رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل التاسع9 والعاشر10 بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل التاسع9 والعاشر10 بقلم ريناد يوسف

غادر سالم المجلس وتبعه كل من عقاب ورابح، ركب حصانه وشرد به وتبعه الاثنان، إبتعد كثيراً ثم وقف في الخلاء يصرخ بقهر وكأنه ذبيح يحتضر.. هل سيخسرها بهذه البساطة.. هل سيقترن اسمها بغيره ولا حق له فيها بعد الآن، هل تربت على يديه ليأخذها غيره؟ 
تماماً كمن أعد وجبة طعام لنفسه واستدار فوجد غيره التهمها!
 إقتربا منه وأنزلوه من فوق حصانه بالقوة، تخشب جسده وهو يقاومهم ، ولكن في النهاية تمت السيطرة عليه،

 تعجب آدم لحاله وقهره وهو من كان يعرضها عليه قبل ساعات بنفس راضية!
 أكان يكتم كل هذا الألم من أجلها، وكان سيمضي بقية عمره يكتم ألمه إن تزوجها ورضخ لتوسلاته؟

رابح:
- خلاص ياسالم طير وشرد منك ماتزعل عليه، لو كان لك فيه نصيب كان عشش باحظانك وماضرب بجناحه وطار.
- بس هاد طيري يارابح طيري ومربيه بيدي، انا اللي علمتها الطيران ليش لما تعرف تطير تهروب مني؟ ليش وانا اللي كنت اشيلها علي كتافي من خوفي على رجولها من سخونة الرمال، انا اللي كنت اشربها وأوكلها بيدي وجبتلها كل اللي طالته يدي،  نبتت مني وعطيتها من رووحي واني اللي كنت مستعد اعطيها الروووح والعمر، ليش ماحبتني يارابح، ليش تتركني وتدور المحبه من غيري، بيش انا قصرت بيييش؟ 

وهنا هدر به آدم:
-  ياسالم أنت ماتعرف وين مربط الفرس، إنت مشكلتك مو انك قصرت، فلا ترمي اللوم على قلة التقصير، أنت مشكلتك أنك عطييييت وماقصرت، عطيت بلا حدود، عطيت بلا إحتياج، عطيت واااجد وزايد لمن ملت رجوه من عطيتك. 
دوم الشي المتاح بكميات كبيره يطمم النفس، وانت شبعتها محبه ودلال لما نفسها جذعت منك، 
كل مطلوب مرغوب وانت ماعطيتها فرصه تحتاج شي منك ولا تتمناه، دوم تحن وتداري وتدادي وتدلل وتعطي وتعطي وتعطي.. 
ايش تحتاجه منك رجوه بعد كل اللي خدته، أيش تتمناه وانت قبل ماتتمنى تلبي؟
- ياناس احبها، احبها انتم ليش ماتفهمون؟
- واذا تحبها ياسالم؟ الحب مايذل مايكسر، ماننساق بسببه متل البهايم ونروح شمال ويمين حسب هوى المحبوب.. الحب عزه وكرامة، وإذا الحبيب ماحافظ على كرامة حبيبه خساره فيه الحب.
يارابح قول لسالم شي انت حبيت وتحس بيا، اذا اخذوا منك معزوزه كنت راح تتحمل؟ كنت راح تسكت، تكلم يارابح وفهمه هاد ماحب ولا يفهم.
- لا حبيت ياسالم، بس الحب بيختلف من شخص لشخص، بيختلف من شخصية لشخصية، انا لما اتأكدت أن حبي رح يأذيني ويأذي غيري تخليت عنه ودوست على قلبي.
- ماتقارن حبك بحبي، ماتقارن حب شهور بعشق سنين، ماتحط هي قبال هي لانهم مايتساوون،، ابددد مايتساوون.
رابح:
- ياسالم انا احس بيك وافهمك، بس ياخوي عوف اللي عافك، تخلا وتحمل الوجع شوي، اتقوى على وجعك بمرتك بشغلك وصدقني مع الوقت بتنساها.
همس بوجع وقد تهدلت أكتافه:
-شلون اعوف شلووون وهي معجونه فيا ومقترنه بعروقى وتنضخ مع الدم لقلبي، كيف اعوف اللي ضميتها بررروحي، انتم تطلبون من أب يعوف بته، ومن اخ يعوف اخته، ومن إبن يعوف إمه.
رجوه عندي كل هادول..ارحموا قلبي شوي انتم ماتحسون، والللله ماتحسون
آدم:
- اييي بس هي باعت وتخلت وعافت، اصحى ياسالم وشوف الصوره زين، انت داخل الإطار لهيك ماتشوف، أخرج وابتعد وراح تعرف انك كنت بالمكان الغلط ومع الشخص الغلط.
- نفسي، والله نفسي وأتمنى بس ماأقدر.. كيف اسويها دلني؟ 
خد بقلبي وعرفه الطريق.. ساعدوني متل مادوم تساعدوني انا اخوووكم.

قالها ثم خر راكعاً وتراقصت الدموع في عينه فهمس له آدم وقد صك على اسنانه غضباً:
- دير بالك اذا نزلت دمعاتك على مره لا انت خوي ولا اعرفك، لا مجلس يضمنا ولا طريق تجمعنا، انا ماارافق ضعاف ياسالم فهمت. 
قالها وقفز على حصانه وغادر المكان مسرعاً، غادر قبل أن يضرب سالم الذى لم يتوقع أنه ضعيف لهذا الحد، وخاصة تجاه من باعته وفضلت عليه غيره، هو يعلم ان الحب موجع، ولكنه يرى الذل أكثر وجعاً.. يعذره ويشفق عليه وبنفس الوقت يريد انتشاله من كل هذا المستنقع والخروج به لبر.. ولا يعلم كيف. 

توقف بالحصان اخيراً، علي مسافة من القبيلة ونزل من فوقه، جلس فوق حجر كبير وأخذ يتفقد المكان من حوله بضجر ويشعر أن كل شيء لم يعد كما كان، ثم أخرج هاتفه وبعد تردد ضغط على إحدى الارقام، وفور أن فُتح الخط تنهد وقال:
- ليش الله خلق الحب، ايش فيه ميزه والله اني اشوفه كله عيوب، وانخلق لجل يذل ويوجع ويكسر ويعذب. 
أجابته بصوتها الحنون:
- مش في كل الحالات، احياناً بيطمن ويداوي ويطيب ويعوض ويسعد.. الحب بيتلون على حسب القلوب وعلى حسب ظروف اصحابه ياآدم..الحب زي اي حاجه في الدنيا بيحكمه الظروف. 
تنهد ثم رد عليها هامساً:
- أي والله، هي الظروف اللي تتحكم بكل شي. 
صمت قليلاً ورآها هي الأخرى صمتت فأردف :
- إشتقتلك واجد ياحياة واااجد. 
- إحنا مش اتفقنا ياآدم واخدنا قرارنا، بترجع ليه فيه دلوقتي؟ 
- انا مارجعت بشي، وانا عند كلامي، بس هاد مايمنع اني اشتقت.. انت ماأشتقتي؟ 
-وليه نبوح بالشوق مادام الوضع مش هيتغير، أرجوك ياآدم عايزين نساعد بعض على النسيان. 

- نسيان، نسيان ياحياة؟ 
- طيب على التظاهر بالنسيان ياآدم لو المسميات هتفرق معاك. 
- ايش فيك؟ كلامك به مراره. 
- لا ابداً إنت اللي متضايق وشكل فيه حاجه تاعباك ومأثره عليك.. أنفاسك وكلامك ونبرة صوتك كله بيقول كده. 
- ااااخ ياحياة،والله تحسين بي برغم بُعد المسافات. 
أقول ياحياة..
- لا انا اللي هقول ياآدم اسمحلي، انا وبنقل اوراقي للجامعه هنا جنبنا، واحد جيران عمتي شافني وأعجب بيا وطلب ايدي.. وانا بفكر جدياً فى الموضوع. 

إستقام في جلسته وتجهم وجهه، وشعر بألم في يسار صدره، وبعد مدة من الصمت أردف:
- حياة لا تتعجلين، لا تاخدي قرارات وانت تحت تأثير اي مشاعر سلبيه..تأني وشوفي قلبك ايش يقولك. 
- آدم انا بعرف أفصل كل حاجه عن بعضها، وبعدين قلبي ماعادش له رأي فى القرار ده، حالياً عقلي بس هو المسئول، القلب اتقفل على سكانه وانتهى الأمر. 
- حياة
- نعم ياآدم
- ديري بالك على حالك، وحطي ببالك إن لولا الظروف ماتركتك ولو على جثتي. 
- عارفه ياآدم ومش محملاك اى ذنب ولا بعتب عليك في أي حاجه.. وانت خلي بالك من نفسك عشان خاطري، أوعا توجع قلبي عليك فيوم من الأيام، خليك فاكر إن فية حد لو إنت اتألمت هو هيتألم قصادك أضعاف. 

- الله يبعد عنك الألم والوجع ياأجمل شي مر علي بحياتي.. إستودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه. 

إنتهت المكالمة التي جعلت آدم يهدأ قليلاً من ناحية سالم، فقد إختبر إنه لأمر مؤلم للغاية أن تعرف بأن حبيبك على وشك الضياع منك للأبد، ولكن الإختلاف هنا بأن الأمر تم بغاية الهدوء، 
ولم يأخذ من آدم نفس ردة الفعل، وحياة أيضاً كانت مستسلمة للغاية وهادئة هدوء المغلوب على أمره، لم تختلق المشكلات إو تلجأ لحلول شبه مستحيلة للحصول على حبها مثل قليلة العقل رجوه. 

وقف وركب حصانه وعاد للقبيلة، وهناك وجد معزوزه على مشارفها تنتظر، عرف من ملامحها بإن الأمر يخص رجوه، وأن الخبر نزل عليها كالصاعقة دمرها. 
وقف قبالتها وسألها:
- إيش فيك يامعزوزه، ليش واقفه هالوقفه؟ 

- عقاب انجدني، رجوه غمضت عيونها وماتنطق ولا تحس، متل ماتكون غادرت الدنيا وماباقي منها غير جسدها. 
رد عليها وهو ينزل من فوق حصانه:
- ربنا يسمع من خشمك وتكون غادرت، وجسدها ماهو مشكله نوارو عليه الرمل ونرتاحو. 
-حيييه عليا وعليها، ليش كل اللي اجيبله سيرتها مايدعيها إلا بالموت، حرام عليكم والله حرام. 

- ليش حرام الموت راحه ونحن نريدوها ترتاح.. ردى لخيمتك واتركي بلوه الحين بتطيب لحالها، شيعى على خطيبها صياح يجلس جوارها شوي وهي بتتحسن. 
 ردت عليه بغضب:
- هو بالأصل صياح هاد سبب كل المشاكل الله لا يوفقه، هي سمعت اسمه وانه رهنها من هين، وطبت ساكته من هين. 
- هاي طبة الفرحه، طلعيها من بالك يامعزوزه واشقي بروحك رجوه متل القرود مايصير عليها شي.

انهى آخر كلماته وهو يتحرك مبتعداً، ولم يُبد أي إهتمام برجوة أو تعبها، فوقفت معزوزه تراقبه متعجبة وهي تقارن بينه وبين سالم فى نفس الموقف،
 فلو سالم لكان جن جنونه عليها، أما هذا فمضى وكأنها شيئ ليس له اية قيمة! وسخطت على رجوة التي تركت ذاك من أجل هذا.! 

عادت إلى الخيمة، فوجدت رجوه على حالها، غائبة عن الدنيا ولكنها تتنفس، ظلت تحاول معها هي ومايزه وكل من علم بأمرها، 
وبعد الكثير من المحاولات بدأت تسترد وعيها، تلفتت حولها بوهن وأردفت حين وقعت عيناها على معزوزه:
- ليش يامعزوزه ليش، ليش يعملوا فيا هيك، انا بيش أذيتهم، بيش اذيت ابوي، يعني مالقوا إلا صياح ويزوجوني ليه، صياح اللي دون عيال القبيله ماكنت اطيقه، صياح ياناس؟ 
 ومن اللي قال اني اريد اتزوج من الأساس، يابه انا خلاص ماعايزه اتجوز ولا شي، قولي لابوي لا صياح ولا غيره، رجوه ماتريد زواج.. الله لا يوفقك ياسالم لو ما انت بحياتي ماكان جرالي كل هاد. 

معزوزه
- وايش ذنبه سالم يارجوه، يعني فوق ماقدملك كل شي هي تكون جزاته؟ 
- قدملي الحنظل اللي راح يعيش طعم مراره بحلقي لاخر العمر، يعني اذا ماخد مني حق اللي قدمهولي يرميني للكلاب ولا يهتم؟ وين محبته ووين حنانه علي، ولا كله كان لجل يطالني وإذا ماطال يروح كل شي! 

مايزه
- هدي يارجوه وارضي بنصيبك وعيشي الحياة اللي انفرضت عليكي متلك متل غيرك، كافي كثر التمرد مارح يجيبلك غير وجيج وتعب اكثر، انسي كل شي مضى وعوفي عنادك وعيشي متلك متل بنيات القبيلة، لا لهم رأي بزواج ولا نهوه والوحده تروح خيمة زوجها من خشم مصكر.

 
- الله ياخده زوجي وياخد خيمته إذا راح يكون صياح، والله والله اذا زوجوني ليه لأخلي أيامه سود بلون غرابيب الصحارى واندمه على اليوم اللي فكر فيه ياخذني،
 والله لأصلبه بليله غبره على جزع نخله واخلي الذيابه تنهش بلحمه حي. 
مايزه
- ششش اكتمي اكتمي أمه خارج الخيمة وكل نساء القبيلة.. ماتبتديها بعداوات يارجوه هاد راح يصير راجلك وابو عيالك. 

- لا تجننيني بكلامك هاد، مين اللي يصير راجلي وابو عيالي، الله لا يرزقني بعيال اذا هو ابوهم، وأمه اذا بره خليها تجيني، قوليلها رجوه تريدك وانا افرجك العداوات كيف بتكون. 
قاطعهم صوت نسائي يقول:
- انا امامك يارجوه، هااا ايش راح تسوي يعني قوليلي. 
- انتي من خشم ساكت تروحي تقولي لصياح ولدك نهايتك على يد رجوه بتكون اذا تميت زواجك منها. 

- انا مااقدر اقوله هاد الكلام، وتالي انا وليدي رجال ومايخاف من حرمه، واذا تحسبين روحك ذيبه هو أسد، ومن البدايه كلنا نعرف انك فانص وعلى عيبك جيناك، يعني تعملي ايش ماتعملي عذرك معك ومسامحينك انا وولدي.. بس لجل عيون مكاسب امك وعيون ابوكي قصير. 

- الله يخزق عيونك وعيون مكاسب امي وعيون ابوي قصير معكم ويعميكم كلكم ماتشوفون طريق ولا تميزون شي. 

- الله يسامحك يارجوه.. والله فرحتي وفرحة وليدي اليوم ماتخليني ازعل منك لو ايش ماسويتي وايش ماقلتي. 

- امشي اطلعي بره الخيمه الحين لأقوم ادفنك بأرضك.. يلا وليي بره. 
معزوزه:
- يارجوه ايش هاد اللي تقولينه؟ 
- وانتي يلا ولي معها مااريد حد قبال عيني، خدي أم نباح هي واغربوا عن وجهي. 

مايزه:
- ياام صياح رجوه مريضه وماتعرف ايش تحكي، اقول تتركيها الحين وبس تطيب يبقالكم قعده وكلام، الايام جايات.. روحي لخيمتك وافرحي مع وليدك. 

- اعرفها مريضه وتخربط، انا الحين بمشي وعلى قولتك يامايزه الأيام جايات، وطوال. 

غادرت ام صياح الخيمة وتركت رجوه تتخبط، فهذه العائلة برمتها لا تطيق أحد منهم، وخاصة صياح وأخته خَوله، التي لا تُطاق، والجميع ينفر منها. 

عادت معزوزه إليها بعد ان اوصلت أم صياح لخارج الخيمه وتبعتها مايزه وغادرت هي الأخرى، وجلست بجوارها وهمت أن تتكلم ولكن رجوه قاطعتها بغضب عارم:
- معزوزه اذا تحكين شي انقوم نحرق روحي وقبلها نحرق خيام القبيلة كلها باللي فيها واخليهم رماد، واذبح ابوك واخوك ومعهم مكاسب أمك واريح الدنيا كلها منكم. 

- هدي هدي انا ماراح احكي شي. 

اغمضت رجوه عينيها وعقلها عاجز تماماً عن التفكير او الاستيعاب، ولا تقوى على مجرد تخيل أن تكون زوجة لصياح وكنة لعائلته، فواست نفسها بإن هذا لن يحدث، وبالتإكيد سالم لن يسمح بذلك أن يحدث، ستلجأ إليه كالعادة ولن يخذلها. 

تبسمت فور أن تذكرت سالم وشعرت بأنها في مأمن من كل شيء، لازال هو أمانها من كل شيء وركنها الآمن الذي تلجأ إليه ولا يلفظها، 
فأغمضت فهربت من هذا العالم كله وهي تنتظر الذي لا يخيب فيه أملها ابداً. 

أما أم صياح فوصلت لخيمتها وسمعت من الداخل صياح وإحتفال، دخلت فإذ بهم أولادها وبنتها الوحيدة خوله يقفزون ويغنون، فهدرت بهم:
- ايش فيكم يالمخابيل، ليش مسويين حفل بالخيمة؟ 
 إقتربت منها خوله واحتضنتها وهي ترد عليها:
- يمه فرحانين وااااجد، فرحانين لصياح خونا اللي رهن بت الشيخ وبيتزوجها، انتي ماتعرفي هاد ايش معناه يعني؟ 
هاد معناه اني غدوه اروح للشيخ اقوله زوجني، وهو راح يؤمر زينة شباب القبيلة إنه يرهني، اي ماأنا اخت زوج بته ولزوم عليه يلبي طلباتي.. ولا اقول، انا بنفسي بنقعد انوازي بين شباب القبيلة واختار منهم شب واشاورله عليه وهو يأمره يتزوجني...
 بس انا عرفت من بطلبو من الشيخ قصير، راح نطلب عقاب. 
انهت كلماتها المتلاحقة فدفعتها أمها بعيداً عنها وهي تقول:
- عقاب؟
لا يازينة الصبايا، انا نقول عقاب قليل اعليكي، شوفيلك شيخ قبيلة ولا ولد شيخ وشاوري عليه والشيخ قصير يجيبه لك راكع ومذلول. 

وهنا رد عليها صياح الذي دلف للخيمة بعد امه:
- بالله انتِ ماعمرك نظرتي بمرايه ياخوله؟ يعني مابيوم سألتي حالك ليش ماحدا جايك يطلبك للزواج وحطيتي اللوم علي شكلك؟ 

- لا نظرت واعرف قدر نفسي زين، أنا ست صبايا القبيلة كلهم وأجملهم.. بس المشكله ماعندي حظ متلهم، ربنا عطاني كل شي إلا الحظ. 

وهنا ضحك جميع أشقائها، فهي دوماً تتحدث بجدية حول جمالها، 
ومقتنعة تماماً انها مميزة وفريدة من نوعها، وجميلة ولكن حظها هو مايعيق زواجها.. فهدرت بهم:
-ليش تضحكون ياصخول البوادي، ماتعرفون قيمة اختكم انتوا، انا ماعارفه كيف انتوا اخواتي ومن ام واب واحد، لو ماأعرف امي كنت قولت خطفتني من بيت ملك وانا صغيره وجابتني ربتني وسطكم لنها ماتجيب بنات. 
رحال:
- يمه ابوس يدج اذا جد خطفتيها رجعيها للملك ابوها، كافي علينا هالقدر وخلي هو يتحمل الباقي، ارجوك التاج والمملكه والامير بإنتظارها وديها وديها. 

صياح
- صكروا خشمكم واسكتوا شوي راسي يوجعني.. حوله سويلي قهوة. 
-قولت حوله ماني مسويه شي. 

- روحي ياخوله سوي لي ولاخوكي قهوة، وخدي هادول الصخول معك، ولا تعاودون للخيمة الحين، اريد ارتاح. 

خوله:
- انا بسوي القهوة واروح يم رجوه شوي اقعد معاها واشوف ايش عندها بخيمتها ينوكل او ينلبس، الحين صارت مرت خوي واللي بخيمتها حقي. 

صياح:
- اقعدي راحه، لو رحتي يم رجوه الحين بتاكلك عظم ولحم ومانلاقوا فيكي شي. 
- ليش انكلبت؟ 
الام
-والله يمه انكلبت وصارت مسعوره تاكل ناس. 
صياح
- لا وانتوا الصادقات، مو انكلبت، انغصبت. 

نظرت الأم لخوله بعد أن غادر اشقائها الخيمة وقالت لها:
- يلا ياخوله روحي عالقهوة سويها. 

- اعرف تريدون تطلعوني لتحكون اسرار، بس انحب انقولكم اني ادري كل شي والكل يدري، رجوه تحب عقاب، حالها حال كل بنيات القبيلة، وسالم يحبها والكل يدري، 
ولما سالم فك النهوة وعقاب خوه مارضي بيها.. ابوها عطاها لك لجل مابقت تسوا بين بنيات القبايل شي، متعافه ومرفوضه، وانت اذا بيك خير ماكنت رضيت تاخدها، بس اعرفك واخدها لجل س... 

وقبل ان تكمل الكلمة، قفز صياح ووضع يده علي فمها يمنعها من المواصلة، وقام بدفعها للخارج وهو يقول لها :
- صكري خشمك واغربي ولا عاد تحكي هالحكي قدام اي حد من الحين، ولا حتي مع حالك فهمتي. 

اومات له برأسها فأطلق سراحها وغادرت على الفور، وعاد هو لأمه وجلس بجوارها فقالت له:
- ياصياح، والله بت مكاسب شديده وماراح تقدر تحكمها، اذا ابوها ماقدر ولا حتي الشيخ منصور الله يرد غيبته وقت كان موجود، ولا الشيخة عوالي، وربيت بين الوديان على ظهور الخيل ووسط الشباب، كيف فيك تحكمها انت؟ 
- تجي بس على خيمتي وانا انوريك كيف الرجال تحكم، المهم الحين اتركينا من رجوه امرها سهل وهين، بس انا الحين انريدك تتجنبيها وتنبهى على خوله تتجنبها، مااريد تاخد علينا حجه، اريدكم تحايلونها، واريد منك تهاديها دوم حتى تحس انها ماجايه لخيمة جياع، واذا عالقروش خدي من قروشي اللي عندك، أصرفي ولا تهمتمي والعوض جاي. 

تنهدت أمه وصمتت، فسألها:
- إيش فيك ياأم صياح، ليش التناهيد، اللي يشوفك يقول ماتعرفي البذره ومن زرعها وما مفهمك شي؟! 

- تريد الحق.. أخشي عليك منها ياولدي وأخشى على روحي بعد، إنت ماشفتها قبل شوي وشفت كيف كانت مكلوبه. 
- لا ماتخشي علي ولا على روحك، بعد الزواج إذا فتحت فمها بسففها رمل الصحرا كلو، بس خلي كل شي بأوانه. 

صمت الإثنان وهم يسمعون صوت خوله من الخارج:
- انتي وياها ليش مارات بجوار خيمتنا؟ 
مافي طريق تاني ، يعني انا انروح انمر من أمام خيامكم واتسمع على اللي ينقال فيها؟ 
- ياخوله وين اتسمعنا، نحن فايتات نعاود المعيز الشاردات؟

- والله مافي معيز شاردات غيركن، تدرون اذا شفت وحده قريبه من الخيمة لأكسر رجولها وسنونها.. هيا يافانصات اغربن. 

دخلت الخيمة وإذ بأمها تصيح بها:
- الله لا يوفقك صايره متل كلب مسعور قاطع طريق، محرمه اهل القبيلة يقربوا علينا وخليتي الكل كرهنا وحتى بالمجالس الناس تنفر منا. 

-يولون، مانريد حد ولا نريد محبة حد، خذوا القهوة خلي انروح لرجوه حبيبتي. 
صياح:
- خوله وقفي، اقول حبيبتي لا تروحين لرجوه الحين وخليكي بعيده بهالفتره، مانريد البنت تتضايق منا من البداية وتحكي علينا حكي مو زين، 
بس تيجي لخيمتي وتصير مرتي شيلي منها اللي تطيب عليه نفسك، خذي كل ملابسها وزينتها ونعالها بعد، خليها تمشي حافية الاقدام بس مو الحين. 

إستدارت خوله وتحركت نحوا الخارج، فسألها صياح:
- على وين ياخوله؟ 
- رايحه على خيمة رجوه حبيبتي. 

قالتها وغادرت الخيمة ولم ترد على نداءات اخيها المتكررة، ولما تأكد أنها إبتعدت نظر لأمه وقال لها بغضب:
- عاجبك اللي تسويه بتك؟  احكي معاها ماترد علي؟ 
- اختك وتعرفها، عقلها من زماااان ركب ناقه وشرخ ماعاود.. وماتسمع حكي، عوفها هي ورجوه ند  بعضهن، فخار يكسر بعضه، وكمان لجل ياخذون على بعض من الحين والفانص تعتاد المهبوله. 

صمت صياح وحمل كوب شايه وبدأ يرتشف منه وقد تعلقت عيناه على نقطة ثابتة وسرح بخياله وترك أمه تحدثه وهو غائب بعقله عنها وكأنها تتحدث مع نفسها.

- رجوه يابدويه، ارفقي بي يابدويه يالعنوده الغشمريه، يالجميله اليوسفيه، ارفقي بي يابدويه، ارفقي بصياح خوي يابدويه يابدويه. 

كانت هذه خوله أمام خيمة رجوه تصفق وتغني بصوتها العالي قبل أن تدخل الخيمة دون إستئذان وتقف فوق رأس رجوه وتكمل الاغنية والتصفيق وبدأت في الرقص ايضاً..وهي تقول:
ودي يارجوه جلابيه وودي نعالين وصوفيه.. وكم قنعه وبرقع مشغول بقروش ذهبيه، يابت الشيخ يابدويه، افتحي صندوقك إليا. انا اخت زوجك وكل الحق ليا. 

إعتدلت رجوه وهي تنظر لها بغرابة، وقبل ان تنتهي خوله من وصلتها الغنائية قفزت عليها رجوه ولفت غطاء رأسها حول رقبها وأخذت تخنقها،
 فصرخت خوله مستنجده:
- حييييه عليا انجدووووني رجوه تريد تموتني،، واااااك اعليكي يابت مكاسب وااااااااااااك. 

وعلى صياحها تجمعت النساء ودخلن الخيمة، وبالكاد إستطاعوا تخليص خوله من يدها، واخرجوها من الخيمة، أما رجوه فلم تكف عن السب والصراخ على صياح واخته وعلي كل القبيلة، حتي وصل صياحها لخيمة الشيخة عوالي، فغادرت خيمتها متوجهة لخيمة رجوه، وقبل أن تصل الخيمة وقفت بجانب الموقد، أخذت منه بعض الجمرات في وعاء حديدي، وسكين كانت بجانبه ودستها وسط الجمر وأمرت مايزه أن تحمله وتتبعها. 

دخلت على رجوه الخيمه بعد أن أمرت النساء بالإنصراف وإخلاء الخيمة، واشارت لمايزه بالإقتراب، كل هذا ورجوه لم تصمت، بل اذدادت في الشتائم، فأمسكتها عوالي من ضفيرتها وهمست بجانب أذنها:
- اشوف انك مارح تسكتين إلا بطريقه من اتنين يابت مكاسب، يابقطع لسانك أو بالموت، وانا هي بيدي وهي بيدي وانت تختارين اي طريقه تحبي. 

- اذا راح تحكمون علي اتزوج نباح وترموني رمية الكلاب وتريدون اسكت، اقول تموتيني احسن ياعمه، موتنى لأن اللي تريدونه مارح يجرا إلا على جثتي. 
- وانتِ حكمتى وانا علي التنفيذ.. بس قبل الموت فيه حساب وعقاب  لجل تكوني عبره.. مايزه. 

أشارت لمايزه بعينيها فإقتربت منها بما تحمله، فأخذت عوالي السكين والتي إحمر لونها من شدة السخونة، وقالت لمايزه:
- قيديها معي يامايزه هي الفانص.
فأنزلت مايزه الوعاء وقامت بتقييد رجوه التى اخذت بالصراخ فور أن كشفت عوالي إحدي ساقيها، فصرخت معزوزه:
- لا ياعمتي بربك ماتسويها، رجوه مريضه ماتدري ايش تقول ولا ايش تسوي، ماصاحيه لأفعالها ياعمتي. 

- صكري خشمك يامعزوزه وغادري الخيمة، تعالن يابنات خدوا معزوزه وإذا فلتت منكم ودخلت بكويكم كلكم،. 
فأمسكوها النساء وأخرجوها، وعادت عوالي تنظر لرجوه بشر ، 
وفوراً وضعت السكين على جلدها فصرخت رجوه صرخه رجت القبيلة بأكملها:
- سااااااااالم انجدنيييييي. 

كان قد عاد مع رابح للتو، وبمجرد أن سمع إسمه بهذه الطريقة منها.. نزل من فوق حصانه وجرى بكل سرعته نحو خيمتها، رأي الجميع أمامها، بدأ يفرقهم يريد الدخول، ولكن حين بلغ باب الخيمة وأمسك بطرفه إمتدت يد لتمنعه، فنظر وإذ به صياح يطالعه بندية وقال له:

- وقف ياسالم، من اليوم هي الخيمة بيها شي يخصني، بيها رهينتي ومرتى، وانا ماأرضي حريمي يدخل عليهم أغراب. 

سمعت إسمه فصاحت مرة اخرى:
- سالم تعااال شوف ايش يسوون فيا، تعال ياسالم ليش تاركني. 

ازاح يد صياح ولم يتحمل ان يستمع لصوتها الذي يحمل كل هذا الألم وهي تناجيه ولا يُلبي، 
فمنعه صياح بكامل جسده هذه المرة حيث وقف أمام باب الخيمة وعقد يديه على صدره، ولم يكن هو الوحيد الذي إعترض على دخول سالم للخيمة،
 بل هلال إنضم إليه ووقف بجانبه وقال لسالم:
- سالم روح من هون، ومن الحين رجوه ماعادت تربطك بيها صلة، ومهما نادت إسمك لا ترد، عوفها. 

نظر للجميع حوله وإبتلع غصته، وإستدار كي يغادر، وخاصة أن رابح وصل عنده وأمسك ذراعه وجذبه برفق، 
ولكن صرخة ألم أخرى منها جعلته يفقد صوابه، فهجم عليهم في جزء من الثانية، دفع صياح وضرب هلال ودخل إليها، فوجد السكين على ساقها ودخان الشواء ملئ الخيمة، وعلامتين أخريين غير التي سيتركها السكين، فأمسك السكين من يد عوالي وألقاه بعيداً، وأنزل ملابس رجوه ونظر لعوالي وبغضب قال لها:

-تكوينهاااا بالناار ياعمتييي؟ 
- اي كويتها ياسالم، والحين بأمرهم يحفرولها حفرة وتنوئد مانريدها بينا من هي الساعة،وإنت ولي من هون وماتدخل خيام الحريم بهي الطريقة مره تانيه، تحشم ياسالم ماعدت صغير، انت الحين رجال متزوج وتعرف ايش يعني حرمة خيمة، واذا ما تقبل صياح يدخل علي مرتك خيمتها دون استئذان لا تدخل علي مرته.

كاد سالم ان بتكلم ولكن قاطعه رابح:

-عمتي مو بس سالم اللي مايتحمل برجوه الألم، حتى انا مااتحملك تأذيها، رجوه بعيد عن اي شي اختنا وربيناها بأيدنا وماتهون. 
كل شي بالحِن ياعمتي ومع الوقت يصير اللي تريدونه بس اصبروا عليها.. وانتِ يارجوه من الحين ماتحكين غير نعم وتم وأبشروا،، مافي طولة لسان ولا عناد مفهوم. 

تجاهلته رجوه فقد كانت تنظر لسالم، نظرات لم يفسرها، إحتياج او عتب أم ماذا، وبأي حق تطلب منه حمايتها وهي التي باعت وتخلت.. فخرج مع رابح دون ان يتكلم، غادر الخيمة ولكن قلبه رفض المغادرة وظل معها، إبتعد بخطواته وهو غير راضٍ عن تركه لها وحيدة بين يديهم، 
ولكنه إطمأن قليلاً حين حرر رابح معزوزه من قبضة النساء وهرولت إليها..ازاح يد رابح القابضة علي ذراعه وإبتعد عنه، إبتعد كثيراً وجلس بمفرده فوق حجر بعيد، أغمض عينيه فرأي أمامه أثار السكين على ساق رجوه ولحمها المهترئ وشم رائحته مرة اخرى، ضم قبضة يده وهو يتوعد لكل من آذاها. 

ولكنه تذكر ان يده أصبحت مغلولة من ناحيتها، ولم يعد له سلطة من اي نوع يحميها بها، وهي من وضعت الاغلال بيديه، وبكامل إرادتها، وسجنته خلف أسوار العادات، بعد ان  كسر لأجلها كل العادات. 

أما آدم، فكان يجلس بعيداً، عند البئر، يراقب ولم يقترب، يعرف أنها زوبعة ولكن ليست بفنجان، إنها زوبعة فى قلب رفيقة ولن تنتهى بسهولة. 
بل إنها زوبعة فى القبيلة بأسرها، وتلك الملعونة مدللة سالم هي من إفتعلتها، 
ولو كان أمرها بيده لقبض عليها وألقاها بعيداً عن القبيلة بأسرها؛ حتي يعود الهدوء والسكينة والإستقرار للجميع. 

مرت ساعتين، هدأ فيهم كل شيء، عاد كُل إلى خيمته، حتي معزوزه ذهبت مع رابح لخيمتها، وبقيت رجوه في خيمتها هي وأخواتها البنات. 

مسك:
- رجوه اريد انقول شي بس وربك ماتضربيني، انا انحبك وانريد مصلحتك ويعز عليا حالك. 
نظرت رجوه لها ولم تنطق، فتابعت مسك وقد إفترضت أن السكوت موافقة:
- انتي خسرتي كثير يارجوه، خسرتي سالم اللي وقت صرختي ماطلع غير إسمه من جوفك، وماحد قدر يخلصك من يد عمتي عوالي غيره، خسرتي السور اللي كان بينك وبين الأذي واصبحتي متل قلعة مكشوفه مايحاوطها سور، ويقدر يرميها أي رامي بسهام الوجع. 
ردي لسالم يارجوه وتزوجيه، هو بس اللي يقدر يرد صياح وابوكي وعمتك وكل القبيلة عنك، رجوه حطي ببالك، ياسالم ياقهر ماينتهي. 

-عقاب... عقاب وماراح اتنازل، وياأنا ياهي القبيلة، واذا يظنون إني راح أرضى باحكامهم واطاطي راسي واتزوج نباح يحلمون. 

- إيش بتعملي يعني يارجوه. 

- اشرد من القبيلة. 
جملتها جعلت شهقة جماعية خرجت من الأفواه، فالأمر يشبه بأنها إستسلمت للموت، وتخطوا نحوه بقدميها. 

إنتصف الليل، بل وإقترب موعد الفجر، سالم في نفس مكانه لم يبارحه، وهناك من تراقبه من بعيد ولا تجروء على الإقتراب، عاهدت نفسها ألا تطلب مرافقته لها او تدعوه لخيمتها ولن تساله قربه، ستتركه حتي يعود من نفسه،حتى وإن طال الإنتظار. 

وبينما تراقب من بعيد، رأت رجوه تخرج من خيمتها، ثم ذهبت نحو شجرة النخيل خاصتها، لم تنتبه لوجود سالم إلا حين وصلتها، فإقتربت منه، كان يراقبها وهي تقترب، 
رآها منذ خروجها من الخيمة.. وقفت أمامه وبعتب قالت:
-عاجبك حالي ياسالم؟ 
- ايش اسويلك يارجوه، ماعاد بيدي شي عليكي. 
- كيف ماعاد بيدك شي علي وانا اللي اعانيه كله الحين انت السبب فيه ياسالم..
 اذا نفذت طلبي ماكان صياح نهى على ولا كان ابوي حكم علي بالموت، بس لأني مارضيت اتزوجك حلفت تندمني وتكسرني، والظاهر نسيت مين رجوه وانها ماتندم على شي ولا تنكسر. 

- رجوه ايش تريدين مني الحين، ردي لخيمتك وقوفك معي يسببلك الأذى، وانتي ماناقصه.. روحي انت تخربطين من المرض. 

- مايهم، تعودت الأذى.. واذا تريدني اعوفك واغرب عن وجهك جاوبني.. ليش ماخليت عقاب ينهي علي وادري انك تقدر. 

- اي اقدر وماقلت، مو أنا اللي اتوسل شخص لجل شي، ومو انا اللي أشحت لحد محبه، روحي انتى اشحتي محبه واقفى علي ابواب القلوب وقولي اريد محبه لله ياولاد الحلال. 

-انت اللي تقول هكي ياسالم وانت اللي طول عمرك واقف على ابواب القلب تطلب محبه؟ 
- ديري بالك لكلامك يارجوه انا ماوقفت اشحت، وقفت أعطى، وقفت أشتري، وقفت اقايض المحبه بكل عمري،
وكنت مفكر بعد كل اللي قدمته اني كسبت القلب وأصبح لي فيه سكن وبيت، 
بس وقت حسيت ان صاحب البيت مايريدني عوفت ومشيت، وماوقفت بالباب استجدي يارجوه، ومو سالم اللي يستجدي. 
- يعني الحين إيش افهم من حكيك ياسالم؟ 
- تفهمي إن سالم ماعاد له علاقة برجوه، ولا رجوه عاد ليها عشم بسالم، 
ومتل ماباب المحبه اتسكر يتسكر باب العشم، وحطي ببالك اني عايفك وانا لي وانتي عليكي، انا داين وانتي مديونه، بس انا مااريد منك شي. 
- تذلني ياسالم؟ 
- اذكرك لجل ماتعيشين دور الضحية المظلومة وانتِ الظلم يمشي على رجول. 
- انا ظالمه ياسالم؟ بيش ظلمتك! يعني لو ماوافقت اتزوجك اكون ظالمه؟ 
- راجعي افعالك وشوفي بيش ظلمتيني، لما تطلبي مني ازوجك لاخوي بيدي وانت تعرفين اني عاشقك ماظلمتي، لما تهديلي كل شي بنيته طول سنين عمري وتريدي تعمري مكان تاني مع غيري ماتكوني ظالمه؟ 
ايش الظلم من وجهة نظرك إذا ماكان اللي سويتيه في ظلم. 

- لا مو ظلم، انت اللي بنيت وحلمت ورسمت من دون ماتسألني، ليش افترضت اني احبك، انا بيوم صرحتلك بمحبتي لك ياسالم؟ من وقت كنت صغيره تكلمت معك بزواج ولا تعمير بيت؟ 
انت ليش ماتعترف انك اناني ياسالم، قدمتلي مساعده وتريد بالمقابل تأسرني وتسجني ومااهتميت بمشاعري ولا سألتني بيوم يارجوه انتي بيش تحسين تجاهي،
 راجع افعالي معك ماراح تلاقيها اكثر من افعال اخت مع اخوها، اخوها اللي دللها وحست انها منه وهو منها، ماتشوف الاخوات كيف قراب من بعضهم ويتمازحون والاخ يجيب لاخته اللي تشتهييه ومايحرمها من شي إذا مقتدر؟ 
يعني اذا الأخ قدم كل هاد لاخته يصير يطلب منها مقابل؟
 لا ياسالم يكون يعمله بالمحبه ومن باب المحبه. 
غلطتك ماعرفتني من البدايه انك تريد مقابل محبتك لي محبه من نوع ثاني، محبه غير محبة الاخت لخوها.. وقتها كنت قولتلك كافي ياسالم مااريد محبه بعد. 

صمتت تلتقط انفاسها وظل يراقبها، دقائق من الصمت ثم تابعت:
-. والحين ياسالم بتصلح اغلاطك معي. 
- اغلااااطي؟ 
- ايييي اغلاطك، غلطتك بانك رهنتني بدون شوري وخليتني متعافه وماحد يقدر يجيني لجل ماتزعل انت.. وغلطتك بأنك عرفت عقاب بانك تحبني وخليته يشيلني من كل حساباته لجل خوتك، وغلطتك بأنك مارديت عني ظلم ابوي وهو يعطيني لصياح، وغلطتك لما خليت عوالي تكويني بالنار وانا كل اللي سويته إني كنت ادافع عن حقي وعمري الجاي. 
كل شي بيصير معي ياسالم أنت سببه وأشوفه غلطك. 

- اي والحين كيف تريديني اصلح اغلاطي ياست رجوه؟ 
- تزوجني عقاب.. يأما بشرد من القبيلة. 
- واللله اذا تفكري تخطي برجلك خارج القبيلة لأذبحك بيدي واخليكي عبره لكل بنات القبايل يارجوه. 
- زين،، خلص راح اموت حالي. 
- موتي حالك ماعدتي تهميني بشي، وفضل مني كمان انا اللي راح ادفنك بيدي. 
- تم ياسالم، راقب موتي بعيونك لانه ماراح يتم بالطريقة السهلة، انت لابد تتعذب بذنبي.. ومن الحين يبدأ عذابك. 

الفصل العاشر10 

عادت رجوه لخيمتها، وجلست تخطط لما ستفعله، وكيف ترد الصاع صاعين لسالم، ولكل القبيلة، تعلم أنها إن ماتت سيتألم هو، وإن تألم لن يترك أحد ممن أذوها دون عقاب..
 تثق به وبمحبته وأخذه لثارها حتى بعد موتها، فقررت أن تريح الجميع منها وتستريح هي أيضاً، فلن تعيش حياة فُرضت عليها ابداً.
نامت وأغمضت عينيها، ونوت أن تبدأ التنفيذ من الغد.

أما سالم فنهض أخيراً وقرر العودة لخيمته، وفور ان رأته مزيونه من بعيد ينهض نهضت هي أيضاً وهرولت تسبقه نحو خيمتها، أبدلت ملابسها سريعاً ورشت عطرها وأشعلت البخور، ثم إستوت على الفراش تمثل النوم.

دلف للخيمة، إقترب منها وجلس بجوارها، فتحت عينيها وكأنها إستيقظت للتو، سألته بهدوء:
- هلا سالم، جوعان انقوم انجيبلك وكل؟
- لا يامزيونه مو جوعان، ردي نامي.
- لا مافي نوم، طار النوم بجيتك، اذا انت رايد تنام نام، وانا بقوم احوص بالخيمة واشوف ايش فيه ومافيه، ولا تخاف ماراح تسمع مني أي صوت يزعجك.

-لا لا أبقي لا تقومين، خليكي معي شوي.. قالها ثم نزع جلبابه ونام بجوارها وإحتضنها بكلتا يديه ووضع رأسه فوق رأسها وأغمض عينيه، يعلم أنها تعرف كل مايحدث، ولكن صبرها وهدوئها لا حدود لهم، وهذا مايعجبه فيها ويشعره بالإرتياح، فلا يصدر منها ماينغص عليه حياته ويزيد من همه، هي وخيمتها أصبحت راحته بالفعل كما طلب منها.

اما مزيونه فدفنت رأسها بصدره وطوقته بذراعيها، تشعر به وبمدى جرحه وتلتمس له الاعذار، فهى إختبرت الحب من طرف واحد وتعرف جيداً كم يؤلم، ولكن عزائها أن الله عوضها به،
 نعم لم تحصل عليه كاملاً، وتعلم أنه معها جسد بلا قلب، ولكنها راضية وحامدة، وستفعل مابإستطاعتها كي تحصل على مكان ولو صغير في قلبه.
اغمضت عينيها وإستسلمت للنوم أخيراً على دفئ انفاسه، فهو بجوارها ولا داعي لمزيد من القلق.
أما هو فعرف من إستسلامها السريع للنوم بأنها لم تكن نائمة كما كانت تدعي، ولم تنم من الاساس، وكانت محاولة منها لجعله يعتقد أنها لا تُبالي بكل مايحدث، وهذه طريقتها لفصله عن العالم الخارجي، وكانت ستنجح ، ولكن في موقف آخر غير هذا، فما حدث اليوم كثير جداً على النسيان أو التخطي.

أما عند آدم، بعد أن صلى الفجر جماعة جلس مع عمه قصير وباقي الرجال المسئولون عن إستلام شحنات السلاح، ومن ضمنهم صياح..
- عقاب اقول لزوم تنتظر لتستلم هي الشحنه بنفسك، سالم مافي عقل ورابح لحاله مايقدر.
قفز صياح أمامه وقال:
- انا نقدر ياعمي، جربني وشوفني واذا ما إستلمت الشحنه لحالي ووزعتها برفة عين ماتحسبني من ضمن الرجال. 
- اجلس ياصياح الشحنه هالمرة كبيره وماينفع فيها لعب، هي فيها كل مالي وحالي. 
- وانا انخاف على مالك وحالك اكثر منك ياعمي، هاد أصبح مال ابو مرتي، بس انت اترك كل شي علي انا وهلال وبتشوف ايش راح نسوي. 

آدم:
- ياصياح القصة مو عافية ولا بالدراع تنحل، السلاح بالذات مافيه لعب. 
- اعرف ياعقاب، واعرف زين أن الممر مالزوم ينفتح غير ساعه وحده وبيوم معين من الشهر وبليله معينه، اعرف كل شي ومو اول مره اسويها انا لي سنين معكم، انت سافر ياخوي اشقى بأشغالك وشركاتك واترك السلاح لينا ونحن سدادين. 

نظر آدم لقصير ولم يرد على صياح، فهو بالفعل يريد السفر؛ فعمله في بدايته وإن غاب عنه سيخسر كثيراً، ففهم قصير بأن آدم واقع في حيرة من إمره، فقال له:
- خلاص يا عقاب روح انت لاشغالك متل ماقال صياح وانا وهو وهلال ورابح بنستلم الشحنة ونوزعها، بس تابع معنا بالنقال وتابع مع الموردين وماتكف إلا والسلاح بالممر داخل علينا. 
- أبشر ياشيخ، انا ماراح اترك الشحنه إلا وهي بين اياديكم،والحين اسمحلي أنا باخد أهلي واسافر غدوة، وبأقرب وقت انرد وانشالله تكون كل أمور القبيلة اتحسنت.. واذا قدرت اجي وقت إستلام الشحنة باجي، وراح اعمل كل جهدي لاكون موجود وربك يسهل الحال. 

تنهد قصير وقد فهم مايرمي إليه آدم ورد عليه :
- بتتحسن لا تحطط ببالك، هاد كلو لعب وليدات صغار وبينتهي.. المهم انت دير بالك على روحك واهلك وشغلك، لا تغفل ولا تتغافل ياعقاب وأوعاك تحط على الأرض، راح تلاقي الذياب بإنتظارك، خليك دوم محلق فووق، ماتطالك يد ولا ناب. 

- الله يسترها ياعمى.. يلا بخاطرك. 

-الله معاك ياوليدي. 

عاد آدم لخيمته يخبر أبوه وأمه بأنهم سيغادرون القبيلة غداً، وإستلقى على الفراش يستريح قليلاً، فسألته أمه:
طمني يابني شفت البنت اللي اسمها رجوه اللي انكوت بالنار ، ياترى عامله ايه دلوقتي؟ 
- مااعرف ولا اريد اعرف، بس هي ماتموت ولا يجرا عليها شي، كام يوم وتقوم تفرفر بالبوادي وتنعق بحسها متل غراب اكحل. 

- يبني حرام عليك دي البنت صعبانه عليا اوي من ساعتها. 
- لا تاخذك بيها شفقة، رجوة فانص والفوانص ماتجوز عليهم الشفقة.. والحين جهزي حالنا ياأمي انريد نتحرك بالصباح الباكر. 
- حاضر ياحبيبي، احنا نعتبر جاهزين مفيش إلا اخرج اسلم على ستات القبيلة وأودعهم. 
- وينو أبي نايم؟ تصدقي من وقت رجله حطت القبيلة ماشفته غير بس مرتين وكانوا عابرين، أشوفه مندمج مع عمي قصير وباقي الرجال كثير. 

- فرحان يبني باللمه والدفا اللي عاش عمره كله محروم منهم، طول عمره لا له حبايب ولا بيأمن لأصحاب، عمك الله يسامحه خلاه فقد ثقته في كل الناس،وماصدق لقى الناس الطيبين اللي هنا. 

تنهد آدم وأردف:
- تعرفي ياأمي، أنا بالبداية كنت وااااجد زعلان وعاتب عليكم لانكم تركتوني وماسألتوا، وااااجد بكيت بالليل وانا أنحس بالوحدة، بس شوفت الأم بالقبيلة شلون تقسى وتتحمل فراق وليدها وإنفصاله عنها، وتشوفه متل الضيف من الحين للحين وهاد لجل مصلحته ولجل يصير قوي قلبي برد شوي.. ومع الأيام،
 ومع معرفتي للسبب اللي بعدتوني لاجله حسيت إنه أصوب قرار اخذتوله بخصوصي.. جبتوني للمكان اللي طلعت منه بكل شي حلو.. والحين اقولك لو رجع بينا الزمن ماتاخدوا غير هذا القرار. 
 تبسمت عايده وهي تقترب منه، وأخذته بين أحضانها، أما هو فدفن رأسه بين ذراعيها واغمض عينيه، وكأنها واحة حنان إرتمى على ارضها بعد عمر من التعب. 

أما عند صياح بالخيمة... 
أخذ يدندن وهو يشعل سيجارته الثالثه على التوالي، فهدرت به خوله:
-كاااافي دخان كااافي. 
- خايفه علي ياخوله؟ 
- لا خايفه ولا شي، بس الخيمة صارت كلها دخان وماعاد نعرف نتنفس، قوم اطلع للخلا واشرب اللي تشربه بس غادر كتمت انفاسنا. 

- لا ماطالع، انا جالس مع أمي اطلعي انت لخيام البنات وعوفي الخيمه. 
- لا والله مااطلع ولا اروح مايبطلون ضحك وغشمره علي ويحكون بالعشق ويتغزلون بشباب القبيلة وانا استحي. 
- اقووول ياخوله، لمن يتغزلون بشباب القبيلة مايجيبون سيرتي؟ مافي بنيه تقول صياح كذا.. مثلاً صياح جميل، صياح حلو، صياح زينة شباب القبيلة. 
ضحكت خوله ولم ترد عليه ففتح عينيه على وسعهما، وخاصة وهي تعود للضحك كلما صمتت قليلاً، فقال لها:
- خلص كافي ضحك عرفنا الجواب. 
- زين عرفت، يلا قوم روح لخيام الشباب ونام حدهم ولا تيجي الخيمة، انا انريد ناخد راحتي بالنوم وانت طابق على انفاسي بقعدتك ودخانك، يلا روح وغدوه تعال لامك، هي موجودة وين بتروح؟ 
تنهد ثم إستسلم لأمره وغادر الخيمة، فخولة لن تسكت حتى يفعل ماتشاء. 

أما خوله فبعد خروجه نظرت لأمها وقالت-
-اقول يمه، اريد اجيب ملابس جديدة تلوق بمقام سلفة بت الشيخ، اريدهم ملونات ويظهرن جمالي، انا من الحين كل العيون بتصير علي
- روحي لابوكي مناحي وجيبي منه قروش، اعطيهم للشيخة عوالي وهي تجيبلك من الحضر اللي تريديه. 
- حييييه عليا، ابوي يعطيني قروش؟ ومرته الخايسه تخليه يعطيني.. هي لو شافته واقف معى تخرب الدنيا، إيش تسوي لو طلبته قروش؟ 
- دزي عليه وخديه بعيد وماتطلبي منه قدامها. 
- اقول يمه، هو ابوي له حق يتزوج عليكي وكل شي، وأنا لو منه بتزوج عليكي ثلاث، بس يعني إنت ليش ماكنتي مره مفتحه وطالبتي بحقك وحقنا وشكتيه للشيخه والشيخ؟ 
وكان جه خيمتنا غصبن عنه وعطانا قروش متل الخلق والناس، وصرف علينا متل مايصرف على خيمته التانيه ومرته وعياله؟!

- لأن ياخايبه لو انا سويت هاد الشي كان بوك رمالي قروش ماتكفيكم ولا تكفيني، لكن لما تركته وأشتكيت بس جوعي وجوعكم للشيخ منصور تكفل بيكم وبوكلكم وشربكم وثيابكم، وعطاني حلال وساعدني اربيكم، وحتي الشيخة عوالي ماقصرت، وابوك ماتعدل حاله غير بس من كم سنه من وقت اللي مات أبو مرته وفاتلها حلال وهوايش وكام راس جمال ومنهم عاشوا. 

- ايييي... طيب اقول يمه انت ماتشتاقي لابوي، يعني مايهفك الشوق يجيك ليلة ويبات بخيمتك؟ 
 تنهدت أمها وقالت:
- ااايييه، كان يهفني الشوق، بس مو كل الشوق مُلبى ياخوله، يلا الحمد لله هي كانت مرحلة ببداية زواجه والحين نسيته ونسيت أيامه ونسيت الشوق. 
- تعرفي ياأم خوله، انا من اللي اشوفه منك ومن ابوي مااريد اتزوج، وارفض كل اللي يجوني. 
- اهوووو.. ليش انت حد جالك وطلب يدك ورفضتي؟ اسكتي ياخوله ونامي وكافي حكي مالو داعي وبطلي احلام. 
- ياااخ اتركيني اتخيل، هو حتي الخيال ممنوع؟ 
- تخيلي بس غدوه، الحين نريد اننام. 
- نامي يمه نامي.. أقول يمه، ايش رأيك اروح لرجوه نقعد معاها شوي واخطف منها ملابس وأجري؟

- حييييه عليكي، والله ماراح تجيبيها لبر إلا ورجوه مخلصه عليكي، يابهيمة ماليكي كام ساعة كنتي بتروحي فطيسة بيدها! 

-بس ماموتت، وماراح احلها واللله. 

تنهدت امها وأستغفرت، فهي تعلم أن إبنتها ستفعل مانوت عليه على أية حال، ورجوه لن تتهاون هذه المرة وستقتلها، ولا دية لها. 

فى الصباح الباكر... 
غادر آدم بعد ان ودع رابح والبقية، وترك سالم ليستريح، ولكنه لحقه عند السيارة وودعه، ووقف يراقبه وهو يغادر القبيلة مع عائلته، 
وتمنى لو يستطيع المغادرة مثله وترك كل شيئ وراءه، فلو كان ذلك متاح لترك كل شيئ وهرب بعيداً. 

عاد لخيمته ووجد مزيونه مستيقظة.. إستقبلته بإبتسامتها المعتادة ونهضت لتلبس ملابسها، فتقدم منها سالم وسألها:
- ليش تلبسين وين رايحه؟ 
- طالعه اجيب الفطور والمي ياسالم. 
- وليش انتي تجيبي، ليش ماتعطي امر لأي حد غيرك يجيب.. انتي عروس ولا نسيتي؟ 
- ضحكت بتهكم لأول مرة وهي ترد عليه:
- عروس؟ لا انا اقول كافي معرسه واطلع التهي بالشغل واضيع الوقت الطويل. 
صمت وهو ينظر إليها فإدركت خطأها وقالت له:
- اعتذر منك يابن عمي، مو بقصدي انا أقصد وقت تطلع لشغل أنا اضل لحالي وو.... 
- ششش، لا تبررين، حقك يامزيونه، والله حقك.. تعي يامزيونه واقعدي انا مااريد وكل مو وقته. 
- ليش مو وقته ياسالم، انت من الليله الماضيه مادوقت شي. 
- قبل الوكل يامزيونه انت لك حق علي وانا احب ارد الحقوق لاصحابها.. تعي يامليحه واقربي علي. 
ضحكت وهي تراه يطوقها بيديه واردفت ممازحة:
-. هااا تضحك علي وتقول مااريد وكل وانت تريد تفطور لصيمه؟ 
 ضحك هو الآخر وضمها عليه وبدأ يعتذر لها بطريقته الخاصة عن كل الالم الذي سببه لها بالأمس، وهى تقبلت كامل إعتذاره وغفرت وهذا كان جلياً على وجهها وإبتسامتها التي لم تفارق شفتيها. 

أما في خيمة رجوه... 
- يلا يارجوه قومي افطوري معنا.. 
-. مااريد اتركوني بحالي. 
- كيف ماتريدي يعني، انت مريضة والوكل اللي راح يخليكي تشدي حيلك. 
- مسك اشقي بروحك وحلي عني، وكلمة زايدة بتركلكم الخيمة واروح اقعد براها.. او اقوم ادقك. 

- لا لا وعلى ايش، هاك صكرت فمي وانت حره تاكلين ماتاكلين مايهمني. 
- شاطره. 

بعد دقائق دلفت معزوزه من باب الخيمة وهي تقول:
-. هااا نهاركم باااهي ياصبايا قصير يازينة صبايا البوادي، انشالله اموركم مليحه.. إيش اخبارك يارجوه اليوم؟ 

- اخبار الهم والغم، ايش اخباري يعني، شو اللي تغير بالساعات اللي تركتيني فيهم؟ 
إقتربت منها وجلست بجانبها وقالت لها وهي تمسد علي شعرها:
- ياحبيبة قلبي، ياروح الروح انت، هوني على نفسك وكل الأمور بتنحل.

- مافي شي بينحل يامعزوزه، الأمور كل يوم تتعقد اكثر، حياتي ماعاد لها لزوم ولا أنا المحبوبه، مافي حد حبني بكل القبيلة غير سالم، بس خسارة حبني بطريقة ماكنت اريدها. 

- وليش ماتريدينها، انا سمعت مسك وهي تنصحك وانا اريد اعطيك نفس النصيحة، الفرصة مازالت امامك لا تضيعيها، سالم يحبك وإذا شاورتي بروحه يلبي، قوليله انك وافقتي تتزوجيه وهو الوحيد اللي راح يخلصك من كل اللي تعانيه. 

-ياناااس افهموني، انا مااحب سالم هاداك الحب، مااقدر اتخيله زوجي ومعي بخيمة وحده ونفعل متل المزوجين، سالم عندي متل هلال.. تخيلي روحك مع هلال تجمعكم خيمة وحده وراح تعرفي شعوري. 

- شعور كذاب وعقلك مارد براسك وقلبك ماأدرك بيش ضحى.. سالم مو متل هلال وانتي تحبي سالم، ومع الايام يارجوه بتشوفي. 

- معزوزه قومي اغربي عن وجهي، ردي لخيمتك وماتجيني، انا لا اريدك لا انت ولا سالم ولا اريد أشوف اي بشر. 
- تم يارجوه، انا الحين بمشي بس شوي واعاود ولنا كلام كثيير، والكلام ماخلص.. وتذكري إن الفرصة ماراح تطول، سالم أمامك وصياح خلفك. 
- وانا ماراح اكون لهاد ولا هاداك يامعزوزه. 

غادرت معزوزه وهي تشعر بالشفقة علي اختها وتسخط عليها أيضاً، فهذه العنيدة سوف تتعذب بعنادها ولن تستطيع النجاة إلا بسالم.. ولكنها لا تريد الإعتراف أو الإستسلام. 

مر اليوم ولم تتذوق رجوه طعم الزاد.. أضربت عن الطعام وكانت هذه خطتها البطيئة للضغط على سالم. 

أما سالم فكان يسأل عنها من بعيد، علم بأمر رفضها للطعام وفطن لخطتها، ولكنه قال لنفسه بانها لن تستطيع الصمود، ستضعف وتأكل إما اليوم أو الغد.

أما في القاهرة... 
وصل آدم اخيراً وذهب لشركته فور وصوله، بعد إن أوصل ابويه للقصر.. ووجد مدحت بإنتظاره فى مقر الشركة، راجع كل شيء فوجد مدحت فعل كل ماأوصاه به واتم العمل على اكمل وجه.. فرح آدم كثيراً وتأكد ان مدحت شخص يُعتمد عليه وبدايته موفقة. 
جلسوا حتي وقت متأخر من الليل في الشركة هم الاتنين يتباحثان فى أمور العمل، وبينما هم كذلك سمعوا دقات علي باب المكتب، فأذن آدم لمن بالباب بالدخول، وفوجئ آدم بحارس القصر والمسئول عن الحديقة هو الطارق. 
فدعاه آدم للدخول.. 
وهم أن يسأله عن سبب مجيئه وماهذا الصندوق الذي يحمله، ولكن قاطعه رنين هاتفه، وكانت أمه المتصلة فأجابها على الفور:
- ايه ياحبيبي معقول كل ده في الشركة.. بالراحة على نفسك ياآدم وقسم الشغل عالايام يانور عيني مفيش حاجه بتخلص مره وحده. 

- والله ياأمي ماانتبهت للوقت، آسف، الحين بنهي كل شي وارد للقصر. 
- طيب انا عملتلك لقمه وبعتهالك مع البواب، تسيب كل اللي فأيدك وتاكل ياآدم وتبقى بعد ماتخلص ترجع للشغل مفهوم. 
- ابشري.. والله الوكل جه بوقته، قلبك حس بوليدك وبجوعه ياأم آدم.
- وانا قلبي له غيرك يحس بيه يانبض قلبي إنت. 
سمع آدم ابوه يتنحنح بجوار أمه، ففهم ان كلامها أثار غيرته، فضحك وانهى المكالمة، وإستدار ينظر لحارس القصر فلم يجده.. ووجد مدحت قد فتح الصندوق وأخرج الطعام وبدأ في تناوله.. متى حدث كل هذا لا يعلم، فقال له:
- انت لزوم تعمل تحديات وكل متل اللي يعملوها الصينيين وراح تكون اشطر وأفجع واحد بينهم كلهم. 

- اقعد اقعد الأكل جميل أوي وانا كان واحشني اكل مرات عمي. 
- ع اساس ماكنت تاكل كل يوم من المجمده؟ 
- والله الاكل خلص من امبارح واضطريت آكل من اكل فريال مرات عمك، ودا مش أكل دا تكفير ذنوب. 

ضحك آدم وجلس يشارك مدحت في تناول الطعام، أو يخطف من أمامه بعض الطعام قبل ان ينهى مدحت عليه كله. 

في شقة يحيي الجديده.. 
-يايحي انا حاسه اني بتخنق في القمقم ده، انا اخدت علي القصر والعيشه فيه ومش قادره اتكيف مع الشقه دي شوفلك حل بقى. 
-. وانا اعمل ايه يعني يافريال، انتي شايفه كل حاجه بعينك، ابن محمود خلانا عالحديده، والقصر اخده ومبقاش باليد حيلة. 
- بص بقى يايحيي انا مش هستنى ياسين لما يخطط وينفذ والخطه تفشل وكل اللخبطه اللي بيعملها دي، انا هتصرف وهخلص الموضوع بمعرفتي.
- هتخلصي ازاي وهتعملي ايه؟ 
- ملكش فيه، انت ليك النتيجه وملكش دعوه بالتدبير. 
-اعملي اللي تشوفيه يافريال، ولو عرفتي تخلصي من الكل اخلصي  
- اعتبره تم.. 

عاد آدم للقصر في نهاية الليل، وعاد مدحت لشقتهم الجديدة، ولولا غارات أمه المتكررة لبات في القصر مع آدم، ولكنه لا يحب الصدام معها. 

كانت فريال في إنتظاره، وبمجرد دخوله أضاءت الضوء وسألته بغضب:
-. كنت فين للساعادي يامدحت افندي؟ 
- مساء الخير ياماما كنت في الشركة مع إبن عمي بنخلص شغل. 
- خلي بالك انا سايباك بس عشان تعرف الشغل في الشركة ماشي إزاي، لأنها قريب اوي هتكون شركتك وإنت اللي هتديرها. 
- شركتي ازاي يعني مش فاهم؟ 
- مش مهم تفهم.. المهم دلوقتي اتعشيت ولا احضرلك العشا؟ 
- سيبك من العشا وردي عليا، هتبقى شركتي إزاي؟ أقسم بالله ياأمي لو آدم إبن عمي جرتله حاجه بسببكم انا ماهسكت ولا هسامحكم، سيبوه في حاله بقا هو وعمي ومرات عمي كفايه عليهم كده انتوا إيه؟ 
- إنت تخرس خالص وصوتك مسمعهوش.. إتفضل على اوضتك. 
تحرك مدحت مبتعداً من أمامها فسالته مجدداً:
- مردتش عليا اتعشيت ولا اجيبلك تطفح؟ 
- طفحت مع آدم في الشركة .
- جيبتوا اكل دليفري من بره يعني؟ 
- لا مرات عمي بعتتلنا اكل بيتي. 

صمتت فريال وأخذت تفكر بعمق، ثم تبسمت وكانها وجدت الحل. 

مرت الليلة على الجميع، وفى الصباح إستيقظ سالم وغادر خيمته بعد أن شعر بوخذات في قلبه، وذلك بعد أن رأها في منامه، كانت متعبة وتئن من الحروق وتطلب مساعدته، تنادى بإسمه فهب من نومه وأخذ يتلفت عليها حوله، ثم إرتدى ملابسه وخرج سريعاً غير آبه لأسئلة مزيونه حول ماحدث له وأين ذاهب. 

وصل خيمتها وبالفعل سمع صوت أنين مكتوم، دار حول الخيمة حتى أصبح عندها تماماً وصوت أناتها أصبحت أعلى، تحدث من خلف قماش الخيمة بصوت منخفض ولكنه متأكد من أنها ستسمعه:
- رجوه إيش فيك، يارجوه ليش تئني جاوبيني، بشو حاسه يانبض هالقلب. 

- إبتعد ياسالم، مالك علاقه بي ولا تسأل عن أوجاعي، متلك متل اللي ذبح شخص وجاي يمشي بجنازته، عوفني ياسالم ولا تشغل بالك بي وأشقى بروحك ومرتك. 
- مااقدر اعوفك وانت تعرفين.. والحين أنا مااقدر ادخل عليكي الخيمة وحدا يشوفني طالع منها ويحكي كلمه عاطله، بس اريد اطمن عليكي ولزوم اشوفك بعيني،، اطاعي يارجوه من الخيمه بالله عليكي. 
- لا.. ماني طالعه ولا راده وحل عني.. حل عنييييي انا اكرهك اكرهك يااكتر حد اناني بالدنيا كلها، يالمتحب إلا روحك. 

-أنا يارجوه؟ 
- اي أنت ياسالم.. والحين اغروب مااريد اسمع صوتك. 

صمتت وصمت هو، لا يعلم ماذا يفعل، لا يستطيع المغادرة دون الإطمئنان عليها، ولا يستطيع المكوث بجوار خيمتها أكثر، فهذا سيجلب له المتاعب،، فذهب لخيمة رابح، أيقظه وطلب منه ان يرسل معزوزه لرجوه، فذهبت معزوزه علي الفور بعد ان عرفت من سالم ان رجوه تتألم.. 

دلفت للخيمة وصاحت بها بغضب:
- قولتلك اللي تسوينه ماراح يجيب نتيجه ولا راح تجني منه غير الوجع والألم. 
- ماحد له علاقه بي، كل واحد يشقى بروحه.. عوفوني انا مابيا حيل اجادل ولا اريد اشوف حد. 
- زين، قومي كلي لقمة وبعدها ماحد راح يقرب عليكي لا يجادل ولا يحكي شي. 
- لا والله ماآكل ولا احط الزاد بخشمي. 
- لمتى يارجوه؟ 
- لحين الله ياخد أمانته يامعزوزه، انا خلص مابدي هي الحياة كلها،مااريدها.
- يارجوه هاد إسمه كفر وقلة دين وقلة عقل بعد. 
-سميها كيف ماتريدي، بس عوفيني الله يخليك. 
غادرت معزوزه الخيمة وهي غاضبة، فهي تعلم أن تلك العنيدة لن يثنيها عن قرارها أي شيء، إلا رحمة من عند الله بها. 
أخبرت سالم بأنها مضربة عن الطعام منذ الامس فجن جنونه، أمر معزوزه بتجهيز الطعام وفور أن فعلت أخذه وذهب به لخيمتها وقد ضرب كل بكل شيء عرض الحائط.. 
تنحنح ودخل بعد أن رأيدأخواتها كلهن بالخارج، وبمجرد دخوله أدارت وجهها بعيداً، إقترب منها ووضع الطعام بجوارها وجلس هو أيضاً، همس لها بحنو بالغ:
- ليش تسوين بروحك هيك يارجوه.. يعني حياتك رخيصة عندك لهادرجه يعني؟ 
- وايش تسوى الحياة والعمر واحنا مانطول اللي نتمناه ياسالم، إيش اسوي فيها الدنيا وانا انرهنت لنباح وأمامك وانت ماتكلمت ولا منعت وتعرفني أموت ولا يجرا هالشي، معناها أنت تعرف إني هيك أو هيك بموت، بيش تفرق الطريقة والتوقيت؟ 
- انا ماطلع بيدي أرفض أو اعترض يارجوه، على أي أساس أعترض زواجك ها، بس قوليلي بربك على اي أساس؟ 
- على أساس اني بت عمك، رباية يدك وانت بمقام خوي. 
أغمض عينيه وسحب نفساً عميقاً وإستغفر بداخله قبل أن يرد عليها:
- هاد عندك انت، أما بين أهل القبيلة انا كنت راهنك، وأي تصرف راح يتفسر أنه تحت بند الغيرة والحقد، وتعرفين زين أنا آخر واحد يحقلي اتكلم بأمر زواجك. 
- إنت ماتقدر بس عقاب كان يقدر، ليش ماخليته يتكلم ويمنع عني حكم الموت ليش؟ اقولك ليش، لأنك واحد  أناني
- كافي ظلم يا رجوه واسمعيني زين، أنا ماكنت رايد أجرحك، بس انا فاتحت عقاب وقولتله، عرضت محبتك عليه وهو رفضها، ترجيته لأجلك وهو قال على موته ولو انت آخر بنت بالكون مايتزوجك. 
-كذاب ياسالم. 
- وغلا رجوه عندي ماكذبت بحرف، هاد اللي تم واللي صار،ولو ماتصدقيني إسألي رابح هو يعرف كل شي صار. 
-رفضني.. طيب ليش رفضني؟ 
- يحب غيرك يارجوه، متل ماأنت تحبين غيري ورفضتيني، حجتك إن هاد حقك، طيب ليش ماتشوفي إنه حقه هو كمان، مو كل واحد حقه يقبل محبة الشخص اللي يحبه أو يرفضها، ولا تحللين لروحك وتحرمي على غيرك وتكيلي بمكيالين؟ 
- لا ياسالم مااكيل بمكيالين، بس البنت غير الولد، البنت واحد بس اللي يملكها ومايحقلها غيره، ولهيك لزوم ماتاخد إلا شويقها، اما الولد يحقله يتزوج ٤، منهم شويقه ومنهم اللي تعجبه ومنهم اللي يتزوجها مصلحه بدون سبب..وانا مستعده اتزوجه ويتزوج بعدي، او قبلي ماتفرق. 
سمع كلماتها وهدر بها قهراً:
- كافي يارجوه كافي، كافي لا تذلين نفسج وقلبك وتنزلين من روحك، الحب مايذل لهالدرجه يعني، إي يعذب ويوجع بس مايذل، محبتك لعقاب ماتوازي نص محبتي لك، ووقت حكيتي مااريدك وقلبي تعلق بغيرك بعدت، ماتوسلت ولا ترجيت ولا حطيت حلول تحط من قدري وكرامتي ولا قبلت على نفسي. 

- اي ماهاد اللي توا نحكي فيه، إنت رجل والرجال غيير. 
- العشق مافيه رجال وبنيه، العشق واحد ومتل ماينزل قلب النساء ينزل قلب الرجال، بس الفرق ان الرجال لزوم يتحملون، يتحملون برغم الوجع اللي مابينحمل، يتحملون وإلا يركبهم العار ويصيروا بين الناس ضعاف وحفنة مشاعر بعثرتهم وهزت ثباتهم.. يعني فوق ضيم القلب ضيم الخوف من وصمة الضعف. 

-صمتت واغمضت عينيها، فهو لم يخطئ بشيء ونعم هذه هي الحقيقة، ولكنها الآن لن تتعامل بالمنطق أو تقتنع. هي ترغب بشيئ وتريد أن تقول له كن فيكون. 
ساد الصمت قليلاً، وظن سالم بأنها إقتنعت بكلامه، فقرب منها الطعام واخذ منه القليل ومده لها وهو يهمس:
- يلا افتحي خشم السحليه وكلي كافي عناد.. يلا وانا باكل معك، إشتقت لما كنا ناكلوا سوا وتخطفي من يدي الوكل وماتهنيني بلقمة. 

اغمضت رجوه عينيها وادارت وجهها عنه، حاول معها مرة تلو مرة ولكن بلا جدوى، فإستشاط غضباً وغادر الخيمة وأخذ حصانه وأنطلق به في الصحراء لعله يهدأ. 

أما فى القاهرة.. 
- آدم إستنى باباك هيصلى الضحى ويروح معاك الشركة هو قالي خلى آدم يستناني. 
- تم ياأمي، انا فايت عالمكتب اشوف شي عاللابتوب لحين ينهي صلاته. 
-. دلف داخل المكتب وبدأ في مراسلة بعض الشركات ومتابعة التطورات، وفي هذه الأثناء سمع صوت يحيي يصيح في الخارج:
- مرات عمي انا جعااان وعايز من إيدك العجه اللي بعشقها ومعاها المخلل بتاعك وياسلام على كباية شاي مظبوطه جنبهم. 
- من عنيا ياحبيبي. 
- تسلم عيونك ياأحن وأطيب ست في الدنيا.. قالها وإقترب منها يقبل جبينها، وهمس لها ممازحاً:
- انا مش عارف ليه مجبتيش بنت شبهك كده كنت اتجوزتها وبقت نصيبي الحلو من الدنيا! 
- هههه معلش بقا نصيب وربنا مأرادليش يكونلي بنت مع أني كنت اتمنى. 
- وانا كمان والله كنت اتمنى. 
قاطعهم آدم وهو يقول بصوت عالى:
- أشوف وصلة الغزل طولت، بس أبوي يتشطر علي وقت تحكيلي كلمة حلوة! 
وهنا رد عليه ابيه الذي خرج من الغرفة بعد ان انهى صلاته:
- لا بقولك ايه ياحبيبي إنت وهو، إلا مراتي اديني بقولكم اهو، إتجوزو وكل واحد فيكم يجبله وحده يغازلها طالما بتحبوا الغزل، إنما مراتي ليا انا وبس. 
قالها وإقترب منها يقبل جبينها ويدها، فتبسمت عايده وهي تشعر بانها أميرة وسط ثلاث ملوك ويتقاتلون على محبتها، وغادرت على الفور تعد طعام الإفطار لمدحت الذى تزداد محبته في قلبها يوماً عن يوم دوناً عن عائلته، وخاصة منذ أن عاد آدم وأصبح الاثنان مثل الإخوة. 

تناول مدحت الإفطار، وهموا جميعاً بالمغادرة، ولم تنسى عايده ان ترسل معهم صندوق الطعام البلاستيكي المليء بكل ماهو شهي ولذيذ من صنع يدها، والذي تمضي اغلب الليل تعده بمحبة ونفس راضية لأحبتها، فأحتضنه مدحت وتولى هو مهمة حمله ورعايته حتى مقر الشركة، وهناك سيكون تحت ناظريه حتى يحين موعد الغداء. 

مر يومان... 
ساءت فيهم حالة رجوه كثيراً، بلا طعام أو شراب، وأصبحت على حافة الموت.. أما سالم فإمتنع مثلها عن تناول الطعام، وأقسم ألا ينزل جوفه الزاد قبل ان ينزل جوفها، وإن كان الموت هو قرارها، فليذهب معها أينما قررت الذهاب، فلا حياة بعدها تطيب ولا للعمر قيمة. 

وصل الخبر بالتاكيد للشيخه عوالي، حاولت مع رجوه مره باللين ومرات بالشدة ولم تجد أية نتيجة لا لهذا ولا لذاك، فكانت تطلب من مايزه أن تنقط لها بضع قطرات من الزيت في فمها من حين لآخر، حتى لا يجف حلقها ويتشقق. 

اما صياح وعائلته فكانوا أشد الناس حزناً على رجوه وحالها، ليس حباً فيها وإنما حرصاً على أحلامهم التي بنوها على هذه الزواجة ويبدوا انها لن تتحقق. 
اما مكاسب فلأول مرة يرق قلبها على إبنتها وهي تراها تموت امامها، دخلت عليها الخيمة وإقتربت منها وجلست بجوارها، وهمست لها وهي تمسد على شعرها:
- طول عمري يارجوه اسب فيك وماراضيه عن افعالك، بس للحق كنت من جواتي اغير منك وفرحانه بيك.. اغير لانك اخذتي حرية ماطولت انا ربعها، وعشق سالم لك العشق اللي يخلي اي وحده من نساء القبيلة واي قبيلة تحسدك عليه، حتى أمك.. أمك اللي مضت طول عمرها تجري ورا ابوك وتحاول بكل حيلها وقوتها تخليه بخيمتها وتضل حلوه بعيونه وما يعوفها متل الخيمة المهجوره بس تلفها الرياح. 
سالم كان بيتوجك ملكة على كل نساء القبيلة بمحبته، وماكنتي مضطره تقيدي اصابيعك شموع ليرضى عنك، كان القليل منك راح يخليه ممنون. 
بس لانك غبية ضيعتي كل المحبة ورمحتي ورا السراب، السراب اللي حطك على طريق الموت يارجوه. ياخساره وألف خسارة، كنت اشوفك بالجايات فوق جريد النخل عالية، بس انت اخترتي تكوني تحت الرمال مدفونه ومنسيه.
نظرت رجوه لها بضعف، فليس هذا ماتوقعته منها، وكالعادة خلفت توقعها، كانت تمني نفسها بضمة منها وأستعدت لها بكل جوارحها حين جلست بجوارها، ولكن قسوتها غلبت امومتها مجدداً. 
وغادرت مكاسب خيمة رجوه بعد ان أتت تخبرها بانها غبية وضيعت نفسها، فاغمضت رجوه عينيها ورغبتها في مفارقة الحياة صارت اقوى من بعد لقاء أمها، وحتى ابيها الذي لم ياتي لرؤيتها ولو لمرة واحدة وهو يعلم حاله حال الجميع بانها تحتضر.. وحتى هلال يسأل عنها من بعيد ولم يقترب. 

اما معزوزه فكانت تتعذب ولا تملك عليها حيلة، حالها حال سالم، ولكن الفرق ان معزوزه يرغمها رابح على تناول الطعام بالقوة من أجل الطفل الذي داخلها، ومن أجلها هي أيضاً، اما سالم فأنتهت معه كل حلول الارض على يد مزيونه، واستسلمت تنتظر حلول السماء تنتشله مما هو فيه، لدرجة انها ذهبت لرجوه بنفسها داخل خيمتها وحاولت معها أن تأكل، فقط لأجله.

في القاهره... 
إستيقظ مدحت علي هزات من يد أحدهم، وكانت أمه تقف فوق رأسه، إعتدل وسألها وهو يفرك وجهه:
- صباح الخير ياأمي، خير فيه حاجه ولا ايه، حضرتك مصحياني بدري عن ميعادي بساعه ليه؟ 
- مصحياك عشان اقولك متروحش الشركة عند عمك وابنه النهارده انا عايزاك توصلني البلد، خالك تعبان وعايزه اروح ازوره. 
- هو خالي ده مش من فتره قالوا إنه مات باين ورحتي البلد تعزي فيه؟ 
- لا كان تعبان تعب جامد مماتش.. المهم متخرجش من البيت النهارده ولا تروح الشركة. 

غادرت الغرفة وظل هو يراقبها بعينيه وقد تولد في قلبه تيار من الخوف، شعر بأن أمه تدبر لشيئ واليوم ستنفذ، وهو لن يسمح لها بذلك أبداً. 
نهض وتحمم وإرتدي ملابسه وخرج عليها، فهبت صارخه حين رأته:
- انا قولت إيه ولا كلامي مبيتسمعش؟ 
 فرد عليها وهو يجلس على طاولة الطعام:
- مش رايح الشركة بس ورايا مشوار مهم هروح لواحد صاحبي في محافظه تانيه، فرحه النهارده وكان داعيني وناسي، هرجع على بالليل خلي  ياسين يوصلك أو بابا. 
- صمتت قليلاً وهي تراقبه يتناول طعامه وقد تأكدت بذلك أنه لن يذهب بالفعل، فهو كف عن تناول الطعام في المنزل نهائياً منذ عمله في شركة عمه.. وقالت له بنبرة يغلفها الهدوء:
- ماشي بس خلي بالك من نفسك، هاخد ابوك معايا ياسين مش فاضي. 

تلفت مدحت حوله وأردف:
- هي كارمن فين؟ 
-بايته عند صحبتها ساره من إمبارح. 
تغيرت ملامح مدحت وترك الطعام من يده ونظر لها وتحدث بغضب:
- انا مش سبق ونبهت عليها قدامكم متباتش مع البنت دي ولا حتى تصاحبها واني مرتحتلهاش من ساعة ماشفتها؟ 
- البنت كويسه بطل إوهام، انت بس اللي بتفكر بعقلية رجعيه متخلفه. 

خرج يحيي من غرفته علي اصواتهم وقد سمع كل ما قيل، فنظر لمدحت وقال له محاولاً إنهاء هذا الجدال الصباحي:
- ملكش دعوه باختك يامدحت، وطول ماانا عايش محدش يقولها تروح فين ومتروحش فين غيري. 

- ماشي بس كمان وقت ماتحصل حاجه محدش هيكون عليه لوم غيرك يابابا.. بعد اذنكم انا ماشي يادوب الحق اشوفلي مواصله. 

خرج ونظرت عايده ليحيي وأردفت:
- النهارده هنخلص من آدم وهندق اول مسمار في نعش عيلة اخوك كلها يايحيي، إستعد 
- مستعد وجاهز لكل حاجه. 

غادر مدحت المنزل وتوجه للشركة مباشرة، فقد قرر أن يؤمنها جيداً، وأعطى خبراً لرجال الأمن أن ينتبهوا جيداً اليوم، وهاتف آدم واخبره بأن ينتبه لنفسه في الطريق، ومكالمته اثارت الشكوك والخوف في نفس آدم، فرفض مرافقة ابيه له اليوم وتحجج بأن العمل قليل، وأوصاه هو وأمه بعدم مغادرة القصر، وهاتف شركة الأمن التي تأخر كثيراً في مهاتفتها بأن ترسل له اربعة حراس على القصر واعطاهم العنوان.
 وغادر القصر وهو متوخي الحذر وعينيه كعيون عقاب تراقب كل صغيرة وكبيرة في طريقه،إلى أن وصل الشركة. 
اخبره مدحت بأن اليوم من المحتمل أن تكون هناك مؤامرة ضده وستنفذ، ولم يصرح اكثر، فعرف آدم بان  المؤامرة من عمه وزوجته ومدحت في موقف لا يُحسد عليه. 

إنقضت الساعات سريعاً وقد إطمأن الإثنين بأن ليس هناك اية خطر، وأن مدحت كان متوهماً ليس اكثر، فإنكب آدم على بعض الأوراق ينهيها، أما مدحت فلم يتحمل أكثر، لقد كان جائعاً وزوجة عمه كالعادة اعدت مالذ وطاب، وهو لم يتناول فطوره جيداً، فنادى عامل البوفيه وطلب منه تسخين الطعام، 
فنفذ العامل وعاد بالطعام مسخن، ففتح مدحت الصندوق وبدأ في تناول الطعام دون إنتظار آدم، وماكاد ينتهي منه حتى شعر بألم غريب وشديد فى بطنه، وكأن أمعائه تذوب، أمسك بطنه ونظر لآدم وهمس له بوجع:
- آدم إلحقني بطني بتتقطع. 
رفع آدم رأسه فوجد مدحت في حالة يرثى لها، يتألم ويتلوى، فأسرع إليه يس
تعليقات