رواية بين عالمين
الفصل الاول1
بقلم الاء الواقع
ـ يا مساء الجنبة القريش علي آلاء إللي من غيرها مقدرش اعيش.
ـ دمك سم يا مالك
شد الكرسي اللي قصادي وقعد، وهو بيقول بصوت هادي:
ـ وحشتيني.
قفلت الكتاب اللي في إيدي بعصبية، ونظرت له بغضب:
ـ وانت موحشتنيش، واتفضل امشي.
مكنش فارق معاه كلامي، بالعكس، مد إيده ومسكت كفوفي بين إيديه الدافية، وطبع بوسة خفيفة عليها، صوته كان أقرب للهمس وهو بيقول:
ـ عارف إني مقصر ،بس أقسم بالله غصب عني
ـ بردو لا.
شد إيدي تاني، وطبع عليها بوسة تانية،وقال:
ـ أنا عارف إني اختفيت المرة دي فجأة.
ضحكت بسخرية وسحبت إيدي بعنف:
ـ المرة دي؟! انت كل مرة بتختفي وتظهر فجأة، عامل زي الفرقع لوز!
إنت فاكرني لعبه ؟ تظهر وتختفي براحتك
مالك أنا زهقت والله زهقت واعصابي تعبت
حكّ دقنه وهو بيتنهد، واضح إنه كان متوقع ردة فعلي:
ـ بيكون غصب عني، ألاء.
ـ كل مرة؟! نفس المبرر؟ نفس الكلام؟
عدّل قعدته وقرب مني شوية، صوته كان هادي بس عيونه كان فيها لمعة غريبة عليا:
ـ لو تعرفي الحقيقة، هتعذوريني وعمرك ما كنتِ هتقولي كده.
رفعت حاجبي باستغراب:
ـ أي هي الحقيقة؟
سكت للحظة، وقال:
ـ أنا مش زيك، ألاء… انامش بني آدم.
ضحكت بسخرية، فاكرة إنه بيحاول يضحك عليا بكلام أفلام:
ـ آه طبعًا، انت جني بقى؟
رد بجدية، عيونه كانت بتلمع بلون غريب للحظة:
ـ بالظبط.
ضحكت بسخرية، لكن ضحكتي تلاشت أول ما لمحت اللمعة الغريبة في عيونه. حسيت بقشعريرة برد بتجري في ضهري، بس حاولت أسيطر على نفسي.
ـ مالك ،بطل هزار.
اتسند بإيده على طرف الكرسي وقرب مني أكتر، صوته كان هادي لكنه مليان جدية:
ـ عمري ما هزرت معاكي في حاجة زي دي.
عيوني فضلت مثبتة على عيونه اللي بقت أغمق، كأن سوادها زاد عن الطبيعي، كأن جواه عالم تاني. اتنحنحت وحاولت أضحك تاني، لكن صوتي طلع مهزوز:
ـ أنت بتقول إيه؟
اتنهد وكأنه كان مستني اللحظة دي من زمان، كأنه قرر يخليني أعرف الحقيقة حتى لو هكرهه بسببها.
ـ أنا مش زيك، ألاء… مش بشر.
حسيت بدقات قلبي بتزيد، إيدي إبتدت تعرق، والمكان كله بقا تقيل علي قلبي فجأة. بس حاولت أتمسك واتكلمت أخيراً:
ـ أنت عايز تخلع صح مالهوش لازمه الكدب والحورات دي
هزّ راسه بالنفي، وبهدوء رفع إيده قدامي. في لحظة، وبلمحة سريعة، شفت أطراف صوابعه بتطول شوية… أظافره تتحول لحاجة شبه المخالب… وبعدها، في غمضة عين، رجعت زي ما كانت.
شهقت، ودفعت الكرسي لورا بعنف، قلبي كان بيدق بسرعة :
ـ أنت… إنت إيه؟!!
بصلي بحزن، كأنه عارف إن اللحظة دي هتغيّر كل حاجة بينا، كأنه كان مستني خوفي ده.
ـ أنا مالك… بس مش مالك اللي كنتِ فاكرة.
حسيت الدنيا بتلف بيا، قلبي كان بيدق بسرعة، ودماغي مش قادرة تستوعب اللي شوفته. سحبت نفسي بسرعة وقمت واقفة، لكن هو كان أسرع، وقف في وشي ومسكني من دراعي برفق، عيونه كانت مليانة حزن، بس برضو فيها نظرة مرعبة، نظرة عمري ما شفتها منة قبل كده.
ـ سيبني يا مالك.
ـ مش هأذيكي، ألاء… أقسم لك، عمري ما آذيتك، ولا هقدر في يوم أعملها.
حاولت أسحب دراعي، بس لمساته كانت غريبة، مش باردة ولا دافية… كأنها حاجة ما بين الاتنين. حسيت جسمي كله قشعر، وكنت على وشك إني أصرخ، لكن هو سبقني وهمس بسرعة:
ـ لو صرختي، مش هتلحقي حتى تفهمي أي حاجة.
ابتلعت ريقي بصعوبة، وعيوني كانت مثبتة عليه، قلبي كان بيصرخ جوا صدري، وأنا مش عارفة أعمل إيه.
ـ أنت… إنت إيه؟!
ـ أنا مالك… اللي بتحبيه، بس مش اللي كنتِ فاكرة.
هزيت راسي بصدمة، وأنا بخطو خطوات لورا، لكن هو ما اتحركش، فضل واقف مكانه، كأنه كان بيديني مساحة استوعب.
ـ أنت جن… صح؟
اتسعت عيونه لحظة قبل ما يهزّ راسه ببطء.
ـ مش زي ما تفتكري، مش كلنا مؤذيين، وأنا مش…
قاطعته بصوت عالي مهزوز ،موجوع :
ـ أنت بتضحك عليا من الأول؟! كل ده كنت بتخدعني؟!! طب ليه عملت كدة ؟ ليه سابتني أحبك
ـ لا آلاء أنا حبيتك بجد… دي الحاجة الوحيد إللي عمري ما كذبت فيها.
ضحكت بسخرية، لكن ضحكتي كانت باهتة، خايفة، مرتبكة.
ـ وحبيبي طلع جن إيه المفاجأة العظيمة دي؟!!
إتنهد، وعرف إن الهزار مش هيفيد، قرب مني خطوة، وأنا بعدت خطوة، فوقف مكانه، وصوته كان هادي :
ـ أنا كنت ناوي أقولك من زمان… بس خفت. خفت تخافي مني زي دلوقتي ، خفت تهربي، خفت تكرهيني.
سكت لحظة، وبعدين زاد صوته شوية، بنبرة فيها حاجة غريبة، كأنها صوتين مش صوت واحد:
ـ وأكتر حاجة كنت خايف منها… إنهم يعرفوا.
اتجمدت في مكاني، بصيت له برعب:
ـ مين… مين "هما"؟
بص حوالينا كأنه بيتأكد إن محدش سامع، وبعدين همس بصوت بالكاد سمعته:
ـ اللي ممنوع علينا نقرب منكم… اللي لو عرفوا… مش هيكتفوا بيا، هيجوا عليكي إنتِ كمان.
حسيت الدم اتجمد في عروقي، حسيت بجسمي بيتقل، وكأن الدنيا ضاقت حواليَّ. بصيت له وعيوني مليانة خوف، وقلبي بيدق بسرعة تكاد تخليني أسمع صوته في وداني.
ـ يعني إيه…؟ مين اللي مش هيكتفوا بيك وهيجوا عليّا؟!
مالك أخد نفس عميق، بصلي بنظرة كأنها مزيج من الحزن والخوف، وبعدين قال بصوت واطي:
ـ قومي، لازم نخرج من هنا.
ـ مش هتحرك خطوة واحدة غير لما تفهمني.
حسيت بنفسي بتحدى خوفي، لكن الحقيقة إن رجلي كانت بتترعش، وإيدي متلجة.
ـ ألاء… لو فضلتِ هنا أكتر، هم هيعرفوا… ولو عرفوا، مفيش مخلوق هيقدر يحميكي، حتى أنا.
كلامه كان واضح، لكنه مخيف أكتر من إنه مطمئن.بلعت ريقي بصعوبة، وعيوني بدأت تزوغ حواليَّ، وكأنني منتظرة أشوف أي حد غيره، أي حد يقولي إن ده مجرد كابوس، وإنني لو غمضت عيني وفتحتها هلاقي نفسي في أمان.
ـ طيب، لو جيت معاك… هتفهمني كل حاجة؟
هزّ راسه ببطء، وعيونه كانت متعلقة بيا كأنه خايف إني أهرب.
ـ هقولك كل حاجة… بس بعيد عن هنا.
فضلنا باصين لبعض لحظة، وبعدها حسيت كأن حد بيهمس في ودني، صوت خفيف، بعيد، لكنه واضح جدًا:
" ابعدي عنه مش المفروض تكوني معاه."
شهقت، وبصيت حواليّ، لكن مفيش حد. رفعت عيوني لمالك، لقيته متجمد مكانه، وملامحه تقلبت في لحظة. عيناه، اللي كانت لسه مليانة خوف عليّ، اتحولت لعيون حادة، غامقة أكتر.
ـ سمعتي… صح؟
حركت راسي ببطء، وأنا مش قادرة أصدق اللي بيحصل.
ـ مالك… مين ده؟!
شدني من إيدي بسرعة، و قال بحدة:
ـ لازم نمشي دلوقتي
حسيت بإيده وهي بتشدني، بس عقلي كان لسه مشلول، مش قادر يستوعب كل اللي بيحصل. الصوت اللي سمعته كان واضح، حقيقي، لكنه كان جاي منين؟ ومين اللي قاله؟ وليه مالك اتغير كده فجأة؟
سحبت إيدي من إيده بعنف، ووقفت مكاني وأنا بصرخ فيه:
ـ مش هتحرك خطوة واحدة غير لما تفهمني إيه اللي بيحصل يا مالك؟ ومين دة اللي بيكلمني؟
وقف قدامي بعد عيونه عني ، كأنه مش عارف يقول ولا يخبي، لكن في الآخر تنهد وقال بصوت واطي:
ـ مش لوحدك اللي عرفتِ إني مش بشري، فيه حد تاني عارف… حد مش المفروض يعرف.
اتسعت عيوني برعب:
ـ مين؟
بص حواليه بسرعة، وبعدين قرب مني وهمس:
ـ حد من مملكتي… ولو حد بلغ عني، مش هيكون مصيري لوحدي، هتمسكي معايا.
اتجمدت مكاني، وبرغم إني مش فاهمة كل حاجة، إلا إن إحساسي كان بيقولي إن اللي بيحصل مش بسيط، وإن حياتي خلاص بقت في خطر.
ـ يعني إيه؟
شد علي كفه بقوة، وكأنه بيحاول يسيطر على غضبه، وبعدين قال:
ـ يعني لو ما خرجناش من هنا دلوقتي، ممكن تلاقي نفسك في عالم تاني، وسط مخلوقات عمرك ما كنتِ تتخيلي إنهم حقيقيين.
حسيت برجلي بتترعش، وبلعت ريقي بصعوبة:
ـ وأنت مش منهم؟
نظر لي لحظة، وبعدين ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنها كانت حزينة جدًا:
ـ كنت.
كلامه كان غامض، لكن الوقت كان بيدفعني إني أخد قرار، يا إما أثق فيه وأمشي معاه، يا إما أهرب وأسيبه… بس السؤال هو، لو هربت، هل هكون في أمان فعلًا؟
قبل ما ألحق أفكر أكتر، فجأة حسيت بريحة غريبة في الجو، ريحة تراب ورماد، والهواء حوالينا بدأ يتحرك، كأنه فيه حاجة غير مرئية بتلف حوالينا.
مالك شتم بصوت واطي، وقرب مني أكتر وهو يهمس بعجلة:
ـ خلاص… جايين
حسيت بالهواء حوالينا بيبرد فجأة، والريحة الغريبة بقت أقوى، كأن المكان كله بيتغير، كأنه مش بقى نفس العالم اللي كنت فيه من دقيقة.
ـ مالك… مين اللي جايين؟
بص لي بسرعة، عيونه كانت مليانة توتر بطريقة عمري ما شفتها فيه قبل كده.
ـ لازم نمشي دلوقتي، ألاء، مفيش وقت تاني .
قبل ما ألحق أرد، فجأة لمحت حركة سريعة على طرف نظري، زي ظل أسود بيتحرك بين الرفوف في الكافيه، حاجة مش واضحة، لكنني كنت متأكدة إن فيه "حاجة" هنا معانا.
ـ مالك… فيه حد هنا.
ما كنتش محتاجة أقوله، لأنه كان حاسس، يمكن قبلي. وشه كان متشنج، وعيونه ما كانتش بتتحرك من مكان معين في الزاوية المظلمة.
وفجأة… الصوت جه تاني.
"مكنش المفروض تقع في حبها، مالك."
شهقت، وبصيت بسرعة ناحية الصوت، بس ما كانش فيه حد… بس كنت متأكدة إنه كان قريب، قريب جدًا.
مالك إ تقدم خطوة قدامي، جسمه كان متوتر، وملامحه بقت شبه حد مستعد للقتال.
ـ طلع.
الصوت ضحك، ضحكة باردة، مرعبة، كأنها بتتغلغل جوه عقلي بدل ما تتسمع بس في وداني.
"وأتخلى عن متعتي؟ لا يا مالك، مش هسيبكم تخرجوا بسهولة."
في اللحظة دي، شفتها.
من الفراغ، ظهر شكل… أو تقريبًا، حاجة شبه الإنسان، بس مش طبيعية. طويلة جدًا، جلدها أسود كأنه مصنوع من الدخان، وعيونها… كانت زي عيون مالك لما غضب، سودا بالكامل، لكن كان فيها وهج أحمر خفيف، كأنها بتشتعل من جوه.
اتجمدت مكاني.
مالك همس لي بدون ما يبص ناحيتي:
ـ ألاء… مهما حصل، متتحركيش.
"آه، خاف عليها، بس عارف إنها مش هتنجو، صح؟"
كان بيتكلم وهو عارف إنه الأقوى، صوته كان كأن فيه أكتر من صوت بيتكلم في نفس الوقت.
مالك شد كفه بقوة، وشفت حاجة غريبة… جسمه ارتعش للحظة، كأن فيه حاجة بتتغير فيه.
ـ مش هسمحلك تلمسها.
الكيان دة ضحك تاني، وهنا، الدنيا كلها اتهزت. التربيزات في الكافيه اتزحزحت لوحدها، الكوبايات وقعت واتكسرت، والنور بدأ يضعف، كأننا بنتحرك بين عالمين.
ـ مالك… اعمل حاجة أنا خائفة.
بص لي بنظرة أخيرة، نظرة مليانة مشاعر، خوف، وندم… وبعدها، فجأة، مد إيده بسرعة، ولمس جبيني بإيده الباردة، وهمس بكلمة… كلمة ما فهمتهاش، بس حسيت بكل حاجة بتختفي من حواليا وغبت عن الواعي.