رواية حمزه الجزء الثاني2 من عامر الفصل الثالث عشر13 والرابع عشر14 بقلم داليا السيد

رواية حمزه الجزء الثاني2 من عامر الفصل الثالث عشر13 والرابع عشر14 بقلم داليا السيد

هل أحبها
يد سقطت على كتفه فرفع رأسه ووجد جاسم ينظر له ويقول "لقد انتهت النيابة يمكننا الذهاب، أنت بحاجة للمشفى" 
كان وجهه مكدوم وعينه متورمة وجرح ذراعه ما زال ينزف وألم بضلوعه وحتى قبضته كانت مجروحة ومع ذلك لم يهتم بكل ذلك وهو يقول "هل اعترف؟" 
هز جاسم رأسه وقال "نعم، وسيتم نقله للمشفى حالته صعبه أنت دمرته" 
أبعد عيونه وقال "تمنيت أن أقتله" 
بالفعل أراد ذلك ولكنه تذكر يوم ما حدث منه مع حسين وما قالته أنها لا تريد أن تفقده للأبد، ما زال لديه أمل أن تعود له ولا يعرف كيف؟ 
بنفس المشفى تم تضميد جراحه ولف الطبيب أشرطة طبية حول ضلوعه المصابة وأصابعه عندما دخل عامر وتراجع وهو يهتف "يا الله! هذا أنت فماذا عنه هو؟" 
نهض بتعب واضح وجذب الأكياس التي بها ملابس من يد عامر وقال "لو بيدي لكنت قتلته دون رحمة" 
جلس عامر على طرف الفراش يراقبه وهو يرتدي الملابس النظيفة وقال "ولكنك لم تفعل" 
ترك القميص نصف مفتوح وقال "لا، لم أفعل"
ظل عامر صامت فالتفت حمزة له ونظراته تسأله ولكنه فهم عيون أخيه فنفخ بقوة وقال "جيد، نعم عامر لم أقتله من أجلها، ليس لأنه أخيها لكن لأني" 
نهض عامر وتوقف بجواره وعيون حمزة تفر من مواجهته وأكمل بدلا عنه "لأنك لا تريد تركها وحدها مرة أخرى" 
هز رأسه فشعر بالصداع يعود مرة أخرى، عامر كان الأقرب له، هو من يعرف ما بداخله دون أن ينطق بلسانه وها هو يقرأ دون أن يسمع
عاد عامر يقول "ستحتاج لوقت كي تعيدها لك"
كان يعلم ذلك وقال "أعلم ومستعد له فقط تعود للحياة عامر، أنا السبب، كنت أعلم أنها تخاف ولا تعرف كيف تتعامل مع العالم من حولها ومع ذلك تركتها، تخليت عنها بعد أن منحتني كل شيء، فقط خشيت أن تكبر وتتبدل وتهجر من أجبرها الجميع عليه ولكني أدركت أني كنت فاقد للعقل" 
ربت عامر على كتفه وهو يقول "هون على نفسك أخي لكل جواد كبوة، أنا سقط بها مرة وهدى أخبرتني أني كنت غبي، بالفعل كنت كذلك، أحيانا الحقيقة تكون واضحة أمامنا ولكنا لا نريد أن نراها، حلا فتاة ممتازة وزوجة صالحة تعرف كيف تصون اسم وشرف زوجها ولم يكن عمرها الصغير أو الكبير ليبدل ما بداخلها، هي الآن مجروحة منك بشدة وبحاجة للوقت ولكني أعلم أنها أيضا طيبة وقلبها ما زال برعم لم يتفتح أو ربما تفتح؟"
رفع نظراته لأخيه وهو يذكر كلماتها "أنا مجنونة بك، أنا أحبك"
ابتسم عامر وقال "إذن الأمر بيدك أنت، ابحث داخل قلبك عما يريد ولا تخبرني هذا الكلام الذي لا معنى له أن لا مكان للقلوب فأنا اعترفت وأظن أنك ستلحق بي قريبا، فقط لا تتراجع أمام غضبها وتحمل حزنها ولا تتخلى عنها حتى ولو طلبت هي ذلك"
ظل حمزة يحدق به والصمت حليفه، القلوب، الحب، التخلي عنها؟ لا، هو لم يصدق حبها له ولكن ماذا عنه هو؟ هل أحبها؟ كاد يموت الليلة حتى يأتي بثأرها وسيموت لو استدعى الأمر فماذا يعني هذا؟ 
ظل بالمشفى حتى موعد الزيارة الليلي عندما دخل لها والتعب أخذ منه مأخذه، بدت ساكنة وجراح وجهها اندملت ولكن شاحبة وشفاها زرقاء لا حياة بها 
لمس يدها ثم انحنى وقبل جبينها وهمس بجوار أذنها "لقد أمسكته جميلتي، أمسكت من فعل بكِ ذلك، متى ستعودين حلا؟ أنا أفتقدك بشدة، ليتك تعرفين كم أحتاج إليكِ الآن، أحتاج لابتسامتك البريئة وكلماتك البسيطة لتخفف عني أحزاني وآلامي" 
أسند جبينه على جبينها وأغمض عيونه المتورمة وقال "أرجوكِ عودي فأنا بحاجة لكِ" 
استعاد نفسه وقبل جبينها ثم يدها وتحرك خارجا ليرى هدى تقف أمامه مع عامر، توقف مكانه فتحركت هي له وهو جامد لا يتحرك فهتفت "ابني حبيبي ماذا حدث لك؟"
رفعت يدها لوجهه ولمسته فتألم وتراجع وهو يقول "أنا بخير ماما، ما الذي أتى بكِ؟" 
أبعدت يدها هي تعرف أولادها، لا يعرفون الضعف ولا يقبلون الشفقة، يحتاجون حنانها لكن يكفي أن يروه بعيونها 
لم تهتم بتراجعه وقالت بقوة يعرفها "كان لابد أن آتي من أجل تلك الفتاة فقط كنت أنتظر عامر ليأتي ويأخذني، كيف حالها؟" 
أبعد وجهه وقال "لا جديد ماما" 
قالت بتهكم واضح "الجديد أن وجهك تهشم وجسدك مكدوم وذراعك مجروح" 
عاد لها وقال بحزم "لست نادم، ولو أصبت بأضعاف ذلك لم أكن لأهتم حتى أصل له" 
هزت رأسها ولم تجادل أكثر وهي تقول "سأدخل لرؤيتها"
لم يرحل للبيت وظل بالمشفى بغرفة مخصوص، الطبيب تابع جراحه ثم تركه ناصحا إياه بالبقاء بالمشفى لمتابعة حالته، لم يكن ينوي الرحيل لأي مكان لذا لم يعارض، أراد البقاء بجوارها حتى ولو بينهم عدة جدران لكن بنفس المكان، ظل شاردا طوال الليل، النوم رفض الوصول لعيونه ولم يجد أي راحة
منذ الصباح الباكر كان يقف أمام باب العناية وسمح له الطبيب بالدخول، الجميع أصبح يعرفه وتقريبا تعاطفوا معه ومعها لذا تركوه وقت أطول دون اعتراض ودون التزام بمواعيد
على المساء كان يقبل جبينها ويدها بيده ليذهب عندما تحركت أصابعها بين يده فتجمد مكانه دون أن يصدق حتى تحركت أصابعها مرة أخرى فارتد لها راكعا بجوار الفراش وهو يهتف 
"حلا، حبيبتي هل تسمعيني؟" 
لم تستجيب فضغط على أصابعها وهتف مرة أخرى "حلا أنا هنا، أنا حمزة، أرجوكِ أفيقي، حبيبتي عودي للحياة ما زلتِ لم تأخذي منها شيء" 
صوته لفت انتباه التمريض فتحركت له واحدة وقالت "سيد حمزة أنت ترهقها، هي لا تسمعك" 
هتف "لقد حركت أصابعها، أنا متأكد" 
قالت الفتاة "هي ردود أفعال داخلية ولكنها لا تعني.." 
صوت الأجهزة تبدل بلحظة مما جعلها تقطع حديثها وهتفت "يا الله، دكتور محمود، بسرعة يا دكتور"
أبعدته أيادي لخارج العناية للاعتناء بها ولم يقاوم وهو يصطدم بالحائط فالتفت ووضع جبينه على الحائط وقلبه يدق بسرعة والأمل يعود له، صوت من داخله هتف "ربما تعود ولكن هل أنت مستعد للمواجهة؟"
كلمات عامر ترن بأذنه "لا تتخلى عنها حتى ولو طلبت هي" 
حركة كثيرة جعلته يلتفت لرؤية ما يحدث ولكنه لا يفهم ولا يريد أن يسأل فقط يراقب وينتظر ولا يعلم ماذا يخفي القدر؟ 
دقات على أبواب البيت القديم جعلتها تسرع لتفتح، شبح، شبح كان يقف أمامها ولا تعرف من هو، تراجعت بخوف وفزع وفجأة ظلام مخيف أحاطها ولم تعرف أين هي والشبح يلتف حولها يكاد يعتصرها وهي ترفع ذراعيها لتحمي نفسها منه وتنادي باسمه، حمزة، الرجل الذي اعتبرته منقذها ولكنه لم يظهر
نور أبيض ظهر من بعيد وصوت فقط لامرأة تقول "حبيبتي أنا والدتك، اهدئي لن يصيبك شيء، الخوف هو عدوك الأول والأخير وعليكِ هزيمته" 
هتفت وهي ما زالت تحتمي بذراعيها "ولكني وحيدة حتى أخي أراد قتلي" 
عاد الصوت يرد "لا لم تعودي وحدك فقط ادفعي الخوف بعيدا" 
بالفعل دفعت ذراعيها تلوح بهما من حولها وكأنها تدفع اللا شيء ورحل النور وصوت ينادي باسمها ففتحت عيونها لترى عيون كثيرة تنظر لها 
الطبيب قال بسعادة "الحمد لله على سلامتك مدام"
كانوا قد أزالوا الخراطيم ولكن ما زال هناك ألم بصدرها وحلقها فلم تستطع الحديث فقال "الرئة استعادت عملها وألم حلقك من خرطوم الطعام سيزول مع المسكنات، حاولي التحدث" 
بصعوبة قالت "الحمد لله" 
ابتسم وقال "نعم الحمد لله" 
تراجع وهو يعطي تعليماته وما أن خرج حتى رأى حمزة فاتجه له وقال "الحمد لله لقد أفاقت" 
تراجع حتى اصطدم بالحائط وهو يتنفس بصعوبة وأغمض عيونه والراحة والسعادة تتسرب له وهتف "الحمد لله"
ضحك الطبيب وقال "نعم هي الأخرى قالت ذلك" 
هتف بصعوبة من أنفاسه المتلاحقة "أريد رؤيتها"  
الطبيب رد بحماس "بالتأكيد بمجرد خروج التمريض حتى تنال بعض الراحة أنت وجراحك هذه، الحمد لله على سلامتها" 
وتركه والسعادة تملأ عيونه لشفاء مريضته، بينما تجهم وجه حمزة فجأة وأدرك أن وقت المواجهة قد أتى وعليه أن يقف أمامها.. 
ربع ساعة مضت قبل أن تخرج الممرضة فقال "أريد رؤيتها"
ابتسمت الفتاة بسعادة وقالت "بالتأكيد لقد انتهينا تفضل وستخرج غدا لغرفة عادية، ألف مبروك عودتها"
الجميع كان سعيد وهو كان ولكن أيضا خائف من القدر، ماذا ستفعل معه؟ 
تحرك بخطى حاول أن يجعلها ثابتة حتى وصل لفراشها حيث كانت ساكنة منذ دقائق، انزاحت كل الأسلاك التي كانت تتصل بجسدها والخراطيم، فقط جهاز واحد بيدها وإصبعها وبدا وجهها متعب أيضا ولكن عادت له الحياة، لم يجد صوته لذا لمس يدها بأصابعه وانتظر
لا، ليس هو، بل هو، هي لمسته التي تعرفها، عطره الذي لم ترحل رائحته من أنفها، هل عاد؟ 
فتحت عيونها لتعرف الإجابة وحركت وجهها لتراه يقف بجوار فراشها، حلم، أغمضت عيونها لحظة ثم فتحتها ولكنه لم يذهب، هو ولكن وجهه متورم ومجروح، ضمادات ظهرت حول صدره من خلف قميصه، ذراعه أيضا مصاب، حتى أصابعه، ماذا حدث وهي غائبة عن الوعي؟ 
ظلت النظرات ثابتة وكلاهم يتأكد من وجود الآخر حقا حتى استجمع شجاعته وقال "كنت أحلم بتلك اللحظة، عودتك" 
هل من المفترض أن تصدقه؟ لم تمنحه رد على كلماته، لم تعد الحمقاء الصغيرة، قالت "هل أصبت بحادث لذا عدت؟" 
تألم من تجاهلها لكلماته ولكنه يدرك تماما ما هو بمواجهته، قال "لا، كنت بصراع مع من فعل بكِ ذلك وهو ما أعادني" 
أبعدت وجهها ولم ترد، لا يهم ما إذا كان تصارع مع أخيها أو لا، لا يهم مصير أشرف الجبان فهو أراد المال وهي لم تعارض فقط هو أراد حياتها بقشيش، لا يهم كل ما حولها فقط تمنت لو لم تعود
أدرك أنها تتخذ الصمت سبيل وهو عتاب مؤلم جدا، الكلمات أفضل ألف مرة، ناداها "حلا" 
أغمضت عيونها، اسمها من بين شفتيه يعيد كل الذكريات ويقلب معها الأوجاع وهي لديها من الوجع ما يكفي
كانت صريحة بتعبيراتها وصمتها أن لا مجال للحديث، انحنى وطبع قبلة على جبينها جعلته يدرك دموعها التي سكنت تحت رموشها المغلقة فزاد الألم بصدره وتراجع خارجا، لم يستطع البقاء أمامها، من الصعب تحمل هذا النوع من العقاب كان من الأسهل أن تصرخ بوجهه، تطرده، تلومه، ولكنها لم تفعل أي شيء فقط صمتت وهو ذبح بنصل بارد
لم يرحل من المشفى وعندما هاتفه عامر أخبره بعودتها ليخبر الجميع، كان النهار قد تصاعد بالسماء وقد نسى متى آخر مرة نام، التعب كان يسيطر عليه والصداع لم يرحل رغم المسكنات، طعام المشفى كان جيد ولكنه لم يتناول سوى القليل من أجل القهوة والسجائر
لم يمكنه رؤيتها بموعد الزيارة الصباحية فقد كان متعب ذهنيا أكثر من جسديا كما كان يعرف أنها لن ترحب برؤيته
ما أن دخن بالاستراحة وأنهى القهوة حتى عاد ووجدهم يضعونها بالفراش، توقف حتى انتهوا فمنح الجميع مال وخرجوا سعداء وظلت ممرضة معها أنهت توصيل الجهاز الوحيد وقالت له 
"سيمر الطبيب عليها بعد ساعة" 
منحها مال هي الأخرى فابتسمت وقد كان كريم مع الجميع منذ أتى وليس اليوم فقط، كانت جالسة والوسائد خلفها وخف ألم صدرها، الطبيب أخبرها أن الجرح أفضل بكثير وصعوبته كانت وهي بالغيبوبة
لم تنظر له، ظلت عيونها مثبته على سطح الفراش ومنذ رأته والأفكار تضربها بقوة، المسكنات جعلتها تنام فلم تجد رد لأفكارها 
لم تشعر به عندما جذب مقعد ووضعه بجوار الفراش وجلس ثم قال "النيابة ستأتي بعد قليل لسماع أقوالك" 
هزت رأسها، والدتها طلبت منها أن تدفع الخوف بعيدا فهل يمكنها أن تفعل؟ ولو دفعت الخوف بعيد ماذا ستفعل معه هو؟ قلبها ما زال يدق بقوة بمجرد رؤيته لكن عقلها يأبى الاستسلام، كرامتها تؤلمها، ذكرياتها توقف أي مشاعر داخلها، الإهانة كانت كافية لتصنع منها امرأة مختلفة، البعد زرع الجفاء داخل قلبها
لابد أن يحاول مرة وأخرى بل مائة مرة ليعيدها، فقط الوقت غير مناسب، ناداها باسمها مرة أخرى "حلا أنا" 
قاطعته بنبرة غريبة عليه ودون النظر له "من فضلك أحتاج للراحة" 
جمد بالمقعد وشعر أنها تصفعه بقوة على وجهه وفتح فمه ليتحدث عندما دق الباب ورأى ليل تدخل وعامر خلفها ولحظات وكان جاسم ينضم وبالطبع انتهى الحديث قبل أن يبدأ
الدواء كان يذهبها بالنوم ولكنه هو لم يفعل، عامر أخبره ألا يشغل نفسه بالعمل حتى يستعيد زوجته ونفسه فلم يعترض
الطبيب سمح لها بالخروج مساء اليوم التالي فهي جسمانيا تعافت والجرح بحاجة فقط للغيار وعدم المجهود
كانت تعلم أنه سيحملها فلم تمنحه أي فرصة ليفعل، ما أن دخلت الممرضة بالكرسي المتحرك حتى تحركت له قبل أن يتحرك هو تجاهها، عند السيارة نهضت وركبت دون مساعدته
بالطبع لاحظ تصرفاتها وأدرك أنه قلل من شأنها أو ربما ما مر بها صنع منها امرأة جديدة لا يعرفها، امرأة صلبة، عنيدة ورحلت تلك الفتاة الرقيقة الطيبة
ما أن تحرك حتى قالت "ستعيدني للبيت؟" 
لف وجهه لها بدهشة وقال "هل تسألين؟" 
لم تنظر له وهي تقول "لا أريد" 
انتبه على بوق سيارة ليعود للطريق وقد كاد يصدم السيارة فاستعاد نفسه وهتف بغضب "اللعنة" 
ما أن سلك طريق فرعي حتى قال بعصبية "لا تريدين المنزل؟ أين تريدين الذهاب إذن؟" 
صمتت، ما زالت بحاجة لترتيب أفكارها، هزت أكتافها وقالت "ربما فندق" 
ضرب المقود بيده فارتد أثرها على جرحه المخيط فرفع يده والألم ارتسم على وجهه ولكنها لم تنظر، ظلت تحدق بالفراغ وهو يهتف "هل أثر الحادث على عقلك؟ أي فندق وبيتك موجود؟" 
لم ترد وهو استوعب كلماتها فهتف "حسنا لن أبقى بالبيت، هل هذا أفضل"
لم ترد أيضا ولم تجد دموع تضعفها وهذا أسعدها، لا مكان للضعف ولا للظنون بأنها تستعطف قلبه كما كانت وقتها، لقد تبدلت كثيرا، تبدلت لدرجة أنها لم تعد تعرف من هي؟ 
الآن الغضب هو ما يسلك طريقه له، هي لن تخرجه من حياتها، لا، لن تفعل به المثل، لن تلقيه هكذا وبسهولة إنه حمزة دويدار
ولكن باللحظة التالية خمد الغضب وهو يعلم أن كل ذلك متوقع، من قال أنها ستهرع لأحضانه بمجرد رؤيته؟ 
عند المبنى لم تنتظره حتى ينزل بل تماسكت ونزلت لتدخل وهي تستند على الحائط ورجل الأمن أسرع تجاها وهو يرحب بعودتها، كاد الجنون يصيبه من تصرفاتها الغير معقولة، ترك السيارة وأسرع خلفها ومنح الرجل المفتاح وهو يمسك ذراعها ويقول 
"اهتم بالسيارة" 
لم يسمع كلمات الرجل وهي لم تنزع ذراعها من يده لأنها شعرت بدوار، بالمصعد الصمت كان قاتل بينهم ومر الوقت كالسنين حتى وصلا ودفع المفتاح بالباب وما زال يمسك بها وما أن فتح حتى حملها ولكنها هتفت بقوة 
"لا، دعني، لا أريد ذلك أنزلني" 
ولكنه لم يسمعها وهو يتحرك لغرفته ولكنها أمسكت الباب بيدها السليمة وهتفت "غرفتي، لن أدخل هنا، ولو فعلت سأعود لغرفتي" 
لف رأسه لها ولأول مرة يلتقي بعيونها ولأول مرة أيضا يرى ذلك الغضب النابض بها، هي على حق كيف تخيل أنها ستقبل بوجودها هنا؟ هي لم تقبل بوجوده معها بالأساس
وضعها بفراشها ووقف يستعيد أنفاسه وهي اعتدلت بتلك الملابس التي أحضرتها ليل لها؛ جينز وقميص أسود وطرحة بيضاء
كان يلتقط أنفاسه وصدره يؤلمه، ما زالت ضلوعه لم تشفى بعد ومع ذلك لم يهتم بالألم هناك ألم آخر يحظى بالاهتمام، ألم قلبه
لم تنظر له بينما قال هو "سأوفر لكِ ممرضة لا يمكن بقائك وحدك" 
هل يسخر منها؟ رفعت وجهها له وابتسامة مريرة على وجهها وقالت "حقا؟ لدي لك خبر رائع كنت أقيم بتلك الشقة وحدي لمدة عامان وستة أشهر وعشرة أيام هل تظن أني حقا لا أستطيع فعلها مرة أخرى؟" 
كلماتها كانت صائبة، هو من فقد القدرة على التركيز، ابتعد وهو يخرج السجائر ويدخن، سعلت قليلا فالتفت لها وقال "لقد نسيت" 
لم تذهب الابتسامة الوحيدة التي على وجهها وهي تقول "لا، هناك خبر آخر لقد تحسنت كثيرا بعد أن نلت بعض العلاج"
أشاح بيده وهتف "كفى حلا، كفى، تلك الطريقة تثير جنوني" 
وما فعلته بي تسبب بموتي، أرادت قول ذلك ولكن كرامتها أبت أن تمنحه فرصة التشفي، ما معنى عودته الآن وصراعه مع أخيها وهي لم يعد لها رغبة حتى بالحياة؟ 
حولت وجهها عنه وأسندت رأسها على الفراش من خلفها وقالت بتعب من كل شيء "إذن اتركني وحدي، أنا متعبة وأريد أن أنام" 
وأغمضت عيونها ربما لو رحل لارتاحت فهي لا تريده ولا تريد تلك الحياة، كلهم كرهوها، والدها، زوجته التي لم تعرفها أصلا، أخيها الذي رأته مرتين بالحياة وبالمرة الثانية كان يضربها ويطلق عليها النار والرجل الوحيد الذي وثقت به وشعرت معه بالأمان وسلمته قلبها ونفسها غدر بها، كرهها هو الآخر وطردها من حياته، كلهم سواء، كلهم دمروها بلا سبب كلهم رفضوها بحياتهم وهي لم تعرف لمن تلجأ؟ 
الآن يتحدث عن الوحدة، الوحدة هي الوحيدة التي احتضنتها، هي الوحيدة التي لم تقذفها بعيدا أو ترفضها هي الصديق الوفي عندما رحل الجميع.. 
أدرك أن الحديث لن يصل إلا لطريق سد، هي الآن ليست فتاته لذا عليه أن يهدأ ويعيد ترتيب أفكاره من جديد.. 
الدموع تخلت عنها هي الأخرى وكأنها نفدت بالأعوام السابقة، لا تريد العودة له، لابد أن تبحث عن ميراثها أو تعود البلد، لقد عاشت هناك عمرها كله فما الجديد، ستكمل الجامعة من هناك ولن تحتاج لأحد، أصبح لديها مأوى وأموال وأراضي، ستتولى أمورها هناك فقط تبقى أمر واحد وعليها تنفيذه.. 
الطلاق.. 

الفصل الرابع عشر
أنت لا تعرف أي شيء عن الجنون
بدلت ملابسها وحدها بعد أن اغتسلت، وعادت للفراش ونامت دون رغبة بأي شيء، شعرت بيد تهزها ففتحت عيونها لتراه بملابس البيت وهو يقول 
"موعد الدواء" 
لم ترفض وهو يمنحها كوب الماء تناولته بلا كلمات وعادت للنوم مرة أخرى، ما زالت ضعيفة ومتعبة والطبيب نصحها بعدم التعرض للمجهود الرئة لم تستعيد نفسها بالتمام والقلب أيضا، بالإضافة لما فقده جسدها خلال الفترة الماضية 
ظل واقفا أمامها، الصراع كان شديد داخله ما بين أن يلبي لها طلبها ويرحل وبين أن يرفض ويفرض وجوده وهو ما فاز بالنهاية، لن تبقى وحدها مرة أخرى ليس بعد ما كان.. 
بالمرة التالية عندما استيقظت كانت وحدها وكان النهار يطل حولها، اعتدلت بحرص من الجرح، شعرها ما زال مربوط للخلف كما اعتادت أن تفعل، نهضت للحمام اغتسلت وتوضأت، صلت فرضها وهي تجلس على طرف الفراش، كانت أفضل من الأمس وعليها أن تنهض و.. 
رأت الباب يُفتح وهو يدخل حاملا صينية الطعام بين يديه، ألم يخبرها أنه سيرحل؟ لا، هو لم يرحل، هو من منحها الدواء بالليل وها هو الآن
أبعدت عيونها عنه وهو يضع الطعام على الصينية ويقول "لم أدرك أنكِ لستِ نائمة، هيا الطعام قبل أن يبرد" 
نظرت للطعام ولم تنهض وظل واقفا وهو ينتظرها ولكنها قالت "أخبرتني أنك راحل" 
جلس على المقعد وقد تحسن وجهه وتحولت كدمته للأخضر وقال "أنا متعب لو كنتِ لاحظتِ ذلك ففضلت الشفاء قبل الذهاب لأي مكان، هل نتناول الطعام من أجل الدواء؟"
لم ترد وهي تنهض لتجلس أمامه، الحساء كان طازج، هي لم تراه يصنع أي طعام من قبل فقد قال أنه يفضل الطعام الجاهز، تناولت الفراخ المسلوقة مع حساء الخضار، لم تتناول السلطة ولكنه فعل مع الفراخ المشوية خاصته
عندما انتهت قال "هذا الطعام لن يمنحك شفاء سريع"
تراجعت وقالت "لا يهم"
نهضت ورفع وجهه لها وهي تبتعد عائدة للفراش بل هاربة من مواجهته وشعرها يتأرجح على ظهرها كذيل حصان، نهض وجذب الدواء ومنحه لها فتناولته دون النظر له وعندما انتهت قال 
"لابد أن نطهر الجرح" 
هتفت بلا تردد "لا" 
ارتفع وجهها له ورأى الإصرار بعيونها فهز رأسه وقال "هناك فتاة ستأتي بعد قليل لتفعل" 
أبعدت وجهها فعاد للصينية حملها وخرج دون كلمات، عادت تتمدد وهي تشعر بغضب يجتاحها، لا معنى لكل ما يفعله، لن يتبدل شيء، قلبها لم يعد يتحمل، لا ضعف ولا ألم ولا حزن
الفتاة تولت الجرح ومنحتها ابتسامة وقالت أنه يلتئم بشكل جيد، نامت مرة أخرى ولم تنهض إلا عندما هزها لتناول العشاء، حاولت الاعتراض ولكنه أصر، لم تنهض وهو يضع الصينية بالفراش أمامها، تناولت الزبادي والمربى والتوست وهو يجلس ويتابعها بصمت حتى انتهت 
منحها الدواء مرة أخرى وقال "هل تشعرين بأي ألم؟" 
هزت رأسها بالنفي وقالت "لا، فقط النوم" 
هز رأسه وقال "الدواء به نسبة منوم، جسدك بحاجة للراحة" 
لم تنظر له وتحرك ولكنه توقف وقال "التحقيقات انتهت مع أخيكِ وتم تحويل الأوراق للمحكمة" 
لم تنظر له ولم تشعر بأي شيء تجاه ما قال، التفت لصمتها فرآها تحدق بالأرض أمامها فعاد ووضع الصينية وتحرك ليركع أمامها وقال "ماذا كان يريد بتلك الليلة؟"
رفعت عيونها الخضراء التي افتقدها والتقت بعيونه العسلية التي امتلأت بنظرات لم تعد تصدقها، ظل الصمت يطرح الأسئلة ولا أحد يجيب حتى نهضت وابتعدت عنه، لا تريد هذا القرب، لا تريد تلك النظرات المزيفة نفخ وهو يشعر باليأس يعود وسمعها تقول 
"ألم تستنتج ماذا كان يريد مني؟" 
لم ينظر لها وهو يسأل "بل فعلت وواثق أنكِ لم تكوني لترفضي التنازل عن كل شيء لكن ما لم أفهمه سبب ضربه لكِ ومحاولة قتلك" 
التفتت له فالتفت لها هو الآخر فقالت "أراد المزيد" 
ضاقت عيونه وتحرك حتى وقف أمامها وقال "أي مزيد؟" 
ظلت ثابتة وهي ترفع وجهها لتصل لقامته التي لطالما انبهرت بها، وما زالت، كدماته لم تقلل من وسامته وجاذبيته، بل هي ما زالت تتأثر بقربه بالطبع فقلبها يتآمر عليها، لا لن يفوز قلبها تلك المرة 
قالت "هل نسيت أني زوجة مليونير؟" 
تراجع وهتف "هل تمزحين؟ هل أراد أموال مني؟ رغم كل ما حصل عليه من تركة والدك ونصيبك؟" 
هزت رأسها وقالت "عندما جاء هنا كان قد خسر نصفهم على مائدة القمار وبالطبع أراد تعويض ونصيبي لم يكن كافي أراد استغلالي للحصول على أموال منك وعندما رفضت بدأ بالضرب وطبعا لم أستطع مقاومته، أخرج مسدسه ليهددني، خفت وأخرجت الهاتف لأهاتفك وأطلب المال ولكني طلبت الشرطة فاكتشف الأمر وأطلق النار قبل أن أحقق أي اتصال" 
هتف بغضب "كيف يمكن أن يكون أخيكِ"
قالت ساخرة "حسين علمه كرهي جيدا، لماذا سيحبني في حين كرهني الجميع؟"
ضربه الألم بقوة من كلماتها ومع ذلك لم يتراجع فأخفض رأسه ليقترب من وجهها أثناء الحديث وعلى الفور تصاعد الورد له ولمعت عيونها له وتحولت عيونه لشفاهها وقد تذكر قبلتهم ولكنها أدركت ما سيأتي لذا تراجعت للخلف لتضع مسافة كافية بينهم
بالطبع فهم حركتها فنفخ بقوة وقال "أحتاج للتدخين"
وتحرك خارجا من الغرفة بينما ظلت واقفة بلا حركة، لم يعد مسموح لها بتغليب قلبها، لن تؤلم نفسها بنفسها، قلبها هو نقطة ضعفها وهي من ستوقف ضعفها
نفخ الدخان بقوة وهو يقف أمام نافذة مكتبه، رغبته بها لم تتوقف يوما، بمجرد القرب منها يثور جسده مطالبا بها، كانت بين يديه، طائعة وراغبة وهو من دفعها بعيدا وعليه تحمل النتيجة
ظلت تتقلب بالفراش دون نوم رغم تأثير الدواء لكن تأثير قربه منها كان أكبر ومعرفة أن قلبها ما زال ضعيف أمامه جعلها غاضبة
كانت الثانية صباحا عندما نزلت لتتناول كوب من الحليب الدافئ قد يساعدها على النوم كما اعتادت، وضعت اللبن على النار وأعدت الكوب عندما سمعت خطوات فرفعت وجهها لتراه يتحرك تجاها ويقول بنبرة حادة
"ماذا تفعلين؟" 
عادت للحليب وقالت "بعض الحليب الدافئ" 
سكبته بالكوب وتحركت لتجلس فدخل وتوقف أمامها وقال "كان من المفترض وجودك بالفراش الآن" 
لم تنظر له وقالت "لم أعد طفلتك الصغيرة" 
الغضب تصاعد أكثر داخله وهتف بها "توقفي حلا، أنتِ تدفعيني للجنون" 
صمتت وهي تلف الكوب بأصابعها وتحدق بالسطح الأبيض الصافي، كانت كذلك بيوم ما، بيضاء ونقية وتلوثت بحبها لرجل ألقاها دون رحمة وتخلى عنها 
رفعت عيونها له وقالت بنفس البرود "أنت لا تعرف أي شيء عن الجنون"
اهتز من كلماتها، المعنى يأخذه لبعيد ولكنه أبدا لن يصل لما تعنيه، سمعها تقول "الجنون عندما تنشأ وأنت تحمل ذنب موت أقرب الناس لك على كاهلك دون أن تعرف السبب وتشعر بكره من حولك لك بسبب ذلك" 
أدرك أنها تحمل الكثير داخلها، عادت تقول "الجنون أن تنشأ على الخوف من الضرب والإهانة والحبس بالظلام لأسباب لا تفهمها ولا تجرؤ على الاعتراض لأنك لو فعلت ستعاقب مرة أخرى"
تجمد بمكانه من نبرة صوتها المتألمة ونظراتها الضائعة، وعادت لها الدموع أخيرا تتعاطف معها وتواسيها ولكن أي مواساة يمكن أن تمنحها الراحة؟
لم تستطع التوقف، ليس الآن "الجنون أن ترى الأمل يشرق أخيرا من حولك وتظن أنه سينقذك من كل ذلك وتصدق وتحيا وتمتلئ بالروح الجيدة وتتوهم بالخلاص والسعادة ثم تنهار من برج أحلامك على سطح الحقيقة المشتعل بالنيران لتحترق بها"
ورفعت وجهها الباكي له وقالت بكل الألم "الجنون أن تمنح قلبك ونفسك وروحك لمن ظننت أنه يستحق لتجده يتخلى عنك وأنت وحدك وسط عالم تخشاه" 
تحرك مندفعا لها ليمسك ذراعيها وهو يهتف "لا حلا، لا، ليس صحيح"
أبعدت يداه عنها وهي تنهض مبتعدة وهتفت "لا!؟ أي لا بالضبط التي تعنيها يا ابن عمي؟ لا، أني لم أمنحك كل ما أملك؟ أم لا أنك لم تتخلى عني؟ أيهما حمزة؟ أجبني أيهما؟"
كانت تصرخ بكلماتها الأخيرة وهو جمد مكانه وكأن شيئا ما ألصقه بالأرض وأمسك لسانه، هل كلماتها، دموعها أم الحقيقة بكل ما قالته؟ 
عادت تصرخ "ما الذي أعادك؟ أني كنت أموت؟ أن أخي قتلني؟ وأنت ألم تقتلني بذلك اليوم؟ أنت مثله، كلاكم قتلني مع اختلاف الأسباب، هو من أجل المال أما أنت؟" 
ورفعت يداها تجاهه وهتفت "هل تخبرني السبب لأني لا أعرفه؟ كلكم قتلني، حسين لأني قتلت أمي، أشرف من أجل المال لكن أنت لماذا؟ لماذا قتلتني وأنا أحببتك؟ هل هذا هو السبب؟ لأنك لا تؤمن بالحب عاقبتني عليه؟ هل تعرف، لم يعد يهم، لم يعد يهم أن تخبرني السبب لأني انتهيت منكم جميعا فلم لا تتركوني وحدي لأعيش حياتي؟ لماذا أنا من يحدث لها كل ذلك؟ لماذا؟ لماذا؟"
وانتهت كلماتها ولا تريد سماع المزيد وهي تواجهه بصراخها وهو تائه لا يعرف إجابة لما تنطق به ودموعها تنزف من جراحها، هي فقط تريد أن تعيش كما باقي الخلق
وأخيرا قال "كان لابد أن أرحل حلا، كنتِ صغيرة، صغيرة جدا لتدركي معنى الحب كنت أعلم أنه ليس حب وسيأتي يوم تدركين به ذلك"
لم تكن لتسمع أي مبرر فهتفت "ومن نصبك حكما وقاضيا بالنيابة عني لتقرر، كنت امنحني الفرصة لتعرف عن حبي أي شيء" 
أغمض عيونه والندم يضربه ثم فتح عيونه وقال "ندمت"
ابتسمت بمرارة وقالت "مرة أخرى الندم؟ على ليلتنا سويا أم.."
قاطعها "هذا هو الشيء الحقيقي بحياتي حلا، لم أندم عليه أبدا" 
هزت رأسها بالنفي، لا تصدقه ولن تصدقه فقالت "تأخرت كثيرا يا ابن عمي، أنت دمرت كل شيء، كل شيء، دمرت ما لم يمكنك تصوره ولن يمكنني أن أسامحك أبدا، أبدا" 
وتحركت لتذهب فدار حول المائدة حتى وصل لها ليقف أمامها وقال بنبرة رجاء "والحب؟"
رفعت وجهها الملطخ بالدموع وقالت "سراب يحسبه الظمآن ماء"
كلماته ترتد له، هكذا أخبرها عن الحب وهكذا آمنت بما قال، تركته وتحركت وقبل أن تخرج قالت "أنا عائدة البلد غدا، أرجوك لا تمنعني ومن فضلك أنهي تلك المهزلة لم يعد لها أي فائدة، أنا لم أعد أريد أن أعيش معك، طلقني" 
خرجت وتجمد هو مكانه، طلاق، هو أبدا لم يفكر بذلك ولكنه كان كل يوم ينتظر منها أن تطلب وهو بعيد لكنها لم تفعل ولكن اليوم وبعد عودته تطالب به؟ أغمض عيونه وهو يعلم أنها تغيرت، تغيرت كثيرا وتألمت أكثر وهي قالت لقد دمر الكثير بما فعل وهي لن تسامحه، الحل هو تركها حتى تهدأ هو سيظل بجوارها دون أن تشعر ولكن ربما لو رحلت للبلد ترتاح وتهدأ وبعدها يمكنه المحاولة مرة أخرى
الصباح كان قريب جدا وقد كانت قد أعدت حقيبتها، لقد أصبحت أفضل ولن تبقى، عندما نزلت لم تراه وهذا كان أفضل، نزلت وطلبت سيارة أجرة ولم يعترض السائق على أن يعيدها البلد مقابل المال
بالطبع عادت للبيت القديم الذي نشأت وكبرت به، ظلت واقفة تتأمله، شعرت بألم بجرحها ربما من الطريق جذبت الحقيبة وتحركت للداخل
البيت كان مهمل طبعا وأشرف أفسد الكثير به، خرجت مرة أخرى تاركة حقيبتها وتحركت لبيت الحاج سعدون، نظرات الناس لها كانت مبهمة، الغالبية لم تعرفها فقد تبدلت كثيرا، كبرت وتغيرت ملابسها وحتى ملامحها تغيرت
الحاج سعدون عرفها على الفور ورحب بها بحرارة وقال "ابنتي الغالية كيف حالك، سعيد بعودتك سالمة بعد ما فعله أشرف" 
ابتسمت وقالت "الحمد لله، عم سعدون أنا أريد ترميم البيت القديم وأريد مكان أقيم به حتى يتم ترميمه" 
تجهم الرجل وقال "ولكن يا ابنتي أين زوجك؟ لقد كان هنا كالمجنون يبحث عن أشرف وكاد الاثنان يقتلان بعضهما البعض بسبب ما حدث لكِ"
أخفضت وجهها وقالت "أنا أردت العودة لبلدي فهل تساعدني؟"
ظل واجما لحظة قبل أن يقول "بالتأكيد يا ابنتي، لا يمكنني تركك تعلمين مدي حبي لكِ"
لقد نست معنى الحب بخضم الحياة المؤلمة التي عاشتها، فقدت الكثير بطريقها ودفعت الثمن غالي، غالي جدا وهي وحدها من تعرف الثمن الذي دفعته
عندما عاد من الركض عرف من الأمن أنها رحلت، هي أخبرته أنها سترحل وقد نفذت، هو نزل كي ترحل دون وجوده، لم يكن يستطع تركها تذهب أمامه ولم يكن بإمكانه إيقافها، كان يظن أنها لن تفعل ولكنها فقط انتظرت حتى تصفي الحسابات بينهم ثم رحلت، هكذا وبدون منحه فرصة للدفاع عن نفسه، بل فعل ولكنها لم تصدقه، ليس بعد ما عانته وتحملته، السبب واهي ولن تسامحه كما قالت
وقف تحت الماء وقت طويل يحاول أن يفكر، يصل لحل، يرسم ويخطط ولكنه وجد نفسه ضائع، تائه وسط معالم ممحاة لا شيء يمكن أن يساعده ويمنحه حل
أغلق الماء وجفف نفسه وخرج دون فائدة من التفكير فقد رحلت بل وطلبت الطلاق هي تنهي كل شيء وهو عاجز عن إعادة ترميم ما كان.. 
ظل بالبيت الاسبوع كله، لم يخبر أحد برحيلها فقط هو ما زال متعب وبحاجة للراحة حتى العمل لم يمكنه العودة له، الأرقام تحتاج لذهن صافي وهو لا يملك أي صفاء ذهني حاليا، حياته تنهار بل أكثر هي تتكسر بلا رجعة وهو لا يملك حل، كان يذهب للبلد لرؤيتها من بعيد وهي تتحرك لمتابعة الرجال بترميم البيت، كانت كالرجل تقف بينهم، نفضت الخوف والتراجع وأصبحت أكثر قوة وجمال
بيت عم سعدون القديم كان رائع حقا كانت سعيدة به ولا تتمنى أفضل منه للبقاء به مؤقتا، تابعت العمال الذين أحضرهم لترميم البيت فقد أصبحت قادرة على التعامل مع العالم كله وليس العاملين فقط 
بالأسبوع الثاني كانت قد حولت دراستها على النت لعامها الأخير، لا رغبة لها بالعودة للقاهرة وإثارة الذكريات، انتهت من متابعة العمال وخرجت لتعود لبيت سعدون عندما رأت عامر أمامها 
نزل من السيارة وتحرك تجاها وقال "تبدين بأفضل حالاتك" 
لن تنسى أبدا أنه كان الأفضل بالفترة السابقة لذا ابتسمت وقالت "نعم الحمد لله، كيف حال ليل والأولاد؟" 
قال بجدية "بخير، هل يمكن أن نتحدث؟" 
نظراتها كانت ترفض لكن ملامحه كانت تخبرها أن لا مجال للرفض فهزت رأسها وقالت "نعم بالتأكيد" 
أشار للسيارة فركبت وتبعها وقاد إلى خارج القرية وأوقف السيارة أمام استراحة ونزلا ليجلسا بالمكان 
حدق بها وقال "ماذا حدث بينكم؟" 
لم تنظر له وهي تحدق بالعصير اللامع بالكوب ثم قالت "الحقيقة، أنا أخبرته الحقيقة، أني لا أريد أن أعيش معه، أريد الطلاق"
تراجع عامر بالمقعد وقال "لا، لم تفعلي" 
قالت بجدية واضحة "آسفة لتخييب ظنك ولكن هذا ما كان" 
ظل صامتا حتى رفعت وجهها له وقالت "أعلم أنك غاضب مني ولكن صدقني لم أستطع تقبل العودة له" 
اقترب من المائدة وقال "إذن حان الوقت لتخبريني السبب، سبب كل ما حدث حلا، سفره وتركه لكِ والآن رغبتك الغريبة هذه، لم أتطفل وقت سفره لكن الآن؟" 
أخفضت وجهها وقالت "آسفة عامر لم يعد هناك فائدة من فتح الماضي فلن يجلب إلا الألم، كما وأن هناك أشياء حتى هو لا يعرفها ولكنه كان سبب بدمارها، كلها أسباب تجعلني لا أقبل المساومة"
دمعت عيونها والألم يندفع لها فقال بنبرة عاطفية "نحن إخوة حلا، هكذا اعتبرتك"
هزت رأسها ومسحت دمعتها وقالت "وهذا سبب وجودي هنا معك، أنت الوحيد الذي كنت بجواري دائما"  
حثها على الحديث "إذن تحدثي حلا، لا يمكنني أن أرى حياتكم تنهار وأظل مكتوف الأيدي هكذا، لا هو يريد التحدث ولا أنتِ تريدين" 
قالت بحزن "لأن كلانا يعلم أنها نهاية الرحلة عامر ولا مجال لطريق آخر مشترك بيننا" 
ارتد بالمقعد وقال" تغيرتِ كثيرا"
قالت بألم "بقدر ما تألمت" 
ظل صامتا لحظة ثم قال "هذا يعني أن لا حل لكل ذلك؟"
ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت "ألا تظن أنه تأخر كثيرا ليعيد ما تدمر؟"
هز رأسه وقال "ربما ولكن أن يدرك الانسان منا واقعه الصحيح فهذا يأخذ منه الكثير لذا هو تأخر حلا"
قالت بحزن "لا دخان بدون نار، ما أنا فيه له أسباب كثيرة ربما أملك القدرة بيوم ما على قولها لكن الآن، آسفة لا أستطيع" 
هز رأسه بتفهم وانتهى اللقاء بإعادتها للبلد وقبل أن يذهب قالت "طلب واحد عامر، الطلاق"

تعليقات