رواية بين عالمين
الفصل الثالث3
بقلم الاء الواقع
ـ " إذا كنت تريدين الإجابة... ادخلي ."
إتجمدت مكاني.
الباب قدامي… مش باب عادي، كان كأنه فتحة في الواقع نفسه، سواد نقي، وكأنها بوابة لحاجة مش مفهومة.
الصوت تكرر من تاني، لكنه هادي ومليان إغراء غريب:
ـ "إذا كنتِ تريدين أن تعرفي من أنتِ… ادخلي."
بلعت ريقي، وقلبي كان بيدق بسرعة.
أدخل؟
مشيت خطوة وبعدين وقفت... عقلي بيصرخ إني لازم أبعد.
بس ... بس في نفس الوقت في حاجة جوايا كانت بتشدني لهناك.
لو كنت مجرد بشرية عادية، ليه كل ده بيحصلي ؟
لو دخلت ممكن ألاقي إجابات… بس ممكن برضو ما أرجعش.
غمضت عيوني للحظة، وخدت نفس عميق… وبعدين رفعت راسي، وقررت.
أني مش هفضل تايهة أكتر من كده.
دخلت.
كل شيء اختفى ....
حسيت كأني وقعت في فراغ بس مش مجرد فراغ عادي.
كأنني طايرة في بحر من الدخان اسود، لكنه مش بيدخل جوايا ومش بيخنقني… بالعكس، كان كأنه بيتعرف عليا.
وفجأة، شفت لحظات لذكريات مش بتاعتي.
بنت صغيرة بتجري في ممر طويل، الأرض تحتيها حجرية، وجدران المكان مزينة بنقوش غريبة
لكن الأغرب أن عيونها كانت نفس عيون مالك سوداء بالكامل.
وست جميلة واقفة في مكان أشبه بعرش، وشها هادي لكنه قوي
شعرها طويل بلون الليل، وعينيها كانت بتلمع بلون فضي غريب…
صوت صرخات… مش صرخة واحدة
كأن العالم كامل بيتحطم، وضوء أحمر بيغطي المكان.
شهقت وعيوني فتحت بسرعة، وأنا بحاول اتحرك في مكاني.
لقيت نفسي واقفة على أرض حجرية، مش زي المكان اللي كنت فيه، ده كان مكان جديد أشبة بمعبد قديم.
والصوت، الصوت اللي كان بيتكلم معايا، سمعته للمرة الأخيرة وهو بيقول بهمس:
ـ "الآن عرفتِ… أن دمك ليس عادياً."
اتسعت عيوني، وقلبي وقف للحظة.
دمّي!!
فجأة، سمعت صوت تاني… لكن مش غريب.
ـ "آلاء!!!"
التفت بسرعة، ولقيت مالك بيجري ناحيتي، ووشه كان مليان رعب حقيقي.
ـ "إنتِ عملتِ إيه؟"
وقف مالك قدامي، عيونه السوداء كانت مليانة توتر حقيقي، كأنه مش مصدق اللي شايفه.
ـ "إنتِ دخلتي؟"
حاولت أستوعب اللي حصل
عقلي لسه مشوش بالصور اللي شفتها، الذكريات اللي مش عارفة إذا كانت حقيقية ولا مجرد وهم.
ـ مالك أنا
مسكني من دراعي، صوته كان حاد بطريقة عمري ما سمعتها قبل كده.
ـ إنتِ مش فاهمة إنتِ عملتِ إيه!
اتوترت، وشديت إيدي منه.
ـ كل اللي كنت عايزة أعرفه هو الحقيقة.
أنا شفت حاجات يا مالك ذكريات ناس ما أعرفهمش، لكن حسيت كأنها بتاعتي..
حاول يهدي نفسه، لكنه كان واضح إنه مرعوب أكتر مني.
ـ قولت لك متتحركيش، متخليش أي حد يدخل دماغك، لكن لأإنتِ دخلتِ المكان اللي مكنش المفروض تدخليه أبداً
زفرت بغضب، وواجهته:
ـ "ليه؟
لأنك عايز تخبي عني حاجة؟
مالك، أنا شفت بنت صغيرة… كانت عيونها زي عيونك وشفت ست... كانت واقفة على عرش، وكانت بتبصلي بطريقة غريبة.
حسيت بجسمه بيتجمد، ونظر لي بصدمة حقيقية.
ـ ست … شكلها كان عامل إزاي؟
اترددت، بس عقلي بسرعة رجّعلي المشهد من تاني…
ـ اة ، كان شعرها أسود طويل وعيونها فضية… وكان عندها هالة غريبة، كأنها ملكة .
مالك شهق، وبعدين بص بعيد كأنه مش قادر يواجهني.
ـ مستحيل…
اتقدمت له بخطوة، وقلبي كان بيدق بسرعة.
ـ مالك، قول لي الحقيقة…
أنا مين؟
نظر لي أخيرًا، وبعد لحظة صمت طويلة، همس بصوت ضعيف:
ـ إنتِ… مش بشرية بالكامل ياألاء.
أنا… مش بشرية بالكامل!!
حسيت برعشة باردة بتسرح في جسمي كلة، وكأني فقدت التوازن
وكأن كل حاجة كنت فاكراها عن نفسي، عن حياتي، كانت مجرد كذبة.
ـ "إنتَ بتهزر، صح؟
يا مالك ، دي أكيد لعبة، أو وهم، أو حاجة من العالم بتاعكم… أنا إنسية أنا… عندي حياة عادية
هزّ رأسه ببطء، وكأنه كان بيتوقع رد فعلي.
ـ عارف إن ده صعب تتقبليه…
بس الذكريات اللي شفتيها مش أوهام. دي حقيقتك.
ضربت صدرة بكفي بغضب.
ـ وأنا المفروض أصدق إزاي؟
أنا عشت حياتي كلها بين البشر، محدش قال لي حاجة، لا أهلي، لا أصحابي
ولا حتى جسمي حسسني بحاجة غريبة.
إ تنهد مالك، واقترب خطوة، صوته كان أهدى لكنه مليان جدية.
ـ لأن الجزء اللي مش بشري فيكِ… كان مختفي.
اتسعت عيوني، وسكت للحظة قبل ما أتمتم:
ـ كان مختفي؟
أومأ ببطء.
ـ لغاية النهارده. لغاية ما دخلتي الباب ده… والظلام كشف حقيقتك.
حقيقتي!!!
بدأت أحس بحاجة غريبة جوه جسمي… كأن فيه طاقة جديدة مشيت في دمي، حاجة كانت نايمة، والآن بدأت تصحى.
بصيت لإيدي، وحسيت بشكة خفيفة في أطراف صوابعي.
وبصوت بالكاد خرج مني، همست:
ـ إيه اللي جويا يا مالك؟
أنا… بقيت إيه؟"
نظر لي نظرة طويلة، وبعدين همس بحذر:
ـ إنتِ… واحدة منّا.
أنا… واحدة منهم؟
اتجمدت في مكاني، وقلبي دق بسرعة من تاني ، كأني كنت على وشك أسمع خبر هيغير حياتي للأبد—لأن ده بالضبط اللي بيحصل.
ـ إنتَ بتقول إيه؟
ـ إنتِ مش بشرية بالكامل، ألاء. دمك… فيه جزء من عالمنا.
عشان كده الملك حس بحاجة مختلفة فيكِ. عشان كده معرفش يدخل عقلك.
حاولت استوعب الكلام، لكن كل شيء جوايا بيرفضه.
ـ بس…
بس أنا عشت حياتي كلها عادية وسط أهلي، صحابي، دراستي… عمري ما حسيت بأي حاجة غريبة
هز رأسه، وقال :
ـ لأن الجزء ده كان مقفول عليكِ. معمول عليه ختم… لكن لما دخلتي الظلام، الختم انكسر.
بلعت ريقي بصعوبة ...
ـ يعني…
يعني أنا مش مجرد إنسيه!!
نظر لي بعمق، وبصوت هادي قال:
ـ إنتِ نص بشرية، ونص…
سكت لحظة، وبعدين همس:
ـ نص جنية.
ـ أنا… نصي جن؟
مش ممكن.
مستحيل!!!
ـ إنتَ بتخرف تقول ايه
، إزاي أكون نص جن؟!
ده مش منطقي!"
اتنفس بضيق ورفع إيده كأنه بيحاول يهديني.
ـ عارف إن ده صعب، لكن اسمعيني… إنتِ دمك من دم سلالة نادرة، مش مجرد أي جن.
ولو الملك عرف الحقيقة الكاملة…
سكت.
*عرفت إن اللي كان هيقوله أخطر من إني أتحمله دلوقتي.*
آلاء بخوف:ولو عرف؟ هيحصل ايه ؟؟
نظر لي بعيونه السوداء، وقال بجدية:
ـ مش هيسيبكِ تخرجي من هنا… أبداً.
شهقت، وخطيت لورا، جسمي بيتقل، ودماغي مش قادرة تستوعب أكتر من كدة.
ـ "ليه؟
ليه هو مهتم بيا للدرجة دي؟
مالك سكت، كأنه بيتصارع مع نفسه، وبعدين قال بهدوء:
ـ لأنكِ مش مجرد أي حد
ألاء. إنتِ…
نظر لي نظرة عميقة، مليانة حاجات مش فاهمها، وبعدين همس:
ـ إنتِ بنت الملكة.
ـ بنت الملكة!!
ـ. ايوة الست اللي شفتها في رؤية… اللي وكانت عيونها فضية،
واللي كانت واقفة كأنها تحكم العالم؟!
حاولت أنطق، لكن صوتي ما خرجش.
وانا واقفة في مكاني، جسمي بدأ يسخن، وإيدي ارتجفت.
ـ مالك…
رفع راسه بسرعة لما سمع صوتي، عيونه اتسعت لما شاف إيدي.
"إيدي كانت بتطلع ضوء… ضوء فضي ناعم، نفس لون عيون الملكة."
شهق، ووشه اتغير تمامًا.
ـ الدم استيقظ… إحنا لازم نهرب، دلوقتي
لكن قبل ما نتحرك… الباب اتفتح.
والملك كان واقف قدامه.
ملامحه كانت هادية… مرعبة في هدوئها. عيونه كانت بتلمع وكأنه كان مستني اللحظة دي من البداية.
كان عارف إني هدخل الظلام. كان عارف إني هكتشف الحقيقة.
وكان مستنيني أعملها.
مالك تصلب جنبي، وأنا حسيت برجفة بتمر في جسمي، بس مش من الخوف… من حاجة تانية يمكن من الغضب
بس ....
ازاي أمي تكون جنية ؟؟ اومال مين دي اللي عشت معاها عمري كلة ؟؟
اتولدت ازاي ؟
ليه خبّوا عني الحقيقة؟
ليه كنت عايشة في كذبة طول حياتي؟
الملك بص لي، وبابتسامة هادية، قال بصوت كله سيطرة:
ـ وأخيرًا… استيقظ الدم الملكي.
الدم الملكي!!!
الكلمة فضلت تردد في دماغي، وأنا بحاول أستوعب اللي بيحصل.
أنا مش بس نص جن...
مش بس مختلفة..
.
أنا بنت الملكة.
ده معناه… إن الملك ده مش مجرد عدو.
ده المغتصب للحكم هنا
مالك اتحرك بسرعة، وقف قدامي كأنه بيحميني، صوته كان مليان تحدي وهو بيقول:
ـ مش هتلمسها يا سلفار ، انسي
ابتسم، كأن كلام مالك كان مجرد تسلية بالنسبة له.
ـ وأنت تظن أن بوسعك منعي؟
رفع إيده، وفجأة، كل الغرفة اتهزت.
الظلام نفسُه تحرك.
بس المرة دي… أنا حسّيت بحاجة مختلفة.
الظلام ده… مكنش بيخوفني زي الأول.
لأ.
كان بيناديني.
رفعت إيدي غريزيًا، ومجرد ما عملت كده، الضوء الفضي اللي كان طالع منها زاد، وانتشر حواليّا، كأنه بيرد على الظلام، بيتحداه.
الملك رفع حاجبه، ولاحظ التغير ده. ابتسامته خفت شوية، لكن نظرته فضلت كلها ثقة.
ـ أرأيتِ، آلاء؟ هذا هو مصيرك الحقيقي.
قوتك بدأت تظهر… لكنكِ ما زلتِ ضعيفة. ما زلتِ لا تفهمين من تكونين."
ضغطت على أسناني، وعينيي ثبتت على عيونه.
ـ أنا فاهمة حاجة واحدة بس.
ميّل راسه، مستني يسمع.
ـ إني مش تحت حكمك.
الظلام اتحرك… بس المرة دي، كان بيرجع لورا.
الملك بص لي باهتمام، كأنه لأول مرة بيشوف حاجة زي دي مفاجئة.
أما مالك… فكان واقف جنبي، مبتسم ابتسامة صغيرة.
همس لي من غير ما يبص ناحيتي:
ـ أهو ده بقى اللي كنت مستنيه.
*المعركة لسه مبدأتش.*
*بس لأول مرة… كنت حاسة إني جاهزة.*