رواية وبها متيم انا الفصل السابع7والثامن8 بقلم امل نصر
في الشارع الذي تزين بالأنوار المبهجة، بنصبة كبيرة وضع بداخلها عدد هائل لكراسي المدعوين، وسماعات الدجي التى احتلت الأركان وبعض الزويا، ثم الدجى نفسه بالقرب من منصة العرسان التي صممت بارتفاع لتُصبح على مستوى نظر الجميع، القت شهد نظر اَخيرة ثم التفت بانتباه نحو مساعدها تسأله:
- عبد الرحيم، احنا نسينا البوفيه صحيح.
سمع منها المذكور ليستدرك ضاربًا بكفه على جبهة رأسه قائلًا:
- يا نهار ابيض، دي فاتت علينا؟
زفرت متخصرة تردد بنزق:
- هي دي بس اللي فاتت علينا؟ احنا كل شوية نفتكر حاجة جديدة كنا نسينها، انا مش عارفة امتى اليوم دا يخلص بقى؟
اقترب عبد الرحيم يقول بضيق:
- ما هو دا الطبيعي يا ست شهد، امور السربعة وكل حاجة تتم في يوم و ليلة دي، هي السبب، دا غير ان احنا كنا شغالين الصبح، يعني كان لازم تأجلي الخطوبة ليوم اجازة، إن شاالله حتى الجمعة .
ناظرته بامتعاض ثم التفت تتنهد بتعب وعينيها ترتفع للسماء مغمغمة:
- ويعني انا كان بخاطري، دا انا لو عليا الغيها دلوقتي ومن قبل ما تبتدي حتى، بس اعمل إيه؟ يالا بقى...
- بتقولي حاجة يا ست شهد؟
هتف بها عبد الرحيم والتفت إليه تأمره بعملية:
- مبقولش حاجة، المهم دلوقتى بقى، عايزاك تتصل بعبيد اللي بيعمل شاي ومشروبات عندنا في الموقع، وخليه يشوف حد لو يعرف، وان كان هو يرضى، يبقى يجيب عدته وانا هرضيه باللي يقول عليه.
- تمام يا برنسيسة.
تفوه بها عبد الرحيم واستدرا مغادرًا على دراجته البخارية يردد:
- انا هروحلوا بنفسي، افهمه الوضع على الأرض عشان يعمل حسابه.
نظرت في أثره ، ثم التفت بعدها إلى عمها مسعود ابو ليلة والذي كان يتحدث بحدة مع الرجل صاحب الفراشة، ويجادله بحنكة ثمن الليلة،
تتطالعه بنظرة ممتنة وابتسامة ببعض الارتياح، فلولاه ولولا عبد الرحيم مساعدها ما كانت انتهت من نصف التجهيزات، تعلم انها كفاءة لتقضي كل شيء وحدها، ولكن المساعدة وخصوصًا من المخلصين ، تسهل على الفرد الكثير وتقصر المسافات.
التفت تتجه نحو منزلها لتلقي نظرة ايضًا على المطبخ وما يعد فيه من طعام.
دلفت للمنزل الممتليء بنساء الجيران والأقارب، تلقي التحية بعجالة، لتجنب كلماتهم والتهنئة المغموسة بنظرات الشفقة والتلميحات الخبيثة، عن وضعها كشقيقة كبرى، تقوم بعمل الخطبة الشقيقتها الثانية في الترتيب بعدها.
- الله ينور عليكم
قالتها بخطوات مسرعة، وردت النساء بعدها كل واحدة بجملتها:
- الله ينور عليكي يا شهد.... عقبالك يا حبيتي لما نفرحلك... ربنا يتمم بخير يارب، وتبقي الدور اللي بعده....
ضغطت لتتحمل التعليقات وما يتبعها من همهمات، حتى وصلت إلى المطبخ لتجد نرجس زو جة أبيها وقد دبت فيها روح الحماس وتتنقل في المساحة الضيقة، لتساعد زبيدة زو جة أبو ليلة، والتي كانت واقفة على الموقد الغازي، لإعداد أجمل الأصناف من يــ دها، ناكفتها شهد بقولها:
-ايوة بقى حبشي انتي في الأكل وسمعي بالروايح الحلوة في قلب الشارع وافضحينا.
ضحكت زبيدة تعقب على قولها:
- وافضحك ليه بجى؟ هو انت بخيلة يا بت؟
هتفت شهد بدفاعية:
- لا والله ما بخيلة، انا بس جيوبي فاضية، واخاف بقى لا الناس تهجم من الجيران ولا المدعوين ع الريحة اللي تهبل دي مع اهل العريس، وساعتها تبقي وقعة وانا بس عايزاها تمشي الستر .
رددت خلفها زبيدة بتمني:
- ان شاء الله ربنا يسترها، بس انتي متحمليش هم.
تدخلت نرجس تقول خلفها:
- وتحمل هم ليه؟ دي كل حاجة جايبها بزيادة، وخير ربنا كتير مع انها اساسًا مكنتش محتاجة، دا احنا أهل وقرايب في بعض.
اتجهت إليها شهد تخاطبها بوجه جامد وكلمات ذات مغزى:
- انا مقصرش في واجب عليا أبدًا، حتى لو كنا أهل وقرايب زي ما بتقولي.
ابتعلت نرجس باقي كلماتها بحرج، لتعود شهد لزبيدة هذه المرة تسألها:
- هي البت صبا مجاتش معاكي ولا إيه؟ فينها مش سمعالها حس؟
أجابت زبيدة بابتسامة ساخرة:
- تسمعي ولا تشوفي مين؟ هي الجلعانة دي ليها في المطبخ ولا تعرف تطبخ اساسًا؟ روحي اوضتك هتلاقيها هناك.
- اوضتي!
هتفت بها متصنعة الصدمة لتغمغم بغيظ وهي تغادر وتتركهم:
- اغيب ساعتين الاقي ست صبا احتلت اؤضتي، دا إيه الكلام الفارغ ده؟
❈-❈-❈
فتحت شهد باب الغرفة بغته بقصد حتى تجفل صبا، مع هتافها:
-بتعملي إيه في أؤضتي يا بت انتي؟
انتفضت صبا بجلستها امام المراَة مرددة:
- بسم الله الرحمن الرحيم، بيطلعوا امتي دول؟
صفقت شهد الباب خلفها لتقول بابتسامة شريرة:
- بيحضروا معايا دايمًا يا روحي.
تمالكت صبا بغبطة تنهض لتعانق شهد بشوق تلقفته الأخيرة بكل ترحاب وهي تشدد عليها مرددة بمزاحها المعتاد:
- يا مرحب بالندالة وقلة الأصل، وحشتيني يا بت.
قهقهت صبا تعقب على قولها:
- طب لزومها إيه وحشتيني دي بعد ما طلعتيني ندلة وجليلة الأصل كمان؟
لكزتها الأخرى بخفة تدعي الغضب، رغم مخاطبتها بعتاب الأحباب:
-ايوة ندلة وقليلة أصل كمان، لما تقعدي المدة دي كلها متسأليش عليا بكلمة ولا باتصال .
ردت صبا بابتسامة متوسعة تجيبها:
- والله بسأل عليكي أبويا دايمًا، وبعرف منه كل اخبارك، ولو ع التليفون، بصراحة بجى انا كنت بتكسف اتصل واصدعك بمشاكلي وانا عارفاكي وعارفة مشاغلك الكتير، الله يكون في عونك.
رددت خلفها لتسألها:
- ويكون في عونك انتي كمان يا ستي، المهم بقى، مشاكل إيه تاني؟ هو ابوكي رجع يزن عليكي في موضوع الجو از من تاني ويرفض الشغل ، دا انا خدت منه وعد .
نفت لها على الفور:
- لا لا طبعًا، ما انتي عارفة انه ما يرجعش في كلمة جالها، أنا مشكلتي نفسها في الشغل نفسه، مكنتش لاقية الشغل لحد اما ربنا حلها واشتغلت اَخيرًا، والنهاردة كان أول يوم ليا، في فندق كبير جوي في البلد .
قالت الأخيرة بانتعاش وهي تتلاعب في خصلات شعرها من الجانبين.
طالعتها شهد بانبهار لتسألها وهي تجلس على طرف تحتها وتخلع عنها قدميها الحذاء:
- يا مشاء الله، ودا بواسطة ولا كدة بمجهودك.؟
- مجهودي!
هتفت بها لتتابع وهي تعود إلى مراَتها:
-هو احنا بلدنا دي فيها حاجة بالمجهود؟ كله بالواسطة يا حبيبتي، وانا الحمد كانت واسطتي ربنا، انه سبب الأسباب وخلي جارتنا تعرف حكايتي وتكلم اخوها اللي شغال هناك.
تمتمت خلفها شهد بتصديق:
- على رأيك فعلًا، احنا ملناش غير ربنا...
قالتها وانتفضت مردفة:
- استني هنا عندك، هو ابوكي يا بنت انتي مش منبه عليكي، مفيش مكياج خالص؟
صبا والتي أمسكت قلم الحمرة تلوح به أمامها تهتف بغيظ:
- هو فين المكياج دا بس قوليلي؟ دا قلم لون الشفايف، وكريم الأساس...
قارعتها شهد وكأنها أمسكت بالدليل:
- وعنيكي الحلوة المرسومة دي؟ هتجنني ابوكي يخرب بيتك.
نظرت صبا لما تشير نحوه الأخرى في المراَة، لتعود إليها وتقول ببؤس:
- حتى الكحلة كمان بقت مكياج؟ في إيه يا جدعان؟ دا احنا النهاردة فرح.
هزهزت شهد رأسها تجيبها بقلة حيلة:
- طب وانا اعملك ايه يا ماما؟ ما انتي اللي بتجيبي المشاكل لابوكي وهو الرجل عنده حق صراحة في تحكماته، المهم بقى انجزي، كلها نص ساعة ويطب عرايس الهنا. هروح انا اغير بأي حاجة..
- استني عندك.
هتفت بها صبا توقفها، ثم جذبتها من كفها لتجلسها محلها، لتتابع:
- عايزة تروحي تلبسي فستانك من قبل ما امكيجك.
رفعت لها شفة مستنكرة لتقول باستخفاف:
- يعني إيه؟ لهو انتي فاكراني يا قمر إن انا مستحملة احط لنفسي، عشان تجيني مرارة استحملك انتي تلعبي في وشي، اوعي يا بت.
قالت الأخيرة وهي تحاول أن تنهض، ولكن صبا منعتها تشدد بقبضتيها على كتفيها قائمة بحزم:
- انا مش هعلب في وشك، دي بس حاجة ع الخفيف، عشان تبقى حلوة ومنورة، ولا انتي ناسية انك حلوة صح؟
سمعت شهد لتلتف وتنظر لانعكاس وجهها بخجل، فكلمات الغزل ومشاعر الأنثى التي تكبتها بداخلها، جعلتها تخشى النظر إلى نفسها، حتى لا تتذكر حالها، وتتذكر ما منعته على نفسها منذ سنوات، بغرض الحفاظ على إرث والدها والتضحية لأجل أشخاص لا يستحقون التضحية، فخرج صوتها بضعف:
- حلوة ولا عادية حتى، مش فارقة.
تبسمت صبا وهي تنزع رباط الرأس من الخلف، لتطلق شعرها الحريري الأسود خلف ظهرها، وحول وجهها لتردد:
- لا والله حلوة، وحلوة جوي كمان، وانا مش هسيبك النهاردة غير لما اظهر الحلاوة الرباني لملامحك. يعني مش هكوم ولا احطلك في الألوان.
قالت شهد باعتراض واهي وقد أثرت بها كلمات الأخرى:
- يا بنتي وفايدته إيه بس؟
تناولت صبا علبة كريم الأساس لتجيبها:
- من غير فايدة ولا عايدة حتى، انا بس عايزاكي تحسي بنفسك وبجمالك، فيها حاجة دي؟
توقفت تغمغم داخلها:
- والنعمة لا اخليكي أحلى من العروسة نفسها.
❈-❈-❈
ولج لداخل المنزل، بعد أن أنهى عمله متأخرًا هذا اليوم، بعد اجتماعه مع احد اللجان المسؤلة عن موقعه الجديد، ليُجفل على صيحة من غرفة المعيشة:
- اَخيرًا جيت يا حسن؟ ما كنت كملت اليوم برا أحسن؟
قطب باستغراب لهذا الاستقبال الغير معتاد من والدته قبل أن يخطو نحوها بالغرفة التي كانت جالسة بها، وتشاهد على شاشة التلفاز أحد المسلسلات ليسألها بدهشة:
- ليه يا ماما الزعيق وابات برا؟ انا متأخرتش اساسًا، دا احنا يدوب العشا.
هتفت مجيدة تردد بغيظ:
- لا اتأخرت يا حبيبي، عشان الميعاد اللي اتفقنا عليه ولا انت نسيت ان عندك مشوار خطوبة عند المقاول بتاعك؟
مالت رأسهِ إليها يرفرف بأهدابه ويحاول الإستعياب قبل يسقط بجسده بجوارها ليسألها:
- وانتي مين قالك اني رايح خطوبة اخت المقاول؟ ثم تعالي هنا صحيح، انتي ازاي بتقولي اتفقنا؟ هو انا اتفقت على حاجة معاكي يا ماما؟
هتفت مجيدة بكذب مفضوح:
- ايوة انت اللي قولت، لما حكيت معاك الصبح، وانت بنفسك اللي قولتلي إن الست هي اللي نبهت عليك عشان تيجي على فرح أختها، مش انا قولتلك ساعتها، عيب عليك يا حسن، ولازم تقدر وتعمل الواجب.
بهت وظل فمه مفتوحًا وهو يستعيد برأسهِ حديث الصباح معها عبر الهاتف، والذي استمر لمدة طويلة من الوقت.
ولكنه انتبه فجأة على خروج شقيقه من المطبخ، يحمل فنجانًا كبيرًا يخرج منه الدخان لمشروبه، فقال بتسلية ومشاكسة في حسن:
- ساكت ليه ومبلم، دي ماما بقالها ساعة بتضرب كف على كف من تأخيرك ، واحراجها قدام الناس.
صرخ به حسن يردد؟
- إحراج مين يا عم انت كمان؟ هما يعرفوها اساسَا؟صاحت به مجيدة بمكر تربكه:
- ميعرفونيش انا، بس يعرفوك انت يا حبيبي، بتقول فرح شعبي وفي الشارع، انا بقى نفسي اتفرج على حاجة مختلفة زي دي، انا اتخقنت ونفسي افك عن نفسي، اتخنقت يا ناس.
وجهت الأخيرة نحو أمين الذي صاح بدوره نحو أخيه:
- بتقولك انها اتخقنت، إيه يا بني آدم انت معندكش إحساس ولا دم تحققلها رغبتها؟
طالعه حسن بغيظ ، وزاد عليه الأخر بتلاعب حاجبيه، وقالت مجيدة بنفاذ صبر:
- انت هتفضل متنح لاخوك كدة اليوم كله؟ ما تخلصني بقى، انا عايزة اللحق اغير هدومي،
.- وكمان هتغيري؟
قالها حسن بعدم تصديق، وهتف به أمين مستمتعًا باستفزازه:
- امال يعني هتروح بعباية البيت، في إيه يابني أدم انت؟...
توقف برهة يكتم ضحكته على هيئة الاَخر والذي يخرج دخانًا من أذنيه وأنفه، ليهدر بوالدته:
-قومي يا ماما البسي اللي انتي عايزة تلبسيه، والولد ده غصب عنه ياخدك، انتي لازم تفكي عن نفسك.
تبسمت مجيدة وهي تنهض لتفعل قائلة:
- وانت كمان يا حبيبي تقوم معانا.
اجفل أمين ليسألها بعدم استيعاب:
- نعم يا ماما، وانا اروح معاكم ليه؟
ردت على عجالة حازمة قبل ان تخرج وتغادر:
- عشان توصلنا بعربيتك يا حبيبي، اخوك عربيته مهكعة ومفيهاش تكييف، لكن عربيتك انت تفرق من كله، اخلص يا ولد انت وهو عشان تجهزوا.
التف رأس أمين نحو شقيقه يناظره بصدمة، اضحكت الأخر، فقال يرد له المشاكسة:
- ما تقوم يا حلو عشان توصلها بعربيتك اللي فيها تكييف، قوووم
❈-❈-❈
دوى صوت الهاتف فجأة ليجفل شهد منتفضة عن مقعدها تقول:
- يا نهار ابيض رؤى بتتصل تاني، يبقى أكيد داخلين ع المنطقة.
ردت صبا وهي تعدل بحجابها بتركيز أمام المراَة:
- طب وإيه يعني؟ ما انتي لابسة وجاهزة اها.
تنفست بتوتر تبتلع ريقها الجاف وهي تعيد للمرة الألف على هيئتها، لتردد باضطراب:
- لابسة وجاهزة اه، بس حاسة نفسي غريبة .
التفت إليها صبا تشاكسها بمرح:
- غريبة برضوا؟ ولا خايفة من العين؟ إيه يا ست شهد هو انتي مش شايفة نفسك؟ دا انتي جمر
- جمر!
رددتها شهد لتتابع بابتسامة ضعيفة:
-بصراحة انا شايفة نفسي غريبة بالفستان الغريب دا اللي لبستهوني، ولا المكياج وتسريحة الشعر، انا المقاول شهد يا بت انتي.
ضحكت صبا تناكفها والأخرى تزداد غيظًا، حتى استمعن لطرق على باب الغرفة، لتلج منه زبيدة، والتي ما أن رأت شهد أطلقت زغرودة كبيرة ، جعلت نرجس تلج من خلفها لتقف مبهوتة أمام كالتمثال بدون صوت او حركة، والأخرى تردد:
- بسم الله ماشاء الله الله أكبر في كل من شافك ولا صلاش ع النبي.
تمتمت بالصلاة على الحبيب الفتاتين قبل تقول شهد بحرج:
-ليه دا كله يعني؟ مش لدرجادي يا عمة زبيدة؟
هللت الأخيرة مرددة بحماس وفرح:
- لا يا حبيبتي لدرجادي، وأكتر من الدرجادي كمان،
إيه الحلاوة دي؟
تبسمت شهد بحرج تقول:
- الله يجازيها بقى بنتك هي اللي أصرت عليا، انا كنت هلبس أي حاجة وخلاص، مش فارقة يعني.
- حاجة وخلاص، ومش فارقة كمان، ايه يا بت مالك؟ لازم تعيشي سنك.
قالتها زبيدة وتدخلت نرجس سائلة:
- بس الفستان دا اول مرة اشوفها عليكي، إمتى جبتيه يا شهد.
ردت صبا بالنيابة عنها:
- انا جيبته، دا فستاني من الأساس، وانا جيبته مخصوص النهاردة عشان شهد.
تمتمت زبيدة بابتسامة سعيدة:
- ربنا ما يحرمكم من بعض ابدًا، يالا بجى جروا عجلكم خلونا نحصل الزفة، دا الحريم جيرانكم، سبجونا بجالهم فترة .
❈-❈-❈
قال أمين وهو يحاول أن يخترق الشارع الضيق، في اتجاه نصبة الفرح التي كانت على بعد مسافة ليست ببعيدة منهم
-مش كفاية بقى يا ماما؟ وانزلوا انتو هنا.
التفت له مجيدة تجيبه بتوبيج؟
- عايزنا ننزل هنا برضوا يا أمين؟ إخص عليك وعلى دمك يا شيخ، بقى خايف على عربيتك ومش خايف علينا، لما نمشي واحنا اغراب في الشارع الضلمة ده؟
وقع حسن على نفسه من الضحك، وهو يشاهد وجه شقيقه الذي شله الذهول، جاحظ العينين، متدلي الفكين، لعدة لحظات حتى استطاع القول اَخيرًا:
- انتي بتقوليلي أنا الكلام دا يا ماما؟ ليه دا كله يا ست الكل؟ دا الفرح بس مسافة الشارع اللي قدامنا ده.
هتفت مجيدة بحزم:
- قدامنا ولا ورانا، انت هتسوق لحد النصبة نفسها، وبعدها تدخل معانا تأدي الواجب....
قاطعها أمين بقوله:
- واجب مين يا ماما؟ هو انا اعرف حد اساسًا؟
ناظرته مجيدة بضيق، وقال حسن يرد المناكفة:
- وافرض يا سيدي متعرفش حد، هو حد يقدر يكلمك يا سيادة الظابط، والدتك وعايزة تفتخر بولادها، فيها حاجة دي؟
تمتمت مجيدة تربت على خده بكف يــ دها:
- شاطر يا حبيبي، فهمتني لوحدك.
تناول حسن كفها بتملق يقبل ظهرها، وهو يقول ببراءة:
- حبيبيك انا يا ماما.
تابعهم أمين بعينيه في المراَة الأمامية، ليضرب كفًا بالاَخر ضاحكًا بصمت، لا يصدق فعل والدته من بداية الليلة، وقد انقلبت عليه بعد أن كان يجاريها في الأول.
❈-❈-❈
بعد قليل كان الثلاثة، يخترقان الجموع الغفيرة والتي تجمعت في مكان واحد في الوسط لمشاهدة الرقصة الرومانسية للعروسين، والتي كان يؤديها ابراهيم بإخلاص منقطع النظير، والأخرى لا تقل عنه، بشكل جعل شهد تغلي بداخلها، وتضغط حتى لاتنفجــ ر وتخرب الفرح، غير منتبهة لهيئتها الجديدة والعيون المصوبة نحوها ونحو من تقف بجوارها.
- الناس كلها سايبة الفرح ومركزة معاكم انتو بس!
قالتها رؤى وهي تقترب منهن، ف انتبهت لها شهد تخرج من شرودها، وردت صبا بتساؤل:
- ليه يعني فينا حاجة غلط؟
ضحكت رؤى لتقول بمرح:
- انا قصدي على حلاوتكم، انتي والمنطقة كلها عارفاكي اما شهد فدي بقى المفاجأة، الفستان والتسريحة الجديدة هيالكوا منها حتة.
تبسمت صبا تتطلع في الأخيرة بزهو قائلة:
- شهد طول عمرها حلوة، هي بس تفكر في نفسها شوية وهتلاجيها بدر منور.
بنظرة مشفقة طالعت رؤى شقيقتها لتقول مؤكدة:
- والله عندك حق، اختي دي قمر اربعتاشر.
طالعتها شهد بابتسامة صادقة في المحبة لأصغر أفراد العائلة، والأقرب إلى قلبها، ثم استدركت لتخاطبها بحزم:
- طب بقولك ايه، سيبك من الكلام الحلو ده دلوقتي، وروحي اجري ع الولد بتاع الدي جي، خليه يغير الأغنية الزفت دي بحاجة فرفرفشة مش ناقصة قرف انا .
بكف يــ دها لوحت بها أمامها رؤى باستسلام تهادن غضبها:
- حاضر والله حاضر، بس انتي متعصبيش نفسك.
قالتها وذهبت لتنفيذ الأمر على الفور، لتغمغم شهد خلفها بغيظ جعل صبا تضحك:
- عاملين فيها عمر وسلمى، جاتكم نيلة .
❈-❈-❈
-اهلا اهلا بالمشهندس دا إيه النور ده؟
هتف بها ابو ليلة وهو يصافح حسن والذي رد بابتسامة مهنئًا:
- الله يبارك فيك يا عم ابو ليلة ويتمم على خير، دي الست والدتي، ودا امين اخويا، رائد في الشرطة.
هلل أبو ليلة مرحبًا وهو يصافحهما:
- يا مشاء الله، يا اهلا يا هانم، نورتي الفرح، اهلا بيك يا سيادة الظابط، دا المنطقة زادها شرف بزيارتكم.
ردت مجيدة بابتسامة رزينة كعادتها، أما أمين فقد اخفى حرجه بكذبة اخترعها على الفور:
- الله يخليك يا حج، انا بس كنت قريب من هنا، وقولت اطمن بالمرة على حالة الأمن في وجود الست والوالدة وحسن اخويا.
حاول حسن السيطرة على ضحكة ملحة، وتجاوب ابو ليلة مع الاَخر:
- الله يحفظكم ويجعل البلد امان دايمًا بيكم، تعالوا اتفضلوا تعالوا.
قالت مجيدة بلهفة:
- هنقعد فين؟ مش لما نسلم الأول ونبارك لأهل العروسة، هي فين المقاول شهد؟
- هوا يا هانم واندهلك عليها.
قالها مسعود ثم التف خلفه يهتف على فتى صغير من اهل المنطقة بجواره:
- إنت يا واد، روح انده الست شهد جوا
اومأ له المذكور ينفذ طلبه بإذعان، وخطا الثلاثة بصحبة مسعود نحو عدد من المقاعد الفارغة وذهب هو كي ياتي بواجب الضيافة، جلست أولهم مجيدة وما هم أن يجلس أمين هو الاَخر، حتى صدر صوت سيارة فهتف منزعجًا:
-أكيد دي عربيتي، انا قلبي كان حاسس من الأول.
اوقفته مجيدة تجذبه من قماش قميصه قائلة:
- بقولك إيه، اطمن على عربيتك وتعالى تاني.
اعترض بوجه متجهم:
- أجي فين تاني يا ماما؟ انا أساسًا ورايا مشوار مهم، وقت ما تحبوا تروحوا، إتصلوا بيا وانا اجي اخدكم واروح بيكم، سلام بقى؟
قالها وارتد عائدًا على الفور، هتفت من خلفه مجيدة:
- استنى يا ولد.
ولكنه ذهب سريعًا، حتى يلحق بسيارته خارج النصبة القماشية للفراشة، ليتفاجئُا بخيال امرأة تقفت بجوارها، وتضرب بكفها لتصدر صوت الإنذار بإزعاج يجعل المارة يلتفتون إليها، هدر أمين غاضبًا نحو المرأة التي تعطيه ظهرها:
- انتييي، دي عربيتي على فكرة.
التفت إليه المرأة أو الفتاة كما رأها الاَن، بهيئة انثوية تشبه الأجانب، الأشعر الأصفر الحرير والوجه المستدير، بعينيان كالزجاج الملون تبرق بشر وهي تصرخ فيه:
- ولما انت عارف عربيتك، مخليها هنا في نص الشارع ليه؟ اركن انا عربيتي فين دلوقت؟
التف برأسهِ نحو ماتشير به لهذه السيارة الصغيرة، ثم عاد قائلًا بحزم:
- انا عارف ان دا مكان مش كويس للركنة، بس انتي كان لازم تبقى زوق شوية وتقولي رأيك باحترام .
بنصف شهقة تخصرت أمامه لتردف بغيظ:
- احترام ولا زوق دا إيه؟ هو انا ناوية اتعرف بيك؟ بقولك عايزة اركن عربيتي.
صرخ بدوره وقد اخرجته عن طوره الرزين الهاديء:
- وانا بقولك استني دقيقة، هزيح العربية وامشي من الحارة دي واسيبهالك خالص.
قالها ثم اقترب ليعتلي سيارته حتى ينهي الجدال، ف التفت هي لتهتف منادية على أقرب شخص عرفته أمامها:
- عبد الرحيم، تعالي هنا خد المفاتيح على ما الأستاذ ده يخلصنا من عربيته.
سمعها ليصرخ خلف عجلة القيادة:
- قولت مفيش داعي للغلط، ولا انتي عايزني اغير رأيي؟
رمقته بنظرة متعجرفة بصمت ثم تحركت لتذهب من أمامه تدعي عدم الإكتراث، شيعها بنظراته وهي تتهادى بخطواتها الأنيقة ككل شيء بها، قبل يغمغم وهو يدير المحرك:
- بنت مغرورة وطويلة اللسان .... بس حلوة!
❈-❈-❈
وعودة إلى الداخل حيث كان الحفل مشتعلًا، برقص ابراهيم وأمنية، وصديقاتها، أفراد عائلتها وعائلته، على أغاني المهرجانات والأنغام الصاخبة بشكل يشعل الحماسة داخل الشباب الصغار، والكبار أيضًا، حيث يسرق الفرد لحظات من الفرح، تلهيه لعدة لحظات قليلة عن الهموم ومشاكل الحياة التي لا تنتهي.
اضطرت شهد لتركهم وترك صبا مع رؤى، يندمجن مع الباقي، واستسلمت لسحب الفتى الصغير بن جيرانها، والذي أخبرها عن رغبة مسعود في رؤيتها، حتى إذا ما وصلت إليه، هتفت على الفور ما أن راته أمامها:
- خير يا ابو ليلة، باعتلي ليه بقى؟
أجاب يشير لها بكفه:.
- باعتلك عشان تسلمي ع الضيوف، يا ست هانم.
هتف بالاخيرة نحو مجيدة التي انتبهت إليه تناظره بتساؤل، قبل ان يفاجئها بقوله:
- دي المجاول بتاعنا يا ست هانم، إيه رأيك بجى؟
ضيقت عينيها الاَخيرة ببعض التشتت قبل أن تستوعب سريعًا لتنهض هاتفة:
- المقاول شهد، معقول؟
أجفل حسن على صيحة والدته ليلتف نحو ما تقصد، ف تخشب وبرقت عينيه بعدم تصديق، ليُجبر على متابعة والدته صامتًا وهي ترحب بشهد:
- إيه الحلاوة والطعامة دي؟ معقول انت المقاول؟ ولا انا فاهمة غلط ولا إيه؟
ضحك أبو ليلة، ليرد بمرح:
- لا يا ستي مش فاهمة غلط، دي المجاول شهد اللي شغالة في المعمار وراثة عن والدها الله يرحمه، ماتجولها يا بشمهندس.
سمع حسن وظل على حالته مزبهلًا بعدم استيعاب، فتابع ابو ليلة هذه المرة نحو شهد:
- دي بجى والدة البشمهندس حسن، جاية تهني وتبارك مع والدها.
تبسمت شهد برقة ازهلت الاَخر مع الهيئة الجديدة لها وهي تصافح والدته بمودة:
- اهلا وسهلًا بيكي يا هانم نورتينا.
مجيدة بلهفة ومبالغة، جذبتها من كفها لتقبلها على وجنتيها تردد:
- هانم إيه بقى؟ دا انتي اللي هانم وستين كمان.
رغم استغراب فعل المرأة، استجابت شهد لها بابتسامة ودودة، قبل أن تتجه لهذا الجالس بصمته حتى الاَن قائلة:
- منور يا بشمهندس .
نهض المذكور وامتدت كفه ليقدم التهنئة:
- الف مبروك لأختك.
- الله يبارك فيك .
قالتها شهد وهي تبادله المصافحة، وقد كانت هذه اول مرة وكأنه أول تعارف حقيقي بينهم، هذا ما شعر به، وقد لامست كفه كفها، انثى بحق، وقد تخلت عن ملابس الرجال، ترتدي فستان ناعم يشبه الحرير باللون النبيتي، زينة وجهها هادئة، مرسومة عينيها بروعة، جعلته يتوقف عليها قليلًا وقد اغراه الدفء بها، ونسي أنه مطبقًا على كفها، لولا أنها تململت لتنزعها.
ف تركها لوالدته التي انتبهت لما يحدث أمامها باعين الصقر، ثم تبادلت معها حديث ودي سريع قبل أن تذهب.
فور مغادرتها التفت مجيدة نحو ابنها تقول بمرح وهي تطرقع بأصابع الوسطى والإبهام:
- بقى هي دي المقاول اللي انت شغال معاها يا سي حسن؟ يا حلاوتك وحلاوة مقاولينك.
- يا نهار اسود.
همس بها حسن، وكف يده امتدت لتطبق على الأصابع التي تطرقع بها مجيدة، يتابع بتحذير:
- بلاش عمايلك دي يا ماما الناس هتاخد بالها.
سمعت مجيدة لتطالعه بنظرة ذات مغزى تقول:
- طب شيل إيــ دك، ولا انت استحليت مسك الأيادي يا واد؟
صعق حسن قبل ان يستدرك سريعًا ويرفعهم، ثم قال يخاطبها برجاء:
- أديني شيلتهم اهو، ممكن بقى نمشي الله يخليكي، وخلي الليلة دي تعدي على خير.
مالت برأسها مبتسمة بمشاكسة لتعود للطرقعة مرة أخرى تردد:
- ونمشي ليه بقى؟ انا بهيص مع اغنية الفرح، فيها حاجة دي؟
قالتها ثم التفت تراقب بعينبها وتندندن بسعادة مع الأغنية الدائرة، واستسلم حسن يتمتم بقلة حيلة:
- انا اللي استاهل، انا اللي جيبت دا كله لنفسي.
انتفض فجأة على صيحتها:
- ولا يا حسن، شوفت البت اللي عاملة زي الخوجاية دي؟
نظر حسن نحو ما تشير إليه والدته، فقال يجيبها:
- ما هي دي بقى البنت اللي قولتلك عليها قبل كدة صاحبة شهد.
شهقت مجيدة مرددة بتذكر:
- هي دي بقى لينا؟
اوقفت تتابع بإحباط
- وشك فقر يا أمين ابن مجيدة.
❈-❈-❈
عند منصة العروسين
وقد وصلوا إليها اَخيرًا، ليستريحو بعد وصلة للرقص استمرت لقرابة الساعة، فقالت أمنية بأنفاس متلاحقة:
- الله انا مكنتش اعرف ان الفرح هيطلع حلو كدة، ولا كنت اتوقع ان شهد هتعملي الهيلمان دا كله، وفي ظرف يوم واحد بس!، امتي لحقت تعمل دا كله؟
نفث ابراهيم دخان سيجارته التي اشعلها منذ قليل قبل ان يعقب على قولها:
- عشان لما اقولك بس ان اختك دي كانزة على قلبها اد كدة، تبقي تصدقيني.
تبسمت بعرض وجهها تجيبه:
- وانا يعني لو مش مصدقاك كنت عملت دا كله عشانك، ولا انت لسة عندك شك في حبي ليك؟
تطلع إليها صامتًا، وعينيه تجول على وجهها، ثم نزلت على رقبتها وجيدها المكشوف من فستان الخطوبة، والذي كان ضيقًا في الأعلى على جســ دها المكتنز حتى الخصر، ثم يتسع بطبقاته حتى الكاحل في الأسفل، فقال بلهجة ذات مغزى:
- هنخلص ونقضي بقية الليلة عندكم صح، انا عريس، يعني لازم اتعشى عند عروستي .
ضحكت بميوعة تردد:
- ايوة امال ايه هتتعشى، بس مش لوحدك يا عنيا، الست شهد عازمة امك وابوك واخواتك واجواز خواتك، هتاخد عشاك معاهم، وتروح معاهم.
- نعم يا ختي.
هدر بها فاتحًا فمه بغضب، شعرت بالحرج وعينيها تتلفت يمينًا ويسارًا نحو المدعوين، خوفًا ان ينتبه أحد منهم، فقالت بمهادنة:
- وطي صوتك يا إبراهيم، انت عايز تفضحنا ولا إيه؟
ولا ناسي الشروط اللي وافق ابوك عليها؟
كز على اسنانه يردف باعين حمراء:
- ازاي يعني تبقى خطوبتنا النهاردة ومنقعدتش مع بعض؟
توقف يتابع بلين ولهجة مغوبة:
- دا انا كنت محضرلك كلام كتير اوي النهاردة يا بت، من جوا معاميع قلبي، زهقنا بقى من كلام التليفونات، ولا انتي مزهقتيش يا نونتي؟ ولا مش حاسة باللي حاسس بيه انا دلوقتي؟
عبست ملامحها، فقالت بلهجة المقهورة:
- حاسة يا عنيا، أكيد حاسة، بس منها لله المحروسة اختي، دايمًا كدة قاطعة عليا فرحتي.
اعتدل ابراهيم بظهره للخلف، بعد أن وصل لمقصده، ليتمتم وعينيه تتطلع على شهد التي تبدلت لواحدة أخرى لا يعلمها، ثم صبا بجوارها ولينا في الناحية الأخرى تراقص رؤى الصغيرة، ليتمتم داخله بغيظ بعد أن عادت أنظاره نحو عروسه:
- الفرح مليان مزز، وانا حظي ميجيش غير عليكي؟
❈-❈-❈
في مكان آخر
ويالتحديد في شرفة غرفته، وقد جافى عينيه النوم، بعد محاولات مستميتة باءت كلها بالفشل، حتى انتفض عن الفراش وتركه ليجلس في هذا الوقت المتأخر من الليل، برودة في الجو لا يشعر بها مع تفكيره المتواصل بها وصورتها لا تغادر ذهنه، كل همسة وكل خجلة منها انطبعت بعقله لتزيد من تعذيبه، تنهد بإحباط متزايد، وكل هذا يحدث معه من اول يوم، من اول يوم لها معه في العمل، لقد اشتاق إليها بصورة مؤذية، يتمنى انقضاء الليل باقصى سرعة، يتمنى رؤيتها، يتمنى سماع صوتها الاَن.
- إيه يا بوي، هو انت مش ناوي تنزل معانا؟
سمع الصوت وانتفض يكذب أذنيه، قبل ان تهبط عينيه للأسفل ويصعق برؤيتها حقًا، تخاطب والدها الذي انزلهم أمام البناية، ثم عاد لسيارته، ليعود إلى حفل الخطبة مرة أخرى.
كانت تقف مع والدتها وبهيئة تسحب الأنفاس من صــدره، وتشعله بنار الغيرة ايضًا مع تذكره لعدد العيون التي رأتها قبله وتغزلت بحسنها، رغم عدم تعمدها لذلك، وحشمة ملابسها، ولكن هذه صفة اساسية بها.
ابتعد عن سور الشرفة قليلا، وتركها تدلف لداخل البناية، ورغم صخب المشاعر التي تدور داخله إلا أنه حينما استدرك تبسم ثغره بتعجب وقد تحققت أمنية له اخيرًا وبهذه السرعة، الاَن فقط يستطيع النوم.
الفصل الثامن
بداخل المكتب المتواضع، بشقة صغيرة في إحدى المباني السكنية القديمة، كانت شهد تمارس عملها الذي اعتادت على فعله منذ وفاة أبيها لتحل هي محله في كل شيء، بعد أن اجبرتها الحياة على ذلك، فمنذ متى كان حمل الهم اختيارًا للبشر، خصوصًا لواحدة مثلها.
بالاَلة الحاسبة كانت منكفئة على احد الملفات، تقيد المصروفات وأجور العمال، وما تم تحصيله من مسؤلي الموقع، بدقة وتركيز ، لتحسب المتبقي أيضًا وما يتبقى لها من تحصيل وينتظرها من دفع.
- صباح الخير.
انتفضت على أثرها شهد مجفلة، لترمق بغيظ تلك التي توقفت أمامها مستندة بكتفها على إيطار الباب، تلوح لها بالتحية بأطراف أصابعها بأناقة زادت من استفزاز الأخرى لتهتف بها:
- دي عملة تعمليها يا لينا؟ طب اتنحنحي، اعملي أي صوت ولا حركة، بدل ما تنشفي دمي بطلتك كدة فجأة
تبسمت الأخيرة لتقول وهي تخطو بداخل الغرفة حتى جلست أمامها:
- بس انا مكنتش بتسحب ولا بمشي على طراطيف صوابعي، انتي اللي كنت مندمجة في حسبتك لدرجة انك ما انتبهتيش ليا ولا لخطوتي.
سمعت منها لتزفر مطولاً بتعب قبل أن ترد عليها ببعض اللين:.
- معلش بقى يا ست لينا سامحيني، المهم انتي نورتيني النهاردة، مع ان دي مش عادتك يعني، انك تتطبي فجأة كدة من غير اتصال!
تنهدت لينا هي الأخرى بتعب تقول:
- اعمل ايه يا ستي؟ ما انا كمان مكنتش عاملة حسابي، وهي جات معايا كدة، وانا بسوق عربيتي لقيت نفسي جاية على هنا، حسيت إني محتجالك اوي يا شهد.
هيئتها أصابت الأخيرة بقلق لتسألها:
- ليه يا لينا؟ في حاجة مزعلاكي؟
اجابتها على الفور:
- اه في يا شهد ماما!.... طارق امبارح كان عندنا، وجايب معاه عريس لقطة زي ما بيقولوا كدة، بيشتغل في العمل الدبلوماسي، وبني ادم محترم وسيرته كويسة.....
- طب ما دي اخبار حلوة يا بنتي، امال......
قطعت شهد فجأة لتناظرها بغيظ، بعد أن استدركت لمغزى كلماتها لتسألها بارتياب:
- اوعي تقوليلي انك رفضتيه او مش عاجبك؟
وضح جليًا على وجهها الإجابة، لتردف لها شهد باستياء:
- حرام عليكي يا لينا، بجد والله حرام عليكي، وعندها حق أمك تزعل، انا عرفت لوحدي دلوقتي ومن غير ما تقولي، مامتك الله يكون في عونها.
صمتت الأخيرة لعدة لحظات تمط وتعوج بشفــ تيها بتأثر، قبل أن تقول:
- طب اعمل إيه انا بس يا شهد؟ مش بإيدي يا ناس، لا بدلع ولا بشوفهم وحشين، بس بلاقي نفسي رافضة ومش عاجبني....
قاطعتها شهد:
- اه يا ختي، بس كان يعجبك العيل الأهبل اللي اسمه نيازي! إنتي هتشليني يا بت؟
تبسمت لينا بخفة ترد:
- يمكن كان عاجبني عشان مختلف، بس شوية شوية اكتشفت عيوبه، واكتشفت تفاهتي بتعلقي بيه، وفي الاَخر كرهته، شكلي كدة هعنس.
سمعت شهد، ورفعت رأسها بعد أن توقفت عما تفعله لترمق الأخرى بنظرة حانقة ممتلئة بالغيظ لتهتف بها وهي تلوح بالقلم:
- تعرفي يا لينا، إيه الفرق اللي ما بيني وما بينك....
قطعت لتكمل باستدراك:
- هو مش فرق صحيح، هو وجه تشابه.
عقدت حاجبيها لينا تطالع الأخرى باستفسار لتسألها وهي تستند بمرفقها على سطح المكتب:
- إيه بقى يا ناصحة؟
فقالت شهد:
- وجه التشابه اللي ما بينا يا لينا هو اننا متعوسين، انا متعوسة بحظي وظروفي الزفت اللي اتحطيت فيها غصب عني، وانتي متعوسة بدماغك، دماغك هي اللي تعباكي يا حبيبة قلبي؟
برقت لينا بفيروزيتيها تجيب بدفاعية:
-لأ يا شهد، لازم تبقي منصفة، مشكلتي هي الحظ الزفت زيك بالظبط، انتي ظروفك وانا حظي اللي موفقنيش الاقي الراجل اللي يملا دماغي، فهمتي بقى يا سيادة المقاول.
ظلت شهد تطالعها مضيقة عينيها بصمت لعدة لحظات حتى عادت للأوراق التي تعمل بها مغمغمة:
- اهو دا اللي انتي فالحة فيه، لماضة وبس، وانا مفقوعة مرارتي من المشاكل اللي متكومة فوق دماغي، واَخرها مهندس الزفت دا كمان، كنت نقصاه انا ولا ناقصني تحكماته.
- مهندس مين؟
سألتها لينا لترفع رأسها إليها مرة ثانية تُجيبها بامتعاض فكاهي:
- إسمه حسن، الباشمهندس حسن.
- مين حسن ده؟
سألتها لينا وقبل ان تجيبها شهد، تفاجأت باتصال مساعدها، اوقفت لتجيبه على الفور:
- ايوة يا عبد الرحيم.......... إيه؟......... ليه يعني؟ هو عايز يعمل مشاكل وبس؟....... طب اقفل وانا جاية عندكم اشوفه.........
انهت المكالمة لتهتف ساخطة وهي تلملم أشياءها:
- يا رتني افتكرت مليون جنيه يا شيخة، البني أدم ده بيجي ع السيرة ولا إيه بس؟
قالتها وهي تضع الملفات والاَلة الحاسبة في درج المكتب لتغلق عليها بالقفل، وسألتها لينا بارتباك:
- ماله الراجل ده؟ وانتي بتلمي حاجاتك ليه دلوقت؟
ردت شهد بأسف وهي تتناول علاقة المفاتيح وهاتفها:
- معلش يا لينا، تعالي نكمل كلامنا في العربية، او نخليها وقت تاني، المهندس اللي بقولك عليه، عاملي مشكلة في الموقع.....
❈-❈-❈
- وصلت اَخيرًا، اَخيرًا وصلت.
كان يردد ويتمتم بالكلمات داخله، وهو يتابع سيارتها التي وصلت بالقرب من موقع العمل، لتصطفها في المكان المخصص بحرفية في القيادة، جعلته يرفع لها القبعة، لتترجل منها وتظهر أمامه اَخيرًا بكليتها، شيء ما يحدث بداخله ولكن لا يعلمه، اسبوع كامل مر من وقت ان حضر حفل خطبة شقيقتها مع والدته، ولم يراها بعد ذلك، وقد خفت أقدامها عن المجيء إلى الموقع بعد استقرار سير العمل، يأتي يوميًا تقريبًا ولا يجدها، فمساعدها هذا المدعو عبد الرحيم، لا يقصر بشيء، حتى حينما افتعل هو مشكلة بالأمس، من أجل أن يراها، قام هذا المتحذلق بالإتصال بها، وحل الأمر سريعًا، لكن اليوم هو أصر على مجيئها. وقد وجد الثغرة التي مكنته من وقف سير العمل ، لتُجبر على المجيء.
هل افتقدها؟ ام هو اشتاق للشجار معها؟ نعم هي الثانية، خصوصًا وهو يراها الاَن، بملابس الرجال، التي تدفن بها انوثة طاغية، رأها هو بنفسه في هذا الفستان النبيتي......
- نعم يا بشمهندس، إيه بقى اللي حاصل، لكل الإشكال ده؟
قالتها تخرجه من شروده بعد ان اشتعلت رأسهِ بصورتها في حفل الخطبة التي ارقت لياليه الماضية، فتحمحم يجلي حلقه، ليخرج بجملة مفيدة:
- طب ارمي السلام الأول يا سيادة المقاول، دا حتى بيقولوا ان السلام لربنا.
تنهدت بقوة تناجي الصبر من الله، قبل ان تخاطبه بلهجة اخف من سابقتها:
- أسفة لو دخلت بعصبيتي من أولها، بس اهو السلام عليكم يا بشمهندس.
- كدة حاف!
غمغمها بداخله وقد تحرقت كفه لمصافحتها وملامسة كفها الرقيقة الناعمة، استدرك سريعًا يجلي رأسه من أفكاره المنحرفة... ليجيب بهدوء:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، انا مقدر عصبيتك أكيد، بس بصراحة بقى الأمر مكانش ينفع السكوت عليه.
- أمر إيه بالظبط اللي يخليك توقفت العمال عن الشغل، وتضيع يوم بحاله؟
سألته بلهاث وعصبية، جعلته يتخلى قليلًا عن بروده في إجابته نحوها:
- انا موقفتش تعنت ولا تعسف لا سمح الله... تعالي بنفسك وانتي تفهمي قصدي.
تحرك امامها وتبعته حتى توقف أمام جدار من المبنى الجديد، ليشير بحد كفه عليه:
- حضرتك الحيطة هنا بشكل مخالف بمسافة واضحة، يعني لو كملنا عليه، هيبقى غيرنا شكل التصميم الأصلي للمبنى.
صمتت تطالعه بتركيز لتتذكر الرسم الأصلي اين وضعته، ولكنه كان جاهزًا بنسخته ليتناول رسم مصغر على ورقة كبيرة ويفردها أمامها، على الحائط ليشرح:
- تعالي حضرتك وشوفي بنفسك كدة.
اقتربت برأسها منه، وهو ظل يشرح ويشير على النقاط الهامة، قبل أن يتوقف، مستدركًا وقوفها بجواره ورأسها بهذا القرب منه، كانت تتابع بتركيز جعلها تغفل عن نظراته، وقد عادت إليه مشاعر الفستان النبيتي مرة أخرى.....
انتقض فجأة على الرنة المميزة لمجيدة والتي وضعتها هي لنفسها، حتى تجعله في كل مرة يشعر بالحرج، حينما يسمعها احد غيره بصوت المطربة فايزة أحمد:
ست الحبايب يا حبيبه
يا اغلى من روحي ودمي
يا حنينة وكلك طيبة
يارب يخليك
-أيوة يا أمي.
أجاب بها سريعًا، بعد ان ابتعد قليلًا عن شهد التي كتمت ضحكتها بصعوبة، وجاء رد مجيدة:
- ايوة يا حبيبي، عامل ايه دلوقت؟
همس بصوت خفيض بغيظ:
- يعني هعمل ايه بس بعد الرنة دي؟ انتي برضو عملتي اللي في دماغك وغيرتيها، انا شكلي بقى زبالة قدام الناس.
- ناس مين يا واد؟
قالتها مجيدة قبل أن يصلها صوت عبد الرحيم الذي كان ينادي:
- يا ست شهد، ثواني عايزينك
سمعت مجيدة لتهتف بلهفة نحو ابنها:
- شهد يا حسن، يعني بتشوفها اهو، امال بتنكر ليه وتقول ما بتجيش الموقع؟
عض على قبضته يهمس برجاء:
- يا ماما بلاش كلامك ده، ابوس إيدك، مش ناقصة فضايح.
رددت خلفه بتوعد:
- فضايح يا حسن! طب اديهاني اسلم عليها.
-تسلمي على مين يا ماما؟ مينفعش.
- مينفعش ليه ان شاء الله يا حبيبي، من غير حلفان يا حسن هتديها التليفون دلوقتي عشان اكلمها لا ازعل منك.
- لا طبعًا مش هديها التليفون، دا يستحيل يا ماما إنه يحصل
بعد عدة لحظات قليلة
-اَنسة شهد ممكن لو سمحتي .
تفاجأت الاَخيرة وهي مندمجة في الحديث مع مساعدها، بمن يضع الهاتف في بيدها، ناظرته بتساؤل ولكنه اشار لها نحو الهاتف يردد بمرح يدعيه حتى يخفي حرجه:
- ماما عايزة تكلمك، اصلك وحشاها اوي، شهد معاكي اهي يا ماما.
هتف بالاًخيرة نحو الهاتف قبل ان يتحرك ويبتعد تاركًا شهد لتجيب المرأة بدهشة:
- الووو...
- الووو يا شهد ازيك يا حبيبتي، انا طنت مجيدة يا قلبي، عاملة ايه بقى؟
تبسمت تجيبها لبساطتها وعفويتها:
- حمد لله يا طنت، ازيك انتي؟ وازي صحتك؟
❈-❈-❈
بداخل الفندق وبالتحديد بداخل الغرفة التي أصبحت تشاركه بها، يعمل على حاسوبه مرة، وبطرف عينيه يراقب تركيزها الشديد على احد الموضوعات التي أمرها بإكمالها منذ ساعة تقريبًا ولم تنتهي منها بعد، حتى أصبح يشفق عليها، فخرج عن صمته يسألها:
- لدرجادي الحسبة صعبة عليكي؟
رفعت رأسها لتجيبه بتشتت:
- مش حكاية صعبة عليا، بس انا حاسة الحسابات في في بعض الأقسام هنا مش مظبوطة، أو مكررة مش عارفة....
- مكررة ازاي يعني؟
ردد بها وهو ينهض عن مقعده بقلق، حتى وصل إليها يسألها:
- فين بالظبط اللي مكرر؟
بسبابتها كانت تشير لها على بعض الأرقام التي على الشاشة بتركيز افقده عقله، هذه المسافة القريبة منها لم يحسب حسابها قبل ذلك على الإطلاق، انظاره تتنقل من الشاشة وإليها، مرة على الأرقام ومرة على الجمال الذي يقارب الكمال، حتى انتفض فجأة يتمتم بالاستغفار كعادته، حتى جعلها تشعر بالإستياء ككل مرة، بفهم خاطيء دائمًا له، فقالت بدفاعية:
- على فكرة حضرتك لو شايفني غلطانة، انا ممكن اخلص الحسبة واريحك.
سألها بلهجة لينة:
- ومين قالك بقى إني شايفك غلطانة؟
شعرت بالحرج، تجيبه بارتباك وعينيها لا تجرؤ على مواجهته:
- ممش عارفة، بس حسيت كدة!
تبسم بزاوية فمه يتابع عبوس وجهها المختلط بحمرة الخجل الطبيعي منها، فتجعلها شهية كقطعة الحلوى، وتزداد سحرًا على سحرها، ويزداد هو بؤسًا.
تنهد بثقل وهو يبتعد ليجلس على مكتبه ليخاطبها بجدية:
- انا فهمت وجهة نظرك يا صبا، بس للأسف أنا مش فاضي دلوقتي عشان اتأكد بنفسي، عندي اجتماع بعد نص ساعة تقريبًا، وطبعًا مش هينفع تستنى لبكرة....
ناظرته بعدم فهم، وهو يطرق بأطراف اصابعه على سطح المكتب بتفكير، قبل أن تنتبه إليه قائلة:
- طب ما اروح انا واجمع البيانات بنفسي....
احتدت عيناه فجأة، يود الرفض بشدة، رغم ان هذا من صميم عملها، ولكنه لا يريد لها الخروج وتوسيع دائرة محيطها في الفندق الصخم والذي هو بمثابة دنيا أخرى ، يخشى عليها من كل شيء به، فهو بالكاد يتقبل عملها به، رغم أنها تحت عينيه.
- لو مش موافق اكيد براحتك.
قالتها بيأس حينما طال صمته، ليجيبها اخيرًا مضطر :
- ماشي يا صبا، انا هتصل بشيف المطبخ يستناكي ويقولك على كل حاجة محتاجها المطبخ من جديد عشان تدوينها، ومدام ميري كمان، ودي سهلة وممكن تعرفك بيها صاحبتك .
اشرق وجهها بابتسامة لم تستطع كبتها، ليردف لها بحزم:
- بس خلي بالك تخلصي وتيجي بسرعة يا صبا، عشان تنجزي باقي الشغل .
اومأت برأسها بتفهم، ولكنه استطرد بقلق:
- يا ريت تسمعي كلامي ومتخلتطيش بأي حد، صاحبتك لو فاضية تجي عندك هنا.
ناظرته بتساؤل واستغراب، ولكنه لم يعطيها فرصة، ليردف مجددًا:
- سمعاني يا صبا، وفاهمة كلامي.
رددت على الفور خلفه:
- سمعاك والله وفاهمة كمان .
سمعها وظل متسمرًا بالنظر إليها يريد التراجع، ولكنه استسلم في الاخير ليعود لعمله متنهدًا بثقل يتمتم بالاستغفار مجددًا
❈-❈-❈
في الجناح الأسطوري والذي كلفت اليوم بترتيبه، تغير الشراشف لأخرى جديدة، تلملم الملابس التي تحتاج لتنظيف، وتضع كل شيء في مكانه، ثم تدور بالمكنسة الكهربائية الكبيرة على السجاد الضخم، وبنفس الوقت ترد على محدثتها في الهاتف الذي تضعه في جيب اليونيفورم وتكتفي بالسماعات فوق الأذن لتؤدي الغرض:
- ايوة يا صبا زي ما بقولك كدة، هو الجناح دا بس اللي فاضل معايا، يعني كلها عشر دقايق واخلص..... طب بقولك ايه ما تيجي، وانا هنزل معاكي عند مدام ميري..... تمام على ما توصلي اكون انا خلصت.
أنهت المكالمة واندمجت في عملها، حتى توقفت فجأة، تتناول هذا الساعة الرائعة التي وجدتها أسفل الكمود،
وضعتها على كفها تتأملها بانبهار وعدم تصديق، مغمغمة:
- يا لهوي عليا وعلى سنيني، ساعة وفيها فصوص الماظ، دي لو بعتها هتحل كل مشاكلي ومش بعيد ااشتري بيها بيت تاني غير بيتنا .
❈-❈-❈
- بس بس، إيه اللي بتعمله دا يا ولد هتموتها.
هتفت بها نور بارتياع وهي ترفع رامي وتبعده عن توأمه رنا، والاَخر يقاوم بغيظ:
- سيبني سيبني خليني اخلص عليها، زي ما بوظت لعبتي.
نهضت رنا تقارعه بتحدي:
- احسن احسن، عشان تبطل تبعدني ومتلاعبنيش معاك .
كلماتها زادت من اشتعال الاَخر، ليصيح ساخطًا، وهو يحاول أن ينزع نفسه من نور التي كانت تجاهد للسيطرة على أعصابها التي كانت ترتخي من فرط ضحكاتها:
- هموتها، لازم اموتها، سيبيني يا طنت.
- يا بني حرام عليك تعبت إيدي.
قالتها نور مقهقهة بتعب حقيقي مع وجع ذراعيها، قبل أن تلتف هادرة بالصغيرة التي كانت تقف متخصرة أمام شقيقها باستفزاز:
- يا بنتي ابعدي عنه، اخوكي متعصب بجد .
ولجت زهرة لغرفة الصغار مجفلة على الأصوات، لتردد نحوهما:
- إيه في إيه؟ هببتوا إيه تاني؟
ردت نور تستنجد بها:
- اللحقيني يا زهرة، ابنك عايز يقتل اخته ويموتها.
لملمت زهرة ابتسامتها بصعوبة، وقد أشفقت على نور من فعل توأمها المزعج، ف هدرت نحو ابنها بحزم:
- اهدى يا ولد وفهمني اللي حصل بهدوء، وانتي يا نور سيبيه:
سمعت الأخيرة لتتركه على الفور بعد أن هدأت حركته، ورد رامي بانفعال:
- بنتك يا ماما، بوظتلي اللعبة وانا لازم اخد حقي منها.
نقلت زهرة بأنظارها نحو ابنتها التي كانت تناظرهما بشجاعة زائفة تدعيها في كل مرة تخطأ فيها، سألتها زهرة رغم علمها المسبق بالإجابة:
- بوظتي لعبة أخوكي ليه يا رنا؟
زفرت الصغيرة تقلب مقلتيها قبل أن تجيبها ببساطة:
- انا بس لعبت بيها، هي بقى اللي باظت لوحدها، هعملها إيه؟
كزت زهرة على أسنانها وصاح رامي بوجه أحمر من الغضب:
- شايفة يا ماما، اهي بتنكر اهي، زي كل مرة، عشان لما اقولك ان هي اللي بوظتها تبقي تصدقيني.
خاطبته زهرة بمهادنة:
- يا حبيبي هدي اعصابك شوية، دي باردة وهتشلك.
- يعني وبعدين هاخد حقي ازي؟
صاح بها بصوت عالي اجفل نور التي تماسكت بصعوبة، لتتابع زهرة ومحاولاتها في التوفيق بين الإثنين، حتى صرفتهما وغادرا الغرفة، ولم يتبقى سوى ظافر أصغرهم، فقد كانت تحمله على ذراعها، تناولته منها نور فور أن جلست بالقرب منها على تخت رنا، وقالت تخاطبها بحرج:
- سامحيني يا نور، لو تعبوكي الأولاد دول، بس انتي شوفتي بنفسك، انا تعبت وفاض بيا منهم.
تأثرت الاَخيرة تقبل ظافر الصغير، قبل أن ترفع رأسها إليها وتقول:
- يا ستي ربنا يخليهمولك، اينعم هما اشقيا لدرجة غبية، بس حلوين والله ودمهم خفيف.
رددت خلفها زهرة بتعب:
- دمهم خفيف إيه بس؟ دول مصايب هما الجوز، طب تصدقي بإيه، إن جوز المتخلفين دول، كانوا بيتخانقوا مع بعض وهما في بطني ومن قبل ما يتولدو!
- مش معقول!
تفوهت بها نور شاهقة بذهول، وردت زهرة بتأكيد:
- وربنا زي ما بقولك كدة، انا كنت بحس بيهم وبرفسهم جوايا، دا انا طلع عيني فيهم، لدرجة اني حلفت بيني وبين نفسي، إني توبة ومش هكررها تاني، بس ربنا بقى أراد اني اخلف بعدهم الأستاذ ظافر، رغم كل الإحتياطات اللي اخذتها، تقدري كدة تقولي، إنه جه غلطة.
تبسمت نور تردد وهي تقبل الطفل:
- والله أحلى غلطة، طب يا ريت كل الغلطات حلوة وجميلة كدة، يا ختي، قمر يا ناس.
طالعتها زهرة بابتسامة ضعيفة لتقول بحرج:
- ربنا يكرمك يارب وتغلطي انتي كمان.
توقفت نور تحتضن الطفل بقوة متسائلة:
- تفتكري دا ممكن يحصل فعلًا؟ انا قربت افقد الأمل يا زهرة.
هتفت الأخيرة ترد بانفعال:
- وميحصلش ليه بقى؟ انا سمعت كذا مرة من جاسر، ان لا انتي ولا مصطفى، حد فيكم فيه عيب.
- هو فعلا زي ما بتقولي كدة، لكن مع ذلك ماشين في السنة التامنة من ساعة جوزنا أهو، ومفيش أي حمل بيحصل.
قالتها نور ثم توقفت بنتهيدة كبيرة خرجت من عمق ما تحمله بداخله من ألم، وشردت بعينيها بعيدًا تضيف:
- صعبان عليا أوي مصطفى، بيخاف حتى ما يلعب مع طفل من أولاد عدي، لتتحفه والدته بتعليق مستفز ، ولا بنظرة غامضة من مرات اخوه الغريبة دي، رغم اني بشوفه بنفسي وهو عينه اللي هتطلع عليهم، صعبة قوي دي يا زهرة...
قالتها وختمت بدموع سقطت منها، مسحتها سريعًا، لتتمالك أمام زهرة التي ربتت بكفها على ذراعها تقول بتحفيز وهي تنهض:
- خلي أملك كبير بالله يا نور، بطلي التفكير اللي يتعب ده، وقومي يالا معايا، خلينا ننزل نحصل الجلسة عند جاسر وكاميل.....
قطعت على سماعها لصوت صراخ قادم من الغرفة المجاورة، توقفت لبرهة وقد علمت مصدر الصوت، لتكز على أسنانها تهدر ساخطة بغضب:
- يا ولاد ال..... ، تاني برضوا.
قالتها وخرجت من الغرفة راكضة، نهضت نور هي الأخرى، مخاطبة ظافر الذي مازالت تحمله بين يــ ديها:
- تعالى يا حبيبي، نلحق اخوك قبل ما يخلص على اختك!.... يا نهار أبيض، دا انا كرهت الخلفة بجد عشانهم، جوز المصايب دول.
❈-❈-❈
وصلت صبا بالقرب من الجناح المقصود، لتتوقف مخاطبة صديقتها عبر الهاتف:
- انا وصلت يا ست مودة، خلصتي ولا لسة؟ خدي بالك انا مش هستني كتير........ طب يالا بسرعة بجى خليني اشوف الريسة بتاعتك دي واخلص مهمتي.... تمام.
انهت المكالمة تزفر بضيق متجنبة النظر حولها، لتتجاهل النظرات المصوبة ناحيتها من المارة بجنساتهم المختلفة، إن كانو عرب او أجانب او حتى مصرين أثرياء، فهذا الطابق لا يحتوي بغرفه سوى الصفوة، أما البشر العادين فلن يكونوا هنا سوى موظفين أو عمال من الفندق
زفرت بارتياح فور ان رأت مودة وهي تخرج من الجناح بعدة العمل التي تحملها معها، تبسمت لها المذكورة وهي تخطو لتقترب منها،
قبل أن تجفل كالبلهاء وتتعلق عينيها بهذا المهيب الذي خطا يتخطاها، ليدلف خلفها داخل الجناح، فرددت تبتسم بهيام نحو الأخرى فور أن توقفت أمامها:
- يا لهوي يا بت يا صبا، شوفتي الباشا اللي عامل زي نجوم السيما دا؟
القت صبا بنظرها نحو باب الجناح الذي دلف منه الرجل تقول بضيق واستخفاف:
- باشا بجى وكلام فاضي، ما تلمي نفسك يا مودة، وسيبك من سهوكة البنتة دي.
كشرت لها الأخرى تقول بإحباط:
يا باي عليكي يا صبا، مفيش مرة كدة تمشي معايا ع الخط وتفكي شوية، احنا بنات على فكرة ودي حاجات عادية بالنسبالنا، ولا انتي مش بنات؟
- لا طبعًا مش بنات.
قالتها صبا بمناكفة، وافتر ثغرها بابتسامة رائعة تتابع لها:
- ما تحاوليش معايا يا ماما، انا حالة ميؤس منها اساسَا،
يعني تاخديها من جاصرها، وخلينا نشوف شغلنا يا حبيبتي .
لوت ثغرها بامتعاض لترد وهي تتناول الهاتف من جيب ملابس العمل:
- طب استني دقيقة يا ختي على ما اتصلك بالست، واشوفها قاعدة فين بالظبط لتكون.....
فطعت فجأة على صيحة أتت من خلفها تجفلها:
- انتي يا بت انتي فين الساعة بتاعتي؟
التفت مودة بذعر نحو محدثها، لتجيبه بتلجلج:
- ننعم حضرتك ساعة إيه؟
- اقترب بوجه غاضب يرد باستهجان:
- نعم يا ختي، إنتي هتستعبطي...
هتفت به صبا غاضبة:
- لو سمحت خلي بالك من اللفاظك. فمفيش داعي للغلط، عايز الساعة يبقى تسأل بذوق.
رفع عدي أنظاره من مودة، لتقع عينيه على صبا التي كانت خلفها ولم ينتبه لها سوى الاَن ، فخرج سؤاله نحوها بتحفز:
- إنتي مين؟
واجهته بعينيها الجميلة تجيبه بتحدي:
- وانت مالك؟
قالتها ببساطة أجفلته لتجول انظاره على الوجه الخمري ولون العيون المميز، ثم هبطت عليها وعلى ما تريديه بجرأة أزعجتها، حتى اشتعلت لتصبح القطة التي على وشك الإنقضاض بخصمها، فخرج سؤاله الثاني بتأني:
- إنتي شغالة هنا؟
- وانتي مالك إن كنت شغالة هنا ولا مش شغالة؟ مالك بيا أساسًا؟
قالتها صبا بحدة أرعبت مودة لتهتف بالاَخر بصوتها المهزوز:
- يا سعادة الباشا، لو ع الساعة، أنا هدخل حضرتك اشوفهالك جوا، أكيد يعني هكون سندتها في حتة وانا بنضف الجناح، عن اذنك اروح اشوفها.
- روحي، وانا مستنيكي هنا.
قالها وعينيه لم ترفع عن صبا التي كانت تزفر بحريق، من سماجة ووقاحة هذا الرجل الغريب، لتشيح بوجهها عنه، في تجاهل صريح منها نحوه.
أما عن الأخرى فبداخل الغرفة، وبحركة سريعة ادعت انها تبحث عن الساعة، قبل على تجثو على ركبتيها، لتخرجها سريعًا بخفة من المكان الذي وجدتها فيه، ثم صاحت بصوتها العالي:
- انا لقيتها، لقيتها هنا تحت السرير يا فندم.
قالت الأخيرة وهي تخرج من الغرفة بلهفة، لتعطيها له، تناولها منها يتفحصها جيدًا، ثم سألها بريبة:
- ولما هي تحت السرير، ما لقيتهاش ليه من الأول وانتي بتنضفي؟
ابتلعت ريقها مودة لتجيبه وقلبها يرتجف من الخوف:
- اصلها كانت مزنوقة في مكان مداري، خدت بالي دلوقتي بس منه.
صمت يحدجها بنظرة غريبة لعدة لحظات جعلت صبا تهتف بنزق:
- اطمنت على حاجتك يا فندم، ياللا بينا احنا بقى يا مودة .
قالتها لتتحرك معها الأخرى ولكنه أوقفها بصوته:
- انا قولت انتي مين؟ جاوبي على سؤالي الأول.
التفت إليه تتميز من الغيظ، وتمالكت حتى لا تحتد عليه، لتكتفي بقوله له، قبل أن تغادر وتتركه:
- وانا قولت انت مالك؟
ظل يتابعها لعدة لحظات ينظر في أثرها مشدوهًا بعدم تصديق لفعلها وجراتها على مناطحته، وجمالها المختلف لكل ما رأه سابقًا، ملفتة للنظر بحق.
صدح هاتفه بالإتصال، وتناول يجيب محدثه:
- ايوة يا كارم......... انا كنت خارج من تلت ساعة تقريبًا، بس افتكرت اني نسيت الساعة قبل ما ادور العربية، ورجعت تاني اخدها........... هقولك ع اللي أخرني، بس لما اجيلك.
❈-❈-❈
- وصلت زهرة الى مقر الجلسة التي تضم مصطفى، ومعهم طارق وكاميليا التي كانت تتناقش مع خالد في موضوع مهم يخص العمل، فهتفت بزو جها الذي تفاجأ بهيئتها مع أطفاله الصغار
- جاسر، اتفضل شوف شغلك مع جوز المتخلفين دول.
- مالهم الولاد يا زهرة، مسكاهم ليه زي الحرامية كدة؟
قالها جاسر وهو ينهض عن مقعده مجفلًا، وردت نور التي كانت تتبع زهرة حاملة الطفل الصغير:
- أولادك اشقيا يا جاسر وانت لازم تتصرف، انا ومامتهم بصراحة تعبنا اوي معاهم.
رد مصطفى من الناحية الأخرى بمرح، رغم هذا الوخز الذي شعر به مع رؤية زو جته وهي تحمل بيدها الطفل:
- وتتعبي نفسك ليه بس انتي يا قلبي؟ دا ناس واخدة ع المرمطة مع أطفالها المتخلفين على رأي زهرة.
ضحكت نور وهي تجلس بجواره، مع انطلاق التعليقات الساخرة من طارق:
- ايوة بقى، الراجل خايف على مراته الفنانة، ما تسربوهم يا جدعان ولا تشوفلهم صرفة، انا نفسي تعبت منهم .
تدخل خالد ايضًا:
انا قولتلها من الأول، تجيبهم عندي اسبوعين مع رقية، إن ما كانت تعلمهم الأدب، مبقاش انا .
جاسر والذي جثى على ركبتيه امام الأطفال، كان يستمع بابتسامة مستترة، يدعي الغضب امام الأطفال ليخاطبهم:
عاجبكم كدة؟ كل مرة تكسفوني قدام الناس.
تبادل رامي ورنا النظرات المتحفزة، وارتفعت انظارهما نحو والدتهم، والتي قالت بحنق:
- بيضربوا بعض عشان لعبة يا جاسر، انا من رأيي تحرمهم من اللعب خالص على العابهم، وتلغي كمان الفسح، ولا اقولك انا هشتكي لجدهم...
قالتها وصدرت صيحات التذمر:
- لا يا ماما وحياتي عندك، مش هنعمل كدة تاني يا بابا.
رفعت زهرة حاجبًا شريرًا وهي تتركهما مع والدهم، لتشارك الجميع الجلسة، وقال طارق:
- سيبتيهم لجاسر عشان يعاقبهم، طب اقطع دراعي لو قدر عليهم.
ضحكت كاميليا وقال خالد بسخرية:
-بيربوهم يا عم على أصول التربية الحديثة، مالها العصايا بس؟ دي ربت أجيال؟
ضحك طارق يضيف عليه:
- ولا الشلوت ولا القلم كمان، آخر حلاوة.
تدخل مصطفى بعد ان طبع قبلة على كف ظافر الصغير:
- انا من رأيي إن الأساليب دي غلط، بس مش مع كل الحالات، يعني مع رامي ورنا ممكن، لكن مجد ده بقى حاجة تانية.
ردد طارق من خلفه:
- لا يا باشا دا برنس لوحده، تحس كدة انه مولود متربي، رغم انه اكتر واحد أخد الدلع.
هتف جاسر الذي كان متابعًا للحديث بعد أن صرف الأطفال:
- لابوه طالع لابوه يا طارق .
سمع الاَخير ليعقب ساخرًا:
- يا عم روح خليني ساكت احسن، قال ابوه قال.
قالها وانطلقت الضحكات في جلسة تتكرر كل فترة من الوقت، بعد اسابيع او بعد شهور، المهم انها لا تنقطع
❈-❈-❈
- أخوك النهاردة عند جاسر الريان في بيته، وعاملين جلسة عائلية، تعرف انت بالكلام؟
هتف بها كارم نحو الاَخر، اثناء جلستهم بإحدى المطاعم الفاخرة، بعد انتهائهم من صفقة عمل مع أحد العملاء الأجانب وانصرافهم، ليتابع:
- اكيد طبعًا متعرفش، ولا تعرف؟
تبسم عدي يجيبه بسؤال:
-مش لما اعرف انت الأول عرفت منين يا كارم؟
صمت الاَخير يرتشف من كأسه، ثم أجاب:
- انا مش براقبه، دي بس معلومة وصلتني بالصدفة كدة، بس انت بقى مش مستغرب زيي؟ اخوك كل يوم علاقاته بتزيد مع جاسر ومجموعته، ودا خطر علينا يا باشا.
سأله عدي:
- خطر ليه بقى؟
تبسم كارم ليردد بغيظ:
- ما تركز معايا يا عم، ولا انت مش واخد بالك بعلاقات اخوك الممتدة بحكومات اجنبية وعربية واستثمارات، بالمليارات، مصطفي جامد اوي، ومجموعة الريان ليها اسمها اللي مسمع في السوق هنا....
- ايوة ما هو مشاركهم فيها.
قالها عدي مقاطعًا، ورد الاَخر بحدة:
- انا خايف ليدخلهم معاه في شغله الكبير، افهمني بقى، مالك يا بني انت مش مركز معايا ليه النهاردة؟
تبسم الاَخر يقول بهدوء:
- في إيه يا كارم، وانت مالك بتدقق معايا ليه اوي كدة؟ ما تخافش يا سيدي، الأمور تحت السيطرة، انا برضوا صاحي لأي شاردة وواردة.
سمع كارم يناظره بتفحص، ثم قال باستدراك:
- هو انت لسة برضوا مشغول بموضوع الساعة اللي اختفت الصبح والبت اللي وقفت قصادك؟
صمت الاَخر قليلًا بتفكير قبل ان يجيبه بغمزة:
- مكنتش مختفية، انا شاكك فيها دي، لان البنت مقعدتش دقيقتين وخرجت بيها، دا غير الحجة اللي قالتها كمان، مكنتش مقنعة.
- قصدك انها حرامية؟
قالها كارم بتحفز واعين مشتعلة بالغضب، وكان رد عدي الهادي:
- انا بقولك انه مجرد شك، بس انا اللي شاغلني بجد دلوقتي هي التانية، علقت في دماغي من ساعتها يا جدع.
تبسم الاَخر يسألها بخبث:
- حلوة؟
- اوي اوي اوي يعني.
قالها عدي ليعلق الاًخر:
- لا لا انت عيارك فلت وشكلك كدة عايز تظبيط، هي البت ميرنا مش قايمة بالواجب معاك؟
ضحك عدي مجلجلًا، ينفي بهز رأسه، وتابع كارم:
- كمان! لا بقى انت حلك كدة ترجع لطنت بهيرة ولا احنا نبلغ ميسون احسن، دي بقى اللي هتجيب من الآخر معاك...
- اعوذ بالله.
هتف بها عدي مقاطعًا بضحكاته يردف:
- يا عم افتكر لينا حاجة عدلة، هو انا ناقص نكد بسيرتها، دي مش بعيد تطلعلي في الحلم.
ظل كارم لفترة من الوقت يضحك لا يقدر على التوقف، حتى تمكن اخيرًا ليقول:
- ولما هو كدة، اتجوزتها ليه يا عم؟
اجابه عدي بضحكاته العالية هو ايضًا:
- تخليص حق، اتجوزتها تخليص حق.