رواية عامر الفصل الاول1والثاني2 بقلم داليا السيد رواية: عامر


رواية عامر الفصل الاول1والثاني2 بقلم داليا السيد 
رواية: عامر


المقدمه والفصل الاول1

عامر دويدار، القائد الابن الاكبر لتوفيق دويدار الاستثماري الكبير الذي تبرئ منه أبنائه الأربعة بعد فضيحته الكبرى
ليل فتاة خدمة الغرف التي رحلت لتعيش حياتها وحيدة بلا أي خبرة بالحياة لتلتقي به وتأخذه من أول لحظة لكن.. 
عامر دويدار الملياردير المعروف كبير إخوته وقائدهم، هل يقبل أن يربط اسمه بفتاة غرفة لا اسم لها ولا عائلة أم يقف كبريائه بينهم ويفصلهم بلا رحمة
عامر


الفصل الأول
خدمة
توقفت عيون عامر عند تلك البوابة لذلك المبني القديم المتهالك بمحطة الرمل، مبنى من المباني العريقة للمدينة القديمة من عصر الاسكندر الأكبر، الإسكندرية مدينته المفضلة مهما رحل من هنا إلى هناك لابد أن ينتهي به المطاف هنا بتلك البلدة حيث نشأ وحيث بدأ وحيث هم إخوته
ترك سيارته الرينو الحديثة بالمكان المخصص للانتظار ليس وهو الرجل المحافظ على النظم والقوانين، علمته الحياة أن كل شيء لابد وأن يكون بمكانه الصحيح لا أقل ولا أكثر لأنه لو انزاحت عن مكانها فلتت المعايير و.. 
اصطدم به جسد مشابه لجسده وبالطبع لم يهتز قيد أنملة، الجسد العريض مثله والطويل بنفس الطول تقريبا مائة وثمانية وتسعون سنتيمتر تقريبا، كان هو وإخوته بالمدرسة حائط صد لا يمكن تجاوزه
التفت للجسد الذي صدمه وقبل أن يعترض سمع صوت صاحبه "على رسلك يا رجل ما زلت لم أصل مثلك"
بالكاد أعلن فمه المذموم عن ابتسامة فاترة لا يمنحها إلا لإخوته وها هو حمزة واحد من الأربعة صديق الأرقام كما هو معروف عنه
قال عامر بهدوء "ظننت أني الوحيد المتأخر"
دخل حمزة من الباب الأسود العملاق للمبنى وقال وهو يصعد الدرجات القليلة قبل الوصول للمصعد القديم "ساهر هاتفني لإحضار بعض الطلبات"
أجاب عامر "عرفت أنه قادم من الساحل" 
وصل المصعد وانحشر كلاهم داخل المصعد وتحرك بهم صاعدا وحمزة يقول "نعم، هل ستبقى كثيرا بعد رحيلنا؟"
عيونه البنية الداكنة تحركت تجاه أخيه الأصغر وكلها فارغة من المعاني، كان يحب المدينة لكن يكره البقاء بها منذ ما تعدى العام بشهرين أو ثلاثة ليس البلد بذاتها لكن البحر، فقط البحر هو ما يعيد له الذكرى وهو لا يريد أن يتذكر أي شيء لذا قال بفتور 
"لا، لابد أن أعود للقاهرة قبل الصباح"
لم يكمل كلامه عندما وصل المصعد للدور الثالث وخرج كلاهم بخطى ثابتة تجاه المكتب القديم، هنا حيث بدأت شركتهم الأصلية، شركة استثمار متحدة تخصصت بكل شيء ممكن التفكير به حتى مجال الأمن أضافه جاسم منذ عدة أعوام بعد أن أنهى خدمته بالجيش وحتي رغب بالعمل بما يتناسب مع ما أحبه بالداخل، أراد أن يكون وكيل نيابة بعد تخرجه في كلية الحقوق ولكن لم يكن بإمكانه التفكير حتى بذلك مع وجود أب له سمعة كوالده لذا اختار ذلك المجال للأمن بجوار الشؤون القانونية وهو بنفسه يشرف على ذلك
كان الباب العتيق مغلق فتحه عامر بمفتاحه ودخل وتبعه حمزة دون كلمات، المكتب كان كما كان عندما وضعوه كمقر لهم الفارق الوحيد أنه لم يعد يعج بالحركة والسكرتيرة والكاتب والساعي ولكن صمت واجهم حتى قال حمزة 
"لم يصلوا بعد"
تحرك عامر للمكتب الرئيسي وفتح وكانت رائحة الأوراق القديمة تملأ المكان، الخميس من كل اسبوع يلتقي الأربعة هنا لقضاء السهرة سويا ما لم يكن أحدهم على سفر للعمل أو أجازة غير ذلك كان موعد مقدس للأربعة لا مجال للعمل بل العشاء والمشروبات والتحدث بكل ما يخطر على بالهم
فتح عامر النافذة الخشبية ليرى البحر من بعيد ويستنشق رائحة اليود، كم يشعر بالراحة لرؤيته ولكن سرعان ما تدفعه الذكريات بعيدا فالتفت ودخل ليرى جاسم يدخل ويقول "الطريق مزدحم حقا، كيف حالك يا رجل تبدو مكتئب"
ألقى عامر جسده على الأريكة الجلدية القديمة وهو يعلم أن عم حسين يتولى تنظيف المكان بصفة دورية، انتفخ صدر عامر من خلف قميصه الصيفي وظهر بعض الشعر من فتحات قميصه العلوية وهو يقول "متعب هو اللفظ الأدق، كنت بروما ومنها لشرم ثم القاهرة ثم هنا الآن ونوم مقطع على الطائرة بلا راحة"
فتح جاسم جاكته وهو لا يفضل الزي الرسمي ولا حمزة فهو رجل البنوك كما يطلقون عليه من يجمع ويطرح ويقسم ويجني الارباح دون آلة حاسبة ومع ذلك لا يفضل الزي الرسمي إلا بالعمل
دخل حمزة بزجاجات البيرة وقال "ساهر تأخر"
جذب جاسم زجاجة بيرة وفتحها وهو يقول "كان بالساحل يشرف على القرية الجديدة"
وقبل أن ينتهي سمعوا صوت خطوات ودخل ساهر بنفس الجسد بالتأكيد فهم أبناء رفيق دويدار، الرجل ذا الجسد العتيق كما يطلق عليه طوله قارب المترين وعرضه لا يقل عن أولاده وحتى والدتهم الأم التي يعشقها أولادها الستة، أربع رجال وابنتان، هي الأخرى طويلة ورشيقة وجميلة لم ينتقص أولادها منها شيء، كانت بالثامنة عشر عندما أنجبت عامر وحتى الآن بالخامسة والخمسين وتشع بالجمال والحيوية وتعشق أبنائها ولم تعترض عندما استقل كلا منهم بحياته بعيدا عن البيت وهي تتفهم أسبابهم
ألقى ساهر جسده المنهك على المقعد الجلدي المتبقي وقال "حقا أنا بحاجة لتلك الزجاجة"
ساهر هو المهندس النشيط والمتحمس لكل مشروعات السياحة، تولاها بمجرد تخرجه من الجامعة وأبدع بها وزاد من نجاح المجموعة 
قذف حمزة بزجاجة بيرة لأخيه الأكبر وهو يستند على طرف المكتب الكبير والعتيق والخالي من أي شيء سوى أدوات المكتب التقليدية وهاتف أرضي قديم لا يعمل 
تناول عامر البيرة حتى أنهى زجاجته وأبعدها وقال "من سيطلب العشاء! أنا جائع حقا"
أخرج جاسم هاتفه المحمول وقال "البيتزا من المكان المعتاد، أنا حقا أحلم بها عندما أكون بين طابيتين بلا منفد"
رن هاتف عامر فجأة وجاسم يطلب الطعام فأخرج عامر هاتفه وما أن رأى الاسم حتى تجهم وجهه وتجمدت يده الممسكة بالهاتف، اسم دويدار الكبير لا يظهر على هاتفه إلا بالمصائب وهذا كان من وقت بعيد عندما سقطت أختهم الصغرى من على السلم وأصيبت فماذا الآن؟ 
عندما ظل الهاتف يرن بلا إجابة منه انتبه الرجال له فأغلق الصوت وقال "دويدار يتصل"
تجهمت الوجوه بالمثل، الرجل لا يلقى أي ترحيب من أبنائه ليس بعد الفضيحة التي جعلتهم يكتشفون حقيقته، مهرب كبير للآثار اتهم بقضية كبيرة ولكن جيش المحامين الخاص به تركوه نظيفا تماما كالثلج النقي ولكن ليس بعد أن أدرك الجميع حقيقته وانتبه أولاده لذلك بسن مبكر جدا، عامر كان بأواخر العشرينات وقتها ويذكر جيدا المشاجرة الكبرى له معه ومواجهته بالحقيقة والرجل لم ينكر، أموال حرام جعلت عامر الذي تربى على أن الحلال هو مفتاح النجاح يريد أن يبدل جلده ربما يغتسل من المال الحرام الذي جعله يكبر وينمو منه ولكن ماذا بيده ليتخلص منه؟ 
تلك الواقعة كانت الفاصل، استقل عامر بنفسه خارجا من باب القصر الكبير الذي عاش به عمره وكان قد بدأ بالفعل شركته الصغرى للاستثمار وهو كان بالأساس رافضا العمل بالشركات العقارية الخاصة بوالده ليس ما كان يحبه، ساهر كان ببداية الجامعة ومع ذلك كان يعمل مهندس بأحد الشركات الكبرى وبمجرد الفضيحة كان لابد أن يقدم استقالته بدلا من انتظار جواب الفصل، لم يكن يتحمل نظرات من حوله بالاتهام، حمزة كان بنهاية التجنيد من الجيد أن ما حدث لم يؤثر عليه رغم أن الأمر ألحق به الضرر من نظرات وتلميحات أوقفها الكبار من حوله، الجيش أمر معقد لا جدال به ولا مزاح 
جاسم كان قد انطلق لمجال القوانين بعد أن فقد الأمل بأن يكون وكيل نيابة رغم أنه حصل على تقدير جيد جدا بكلية الحقوق ولكنه لم يكن يعرف بسمعة والده التي منعت عنه الوظيفة
الشركة التي بدأها عامر كانت الحلم الجديد لهم وتوسعت بفضلهم جميعا وأصبح هناك فروع بالعديد من المحافظات بمصر واتصالات بالخارج وبنوا معا اسم جديد لدويدار بعيدا عن رفيق دويدار الأصلي
تجمدت يد ساهر بزجاجته ولم يتحرك حمزة بينما هتف جاسم "أجب يا رجل بآخر مرة كانت أختك بالمشفى"
عاد الرنين يعلو من هاتفه ونفس الاسم فنهض ووضع يد بجيبه والأخرى رفعت الهاتف لأذنه وأجاب ببرود وعيون إخوته تتابعه "سيد رفيق يشرفني بالاتصال"
صوت الرجل ما زال عميق وهادئ والهدوء صفة ورثها عامر منه ليس وإن كان يكره نفسه بسببها "الشرف لي ولدي، كيف حالك؟"
كلمة ولدي تثير غضب عامر لأنها تذكره بحقيقة لا يمكنه إنكارها؛ أنه حقا ابنه ويحمل عار اسمه، ابتلع غصة بحلقه وقال "ليس من شأنك، ماذا تريد؟"
الجفاء هو الطريقة الوحيدة التي كانوا كلهم يتعاملون بها معه وهو لم يعد يلوم أو يعاتب، أدرك جيدا ما فعله بأولاده وجنى نتيجة أفعاله ولم يعد حتى بإمكانه الانسحاب مما وصل له 
صوته رد "خدمة"
أخرج عامر ضحكة ساخرة قبل أن يرد "بالأحلام، أحلامك فقط"
هدوء مقيت عم الاتصال قبل أن يقول الأب "افعلها مرة من أجل أي شيء تدين به لي"
هتف عامر بحنق واضح "سأختار الموت قبل أن أدين لك بشيء، أي شيء"
ولكن الرجل كان يعلم بأي مياه يلقي صناره وهو يقول "ولو كان الاسم، الابوة، الدين الذي اخترت منه الحلال كحكم"
ذهبت الدماء من وجه عامر وضغط على الهاتف بقوة وهو يرد من بين أسنانه "لست بشيخ كي تتلاعب بتلك النقطة عليّ" 
"لا. فقط لا أحب أن أراك ابن عاص تعالى واسمعني وإن لم يكن بإمكانك إسداء الخدمة لي فلن أشكو"
كان من الأخلاق بحيث يدرك تماما معنى أن يكون ابن عاص، أمهم زرعت بهم الكثير من القيم الغالية والأخلاق النادرة بالوقت الحالي، معنى العصيان للوالدين منافي لما علمتهم إياه، صحيح استقلوا بعيدا بحياتهم لكن أبدا لم يفعلوا ما يضر بهم وظلوا على اتصال بالأم الحنون 
قال بجفاء "سأرى جدولي" 
"الليلة أنت بلقائك مع إخوتك، لنجعلها غدا الحادية عشر صباحا مناسب، والدتك ستسعد لرؤيتك"
وأغلق الرجل دون انتظار رد، كاد يقذف الهاتف بغضب وهو يهتف "أتمنى لو أدفع قبضتي بوجهه"
تحرك حمزة تجاهه وقال "ماذا أراد!؟"
الدماء كانت تغلي بداخله، لم ينسى أنه السبب بكل مآسيه، عار يحمله هو وإخوته، و.. 
صوت حمزة أعاده فأشاح بيده وهو يتحرك لصندوق البيرة ويرفع واحدة ليبتلع نصفها قبل أن يقول "خدمة، يريد مني خدمة وكأني سأقدم له شيء سوى جهنم ليستعر بها"
نهض ساهر واقترب منه وقال "أي خدمة؟"
لم ينظر له عامر وهو يفكر وأجاب "لم يقل، ينتظرني بالصباح، هو يعلم بوجودنا معا"
لم يتحرك جاسم وهو يقول بلا مبالاة "هو يعلم بكل شيء، لديه عيون بكل مكان عامر، لا تفكر كثيرا فقط اذهب للهدف وسدد نحوه مباشرة دون تضييع وقت على التفكير بالنتائج"
جاسم كالعادة يتحدث بالهجوم والدفاع كرجل قانون وأمن ويمنح نتيجة واقعية ولا يحب التوقعات، نظر له عامر بعيون صافية إلا من الغضب وقال "سأفعل"
****
القصر يحمل العديد من الذكريات، الجميلة عن طفولته مع أمه وإخوته، رفيق لم يتواجد كثيرا بينهم ولكن لو تواجد عم الصمت على الجميع، كان قوي، جاد، يعلم كيف يكسب احترام أولاده الرجال وحب بناته لذا لم يكن يحب التواجد هنا كي لا يرى الماضي الذي لا يريد تذكره
هدى كانت تتحرك تجاه ابنها الأكبر بأجمل ابتسامة على وجهها الأبيض النحيل بقوامها الطويل والنحيل أيضا، أنيقة جدا كعادتها لا تكلف معها بأي شيء
انحنى وقبل وجنتيها بحب صادق وهي تجاوبت بأن جذبته لأحضانها وقالت "لا أقل من ذلك يا فتى، ذقنك خشن وهذا ليس من عادتك"
أفلتته من ذراعيها ورائحة الياسمين تحيط بها وهو عطرها المفضل مما ذكره بالكثير من الذي لا يريد تذكره، ابتسم رغما عنه وهو يذكر أنه لم يحظى بليلة جيدة بسبب هذه الزيارة والصباح كان مزاجه سيء 
تغاضى عن كل ذلك وقال "كان اسبوع طويل، كيف حالك؟"
لم يضعفها ابتعاد أولادها واحدا وراء الآخر، تذرعهم بالسفر من أجل ابتعادهم عن البيت ضربها بقوة بقلبها لكن قوتها كانت واضحة ولم تضعف وتقبلت الأمر ببساطة
قادته لصالون أنيق مذهب وهو يحفظه بالطبع وهي تقول "بخير، تناولت إفطارك؟"
هز رأسه رغم أنه لم يفعل وانفلتت خصلة من شعره البني الغامق لتسقط على جبينه، لطالما كان وسيم وجذاب ومثار إعجاب البنات بالمدرسة المشتركة وعندما دخل الجامعة كانت عيون البنات تلاحقه وحصل على علاقات كثيرة لكن فقط للتسلية
رفع خصلته بأصابعه وقال "نعم، أين البنات؟"
قبل أن تجيب كان صوت رفيق يملأ المكان وهو يناديه "أنا بانتظارك"
لف رأسه باتجاه مكتب والده، المكان المحرم على الجميع دخوله إلا بإذن وبحضور صاحبه، ورآه، الرجل الذي لا يهاب شيء والذي لا يعرف أحد ماذا يخفي تحت جاكته، شعر بيد هدى على ذراعه فانتبه لها والتفت لوجهها الناعم وابتسامتها الجميلة وصوتها الرقيق وهي تقول 
"اذهب له، من أجلي ارفق به"
نظرات الكره بعيونه تحولت لحنان للأم التي يحبها وسيمنحها حياته كي تظل سعيدة، هز رأسه وتحرك للمكتب حيث ترك الرجل الباب مفتوح واختفى داخله وعامر يتوجه للمكان الذي كان يثير فضوله بطفولته لكن الآن كان يكره كل خطوة يخطوها تجاهه


الفصل الثاني 

صوت يعرفه
المكتب كان مكان اقتلع من الزمن القديم بكل شيء، بداية بالنجفة الأثرية المعلقة بالسقف البعيد وتجاوزا باللوحة الكبيرة لفنان شهير وضعت باهتمام خلف المكتب الخشبي الكبير والذي نحتت على جوانبه أشكال غريبة غير مفهومة وانتهاء بالرجل الذي تخطى منتصف الستينات بشعره الأبيض كله ووجه البرونزي النحيل، عيون سوداء قاتمة لم يعرف أحد ما خلفها، فم كبير لكن ليس بالكلام، استقام جسده العريض على المقعد الجلدي المتحرك وعيونه لا تنظر لابنه وهو يقول 
"أغلق الباب وتعالى"
عندما ظل عامر واقفا دون حركة رفع وجهه له والتقى بعيون ابنه الغاضبة فلانت ملامحه وتجاعيد وجهه ظاهرة وهو يضيف "من فضلك"
مال رأس عامر من الدهشة لتلك الكلمات، لم ينطق بمثلها من قبل، كل كلماته لهم كانت جملة من الأوامر الحازمة والتي لا تقبل نقاش، من فضلك كلمتين حذفوا من قاموسه فمتى أعاد صياغتهم؟ 
تحرك بدون رغبة وأغلق الباب، كان مجهد حقا، غاضب، مشتت التفكير بسبب الدعوة ومع ذلك هو هنا يتحرك بخطى ثابتة حتى وقف أمام المكتب الذي أضاء بنور الصباح من النافذة التي أزيحت عنها الستائر 
عقد ذراعيه أمام صدره العريض وفتح بين أقدامه ولم يتحدث، لم ينظر له الأب وهو يخرج ملف من درج مكتبه وألقاه أمامه وقال "منصور الألفي، صاحب شركات الألفي للاستثمار أكيد تعرفه"
ضاقت عيونه، الاسم ليس بغريب ولكنه لا يذكره حاليا فقال "ماذا عنه!؟" 
أجاب بهدوء "البنك حجز على مجموعته مؤخرا بسبب القروض غير المسددة وسيجرى مزاد علني بعد الغد بالبحر الأحمر حيث المقر الرئيسي"
رد بجفاء "و؟"
تراجع رفيق بالمقعد بكبرياء لم يتنازل عنه وقال "أريد المجموعة"
فك عامر ذراعيه وقال بتجهم "ليس من شأني"
قال الرجل "أحتاج رجل أعمال محنك لحضور المزاد وتقييم الأمر ما إذا كان يستحق شراء المجموعة أم لا"
تحرك للباب وقال بلا مبالاة "لديك جيش من الخبراء"
أوقفه الرجل بحزم "لست بحاجة لهم عندما ابني خبير بالاستثمارات ومفاوض لا يهزم، لن يكونوا حياديين بالأمر وأنا أريد قرار حاسم قبل المزاد"
التفت له عامر وقال "أنت تتحدث عن البحر الأحمر وأنا لدي هنا ما يشغلني بالفعل، أضف لذلك أن غدا فقط هو المتاح، أي شيء يمكنني الحصول عليه بيوم واحد؟"
تنهد الرجل وهو يخرج سيجار من علبة جلدية فاخرة أمامه وقال وهو يفك الورق الشفاف من عليها "لديك مصادرك الخاصة"
قال بهدوء مماثل لوالده "لست مهتم"
كاد يقبض على مقبض الباب عندما سمع أزير المقعد والرجل ينهض ويقول "عامر انتظر"
ظل مكانه دون أن يلتفت والرجل تحرك وهو يسمع خطواته على السجاد القديم والثمين، نظيف كعادة والدته الذي كان يتقن كل شيء لطالما أراده رفيق أن يكون صورة منه، علمه كل شيء بحياة الاستثمارات وساعده ذكاء عامر وسرعة استجابته وقبل السابعة عشر كان يبرم أول صفقة ناجحة وحده وانتفخ صدر رفيق فخرا بابنه البكري وكانت الدنيا وردية حوله والنجوم تحلق بسماء حياته وترسخ داخل الأب والابن يقين بأنه ابن والده وسيكون خليفته بكل شيء حتى اصطدم بجدار صلب وهش بذات الوقت، الشجرة العتيقة التي ارتفعت لعنان السماء أمامه تهاوت أوراقها الجافة بخريف لا ينقشع وعم الضباب حياته حتى لم يعد يرى سوى خيالات من شبح رجل كان قدوته بيوم ما 
أخيرا جاء صوت والده "لم يسبق لي أن طلبت منك أي شيء"
التفت له عامر بنظرة تمنى لو أحرقته وقال وجبال من الهم والحزن ترسخ على قلبه الفتي، كبر وشاخ فجأة بذلك اليوم وترسخت داخله قوة غاضبة اكتسحت كل ما عاش عليه وجعلته يرفض حتى الوقوف أمامه والاستماع لأي كلمة منه "ليس لديّ ما يناسبك لتطلبه وليس لديك الحق حتى بطلب أي شيء مني"
تعلقت العيون بالهواء بنظرات غامضة بعيون رفيق وأخرى تصرخ بصرخة تنين ينفخ نيرانه بمن حوله ليحرق كل شيء وعندما اصطدمت بعيون رفيق أخفض هذا الأخير نظراته لا رأسه التي لا تنخفض لأحد لا سيما أحد أبناؤه قبل أن يقول "لن ننبش بالماضي بني"
أشاح بيده مبتعدا وهو يشعر بطعنة بقلبه من صدى الكلمة ووقعها على سمعه وقال "إذن ابتعد عني ولا تنطق بهذه الكلمة مرة أخرى" 
نبرة الرجاء بصوت رفيق أوقفت سخط عامر "أخبرتك أني لن أنبش بالماضي، فقط هذه الخدمة، المجموعة تمثل شيء جيد لو تم إنقاذها أنت من يمكنه الحكم عليها ومعرفة ما تستحق دون حاجة لجيش الخبراء خاصتي، خدمة واحدة ولن أطالب بسواها ربما من أجل ما تعلمته مني فيما سبق أم أن الأمر أكبر مما علمتك إياه"
لا يعلم لماذا تأثر بنظرات الرجل وبكلماته المستفزة، ربما الرجل لديه سحر لا يدركه أو ربما رجاء والدته 'ارفق به من أجلي' أو كما قال الرجل من أجل ما تعلمته مني ولو توقف هنا لاستمر بالرفض لكن الرجل يعرف كيف يحاور خصمه ويمرر الكرة من بين أقدامه حتى يسل للهدف ويسدده وهو استفزه 
قست نظراته للحظة وقال مشترطا "تعلم أن لا شيء أكبر مني، حسنا سأفعلها وسنعتبر هذا تسديد لأي دين على رقبتي ولن تطالبني بأي شيء آخر بعدها"
وضع الرجل يده اليمنى على صدره وقال "أوافق، وهذا وعد"
نظرات عامر انتقلت ليد الرجل، كانت حركته دائما لإعطاء الوعود منذ كانوا صغار ويطالبونه بأشياء مناسبة لسنهم وكان هذا هو الرد، افعل كذا وتحصل على كذا، وعد، وكانت هي نفس الحركة وارتعش قلبه بقوة رافضا أي مؤثرات على قرار مر عليه سنوات لم يحصيها، لم يعد الأب الذي يكن له التبجيل والاحترام، فقده وفقد كل اتصال معه ولكنه لم ينكر أنه بالفعل تعلم منه الكثير لاسيما كيف لف ذراعيه حول إخوته الذين تبعوا خطواته فضمهم تحت جناحه وعلمهم كيف يكونوا يد واحدة مهما واجهوا من صعوبات حتى أصبحوا لا يثقون سوى به ولقبوه بالقائد، القائد الذي لديه كل ما يحتاجون إليه من حب وحنان وقوة 
رفع عيونه للرجل الذي أدرك أنه نال من ابنه فتحرك للمكتب وقال "هذا هو الملف، به كل ما تم جمعه من معلومات عن المجموعة ولكن بالطبع يمكنك الحصول على المزيد بطريقتك"
سخر وهو يتحرك ليأخذ الملف "بيوم واحد؟ هذا هو الحلم، مجرد ثمانية وأربعون ساعة هم ما سأمنحهم لخدمتك لا أكثر ولا أقل"
ولم ينتظر الرد وهو يجذب الملف والتفت حتى وصل للباب وقال "حدودك المالية؟"
لم يرى ابتسامة رفيق المنتصرة وهو يجيب "مفتوحة"
وخرج عامر صافعا الباب خلفه وهو لا يعلم كيف استجاب لطلب العجوز وهو بالأساس لم يفكر يوما بتقديم أي شيء له ولكن عندما يصلوا للخلاص، خدمة مقابل الانتهاء من حياته فهو لن يرفض
الحصول على رحلة على أقرب طائرة لم تتوفر بذلك الوقت لكن اسم دويدار يفتح كل المجالات، اتصال من هنا وآخر من هناك حتى حصل على طائرة مؤجرة بعد ساعتين، جناحه بالهيلتون بالإسكندرية كان بانتظاره بأي وقت حتى موعد الطائرة وما أن وصل حتى نال حمام سريع وبدل ملابسه بجينز مريح وقميص كتان طوى أكمامه وحذاء رياضي، قهوة سادة منحته يقظة كان بحاجة لها بعد اسبوع طويل وما زال لم ينتهي وعدم النوم بالطبع 
جهازه منحه بعض المعلومات عن مجموعة الألفي ولكن ليست كافية، فقط ذكر موت الرجل مؤخرا وديون كثيرة وقروض للبنوك، نفس معلومات رفيق لكن بالطبع المجموعة مميزة ولها فروع عديدة متصلة بالفرع الرئيسي هناك، كانت تنال مكانة جيدة بين نظيراتها لكن كان هناك خلل ما لم يعرف أحد سببه هو ما أدى للانهيار، الكثير يسعى خلف المجموعة وهو انضم للسرب ربما لو لم يطالبه العجوز بالأمر لدخل الأمر ضمن جدوله
أغلق الجهاز ووضعه بحقيبته وضم الملف بحقيبته الجلدية وأجرى اتصالاته لحجز بفندق معروف هناك وبالطبع اتصل بالمحل الذي يحصل منه على ملابسه المميزة لترسل له البعض منها ليقضي بهم وقته وحقيبة بها تلك الملابس ليومين منهم بدلة طبعا لحضور المزاد ثم تناول آخر القهوة وتحرك خارجا
المطار كان مزدحما بذلك الوقت من المغرب، الإجراءات كانت لا تعرفه بمجرد ذكر اسم دويدار تنزاح العوائق، ما أن خرج من المطار حتى حصل على سيارة أجرة نقلته للفندق الفاخر هناك حيث الجناح الذي حصل عليه وطلب تأجير سيارة وفرها الفندق له على الفور، الأموال تتحدث
الليلة قضاها بالتجوال بالمدينة الواسعة وتجول حول مبنى المجموعة وتقصي بعض المعلومات، مكتبه لم يمنحه أي معلومات إضافية وعاد للمطعم تناول العشاء ومنه لغرفته وتفحص رسائله على البريد الالكتروني بروتين اعتاده منذ سنوات، العمل هو كل ما يلف حياته وإخوته بالمقدمة، اتصالاته بهم لا تنقطع وكل أخبارهم تصب عنده  
بالصباح حصل على حمام منعش وملابس خفيفة، ما أن تناول الإفطار وحقق اتصال مع حمزة أخبره بسفره بعمل حتى عاد للجهاز لينهي بعض الأعمال، رسائل جاسم روتينية ولكنه تفقدها 
قبل أن تصل العاشرة صباحا نزل وحصل على سيارة اللاند روفر الحديثة قادها وسط الطرق الجديدة بالمدينة حتى وصل لمبنى المجموعة مرة أخرى، الوقت كان مبكر ولم يتواجد إلا رجل الأمن تبادل التحية معه وتعارف قصير ومختصر حتى سأله 
"وهل هناك عمل؟"
نهض الرجل وقال "بل الشركة مغلقة خاصة بعد موت سيد منصور، البنوك حجزت على المكان"
حدق به وقال "ومن يواجه البنك؟"
قال الرجل "يقال أن منصور لم يترك أبناء وقد انتقلت الملكية لزوجته بعد أن مات ولكن هي لحقت به بعد يومين"
تجمدت ملامح عامر من الخبر وقال "ومن إذن المعني بالأمر بعد ذلك؟ كان البنك سيحصل على الكل"
هتف الرجل "لا، ابنة زوجته كانت تعيش معهم وبالطبع انتقلت لها الملكية وراثة من والدتها وانتقل معها الدين أيضا"
صمت لحظة قبل أن يقول "هي لم تسعى لسداد الدين"
ضحك الرجل وأجاب "هي لم تملك شيء من الأساس، انتقلت للإقامة معهم مؤخرا هي أصغر من أن تفعل"
حاول الحصول على عنوان بيت الوريثة ربما يجد لديها أي معلومات ونجح في معرفة المنطقة لا عنوان البيت بالضبط فركب سيارته وشكرا لجهاز تحديد المواقع الذي أرشده للمكان 
كان شارع هادئ جدا، عدة فيلات قديمة بجوار بعضها البعض، أبطأ السيارة بمكان لا يوجد به سوى سيارات قديمة ونزل وتحرك حتى رأى فيلا بمكان منعزل وبسور غير مرتفع وبوابة مفتوحة وسيارة حديثة تقف بالداخل
رفع نظارة الشمس لرؤية الفيلا القديمة من طابقين، بسيطة وشعر أنها مهملة، لا تليق برجل مثل الألفي ولا بسيارة كالواقفة بالداخل لذا لم يشك أنها قد تكون للألفي
تمهل قبل أن يعيد منظاره الشمسي وكاد يعود للبحث ولكن صوت مرتفع جعله يرتد وارتفع الصوت وظن أنه.. 
تحرك مسرعا عندما أدرك أنه صرخة نسائية متكررة فلم يتردد وهو يدفع الباب الخشبي ويتحرك داخل الحديقة المهملة
وصل للباب الداخلي للفيلا والذي كان مفتوح هو الآخر فتقدم للداخل ورأى بهو واسع ومقاعد استقبال كصالون قديم، لم يهتم لأن رجلان قويان كانا يتشاجران بالأيدي وأحدهم يهتف 
"لا مجال لما تفعله هنا يا اسماعيل، اذهب"
تخلص المدعو إسماعيل من الآخر وبدا غريب وهو يقول مسددا لكمة للرجل "لا شأن لك"
تراجع الرجل من اللكمة وهو يضع يده على وجهه وهتف "أنت مجرم"
كاد يهجم مرة أخرى لولا أن تحرك عامر بسرعة ووقف بين الرجلين وهتف "كفى"
عيون واسعة سوداء بوجه سمين لجسد أكثر وزنا منه واجهه، فم غير محبب زمجر وهو يهتف "ومن أنت؟"
لم يتراجع عامر وهو يقول "لا يهم، فقط سمعت شجار و.. "
هجم الرجل على عامر بقوة وهو يهتف "وماذا أيها.. "
ولم يكمل وعامر يتنحى جانبا والرجل يندفع للفراغ أمامه والرجل الأول أيضا يتراجع وكاد إسماعيل يفقد توازنه لولا أن استعاد نفسه قبل أن يصطدم بالمقعد واعتدل وهو يهتف 
"لن أتركك"
هتف الرجل الكبير "توقف يا رجل"
صرخ الضخم "اصمت يا حسن وابتعد عني"
وتحركت كتلة اللحم تجاه عامر وهو يسدد لكمة لوجهه ولكن عامر أحنى نصفه الأعلى للخلف لتمر القبضة بالهواء بينما قبضته تسدد لمعدة العملاق فيتألم وينحني ممسكا بمعدته وهو يصرخ بكلمات بذيئة 
"أيها.."
نظر حسن لعامر وقال "من أنت؟"
لم يبعد عامر نظره عن العملاق، الدفاع عن النفس رياضة فرضها رفيق على أولاده الأربعة منذ الصغر، كلهم تعلموها بلا جدال وكأنها مثل الطعام والماء وكلهم أجادوها بجسدهم الفاره وقوتهم التي ازدادت مع الرياضة التي لا تتوقف، عامر لم يكن بأي يوم متهور بل متزن ورزين يفكر قبل أن يأخذ قرارته وكذلك قبل أن يقرر الهجوم على خصمه
وعندما تألم كتلة اللحم أجاب عامر بنفس الهدوء "بل من هو وما الذي يحدث هنا؟"
الغريب أن حسن تجاوب مع عامر وكأنه يعرفه وقال "هو إسماعيل أيوب، هو رجل ممن معه أموال وأراد.. "
اعتدل إسماعيل وهو ينظر لعامر بغضب وهتف "ليس لك شأن بي حسن، أنت أيها الغريب ماذا تريد منا؟ اخرج من هنا"
ظل عامر بمكانه وكأنه لم يؤلم تلك الكتلة الهلامية من لحظة وقال 
"سمعت صرخة امرأة"
ضحك البغيض باستخفاف وقال "السافلة ظنت أنها ستنجو مني، اخرج أنت غريب"
رد عامر بقوة وهو لا يعجبه حديث الرجل "ليس قبل أن تطلب هي مني ذلك قد تكون بخطر فأنت لا تخرج منك أجنحة الملائكة"
هتف البغيض "لا شأن لك بأي شيء أيها اللعين فقط ابتعد من هنا وإلا.."
صوت خرج من أي ما كان أوقف كلمات الكتلة الهلامية وهز كيان عامر الراسخ والثابت دائما، رجل لا يمكن النظر من خلاله، ذكي، قوي، سراب خلف نظراته، لكن هذا الصوت هو يعرفه، نعم يعرفه جيدا لذا جعله ينتبه بكلة خلية بجسده وعضلة من عضلاته المشدودة وعيونه تزداد قتامة وقبضته تنقبض بقوة لتنغلق أصابعه على بعضها البعض وهو يلتفت تجاه مصدر الصوت الذي هتف 
"عامر!؟"
كانت هي، نعم هي، ليس حلم بل واقع، لقد توقف عن الأحلام منذ فترة، وكأن الأمر كان بيده، نفس العيون الزيتونية الواسعة تحدق به، الرموش الطويلة ترتفع بزهو فوقها، وجهها المستدير ببشرة ذهبية مثيرة 
ما زالت صغيرة وجميلة ولكن بدا عليها النحافة أكثر مما عرف، نفس الشعر البني الذي ارتفع بدون تنظيم فوق رأسها، فوضوي كما اعتاد أن يكون
هي، بالتأكيد هي لم ولن يخطئ بامرأة حفظ كل جزء بها، امرأة كان بوقت ما يتنفس أنفاسها على وجهه، يعرف لين جسدها بين ذراعيه، يحفظ نغمة صوتها وقت اللذة والغضب والفرحة، لا، هو لم يعرف منها الغضب فقط وشرد بالضياع وما زالت أمامه
كانت تقف هناك، فقط بعيون متسعة بدهشة واضحة وذمت شفتيها بطريقة يعرفها أيضا، جسدها الجميل نحف عما كان أو كما هو أو ربما هذا الجينز لا يمنحه حقه وبلوزتها القديمة لا تعني أي شيء سوى أنها تمنح صدرها شكل أكبر مما كان وخصر نحيف
وأخيرا تحرك لسانه وردد "ليل!؟"
هتف إسماعيل بغضب "لا تنطق اسمها أيها الدخيل، من أنت لتسمح لنفسك بالدخول هنا والتشاجر معي؟"
تقريبا هو لم يكن يسمعه وهو يتابعها بعيونه التي امتلأت بالدهشة وعدم التصديق وهي تنزل السلم حتى وصلت لهم ونظراتهم متصلة، مليون ألف سؤال ارتفعوا لرأسه وتعادلها مليون ألف ذكرى لها معه ولكنها ببساطة وقفت بين الرجلين لتواجهه هو وعيونها تسأله قبل لسانها 
"ماذا تفعل هنا؟"
انتهز السمين الفرصة وسدد لكمة لوجه عامر ولكنه تفاداها بآخر لحظة وترنح جسد الضخم وعامر يرفع كوعه ويسقط به على مؤخرة عنقه فيهوي بالأرض بثقله وهو يصرخ بالشتائم
رفعت يدها على فمها من المفاجأة وشحب وجهها وهي تهتف "كفى، توقفا من فضلكم"
كان يعرف كم كانت رقيقة وقوية بذات الوقت، جميلة وقاتلة، كم كان.. 
صوت رجولي هتف "نعم توقفا، هذا نزاع بلا سبب"
التفت لحسن وقال "بلا سبب!؟"
تدحرج إسماعيل ناهضا وهو يفرك مؤخرة رأسه وهتف "نعم، لا شأن لك بنا أنت لا تعرفنا حتى"
التفت لها وقال بقوة "من هم؟ ماذا يفعلون هنا؟ بل ماذا تفعلين أنتِ هنا أصلا؟"
للحظة ظلت صامتة، من الدهشة؟ ربما، المفاجأة؟ حسنا، هي لن تعترف أنها فكرت بوجوده هنا بأي يوم، ثلاثة عشر شهرا كافية لتخرجه نهائيا من حياتها بلا عودة، بل تخرجها هي من حياته، لقد وصلت رسالته، أنتِ لا تصلحي لاسم دويدار، وكان أن لملمت أحزانها ورحلت ونظراتها له كانت تعني الرجاء بتركها معه، ما كانت لتتركه أبدا ولكن.. 
هتف الضخم بطريقة أفزعتها "لا تخاطبها هي وتحدث معي"
ونفد صبره، عندها هي وتوقف العالم، شهور، ثلاثة عشر شهرا وعشرين يوما بالتحديد، نعم هو يذكر لم ولن ينسى أي لحظة وأيا كان ما عبر من خلاله بتلك المدة مما لا يعلمه سواه فهي ما زالت هي، نفس المرأة ونفس الرجل ولكن ليس نفس الوقت ولا المكان ولا الذكريات 
بكل غضب الماضي التفت له وعيونه تقدح بالنيران وهو يلقي بكلماته بوجهه "أنت ابتعد عني الآن وإلا أقسم ألا تعرف ملامحك بعد أن أنتهي منك واخرج من هنا الآن، الآن"
من النادر أن ينفجر الغضب على شفاه عامر، دائما هادئا وقويا ومثير للإعجاب ولكن مع رجولة تنبض بالرهبة لمن يواجه لكن ما تفجر داخله الآن جعله يفقد هدوئه 
ارتجف جسد الرجل من النيران التي تقدح بعيون عامر ونبرة الغضب والقوة بصوته ومن قبلها ضرباته التي لا تصد مما جعل الرجل لا يتراجع وهو يتحرك للباب بعد أن قال "اشبع بالعاهرة"
كاد يلحق به ليلقنه درسا حقيقيا ليحترم من يسبهم ولكن حسن أوقفه بذراعيه على صدره الصلب وهتف "كفى يا رجل، أنت من تدخل بالأمر، يا ابنتي هل أنتِ بخير؟"
ابتلعت كل مرارة الألم والحزن والخزي لو صدقت الكلمة بالتعبير ورمشت عيونها التي كانت قد تجمدت عليه ولم يسل الثلج إلا بكلمات حسن فهزت رأسها، حتى لو كان الوضع خطأ فعليها إنهاء الأمر بالوجه الصواب، بيوم ما كانت صغيرة سهلة الانقياد لكن اليوم، امرأة كبيرة بما يكفي لاتخاذ الصواب من القرارات، ثلاثة عشر شهرا ليست بالكثيرة لتجعل منها امرأة بالغة ولكن ما مرت به خلالهم هو ما سقى حياتها لتنمو تلك المرأة داخلها وتنتهي تلك المراهقة التي انساقت وراء الحلم الوردي
الآن ما يلفها ليس بحلم ولا حتى كابوس بل واقع تدركه جيدا، هو هنا وأمامها، هي بالأساس لم تصدق نفسها عندما سمعت صوته وهي بغرفتها، ظنت أنها تحلم ولكن ما أن خرجت ورأته حتى توقف عالمها كعادتها عندما تراه
جذبت صوتها "نعم عم حسن، شكرا لك يمكنك الذهاب"
نظر للغريب الذي أعلنت ملامحه عن عبارة واحدة "ممنوع التحدث"
تردد الرجل ولكن نظراته التي كانت تتحول بين الاثنين أمامه جعلته يدرك أن مكانه ليس هنا وأن هناك معركة ساخنة تدور بين ذلك الرجل وتلك المرأة فلم يعلق واتخذ قراره بلا نقاش والتفت ورحل 
باب الفيلا أصدر صوتا بعد غلقه أعادهم للواقع وكانت هي السباقة بالتصرف وهي تلتفت له ورفعت رأسها بمحاولة كاذبة لالتماس القوة من ماضيها وقالت "لقد انتهى الأمر يمكنك الذهاب"
التفت هو الآخر لها ولم تذهب ملامح الغضب وتجاهل كلماتها وهو يقول "ماذا كان يعني بقوله عاهرة عنكِ؟ بماذا وعدتيه؟"
رأى أصابعها تلتقي معا لتفركهم سويا والغضب يرتسم بعيونها التي رفعته للسماء بيوم ما عندما كانت تمنحه نظراتها الناعسة ويرى وجهه بانعكاسها، كانت هادئة هدوء لم يعرفه عنها، عندما عرفها كانت تلك العيون ممتلئة بالحيوية والنشاط الجذاب، كانت صغيرة وطيعة وعيونها تريده الآن لا وجود لتلك الفتاة هي امرأة غريبة فقط ملامحها هي ما يعرفه لكن الروح اختفت
نفس النظرة عندما سمعت كلماته لها بذلك الوقت بالماضي ولم ترد حتى بكلمة واحدة لأنه رحل وبعدها هي الأخرى رحلت
أخيرا قالت "هل يعنيك الأمر بشيء؟"
اقترب منها وتراجعت هي للوراء، هل خافت منه؟ حسنا ربما هو يعرف جيدا كيف يبدو بحالات الغضب النادرة ولكن لا يعنيه ذلك فلتخاف لكن تخبره أولا، هتف "ليل توقفي عن ذلك وفقط ردي، ماذا عنى بكلماته؟"
ظلت تحدق به وتحول لون عيونها للأخضر القاتم بلا معنى وهي ترد "لماذا لم تسأله؟ كان بين يديك"
بخطوة أغلق المسافة بينهم ويده تقبض على رسغها بقوة ووجه يواجه وجهها وهي لم تستطع التراجع وترفع وجهها لتواجه نظراته، لم تناطحه الطول بأي يوم، تلك الأمتار الكثيرة كانت ترهبها وتجذبها، العضلات تثير إعجابها، الوسامة التي تنطق بها ملامحه أخذتها من أول لحظة والآن، الآن خافت ليس منه بل من نفسها
تألمت من قبضته ولكنها لم تنطق وهو يهتف "لا تخلقي الوحش ليل لأنك لن تستطيعي أن تصرفيه"
ابتسامة ميتة على شفتيها الرقيقة والناعمة كالحرير كما عرفها وصوتها لم يكن هو، كان صوت آخر فقد كل حيويته يجيب "أنا لم أخلق شيء، هو أنت من دخلت هنا دون معرفة مني، أنت من خلق كل ذلك"
زادت قبضته على رسغها وهو يهدر "والصرخة؟ وكلماته؟"
هتفت بغضب أخيرا "أخبرتك ألا شأن لك بي"
قال من بين أسنانه "لا تنطقي بكلمات تدركين أنها خطأ" 
ظلت تواجه نظراته بنفس القوة التي كان بها وانتظر، انتظر أن يرى تلك النظرة، الانجذاب، الرغبة، الحنان، لكن لا شيء
لم تجادل وإنما هتفت بألم واضح بعيونها "اترك يدي عامر أنت تؤلمني"
أدرك نفسه وقبضته القوية على يدها الرقيقة فتراجع وحررها لتبتعد هي للخلف وهي تفرك يدها من الألم وهو ابتعد يمرر أصابعه الطويلة بشعره الغزير وظل الصمت بينهم لحظة كلاهم يلتقط أنفاسه من مارثون الذكريات الذي اشتعل داخل كلا منهم حتى التفت لها فرآها لا تنظر له، رأسها لا ينظر لشيء، شعرها بفوضى رائعة لطالما أحبه هكذا وغرز أصابعه به وكم كانت تضحك لذلك، هو يسمع ضحكتها بالفعل.. 
نفخ بقوة محاولا السيطرة على انفعالاته، معها كان دائما فاقد للسيطرة على نفسه، لا امرأة جذبته من أول نظرة إلا هي، لا امرأة دارت دنيته حولها إلا هي، لا امرأة أثارت رجولته إلا هي، فقط هي من دارت حولها حياته بوقت ما، كانت فتاة جميلة، فاتنة وهو، هو من صنع منها تلك المرأة الذابلة.. 
كان لابد أن يتحدث ولكنها التفتت والتقت بعيونه فابتلع كلماته وفقد نفسه بعيونها الفارغة وهي تقول "ماذا تفعل هنا؟"
للحظة الأفكار اندفعت لها بأمل أنه أتى يبحث عنها ولكنها لم تمتلئ بالأمل لأن معه لا مكان إلا للواقع والألم، كانت نظراته تعني الكثير لكنها لم تعد تصدقها حتى قال 
"عمل، وسمعت صرخة فدخلت"
ابتلعت آخر أمل وأخفضت رموشها لتخفي الألم وقالت "شكرا لك، يمكنك الذهاب كي لا يعطلك الأمر أكثر"
فتح فمه ليتحدث ولكنه توقف وكأنه سقط بفراغ لا معنى له، ثقل عاد كتلك الأيام التي بدأت فيها بل انتهت فيها الحكاية، كان يدفن رأسه برمال العمل كي لا يرى أو يسمع أو يتكلم عن الحكاية، إنه حتى أخفى الأمر لأول مرة عن إخوته ولم يعلم السبب سوى أنه كان غاضب من نفسه
ظل ينظر لها كما كانت تفعل، وجه شاحب فتاة فاتنة يعرفها بالأصح كان يعرفها وانفض المولد بلا كلمة النهاية على الشاشة السوداء التي سقطت على حياته من بعدها
تحرك تجاهها وهي تتابعه بعيونها الزيتونية وترفع رأسها كلما تقدم منها حتى وقف أمامها وقال "بينكم علاقة؟ أنتِ وذلك الشيء؟ أو مع سواه كما يبدو فهو يدعوكِ.."
لم يكمل ويدها ترتفع كي تصفعه ولكنه كان بنفس سرعتها وقبض على رسغها مرة أخرى ليوقفها بالهواء وسقطت عيونه على وجهها الغاضب واليائس حتى رأى الدموع تهرع لعيونها والغضب يغلفها وهي تهتف 
"كيف تجرؤ؟ كيف تجرؤ؟ اخرج من هنا، اخرج الآن أنا لا أريدك ببيتي"
الدموع قتلته، لم يكن أبدا يقبل بدموع امرأة ليس وأمه امرأة رقيقة كانت لا تتحمل بكاء بناتها ولا حزن أي أحد، ليس من الفتاة التي..
خلصت يدها منه والغضب بل الكره كان واضحا بعيونها، يطرده يلقيه خارج البيت بلا كلمات وهو ضاع بعيونها، يا الله هو يريد أن يظل أمامها بل أن يجذبها لذراعيه ويضمها لصدره ويعتذر منها ويخبرها..! 
ماذا؟ يخبرها ماذا؟ لا، لا شيء عليه أن يختفي من هنا، الآن وإلى الأبد ما بدأه متذ سنه وشهر لن يتهدم الآن، لن يتراجع فهو لم يتراجع يوما بأي قرار لذا كان عليه الخلاص من تأثير تلك العيون فهو يعلم ما تفعله به فالتف وتحرك للباب ولم يفكر حتى بإغلاقه خلفه وركب السيارة واندفع بها بجنون وهو يكاد لا يرى أمامه سوى نفسه وهي، هما الاثنان وتلاشى العالم من حوله
الجناح ضاق فجأة عليه والحاسوب بدا مملا ولم يستفيد شيء من تفحصه، الأشياء كانت تتوه منه، القرارات ظلت عالقة، الاتصالات لم تتم، الأجوبة على استفسارات السكرتيرة أو إخوته لا يجد لها أجوبة
أغلق الجهاز ونهض للنافذة وما زال يراها والدموع بعيونها ويسمع كلمات الرجل الضخم "اشبع بالعاهرة" لم تكن بأي يوم هكذا فماذا عنى بذلك؟ هل ما حدث بينهم قادها لذلك الطريق؟ يا الله! ليتني ما رأيتك ولا ثارت الحمم داخلي من جديد، وكأنها خمدت كيف سيسمح بذلك؟ لقد سمح وقت تركها تضع النهاية، هل فعلت؟ ألم يكن هو من وضعها؟ 
بدل ملابسه بملابس خفيفة وحذاء رياضي ونزل وانطلق يجري، لم يعرف كم قطع أو كم انقضى من الوقت إلا عندما صرخت ساقه وسال العرق من كل مكان بجسده والتصقت الملابس بجلده، من يراه لا يصدق أنه الملياردير عامر دويدار، رجل الاستثمار الأول بمصر الرجل الذي اخترق عالم الأعمال وحده وجذب إخوته معه الآن هو شيء آخر غير ذلك الرجل
فرغ عقله من أي شيء ولم يعد يرى سواها، ذكرياتهم، سعادتهم، أحزانهم، والنهاية فقط النهاية التي وضعها هو بما تناسب مع غروره، نهاية مفتوحة لم تنغلق حتى اليوم، لم يستطع أن يفعل لأنه لم يملك الشجاعة ليفعل
أخذ حمام وتناول وجبة سريعة أحضرها خادم الغرف ثم بدون أي أفكار دخل الفراش والغريب أنه نام
الصباح كان قريب جدا، تحول لرجل الأعمال ببدلته التي وصلت مؤخرا من محلات زارا العالمية محله المفضل بعد كونكريت، دائما ما يسعون لتقديم الأفضل له لم يحصلون عليه من أموال منه
الرمادي القاتم هو ما ناسب مزاجه والقميص البيج وربطة العنق رمادية منحته الصفة الحقيقية التي رغبها، لا للماضي، لا للذكرى، أغلق الباب بل صفعه بقوة وترك المتاريس تنغلق بلا عودة هذا ما فعله بيوم ما فهل سيكمل المسيرة
السيارة كانت جيدة لكن ليس كخاصته السريعة ولكنها تؤدي الغرض، مبنى الشركة كان مفتوح والعديد من السيارات تقف أمامه، وتلك السيارة هو رآها من قبل، تبدو كالتي كانت أمام بيت ليل بالأمس، هل للسمين أم الرجل العجوز ماذا كان اسمه؟ لا يهم.. 
تحرك للداخل ووجد عدة أشخاص بملابس رسمية وانطلق واحد منهم إليه على الفور، كان قصير ومعتدل القوام بشعر خفيف، نظر له وقال باهتمام "سيد عامر؟"
نظر باستفسار من ارتفاعه للرجل وقال "نعم!؟"
ابتسم الرجل لتظهر أسنان صفراء ومد يده لعامر وهو يقول "محمد عيسى محامى الورثة، تبدو أصغر من الصور"
مد يده وصافح الرجل وهو يقول بعيدا عن تعليق الرجل "على ما أعرف الورثة هم ابنة زوجة الألفي؟"
هز الرجل رأسه وبدا بلا معاني على وجهه وهو يقول "نعم، مدام.."
لم يكمل ودقات تعلن عن بدء المزاد فالتفت ليرى الرجل الذي يقف على مائدة وبيده عصا يدق بها ويقول "أيها السادة لنفتح المزاد على مجموعة الألفي وبيته، سنبدأ بمليون جنيه"
التفت للمحامي وقال بتساؤل "بيته؟ كم مديونية البنك؟"
نظر المحامي تجاه اليمين وتبعه عامر ليرى الرجل الضخم الذي تلقى لكماته بالأمس يواجه بنظرات عدائية واضحة فضاقت عيونه بدهشة بينما سمع المحامي يجيب "خمسة مليون"
أبعد عيونه والمسؤول يشير لرجل وهو يقول "مليون ومائة ألف"
يد هنا وأخرى هناك حتى نطق الضخم "ثلاثة مليون"
رمقه عامر بنظرة غضب وقال بهدوء "ومائتين ألف"
سخط الضخم وهتف "وخمسمائة ألف"
وكأن المزاد انتهى عليهم هما الاثنان عندما قال الضخم "بماذا وعدتك؟ لن ينالها سواي"
لم يفهم كلماته ونظراته أظلمت وهو يستوعب الأمر، ما الذي يهم رفيق دويدار بتلك المجموعة اللعينة؟ بل بماذا أقحم نفسه؟ هو لا يكاد يرى من تواجده أي فائدة ومع ذلك لن يخسر أمام السمين
هتف بغضب "ثلاثة مليون"
 نظرات السخرية كانت بعيون الضخم وهو يردد "وخمسمائة ألف، عليك بالرحيل دويدار، هنا ليس مكانك"
ثار الغضب داخله ولم يرد وهو يقول "أربعة مليون"
هتف الضخم "خمسة مليون"
ردد المسؤول الرقم بتردد وانسحب الرجال من حولهم وسط همهمة منخفضة وشحب وجه المحامي عندما تبدلت نظراته لمنتصف القاعة فالتفت ليتراجع من المفاجأة للمرة الثانية وهو يردد 
"ليل!؟"
المحامي قال "كان لابد من حضورها هي الوريثة الرسمية"
التفت عامر للمحامي بدهشة والغضب يرتفع داخله ليحل محل الدهشة، ليل؟ الوريثة؟ يا الله! ما هذا العبث؟ ما الذي.. 
سمع المسؤول يردد "خمسة مليون، واحد.. "
عيونها كانت تنظر له بنفس الدهشة ورأى شفتيها تنطق باسمه فعاد لوعيه ليس عامر دويدا من ينفلت منه الزمام أبدا فردد بحزم "ونصف"
هتف الرجل الضخم "لا، لن يكون" وتحرك تجاهها وجذب ذراعها وهو يقول بغضب "هل تظنين أنه سيقف أمامي؟ لا أحد يمكنه أنه يفعل"
تحرك بدافع داخلي وعيونه على يد الضخم التي تمسك ذراعها وأمسك بيد الرجل ودفعها بعيدا عن ذراعها بقوة وهتف بغضب لم يعهده بنفسه "ابعد يدك عنها وتحدث فقط مع الرجال"
تراجع إسماعيل بينما رفعت وجهها له الآخر يهتف "هل وعدتك بأكثر مني؟"
لكمة سريعة أصابت فكه وجعلته يتراجع للخلف ويبدو أنه لا يتعلم من أخطاؤه السابقة وعامر يهتف "أخبرتك أن تتحدث مع الرجال أيها الحقير وأن تحترم النساء"
هتف الضخم وهو يعد نفسه للهجوم "هي تريدني أن أكون منقذها"
التفت لها والغضب يتصاعد بلا توقف وأسئلة لعينة تفقده صوابه وهو يهتف بها "حقا؟ هل تريديه؟ يمكنني إنهاء تلك المهزلة فقط أخبريه أنكِ لا تريديه"
سقطت دموعها ورأت الصدق بعيونه فلم تفكر وهي تقول أيضا بصدق "بالطبع لا أريده"
التفت للمسؤول وقال بحزم "سبعة مليون"
تراجع إسماعيل ويقط فده من الدهشة والمسؤول المثل بينما سقطت أكتاف المحامي مدركا انتهاء اللعبة وانتهى الرجال من حولهم وهتف الضخم "هي لا تستحق"
التفت عامر له ليعيد هجومه ولكنها وقفت أمامه ويدها على صدره وهي تقول من بين دموعها "لا يستحق أن تلطخ يدك برجل مثله"
سقطت عيونه عليها ورأى دموعها مرة أخرى لتدفعه لجهنم لأنه لا يستطيع وقفها وتسربت حرارة يدها على قميصه الرقيق لجسده ليدرك أنها ما زالت تملك ذلك التأثير عليه عندما نبضت عضلاته واشتدت للمستها بينما هتف المسؤول "سبعة مليون، واحد اثنان ثلاثة، تم"
سقطت يداها من على صدره من دقة الرجل بعصاه ليعلن انتهاء المزاد لصالح عامر وإسماعيل يهتف بغباء "هل تظن أنك فائز؟ هي ماهرة حقا تعرف متى تقفز من جائزة لأكبر منها بسرعة، تمتعي بجائزتك مدام"
كاد يلحق به ليفهم كلماته ولكن المحامي جذبه وقال "سيد عامر لنوقع الأوراق قبل أن يذهب مسؤول البنك"
انتبه للواقع، أي جنون الذي سقط به الآن؟ المجموعة بوضعها الحالي لا تقدر بأكثر من الخمسة مليون التي يطالب بها البنك فما الذي جعله يرفع المبلغ؟ لا يهم المال طالما كسب التحدي ومنحها كلمته هي أمواله، سيدفعهم من ماله الخاص ولن يطالب العجوز بأي شيء
اعتدل والتفت ليتحرك مع المحامي بخطوات ثابتة دون أن يتبادل معها كلمة واحدة أو تمنحه ردود للأسئلة الكثيرة التي تقفز داخل رأسه 
بمضي النصف ساعة كان قد وقع الأوراق وسلم الشيك بلا تردد والتفت باحثا عنها ولكنه لم يجدها
المحامي تبعه وقال "مبروك سيد عامر"
هز رأسه وقال "أين ذهبت؟ ليل؟"
ابتسم الرجل بخبث وقال "هل توقعت منها شيء؟"
التفت له بجنون آخر، ما بالهم جميعا يشككون بها؟ قبض أصابعه بجانبه كي لا يلكم الرجل وهو يضغط أسنانه وقال "ماذا تعني؟"
شحب وجه المحامي من ملامح عامر ونظراته المظلمة وهتف "لا شيء فقط أندهش ماذا تعني لك؟"
هتف بغضب وبلا وعي "هي تعني لي الكثير، هي زوجتي"
يتبع 
                     الفصل الثالث من هنا

تعليقات