رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الثاني والثلاثون32 والثالث الثلاثون33 والرابع والثلاثون34 بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الثاني والثلاثون32 والثالث الثلاثون33 والرابع والثلاثون34 بقلم ريناد يوسف

خرج سالم من الخيمة فوجد رجوه مازالت واقفة أمامها ، وكأن برق ضربها فأحترقت في مكانها، فأمسكها من ذراعها ولفها عليه وسالها بغضب عارم :
- أنت إيش السويتيه الحين، انهبلتي يارجوه ولا إيش، أسمعي إذا تقصدي شيي بالسويتيه قوليه الحين. 
ارتجفت شفتاها وهي تحاول أن تجمع الكلمات لترد عليه، وبالكاد نطقت:
-رر رابح سس سوى.. وقبل ان تُكمل سبقها أحد شباب القبيلة حين صرخ بسالم وهو قادم نحوه يجري:
-ايش واقف تسوي عندك وتارك رابح مانعلم عنه شي ولا ندري إذا حي ولا مات؟ تحرك ياسالم ماحد يعرف دروب رابح غيرك. 
نقل سالم انظاره بين الشاب ورجوه وسأل بعدم فهم:
- إيش تقول إنت إيش به رابح؟ 
- ياخوي سوا حادث وماحد يدري عنه شي، وجواله مع واحد غريب وهو اليرد عليه. 
أمسك سالم رأسه بكلتا يديه وهو يتلفت حوله لا يعلم ماذا يفعل او من أين يبدأ، فاخذ يجري هنا وهناك كمن أصابه مس، تحرك نحوا السيارة ولكنه تذكر شيئاً، هرول ناحية الشاب وجذبه من ذراعه ناحية البئر وخلع جلبابه وبقى بالسروال فقط وأمره أن يصب الماء عليه بالدلو مباشرة من البئر، فنفذ الشاب وبدا يصب فوقه الماء وكان هذا على مرأي من الجميع، أما مزيونه فكانت واقفة على باب خيمتها تنظر إليه تارة وتخبئ وجهها من الخجل تارة وشعرت بأنهم فُضحوا امام القبيلة بأسرها، ونظرت لرجوه بغضب وصاحت بها:
-أنت يافانص ياعديمة الحيا يالمتجيبين إلا الأخبار الشينه يابومة البوادي إيش سويتي، والله الحين لأمشي للشيخه عوالي وأشكيك لها واشوفها ترضى لك بالسويتيه ولا لأ.
 
ادارت رجوه رأسها نحوها ونظرت لها دون أن تتفوه بحرف ولازالت تحت الصدمة، وتفحصتها من رأسها لأخمص قدمها، ياإلهى كم هي جميلة! ثم اخفضت عينيها لبطنها وإشتعل قلبها وهي ترى بطنها المنتفخة قليلاً وبدت بارزة.. كانت تراها وكانها تكتشف وجودها للمرة الأولى! 
وعادت لرشدها وكأنها كانت فى غيبوبة والآن استيقظت منها.. إنه طفل سالم الذي تحمله في أحشائها، كيف ذلك؟ 
كيف لطفل سالم أن يأتي من غيرها، كيف لا تكون هي أمه؟ وكيف تراهما معاً في هذا الوضع، كيف يقترب سالم من غيرها بهذه الطريقة، كيف فرطت في كل هذا وتنازلت عنه وتركته لغيرها بمنتهى البساطة والسهولة؟ 
جرت من أمام مزيونه حتى لا تفرغ فيها كل الغضب الذي إجتاحها الآن. 

وصلت عند خيمة معزوزه وجلست بجوارها منهارة تبكي وتصرخ مع الصارخين، الكل كان يظن بأن صراخها خوفاً على رابح، ولكن صراخها كان لسبب آخر لا تستطيع كتمانه وكأن الله هيأ لها حادث رابح لتصرخ بحريتها دون أن تخشى لومة لائم. 

غادر سالم مع الشباب وهاتف آدم ونقل إليه الفاجعة فتحرك الآخر بسيارته فوراً وهاتف رجاله يبحثون في جميع المشافي الموجودة في نطاق الحادث، وأخيراً عثر أحدهم عليه وأبلغ آدم،
 فذهب للمشفى وهو يسابق بسيارته الريح ونزل منها مسرعاً نحو المبني وأخذ يسال ويتقصي عن رابح وعلم أنه فى غرفة الطوارئ، فإقتحمها وفتش بين المصابين وإذ به يجده فوق أحد الأسرة والطبيب يفحصه، إقترب منه بلهفة واخذ يقلبه وهو يسأل الطبيب بخوف:
-إيش فيه رابح يادكتور، هو عايش مو هيك، بعده حي يادكتور؟ 
نهره الطبيب وهو يحاول إبعاد يديه عن رابح:
- يافندم مش كده الحركه والهزه دي غلط على المريض هو عنده إشتباه في كسور ونزيف داخلي بس لسه هندخله على أشعات عشان نحددها، لكن في المجمل هو حالته مستقره وعايش ياسيدي، يلا ابعد شويه بقى خلينا نشوف شغلنا الحالات كتيره زي ماانت شايف وعندنا عجز في الدكاتره. 
إبتعد آدم وخرج من الغرفة وهاتف سالم، وعرف أنهم وصلوا المشفى، فوقف في الممر كي يستقبلهم ويطمئنهم على رابح.. وبعد ان هجم الجميع على المشفى مما تسبب بحالة زعر للعاملين، وصل قصير آخرهم وعلى الفور أمر إدارة المشفى بإخراج رابح بعربة إسعاف مجهزة حتى ينقله لمشفى خاص، وبالفعل تم نقله وعمل اللازم وتم الإطمئنان عليه، ولم يكن يعاني سوي من كسر فى احد اضلاعه وتهتك في الطحال وتم إستئصاله، وخرج لغرفة الإفاقة وبدأ يستعيد وعيه. 
في هذه الأثناء هاتف سالم مزيونه، وهلال هاتف معزوزه وطمأنوهم، ولكن معزوزه أصرت على هلال أن يعود للقبيلة ويأخذها هي وإبنها لزوجها؛ 
فهي لن تطمئن عليه إلا إن راته بأم عينها وسمعت صوته وقال لها بلسانه إنه بخير، وأمام إصرارها ذهب هلال ليحضرها. 

ساعة كانت كفيلة بأن يجلبها ويعود، وفي هذا الوقت بدأ رابح يستعيد وعيه، وأول ما نطقه لسانه هو إسم معزوزه، فأسرعت بإمساك يده وإخباره بإنها بجانبه لم تتركه، فتبسم وأغمض عينيه بعد أن إطمأن لوجودها ووجود إبنه بجواره، وبدأت رحلته فى إكتشاف مواضع آلامه وأيهما الأقوى. 
أما سالم وآدم والجميع فغادروا الغرفة بعد الإطمئنان عليه، وطلب قصير من الجميع العودة للقبيله فرابح بخير الآن، وحتى سالم وآدم أمرهم بالعودة، ولم يترك بجوار رابح سوي معزوزه وهلال اخيها، وقال انهم كافيين والطبيب أخبره بأن حالة رابح مستقرة ولا يوجد خطر من اي نوع، فإمتثل الجميع، وعاد آدم لعمله، وعاد الباقين للقبيلة. 

وبمجرد رجوع سالم كانت رجوه متوجهة نحو خيمة عوالي، فعرف أنها ذاهبة لتلقى العقاب على فعلتها إن كانت الشيخة علمت بها،
 فذهب خلفها يتحرى، ولما إقترب وسمع صوت مزيونه قادم من خيمة عوالي تأكد بأن رجوه علي شفى جحيم عوالي، فهذه المرة العقاب أشد من جميع المرات السابقة، لأن هذه الغلطة هي الأعظم في تاريخ غلطاتها. 

فإستأذنت رجوه ودخلت وتلقتها عوالي صارخة:
-أشوفك تعرفين الإستئذان يافانص، لكان ليش ما تتذكرينه وقت تقتحمي الخلوات وتهجمين على الناس الغافله بخيامها، من سواها أمامك من أهل القبيلة من وقت الربك خلقك لليوم يارجوه، من تجراء وسواها لجل تسوينها أنت؟ 
تلعثمت رجوه في الكلام ولم تعرف بما تجيب فردت عليها مزيونه:
-. والله ياشيخه انا للحين ماقادره استوعب انها دخلت علي انا وراجلي وقت الكنا.. ياناس ماقادره انطقها ولا اتقبلها ياعالم. 
- اعرفها ماتتنطق او تنعقل والعقاب عليها ماراح يكون شي عادي، إلا ماأخليك عبره لكل القبيلة يارجوه وتمشي وسط الكل بسواد الوجه.. غدوه انا بجمع كل أهل القبيلة واخلي كل وليدات القبيلة يرجموك، كل وليد بثلاث أحجار، وشوفي أنت قديش وليدات القبيلة وقديش راح تدجك احجار. 
ظلت رجوه على صمتها ولم تنطق، فهي في حال يجعل هذا العقاب هين أمام ماتشعر به، وهنا إستأذن سالم ودلف من باب الخيمة وقال:
-عمتي مافي داعي لحساب أو عقاب، هي غلطه مو مقصودة وانا متأكد إن خوف رجوه على رابح هو الدار عقلها وخلاها تسوي هيك، وإنا مسامحها وهي ماراح تعيدها انا اضمن لك هاد الشي. 
صاحت به مزيونه لأول مرة:
-بس أنا مامسامحه ياسالم، وهاد الإمر مايخصك لحالك. 
- وأنا سامحت يامزيونه وأنت تسامحي ماتسامحي شي يخصج، بس أنا ماراح أسمح بالعقاب الحكمت به عمتي ولا راح يصير هاد الشي، ولا أي عقاب غيره يقع على رجوه، انا أقول التصرف مو بإرادتها وماراح تكرره،
 إي هو تصرف مايطلع غير من بهيمة، لكن فيه مواقف عقل الإنسان يوقف بيها ويصير عقل البهيمة أفهم عنه. 
عوالي:
-يعني هاد رأيك ياسالم؟ 
-أي ياعمتي هاد رأيي، والحين بعد إذنك أصرفي رجوه وكتمي عالخبر وأنت يامزيونه هيا على خيمتنا اريد اكل شي جوعان وحاسس حلقي مر حنظل. 
غادرت مزيونه مع سالم وبعدها إنصرفت رجوه بأمر من الشيخه عوالي بعد إن أسمعتها سم الكلام، وجلست مع مايزه يتباحثن في أمرها..
 فذهبت رجوه رأساً للعنود، وهناك إرتمت في حضنها وشهقت وهي تقول:
-ريتهم سوا يالعنود، شفته باحظانها وهي بين يديه ووقت شفتهم لمها بحظنه ودثرها كيف ماتكون بنيته وخايف عليها، سبني ورماني خارج الخيمة لأجلها، 
وقصت عليها كل شيء، فهمست العنود لها:
-وهي هى الصفعة اللي ماكنت اعرف من وين بتجيك، جاتك أسرع مما تخيلت وبالقوة المطلوبة.. والحين يارجوه راحت السكره وجات الفكره، والله يقوي قلبك وعقلك عاللي جاي. 

ادخلتها واخذت تتحدث معها في موضوعات عدة كي تجعل عقلها يفصل قليلاً، واشركت معها نوف وعفراء التي رقت لحال رجوه بعد أن رات إنتفاخ عينيها وشهقاتها المتواصلة، وظلوا على هذا الحال حتي نامت رجوه في مكانها، فتركوها تنال قسطاً من الراحة وغادروا جميعاً للخارج. 

اما في خيمة سالم.. 
- مزيونه لا تقلبين خلقتك علي، انا ادري بها ماقاصده، حتي انا نفسي انخبصت وماعرفت إيش اسوي وقت السمعت الخبر، خلص انسي الموضوع وماتحطين ببالك. 
- انسى إيش ياسالم، أنسى إيش، انسي إنها شافتك بلا ملابس، شافت اللي مو من حق حدا غيري يشوفه، انسى إنها فاتت على خيمتي وهي مفكره أن لها الحق تسوي هيك وماراح تتعاقب وبالفعل هاد اللي تم. 

- يامزيونه افصلي لاني مو ناقص كلام، وإذا عالشوف وربي إذا ماسكتين لاخلع كل ثيابي وامشي بنص القبيلة متل ماولدتني امي وأخلي الماشاف يشوف مو بس رجوه، صغيره يابت الحلال لا تكبريها. 
- إي تسويها ماانت فنص وماتستحي. 
ضحك سالم بخفوت وجذبها من يدها وإجلسها في حجره وأردف لها مهدئاً.. وقت الكنا صغار انا ورجوه كنا نستحم سوا عند العين وانا ماكنت ألبس أي شي وهي كانت تشوفني، يعني هي مو أول مره والشافته عادي ماشي جديد عليها. 

هبت مزيونه واقفة وصرخت به:
- حنظل عليك وعليها وعلى وقت الكنتوا صغار.. ياسالم لا تجنني، يعني انت الحين تشبه روحك بوقت الكنت فيه صغير؟ تعرف.. أنا ماضل عندي كلام أنا بروح اجيبلك الوكل احسن شي، تاكل وتصكر فمك. 
ضحك سالم عليها وهو يراها تغادر الخيمة وتتتمتم بغضب، واردف لنفسه بعد مغادرتها:
-إي صح والله معها حق، إيش هاد القولته ياسالم، كيف يعني شافت كل شي، الله ياخذك يارجوه خليتيني اخربط ماأدري إيش اقول. 

غابت مزيونه قليلاً واتت لسالم بالطعام وجلست بجواره تراقبه وهو يأكل، وبين الفينة والفينة تتسلل لشفتيه إبتسامة سرعان مايخفيها بتناوله الطعام، فصاحت به مزيونه بعد أن فاض بها:
-اشوف التِباسيم ماتفارق فمك ياسويلم، أشوفك فرحان كيف مايكون العملته رجوه جاى على هواك! 
-مزيونه خيمتك بدا يجيني منها وجيج الراس وماعاد بيها راحه، انا باكل وماشي اجلس مع الشباب، وماراح ارد إلا وانت نايمه، وهاد الراح يصير إذا ضليتي على هي النغمة وتعيدين وتزيدين بشي انقفل،  وياتنسيه ياتنسي وجودي بخيمتك. 

صمتت مزيونه وهو انهي طعامه وخرج بالفعل، وظلت تلوم نفسها على اعصابها التي فلتت منها رغماً عنها وهي المعهودة بالثبات. 

أما سالم فلم يكن يعلم أن هناك حفل بإنتظاره من شباب القبيلة على إستحمامه من البئر، وكل بكلمته والضحك والقهقهات وصلت عنان السماء، وهو ماكان منه إلا الصمت والصبر ولعن رابح ورجوه وحتى مزيونه على ماصار به، وكأن الجميع تكاتف لخزيه اليوم! 

عاد آدم من المدينه وفي المساء الكل مجتمع في مجلس الشباب، فذهبت رجوه ونادت علي آدم امام الجميع واخذته بعيداً وبعد تردد دام لدقائق أفرغت مابداخلها مرة واحدة وقالت له:
-عقاب انا ماعدت اريدك، فك رهنك لي وقول إنك مارايدني. 
صدم آدم مما سمعه ونظر إليها متفحصاً فوجد آثار البكاء على وجهها، وبما أن سالم أخبره بما حدث منها صباحاً ربط الأحداث ووجد أن قلبها أخيراً عاد إلى قواعده، وأن عقلها عاد لرأسها بعد هجرة طويلة، فتبسم وقال لها:
-لك التريديه يارجوه.. اعتبري رهني عليك انفك وصرتي حره. 
- زين.. من غدوه استلم أغنامك وشوفلك حد يرعاهم، انا ماعدت الغنامه حقك. 
ضحك آدم وقال لها:
-لا يبه أنت زينة الصبايا، وهادول الأغنام مني لك، هديه، حلا فك الرهن وثمن حريتي منك، إيش رأيك بحياتك شفتي هيك شي؟ 
-تبسمت رجوه وهي ترد عليه:
-تدفع ١٠٠ راس حلا لجل إنك ماتزوجتني؟ 
- وأدفع الف راس، يبه انت ماتدرين إنك بلا يمشي على رجول واليجاورك مبتلى فيك ومبتلى بأفعالك، هادول أعتبريهم عتق رقبة لاني وربي من يوم الرهنتيني وانا احس إني خسرت حريتي وراحة بالي والحين ردوا لي.. روحي يارجوه ال١٠٠ راس غنم لك والله لا يحطك بطريقي  وسلام الله عليك ليوم الدين. 

تحرك من أمامها مغادراً ووقفت هي تراقبه مبتسمة وهو يبتعد، وفي هذه اللحظة لم تراه سوى عقاب الصغير صديق الطفولة واخيها الذي كان يحملها على ظهره احياناً كي يعين سالم عليها شفقة على سالم وليس عليها، فكيف إختلطت مشاعرها وإعتبرته حبيب، وماذا كانت ستفعل إن فاقت بعد فوات الأوان وهي في بيته زوجة؟ من التي كانت تتصرف طوال الفترة السابقة ومالخراب الذي كانت تُحدثه في حياة رجوه وحياة الجميع؛ فبالتأكيد ليست هى من كانت تفعل كل ذلك.! 

أزاع آدم الخبر وسط الشباب بأنه فك رهن رجوه وأصبحت حرة منه، وصمت سالم ولم يُعقب أو يُظهر أية ردة فعل، ولكنه كان مستغرباً، وأخذ يسأل نفسه عن السبب فالتوقيت غريب لحدوث هذا، وكيف وافقت على التخلي بهذه البساطة وهي بالكاد حصلت على آدم بعد حرب طويلة؟ أجنت بالفعل هذه الفتاة كما يقول الجميع أم ماذا؟


الثالث والثلاثون33 


مرت الأيام سريعاً ، وخرج رابح من المشفى، ومنذ ذلك اليوم ورجوه أصبحت تراقب مزيونه وسالم كالهرة الجائعة التي تراقب عصفور داخل قفص، جالسة أمامه تلتفت لأي حركة منه.. وبدأت في إفتعال المشكلات مع مزيونه، وإن جمعتهم طريق واحد لا تمر منه مزيونه إلا بعد أن تسمعها رجوه مالا تطيق.. 
مزيونه:
-زيحي يارجوه أريد أملا ماعوني. 
-جايه بالأخير ماتمشين إلا الإخيرة. 
- أنا ماقادره اقف واجد يارجوه راسي لافه وأريد أرد قبل لا يعاود سالم. 
- قوليله رجوه العطلتني ماراح يحكي معك شي. 
-اتركيها يارجوه تعبي وتمشي، البنيه حبله وماقادره توقف زايد. 
-تجلس. 
-انا اريد أعرف ليش تتعنديني يارجوه، وإيش موازيك علي؟ 

-وانا ليش اتوازي عليك منو أنت لحتى احطك ببالي من الأساس؟ 
-انا ستك وتاج راسك، انا مزيونه مرت سالم زينة رجال القبيلة. 

مزيونه نطقت إسم سالم وماظل في رأس رجوه عقل، فهجمت عليها وبالكاد إستطاعت النساء تخليصها من يديها قبل أن تقتلها خنقاً، فإبتعدت مزيونه تصرخ وتستنجد بسالم حتى أتى لها مسرعاً من مجلس الشباب، وصدم من منظرها، ولما أخبرته بان رجوه ضربتها جن جنونه وذهب نحو رجوه مسرعاً، سحبها من ذراعها من وسط النساء وابعدها قليلاً وهدر بها:

-رجوه اريد أعرف لييش هالتصرفات مع مزيونه وليش حطيتيها بمخك وتجاكريها وتضربينها، إيش سوتلك ولا انكلبتي انت ولا إيش؟ 
-تحبها؟
-وليش مااحبها، هي وحده مايلوقلها إلا المحبه.
- وانا ياسالم، وين محبتك لي؟
-انت إيش يارجوه، بيش جايه تطالبي الحين، محبة سالم لكي من عدمها أصبحت شي ذات قيمة اليوم؟ أمرك عجيب والله. 
-سألتك سؤال، وأنا وين راحت محبتي البقلبك ياسالم؟ 
-اعرف سر هالحالة الانت فيها، وأدري أنك جايه تسألي على محبتك وتطمني على وجودها من بعد ماشفتيني مع مزيونه، وأكيد حسيتي إني مرتاح ومبسوط فقلتي انغص عليه حياته واخربها وأرجع اذكره بمحبته لي، أنا الحين فهمتك يارجوه، أنت ماتحبي تشوفي سالم مرتاح، 
ماتكوني هانيه إلا وعيونك شايفاه متعذب وتريديه يجري وراك ويشحت وصالك ومحبتك وانت تصدي وترفضي وتتغلى.
-لا ياسالم مو هيك، انا كنت غالطه وماادري شي وقلبي معمي والحين...

- والحين شفتي إن مصلحتك مو مع عقاب وإن اللي توقعتيه منه ماراح تتحصلي عليه، فقولتي تيجي للتيس سالم وتضحكي عليه مره ثانيه، وتتحججي بإن شوفتك لي ولمرتي صحت غيرتك.. 
غيرتك الماصحيت وقت الكنت اتزف عليها ولا جابتك حتى لعرسي تشوفين إيش بي، غيرتك الكانت مطموره كل هالفترة والحين طافت عليك.
ليش يعني كل هالوقت مفكره إني بخيمه وحده مع مزيونه وحبلت مني من دون مايجرا الشفتيه بعيونك؟
- ماكنت افكر بهالشي وماتوقعت إني بس اشوفها معك انوجع كل هالوجيج.
تبسم سالم وهز راسه بيأس وهمس لها:
- شوفي كيف حتى جملتك مغلوطه، أشوفها معك هيك، يعني بالنهاية شفتيها هي مو أنا، استكثرتيني عليها مو غرتي علي ولا أي شي من كل الخرابيط التحكينها.

-ياسالم إسمعني.. 
- رجوه انت التسمعين.. أنا صدق دللتك ومااتحمل فيك شي، وصدق ماأحب ازعلك، بس يوصل الامر لمزيونه وإبني والله أحطك تحت اقدامي وادعسك دعس وامشي وماالتفت عليك.
-ياسالم لا تسوي هيك فيا، لا تسمعني الكلام اليذوب القلب أنا انحبك، انا ماكنت ادري إني أنحبك بهاد القدر، انا انحس إن قلبي كان متغمي وماشي بالظلام ومضيع دروبه. 
- وانا الحين مااريد محبه منك يارجوه، ماأريد محبه إنعرضت على غيري وما اخذها، أنا ماآخذ البواقي ولا ادور محبه رخيصه، وإذا ظنك إني راح اعوف مزيونه وارد اركض وراك بكلمة منك، فآسف يارجوه، إنت ماعندك شي ماقدمتهولي مرتي، ولا عندك شي مو عندها، 
خلي قلبك يكمل بالدروب المشى بيها ومايدور على غير دروب لأن دروبنا سكرناها وماعاد بدنا حدا يمشي فيها إلا العبروها بمحبة وقت الكنا مالاقيين حبايب. 
- سالم.. كلامك... غصت قبل أن تكمل فاكمل هو:
- واااجد موجع، أدري، بس الحقايق دوم توجع.. والحين يارجوه روحي شوفي إيش راح تسوي بحياتك ومستقبلك.
- مالي حياة ولا مستقبل إلا معك.

-وأنا انقولك آسف للمرة الثانيه، انا ماعدت اريدك يارجوه، ولو إنطبقت السما عالأرض ماراح تدخليلي خيمه عروس.
- وأنا ياسالم ماراح اتزوج ولا ادخل خيمة عروس إلا وأنت راعيها.

-معناها ماراح تتزوجين، وبالنهاية هي حياتك وانت حرة التصرف فيها، انا يابنت الحلال كل اللي اقدر عليه إني أوعدك ماراح اتركك لأي ظلم يقع عليك إلا وأكون أول اليمد يده لك ويرفعه عنك، وإذا بيوم احتجتي أي شي سالم سداد، بس هاد بحق العشرة وهاديك الأيام، وماتعتبرينها محبة يارجوه، هاد عطف 
- لا ياسالم محبه، وانت ماراح تتركني لأنك تحبني مو لأنك تعطف علي، أنت تحبني سوا أنكرت أو قريت، قلتها أو ماقولتها انت تحبني، وإذا تكذب على كل العالم وحتي علي روحك بحكيك الخايب هاد وتقول إن ماعاد لي محبه بقلبك ماتقدر تكذب على رجوه.. رجوه تعرف زين إيش هي بقلب سالم، وأدري إني أجري بك مجرى الدم بعروقك، 
ومو مزيونه ولا ألف مزيونه التنسيك رجوه ومحبتها، ومن اليوم ياسالم انا بحياتك وحولك، على يمينك وعلى يسارك وماأفارقك إلا تحن وتردلي، إنت حق انا ضيعته وأنا اللي راح ارجعه ولو فنيت عمري محاولات.

- راح تتعبين بدون فايده، أنا مشفق عليك.
- لا ماتشفق وانا راضيه بكل تعب الدنيا إذا بالنهاية الأجر أنت.

غادرت بعد أن اعطته تلك النظره التى زلزلت قلبه، لا يصدق أنه سمع هذا منها، لقد إعترفت له للتو بمحبتها وعبراتها اكبر دليل، كم تمنى أن يسمعها منها، كم حلم بها، ولكن الأحلام إن تأخر تحقيقها تفقد لذتها، 
وهذا الحلم بالذات كان حلم عمره، ولكنه مضطر الآن للتخلي عنه من أجل كرامته، ومن أجل كل ماناله على يد رجوه من ألم ووجع، وليس من العدل أن يتوجه بفوزها فى معركتها مع قلبه الذي انهكته من كثرة النزال.
ومن هذا اليوم بدأت رجوه تتقرب من سالم بكل طريقة ممكنه، تعترض طريقه وتلحقه للوادي وعادت ترافقه في رحلات الصيد وحين تخرج لرعي قطيع اغنامها تطلب منه أن يلحقها بالطعام، وهو مرة يلبي وعشرات يتجاهل، وهذا كله تحت أنظار مزيونه التي تكاد تموت قهراً وهي ترى محاولات تقرب رجوه من سالم التى حتمًا ستأتي بثمارها، فهذه رجوه وهي تعلم جيدًا من رجوه بالنسبة لسالم. 
أصبحت منطوية على نفسها كثيراً، تشعر بالضياع وبأنها في طريقها لخسارة كنزها الثمين، ولكنها صامتة لا تشكوا، 

 دلف للخيمة فظلت على جلستها في زاوية الخيمة، لم ترحب به ترحيبها المعتاد وهو ملاحظ بأن إبتسامتها تلاشت وحل مكانها عبوث غريب، والأغرب انها ممسكة بالمغزل طوال الوقت وتغزل الصوف، تغزل وكانها تنتقم وحين تفرغ من كمية تذهب للصواف وتُحضر غيرها حتى غزلت تل من الخيوط.. فعرف أنها الآن تحاول التغلب على شعور لا تستطيع تحمله..فهي اخبرته قبل سابق أنها تهرب بمغزلها مما لا تتحمله، يعرف أنها تشعر بالغيرة، ولكنه لا يستطيع السيطرة على نفسه حين تمر من أمامه تلك الشيطانة.. نعم هو ضعيف أمامها ولا يستطيع إخفاء ضعفه ومحبته حتى وإن جاهد، وهذه المسكينة ليس لها ذنب، يعلم أنها لا تستحق هذا الشعور،
 ولكن قدرها أن قلبه متعلق بغيرها، تماماً كقدره الذي علق قلب رجوه بغيره، هم يشربان من نفس الكأس وكأن حظهم واحد وقُسم بينهم بالعدل! 
إقترب منها وأمسك بيدها التي تغزل وأخذ منها المغزل ووضعه جانباً ثم قبل يدها وقال هامساً:
-ايش بيك يامزيونه مو بعادتك تبعدين عني وتتهربي من مجالستي؟ مو بعادتك إذا انا بالخيمة تنشغلين بشي غيري، إذا زعلتك بشي ومامنتبه نبهيني، بس لا تاخذي مني موقف بدون توضيح. 
ردت عليه وهي تهرب منه بعينيها في ارجاء الخيمة:
- لا ياسالم انت مازعلتني بشي ولا جيت صوبي بغلط، أنا لحالي احس روحي اختنق وانفاسي ضايقه، يجوز من الحبل لا تشغل بالك، كل النساء بس تحبل مزاجها يتعكر بدون سبب وترد تصفى لحالها. 
-ماعدتي شاطرة بالكذب لأني الحين اقدر اكشفك بكل سهوله، قاريك يامزيونه واقدر أحس بأنفاسك إذا تغيرت..وأحب اطمنك بأن اللي تفكرين به ومعكر صفوك ماراح يصير، أنا ورجوه صرنا متل شريطين القطار مانلتقي، نمشي حد بعضنا أي، بس انو نلتقي بنقطة هاد مستحيل، من البداية انت تعرفين إن رجوه راح تضل بحياتي بشكل أو بآخر وماكان الموضوع هامك، ليش الحين شلتي الهم واخذك التفكير؟ 
- خايفه ياسالم، خايفه تعوفني وتحن، خايفه ترد لشويقك واليطول شويقه ينسى الدنيا ومافيها ومن عليها، وتطير مزيونه من حياتك متل حبات الرمل اليطيرهم الهوا. 

إقترب منها وأخذها بين أحضانه وهمس لها وهو يأخذ كفها ويضعه فوق قلبه:
-مزيونه صارت مزروعه هين، بهي الأرض الصلبة وصارت شجره هيك كبرها، لا ريح تقدر تحركها ولا يد تقدر تخلعها. 
- توعدني ياسالم إنك ماتتركنى ولا تهمل في بيوم من ليام؟
نظر لعينيها الذابلتين وتمعن فيهما قليلاً ثم بدأ يدندن بصوت عذب حنون:

أوقعلك عقد للموت أضل وياك صوره وصوت
لحد ما يشيلني التابوت أظل يمك اظل يماااك
احبك ابقى بالمضبوط وحط براحتك لشروط
بقلبك اظل محطوط واظل يمك
هو انت اليحبك هم يعوفك؟ 
ابد ما عنده عين المايشوفك
واذا تبعد علي احضن طيوفك
واظل يمك .. واظل يمك

بالدم اني ابصملك احبك ابقى ما امِلك
تظل خلي واظل خلك ولا اعوفك
كلمتي واحده من أوعد،، ما عوفك ولا ابعد
نار الحب فلا تبرد ولا اعوفك
دنيا بليا حبك شلي بيها؟ 
ما تسوى ابد ما اشتريها
ومهما روحي دار الوقت بيها
اظل يمك .. واظل يمك

اعوف الدنيا والبيها ولجلك ناسي الغيها
والك هالروح اهديها واظل يمك اظللل يمممك. 

إنتهي من الدندنة ونظر إليها فوجدها قد أسندت رأسها على كتفه واغمضت عينيها مبتسمة ويداها طوقته، أمال عليها يشم رأئحة الجنة من جدائلها، فيال هدوئها المريح وصفاء قلبها وطبعها الهين اللين الذي يجعلها تنسى كل أوجاعها بمجرد كلمة وتتفتح في عينيها الورود، ويكاد يقسم لو ان النساء درجات لكانت مزيونه سيدة كل نساء الأرض. 
ولكن ماذا يفعل فى شجرة اللبلاب تلك التي إلتفت على قلبه منذ الصغر فإقتحمت خلاياه، فلا هو القادر علي بترها ولا القادر على إعتياد وجودها بهذا القرب دون أن يمد يده ويلمسها وهي التى اصبحت أدنى له الآن من وقت مضى، كالنجمة التي سقطت في حجره بعد أن كانت فى كبد السماء بعيدة. 

أما في القاهرة... 
عرف يحيي بما حدث لإبنه حين سأل عنه طبيبه واخبره احد الممرضين بأنه لن يأتي له بسبب سجنه، تمنى الموت ولكنه لم يناله، خرج من المشفى اخيراً علي كرسي متحرك برفقة أحد الرجال وأخذه على شقته، والذي ارسله له اخيه محمود ليهتم به، وتولى هو أمر مرتبه الشهري وكل مايلزم يحيي من علاج وطعام وشراب، وهذا إكراماً للعهد الذي قطعه على نفسه لأبيه. 
أما عايده وفاطمه فحكم عليهم المفتى بالإعدام شنقاً ونُفذ الحكم، ومن بعدهم ياسين حكم عليه بالاشغال الشاقة المؤبدة نظراً لأن المحامي وجد ثغرة في قضية قتله لأخته وحولها لقضية دفاع عن الشرف.. وغادرت حياة وإخواتها البلاد على كندا وللأسف لم يستطيعوا المغادرة قبل تنفيذ حكم الإعدام على أمهم، بل نُفذ بوجودهم ودفنوها هي وخالتهم أخذوا من أغراضهم أهمها، ومن ذكرياتهم أجملها وفروا بلا رجعة. 

أما آدم فكان هناك لحظة إقلاع الطائرة وراقبها وهي تطير بسعادته مبتعدة عنه، محلقة فى الفضاء لتفصلهم المسافات حتى لا يكون للعودة أي مجال.. ثم عاد للقصر وقضى الليلة التي تلت سفرها وحيداً في القصر يسترجع ذكرياته معها، يقلب في صورها على هاتفه ويتأسف لطيفها على خذلانه لها الذي لم يكن له يد فيه..ثم عاد للقبيلة وبدأ في مباشرة عمله وصب كل تركيزه عليه حتى يهرب به من الدنيا وما فيها.. 
وفي إحدى الصباحات أثناء وجوده في مكتبه، دخل عليه الساعي بكوب قهوته الصباحيه ووقف أمامه برهة، فسأله آدم :
-إيش بك ياعم خالد تريد شي؟ 
-أيوه والله يابني، كنت عايز أستأذنك النهارده اروح أحضر حفل التخرج بتاع بنتي، مفيش حد معاها غيري لا أم ولا أخ ولا أخت، ومش عايز اسيبها في اليوم ده. 
تبسم آدم ورد عليه بنبرة ودوده:
-ماشالله إمبارك لها ومنها للاعلى، روح ياعمي مرخوص وخذ سيارة الشركة توديك أنا بعطي أمر للسائق ياخدك ويردك، وإذا حابب تاخذ اليوم كله اجازه مافي مانع، إفرح مع بنيتك وفرحها، وهاك إمسك مني هادول القروش وجيبلها هديه زينه واعطيها لها. 
-ملوش لزوم يبني خيرك  وخير والدك سابق والله.
-خذ يارجال ماتكسف مدة يدي، اقول ياعم خالد إيش مجال دراسة بتك؟ 
-كلية تجارة يبني وناجحة بتفوق وتقدير عالي الحمد لله. 
- زين، وظيفتها عندي.. خلها تجهز أوراقها وجيبها وتعال. 
-الله يبارك فيك ويرزقك ويعليك ياحبيبي، والله كنت ناوي اطلب منك وظيفه ليها بس مكونتش عارف افاتحك ازاي وخصوصاً انها لسه متخرجه. 
-ولا يهمك، هي شركتك ومرحب ببنيتك فيها، هيا روح لا تتاخر عليها. 

غادر الساعي وهو يدعوا له، وعاد هو لإستكمال عمله ودفن رأسه بين أوراقه، ولا يعلم أن القدر بدأ ينسج له درباً جديداً ليسلكه، فترى إلى أين سيأخذه هذا الدرب؟ 

الفصل الرابع والثلاثون34 

غادر خالد الساعي الشركة بسيارتها وذهب لحفل إبنته وهو يحمل لها هدية باهظة الثمن، وباقة زهور حمراء خلابة، يرتدى أفخم ثيابه على الإطلاق، وكان حضوره ودخوله مميز جعلها تفتخر به، ولما علمت أن كل هذا بفضل مديره قررت شكره بنفسها وهي تقدم له أوراقها للتعين، إنه الخبر الذي أخذها و زرعها فوق السحاب من الفرحة وجعل الغيرة تدب في نفوس كل زملائها، فهي بدت وكأنها أخذت جميع الحظوظ الجميلة وهي مجرد إبنة الساعي! 

عادت معه لمنزلهم، أحضرا معاً طعام جاهز ليكتمل الإحتفال بهذا اليوم العظيم، وقبل إنتهاء اليوم عاد خالد للشركة وهو يحمل لآدم في نفسه عرفانًا ليس له حدود، شكره كثيرًا وسعادته إنتقلت لآدم ولازمته بسمة صغيرة وهو يكمل عمله، ولم تختفي حتي عاد بها للمنزل، وهناك أخبر أمه عن سرها، قائلاً لها بالنص:
-ماأحلاها علاقة الأهل بوليداتهم وفرحتهم بهم، هي العلاقة الوحيدة اللي مابيها شك ولا تقبل جدال، مافي غير الأب والأم اليريدون وليدهم يكون افضل منهم، هي حقيقة والله،اعظم شي بالدنيا الأبوة والأمومة. 
لتنتهز أمه الفرصة قائلة:
- طيب بما إن هرمون الإبوه زايد عندك دلوقتي، إيه رأيك تاخد الخطوة دي، نفسي أفرح بيك يانور عيني وأشيل ولادك، نفسي اكون تيته. 
تبسم ونظر للفراغ وبمجرد ذكر الموضوع رأي طيفها يتجسد أمامه، فهي إرتبطت في عقلة بكل شيء يخص الزواج والإستقرار، ولكن سرعان ما أغمض عينيه وفتحهم عدة مرات طارداً لطيفها من أمامه، فهى لن تكون بطلة قصته بعد الان، ويجب البحث عن أخرى بديلة، فنظر لأمه التي مازالت مستمرة في الحديث وأردف:
-اقول يايمه، انت معك حق أنا  ايش راح انتظر ودروب العشق اتسكرت؟ وإذا تزوجت راح أبحث عن الإنسانة المناسبة لي ولأولادي والمودة تكفي، وأشوف لو تقومين أنت بهي المهمة بدالي أكون شاكر لك وتكوني وفرتي علي وعليك وقت وجهد واااجد، إبدأي رحلة البحث ومتي ماتعطيني التمام وتشاوري على بت الحلال أنا جاهز. 
قفزت عايده من مكانها وأمسكت بيديه قائلة:
-بجد يادومي، يعني هتخليني انا اختارلك عروستك واللي اختارهالك توافق بيها؟ 
أومأ لها آدم موافقاً؛ فتركت يديه وهرولت نحو زوجها تزف له الخبر، وعلى الفور بدأت في البحث عن عروس في جميع معارفها تليق بإبنها من حيث الطباع والأخلاق، وبدأت في وضع اكثر من واحدة في قائمة كي تفاضل بينهم فيما بعد وتنتقي من بينهم الأفضل. 

أما في القبيلة.. 
اقول يارجوه إنت ايش تريدين من سالم؟ 
-أريده يامعزوزه، سالم لي، حقي، ملكي وأريد أرد أملاكي. 
-سالم مزوج وجايه بالطريق وليد لا تخربي حياته. 
- وإذا؟ مزوج يتزوج مرة ثانية، جايه وليد يجوله اثنين واحد مني وواحد منها. 
-توافقين تكوني رقم اثنين بحياته؟ توافقين يتركك ويروحلها وذكرها مايفارق لسانه، تتحملين تشاركك فيه يارجوه وأنت الماتحملتي عليه شوفه، ومن يومها حاطه مزيونه فوق قرونك وتدهسي بيها مثل تور هايج. 
-اي اتحمل، وربي اتحمل، هاي غلطتي ولزوم اقبل واتحمل العواقب. 
- يارجوه الأمر ماهو عند يابت الحلال، وماهين التقولينه والفعل غير القول، أدري إنك رديتي لسالم بعد ماشفتي من عقاب اللي ماكنتي تتوقعيه، وأنه خلف كل ظنونك ولجل انك ماتعودتي تعيشي إلا فوق الكل رديتي لسالم لجل يرفعك مره ثانية، وإن مارفعك فوق الكل عالقليلة يرفعك فوق مزيونه، وهاد اليخلي بالك هاني ومرتاح. 
- انا صدق مصدومه فيك، هي المرة الأولي التكوني ظالمة لي فيها ياأمي، ماتعودت منك عدم فهمي وانت التعرفيني اكثر من نفسي!
-لا ماعادت أمك تعرفك الحين، تغيرتي واجد يارجوه وتبدل كل شي فيكي.. اسمعي يابنت أمي، أنا الحين راح أمشي لسالم ونسأله زواجك، وإذا وافق يكون الله كفاكي وكفانا شر التعب، وإذا ماوافق.. 
- بيوافق، هو الحين موجوع مني وحقه، بس إذا قعد مع روحه وراجع قلبه راح يوافق. 
-وإذا ماوافق يارجوه؟ 
صمتت قليلاً ثم تلونت ملامحها بالحزن وأردفت بإنكسار:
-بس شوفيه قبل لا تفاولي يامعزوزه، لا تسوديها بوجهي ماناقصه سواد. 

صمتت معزوزه وقررت إنهاء هذا الوضع المهين لأختها التي اصبحت حديث كل القبيلة، نعم هذا ليس جديد عليها فهي دوماً بطلة اغلب الاحاديث وحين يُذكر الفنص تذكر رجوه، ولكن الكل إكتفى منها ومن افعالها، وحان الآن الوقت الذي يجب عليها فيه التحلي ببعض العقل. 
فغادرت معزوزه الخيمه تاركة صغيرها في رعاية رجوه وذهبت رأساً للشيخة عوالي أولاً، إستأذنتها بالدخول وقالت لها:
-ياعمتي.. انت اكيد ماخافي عليك اليدور بين رجوه وسالم هالفترة، رجوه صحت على روحها وعرفت لمن محبتها وقلبها مَن شويقه، والحين هي تطارد سالم وسالم الماراضي،شوري علي وايش نسوي بهالموضوع؟ 
-ولا راح يرضى، سويلم نفسه طابت من رجوه ونجوم السما صارتلها أقرب منه. 
-اي ياشيخه بس هي قالت.. 
 قاطعتها عوالي قائلة:
- هي قالت او ماقالت قولها مامنه نفع، القول الحين لسالم وبس، وقت كانت الكلمة لها هو سمع وماحكى، والحين هي التسمع وتنفذ وبس. 
- يعني مافي أمل ياعمتي، انا جيتك لجل تحكي مع سالم يتزوج رجوه ويرد طيرته لعشه. 
- عشه صار به طيرة غيرها، واعرف إن الطيرة الجديدة ماتاركة مجال لطيرة غيرها، وجناحاتها يلفلفون سالم مايحلونه. 
-ياعمتي يعني ماأفتح معه الموضوع، كنت اريد آخذ منه جواب أخير لجل نقطع العرق ونسيح الدم ويموت الأمل والنفوس تستكين. 
-أمشيله واعرضي عليه الموضوع، بس اليطلع من خشمه مافيه مراجعه، ورجوه ارسليها لي عشيه اريدها. 
أومأت لها معزوزه بالموافقة وغادرت الخيمة قاصدة سالم، لم تُسند الأمر لرابح لأنها لا تطيق الإنتظار، قررت ان تنهيه بنفسها وبأسرع وقت. 
اما عوالي فبعد مغادرتها نظرت لمايزه وقالت:
-مايزه إمشي لخيمة سالم وجيبي مزيونه بيدك، اريدها الحين. 

غادرت مايزه وعادت بمزيونه ووقفت مزيونه امام الشيخه وأشارت لها عوالي بالجلوس قائلة:
-اجلسي يامزيونه اريدك بشي. 

-اعرف التريديه ياعمتي وأنا مامانعه، أنا للحين صاينه عهدي لك وما شاف مني سالم إلا الزين، ولا بيوم نغصت عليه بغيرتي، واشوف رجوه وحومها حوله، وأدري إن سقوطه باحظانها أمر مفروغ بس مسألة وكت. 
- يعني ماراح تسوي شي ويغادرك العقل وقت تشوفيه يعرس على رجوه؟ 
- لا ياعمتي،راح ادعي ربي يصبرني واتحمل زواجه، لكن قلبي ماعاد يحتمل اليصير من رجوه في وبهذلتها لي، خلي يتزوجها وتصير ضرتي، أنا راضيه بكل شي، راضيه بنص قلبه ونص عقله،وراضيه بأي شي منه. 
- والله انك دره مافي منها يامزيونه. 
- ولا دره ولا شي ياعمتي، كل القصة إني عاشقة، والعاشق مسكين يرضى بأي شي من شويقه. 
أنهت مزيونه حديثها مع عوالي وغادرت الخيمة وهي مستسلمة ومستعدة لكل ماهو آت من عذاب، فهي تحاول أن تكذب على نفسها قبل غيرها حين تقول إنها سترضى بالأنصاف من سالم، وأنها ستطال الأنصاف من الأساس، فبعد رجوه لن ترى من سالم نصف أو حتى القليل، فرجوه هي الأساس، الحب الأول والاول دوم يتغلب. 

أما في مكان آخر بالقبيلة:
-خيرك يامعزوزه إيش تريدين مني؟ 
- اريد احكي معك بخصوص رجوه ياسالم. 
-إيش بيها بلوة؟ 
- رجوه عرفت غلطها وتريدك تتزوجها، أنت تريدها ياإبن الحلال زوجه لك ولا ماتريدها؟ طلعتها من قلبك ولا بعدها باقيه؟ 
 تنهد سالم واردف ورد عليها:
-والله يامعزوزه ماادري إيش اقول، أنا شوفة عينك عايش ومو عايش، احس روحي بلاها مامكتمل ولا شي هاني لي، احس الاشيا معها تكون احلى ومذاقها مختلف، كنت راسم لنا جنه، بس للأسف رجوه طلعتني منها متل ماطلعت حوا آدم، هو قطم تفاحة وأنا قطمت ثمرة حنظل، وماتركت لي ولا لها باب نرد منه للجنه، سكرت كل الأبواب.

-يعني ياسالم مافي مجال ولا حتى أمل صغير، رجوه مامانعه انها تكون زوجه ثانيه ومزيونه ماتقدر تعترض.
-وإذا؟.. حتي لو رجوه ماتمانع ومزيونه ماتعترض بس هاد القرار يخصني أنا، وانا الماموافق، 
رجوه إذا ردت لحياتي راح تخربها وأنا ما عدت اقدر اتحمل وجيج منها.
-يعني إذا جاها عريس وطلبها وتزوجت عادي معك؟
صمت قليلاً واردف بشموخ:
-اي عادي، خلها تسوي اللي تريده،  ماانقول إني ماراح انوجع، بس وجع قليل ويزول افضل من وجع يرافقني طول العمر، وإذا على مسألة زوجي مرة ثانيه فأنا مامنتظر رأي مزيونه توافق أو لا، أنا إذا نفسي طابت علي غيرها بسويها، بس الحق اقول للحين مزيونه قتلت بعيني كل رغبة بأي مره غيرها وما عدت أشوف إلاها. 
صمتت معزوزه بعد كلماته، فالحين قد أغلق كل أبواب الوصول إليه في وجه رجوه، والمزيد من الكلام يعد إهدارًا للوقت والجهد، وعادت لرجوه ونقلت لها كل ماقاله سالم، وفور إنتهائها تكاد تجزم بأنها سمعت صوت كسرة قلب أختها التي تحجرت العبرات داخل مقلتيها وغادرت الخيمة على الفور وقامت بفك أحد الأحصنة وأنطلقت به نحو الوادي البعيد، 
وبمجرد وصولها أخذت تصرخ بكل قوتها، تصرخ على من ضيعته بغبائها ولن يجود زمانها بمثله أبداً. 
عادت للقبيلة بعد أن أفرغت كل مابداخلها من قهر في هيئة صراخ وبكاء، رآها وعلم بأنها كانت تبكي، ضعف للحظة وأراد أن يجري عليها ويأخذها بين ذراعيه ويخفف عنها ألمها وهي تستمع لدقات القلبه العاشقة، ولكن ذاك الجرح الغائر في قلبه وقف حائلاً بينه وبين رغبته، فأخفض عيناه وغادر المكان مبتعداً، وعاد لخيمته، فوجد مزيونه هي الأخرى تبكي، تنهد وإقترب، جلس بجوارها وإخذها بين احضانه،؛ فهي الآن الأحق بالضمة، ضمها دون أن يتفوه بكلمة او يسألها عن سبب بكائها لأنه يعلم أن مامن دمعة نزلت من عينيها حتى الآن إلا ورجوه كانت سبباً فيها. 
همست له بعد برهة من الصمت:
-أخاف يجي اليوم الأشتاق فيه لضمتك لي وماأطولها ياسالم. 
فرد عليها هامساً:
-وقتها ماراح يكون بيدي شي يامزيونه؛ لأن اليوم التخافين منه راح أكون شي من اثنين، يأما مسافر وماقريب منك، يأما تحت التراب مطموم، وبالحالتين غصب عني ماراح اضمك. 
-إنتفضت ووضعت يدها علي فمه معترضة على ماتفوه به، وهمست له وعبراتها تسابق حروفها:
-تزوجها ياسالم، أنا راضيه وماراح اعترض، انعيش ثلاثتنا سوا وماتخاف والله ماراح يجيك مني وجيج. 
-ششش لا عاد تفتحي هاد الموظوع لأنه تسكر ونهيته، رجوه ماأتزوجها لو هي آخر نساء الأرض.. هيا قومي جيبيلي الوكل جوعان، اريد آكل وبعدها عندي كم كلمة اريد اقولهم لك بروااااق. 
أنهي كلماته وغمزها بعينه فتبسمت مزيونه ونهضت تحضر له الطعام، أما هو فأغمض عينيه وتسطح على الفراش لحين عودتها؛ محاولاً ترتيب حياته القادمة دون ان يترك فيها حيزاً لرجوه تشغله. 

أما في مكان آخر بالقبيلة، وتحديداً من أمام خيمة قصير... 
- ياشيخ ليش هيك الكبير يدعس الصغير ومايتركله مجال يسوي أي شي، ليش ماتسمحلي أدفع معك حصة ووقت توصل الأسلحة آخد بحصتي أسلحة بسعر التهريب، ليش تعاملني متلي متل الغرب وأنا وليد قبيلتك وراجلك وساعدك، ليش هالظلم ياشيخ؟ 
-اقول ياصياح.. منو اليجيب مونة طعام كل القبيلة وطلبات اهلها الضرورية، من اليدفع؟ 
-انت ياشيخ. 
-طيب أنا مُلزم بهالشي؟ 
-لا ياشيخ هاد جود منك. 
-زين.. وقت واحد من اهل القبيلة يربي غنم أو يدخل بتجارة انا آخذ منه شي ولا اليجمعه لروحه؟ 
-لا ياشيخ لروحه. 
-جيت بيوم وقولت لفلان انت تكسب وااجد دخلني معك شريك وقاسمته برزقته وجورت عليه؟ 
-لا ياشيخ ماحصل. 
-زين.. ليش ماتنظرلها من هالزاويه، اني ماحاجر على حد يشوف رزقه بأي مجال، ليش انت تريد تحجر على، ليش تستكثر علي رزقي البالمناسبة ماهو رزقي لحالي،أنت تاخذ منه وغيرك من شباب القبيلة، الكل ياكل منه والمريض يتعالج منه واليتزوج ومامعه بعطيه، يعني القروش ماداخله جيبي لحالي، بس مشكلتك إنك تشوف الجاي ماتشوف الطالع، تشوف المكاسب ماتشوف الينصرف.. إنت طمعت واليطمع وعينه تلمع وكت شوفة قروش غيره معناها إنه حط رجله على أول طريق السقوط والهلاك. 
إذا تريد تتاجر بالاسلحة وتجيب على إسمك من الخارج إدفع نسبة من تكاليف حفر النفق الكلفتنا مليارات بعدد شعر راسك، ادفع باللي دفعناه للحكومة لجل تتغافل عنا وتتركنا، إحسب كم ياخذ منا الجيش أسلحة بدون ثمن وانقول هي لبلادنا وتمون الروح لجل بلادنا..بس انت تريد تاخذ نصيب من الزبد وناسي إن الحليب مر بواجد مررراحل قبل ماتشوفه زبد ويسيل عليه ريقك. 
من اليوم ياصياح أنت مستبعد من رجالي وماعاد لك رده ولا أشوف خيالك وقت إستلام الأسلحة، ولا حتى تبيت بالقبيلة بليلتها. 
-بس ياشيخ هاد.. 
-ياعمي هاد ظلم و أنا ظالم.
 ها إيش راح تسوي الحين؟ 
تنهد صياح بقلة حيلة وهو ينظر لقصير بغضب وغادر على الفور، غادر وهو يشعر بأن قصير أظلم من على وجه الأرض، وأنه أصبح حائل بينه وبين حلمه، ومن اليوم يجب عليه إستبدال الحلم بآخر، أو يكف عن الأحلام نهائياً، فكل أحلامه تؤدي للثراء، وقصير لن يسمح لمثله بالثراء أبداً.



تعليقات