رواية الفتاة التي حلمت ان تكون ذئبة الفصل الرابع والاربعون44 بقلم اسماعيل موسي
وقف رعد في صمت، ينظر إلى العاصمة المحترقة.
كل شيء كان ينهار.
كانت هذه المدينة صامدة لأكثر من ألف عام، لم تُسقطها الحروب، لم تُهزمها الوحوش، لكن الآن...
الآن، لم يكن هناك شيء سوى الرماد والصراخ.
تنفس بعمق، يحاول كبح الغضب الذي يتفجر داخله. هذه لم تكن مجرد هزيمة عسكرية، بل كانت مجزرة.
التفت إلى من تبقى من جيشه. وجوههم كانت مصدومة، أجسادهم منهكة، وبعضهم لم يعد قادرًا حتى على الوقوف. جود كانت تمسك بسيفها، رغم النزيف الذي غطى ذراعها. ماجي، التي دائمًا ما كانت ثابتة، كانت عيناها تائهتين، وكأنها لم تعد تعرف ما يجب أن تفعله.
حتى ضرغام، الرجل الذي كان أشبه بجبل لا يتزعزع، وقف متصلبًا، يراقب الدمار وكأنه لا يصدق أن هذا يحدث.
"إلى أين نذهب الآن؟" سأل أحد الجنود بصوت مبحوح، وكأنه كان يخشى الإجابة.
نظر رعد نحو الأفق، حيث كانت الجبال السوداء تلوح في البعيد.
كان يعلم أن عاصمته قد سقطت. لكن الحرب لم تنتهِ بعد.
"إلى معقل الذئاب في الشمال،" قال أخيرًا، صوته كان مليئًا بالغضب المكبوت. "سنستعيد كل شيء... وسنجعلهم يدفعون الثمن."
---
في مكان بعيد عن الأنظار، وسط الظلال المتحركة، جلست ليلى في غرفة لا تعرفها.
كانت الغرفة باردة، مليئة بالضوء الأزرق الشاحب. على الجدران، انعكست ظلال لم تكن لها، تتحرك وكأنها تراقبها.
ريان كان هناك، يجلس على مقعد أمامها، ينظر إليها بصمت.
"لا زلتِ صامتة." قال بصوت هادئ، لكنه كان يحمل قوة خفية.
نظرت إليه ليلى أخيرًا، عيناها باردة كالجليد. "ماذا تريدني أن أقول؟"
ابتسم. "لا شيء. أردت فقط أن أرى إن كنتِ ما زلتِ تحاولين المقاومة."
لم تجبه.
لأنه كان محقًا.
لم تكن تحاول المقاومة.
كانت تعلم أن ما حدث في العاصمة كان مخططًا منذ زمن. أن ريان لم يكن يسعى فقط للانتصار، بل للسيطرة.
وكانت تعلم أيضًا... أن هناك جزءًا منها لم يعد كما كان.
في أعماقها، شعرت أن شيئًا تغيّر.
لكنها لم تعرف إن كان ذلك بسبب ريان...
أم بسبب نفسها.
---
على الحدود الشمالية، وقف رعد أمام القلعة الحجرية التي تعود لعهد الذئاب الأولين.
"هذه الأرض ليست أرضك بعد الآن،" قال الحارس الواقف عند البوابة، نظراته متشككة.
رعد لم يبتسم. لم يكن هناك وقت للمجاملات.
"افتحوا البوابة، وإلا ستسقطون كما سقطنا."
كانت نبرته كافية لجعل الحراس يتراجعون.
عندما دخل مع من تبقى من جيشه، رأى القائد الذي كان ينتظره:
غيث.
ذئب قديم، عيونه تحمل قسوة الزمن، لكنه لم يكن عدوه.
وقف الاثنان أمام بعضهما البعض لثوانٍ طويلة، قبل أن يتحدث غيث أخيرًا:
"سقطت عاصمتك."
"سقطت،" اعترف رعد، ثم أضاف: "لكن الحرب لم تنتهِ."
"وما الذي تريده مني؟"
أجاب رعد دون تردد: "تحالف."
تغيرت ملامح غيث.
"التحالفات بيننا لم تنجح يومًا."
"هذه المرة، لا يوجد خيار آخر."
صمت غيث، ثم أشار لرعد ليتبعه.
عندما دخلا القاعة الكبرى، تحدث بصوت منخفض لكنه حاد:
"ريان لم يكن يسعى فقط للدمار. إنه يبحث عن شيء معين."
نظر رعد إليه بتركيز. "ماذا؟"
غيث لم يجبه مباشرة، بل مشى نحو جدار حجري، مرر يده عليه، وفجأة... انفتح ممر سري.
"ما يبحث عنه موجود هنا."
رعد لم يخفِ دهشته. لكنه لم يسأل.
كل ما كان يعرفه أن هناك سرًا جديدًا...
وقد يكون هذا السر هو ما سيغير مجرى الحرب.
تبع رعد غيث عبر الممر الحجري، خطواتهما تتردد في الظلام. لم يكن هناك أي ضوء سوى المشاعل المثبتة على الجدران، والتي ألقت ظلالًا متراقصة على الصخور القديمة.
"ما هذا المكان؟" سأل رعد، صوته حذر.
غيث لم يلتفت إليه. "مكان لم يكن من المفترض أن يُفتح مجددًا."
وصلا إلى قاعة واسعة تحت الأرض، سقفها عالٍ كأنها كهف طبيعي، لكن الجدران كانت منحوتة بعناية. في وسط القاعة، كان هناك شيء غريب: حجر أسود، مسطح، يشبه المرآة، لكنه لا يعكس أي شيء.
وقف رعد أمامه، شعر بقوة خفية تنبعث منه. "ما هذا؟"
"ليس حجرًا." قال غيث بصوت منخفض. "إنه باب."
نظر رعد إليه بسرعة، عينيه تضيقان. "باب إلى ماذا؟"
تنفس غيث ببطء، وكأنه كان يكره ما سيقوله.
"إلى عالم الظلال."
صمت رعد للحظة، ثم قال بحدة: "أنت تخبرني أن هناك عالمًا آخر وراء هذا الشيء؟"
"ليس مجرد عالم." نظر غيث إلى الحجر بعينين مظلمتين. "بل مكان ميلاد تلك المخلوقات. المكان الذي خرج منه كل ظلام عرفناه."
شعر رعد بقلبه ينبض بقوة. "إذن، هذا ما يبحث عنه ريان؟"
"ليس فقط الباب." قال غيث، عينيه مثبتتان على المرآة السوداء. "بل المفتاح الذي يفتحه."
شعر رعد بالغضب يتصاعد في داخله. "وأين هذا المفتاح؟"
التفت إليه غيث أخيرًا، وكأن كلماته كانت ثقيلة جدًا ليقولها.
"المفتاح… هو ليلى."
---
في مكان آخر، داخل غرفة غارقة في الظلام، كانت ليلى تجلس على سرير حجري، يداها مكبلتان بسلاسل من الفضة السوداء.
كان ريان يقف أمامها، يراقبها بصمت.
"أنتِ لا تتذكرين، أليس كذلك؟" سأل بهدوء.
نظرت إليه ليلى، عينيها خاويتان. "أتذكر كل شيء."
"إذن، هل تعرفين من أنتِ حقًا؟"
لم تجب.
ابتسم ريان ابتسامة خفيفة، واقترب منها. "لقد وُلِدتِ وأنتِ تحملين شيئًا لا أحد غيرك يمتلكه. دمكِ ليس كبقية البشر. ولهذا السبب…" مدّ يده ولمس جبهتها بلطف، "أنتِ الوحيدة القادرة على فتح الباب."
شعرت ليلى بقشعريرة تسري في جسدها.
"أنت تكذب." همست، لكنها لم تكن متأكدة.
"لا أكذب،" قال بصوت ناعم. "أنتِ تعرفين ذلك. منذ صغركِ، كنتِ تشعرين أنكِ مختلفة، أليس كذلك؟"
شعرت بأنفاسها تتسارع.
"لهذا السبب لم أقتلكِ عندما وقعتِ في قبضتي،" تابع ريان. "لهذا السبب لم أسلمكِ للملك."
تجمدت ليلى، كلمات ريان تنغرس في عقلها.
"لقد كنتِ لي منذ البداية، ليلى." همس وهو ينحني قريبًا منها. "وستفتحين الباب… سواء شئتِ أم لا."
---
عاد رعد ينظر إلى المرآة السوداء، جسده متصلب.
"ليلى؟ كيف تكون هي المفتاح؟"
"دمها يحمل جزءًا من قوة الظلال." قال غيث. "لكنها ليست مثلهم. ليست مخلوقًا مظلمًا بالكامل، لكنها الرابط الوحيد بين العالمين."
شعر رعد بالغضب يتصاعد داخله. "هل هذا يعني أن ريان يريد استخدامها لفتح هذا الباب؟"
أومأ غيث ببطء. "إن فتح الباب، سينطلق جيش الظلال الحقيقي… وليس فقط المخلوقات التي رأيناها."
ضغط رعد على أسنانه، يده تقبض على مقبض سيفه حتى تبيّنت عروقه.
"إذن، علينا العثور على ليلى… قبل أن يفعل هو."
لكن داخله، كان يعلم أن الأمر ليس بهذه البساطة.
لأن السؤال الذي لم يستطع الإجابة عليه هو:
إذا وجَدَ ليلى… هل ستكون هي ذاتها التي يعرفها؟ أم ستكون قد أصبحت شيئًا آخر؟