدة “عمرط جالسة بالغرفة المجاورة مع “يونس” تصنع معه المكعبات لتبتسم بخفة عليهم ودخلت للمطبخ وأعدت كوبين من المشروب الساخن وكوب من العصير ثم دخلت إلى الغرفة وهى تقول ببسمة:- 

-بتعملوا أيه؟ 

رفعوا الاثنين نظرهما إليها وقال “يونس” ببراءة طفولية:- 

-شوفتي يا مامي البيت اللى عملته أنا ونانا 

تبسمت “عليا” إلي طفلها بدلال وحنان ثم قالت:- 

-جميل يا روحي ، أنا بقي جبتلك عصير  

أعطته كوب العصير ثم قدمت الكوب الأخر إلى والدة “عمر” وقالت بهدوء:- 

-أتفضلي يا ماما 

أخذت منها الكوب بينما تقول بلطف:- 

-تسلم أيدك يا حبيبتي 

جلسوا الاثنين معًا وكانت “عليا” تراقبهما وهما يعلبا معًا، لا تعلم كيف تحولت هذه المرأة من حالة الغضب إلى حالة حُب وحنين يفيض منها فى معاملتها لطفلها الصغير، أصبحت تشبه الام التى تراعي طفلها وتعامله بدلال، تبسمت “عليا” ووقفت من مكانها لتدخل إلى المطبخ ووضعت الهاتف جوارها على أغنية أم كلثوم وبدأت تجهز الطعام من اجل زوجها بأرتياح وحالة هدوء تسكن صدرها، وبعد فترة طويلة جاءت والدة “عمر” إليها تساعدها وقالت:- 

-يونس نام  

تبسمت “عليا” إليها ليرن هاتفها باسم أختها “عهد” فذهبت للخارج كى تجيب عليها وقالت:- 

-مبروك يا حبيبتى، هبقي أكلمها على طول  

ظلت تُحدث أختها لساعة طويلة معًا وكأنهما يتحدثان عن كل شيء يعوض فراقهما والمسافات التى تفصل بينهما، أغلقت “عليا” الهاتف بأرتياح وقلبها مُطمئن على أختها بعيدًا عنها.... 

____________________ 

لم يكن القلب يدرك بأن العشق يأتي على سهو إلا عندما سقطت القلب فى العشق سهوًا بلا أى مقدمات، كان “عطيه” جالسًا أمام التلفاز يشاهد فيلم أبيض وأسود و”ليلي” جالسة جواره وتتكأ برأسها على كتفه بأرتياح فى لحظة صامتة لتقول:- 

-عطيه 

نظر “عطيه” إليها بخفة لتبتعد عنه رافعة رأسها للأعلى ثم قالت بتوتر شديد:- 

-أنا ممكن اولد فى القاهرة صح؟! 

ضحك “عطيه” بقهقه سعيدًا بهذه الزوجة المُدللة كي يتخلص من نبرة التوتر التى سمعها فى صوت زوجته وسؤالها ثم قال بتلقائية:- 

-إحنا فين وولادتك فين يا حبيبتى 

ظلت تنظر إليه فى صمتها ليقول مُتابعًا:- 

-وجتها يحلها ربنا يا ليلي ومع ذلك لو عايزة تولدي هناك أنا معنديش مانع  

تبسمت بعفوية على موافقته وكانت تشعر أن قلبها ينبض بقوة إليه ويتراقص بقلبها فقالت بحب:- 

-أنا بحبك يا عطيه 

ضحك وهو يتناول قطعة من التفاح وقال عابسًا:- 

-عشان وافجت طب لو كنت موافجتش مكنتيش هتحبني 

ضحكت “ليلي” وتضع رأسها على صدره بدلال وتلف يديها حول خصره بحب شديد ثم همست إليه بنبرة ناعمة تكفي لوصف شعور قلبها المتراقص بنبضاته القوية بين ضلوعها:- 

-مستحيل أنت عارف أنى بحبك مهما حصل ومن غير مواقف 

شعرت بقبلة ناعمة على رأسها بحب من شفتيه فقالت بمزاح تشاكسه:- 

-بس ممكن ساعتها أكون حبتك حبه أصغر شوية 

أنفجر “عطيه” ضاحكًا لتبتسم على ضحكته، بينما “عطيه” لم يكن مُندهش من براءة زوجته وعفويتها الجميلة، شعرت بيده تطوقها بأحتواء شديد وكأن قلبه يخشي أن يبتعد عنها وهذا العناق يكفى قلبه وروحه عمرًا كاملًا، عناقًا منه إليها وضمةً واحدة تطمئن قلبها وتغمر روحها سعادة وفرحًا مليئًا بالحب، همس “عطيه” بأذنيها قائلًا:- 

-بس أنا بحبك بكل نفس بتنفسه وبكل دجة جلبك 

تسللت “ليلي” من بين ذراعيه بدقات قلب مُتسرعة سمعها “عطيه” بيقين من بين ضلوعها، تشبثت بعبائته بأناملها الصغيرة  فوق صدره كطفلة صغيرة تشبثت بوالدها كالوبر ثم وضعت قبلة على جبينه برقة ونعومة، نظرت بعينيه عن قرب وأنفاسها تضرب وجهه وهكذا أنفاسه حتى أختلطت أنفاسهما معًا وتلألأت عينيهما ببريق العشق والحب الساكن بداخله لتردف بخفوت شديد قائلة:- 

-ربنا يخليك ليا يا حبيبى 

أجابها “عطيه” بعفوية قائلًا:- 

-ويخليكي ليا يا روح قلبي 

_______________________ 

وصلت “عهد” إلى القاهرة بصحبة زوجها وطفلهما، تحديدًا إلى دار النشر المُتعاقدة معها ووقعت عقد كتابها الجديد ليُصدر بمعرض القاهرة ثم خرجت بعد مصافحة مدير الدار لتري “نوح” واقفًا أمام المبني بسيارته السوداء وحده مُرتدي بنطلون جينز وتي شيرت أسود ومُرتدي نظارة سوداء جميلة  فسارت نحوه بدلال مُرتدية بدلة نسائية حمراء وقميص أبيض بفونكة من العنق كبيرة وشعرها مسدول على ظهرها وحذاء أبيض بكعب عالي رفيع، وصلت أمامه ليأخذ يدها وهو يقول:- 

-وحشتينى 

ضحكت “عهد” على مبالغته ثم قالت:- 

-نوح أنا سيبك من ساعة  

تبسم “نوح” وهو يأخذ يدها فى يده بحب شديد ثم قال:- 

-والله وحشتينى فعلاً 

أومأت إليه بنعم بعد أن رفعت حاجبها الأيسر إليه، فتح باب السيارة إليها لتصعد به وألتف ليصعد جوارها وسلك طريق غير طريق المنزل فتسائلت بفضول شديد:- 

-إحنا هنروح لمكان؟ 

أومأ إليها بنعم وبعد قليل أوقف سيارته أمام أحد المحلات الخاصة بملابس نسائية لتنظر إلى زوجها بفضول أكثر ليقول:- 

-أنزلي من غير ما تسألي 

ترجلت من السيارة معه ودخلوا معًا ليختار فستانًا طويلًا بألوان كثير وكم طويل ضيق من الأعلى وواسع من المعصمي لتقول:- 

-فى أيه يا نوح 

أعطاه لها ببسمة وحماس شديد لرؤيتها به ثم قال:- 

-أعتجد أنه مجاسك، يلا أدخلي غيري 

ظلت تنظر إليه بتعجب شديد مُستغربة تصرفاته ليأخذها من أكتافها إلى غرفة تبديل الملابس وأدخلها قائلًا:- 

-بسرعة لحد يعاكسنى ها؟ 

غمز إليها وأغلق الباب فخرجت ضحكة تلقائية منها على مداعبته، وصلته رسالة من “عطيه” يخبره بالقبض على “همام” متلبسًا بتهريب الأثار بعد أن أبلغ “نوح” عنه أنتقامًا منه فتبسم “نوح” بأرتياح شديد بعد أن أخذ بثأره من الجميع، بدلت “عهد” ملابسها ثم خرجت إليه وكان يتحدث مع العاملة لتستشيط غضبًا وغيرة مُتلهبة كالجمر بداخل قلبها فنادته بقوة صارمة:- 

-نوح 

ألتف إليها بسعادة وتتطلع بها بذهول منبهارًا بجمالها وكأن هذا الفستان صُمم خصيصًا لأجل زوجته وقال بحب:- 

-ألف لايك لجمالك يا سلطانة قلبي 

نظرت العاملة له بدهشة وهكذا “عهد” من مغازلته بصوت واضح أمام الجميع والقليل من لزبائن تتطلعه به وبها مُندهشين من هذا الرجل وهذه الكلمة التى أنهى جملته بها فقليلًا من الرجال يعلنوا عن الحب فى الملأ علنًا، سار نحوها بحب وأخذ يدها ليُديرها حول نفسها أمامه فضحكت بسعادة له والفرحة تغمرها ثم قال:- 

-كيف البدر 

ألتف للعاملة وقال  بجدية صارمة:- 

-هنأخد دا 

تعجبت “عهد” من تبديل نبرته فى أقل من ثواني، معها يدللها بحنان وحُب وبأقل من ثواني تحول لحزم وصرامة، أقتربت العاملة من “عهد” تنزع لها الكبسولة الموجودة بالفستان لتغادر به كما يريد “نوح”، صعدت للسيارة وقبل أن تغلق الباب أوقفها هذا العاشق بعد أن فتح باب السيارة الخلفي وأحضر علبة كرتونية بيها حذاء رياضي ثم أنحني قليلًا وهى جالسة بالسيارة لينزع عن أقدام الحذاء ذو الكعب العالي ووضع الحذاء الرياضي الأبيض بقدميها لتتعجب “عهد” من تصرفاته ثم قالت:- 

-فى أيه يا نوح؟ 

أجابها “نوح” بخفة وهو يعقد رباط الحذاء:- 

-هنروح مشوار سوا ومعوزش رجلك توجعك من الكعب 

-فين 

سألته بفضول ولم يجيب عليها لتتأفف بضيق شديد، أنطلق بسيارته إلى النيل وكان هناك مركبًا مجهزًا إليه فنظرت للمركب ثم إلى “نوح” الذي أخذ يدها وساعدها فى الصعود لتقول:- 

-نوح 

صعد معها إلى المركب وكان مجهزًا عشاء على طاولة كبيرة وشمع وبالونات كثيرة معلقة بالسقف وهكذا ورود منثورة على طاولة العشاء فقالت:- 

-الله 

أتاها صوته بلطف يقول:- 

عجبك 

تبسمت بسعادة وهى تلف إليه وقالت ببراءة وعينيها تتلألأ فرحًا:- 

-دا يجنن 

عانقته بقوة ليطوقها بذراعيه فلمحت على الحائط الخلفي له كلمة “happy birth day” أبتعدت عنه بدهشة حادقة بهذه الكلمة ثم قالت بإندهاش:- 

-يا روحي 

نظرت إليه بعيني دامعة فرحًا وقالت:- 

-أنت عملت دا كله عشاني 

أخذ يدها فى يده وقال بحب:- 

-كل سنة وأنتِ سلطانة قلبي وحبيبتى، وعقبال كل سنين العمر معايا وفى حضني 

عانقته بقوة وتركت أسر دموعها تسيل على وجنتيها تاركة جفنيها الصغيرين وقالت بنبرة ناعمة ولهجة عاشقة:- 

-وأنت حبيبى وعمرى كله يا نوح 

قبل جبينها بحب ودقات قلبها وصلت إليه وشعر بهذه الضربات فى جسدها ويديها المتنفضة فرحًا بين يديه وقال بحب:- 

-براحة قلبك هيجف  

ضحكت وهى تضع يدها على قلبها وتسير نحو الطاولة وقالت:- 

-فاضحني دايمًا كدة 

ضحك “نوح” ثم جلسا معًا يتناولًا الطعام وبعد أن أنتهي وقفت “عهد” على حافة المركب تنظر للماء بعد أن نزل “نوح” للأسفل يتحدث مع السائق وعندما صعد رأها تنظر للمياه وشاردة فذهب نحوها، كانت شاردة وتفكر فى حياتهم ولم تتوقع يومًا بأن تكون زوجة لرجل صعيدي وتعيش بعيدًا عن القاهرة بقلب الصعيد وتتأقلم على حياتهم لكن هذا الأمر ربما حدث بسبب أختيارها لـ “نوح”، رجل مثله لم يشعرها بثقل بل كان سببًا كبيرًا أو كان هو السبب الوحيد فى تحملها الحياة بعيدًا عن حياتها وخلق حياة جديدة بعمر جديد فى مكان جديد وتأسيسها لعائلة صغيرة ملك لها، شعرت بيده تحيط بخصرها مُعانقًا لها فاستقامت فى وقفتها وهى تتكأ بظهرها على صدره ورأسها على كتفه ليقول بخفوت:- 

-سرحانة فى أيه يا عهدي؟ 

تبسمت وهى تلف إليه ويديه ما زالت تحيط بخصرها فقالت بعفوية:- 

-فى حياتنا، فى كل عمرى اللى فات متوقعتش أن دا يكون شكل حياتي بس أن جيت للحق الواقع والغيب طلعوا أجمل بكتير مما أتخيله، ربنا كان شيلي الأجمل والأحلى ودايمًا نعمه عليا وخياره أفضل من خيارى بكتير، أنت كنت فوق كل خيالي وأحلامي وحرفيًا ان كل شوية بحمد ربنا وبشكره على رزقه ليا بكِ، كأنه أخذ مني الأهل والأحباب عشان يعوضني بك أنت  

رفع “نوح” يده إلى وجهها يداعبه بأنامله ثم فتح سبابته ليضع خصلات شعرها المُتطايرة مع نسمات الهواء البارد ووضعهم خلف أذنها ثم قال:- 

-لو سألتني جبل ما أجابلك كنت جولتلك أنى عمري ما كُنت هغلط غلطة نادر أخويا وأتجوز بنت مصرية لكن أن جينا للحج الموضوع مكنش فى بنت الصعيد وبنت القاهرة الموضوع كان فى قلوب ربك بيولفها على بعض ويسكن العشق فيهم، وأنا قلبي سكنه عشقك يا عهدي حتى لو كنتِ شخصية تانية غير اللى أنتِ عليها، ما دام أنتِ نصيبي وقدري هتفضلي نصيبي وقدرى مهما فرقتنا مسافات وبلاد، هنتقلب بأى شكل وأى صدفة عشان بس أحبك وتبجي مرتي وأم عيالي دا قدرنا المكتوب يا سلطانة قلبي وحبيبة عمرى كله 

لم تجد كلمة توفي أو توصف شعورها الآن بعد أن سمعت كلماته وتسارعت نبضاتها بقوة متراقص قلبها العاشق على ضلوعها القوية لتكتفي بعناقه بقوة وتهمس فى أذنه قائلة:- 

-أنا بعشقك 

تبسم وهو يتشبث بها كالوبر فى القماش وقال بحب:- 

-وأنا بموت فيكِ 


                         تمت بحمد الله 
تعليقات