رواية عامر الفصل السابع عشر17الاخير بقلم داليا السيد

رواية عامر الفصل السابع عشر17الاخير بقلم داليا السيد

الحب
القصر كان أكبر مما ظنت وتعرفت على باقي الخدم الجميع كانوا يتعاملون بطريقة رسمية وبدا أنها كانت طريقة زوجها التي لم تعرفها ربما هو كذلك لذا لم يحضرها هنا
انشغلت طوال الوقت بمازن لكن قبل العصر هاتفها فحملت مازن وأسرعت لتجيب وقالت "هل انتهيت؟" 
كانت نبرته جادة وهو يقول "ليس بعد ليل، لقد رحلنا للشرقية وأعتقد أننا سنعود متأخرين" 
قالت بلهفة أسعده عودتها "سأنتظرك" 
ابتسم مبتعدا عن الجمع الذي حوله وقال "هل هناك هدية من أجلي؟"
وضعت مازن على الأرض ليلعب وقالت "من أي نوع؟" 
كان يتخيلها أمامه بالذهبي القصير والشفاف وشعرها يتساقط كالشلال حول وجهها فأغمض عيونه وجسده يستجيب لرغبته بها، قال بنبرة تعرفها "من الذهبي القصير والشعر الفوضوي" 
ضحكت فتنفس ببطء وقالت "ليس لدي ملابس هنا" 
قال بهدوء يتنافى مع حرارة جسده المشتعلة  "بالطريق ليل، كل ما يخصك بالطريق للبيت، بيتنا" 
أغمضت عيونها وقالت "هذا كثير عليّ عامر، تلك السعادة أنا لم أعرفها من قبل" 
الندم هو الشعور الصحيح الآن لكنه لن يفتح له الباب لتكن السعادة شعوره هو الآخر لذا قال "تلك السعادة هي ما سنعرفها من اليوم وحتى نهاية عمرنا ليل"
ناداه أحد إخوته فقال "لابد أن أذهب حبيبتي اعتني بنفسك ومازن من أجلي"
ليت تلك الكلمة تحمل معناها الحقيقي وليس مجرد كلمة أمام إخوته ومع ذلك هي سعيدة بها لذا قالت "حاضر فقط لا تتأخر، لن أنام قبل عودتك" 
كان هذا هو ما افتقده منذ زواجه منها، ما حرم نفسه منه ولكنه لن يعود للخلف مرة أخرى أبدا، قال "لا، نامي وعندمي أصل سأوقظك"
قالت بحب تمنت لو يدركه "انتبه لنفسك من أجلي وأجل مازن" 
تحرك لإخوته وقال "سأفعل حبيبتي، ليل" 
التفت حول نفسها وهو ينطق اسمها بتلك الطريقة وأجابت "نعم" 
قال "سعيد بعودتك لي وبوجودك بالبيت" 
دمعت عيونها وقالت "وأنا سعيدة أنك أعدتني رغم رفضي كنت سأخسر تلك السعادة التي تمنحها لي" 
أغلق الاثنان الهاتف وكانت السعادة هي كل ما تشعر به، احتضنت الهاتف وهمست "أنا أحبك عامر، ليتك تدرك ذلك، حياتي كانت بلا معنى وأنت بعيد والآن روحي عادت لي"
عندما دخل الغرفة كان ضوء خفيف يضيء ورآها نائمة على الفراش ومازن بجوارها، تحرك حتى وصل للفراش وابتسم لرؤيتها بالذهبي، حمل مازن وتحرك به للخارج حيث الغرفة التي أعدت له، وضعه بالمهد وضبط جهاز مراقبة الأطفال واطمأن عليه ثم عاد لها
أخذ حمام ولف خصره بالمنشفة وعندما خرج وجدها تتحرك بالفراش وفزعت عندما لم تجد مازن فنهضت وهي تهتف "مازن، ابني" 
تحرك تجاهها وقال "ليل اهدي، هو بغرفته لقد وضعته بالفراش" 
أغمضت عيونها ووضعت يدها على قلبها المفزوع فجلس أمامها ودفع يده لوجنتها وقال "كان عليكِ وضعه به ليل" 
فتحت عيونها الخائفة وقالت "لم يقبل بالأمر ووضعته بجواري حتى ينام فنمت بجواره" 
ابتسم وابهامه يرسم دوائر حول شفتيها كعادته وقال "هو لم يعتاد الغرفة بعد تماما كوالدته" 
وجذب وجهها له ليقبلها لتعود له وتدرك أنه هو نفس الرجل الذي أحبته، رفعت يداها على صدره العاري تلتمس قوته وتؤكد لنفسها أنه لها هي، قبلته تعمقت ويده اخترقت عنقها ويده الأخرى أبعدت روبها ليلمس جسدها الناعم الذي افتقده، هي المرأة التي لم يفقد رغبته بها لحظة واحدة، لا أيام ولا شهور ولا مسافات بدلت أي شيء داخله، يريدها وسيظل يريدها لنهاية العمر الفارق الآن أنه يعلم أن ذلك ليس رغبة فقط وإنما هو حب، هدى أضاءت له الطريق ومنحته مسمى لما بينهم وما ربطهم من أول نظرة، الحب 
دفعها على الفراش برقة وهمس "افتقدتك ليل، افتقدتك بجنون" 
كانت ضائعة بين لمساته وقبلاته ومع ذلك همست "لا تتركني مرة أخرى عامر أنا حياتي معك أنت" 
قبلها وهو يشعر بالغضب من نفسه لأنه كان السبب في رحيلها، ابتعد وقال "أنتِ لن تكوني سوى معي حبيبتي، بين أحضاني، أنا لكِ وأنتِ لي" 
ابتسمت كما فعل وعاد لأحضانها وكانت ليلة مختلفة لهما سويا منح كلاهم للآخر كل ما لديه من حب وحنان ونال من الآخر السعادة
كان الفجر قد ظهر عندما خرجت من الحمام ملتفة بروب حريري طويل مما وصل لها حديثا ورفعت شعرها المبلل لأعلى، لم تجده بالغرفة وظنت أنه بغرفة مازن، كادت تذهب له عندما رأته يدخل وهو يحمل صينية عليها أطباق الطعام فابتسمت وقالت 
"لديك جيش من الخدم ومع ذلك فعلتها بنفسك" 
ابتسم وهو يضع الطعام ويقول "هذه هواية عرفتها مؤخرا، فقط منذ عرفتك" 
تحركت تجاهه فلفها بذراعه وقبلها وهي سعيدة حتى أفلت شفتيه وقال "أريد رأيك كخبيرة" 
ضحكت وجلست بجواره حتى انتهيا فنهض وقال "لدي شيء لكِ" 
وقفت وقالت "وأنا أيضا"
التفت لها وهو مشهد متكرر تقريبا، كل مواقفهم تتكرر، ملامحه تبدلت وهي أدركت ما يفكر به فتحركت حتى وقفت أمامه فسقطت عيونه عليه واقال "إذن تحدثي ليل" 
لم تمنحه ملامحها أي شيء وهي تمد يدها لمائدة الزينة وتجذب حقيبتها القديمة وهو يتابعها بنظراته وهي تمد يدها داخل الحقيبة وتخرجها وتقبض على شيء لم يعرفه فعادت له وقالت 
"هو أمر لا أعرف وقعه عليك، كان صدمة لي ولكني تجاوزتها" 
قال بجدية وقلق "هل تتحدثي ليل أنا لا أحب المراوغة بالحديث" 
نظرت ليدها ثم فتحتها فسقطت نظراته على ما تمسكه وللحظة لم يعرف حتى تراجع ومد يده للجهاز وجذبه ليرى الشرطتان الواضحتان به فرفع وجهه لنظراتها الضائعة وقال "حامل؟ أنتِ حامل ليلِ؟"
احمر وجهها وتزايد نبضها وهي تقول "أنا لم أصدق ولكن شهران بلا دورة وأعراض طفيفة للحمل كان لابد أن أتأكد، اشتريته بالأمس حيث قابلتك وأجريت الاختبار الليلة بعد نوم مازن، أنا لا أعرف كيف ولكنه حدث" 
مر من الصدمة بسرعة واقترب منها وقال وهو يحيط وجهها براحتيه "وما المحزن بذلك؟"
لم تترك نظراته وهي تقول "مازن ما زال صغير جدا عامر وأنا لن أستطيع رعاية الاثنان"
ابتسم وقال "لستِ وحدك حبيبتي، هناك مربية واثنان إن شئتِ، وأنا موجود بالتأكيد، أنا سعيد به ليل، سعيد لأني سأعيش معكِ التجربة هذه المرة، سأرى طفلنا وهو ينمو يوما بيوم وسأكون معك وقت ولادته، سأشاركك بكل لحظة حتى يصل لنا أنا حقا سعيد به"
وعاد يقبلها بقوة وهي شعرت بالراحة لسعادته ولوجوده معها حتى أبعدها لرحيل أنفاسها فقالت "لم تخبرني بما لديك"
هز رأسه وتحرك لدرج بمائدة الزينة وفتحه ورأته يخرج علبة مجوهرات وعاد لها وقال "هذا تأخر قليلا، بل كثيرا في الحقيقة ولكن كما يقال كل شيء وله أوان"
كانت عيونها على عيونه التي ارتفعت لعيونها وقال "كنت أتمنى منحك حفل زفاف كبير كأي فتاة ولكنك تعرفين ظروف زواجنا لكن هذا لا علاقة له بالظروف" 
فتح العلبة لترى الدبلة الذهبية ترقد بالعلبة وبجوارها خاتم ماسي يلمع ببريق أخاذ جعلها تتراجع من جماله، يا الله! لا، لا يمكن أن تكون بالواقع
رفعت عيونها الدامعة له فقال "اسمحي لي" 
أخرج الدبلة الذهبية فرفعت يدها ليضعها بإصبعها والمحبس الماسي فوقه ثم قال "كوني زوجتي وحبيبتي وأم أولادي لنهاية العمر ليل" 
الدموع لم تتوقف وهي لا تستطيع وصف ما تشعر به وهو يرفع يدها لفمه وقبلها وهي تردد "زوجتك وأم أولدك للأبد عامر لكن حبيبتك" 
رفع يده ليمسح دموعها وقال "سألتني بالأمس لماذا أعدتك لحياتي ليل ولم أجيبك بسبب مجيء إخوتي لكن الآن لابد أن تدركي السبب، منذ رأيتك وحتى اليوم وأنا لم أتوقف لحظة واحدة عن التفكير بكِ، لم تثير أي امرأة بي ما تثيريه داخلي لذا ظننت أن ما يربطني بك هو الرغبة وبمجرد زواجنا وعدة أسابيع معا ستزول رغبتي بكِ وتنتهي ولكن هذا لم يحدث، بكل يوم كنت أزداد رغبة بكِ ولم أفهم السبب، رحيلك الأخير كان مؤلم جدا ليل، لم أستطع تجاوزه فقط طلب الطلاق هو ما جعلني أكذب على نفسي أنك من لا يريد علاقتنا حتى أمس عندما قابلت هدى، هي من جعلتني أتساءل عن مسمى لما بيننا ووقتها عرفت أنه"
نطقت معه الكلمة بذات الوقت "الحب"
ابتسم كما فعلت من بين دموعها فجذبها لأحضانه ولفها بذراعيه وقال "أنا أحبك ليل، أحببتك منذ أول نظرة ولم أتوقف عن حبك لحظة واحدة فقط لم أكن أفهم مشاعري تجاهك ولكني عرفت وسعيد بحبي لكِ وبعودتك لي وبابننا مازن وحتى بالقادم"
أبعدها ونظر بعيونها وقال "هدى تنتظر رؤيتك وذلك سيكون قريبا" 
اتسعت عيونها وهتفت "أرى والدتك!؟ أنا سأقابلها حقا وأتحدث معها وهي ستقبلني؟"
قبلها ليوقف كلماتها فلم تعترض حتى أبعدها وقال "هي قبلت بك من قبل أن تعرف شيء، هي تريد أن ترى المرأة التي خطفت قلب ابنها الكبير بعد أن فقدت الأمل به" 
ضحكت وقالت "سيكون عليها أن تتوسط لي عندك لتعيد لي قلبي الذي خطفته عامر" 
يده كانت تداعب وجنتها وقال "هي قالت لي ذلك، قالت أن المرأة التي تحب تريد أن تُحب لا أن تسجن بقبو بارد، هل أستحق حبك ليل؟ بل هل ما زلتِ تحبيني رغم كل ما كان؟"
رفعت يدها لراحته وقربتها من فمها وقبلتها برقة قبلة طويلة وقالت "أنا لم أتوقف لحظة واحدة عن حبك عامر وبكل ليلة كنت أدعو كي تحبني ويوم حفل والدتك أدركت أن ذلك هو المستحيل وأنك لن تحبني بأي يوم، لم أتحمل البقاء بحياة لا مكان للحب بها خاصة وأنك كنت تؤكد ذلك بتصرفاتك معي فرحلت ولكني لم أجد لحظة سعادة واحدة ببعدك عني عامر، أنت كل شيء بالنسبة لي، الأب والأخ والزوج والحبيب، أنت الحياة والروح عامر"
هو من جذب راحتها تلك المرة وقبلها ثم جذبها له مرة أخرى وإشراقة يوم جديد تشرق عليهم من النافذة لتعلن عن رحيل الظلام الذي خيم على علاقتهم وميلاد السعادة التي ستضيئ حياتهم القادمة وهما معا وأولادهم بينهم.. 
الخاتمة
رأته وهو يصعد السلم لها، سلم ذلك القصر الكبير، قصر آل دويدار هدى أصرت على زفاف لابنها الكبير حتى لو كان لديها حفيد وآخر بالطريق 
وقف أمامها بطوله الشاهق ووسامته التي لا تضاهيها وسامة وابتسامة خلابة تأخذ عقلها، عيونه احتوتها بالفستان الأبيض الذي لف صدرها بقماش فائق الجمال وانسدل منفوش حولها وارتفع شعرها بانتظام بيد المختص فبدت ملكة جمال، نعم هي مليكته هو رفع يدها لفمه وقبلها بحنان ثم وضع قبلة على جبينها وهمس 
"أحبك صغيرتي" 
وضع يدها بذراعه وبدأت الموسيقى ونزلت معه السلم وضي ونور يلقون الورود عليهم، منذ أتى بها للقاء والدته والجميع أحاطها بالحب والحنان ورأت بعيونهم السعادة لأن أخيهم وجد المرأة التي تحبه ومنحته السعادة التي يستحقها أما مازن فحاز على محبة الجميع والتدليل الكثير خاصة من جدته
هدى نصبت نفسها الأم وليس الحماة لذا أحبتها وشعرت بأن الله يعوضها عما وقع لها بحياتها وها هي هدى تمنحها هذا الزفاف الذي لم تحلم به، فستان من أفخم دور الأزياء بباريس، أشهر مختصي الماكياج والشعر، وعقده الماسي الذي سكن حول عنقها، هدية زواجهم كما قال، إخوته كانوا صفا واحدا بانتظارهم يقفون كتفا بكتف كما اعتادوا خاصة وأنهم اليوم يحتفلون بزواج أخيهم الأكبر، قائدهم ومثلهم الأعلى والأقرب لقوبهم
الجميع التف حولهم للتهنئة ووقفت هدى بجوارها تحمل حفيدها ببدلته التي صممت خصيصا له، أما رفيق فظل بالصورة ولم يمنح أولاده أي انتصار بأن يختفي. 
هدى تحركت لها وقالت "وأخيرا اليوم الذي انتظرته كثيرا" 
التفتت ليل لها بنظرة حنان فابتسمت لها هدى وقالت "أنا سعيدة بانضمامك لعائلتنا ليل وشاكرة لكِ أنكِ منحتِ ابني تلك السعادة" 
قالت بصدق "بل أنا الشاكرة لحضرتك ماما أنكِ جعلتني ابنتك الثالثة ومنحتني حنانك وعطفك، سأظل مدينة لكِ لنهاية عمري"
قبلت هدى مازن المتمرد دائما وقالت "لا ديون بين الأم وأولادها ليل، كونوا سعداء معا هذا هو ما يسعدني والأكثر أنكُ منحتني حفيد رائع"
كانت سعيدة بكل ما يدور حولها وكأنها بحلم جميل والأجمل أنه كان واقع وليس حلم
التفتت لتلتقي بعيون زوجها ونظراتهم تعني الحب وقالت "أنا بالفعل سعيدة معه فأنا أحبه"
ورأت شفتيه تنطق لها بالحب بذات الوقت وقد قرأ شفاهها هو الآخر وهو يعلم أنها تحبه كما هي تعلم أنه يحبها لأنهم بذلك الحب سيعيشون ما تبقى لهم بالحياة 

                    تمت بحمد الله


تعليقات