رواية سوء تفاهم الفصل العاشر10بقلم بتول عبد الرحمن
بالليل، كلهم كانوا قاعدين في الصالة، الجو هادي لكن فيه ترقب غريب، فجأة، الباب اتفتح ودخلت واحده… واحده قوية، هيبتها سابقاها، حضورها مسيطر وواضح انها شخصيه صعبه
بمجرد ما ظهرت، وقفوا كلهم احترامًا ليها، لكن السلام كان بفتور واضح… هي مش من النوع اللي الكل بيرتاح في وجوده، ومش بتسمح لحد يتمادى معاها حتى في سلامه، مراد على عكس الباقيين، اتقدم وسلم عليها بحرارة، كان واضح إنه بيكنّ لها احترام كبير، أما ليلى فرفعت إيدها علشان تسلم، لكن ثريا ببساطة مشيت جنبها وكأنها مش موجودة، تجاهلتها تمامًا!
ليلى حسّت بضيق في صدرها، إحساس بالرفض بدأ يتسلل ليها، لكن بخبرتها مع العيلة دي، عرفت تخبي مشاعرها كويس ومتبينش أي حاجة.
سهام استغلت اللحظة، وبابتسامة ظاهرها الود وباطنها الخبث قالت"وحشتينا ياما."
الجد نده على شادية بسرعة وكأنه عايز يقطع أي كلام قبل ما يبدأ "خدي ثريا لأوضتها يا شادية."
لكن ثريا متحركتش، رفعت حاجبها وقالت بنبرة حادة "مش لما أفهم اللي حصل الأول؟"
الجد بصلها بجمود وقال بهدوء حازم " مفيش حاجه مش واضحه ولا مفهومه"
"حفيدي يتجوز من غير فرح كبير؟ ومن غير حتى ما حد يقولي؟ وواحده بيتكلموا عنها ازاي، والأهم من كل ده تبقى مين؟ ملقيتوش غير دي، كان ممكن حد تاني يتحمل فضيحتها غير مراد، مراد ليه عروسه بِكر لسه" صوتها كان قوي، فيه عتاب واضح، لكن كمان فيه غضب مكبوت
مراد كور ايده بغضب، ملامحه بقت جامدة، وعينيه كانت نار، نار غضب وتحدي، نار راجل مش مستعد يسمح لحد إنه يهين مراته، حتى لو كان أقرب الناس ليه.
صوته طلع هادي، بس فيه نبرة تهديد خفية، نبرة رجّعت الصمت للصالة كلها " أولا اللي بتتكلمي عنها دي بقت مراتي، ومش هسمح لأي حد مهما كان مين يقلل منها، اي حد بقا ايا كان، ثانيا جوازنا كان لظروف غامضه، كان عباره عن كتب كتاب بس البلد كلها احتفلت بيه ومحدش قالك عشان انتي بعيده، فكان لازم تعرفي بعدها بفتره على ما الأمور تتظبط، ثالثا محدش اتكلم عنها خالص بالوحش، والسبب في ده "
وجه نظره لرحمه وسهام وهو بيكمل " هيتحاسب، رابعا ليلى بالنسبالي احسن من ١٠٠ ملكة جمال، اخيرا وليس اخرا، ليلى متفضحتش اصلا عشان الم الفضيحه والكل عرف ده ليلة الدخله، خامسا حتى لو ليلى مكانتش بِكر بالرغم من أنها كانت فدي حاجه تخصني انا وهيا بس "
ثريا رفعت حاجبها، الباقيين كلهم كانوا بيتابعوا الموقف بصمت مشوب بالحذر، حتى الجد، اللي دايمًا صوته بيحسم الأمور، كان ساكت، كأنه مستني يشوف مراد هيعمل إيه.
مراد قرب خطوة، بص لعينيها مباشرة، وكمل بصوت مليان ثبات "أنا اخترت ليلى بنفسي ومحدش اجبرني، فياريت كفايه تعامليني على اني واحد صغير، انا مسؤول بما يكفي عن نفسي"
ثريا ضحكت ضحكة قصيرة، فيها استهزاء واضح، قبل ما تقول "شكلك فعلاً مش واخد بالك إنت بتكلم مين."
مراد بصلها ببرود، وبعدين رد بنفس النبرة الواثقة "بالعكس… أنا عارف كويس أوي أنا بكلم مين، لكن الظاهر إنك إنتي اللي مش واخدة بالك إن مراد اللي كنتي تعرفيه زمان، معادش موجود."
الجد فجأة اتحرك، ضرب الأرض بعصايته، صوته جه قوي وحاسم "كفاية كده! اللي حصل حصل، ومراد اختار… واللي عنده اعتراض يحتفظ بيه لنفسه، واعتقد يا ثريا مش وقته، روحي ارتاحي في اوضتك الأول انتي لسه راجعه من سفر"
ثريا بصتله بنظرة طويلة، قبل ما ترفع راسها بشموخ، وبدون أي كلمة زيادة، مشيت من قدامهم
سهام بصّت لمراد بسخرية قبل ما تسيب المكان وتمشي، وكأنها بتقول له إنها متأكدة إن اللي جاي مش هيكون سهل عليه، رحمة لحقت بيها، مشيت وراها من غير ما تقول ولا كلمة، بس عقلها كان شغال بأفكار كتير.
رحمة دخلت أوضتها بسرعة وقلبها بيدق، قفلت الباب وراها بحذر، وبإيد مرتعشة فتحت موبايلها، فضلت تبص للشاشة لحظات قبل ما تفتح المحادثة اللي بينها وبينه.
ضغطت على اسمه، ورنّت عليه، مستنية تسمع صوته، ثواني قليلة، ورد عليها بصوت هادي لكن فيه نبرة سعادة واضحة "كنت مستني مكالمتك."
رحمة ابتسمت لا إراديًا، وحست بفرحة غريبة، صوتها كان هادي وهي بترد "مش عارفة ليه كلمتك، بس… حسيت إني محتاجة أسمع صوتك"
ضحك ضحكة خفيفة وقال "وأنا مبسوط إنك كلمتيني، كنت بفكر فيكي طول اليوم."
رحمة حست بخجل، بس في نفس الوقت، كان عندها فضول تعرف أكتر عنه، فضلت تتكلم معاه لفترة، وكل كلمة منه كانت بتخلي قلبها يدق أسرع، يمكن لأول مرة تحس إن في حد مهتم بيها بالشكل ده…
مراد أخد ليلى من إيدها وطلعوا أوضتهم، كان ملاحظ إنها مش مرتاحة، ملامحها مكنتش زي العادة، فيها حاجة مخلياها متضايقة، أول ما قفل باب الأوضة، قرب منها وسأل بصوت دافئ لكن حاسم "مالك؟"
ليلى حاولت تبعد عن عيونه، حركت إيديها بعشوائية وقالت بسرعة "مفيش."
رفع حاجبه باستغراب، قرب أكتر وقال بنبرة أقوى " متقوليش أن اللي حصل تحت ضايقك ؟!"
ليلى أخيرًا رفعت عيونها ليه، اتنهدت وقالت بصوت هادي لكنه مليان توتر "جدتك شكلها مش حباني."
قرب منها أكتر، بص في عيونها بتركيز، لمس خدها بطرف صوابعه وقال بصوت هادي لكنه ثابت "مش مهم، المهم أنا… ولا عندك رأي تاني؟"
ابتسامة خفيفة بدأت تتشكل على وش ليلى، ضحكت بخفة وقالت "لاء، معنديش."
مراد ابتسم وهو شايفها بدأت تهدى، لكن بالنسباله ده مكانش كفايه، بص في عيونها بتركيز، حس إنها مترددة، مش بس بسبب جدته، لكن كأنها لسه مش مستوعبة مكانها في حياته، قرب منها أكتر، لمس وشها بإيده بحنان وهمس بصوت دافي "اسمعي يا ليلى، الحب مش حاجة بتيجي في لحظة، وجدتي صعب حد يكسب ودها بسرعة، بس ده ميهمنيش… أنا اللي يهمني انتي، أنا اللي اخترتك، ومش هسمح لحد يأثر عليكي أو يضايقك."
ليلى بصتله بعيون مليانة مشاعر متلغبطة، ابتسامته الهادية كانت كفيلة تطمنها، لكنها قالت بصوت منخفض "بس أنا مش عايزة حد يكرهني، خاصة حد قريب منك."
" ميهمنيش، اللي يكرهك يكرهك واللي يحبك يحبك"
مراد قرب أكتر، لمس خدها بحنية وعيونه غاصت في عيونها، كانت بتبصله بتوتر بسيط لكنه مفوتتش نظرة الحب اللي كانت واضحة فيها، بصوت هادي لكنه مليان شوق همس "أنا عايزك تفضلي معايا كده على طول… قريبة، مرتاحة، ومش شايلة هم حاجة."
ليلى ابتسمت بخجل، حست بدفء كلماته بيلفها، كأنها في مكان آمن، بعيد عن أي حاجة ممكن تزعجها، رفعت إيدها ولمست وشه بخفة وقالت "طول ما انت جنبي، هكون كده."
مراد ابتسم، وكأنه كان منتظر يسمع الجملة دي منها، قرب أكتر، لمس جبينها بشفايفه في قبلة طويلة مليانة حب واحتواء، بعدها همس جنب ودنها "بحبك."
ليلى حست بقلبها بيدق بسرعة، رفعت عيونها ليه وابتسامتها زادت، قربت منه أكتر وهمست "وأنا كمان، بحبك يا مراد."
مراد سحبها لحضنه، حضنها بقوة، وكأنه خايف تروح منه، وهي استكانت بين إيديه، حاسة إنها أخيرًا في مكانها الصح، مع الشخص اللي قلبها اختاره من غير تردد.
تاني يوم، صحيت ليلى على صوت خبط على الباب، كان الصوت متكرر وسريع، كأن اللي برا مستعجل، فتحت عيونها بكسل، لقت مراد بيقوم من جنبها بخطوات تقيلة، راح ناحية الباب وفتحه.
شادية كانت واقفة برا، ملامحها جدية كالعادة، وقالت بصوت هادي لكنه واضح "ثريا هانم عايزاكم تحت."
مراد هز راسه بتفهم، من غير ما يسألها عن السبب ورد باقتضاب "حاضر."
شادية مشيت فورًا، ومراد قفل الباب ورجع لقى ليلى بتبصله بنعاس، صوتها كان مبحوح شوية من النوم لما سألته "في إيه؟"
قعد جنبها على السرير، مسح على شعرها بحنية وقال "تيته طلبت ننزل تحت."
ليلى رفعت فونها، فتحت الشاشة بعين واحدة وهي بتحاول تشوف الساعة، وبصوت متعجب قالت "بس ليه بدري كده؟!"
مراد ابتسم وهو بيعدل الغطا عليها، وقال بنبرة هادية "هي بتحب كل حاجة بمواعيد… الفطار، الغدا، العشا، حتى الكلام له وقت عندها."
ليلى نفخت بخفة وهي بتحاول تفوق، قامت بتكاسل وهي بتتمطى، لكن جواها كان فيه إحساس غريب… هل اليوم ده هيكون عادي، ولا ثريا مستنياها بحاجة جديدة؟
نزلوا لتحت، وكانت السفرة متجهزة بكل أنواع الفطار، العيلة كلها متجمعة كالمعتاد، ليلى قعدت جنب مراد، لكنها حسّت من أول لحظة بنظرات ثريا اللي كانت مركزة عليها، مكنتش مجرد نظرات عادية، كان فيها حاجة مخلياها مش مرتاحة، كأنها تحت اختبار مش مفهوم.
مراد لاحظ توترها، قرب منها شوية وهمس بصوت واطي "مش بتاكلي ليه؟"
ليلى رفعت عيونها ليه بسرعة، وقالت بصوت حاولت تخليه عادي "باكل أهو."
لكن الحقيقة، كانت بالكاد لمست الأكل.
مراد معجبهوش ردها، مد إيده بلقمة وأكلها بنفسه، حركة عفوية منه، بس مكانتش عفوية بالنسبة لثريا.
ثريا بصتله بحدة، اعتراضها كان واضح، وبعد لحظة صمت تقيل، قالت بصوت صارم "معندهاش إيد يعني؟"
مراد رد بهدوء، وكأنه مش شايف ان اللي عمله فيه أي حاجة غلط "مراتي… وحبيت أأكلها، فيها حاجة دي؟"
ثريا رفعت حواجبها وقالت بحدة أكتر "الكلام ده في أوضتكم، لكن هنا… السفرة دي ليها احترامها."
مراد رفع عيونه ليها بثبات، ملامحه مكنتش بتعبر عن أي خوف أو تردد، وقال بجملة زودت غضبها أكتر "مراتي… وأحب أدلعها في أي وقت، وبالنسبالي، هي طفلتي اللي لسه متعرفش حاجة، وأنا باخد بإيدها."
ثريا ضربت كفها في السفرة بعصبية، وقالت بصوت عالي "من إمتى بترد عليا؟!"
الجو اتوتر، بس قبل ما أي حد يتكلم الجد قال بصوت هادي بس واضح "مش عايز أسمع صوت… الكل ياريت يخليه في حاله."
الصمت ساد المكان، ليلى فضلت متوترة، بس جواها كان فيه شعور مختلف… مراد كان جنبها، وده لوحده كان كفاية.
بعد الفطار، ثريا رفعت عيونها ناحية ليلى، وبعد لحظة صمت، قالت بصوت هادي لكنه ماشي بأمر "اعمليلي قهوة."
قبل ما ليلى ترد، مراد دخل في الكلام فورًا، نبرته كانت حاسمة "في ناس هنا لكده."
ثريا رفعت حاجبها بنظرة كلها تحدي، وقالت بثقة "وأنا طلبت من مرات حفيدي… فيها حاجة؟"
ليلى كانت متابعة الحوار، وعارفة إن الموضوع ده ممكن يسبب مشكلة، فقررت تقطع التوتر، وقامت بهدوء وهي بتقول بابتسامة "هقوم أعملها حالًا، بتشربيها إيه؟"
ثريا رفعت كفها بحركة بسيطة وقالت بشموخ "سادة."
ليلى هزت رأسها باحترام، وسألت الباقي "حد تاني عايز قهوة؟"
الكل رفض، فمشيت على المطبخ، بس قبل ما تدخل، كانت نظرات سهام متعلقة بيها، نظرات كلها استمتاع باللي بيحصل.
ثريا شبكت إيديها ببعض، نظرتها كانت حادة وهي بتسأل مراد مباشرةً "ازاي تتجوز بالسرعة دي ومن غير فرح يليق بيك؟"
مراد كان متحكم في أعصابه، لكنه ردّ بثبات وهو بيرفع حاجبه "الظروف أجبرتنا، بس ده مش معناه إني مش هعملها فرح يليق بيها… لاء، هعمل والناس كلها هتحضره كمان."
ثريا رفعت حاجبها، نبرتها بقت مستفزه اكتر وهي بتسأله "وياترى… إيه الظروف دي بقى؟"
مراد سحب نفس طويل قبل ما يرد بصوت قاطع "دي حاجة تخصنا إحنا بس."
ثريا ضيّقت عيونها، وبصوت بارد قالت "البلد كلها عرفت بالموضوع… وتقول تخصكوا إنتوا بس؟ إزاي؟ إزاي تسمح لنفسك تتجوز واحدة مشكوك في شرفها؟"
في لحظة، مراد وقف فجأة، الكرسي وراه اتحرك مع حركته العنيفة، نظراته كانت نارية وصوته جهوري وهو بيقول بغضب "ليلى أشرف من الشرف نفسه! ودي حاجة أنا متأكد منها… واللي هيجيب سيرتها في حاجة زي كده تاني، يبقى بيعمل عداوة معايا أنا!"
سكون رهيب ساد المكان، حتى الجد بصّ لثريا بحدة، كأن نظراته بتحذرها من الاستمرار… لكن ثريا مردّتش
عبد الرحمن ابو ليلى انسحب بهدوء ورا مراد وهو حاسس ان بنته مع الشخص المناسب، وأنه مفيش داعي يتدخل اصلا طول ما في شخص زي مراد وراها
ليلى كانت واقفة في المطبخ، صبّت القهوة بحذر، لكن صوت النقاش العالي اللي كان جاي من الصالة شد انتباهها، قلبها بدأ يدق بسرعة، وحسّت إن في حاجة غلط بتحصل، حاولت تركز في اللي بتعمله، لكن عقلها كان مشغول بمراد، وبالكلام اللي سمعته من ثريا.
بعد لحظات، بدأ الكل ينسحب من الصالة، الجو كان متوتر، حتى الخدم كانوا بيتحركوا بحذر، ليلى أخدت نفس عميق، قررت إنها لازم تواجه الموضوع بدل ما تهرب منه.
مسكت الصينية بحزم وخرجت من المطبخ، مشيت بخطوات ثابتة لحد ما وصلت لثريا اللي كانت قاعدة في مكانها، ملامحها هادية لكن عيونها فيها نظرة مسيطرة.
ليلى وقفت قدامها، حطت الفنجان قدامها وقالت بصوت ثابت " اتفضلي، اتمنى تعجبك"
ثريا رفعت عيونها وبصّتلها من فوق لتحت، ليلى حمحمت وقالت " ممكن اتكلم معاكي شويه"