
رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل التاسع والعشرون29 والثلاثون30 والحادي والثلاثون31 بقلم ريناد يوسف
ردت معزوزه على رجوه بعصبية:
-رجوه لا تتهبلين وإذا شايفه الكل مرتاح ارتاحي مثلهم، أنا وغلاة رابح مااعرف شي، بس متلي متلك من راحتهم مرتاحه ومطمنه، وأكيد عقاب بخير وكاتمين الخبر لسبب هم أدرى به.
- بس انا أولى الناس بمعرفة هيك شي يامعزوزه، انا من بعد أمه اجي بالأهمية، ليش هو يآمن الكل على سره وعندي انا يروح الآمان ليش، للحين ماعرف غلاه عندي وأني افرط بروحي ولا افرط بسر سرني بيه وأمني؟
للحين عقاب ماعرف هو إيش عند رجوه وكيف ناويه تصونه، طيب يجربني ويشوف وبعدها يسوي اليريحه.
صمتت معزوزه وهي تواجه نوبة الم جديدة من النوبات التي بدأت تداهمها منذ عشية الأمس على فترات متباعدة، فلاحظت رجوه وسألتها بخوف:
-إيش فيك يامعزوزه، ولاده ولا ألم ماله علاقة بالولادة؟
- ماادري يارجوه بس هو ألم جديد مامر علي من قبل، من البارحه يجي ويروح، بس ماأحس إني ولاده!
-هي إسمها تقاطيع وجيج سمعت أمي تقول كان يجرالها هيك وقت كانت حبله بهلهولها، كانت تقول البطن تستعد لطرد الوليد بالوجيج.
-أي وحتي خالتي جنديه قالت هيك لما فحصتني من شوي.
- أبشري، تجيبين ماتجيبين انا جنبك مااتركك.. ووقت يطل الوليد براسه اقول وااااك الم لك كل نساء القبيلة تسحب.
صمتت رجوه وهي تراقب معزوزه، وفي هذه الأثناء سمعوا هلاهل آتية من بعيد، فنظرت رجوه لمعزوزه بتساؤل فقالت لها معزوزه:
-هاد عرس خوله وسعود، اليوم عرسهم.
- عرس بالقبيلة ورجلي غايب مافي عنه خبر؟ يوم اغبر عليهم وعلى عرسهم، والله لأخليه صخام فوق روس الكل.
انهت جملتها وغادرت الخيمة متوعدة، ومشت حتي بلغت خيمة خوله ودخلت الخيمة دون إستئذان وكانت خوله جالسة وبعض نساء القبيلة ملتفات حولها يلبسنها الحُلي ويخططون وجهها بالكحل والحُمرة، فتوقفوا مع دخول رجوه التي صاحت بهم:
-من منكم الهلهلت وماإستحت وهي تعرف راجلي مفقود ومافي عنه خبر؟
ردت عليها خوله بنديه:
-أنا الهلهلت وهاد عرسي واسوي الأريده، وغياب راجلك تروحي تشقي به مع روحك بعيد عني، هي الخيمة مايخشها غير الجاي يفرح لي ومعي، واللايم يغرب عن وجهنا، راجلك مفقود وانا هلهلت وتزوجت، وقت ينفقد راجلي هلهلي وسوى فرح طنان. وهاك هلهوله لجل دخلتك علي: كللللللللوش.
تلفتت رجوه حولها فأتتها صالحه مهروله وأمسكت ذراعها وقالت لها متوسلة:
-اتركيها اليوم عروس ماتكسري بفرحتها وحقك عندي ومنك ومن الجميع السماح، أدري اننا غالطين ووجهنا صاير تراب منكم، بس والله كل شي تم بشور الشيخه عوالي والشيخ قصير وهم الجهزوا، ولو ماكانوا رايدينهم يعرسوا ماكانوا ساعدوهم.
أخذت رجوه نفس عميق وزفرته، وها هي أمام دليل آخر بأن عقاب بخير، فلو لم يكن كذلك ماسمحت عمتها عوالي وابيها بأي إحتفال من أي نوع في القبيلة، ومع ذلك لم يهدأ وجعها، فشعور النبذ والتجاهل شعور مقيت لا يُحتمل.
غادرت الخيمة وهي تجر اقدامها في الرمال جراً وتشعر بالخذلان، وذهبت عند الاغنام،
تلك الكائنات التي لا تعرف من الدنيا إلا الأكل والنوم والتناسل، لا صراعات ولا احقاد ولا قلوب تعشق دون امل ولا شكوى من اي نوع، فاخذتهم وذهبت بهم للوادي هرباً من كل شيء بعد ان أرسلت مسك لمعزوزه تحل محلها لحين عودتها.
مرت الساعات وعادت رجوه عند حلول الليل وحبست الأغنام في مكانهم، وعادت لمعزوزه التي إشتد عليها الألم ودخلت فى الولادة بالفعل، ووجدت رابح يحوم حول الخيمة بخوف وتوتر وكأنه هو الذي يلد، وأعلن حالة التأهب في كل القبيلة، وأتي لمعزوزه بكل النساء كي يساعدنها فى الولادة، ظناً منه بأن كثرتهم تغير من الوضع شيء.
ساعتين قضاهم وهو ينزف حمماً وليس عرقاً من شدة إشتعال جسده، دعا بكل آية تذكرها ونذر الذبائح وإطعام القاصي والداني إن نجاها الله هي وإبنه وقر عينه بهما.
وكم رفرف قلبه وهو يستمع لذلك المزعج الصغير وهو يعلن عن قدومه للقبيلة ببكاء متواصل، ضحك ودمعت عيناه وإستدار حتى لا يراه سالم ويتهمه بالضعف، ولا يعلم ان سالم بالفعل رأي ضعفه وفرحته وتمنى مثلها لنفسه.. أما رجوه فكانت أول من حمل الطفل وخرجت به من الخيمة وذهبت به لرابح الذي مد لها يديه قبل أن تصله بمسافة وهو يضحك،
وحين وقفت أمامه ضمت الولد لصدرها وقالت لرابح ممازحة:
-اريد الحلوان قبل لا يدك تطاله.
- تطاله.. يعني وليد! ذكر يارجوه؟
- اي وليد متل البدر بتمامه، إذا تريد تشوف يشبه من انت ولا اختي يدك على شدة قروش.
-يبه الروح تهون لجل وليدي، هاك الشدة واعطيني صقري أضمه لقلبي.
اخذت رجوه النقود واعطت الولد لرابح ووقفت تشاهده مبتسمة وهو يشمه ويكبر بأذنيه ويكاد يأكله بعيونه التي تلمع فرحاً.
أما سالم فكان يتبسم ولكن لسبب آخر، تبسم منذ ان خرجت من الخيمة حاملة للطفل، رأها وهي تقترب وشعر بأنها كبرت حتى أصبحت الأمومة تليق بها،
كم حلم بهذا المشهد وكم تمناه، كم رأها فى خياله تحمل طفلهم وتتهادى به نحوه، وعلى قدر جمال الأحلام والأمنيات كانت الحقيقة أجمل وهو يراها بأم عينيه.
إنتهت النساء من تنظيف معزوزه وخيمتها، وتركوها لتنعم بقسط من الراحة، فدلف رابح من باب الخيمة وهو يحمل طفلهم، وجلس بجوارها وقد تبخرت الكلمات فى جوفه، ولم يخرج منه سوى:
-الف الحمد لله على سلامتكم يانبض قلبي، الف الحمد لله على ماوهب وأعطى ، سمي وخذي صقر ياأم صقر واعطيه من حنانك.
إعتدلت معزوزه وأخذت الولد من يده، ونظرت له للمرة الأولى، فقد إختطفته رجوه وفرت به قبل حتى أن تراه!
سمت وصلت واخذت تمسد باصابعها على خده الناعم، ثم بدأت فى إرضاعه إمام رابح الذي كان يشاهد أجمل شيء رأته عينه على مدار سنوات عمره.
اما رجوه فنظرت لسالم وأستغلت تبسمه وصفوه الغريب وسالته برجاء:
-سويلم، ياسالم، ياسلومتي اللي أحبه وادري به مايردني من على اعتابه خايبة سؤال.. قولي ياخوي عقاب عايش وانتوا تعرفون طريقه صح، قولي ولك كلمتي..التقوله يندفن تحت الرمال ماحد يدرى به بس طمني.
- فاق سالم من شروده وانتفض قلبه وهي تدلله فى البداية، ثم هدأ وعاد لوعيه وهو يكتشف سبب الدلال، فأجابها ببرود:
-انا عن نفسي مااعرف شي، وإذا عايش ليش ندس عنك؟ انت وغيرك والكل لزوم يعرف إذا عرفنا عنه شي.
- تريد تفهمني إن هاد حزنك على عقاب ياسالم؟ تاكل وتشرب وتروح وترد ولا كأنه مفقود؟
تريد تفهمني إن هاد حزن امه وابوه عليه وبوي وعمتي ورابح والكل؟ ياااخ إنت وقت كان يموت منك صخل كنت تحزن عليه اكثر من حزنك الحين على رفيق عمرك!
- رجوه انت ايش تريدين؟
- اريد اسمع منك إن عقاب بعده حي.
-وانا مااقول شي مامتأكد منه، ومن رخصتج سوي مجال خليني أمر وراي واااجد أشغال.
-إيش وراك اشغال بهاليل ياسالم، قول انك تريد تهروب من سؤالي وماتجاوب.
-وراي ولا مو وراي شي مايخصك، أما إذا عالهروب فمو سالم اليهرب من سؤال ولا من جواب، تحركي اريد اروح اقف مع سعود بعرسه الوليد وحيد وماعنده اخو يقف معه.
-أي روح اعراس وادبك وارقص لحتي تطيح من التعب، وتعال قولي إنك ماتعرف شي عن عقاب يالكذاب.
- زيحي شوي زيحي خليتي راسي هيك كبره من كثر كلامك الما منه نفع، والله إنك وجيج راس ووجيج قلب.
غادر سالم وتركها تفرك من الغضب واخذت تتمشى بين الخيام وهي تشعر بالضياع تواجه الغرق ولا يريد أحد أن يأخذ بيدها لبر.
جلست بجانب البئر فإذ بالعنود تقتحم خلوتها وتجلس بجوارها، فصاحت رجوه بملل:
-اهوووو جات كثيرة الحكي.
- معليش اريدك تتحمليني شوي، اريد اجلس معك إيش بيها؟
- لا مابيها شي، إجلسي بس ماتفتحين خشمك ولا تتكلمي.
-نجلس اصنام يعني؟
-أي إذا تريدين تجلسي معي تصنمي.
ضحكت العنود بخفة ثم سألتها بهدوء:
-تحبينه كل هاد الحب؟
-تقصدي من؟
-اقصد آدم.
-يعني لو مااحبه اتحمل كل هاد لاجله؟
-وهو يحبك؟
صمتت قليلاً واردفت بحيرة:
-كان يحبني وقت الكنا وليدات صغار، كان يخاف علي، وبس عرف إن سالم يحبني ماصرت من ضمن إختياراته وسقطت من عيونه كحبيبه، حاربت حتى كسبت الحرب وكسبته معها، وراح نعمل ونسوي كل اليطلع بيدي لجل ماأخسره.
-أنا سؤالي واضح.. يحبك؟
-راح انخليه يحبني، مافي حد مايحب اليحبه.
--إي بس هاد إذا مافيه حدا واقف بينكم، وسالم راح يضل واقف بينك وبين آدم لآخر العمر؛
إذا تم زواجكم بكل مره يقربلك فيها راح يتذكر إن صديقه كان نفسه فيك ويتمناك، وإذا ماعذبته الغيره وهو يتخيل غيره تخيلك له زوجه وأم أولاده راح تعذبه حسرة رفيقه الحب وماطال.
-لا ماراح يتعذب بشي، وقت اكون بخيمته وبين يديه ماراح يتذكر من الدنيا مخلوق.
-مو صحيح.
-صحيح ولا مو صحيح، الايام التحدد مو انت ولا أنا.
- مرتاحه من وقت الفوزتي به يارجوه؟
-فرحانه، بس مو مرتاحه.
طيب فيك تحكيلي عن طفولتك، عن كل شي حلو عشتيه، اذكريلي اكثر موقف ضحكك واكثر موقف فرحك واكثر يوم تمنيتيه مايخلص.، بس قبل هادول احكيلي اكثر موقف مزعج عشتيه وماتقدري تنسيه.
نظرت إليها رجوه نظرة جانبية وصمتت فألحت عليها العنود قائلة:
- يابنت خلينا نتسلى إيش فيك، أحكي خلينا نكسر حاجز الصمت ونضيع الملل الليل طِويل.
نظرت رجوه للأمام وتنهدت وبدأت تحكي،
بدأتها منذ طفولتها، منذ ان وعت على نفسها وهي في أحضان أختها معزوزه ورأت أمها منشغلة بغيرها، سردت كل أوجاعها دفعة واحدة.. حتى وصلت لسالم ورابح وعقاب ومرافقتها لهم.. وهنا تغيرت ملامحها ولاحت بسمة على فمها وبدأت تحكي كل شيء.
تبسمت العنود وهي تستمع إليها وترى سالم بطل جميع مواقفها الجميلة، وكم تختلف وتيرة صوتها وتتحول للراحة وهي تذكر مواقفه معها، تضحك وهي تحكي المواقف المضحكة، وتخجل وهي تحكي المواقف المخجلة، وتخاف حين تذكر تعبه في المرات التي مرض فيها وجلست بجواره ترعاه وكأنها عادت لنفس اللحظة وتعيشها مجدداً!
وحين انتهت تأكدت العنود مما كانت تشك به.. رجوه لم تحب عقاب ابداً، ولا تكن له أية مشاعر سوى مشاعر أخوية إن وجدت،
والعشق الأول والأخير والدفين كله لسالم، والأمر لا يحتاج أكثر من صحوة لمشاعرها التائهة، موقف يعيدها لرشدها كالصفعة ينزل على قلبها فيجعله يستفيق.. ولكن ترى ماهو الموقف وماهى الصفعة القوية ومن الذي سيصفعها، هل ترى آدم أم سالم، أم كلاهما، أم القدر.
إنتظرت رجوه من العنود أن تقول شيء بعد أن إنتهت من قص كل شيء عليها، ولكن كل ماقالته العنود:
-طفولتك كانت واجد حلوة، خليتيني تمنيت لو أنا عشتها ومريت بكل مغامراتك، انا راده الحين للمبنى اريد انام نعست.. بس قضيت معك وقت جميل وأتمنى يتكرر، في المرة الجايه، وأنا الدور علي غدوه احكيلك طفولتي وراح احكيلك سر ماحد يعرفه غيري أنا، وراح تصيري أنت الثانيه، راح أءمنك على اللي ماأمنت عليه وحده من خياتي ولا حتى أمي ولا أي مخلوق.
تحمست رجوه واردفت لها مشجعة :
-أي وانا اريد أسمعك. نلتقي هين بنفس الوقت غدوه؟
- لا.. غدوه انا راح ارافقك للوادي ونقضي اليوم كله مع بعض ولحالنا، انا قصتي كبيره وطويله وماتكفيها ساعه ساعتين، وإذا بدأتها لزوم انهيها لاني مااحب افتح موضوع إلا انهيه.
-تم، غدوه جهزي حالك قبل طلوع الضو تكوني هين جنب البير منتظره، ولا تنسي جيبي معك وكل وقربة مي، الوادي مابه طعام ولا شراب.
-لا تشيلي هم راح أجهز كل شي من الحين، راح يكون يوم ممتع.
غادرت العنود وتركت رجوه تراقبها وهي تشعر براحة غريبة، فهذه المرة الاولى التي يستمع إليها احدهم ولا يوبخها بسبب قرارتها أو تركها لسالم، لا يلومها وينعتها بالفانص، لا يعترض على أي شيء فعلته طوال حياتها، بل وكانت ملامحها تتألم معها حين تمر بذكرى مؤلمة وتحكيها،
هذه هي المرة الأولى التي تتحدث مع أحدهم وكأنها تحدثت مع نفسها، والرائع أن تُقابل الثقة بثقة والإطمئنان بالإطمئنان.. إنه حقاً لشعور رائع.
الفصل الثلاثون30
عادت العنود لمبنى آدم وهي تشعر بإنتصار ظنته مستحيل، فهي الآن فقط خطت أولى خطواتها داخل سراديب عقل رجوه وقريباً ستكتشف كل المخارج كما نجحت في العثور على المداخل.
جلست ترتب أفكارها ومن أين ستبدأ، ففكرت فى التقرب لرجوه بطريقة مختلفة وقررت أن تعد لها نوعاً جديداً من الطعام تستلذ به وتشعر بأنها أصبحت ذات أهمية لدى العنود لدرجة انها صنعت لها طعاماً مخصوصاً بيديها، فالمعدة اقرب طريق لكل القلوب والطعام اللذيذ عربون محبة سواء لرجل أو إمرأة.
أما نوف فكانت جالسة تتصفح هاتفها وتتابع كل جديد يحدث في العالم من حولها، وأمهم منشغلة تراسل أبيهم من هاتفها، أما عفراء فكانت في عالم آخر، أمامها كومة صوف وبيدها مغزل وتغزل الصوف تماماً كما تعلمت من فتيات ونساء القبيلة، تنظر للمغزل والصوف المغزول وكأنه عمل بطولي قامت به وإنجاز عظيم،
تتسابق مع نفسها لغزل أكبر كمية ممكنة، ولا تستجيب لأمها التي تطالبها بأن ترأف بأصابعها وتكف عن الغزل، فلا هم بحاجة مال، ولا الغزل مفروض عليها!
ولكنها سعيدة ولهذا لم تُعر إهتماماً لأي شيء، سواء تعب أو كلام.
في اليوم التالي إستيقظت العنود عند آذان الفجر، صلت وحزمت متاعها وخرجت من الخيمة بعد أن بلغت امها بما ستفعله، وإنتظرت رجوه عند البئر، وماهي إلا دقائق ولاحت رجوه وهي خلف قطيع الأغنام تهشهم، ولما بلغت العنود تبسمت لها وقالت:
-نهارك باهي، ها جاهزه وتقدري تمشين مسافات طِويله ولا ركوب السيارات مخلي رجولك رجيجه وماتقدري تكملي وتبليني فيك؟
- لا لا، انا احب المشي ومشتركه بنادي والف التراك كل يوم مرتين ثلاثه؛ يعني متعوده لا تخافين.
-انا مااعرف ايش القولتيه وتلفين بيه، بس إذا متعودة عالمشي مايهمني وين تعلمتي المشي او كيف، انا اليهمني إنك ماتنامين لي بوسط الرمال وانا اضطر احملك فوق ظهري،ولا اقول.. انا راح ناخذلك حصان معي ووقت تتعبين من المشي تركبيه وتردي للديار.
- لا لا مافي داعي، قولت لك بتحمل ايش فيك، هيا يارجوه ماتعطلينا زيادة انا وااجد متحمسه.
- هيا يالمتحمسه.
وصلتا الوادي، وأخيراااًا، وجلست رجوه وجلست معها العنود وهي تتفحص المكان من حولها، ثم إنتبهت على صوت رجوه وهي تقول:
-أشوف الحماس راح من التعب ولا إيش؟
-لا ماراح، اعرفك تريدين تعرفين السر الدفين، وإن الفضول عندك وصل آخره، الحين انا راح انقول لك سري، اسمعي ياطويلة العمر.. انا من وأنا صغيرة وانا عندي واحد جيرانا مغرومه فيه، وكل مانكبر يكبر حبي له، بس هو مايدري، ولا بيوم شافني ولفتت أنظاره،
أدري إنه مو من مجاويزنا، وادرى إن البدويه ماتتزوج إلا بدوي، بس غصب عني القلب وماحب وهوى، والقلوب ماعليها سلطان وانت اكثر العارفين،
في حين أن فيه شاب إبن واحد من أهل القبيلة يشتغل مع ابي، أبوه وابوي تقدري تقولين إخوة مو أصدقاء، تربينا سوا وكانوا يجولنا ونروح ليهم، وهاد الشب من يومه إعتبر حاله اخونا ومسئولين منه، بس هو كان يهتم بي انا زايد عن الكل،
مع الوقت تاكدت إنه يحبني، وأنا قلبي كان معمي بحب الغريب فما عطيته اي أمل، بالعكس قطعت معه كل حبال الموده وبعدته عني، من بعد ماكان لي اخ وصديق وحارث وملبي لكل رغباتي وطلباتي ويعرف إيش أريد من قبل ماأطلبه اشوفه جايبه وجاي لي ويفاجئني به.
ماأكذب عليك حسيت من بعده بفراغ شديد،
اصبح مكانه خالي وإنحرمت من إهتمامه ورعايته لي، ورحت بوحت للثاني بحبي له،
قام صدني وقال إن قلبه ميال لبت عمه وإني مالي فرصه معه، اقولك الصراحة حاولت معه مره واثنين وعشره، بس هو قافل إني ماأصلح له ولا هو يصلح لي، فبعدت عنه، ورضيت بمقسومي، والحين قبلت بنهوة حد ثالث غير الاثنين.
رجوه:
- وإبن صاحب ابوك مارد لك، ماحاول يرجعك له؟
-للأسف يارجوه بالوقت الأنا كنت اجري فيه ورا السراب هو نفضني من قلبه وراح تزوج وأسس حياة وأشوفه سعيد ومبسوط.
ردت عليها رجوه بتلقائية:
-الله لا يوفقك ضيعتي من يدك الحبيب لجل وهم.. خسرتي والله وخسارتك وااجد كبيره.
تبسمت العنود وردت عليها بهدوء:
- راعي المشكلة مايشوف الحلول اليشوفها غيره يارجوه، ومع الاسف هاد كان كلام الكل لي، إمي وإخواتي وصديقاتي، بس انا ماكنت اسمع إلا كلام قلبي.
- الله يلعنه قلبك الغبي المايعرف شي، وعقلك بعد أغبى.
تنهدت رجوه ونظرت بعيداً وشرد ذهنها،
فعلمت العنود بأنها أشعلت بداخلها فتيل الإدراك، نعم فهي تقصدت إختلاق هذه القصة وقلب الأدوار حتى تستطيع رجوه إصدار الحكم المناسب بنفسها،
وإدارك حجم الخطأ حين وقع فيه غيرها، وبالتالي ستطبق الحكم عليها وتوصم قلبها وعقلها بالغباء، والعنود متاكدة بإن هذا مايحدث الآن، وخاصة حين بدأت رجوه تلقائياً في سرد مغامراتها مع سالم في هذا الوادي بالتحديد،
وكم ضحكت العنود حين قصت عليها رجوه حدث التين الشوكي، وحزنت حين عوقبت بعده بالختان، وإكتشفت العنود أن ما من موقف جميل يحدث مع رجوه إلا وتُعنف بعده من أحد أفراد أسرتها أو من الشيخة عوالي بالطريقة التي تُفسد فرحتها.
وكم إستغربت العنود على قوتها وتحملها الغريب لكل هذا! وبرغم مامرت به لازالت متماسكة وقوية وتدافع عن قضاياها بإستماته، فأقرت بأن رجوه أقوى من قابلت من النساء حتى الآن، وبأنها ستصبح ذات شأن عظيم، فقط إن توجهت التوجيه الصحيح ووجدت من يحتضن قلبها المشوه من كثرت الطعنات.
عادتا للقبيلة في آخر اليوم، لقد كان يوم جميل لكلتاهما، فرجوه منذ زمن بعيد لم تحظى برفقة وبشخص تقاسمه الأسرار، والعنود كانت مستمتعة لأقصى درجة مع رجوه، فرحة بنجاحها في إختراق عقلها والولوج لذكرياتها والتنقيب عن مشاعرها الصحيحة، اكلتا ولعبتا وعلمتها رجوه إصطياد بعض الثعابين السامة، وعادتا بجعبة مليئة بالثعابين، وأخرى مليئة بالمشاعر الجديدة..ووعد من العنود لرجوه بانها تستطيع مساعدتها فى أمرها إن إحتاجت أي نوع من انواع المساعدة.
إستراحت رجوه في خيمتها قليلاً ثم تذكرت أنه موعد حلب الأغنام، فقامت لعملها الشاق، وهي في طريقها سمعت صوت ضحكات منبعثة من خيمة الشيخة عوالي، ويال الغرابة فقد كان صوت أم آدم، تضحك هي ومايزه وتعقبهم ضحكة من عوالي، وكانهم في مجلس سمر، فقالت لنفسها:
-هي أم وليدها غايب و ماتدري عنه شي؟ لا والله لو جابولي ألف عقل فوق عقلي مااصدق.
انهت عملها وذهبت بالحليب للرجل الذي يشتريه منها كل يوم وباعته له، وقررت أن تضع جميع النقاط فوق الحروف الليلة، فأنتظرت أم آدم حتي غادرت خيمة عوالي وقطعت رجوه طريقها ووقفت أمامها قائلة:
- ياخاله انت تعرفين إن اليحب قلبه يصير رجيج على شويقه ومايتحمل عليه شي مو هيك.
أنت أم وانا اقولك إن قلب الحبيب يصير متل قلب أم والحبيب وليدها التخاف عليه اكثر من روحها.. الحين أنت تدرين إن عقاب راهني إي ولا لأ؟
-أيوه يابنتي اعرف.
-طيب ياخالتي أنا طالباكي بشهادة حق، يصير الكل يعرف إن عقاب بخير وانا بس من وسط كل الناس اللي يدس عنها؟ يرضيك يلوعني وهو يدري إن الروح متعلقه بروحه وغلاه من غلاها؟
- لا يابنتي ميرضينيش، وآدم إبني غلطان فى إنه خبى عنك إنه كويس وبخير، بس اكيد له أسبابه، ومتنسيش إنه لسه فيه خطر عليه ويمكن عشان كده خاف تفضفضي لحد قريب منك.
تبسمت رجوه بالتزامن مع دمعة نزلت من عينها وغصت وقد تأكدت من أنه بخير،
ورغم ذلك شعور مقيت إجتاح قلبها وحال دون فرحتها، وهو إنها تأكدت بالفعل لا تعنى له شيء ولا يثق بها، والثقة أساس كل شيء،
وتذكرت سالم وأسراره التي لم يكن يأتمن سواها عليهم جميعاً، تذكرت أحاديثه معها وإخبارها بأدق أدق تفاصيل يومه وما حدث له وهو بعيد عنها،
ماذا أكل وماذا شرب، وكم تمنى لو شاركته فيه وفي أقرب فرصة ياتي لها بمثله ويقدمه لها بمحبة وهو يقول:
-اللقمة التنزل جوف سالم من دون مارجوه تشاركه فيها ماتنهضم إلا وتنزل متلها ببطن رجوه، كلي حتى احس بطعم اللقمة الاكلتها بدونك.
إقتربت منها عايده حتى تحتضنها وقد رأفت بحالها، فإبتعدت عنها رجوه للخلف وغادرت المكان على الفور وذهبت بعيداً عند الوادي، جلست مع نفسها واخذت قرارها، ثم ذهبت للعنود مسرعة ودقت بابها، وحين خرجت لها العنود قالت لها بصوت يرتجف وأنفاس عالية:
- عنود اريد اطلع عقاب من قلبي ماعدت أريده، إذا تعرفين تخلينى أنساه وما أفكر فيه الحين سوويها، الحييين.. أنا ماأريده مادامه مايريدني، يكفيني قلة كرامة وقلة قيمة ودعس على قلبي.
- الأمر بسيط يارجوه وأنت مامحتاجه أي مساعده، لا مني ولا من أي حد؛ لأن آدم مو بقلبك من الأساس، كانت غمامه وانزاحت ويوم يومين ماراح يكون اثر له لا بقلبك ولا بعقلك،
بس الخوف يارجوه من الخطوه البعدها، او خليني اقول الشعور اللي راح تختبرينه بعد إدراك الحقيقة، مااخفي عليك، راح يكون وااااجد صعب وماينحمل.
-أي شعور هاد التتكلمين عنه؟
-شعور الندم يارجوه، الندم يحرق كل شي بالإنسان وماتتحمله الجبال.
-مريت بالأصعب والأسواء، وتحملت الماتتحمله الجبال، ومو جديد علي الوجيج يابنت عمي، ربك موجود وهو العالم قديش الواحد بيتحمل ويبعتله الوجيج بقدر قوته.
مر يومين آخرين، سالم يغادر القبيلة مع بعض الشباب ولا يعود إلا بآخر النهار،وكذلك رابح، ولكن كُل لوجهة مختلفة، فرابح كان يُنهى إجراءات سفره وأخيراً حصل على جوازه وتأشيرته وكل شيء، وسالم كان يفعل شيء هام ولكن لا أحد يعلم ما هو؟!
أما رجوه فطوال الوقت جالسة بمفردها، بعيدة عن الكل، فقط بعض الوقت تقضيه مع صغير أختها وتتركه وتغادر، قلقت معزوزه كثيراً من سكوتها وسالت رابح إن كان أحد تعرض لها بسوء، ابيها او هلال، ولكنه نفى ذلك، فأسندت السبب لغياب عقاب وقلقها عليه، وبدأت تحاول أن تبث لقلبها الطمأنينة وتخبرها بأنه بخير وسيعود، لم تكن تعلم أن رجوه علمت بذلك منذ أيام، أن هناك سبب آخر وراء حالتها.
أما من كانت تعرف جيداً ما الذي يحدث مع رجوه فهي العنود، تعلم إنها تمر الآن بوقت عصيب، صراع مابين قلبها وعقلها،
تحاول أن تقتنع بأن ركضها وراء آدم ماهو إلا إنبهار.. إفتتان بعالمه الذي ظنت بأنه بوابتها لحياة أفضل، حياة بلا قيود أو عادات وتقاليد، سيسكنها قلعته وستحظى فيها بكل الحرية التي لطالما تمنتها، والأهم من هذا كله أن تُثبت للجميع بأنها الأفضل ولذلك حصلت عل الأفضل،
فنبذ أمها لها منذ طفولتها ولد بداخلها شعور بالنقص لم يستطيع أحد أن يمحيه ويُشعرها بالإكتمال، لا معزوزه التى إحتضنتها كأم ولا حتى سالم الذي أعطاها اكثر مما ينبغي،، فأصبحت على ماهي عليه الآن.. تريد كل شيء عند غيرها لتشعر بالكمال، وهذا لن يحدث إلا وهي ترى كل العيون تنظر لما في يدها وتتمناه، ولما أصبح الأمر إعتيادي مع سالم ومسلم به من الجميع نسجت شباكها حول غيره وقررت أخذه بأي طريقة ممكنة، لتستمر حالة الإنبهار بما تمتلكه رجوه وما وصلت له دون غيرها، تماماً كمن تركض في سباق مستمر لتفوز بالمركز الأول دائما ولا ترضى بأقل منه،
وفي ظل هذا كله نست قلبها.. وعقلها جعل الأمر يختلط عليه فتاهت مشاعر قلبها الحقيقية وسط المشاعر المزيفة التي أصبح عقلها يقنعها بها.
وصحوتها أصبحت وشيكة جداً، أصبحت قاب موقف واحد فقط وسيتغير كل شيء.
أما في القاهرة..
-إيش تقول، كارمن بنت عمي، من سوا فيها هيك، عرفوا الجاني ولا بعدهم؟ مو معقوول، يلا انا جاى استلمها وادفنها.
خرج من مخبأه بعد أن تأكد بأن ياسين أصبح هالك لامحالة، وأنه ليس بحاجة لتدبير أي شيء له، فالله قد دبر ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
ذهب لمقر النيابه وأطلع على كل شيء،
تقرير الطب الشرعي الذي يقول بأن كارمن كانت تحمل في احشائها طفل، وسبب الوفاة والعينه التي أخذت من تحت أظافرها وعادت لياسين بعد إجراء الفحص، والرادار الذي رصد سيارته بالقرب من موقع الجريمة، وشهادة صديقتها بأن رجال أخيها هم من أخذوها، وكل هذا جعله المتهم الأول في قضية القتل.
أما فريال فسقطت مغشياً عليها فور سماعها للخبر، وحين عادت لوعيها اخذت تصرخ بلا إنقطاع، فالآن أولادها جميعهم أموات، وكما أذاقت القلوب لوعة الفراق شرب قلبها من نفس الكأس حتى إرتوى.
أما في خيمة خوله..
- ياخوله، أنا تميت السبعه وأنا بالخيمة، هالقدر كافي ومن غدوة انا طالع بالهوايش.
- لا ماتطلع ولا راح تطلع ياسعود، ومافي رعي اغنام من بعد اليوم.
نظر إليها سعود بغرابة وسالها:
-إيش تقولين ياخوله؟ واغنامنا من يوكلهم ويراعاهم؟
- يوكلهم اليشتريهم.
- ايييش، كيف اليشتريهم يعني، انا مانبيع اغنامي ولا نفرط بهم، وبعد مانبيعهم نصرفوا قروشهم ونمدوا يدنا نستجدوا ولا إيش؟
- لا ياسعود، ماراح نستجدي، ادينا راح تنملي بكل خيرات الله وتصير أنت تعطي ماتاخذ بس طاوعني فالأقوله لك.
- قولي ياهمي الكبير وانا سامعك.
- إسمع ياسعودي، الحين كل شي يخص النساء تجيبه من الحضر الشيخة عوالي ومعها مايزه، تعرف انهم ختيروا واذواقهم بلت ونساء القبيلة يرضون باليجيبوه ومايعرفون إن فيه اشيا أجمل واحلى، يعني مع الشيخة مافي حرية الإختيار، كل اليتجاب مرضي به..إيش نسوي احنا الحيين؟
-ايش نسوي؟
-نبيعوا الغنمات ودهباتي، والقروش المعي والمعك والمع امك، وننزلوا الحضر، نشتروا من كل شي تشتهييه النساء من طيب لزينه لثياب ولخفاف، كحل حمره فراشي تمشيط زيوت شعر كل شي كل شي.. ونجيبهم للقبيلة وانا أبصم لك بيديني ورجولي إن النساء راح ينهبلن ويشترون كل الأشيا.
-وانا اصير بياع خفاف ياخوله! جنيتي إنت؟
-من بين كل القولته ما ضل براسك غير الخفوف ياسعود، لا لا تصير بياع خفوف، اترك البيع والشرا لي انا، انت بس تاخذني الحضر وتردني.
-لا أنا ماموافق، أنا مااعرف غير رعي الأغنام مهنتي من وانا صغير، هي مهنة الرسول وانا افتخر بها ومااتركها واروح اشتري اشيا للنساء وأصير مضحكة القبيلة كلها.
- سعود اسألك سؤال.
-ماراح نخلص اليوم.
- اقول ياسعود، وقت الكان رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام يرعى الأغنام، إيش سوا بعد تزوج السيدة خديجة رضي الله عنها، مو ترك رعي الاغنام واشتغل بالتجارة باموال السيدة خديجه؟
- أ اي مظبوط.
- طيب قولي انت احسن من رسول الله يعني؟ إذا تقتدي به اقتدي بكل شي مو تاخذ شي وتترك شي.
- عليه الصلاة والسلام.
والحين انا راح ابيع غنماتي واسوي القلت لك عليه، انت حابب تكون معي ياهلا، مو حابب غنماتك عندك اشبع بيهم.
- ياخوله انت ماليك اغنام، انا تزوجتك لجل اغنامك والشيخة قالت انهم كلهم لي.
- رجعت بكلامي وبعد زواجي منك شفت انك ماتستاهل كل الاغنام، تستاهل بس راس واحد واذا تريده هو لك.. اقول ياسعود وين امك تدس قروشها؟
- ليش، إيش دخلك بقروش امي؟
- ماتسال بس قولي وين انا باخذهم واشتري وبعدها اقولها اني خذتهم.
- ماادري، وأمي مامعها قروش.
-زين، بس اشتري أغراض وامك تمد يدها عليهم اقطعها لها أمامك واريدك تنطق بحرف واحد ياسعود، ومن اليوم أغنامك وفرشتك وطبختك ونومتك وغسل ثيابك كلهن لحالك.. وإنت العايب.
الفصل الحادي والثلاثون31
انهت خوله كلماتها وغادرت الخيمة، وذهبت حيث مرابض الاغنام وحررت أغنامها وساقتهم نحو خيمة تاجر الأغنام وباعتهم له وقبضت نقودهم، وذهبت رأساً بالنقود لخيمة عوالي واخبرتها بما تنوى فعله، فشجعتها عوالي وقالت لها:
-اشوفه تفكير زين طالع منك يالمهبوله، ومن الحين أنا مانشتري شي من هي الأغراض لحتى تسترزقين انت، بس ياخوله انا اعرف الأسعار ولو طمعتي ماتشوفيني إلا اهد خيمتك فوق راسك واحرقك انت والاغراض سوا.
-لا ماتخافي، كل شي وله ثمن وانا ماافتري، عالقليلة مو باول مشواري، انا الحين اجمع ثقة الناس، بس اجمعها واطمنهم وقتها يحقلي أطمع.
ضحكت عوالي وتغيرت ملامحها وسألتها بجديه:
-بس من وين جبتي القروش ياخوله؟
-بعت اغنامي.
-الله ياخذك، من وين لك اغنام، مو ع أساس عطيناهم لسعود لحتي يتزوجك؟
-أي والاغنام صاروا لزوجي، واغنام زوجي اغنامي، إيش بيها يعني، وبعدين انت تميتي مهمتك وزوجتينا ماتشغلي بالك بشي.. والحين انا ماشيه اشوف حد غير القرد سعود يوديني الحضر هو حرن متل الحمار.
- انا اندز معك واحد من الشباب بسيارة يوديك ويردك، ويكون شاطر بالشرا والبيع لجل مايضحكون عليك، بس قبل أي شي دزيلي سعود قوليله الشيخه تريدك، لزوم يوافق على روحتك، هاد زوجك ورجلك إذا خطت بدون رضاه انا بقطعها لك، فهمتي علي؟
-إي فهمت، انا الحين اندزه لك، وماتعطيه فرصه إنه يشاور عقله، انت تامرينه أمر، تقوليله خوله تعمل التريده وماتقف بطريقها والا تذبحك وانت نايم وماتسمي عليك، خوفيه هو خواف واجد.
- روحي ياخوله، روحي الله يهديك وابعثيلي سعود المبلي بيك.
اتي سعود للشيخة عوالي، واقنعته بما تريده خوله، وهذا لأن الفكرة اعجبتها هي شخصياً، وترى أنه باب رزق عظيم لخوله ومسعود، وقفله يعد قطعاً لهذا الرزق.
فذهبت خوله للحضر، وذهب سعود معها بأمر مع الشيخة فى إحدى السيارت مع واحد من شباب القبيلة، وبدأت خوله أولى خطواتها نحو حلم حلمته وقررت تحقيقه.
وفي سوق المدينة كانت الصدمة لخوله؛ فقد وجدت أشياء فائقة الجمال، ولم تجلب منها الشيخة عوالي حتى لزوجات الشيخ! نعم ثمنها مرتفع، ولكن نظير جمالها خوله متأكدة أن نساء القبيلة سيشترينها بلا تردد.
تسوقت من كل شيء وعادت للقبيلة، ووقفت وسط الخيام ونادت بأعلى صوتها:
-يابنيات ياحريمات يانساء القبيلة أقبلن، اليوم مشيت للحضر وجبتلكن كل شي تتمناه نفسكم، معي اشيا راح تخطف انفاسكم من جمالها، تعي ياحلوه، تعي يازوينه وشوفي إيش مع خوله.
وبدات تفرش الاغراض أمام النساء، وفور أن تضع الغرض على الأرض يُخطف، وكادت النساء يتقاتلن على الأغراض وخاصة الحُلي والزينه، وكل ماأحضرته خوله لم يتبقى منه شيء، ووعدت من لم تتحصل علي شيء بأن تحضر لها ماتريده غداً.. وعادت لخيمتها مع مسعود بنقود تكاد تكون ضعف المبلغ الذي إشترت به،
ولما رأي مسعود ماجنته خوله في ساعات قليلة وقارنه بما يجنيه هو ووجد انه عمل شهرين في رعي الاغنام وبيع البانهم، قرر بيع أغنامه ومشاركة خوله بثمنهم، فهي علي هذا الحال ستغتني في وقت قصير وهو سيظل راعى لكم غنمة تضربه شمس النهار وتهترئ أقدامه من الرمال الساخنه!
أما آدم فعزم على العودة إلي القبيلة أخيراً، ولكن قبل عودته قرر أن يودعها للمرة الأخيرة ويطمئن إنها بخير، فهاتفها وذهب إليها في المكان الذي حددته،
كان مقهى على النيل.
وصل قبلها بدقائق وجلس ينتظرها، إقتربت منه وقد رأى منها ماأحزنه، ضعفت كثيراً وشحب وجهها ومن الواضح من الهالات تحت عينيها أنها لا تنام بشكل كافٍ.. جلست بعد إن صافحته، نظر إليها وتنهد فتبسمت وسألته:
- ليه التنهيده دي؟
-والله تخرج بدون إرادتي بس عيني تشوفك.. هي نفس من القلب يزفره ومااقدر أكتمه.
- صمتت ونظرت بعيداً، نظرت لصفحة الماء وعقدت يديها أسفل ذقنها، فأمسك هو بقائمة الطلبات وأردف:
- إيش تشربين؟
-مليش نفس.
-تمام.. إيس كريم بالفراوله.
- تبسمت فهذه نكهتها المفضلة، وشهقت حين رفع ذراعه يلوح للنادل، فوجدت ذراعه الآخر مضموم لصدره برباط! فسألته بخوف:
- مال دراعك ياآدم، إنت متعور؟ إيه عمل فيك كده؟
- هبااا هباااا هدي شوي مافي شي، هاد شي بسيط، رجلي زلقت وطحت على الارض وذراعي به كدمات، بس هاد كل شي.
نظرت إليه وركزت على عينيه وقالت له بإصرار:
-لأ.. مش دا اللي حصل وانت بتكدب عليا ياآدم.. قولي إيه بالظبط اللي حصلك وإلا هقوم وأمشي دلوقتي.
- يبه مافيه شي... نظرت لعينيه مرة أخرى فأجاب على الفور
- زين انضربت باروده بصدري، ارتحتي؟
- ياخبر إسود، مين اللي عمل كده؟
- مافي غيره بلوتي العظيمه، ياسين ولد خالتك.
- انا لا ليا خاله ولا إبن خاله ولا حتى ام، ربنا ينتقم منهم كلهم.
-حياة، اريد اقولك شي ماادري تعرفينه لو لا.
- ايه تااني؟
-كارمن وجدوها مقتولة والطب الشرعي ثبت إن ياسين السواها.. كانت حبله.
شهقت حياه ووضعت يدها علي فمها من الصدمة وهزت رأسها بنفي، فاومأ لها مؤكداً، فدفنت وجهها وسط كفيها، وبدأت في البكاء وهي تتسائل
، ما كل هذا الذي يحدث، أاصبح الموت سهلاً لهذه الدرجة؟ كيف تُحصد الأرواح بهذه السهولة دون أي خوف من رب ولا عمل حساب لعبد، ماهذه العائلة وأي لعنة هذه التي أصابتها؟
حاول آدم تهدئتها وفي محاولة منه لإلهائها عن كل مايحدث أخذها لمكان مخصص للألعاب يسمى دريم بارك، وحجز لها في جميع الألعاب وشاركها، رآها تبتسم فتبسم هو أيضاً؛ لقد إشتاق جداً لهذه الإبتسامة، وشعر وكأن نسمات الهواء عادت تداعب قلبه والفراشات عادت تطير أمام عينيه من جديد.
فما ألعن الظروف وما ألعن الحب الذي لا ينتهي بالفوز بالحبيب، إنه نار لا تنطفئ أبداً، وكأن الروح أطنان حطب لا ينضب.
إنتهي اليوم وحان وقت عودتها للمنزل، فأوصلها ووقف على أعتابها وأخبرته بما ختم هذا اليوم الجميل بعصرة قوية لقلبه:
-انا خلاص سفري إتحدد بعد إسبوعين ياآدم.
- إيش هاد، معقوله بهي السرعة؟
- كل شيء بالفلوس بيمشي بسرعة، وانا محتاجة ابعد، محتاجه أسافر قبل إعدام أمي، مش عايزه أشوفها ميته قدامي، أنا بلغت قرايبنا في البلد واديتهم في إدارة السجن رقم واحد منهم؛ عشان لما يتنفذ الحكم يتصلوا بيهم يجوا يستلموها، عايزه أفضل طول الوقت فاكره إنها عايشه مماتتش.
تفهم آدم وأومأ لها موافقاً على رأيها، ومد يده لها مصافحاً للمرة الأخيرة، ثم أخذ يراقبها وهي تدخل وتغلق أبوابها، وكأنها أغلقت معه كل أبواب الرحمة لقلبه، فغادر بخطوات مترنحة وقلب يئن.
عاد في اليوم التالي للقبيلة، وكم كان خائفاً من لقاءه لرجوه وإلتصاقها به ومطالبته بحقوق أعطتها لنفسها دون وجه حق،
ولكن الغريب أنها كانت هادئة جداً هذه المرة، لم تفاجأها عودته ولم تتلقاه بلهفة كل مرة، بل كان إستقبالها له فاتراً وسلامها عليه عابراً، وأخذت الأغنام وغادرت دون أن تلتفت إليه.
ولم يكن الوحيد الذي شعر بالغرابة لتصرفها، بل سالم أيضا، ورابح والجميع، كانت حزينة بطريقة لا تتناسب مع رجوع حبيبها من براثن الموت!
أما هي فلأول مرة تشعر بأنها لم تعد لديها طاقة للمعافرة والمحاولات الفاشلة للفت أنتباهه لها، فالإهتمام لا يطلب طوال الوقت.
مروا عدة أيام، آدم بدأ يخرج مع سالم لمتابعة آخر المستجدات والإشراف على مافعله سالم،
بدأ في تجهيز دور في البناية التي إشتراها من قياتي له ولوالديه كي ينتقلوا للسكن فيه.
أما رجوه فكانت بعيدة تماماً، صامتة وحالها لا يعجب سالم، يحوم حولها ويحضر لها الحلويات كي يتغير حالها، ولكن مع كل شيء كان يقدمه لها كانت تزداد حزنًا، فإحتار فى أمرها ولجأ لمعزوزه كي تعرف له مابها ولكنه لم تفلح هي الأخرى.
لم يخفى شروده وتوهته بسببها علي مزيونه، فكانت تراقبه في صمت وهو يراقب رجوه في صمت ورجوه تراقب آدم من بعيد في صمت وكل واحد منهم لا يفهم ماذا حل بالآخر؟!
في صباح اليوم التالي..
مزيونه:
- اليوم كمان تروح للحضر ياسالم وماترد إلا عشيه وتكون مهدود من التعب وماتصدق توصل الفراش؟
- ادري إنك إشتقتي يامزيونه وأنا بعد إشتقتلك واجد، بس مانقدر انعوف خوي بروحه وهو مازال يتوجع وصدره ماطاب، وحمله كبير ومحتاج لي، وإنت تعرفي كله ولا عقاب يحتاجني ومايلاقيني.
-اي أدري.. قالتها وعقبتها بتنهيدة، فشعر سالم بأنها تحتاجه، ولا يريدها آن تستاء وهي فى شهور حملها الأولى ويتأثر طفله، فنظر لها وأردف:
-خلص يامزيونه، هاليوم كله انا معك بالخيمة، ماراح أمشي لمكان وعقاب يشقى بأشغاله بروحه..
انا اليوم عندي أشغال أهم.. قالها وغمز لمزيونه فتبسمت ورفعت طرف وشاحها لتخبئ وجهها من خجلها، ثم قامت لتجلب له الفطور، وهو أخبرها بانه ذاهب ليخبر آدم بأنه لن يذهب معه اليوم وسيعود لها سريعاً، وأمرها بأن تجهز له الأجواء التي يُحب.
غادر الخيمة يبحث عن آدم فوجده يقف مع رابح وعمه قصير وهلال، فذهب إليهم:
- صبحكم الله بالخير.
- الله يصبحك بالخير..
قصير.. الخير اللي يصيبك.
-اقول ليش هالجمعه، خير انشالله.
قصير:
- كل الخير، أنت طبعاً ماشي مع عقاب وماعاد منكم نفع للقبيلة.
يارابح خذ هلال وانزل الحضر جيب النفط ومونة الشهر من أغراض الطبخ.
هلال:
- انا مو فاضي يابوي اليوم فيه سباق هجين واني مشارك به، وعدت الشباب وما أقدر أخلف.
- زين يروح سالم قبل لا يروح مع عقاب وبعد ماتشترون كل شي وتحملونه بالسيارة تروح لعقاب.
رد سالم على قصير فوراً:
-اعتذر ياشيخي مااقدر اروح اليوم لا معه ولا مع عقاب؛ انا عندي شغله ضروريه ماتتأجل، خذ أي شب من شباب القبيلة يارابح يعينك.
رابح:
-. لا مااريد حد، انا انروح بروحي، إذا الكل صار مشغول اليوم وأشغاله ماتتأجل.. حد منكم يريد شي معين اجيبه له معي؟
اخرج قصير رزمة من الاموال واعطاها لرابح وقال له قبل ان يغادر:
-هاك القروش وشوف ايش راح تسوي، انا رايح الوادي بالوليدات الصغار اليوم اريد اعلمهم صيد الأفاعي ومعرفة جحورها، ودير بالك ياسالم من بعد هي المرة وليدات القبيلة وعلامهم صارت مهمتك واريدك ماتتكاسل فيها.
سالم:
-ابشر ياشيخي من هالعين قبل هالعين، أستأذنكم انا رايح اجيب غرض من خيمتي.
فهمه رابح؛ فتعجله ولهفته يكشفانه، فقال له ممازحاً:
-يابه لاحق عالاغراض ايش بيك شوي ثقل الاغراض ظاله بالخيمة ماراح تطير هههه.
لكزه سالم بكوعه في جنبه كي يصمت فقد أخجله بوجود عمه قصير الذي فطن للامر من كلام رابح وتبسم ثم غادر، وبعد أن إبتعد قصير قليلاً هجم سالم على رابح واوسعه ضرباً وهو يقول:
- ولك الله ياخذك خزيتني قدام الشيخ.
رابح:
- لا ماتتخزي الشيخ يعرف الموظوع وعنده خيمتين بيهم اغراض وانا عندي اغراض وكل واحد يتلهف علي اغراضه وعاذرينك.
فهم هلال حديثهم ومايرمي إليه فغادرهم وهو يشعر بالخجل، وكذلك آدم الذي أعطى سالم نظرة ثم قال له:
-تبيعني لجل غرض ياسويلم؟ والله إنك طلعت واطي، ماقادر يعني تصبر عالغرض للمسا؟.. روح يبه روح الله يساعدك.
غادر كل لوجهته وبعد حوالي ساعتين تلقت معزوزه إتصال من هاتف زوجها، فصرخت بإسمه وقد فهمت الآن سر إنقباضة قلبها منذ الصباح، وانها كانت محقة حين حاولت منع رابح من الذهاب للحضر، فها هو شخص غريب يخبرها بأن صاحب هذا الهاتف أصيب في حادث وتم أخذه بعربة الإسعاف، وهو وجد هاتفه مكان الحادث.. فخرجت من خيمتها تصرخ وذهبت لتجمع الشباب وصاحت بهلال الذي كان يستعد معهم للسباق :
-ياهلال رابح مسوي حادث ومايدري وين خذوه، غريب كلمني وقال لي إنه سوى حادث وماضل منه غير نقاله، هيا تحرك ايش منتظر اركب سيارتك وروح دورلي علي رابح وجيبه لي سليم ومابه شكة شوكة، والله اذا رابح جراله شي لأحرق القبيلة بالفيها، تركتوه يروح لحاله يجيبلكم السم وانتوا جالسين تتسامرون؟ والله والله لو مارد لي رابح صاحي لأبيدكم إباده.
تحرك هلال وكل الشباب معه، وكل واحد منهم رفع هاتفه يتصل علي هاتف رابح ليعرف مكانه، وهلال هاتف سالم فلم يجبه.. فتمتم بضيق:
- هاد وقت ماترد به ياسالم؟
خرت معزوزه على الأرض تبكي وتضرب الأرض بكفيها، فجاءت رجوه على صوت نواحها ولما وصلت عندها وعلمت الأمر إنتفضت وتلفتت حولها على سالم أو آدم؛
فلا يوجد سواهم يجيد التصرف في مثل هذه الحالة، فسألت هلال:
- وين عقاب وسالم، كلمهم يسبقونكم لرابح؛ هم بالحضر واقرب له.
فرد عليها هلال وهو يغادر:
- عقاب إي بس سالم مدفوس بخيمته مايرد، هيا ياشباب جيبوا السيارات خلونا نغادر هياااا.
ركضت رجوه نحو خيمة سالم، فكيف يغادرون من غيره، وكيف لا يكون أول الراكضين على رابح، فوصلت خيمته وبإندفاع وبدون إستئذان ازاحت الباب ودخلت وهي تقول:
-ياسالم فز ياسالم رابح مسوي...
توقفت عن الحديث وذهلت مما رأته، فقد كان سالم مع مزيونه في وضع حميمي وفور دخولها قام بتخبئة مزيونه فى صدرة وجذب عليها الغطاء وصرخ في رجوه بغضب عارم:
-إيش هاد السويتيه يابهيمه، أمشي غادري الخيمة هالحين وأنا بس أطلع لي معك كلام ثاني،اغربي.
ظلت على وقفتها وكأنه لم يقل شيء، تصنمت كما لو أنها فقدت جميع حواسها وأصبحت جماد بلا حواس، فنهض سالم ولبس جلبابه وقام إليها جذبها من ذراعها وأخرجها من الخيمة بعنف، وعاد للداخل وهو لا يستطيع إستيعاب مافعلت، ولا مزيونه قادرة على الإستيعاب، ولا حتي رجوه نفسها إستوعبت للآن مافعلت
يتبع