رواية وهم الرجوع الفصل الثامن8بقلم رميسة


رواية وهم الرجوع الفصل الثامن8بقلم رميسة



  - حقيقة في صورة

جلست رحيل في غرفة الطعام، تطالع الطاولة التي رتّبتها بعناية. الأضواء خافتة، الشموع تضيء بنعومة، والأطباق موضوعة بشكل أنيق. كانت قد أعدّت عشاءً رومانسيًا خصيصًا ليوسف، أرادت أن تقضي معه ليلة هادئة، تعيد بعض الدفء إلى علاقتهما.

مرت الدقائق، ثم الساعات، وهي تنتظر، هاتفها بجانبها، تنظر إليه بين الحين والآخر علّها ترى إشعارًا باتصال منه، رسالة، أي شيء يخبرها أنه قادم. لكنه لم يأتِ.

حاولت أن تجد له عذرًا، ربما تأخر في العمل، ربما حدث شيء طارئ… لكن كلما طال الانتظار، بدأ قلبها يغرق في دوامة من القلق والشك.

لكن الوقت يمضي… والطعام يبرد… وهي ما زالت تنتظر.

فتحت هاتفها، تفقدت محادثاتها معه. آخر رسالة منها كانت:
"متى ترجع؟ جهّزت لك مفاجأة ♥"

لكن لم يكن هناك رد.

تنهدت وألقت الهاتف بجانبها. لم تكن تريد أن تقلق، لكنها لم تستطع منع عقلها من الغرق في دوامة الأفكار.

في مكان آخر… بعيد عنها، كان يوسف جالسًا في مطعم راقٍ، لكن ليس معها.

كان مع يارا وابنتهما الصغيرة.

المطعم كان مضاءً بشكل هادئ، الطاولات مرتبة بإتقان، والموسيقى تعزف ألحانًا ناعمة. كانت الطفلة تجلس بينهما، تحرك قدميها في الهواء بسعادة، بينما تلعب بقطع الطعام في طبقها.

يارا كانت بكامل أناقتها، شعرها مسدول، عطرها يملأ المكان برائحة خفيفة لكنها مميزة. لم تتوقف عن الابتسام، عن محاولة إشراك يوسف في الأحاديث، عن استعادة ذكريات قديمة.

على الطاولة، كانت يارا تبتسم له، تحاول أن تملأ الفراغ بينهما بأحاديث خفيفة، عن الأيام الماضية، عن الذكريات، عن الطفلة التي كانت تضحك ببراءة وتلعب بملعقتها. لكن رغم محاولاتها، لم يكن يوسف حاضرًا تمامًا. عيناه كانت تنظران إلى يارا، لكن عقله كان في مكان آخر… كان مع رحيل.

كان يشعر بالذنب، كان يعرف أنه أخطأ بقبول هذه الدعوة، لكنه لم يستطع أن يقول لا… أو ربما لم يُرِد ذلك.

"تتذكر لما كنا نجي هنا زمان؟ كنت دايمًا تطلب نفس الطبق!" قالت وهي تضحك، تحاول كسر المسافة التي يشعر بها بينهما.

لكنه لم يردّ مباشرة، فقط اكتفى بابتسامة باهتة وهزّ رأسه.

في الحقيقة، لم يكن يوسف مستمتعًا باللحظة كما كانت يارا تأمل. كان جسده حاضرًا، لكن عقله… كان رحيل.

كل مرة ينظر إلى ابنته وهي تضحك، كان يتذكر أن رحيل في البيت وحدها، تنتظره. يشعر بتأنيب الضمير، لكنه في الوقت نفسه، لم يكن قادرًا على مغادرة المكان.

فجأة، مدت يارا يدها ولمست يده بلطف، أصابعها تنزلق فوق أصابعه بحركة خفيفة.

"يوسف…" همست بصوت دافئ.

رفع عينيه إليها، للحظة شعر بالارتباك. لم يسحب يده فورًا، لكنه شعر بأن الأمر خطأ… شيء في داخله كان يصرخ أن هذه اللحظة ليست صحيحة.

لكن… لم يكن يدرك أن هناك من يراه.

في زاوية أخرى من المطعم، كانت صديقة رحيل تجلس برفقة زوجها وأصدقائها.

كانت تستمتع بوقتها، حتى التفتت بالصدفة حين وقعت شوكتها … ورأت المشهد.

جفلت قليلاً، حدقت في الرجل الجالس هناك… كان مألوفًا… لا، لم يكن مجرد شخص مألوف، كان يوسف! زوج صديقتها!

لكن الصدمة الأكبر لم تكن في وجوده، بل في المرأة التي تجلس معه.

يارا.

وكانت تمسك يده.

فتحت فمها قليلًا من شدة المفاجأة، ثم أمسكت هاتفها بسرعة، والتقطت صورة للمشهد قبل أن تفكر في الأمر مرتين.

فتحت محادثتها مع رحيل ،وأرسلت الصورة برسالة قصيرة:

"رحيل… شوفي مين شفت دلوقتي!"

في منزلها، كانت رحيل قد فقدت الأمل في عودته مبكرًا.

حملت هاتفها بتثاقل وخيبة ، لم تكن تتوقع شيئًا سوى ربما رسالة منه يعتذر عن التأخير.

لكنها لم تجد ذلك.

وجدت صورة

تجمدت يدها للحظة وهي تحدق في الشاشة، ثم فتحت الصورة ببطء.

عيناها توسعتا… قلبها بدأ ينبض بجنون.

يوسف… مع يارا… يمسك يدها.

لم تعرف كم من الوقت مضى وهي تحدق في الصورة، لكن شيئًا بداخلها كان ينهار. شعرت بوخز في صدرها، وكأنها تلقت طعنة لم تكن تتوقعها.وكأن الكون بأسره توقف عند هذه اللحظة.

لكن ما كانت متأكدة منه… هو أن شيئًا ما قد انكسر بينهما، وربما… للأبد.


                 الفصل التاسع من هنا

تعليقات