رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم ريناد يوسف


غادر سالم وهو يشعر بأن رجوه دست يدها في جُرحه مرة أخرى دون شفقة أو رحمة وأعتصرت قلبه مجدداً.
 
وقف أمام عمه قصير الذي وصل أخيراً للقبيلة ونزل من فوق حصانه وقد بلغ به الغضب مبلغه، فسأله سالم:
- ليش مشيت لرجوه ويش كان ودك منها ياعمي؟ 
- كان ودي انهي عمرها وأرتاح منها وترتاح انت وترتاح هي بعد، وتتنسي رجوه وينمحي اسمها من القبيلة وينقطع ذكرها من الأفواه. 
سمع سالم كلمات عمه وجحظت عيناه من هول ماسمع، فرد على الفور:
- والله بسماه ياعمي إذا رجوه يمسها ضُر لأحرق القبيلة كلها، بخيامها بحلالها وهوايشها بناسها صغير وكبير، شباب وشياب، ومتل ماينتهي ذكر رجوه ينتهي معها ذكر قبيلة المنصور من الوجود. 
رد عليه قصير:
-برد قلبك ياسالم، انت الحين تحكي من ورا محبتك لها اللي مازالت بقلبك ماجفت، بس بعد زواجك راح تنسى رجوه ومارح تعنيلك اي شي. 

- ولحين يصير هاد الحكي وانساها وماتعنيلي ماحد يقرب منها ولا يحكيلها كلمة توجعها.. رجوه مو بس حبيبه ورهينه ياعمي.. رجوه بنتي واختي ورفيقتي وبنت عمي، واذا انقطع رابط يضل الف رابط غيره، وطول ماتربطني بيها صله.. رجوه بحمايتي وماحدا يقربها.. ولا حتى انت ياعمي ومنك السماح. 

تنهد قصير وقام بسحب لجام حصانه وتحرك من أمامه خطوة، ولكن يد سالم أمسكت منه اللجام وهو يقول له:
- والله عار علي إذا انا واقف وعمي وشيخي بروحه يعاود حصانه ويربطه. 

تحرك سالم بالحصان وترك عمه قصير يراقبه بحسرة وهو يتمتم في نفسه:
- الله يلعنك يارجوه ويلعن البطن اللي شالتك ياأم الفوانص ياعارر. 

خيم الليل واصطف رجال القبيلة وشبابها حول الشيخ قصير، وبعد الخوض في عدة موضوعات، تنحنح قصير وأعتدل في جلسته وتحدث بكل جديه:
- ياولاد خوي اليوم نويت نعطي بناتي ونزوجهم بأقرب وقت، فمن بخاطره وحده من بنيات عمه يحكي الحين ويحجزها، ومن بعد إذنكم سويلم اول واحد بيختار من بنياتي، بخلاف رجوه لأنه ماعاد يريدها وحل نهوته عليها، بس اني انريد نسبه وقربه وما اريده يصير صهر لغيري. 

فزع سالم من حديث عمه قصير ونظر لرابح بإستنجاد؛ لأن مايطلبه منه عمه هو الجنون بعينه، فرد عنه رابح على الفور:
- من رخصتك ياعمي تعفي سويلم من الاختيار، لأن عمتي عوالي شافتله عروس وبالفعل تكلمت مع البنيه وعشمتها، ومايصير نقطع العشم ونبدله خذلان، كلهن بنات عمومتنا والكل بغلا بعضه. 
نظر قصير لسالم وتنهد حسرة ثم قال:
-والله اذا هيك الحكي مرخوص ياولد خوي وربي يجعلك بيها الصلاح والفلاح وتملالك القبيلة ولاد ملاح.
والحين اللي بده بنيه يذكر اسمها قدام الجميع ويربطها بإسمه. 
فسارعت الافواه بنطق الأسماء ومن كان الاسرع حظى. 
أما سالم فقد استشاط غيظاً حين ذكر احدهم رجوة وطلبها زوجة له، ولكن رد هلال عليه هو ما اثلج قلب سالم حين قال:
- رجوه مو من ضمن الاختيارات، رجوه ماراح تتزوج، لساتها ما عقلت بعد ولا تعرف تعمر خيام، بعدها صغيرة. 
صدق قصير على كلام هلال إبنه، 
أما جميع الحضور فنظروا للخاطب بلوم وعتب، فهو يعلم جيداً رجوه بقلب من، والكل يعلم لماذا تم إنهاء رهنها، فلا أمر يخفى علي سائر القبيلة مهما كان صغيراً، ولكن هذا بالتأكيد كان عاشق خفي يتربص الفرصة واراد إغتنامها، ولكنه لم ينالها. 

إنفض المجلس ونهض الجميع، وبمجرد إنتشار خبر خطبة بنات قصير في القبيلة تعالت اصوات الهلاهل وانبعثت من داخل الخيام ترد علي بعضها..
 أما في خيمة معزوزه فكان الأمر أشبه بالعزاء. 
فقد إجتمع سالم ورابح وهلال يحاولون التخفيف عن سالم ومواساته، أما هو فكان يبتسم ويحاول مجاراتهم في الحديث والإدعاء بأن كل شيئ على مايرام،

 ولكن بمجرد ان سمع صوتها خارج الخيمة أختفت جميع الإدعاءات وتهدلت أكتافه بضعف، فهاهي التي وعدته الأ تجعله يراها او يسمع صوتها تدور في سمائه وتغرد، فبئساً للنسيان والتخطي إن كانت ستظل قريبة منه هكذا. 
دخلت رجوه الخيمة دون ان يجيبها احد، ولما رأتهم تراجعت للخلف وهي تعتذر منهم، 
وخاصة وهي تري حالهم هذا وكأن على رؤسهم الطير! 
ولكن مااحزنها حقاً هو حال سالم، نعم تعلم أنه حزين ولا يستحق هذا الشعور، 
ولكنها لن تهتم بحزن غير حزنها، ولن تضحي بسعادتها من أجل أن يسعد هو، هذا قرارها وهذا مااقسمت عليه ولن تأخذها بغير قلبها شفقة ولا رحمة. 

غادرت الخيمة وبعد فترة صمت تمتم هلال:
-روحي الله لا يردك. 
نظر اليه سالم بغضب، ودون ان يتفوه هب واقفاً وغادرهم، وتركهم حائرين في أمره، يعرفون علته ولا يملكون لها دواء. 

أما في خيمة الشيخه عوالي:
- يامايزه روحي جيبيلي نقال قصير قوليله عمتك ودها تحكي مع الشيخ منصور وتتفقد احواله، 
وبطريقك شيعي الخبر بأني غدوه بدي اختار من بين بنيات القبيلة عروس لسويلم وودي كل بنيه طايبه وبلغت سن الزواج تجيني لأفحصها من ساسها لراسها واقيم جمالها واللي راح تدخل  عقل الشيخه عوالي راح تكون هي العروس. 

نفذت مايزه ونشرت الخبر بكل القبيلة، والامر كان أشبه بقصة حفل الامير الذي سيختار منه عروسه، ولكن الوضع هنا مختلف، فسندريلا قد تخلت عنه ولن تأتي من ضمنهم. 

عادت مايزه وتركت الفتيات في حالة سباق، يتهافتون على البئر ويفاضلن بين ثيابهن، يتسابقون على جنديه القابلة حتى تنظف وجوههن وتصفف شعورهن بطريقتها المميزة. 

اما قبل قليل في إحدى الخيام... 

-ويش فيك يامزيونه كل مافتحتي فمك سالم وسالم، ويش قصتك أنتِ مع سالم؟ 
- اختي اسرك ولا تفشين السر؟ 
- اعتبريه بالبير القديم المهجور سرك يامزيونه. 
- انا انحب سالم.. انحبا من زمااان كتييير من وقت الكنا ولاد صغار، بس هو مايوم نظر ولا شاف غير رجوه، كنت اظنه مستحيل وياما دعيت ربي بجوف الليل إنه يبدل المستحيل ويجعلا بالإمكان،
 وقت كنت انفيق الصبح نضحك على حالي وانقول ويش هادا اللي قضيت ليلي ندعي بيه، وكيف ندعي بشي ماراح يصير، ونرجع ونقول الله يهنيه يارب مع رجوه ويهنيها معه.

 بس توا كأن ربي يقولي مافي شي مستحيل على ربك، مو أنت طلبتي مني سالم، هاك هو سالم.. بعدتلك رجوه عنه وصار طريقك خالي. 
- يعني ايش راح تسوين توا؟ 
- أول شي هنعدي  للكبيره، الشيخة عوالي نشكيلها المحبة والشوق وهي  تشور عليا ويش انسوي. 

أنهت كلماتها وإذ بصوت مايزه يصدح من خارج الخيمة وكأنها رسول الأمير تعلن عن ميعاد الحفل، فتصنمت مزيونه وأختها أيضاً من هول الصدمة، فكأن السماء سمعت وهيأت كل شيئ لصالح تلك المسكينه وهاهي تبعث لها الفرصة التي كانت بإنتظارها.
وبعد أن إنتبهت مزيونه علي نفسها همست:
-أختى زينه سمعتي اللي سمعته توا ولا اني عقلي بدا يصورلي أوهام؟
-سمعت يامزيونه سمعت، هيا انهضي وشوفي ايش راح تسوين بروحك وايش راح تلبسين غدوه.

-غدوه.. أي غدوه؟ الحين ودي امشي للشيخه، الحين بروح واحكيلها كل اللي بقلبي وروحي، مافي صبر لغدوه يازينه، هاد سويلم وهي فرصتي، هي دعواتي ومناجاتي لربي، سعادتي وفرحة عمري هادوول كلهن بخيمة الشيخة عوالي بإنتظاري وماراح اتركهن لغدوه ووحده غيري تمد يدها وتخطفهن مني.. قومي.. قومي ساعديني اتحمم وهاتي المكحلة والحمره وساعديني واسنديني لحد خيمة الشيخه احس رجولي ماعاد يحملنني.

اما في خيمة عوالي:
-. كيفك يانبض القلب ونور العين، كيف صرت ياحبيب عوالي.
- اني بخييير ياخيتي بس طمنيني عن القبيلة واحوالها واهلها، وعنك وعن كل شي، كلل شي.
- كل شي علي حطة ايدك ياخوي، اهل القبيلة ماشيبن على تعاليمك ونهجك ومافي حد خالف قوانين شيخه ولا حدا يجرؤ،
 وكله يدعيلك تطيب وترجع تنور مجلسك وتلم حولك الكبير والصغير وتعود مع رجوعك ليالي الفرح والسرور.

-لااااه ياعوالي مافي رجعه.. خلاص العمر ولى وإقترب وقت الرحيل، بس هي أيام باقيالي عم اقضيها متل ماتكون.
-الله يطول بعمرك ويعطيك الصحة ياخوي، ماتيأس من رحمة اللي يحيي العظام وهي رميم ومو كثير عليه يبري جسد من المرض، بس انت قول ياالله.
- ياالله رحمتك ورضاك وعفوك..طمنيني على وليدي آدم ياعوالي ايش احواله، حسه ماعاجبني وقت حاكاني، احسا شايل هموم الكون حتى وهو يقولي انه تخلص من عمه ورجع كل حقوقه. 

- يعني ماتعرف يامنصور ايش اللي يقهر الرجال ويشيلهم الهم حتى ولو كانوا سلاطين يحكمون بلدان.. العشق ياخوي مرمر رجالك ولعب بحالهم، اذا سالم ولا عقاب تنينهم عقلهم سلبنه الفوانص. 
- الوليدات لابد يتزوجون ياعوالي، اتنينهم زوجيهم، سالم بالاول حتى يخف وجعه ومن بعده عقاب، أو لو تعرفين تزوجيهم بيوم واحد ما تتأخري. 
- سالم اي هو هاد طلبه واني بدأت اشوفله عروس،
 أما عقاب فما أظن يوافق يتزوج الحين، وأنا ماأعرف من بنات الحضر لادورله منهم عروس ياخوي. 
- كلمي أمه تدورله وقوليلها الأمر عاااجل وفهميها ماتتوانى عن البحث،، قوليلها وليدك روحه عم تحترق. 
- تم ياشيخي تم. 
كانت ستواصل الحديث مع اخيها ولكن قاطعها صوت إحداهن تستأذن بالدخول، فأذنت لها عوالي وعادت للتحدث مع منصور، ولكن قاطعتها التي ارتمت اسفل قدميها وأمسكتهم بكلتا يديها وقالت بتوسل:
- ياعمتي وشيختي وشيخة قلبي، انا بعرضك وطولك واستحلفك بكل عزيز وغالي تنظرين لقلبي بعين الرأفة.
صاحت بها عوالي وهي لا تفهم ماذا بها:
- ايش فيك يامزيونه وليش خريتي حدر قدامي، قومي وفهميني؟!

-سالم ياعمتي، سالم اللي تدوريله عروس ماتلوقله غيري، انا ياعمتي أنا الاولى بابن عمي، انا اللي نحبه من صغري ومضيت سنين وانا اطلبا من ربي، انا اللي انتظرته وادري مافي أمل بس كان املي بربي كبير وماخذلني.. استحلفك بكل عزيز وغالي ماتدخلي حياة سالم وحده غيري.. انا راح اصيرله خدامه واتمناله الرضى وماراح اقصر بشي حتى يرضى.. انا راح اداريه برموش عيوني وافرشله قلبي بساط يخطي فوقه.. زوجيني سالم ياعمتي وراح تشوفين اني احكي الصدق.. اعرفك تحبين سالم اكثر من أمه اللي ولدته، وإذا تحبيه وتريديله الخير زوجيني له. 

صمتت عوالي وهي تراقب حال هذه المجنونه بتعجب، وانتبهت علي صوت منصور الذي كان لايزال على الهاتف وهو يقول:
- عوالي،، هي اللي تزوجينها لسويلم.. لبنيه عاشقه والعاشق يعطي بلا ثمن.. خلي تعوض سالم عن كل اللي خسره وتداوي جروح قلبه..بس ماتكون قليلة حلا عن قليلة الحيا الفانص بت مكاسب. 

اجابته عوالي بعيون تدقق فى ملامح مزيونه بتفحص:
-لا والله ياشيخ مانها قليلة حلا، هي متلها متل الفانص وتزيد بعد. 
- زين قوليلها يقولك عمك منصور سويلم جاك بهدومه... قالها وضحك وضحكت عوالي وارتخت أيدي مزيونه غير مصدقة لما تهادى إلى سمعها عبر سماعة الهاتف، 
فأنهت عوالي المكالمة مع أخيها وأخذت تنظر لمزيونه بتركيز أكثر، ثم نظرت لمايزه واعطتها أمراً بعينيها، فقامت مايزه بقفل ستار الخيمة، ونظرت عوالي لمزيونه وقالت:
-تعالي يامايزه نزعيها ملابسها حتى اشوف اذا داخلها زين متل خارجها ومابيها عيوب مخفيه، هاد سويلم واللي تاخده لازم تكون كامله مكمله من كل شي. 
همت مايزه بالإقتراب ومساعدة مزيونه ولكن فاجأتهم مزيونه حينما وقفت وقامت بنزع ملابسها دفعة واحدة وهي تقول:
- لا مااريد حدا يساعدني، انا امامك  ياعمتي افحصي متل ماتريدي. 

ضحكت عوالى من جرأتها وقالت  بعد ان نظرت إليها جيداً:
- زين رجعي ملابسج وتحشمي وخليكي ثقيلة، ودي اشوف خجل العذارى اللي مالمحته على وجهك من لحظة دخولك الخيمة.. وين حيا الصبايا منك وين؟ ياعيني على حظك ياسويلم ياوليدي اللي مايسوق عليك الا الفوانص! 

اردفت مزيونه وهي ترتدى ملابسها مرة أخرى:
- والله ياعمتي إني استحي بس هي فرصتي الوحيدة وانا حلفت ماأضيعها إلا وانا مخلصه جميع المحاولات. 
تبسمت عوالي وهي تنظر لمايزه التي أشارت لها بيدها بمعنى أن الفتاه ممتازه، ثم سرعان مااختفت إبتسامتها ودعت مزيونه للجلوس بجانبها وتحدثت بجديه:
-مزيونه اسمعيني زين.. انتي تعرفين حب سالم لرجوه اكيد لأن مافي حدا بالقبيلة مايعلم، وتعرفين أن رجوه هي اللي تخلت مو سالم، يعني لساها بقلبه وراح تضل، اذا عطيتك الفرصة اللي تتمنين وصرتي حلال سالم وسمعت لسانك بيوم ذكر رجوه بغيره، راح اطلعه من خشمك واقصه. واسم رجوه بيكون اخر شي نطقه مفهوم؟ 
-تم ياعمه ابشري. 
-وشي تاني، اذا عينك نظرت لرجوه نظرة كره بصفي ميها واخليكي بلا شوف.. سالم ورجوه تنينهم أولادي، وراح يضلون قراب حتي لو سالم تزوج اربع حريمات.. يعني مافيوم تقارني روحك بيها ولا تقولي لسالم ليش هي وأنا لا.. فهمتي علي، ؟ 

- تم والله تم، وربي ماراح احكي حتى اذا تزوجها بعدي، ولا اتكلم إذا جالسها ليل نهار.. انا كل اللي ابغيه من سالم بس نظره ودقايق قرب.. أريد اجيبله اول وليد والناس تناديه بابو فلان واكون أنا أم فلان، أنا ماني طماعه ياعمتي.. انا عاشقه عاااشقه. 

- والعاشق طماع يامزيونه وبيني وبينك الأيام، بس انا حذرت وانتي بكيفك..والحين يلا علي خيمتك وماحدا من القبيلة يدري باللي صار بيناتنا، وراح اشوف كل بنيات القبيلة غدوه لجل مايقولون عوالي تلاوع وماعاد ليها كلمه..
 وانتي جهزي حالك وشوفي ايش ناقصك لحتى انزل انا ومايزه الحضر واجيبه لك، واستعدي لتكوني عروس سالم. 

مرت الليلة بساعات أطول من الدهر على كل منتظر، سالم الذي يحارب النوم لكي يأسر منه القليل لعيونه المتعبة وعقله المجهد من شدة التفكير،
 ومزيونه التي لم تجلس ولو للحظة واحدة وهي تدور في الخيمة كمن ضيع عقله، غير مصدقة حتى الآن بما دار بينها وبين الشيخة عوالي، وكانها داخل إحدى أحلامها الوردية المتكرره وتخاف أن يختفى مع حلول الصباح. 
أما آدم فقضى ليلته باكملها في مكتب القصر مع  أبيه وهم يتشاوران في أمور الشركة الجديدة أو الشركات، يستمع أبيه إليه أكثر مما يتحدث، غير مصدق لأي مدى صغيره أصبح بارع، يشكر منصور وقصير في نفسه كلما رف قلبه ونبض بفرحة، يشكر القبيلة أجمع على إحتضانها لطفله وحنوها عليه اكثر من حنو من هم من دمه. 
أما عايده فكانت تشاطرهم السهر، فرِحة بوليدها الذي يناطح أبيه ويجادله في أمور العمل ويثبت له في كل مرة أنه هو الأصح والأدرى، كانت تطوف عليهم متحججة بالعصائر والمشروبات، وهي في الحقيقة تحب رؤيتهم معاً هكذا..

 جلست اخيراً بالقرب منهم واخذت تراقبهم وتبتسم فكم أصبح كبيراَ ووسيماً يخطف الانظار وتنخلع لطلته القلوب. 
كم تعشق جمعتهم وكم تعشق رؤيتهم سوياً وفرحة زوجها بإبنه الذي أنساهم كل مامروا به، وفي كل مرة يحتضنه أحدهم يدرك أن الفراق أتى بثماره حقاً ولم تذهب السنوات هباءً. 

أما فتيات القبيلة فقد كانت ليلتهم حافلة وهن يتبادلن الثياب فيما بينهم وادوات الزينه، وكأن سالم آخر رجال القبيلة.. هو ليس بالفعل آخرهم ولكنه من صفوتهم، والفوز به بمثابة الفوز في أضخم السباقات،ولا يعلمون بان نتيجة المسابقة حسمت سلفاً.

انقضى الليل وأعلنت خيوط الضوء عن يوم جديد، خرجت فتيات القبيلة يسعين في القبيلة وكلُ تبذل قصارى جهدها اليوم، وتحاول لفت الأنظار قدر المستطاع، وخاصة عند رؤية سالم في مكان ما. 

اقتربت ساعة الصفر، وقامت مايزه بالمناداة على جميع الفتيات لخيمة الشيخة، فسارعن الفتيات وكأن التي ستصل أولاً هي من ستفوز بسالم! وحتى مزيونه كانت من ضمنهم كما طلبت منها عوالي؛ كي لا يشك أحد بشيئ، ولكنها كانت تمشي بثقة كما لو كانت الملكة وكل هؤلاء جواري يتسابقن لنيل رضى سلطانها. 

وكان سالم وما يحدث لأجله في القبيلة اليوم مادة للضحك والهزو، وأُطلقت عليه عشرات الأسماء نظراً للحدث، مثل، الملك سالم، السلطان سالم، صاحب الفتح، شيخ شيوخ القبائل وووو...... 
أما هو فكان عقله في مكان آخر، حيث النخلة البعيدة التي تجلس تحتها جنيته غير آبهة بما يدور في القبيلة، وكأن من تتسابق الفتيات لأجله لم يعني لها يوماً شيء!
رابح:
- خوي.. ياسويلم، ايش رأيك نمشي للحضر ونتفرج عالاغراض وادلك على مكان كل شي اشتريته لخيمتي ونشتريلك اخوه. 
رد عليه سالم بشرود:
-انا ما اريد امشي لمكان يارابح أو اشتري شي، وقت الشرا اي حدا يجيب واتركوني بحالي. 
فأجابه رابح:
-ايش هاد الكلام ياسالم، والله خيمة اخوي وفرشها مايجي إلا نقاوة عيني  انا، والخيمه هادول السواعد اللي راح ينصبونها، انا فديت الساعه اللي خوي يتزوج فيها وانا اللي راح اجهزله كل شي بروحي. 

ليكمل هلال من بعده:
- والله ماتمشي خطوه لحالك، ومتل ماسالم اخوك اخوي متلك، وأي شي ينجاب راح يشيله هاد الكتف، وأكبر واحلا خيمه بالقبيلة راح تتنصب لجل عيون سويلم، خيمه اكبر وأوسع من خيمة الشيخ بذاته. 

تبسم سالم لعبارات الفرح والمحبة التي يسمعها، وكم تمنى هذا اليوم وحلم به، ولكن للأسف بعض الأحلام تأتي غير مكتملة.

إنتهى اليوم وعوالي أخبرت الجميع بان عروس سالم سيتم الإعلان عنها في المساء. 
وها قد أتى المساء والقبيلة بأسرها تنتظر معرفة من هي العروس التي وقع عليها اختيار عوالي، حتي سالم نفسه ينتظر معهم أن يري من التي سيأتي بها نصيبه، 
ولما وقفت الشيخة ونادت على إسم مزيونه، ظهرت من بين الجموع فتاة غاية في الجمال، نعم هو يعرف هذا الأسم ويعرف صاحبته وإبنة من، لكن هذه المرة الأولي التي ينظر لها فيها عن قرب وبتمعن، 
نظرة عريس لعروسه، فسابقاً لم يكن يرى من الفتيات ولا يسمع إلا لواحدة، وكأن باقي فتيات القبيلة أشباح سوداء تمر من حوله. 

تقدمت مزيونه وهي تحاول أن تكتم ضحكتها بيدها وخجلها واضح للأعمى، أما باقي الفتيات فأصابتهم الخيبة وجلسوا كمن خاب مسعاه. 
اشارت الشيخة عوالي لسالم فإقترب منها، وسألت مزيونه أمامه وأمام الجميع:
- مزيونه يابنت حسين، وقع اختياري عليكي زوجه لوليدي سالم وتوا راح ينهى عليكي، عندك شي تقوليه؟ 
 هزت مزيونه رأسها سريعاً بالنفي، فشعر سالم بأن هذه اللحظات هي نهاية كل شيء.. فإبتلع غصته وهو يبحث عنها بين الحضور كي تنقذه وتصرخ بهم جميعاً وتعترض، تخبرهم بأن سالم لها هي فقط ولن تتركه لغيرها، تهتف بأنه ملكية خاصة وتمنع الجميع عن الاقتراب منه،. 
ولكنه لم يجدها، أصبحت المجالس خالية من وجودها ومكانها فارغ، نعم هو طلب منها الإبتعاد عنه، ولكن منذ متى وهي تطيعه ولا تخالف له أمر لتمتثل لذلك الأمر وتنفذه بطاعة عمياء؟ 
أشارت عوالي لسالم نحو والد  مزيونه وهي تلكذه ليعود من شروده، فأبتلع غصته وتقدم من والد مزيونه ووقف امامه وأردف:
- ياعمي.. اني اريد بتك زوجه لي على سنة الله ورسوله، اريدها ام وليداتي وعمار دياري. 
فاجابه والد مزيونه على الفور:
- ابشر ياوليد اخوي عطيتك.. من الحين مزيونه رهينة سويلم. 
هلل الجميع وقامت النساء بالاحتفال على طريقتهم بإطلاق أغاني الافراح والمناسبات، والجميع بدأ بالاحتفال بخبر نهوة سالم. 
ولكن هناك من لم تدخل الفرحة قلبه وكانت الحسرة ربيعه.. الا وهو قصير ومن بعده هلال وحتى سالم نفسه. 

تم تحديد موعد الزواج بعد سبعة ايام من قِِبل الشيخة عوالي، مما جعل سالم يشعر بالزعر! 
فهي مدة قصيرة جدا ليستوعب حتى الأمر، كان يريد وقت أطول للتأقلم مع الوضع الجديد، ولكن قرار عمته عوالي كان بمثابة إصدار الحكم قبل المحاكمة. 
فتفرق الجميع وبعد ان نامت اغلب العيون ركب سالم حصانه وأنطلق به هرباً، وكم تمنى مع كل خطوة أن يغادر للأبد ولا يعود إلى هنا مجدداً، فهو يشعر بأن القبيلة اصبحت خاوية لا أهل فيها ولا حياة. 

أما رجوة فكم تمنت لو أن الأمر طبيعي، وتستطيع الأحتفال مع سالم بزواجه كإحتفال أخت بأخيها، تساعده في كل شيئ وتجلب له مايحتاج دون ان يطلب، وتلبي قبل أن ينادي، فمن أعلم به منها، كم أرادت ان تمارس على زوجته دور الحماة فهى اكثر من كانت ستتقنه على زوجة سالم.. 
كانت ستستمتع كثيراً، ولكن لو كانت الظروف مختلفة.

غادرت خيمتها وجلست علي أول الطريق فقد عرفت من معزوزه بإنه اخذ حصانه وغادر، أصرت على إنتظاره ومحاولة إمضاء معاهدة سلام معه، فها هو سيتزوج وسيتحول قلبه وكل مشاعره لأخرى، وستتحرر هي ويجب أن تتشكل العلاقات من أول وجديد. 

انتظرت وانتظرت حتي عاد أخيراً، عاد يترنح فوق حصانه ولولا معرفتها به لقالت بأنه منتشي من شربه للخمر، ولكنها تعرف حق المعرفة أن هذا مستحيل، وعند اقترابه منها أكثر  رأت منه ماجعل قلبها ينتفض خوفاً عليه، 
فقد كانت عيناه حمراء وشفتاه صُبغتا باللون الأزرق، كانت حالة تسمم واضحة، ولكن كيف وهو الذي لا يؤثر في جسده سم؟ 
إقتربت منه وساعدته علي النزول من فوق حصانه وأحتضنته بخوف، فنظر إليها وهمس بوجع:
-ليش تقتربين، مو قلتلك مااريد اشوفك، مااريد اشمك، اخرجي من حياتي يارجوه واطلعي مني، اخرجي مني تعبتي هالقلب وهلكتيه هلاك، ولك ولييي. 
انهي كلماته بلسان ثقيل وازاحها بعيداً عنه ومشى مبتعداً، وبعد خطوات قليلة تعثر. وكاد يسقط فكانت يداها اقرب له من الأرض، فسندته وساعدته علي الوقوف مجدداً، ازاحها هذه المرة في صمت وأكمل طريقة وهو يتمتم بوجع:

- اغربي عني ماعاد قربك مشروع ولا عاد لي حق فيكي.. فارقتيني كما تفارق الروح حتى وانتي تعرفين إن في فراقك موتي..بس ودي اسألك ليش اللي يموت شخص بيده يفوت على جثمانه ويبكي فوقه ليش ليييش. 

وصل أمام خيمة رابح ومعزوزه ونادى بصوت عالي:
- يااااارابح انجدني واني اخوووك.. تعال يارابح سويلم يموووت

خرج رابح مسرعاً من خيمته فور سماعه لإستنجاد سالم، واقترب منه بفزع واختطفه لأحضانه وهو يسأله:
-ايش فيك ياقليب اخوك، ايش اللي صابك وليش هيك حالك؟ 
- ماادري ماادري، فيه شي لدغني وماشفته ومااعرفه ولا اعرف ايش هو وغلبني وانا اللي ماتغلبني سموم. 

كاد رابح ان يدخله خيمته ولكنه تذكر أن معزوزه نائمة، فحمله وأسرع به نحو خيمة الشيخه عوالي فقد كانت هي الأقرب، وأدخله بعد إن ناداها بصوت واحد طالباً نجدتها فأذنت له بالدخول على الفور، وشهقت بخوف وهي ترى سالم بهذا الحال. 
انزله رابح فوق الفراش وقامت عوالي بفحصه سريعاً، ولما سألها سر حالته أجابته بحسرة:
-سم دفينه مع سخونه كانت بالاصل بجوفه، وكل هاد اختلط بالقهر فضعف جسده وجعل السم يأثر بيه. 

- والحل ياشيخه؟ 
- بسيطه ماتخاف عليه، سويلم قوي، الحين بسويله أعشاب يشربها واعشاب احطها فوق بطنه واسويله كمادات مي بارد وغدوه يصير متل الحصان يرمح بالقبيلة. 

إبتعد رابح عن طريقها وافسح لها المجال كي تبدأ في مداواة سالم، أما رجوه فكانت تقف على باب الخيمة وهي تشعر بأنها أصبحت غريبة لا يحق لها الإقتراب، وخاصة بعد نظرات عمتها عوالي الساخطة، فلا هي التي تقوى علي الإنصراف وترك سالم بهذه الحالة، ولا هي التي تستطيع الدخول، 
فوقفت حيث هي.. تراقب الوضع وتدعوا له، وهذا كل مابيدها عليه الآن. 
مر بعض الوقت وهدأت إرتجافة جسد سالم وتبدل لونه الازرق وعاد طبيعياً إلى حد ما، واستكانت حركته اللا إرادية، فإطمئنت الشيخه عوالي وطمأنت رابح وطلبت منه العودة لخيمته فقد زال الخطر. 

أما رجوه فظلت جالسة علي باب الخيمة وأبت المغادرة حتى مع رابح والعودة لخيمتها، وعند طلوع الفجر أمرت عوالي مايزه بالذهاب إلى خيمة مزيونه وإحضارها، ولما سألتها مايزه عن السبب اجابتها عوالي:

-اريد سالم أول مايفتح عيونه يشوف مزيونه فوق راسه، اريده بس يفيق من احلامه يشوف واقعه وينفض الاحلام وينساها، ماشوفتيه كيف يهزي باسم الفانص طول الليل؟ 
اريد مزيونه تاخد دورها بحياة سالم من الحين وتشغل الأماكن الفارغه. 

نفذت مايزه الأمر وأحضرت مزيونه التي أتت معها وهي غير مصدقة، ولما مرت بجانب رجوه تجاهلتها تماماً، فأجلستها عوالي بجانب سالم بعد أن أملت عليها ماتقوله له عندما يستيقظ، وتركت الخيمة مع مايزه وذهبتا للوضوء والاستعداد لصلاة الفجر. 
اما مزيونه فجلست بجوار حلمها الذي تحقق، وأخذت تنظر إليه وهي تحمد الله وتسأله ان يثبت قلبها الذي يتخبط داخلها من شدة الفرحة.. بينما الاخري لا تزال تجلس بالخارج تشعر بأنها خسرت مكانتها لدى الجميع، وهذه عدالة السماء فخسارة البعض هي مكاسب لدى البعض الآخر. 
فتح سالم عيناه ببطئ اخيراً، فاعتدلت مزيونه في جلستها وتبسمت بسعادة، أما هو فبمجرد رؤيتها سألها قبل أن يدرك من هى حتى:
-وينها، وين راحت الندله وتركتني، وانتي من وليش تجلسين بجواري؟ 

اجابته مزيونه وهي تدعي الغباء، فهي تعلم جيداً على من يسأل:
-اذا تسأل عن عمتي الشيخه اخدت مايزه وراحو يصلوا، وإذا تسأل عني فأنا ياإبن عمي رهينتك مزيونه وست بيتك وام وليداتك بإذن الله، وانا هون من لما جيت عشيه، عرفت ان الاذى صابك اسم الله حولك وجيتك وقضيت الليل بجوارك. 

اغمض سالم عيناه بضعف، فها هي تثبت له مجدداً حين تركته في هذا الحال بأنها اندل مما توقع وأحط مما اعتقد، فلو كانت هي لكان خبأها بين ضلوعه حتى طابت. 

إعتدل في جلسته فهبت مزيونه واقفة واحضرت له نعليه ومدت له يدها تساعده، فنظر ليدها ثم زفر ووقف دون الإستعانة بها وهو يقول:
-بعدك ماصرتي حلالي، لا تمدين يدك صوبي ولا تقربين، بس تكونين بخيمتي يصير القرب مسموح لا تبدأيها معي بالحرام. 

كادت أن تفلت من فمها الكلمات وتذكره بأنه إقترب من رجوه الاف المرات، بل وحملها على قلبه وأجلسها في حجره وليس مجرد لمسة يد، ولكنها تذكرت وعدها للشيخة عوالي، فصمتت، 
ولكن سالم فهم ماكانت تنوي قوله دون ان تنطق، فعيناها قالت مابداخلها، فأكمل وهو يلبس نعليه إستعداداً للمغادرة:
-مو حلو الاستعجال، واللي يتعجل شي قبل أوانه يتعاقب بحرمانه،فهمتي علي ياااا؟ 
-مزيونه ياابن عمي، واي فهمت عليك وانا ما مستعجله ولا شي، انا بس ردت اعينك توقف على رجليك، ومادام مابيك الا العافيه مالها لزوم يدي ولا مساعدتي.

-بتشكرك يامزيونه ماقصرتي. 
-اسمحلي اسويلك فطورك اليوم ياسالم، هاد أول طلب اطلبه منك واتمني ماتردني. 
صمت قليلاً واجابها بقلة حيله:
-ماراح اردك هالمره، بس يامزيونه من بعدها اريدك تحطين بمخك ان فيه اشيا الموافقة عليها أو رفضها شي راجعلي.. ومايصير ندخل بيها غلاتنا عند بعضنا ولا مكانتنا، 
بمعنى
 انا الحين مااقدر احط شي بخشمي وبطني ماطابت زين، واذا اكلت راح انضر، وانت بس حكيتي اول طلب وماتردني ومدري شو انا مااقدر اردك بعدها وراح أئذي حالي لاجل ماتزعلين، فيابت الحلال إذا الطلب مايخصج ماتتوسلين ولا تتدللين. 
- امرك ماراح اعيدها وعد. 
- بالمره الجايه اسأليني بس اذا كنت اريد طعام أو لاً، ولا تتعجلي راح تملين من تجهيز الطعام وتتعبين من كثر طلباتي. 
- والله ماأمل ولا أتعب إذا اضل واقفه فوق راسك ليل نهار. 

تبسم وهو يعود للجلوس ورد عليها:
-ديري بالك هاد الحكي راح تتحاسبي بيه بعدين، والحين هيا جيبي طعامك وماتنسين عمتي عوالي ومايزه سويلهم معي.. وانتي معنا..

ضحكت مزيونه وغادرت علي الفور وهي تشعر بأن اليوم هو يوم حظها الأوفر حتى الآن، فقد جلست بجواره وحادثته وستحضر له طعام إفطاره وستشاركه الطعام ايضاً، فماذا تريد أكثر؟ 
خرجت من الخيمة وتخطت رجوه التي لازالت جالسة وبالتأكيد سمعت كل شيء، وذهبت أمامها وكأن ليس لها وجود، أو انها شيء خفي بالنسبة لها! 
فنهضت رجوه ونفضت عنها التراب ودخلت الخيمة بخطوات متراجفة ودون استأذان، فرفع رأسه ولما رآها هي هتف بها بغضب:
- اخرجي وماتعاودين، مااريد اشوف وجهك يارجوه.. انتي ماتعرفين سالم إلا وهو طايب، ماتعرفيه وقت التعب والعوزه، ماتبقين بجواره إذا روحه عم تطلع، تروحي وتردي بس لتشوفي لوين وصل حاله، 
هي قيمة سالم عندك، سالم ماطلع يعني لرجوه أي شي، بس فترة وانتهت. 
ارادت ان تنفي، أن تدافع عن نفسها، عن مكانته وغلاوته بداخلها، تخبره بأنها كانت تتألم معه طوال الوقت، ولكنها صمتت، صمتت ليصدق بأنها بالفعل قاسية ولا تحمل له بداخلها اية شعور، لعل ذلك يساعده في التخطي اسرع والمضي قدماً في حياته، 
فغادرت الخيمة دون أن تدافع عن نفسها بكلمة، غادرت وتركته يسبها ويلعن قلبه وغباءة حتى اختفى صوته حين ابتعدت المسافة الكافيه.. وجلست تحت جزع نخلتها البعيدة وهي تشعر بأنها باتت منبوذة من الجميع.. فلا اهل، ولا صديق، ولا حبيب، وكأنها نبتتة سامة إذا إقتربت من أحد فر هارباً، ومن يقترب منها يموت وهو على قيد الحياة. 

في غرفة الفندق:
-خلاص يابابا انا اتفقت مع اللي هينفذ وآدم هنخلص منه في خلال اليومين الجايين، الناس مراقبينه وهيستنوا بس الفرصه المناسبه. 

-تمام علي بركة الله، وانا هشوف لمحمود ومراته داهيه تاخدهم هما كمان عشان مش ناقصين وجع دماغ بعد موت ابنهم. 
- متقلقش هما اصلاً هيموتوا وراه من القهر عليه. 
- وإن ماماتوش نموتهم.. قالتها فريال وهي ترفع زجاجة السم أمام عينيها، الزجاجة التي أصبحت لا تفارقها ليل نهار، وكأنها باتت تستمد قوتها منها. 

أما بالقرب من مقر شركة آدم:
- خلي بالك صاحب المهمة مستعجل قوي. 
- احنا شغلنا مينفعش فيه استعجال، مستعجل يخلص بنفسه، لكن طالما جالنا يسيبنا نخلص بمعرفتنا، لو استعجلك مره تانيه فهمه كده. 
- تمام.. بص الزبون اللي عليه العين خارج من بوابة الشركه اهو. 
- وراه

الفصل السادس 

طب والله انا بتعب في أم الروايه دي ومفيش تقدير، دانا بوقي اتلوح وانا بقول الكلام البدوي ببوقي ياجدعان هو فيه إيه؟ وفيه ٤٠٠ لايك اختفوا وعايزاهم، وبداية التلكيك هخلي البارت مرتين اسبوعياً، نقصوا لايكات وتفاعل ننقص بارتات وانا وانتوا بقا هه

سلك آدم طريقه المعتاد للعودة إلى القصر، وفى هذه الاثناء لاحظ سيارة تتبعه، كان مجرد شك فحب أن يتأكد، فهو تعلم ألا يتجاهل الشكوك، وبالفعل اخذ طريقاً مختصراً وديقاً بالكاد تمر به سيارة، وأي سائق غير مضطر أن يعبره إلا لضرورة قصوى، وتأكد من شكوكه حين وجد السيارة أتت خلفه من نفس الطريق! 
تأهب ورسم خطته سريعاً وراوغ السيارة ونجح فى الهروب منها بسرعة ومهارة فائقتين. 

فوقف سائق السيارة في منتصف الطريق هو وزميله يتلفتان حولهم بحيرة، فقال احدهم:
- عرف اننا بنراقبه على فكره، الواد ده طلع فعلا مش سهل زي ماسمعنا عنه، واكيد هياخد احتياطه ويخلي باله، احنا لازم نختفي يومين تلاته لغاية مايرجع يطمن، 
خلاص كده احنا عرفنا تحركاته وكل طريق ممكن يعدي فيه، وساعة التنفيذ هنعمله الكمين اللي ميخرش الميه ولا يعدي منه حي. 

وصل آدم لقصره اخيراً، ولم يخبر أبيه او أمه بما أكتشفه اليوم ، فهو لا يريد إزعاجهم وهم للتو بدأوا يشعرون بالراحة والأمان. 

ولكنه هاتف عمه قصير، فلابد وأن يشرك أحد معه في قلقه:
- هلا عمي كيفك ايش اخبارك واخبار الكل حداك. 
- هلا وغلا وليدي، الكل بخير وماينقصنا غير وجودك معنا، كيفك انت طمني عنك. 
- انا زين ياشيخي زين. 
- عقاب احكي شو فيك وبدون لف ودوران، انا نعرفك زين ونعرف وقت يكون الحكي ملجوم جواك.. حرر عباراتك وتعرف زين مافي بينك وبين عمك قصير حدود ولا خطوط حُمر. 
- مو مسألة حدود وخطوط ياعمي، بس ماادري اذا اللي راح اقوله شي ذات أهميه ولا راح ابث القلق بقلبك على شي فاضي. 
- أحكي والحكم لي. 
- اليوم حسيت حدا يتبعني بسيارته. 
- حسيت ولا تأكدت؟ 
- تأكدت. 
- زين ياعقاب من الحين تدير بالك على روحك، جيب اللي يحرس قصرك وأهلك، وجيب اللي يحرسك انت كمان، من هادول اللي يقولولهم رجال الحراسه.. اعرفك عقاب ماينخاف عليه، بس هالشي إذا كنت تسبح بالفضا الخالي، فضا صحارينا اللي تعرفها متل كف يدك وتعرف الحشره إذا هربت وين تتخبى، أما عندك فى الحضر الأمر يشبه بيوت النحل ماتعرف مين يطلع من وين..وحتى اذا حطيت عيونك بنص راسك ماتغلب القاصد. 

-يعني هيك رأيك ياشيخ؟ 
-ولزوم يكون رأيك من قبلي ياعقاب، دير بالك أنت اليوم مسئول عن روحين معلقين برقبتك، إذا مسك شي ينتهون.. دير بالك ع حالك لجلهم ياعقاب. 
-الله كريم عمي الله كريم. 
- من غدوه تمشي لشركة حراسه وتأجرلك كم رجال، واذا ماراح تعمل هيك احكيلي وأنا ابعثلك رجال من القبيلة يديرون بالهم عليك لحين تدبر حالك. 
- لا لا، انا اليوم بمشيلهم واخلص كل شي.. اتركك مني وطمني على سويلم ورابح والشباب. 

- سالم نهى على بت حسين بالأمس والعرس بنهاية الأسبوع، ورابح مافي شي جديد معه لا هو ولا باقي الشباب..لا لا تذكرت.. بناتي كلهن نهوا عليهن ولاد عمومتهم والاعراس حسب التجهيزات. 

- والله؟ سالم نهى! بس ماقال الخسيس ولا حتى رابح حكى!! 
-مسكين ايش يقول وهو المغلوب على امره، ماينشر الفرحه إلا الفرحان ياولدي، وسالم فرحته مكسوره، كسرتها الفانص بت مكاسب اللي لو يتركني عليها سالم بس اكسرها نصفين وأحط كل نص على جبل تاكل منه الجوارح. 
- اتركها ياعمي، ماتدري لعل سالم الله كتبله الخير وقت بَعده عن رجوه، ربي له بكل أمر حكمه. 
-يعني ياعقاب انت سامع حالك ايش تقول؟ 
- سامع وفاهم ياعمي، وأنا اللي اخدت القرار وبعدت، وأول درس علمتهوني الدنيا إن مو كل اللي نتمناه ندركه،وإن الحرمان اضعاف العطى. 
صمت قصير قليلاً، فآدم دوماً يفاجأة بنضجه وفهمه للحياة، حتى في الأمور الخارجة عن إرادة القلب يغلبها عقابه. 
-عمي.. من رخصتج انا راح ارسل أبي وأمي لعندكم عالقبيلة يحضرون تجهيزات العرس، ومنها ادبر أنا حالي وأوفر الحماية اللازمه. 
- زين مافكرت ياولدي، وأنت اذا ماكان وراك شي مهم تعال معهم. 
- يوم بس ولا يومين والحقهم، ماأنا لزوم اكون مع الخسيس واحضر عرسه واشوف اذا ناقصه شي. 

- الله يديم محبتكم ياوليدي ويبعد عنكم كل شر، يلا انا بمشي للشيخة عوالي وأعرفها ان أهلك جايين لجل تستعد وتستقبلهم. 

أغلق آدم المكالمة مع عمه قصير وهاتف سالم، وبمجرد أن رد عليه سالم قال له بغضب:
-اذا الواطي حطوه فوق أعلا جبل يضل واطي، وانا حاطك بقلبي وماظنيت فيك تنسى خوك وقت فرحتك، 
بس انت طلعت ماتنحط بالقلب، تنحط تحت النعال ياسويلم. 

ضحك سالم ضحكة خفيفة قبل ان يرد عليه:
- ينحط فوق الروس سويلم وغصب عنك وعن الأقوى منك. 
- تنحط والله، ومين يليق به العُلا غير خوي.. مبروك عليك العروس والعرس، ربي يجعلها قدم الخير والسعد، وعلى وجهها تشوف أيام زينه. 
- الله يبارك فيك ياعقابي وعقبال عرسك.. ماتزعل مني والله قولت لرابح يخبرك، بس الظاهر رابح معزوزه ضيعتله عقله. 
- واضح ان عقولنا كلها ضاعت يارفيقي ولزوم ندورو عليها ونعيدوها.. هاه طمني عليك شديد وقلبك بعدو صامد وبعدك قوي ولا؟ 

- ماتخاف على اخوك، سويلم واقف متل الأسد بقلب القبيلة وعندو إرادة من جليد. 
- تقصد من حديد؟ 
- لا والله ياخوي حكيتها وأعنيها.. من جليد.. للحين صلب ومتماسك، بس ماندري يمكن بلحظة تطلع عليه شمس الشوق والحنين وتذوب الإرادة. 
- تحمل ياسالم بعرفك قوي، وكل شي بأوله صعب، أنا حاسس باللي انت تعانيه. 
- اييي نتحمل يبه نتحمل. 
- سالم ودي نفهمك شي.. اللي راح تتزوجها ما أذنبت معك فاهم علي. 

- سبق وحكيتلك ان سالم ماهو ظالم، لا تعيد اللي انحكى، عندك جديد هات، ماعندك يلا روح شوف ايش وراك، ولا تتأخر على جنازة اخوك بنهاية الأسبوع. 
- فال الله ولا فالك يانذير الشوم ياأبو خشم ينقط علقم، أغرب غربت عيونك. 

أغلق سالم جواله وهو يتبسم، ونظر للفراغ وهو يحاول التخطيط لعرسه مثل أي عريس، ولكنه لم يشعر بأنه يريد فعل شيء، أو حتى يريد التخطيط لشيء، فاغمض عيناه ومال بجزعه للخلف مستنداً على كوعيه، واستسلم لنسمات الهواء الرقيقة، وإذ بلمسة حنونة على وجهه تعيده من ثباته، ففتح عينيه على الفور فهذه حركتها، دائماً تستغل لحظات شروده وتفكيره وتقاطعه بتمرير ريشة على وجهه، 
نظر إليها وكاد قلبه يخرج من صدره من شدة حنينه، ولكن للأسف لم تكن هي.. كانت مزيونه، قطب حاجبيه ونظر للريشة في يدها وسألها بغضب مكتوم:
-مزيونه ايش تريدين، وايش اللي سويتيه توا؟ 
- ماسويت شي ياسالم، بس حبيت نجلس معك شوي، اذا مابيها مضايقه ليك يعني. 
- لا مابيها مضايقة، انا نسأل عن الريشه. 
-ماأدري شفت رفاقك دوم يمزحون معك بهالطريقه حبيت نجربها، أفترضت انك تحبها. 
إعتدل سالم في جلسته ونفض يداه وتحدث دون النظر لمزيونه:
- شوفي يابت عمي.. اللي أوله شرط آخره؟ 
-نور 
-النور اللي يملا دروبك انشالله.. ولجل تكون حياتنا على نور وكلها نور اسمعي مني ونفذي. 
- أؤمر ياابن عمي وعلي الطاعة. 
-مايؤمر عليكي غير مُحب انشالله. 
اسمعيني يامزيونه.. انا فاهم انك تحاولين تسوي اشيا كان غيرك يسويها، ويمكن عقلك يصورلك اني احبها وراح احبك اذا تسوينها... لكن الحقيقة اذا ضليتي تقلدي أفعال غيرك انتي ماراح تساعديني انساهم.

مااريدك تقلدين وتبذلين مجهود بالنسخ، اريدك تكوني انتِ، على طبيعتج، بأفعالك بشخصيتك، اريد اشوف طبعك انتي، وكيف تتعاملين مع كل شي، ماتعرفي يمكن احب طبعك اكثر واحبك من محبتي لطبعك.. كوني مختلفه بكل شي يامزيونه؛ لأني لو شفت تقليد غصب عني راح احن للأصل.. فهمتيني؟ 

أومات براسها ونظرت للريشة في يدها وبحركة سريعة رمتها بعيداً وهمست له:
-اي فهمت.. والحين بدك شي اسويه لك؟ قهوة شاي، جوعان اجيبلك طعام؟ 
 ضحك سالم قبل ان يرد عليها:
-لا مابدي قهوة ولا شاي ولا حتى جوعان، ومن رخصتج ماتشغلي بالك بي، روحي خيمتك وشوفي ايش ناقصك واستعدي لعرسك وافرحي، َاذا نفسك بأي شي شيعيلي مع أي حدا ويحضرلك اللي تريديه،
والحين انا نازل الحضر قوليلي ايش تريدي اجيبه لك معي؟ 
صمتت قليلاً ثم أجابته:

-تسلم يابن عمي ويسلم عمرك، انا مااريد شي. 
شعر آدم بأنها تريد شيئ ولكنها تخجل أن تخبره، فقال لها بتشجيع:

- هيا يامزيونه اطلبي مني اي شي، اريد احس اني مسئول عنك وانتي مسئوله مني، انا مانعرف ايش تحبين وايش ماتحبين، عرفيني. 

رفعت رأسها وخرج الكلام منها دفعة واحدة وكأنها استجمعت كل شجاعتها لتقوله:
- طيب اذا مصمم أنا اريدك تجيبلي معك شي حلو،، يعني مثلاً حلا آسود أو أي شي من اللي تطيب عليه النفس. 

تبسم سالم وقد فهم ماتريده، هي تطلب منه أن يحضر لها مثلما كان يحضر لرجوة، فبالتإكيد هى رأته مرة أو عشرات المرات يعطي لها الحلوى، كحال كل اهل القبيلة، فقد كانت الملعونة تتباهى بما يحضره لها أمام الجميع. 
فأومأ لها بموافقة وقال وهو يشير بأصبعه لكلتا عيناه واحدة تلو الأخري:
-من هاي قبل هي، احلا شي اليوم يكون بخيمتك ياست البنات.. هاا في شي تاني نفسج فيه؟ 
- لا لا.. مااريد شي تاني، بس هادول. 

-غاليه يارهينة سالم وطلبك هين. 

غادرت مزيونة وهي تشعر بسعادة غامرة، فهاهي تحصل على كل ماكانت تحسد عليه رجوه.. سالم ودلاله وقربه، وقريباً محبته التي ستفعل أي شيء من أجل أن تحصل عليها. 
غادر سالم القبيلة مع رابح وهلال وذهبوا للمدينة، أحضروا الأغراض الشهرية المعتادة للقبيلة، ثم عادوا. 

وصلت سيارتهم ورأتها رجوه من بعيد.. كان وصولها قبل سابق بمثابة حلول العيد، أو رجوع أب لإبنته من السفر وهو محمل بكل ماهو شهي ولذيذ، 
والآن لم يعد لها أب يعود من سفر أو عيد تنتظره بلهفة. 

والمفاجأة حينما رأت سالم يعطى الكيس البلاستيكي المعتاد الذي يحضره لها لطفل ويهمس له فإنطلق الطفل به، ظنت بأنه قادم لها، ولكنه تخطاها، وعند البئر من بين كل الفتيات أعطى الحقيبة لمزيونه، 
والتي ضحكت وأحتضنت الحقيبة امام الجميع بتباهي وفرحة لا تضاهيها فرحه.
أما رجوه فتبسمت وهى تدرك أن هذه أول التنازلات. 

ولكن بينما هي جالسة تراقب وتتدبر سقط شيئ في حجرها! فنظرت إليه وإذ به كيس بلاستيكي آخر، نظرت للأعلى وإذ بسالم يتخطاها ويواصل السير مبتعداً، نظرت للكيس ولا تعلم سبب هذا الشعور الذى إنتابها! 
فللمرة الأولى تشعر بأن هذا الشيئ ليس من حقها، وأن سالم أحضر لها هذه الأشياء من باب الشفقة أو التصدق، فأمسكت بالكيس ورمته بعيداً وقامت وتركت المكان وعادت للخيمة. 
أما سالم فوقف على مسافة منها وقد أوقفه أحد الشباب يسأله عن شيء، فتحدث معه ولكن عينه كانت تراقبها وتراقب ردة فعلها، 
 ولما رمت الكيس شعر بأنها ألقت قلبه معه مجدداً، وهاهي غصة جديدة تتكون في جوفه، فيبدو أن رجوه زهدته هو وكل شيئ منه،
 ولا يعلم سر هذا التحول الكبير، لقد فهم أنها لاتريد محبته أو ترغب به زوجاً.. فماذا عن الصداقة؟ 
أيعقل أن تتخلى عنه وتخرجه من حياتها نهائياً وتهدم جميع الجسور دفعة واحدة هكذا؟ 

صدمة تلو صدمة ولا يعلم إلى متي سيتحمل قلبه منها صدمات، فغادر بعد أن رأي الصغار يلتقطون الكيس ويفترسون مافيه، وقرر أن هذه المرة الأخيرة التي سيجلب لرجوه شيئاً.. (إلا لو طلبته بنفسها)

أخبر آدم ابيه وأمه بخبر زواج سالم، وأرسلهم للقبيلة وقرر اللحاق بهم قريباً جداً، 
أما هو فبقى في القصر، فتح اللابتوب وبدأ في مراسلة بعض الشركات الأوروبية والإستفسار عن بعض الأشياء، وذلك لأنه يفكر في إفتتاح مشروع جديد بعيد جداً عن مجال شركاته الحالي..
 إلا وهو مصنع عملاق لتصنيع الأسلحة، حيث انه يرى تكلفة الإستيراد والشحن ومخاطرة التهريب تجعل ثمن الاسلحة باهظ جداً، وهو أولي وأحق بالفارق، سيكون مشروعه قانوني، وتأكد أن هذه هي التجارة الوحيدة الرابحة بنسبة مليون بالمائة، 
ولكن هناك بعض العقبات ستواجهه، مثل استيراد قطع معينة من الخارج، لأن هذه القطع تحتاج لآلات خاصة باهظة الثمن ودقيقة لتصنيعها، وهو إن بدأ في هذا المشروع سيدفع كل قرش يمتلكه في تأسيسه فقط. 

وبعد الكثير من الاستفسارات وجد انه لن يستطبع في الوقت الحالي بدأ التصنيع لأنه سيتكلف مبالغ طائلة لا يمتلكها، ولكن بعض الأراء أقنعته بأن يستورد قطع الغيار والأجزاء منفردة ويقوم بتجميعها في بلده، وهذا سيوفر عليه الكثير من الأموال،
 وإن كان يبحث عن التجارة بشكل قانوني فهذا قانوني ولا خوف منه.. فقرر أن ينتهي من عرس سالم ويدرس الفكرة بشكل أعمق ويبدأ في تنفيذها، 
وسيأتي من القبيلة بمن سيساعده، فلا أمان إلا لمن تربى معهم ويعرفهم مثل خطوط يده، فهناك لا يعرفون الخيانة ولا تعرف الخيانة لنفوسهم سبيل. 
وبينما هو جالس سمع جرس الباب، فقام إليه، ولما فتحه كان مدحت إبن عمه هو من يقف خلف الباب، دعاه للدخول بإبتسامته المعتادة، فدخل مدحت وتلفت حوله وقال:
-أمال فين عمي ومرات عمي؟ 
- سافروا البادية يحضرون عرس سالم خوي ، وانا بلحقهم غدوه. 
- خساره دانا جعان وجاي مخصوص عشان آكل من إيد مرات عمي وحشني اكلها. 
- غالي والطلب هين، أمي معبيه المجمده وكل، وقالت بس تجوع سخن وكل، تعال نشوف ايش مسويه ونسخن وناكل سوا حتى انا جوعان. 
- يلا. 
ودخل الاثنان المطبخ وبدأوا في إستكشاف أنواع الطعام، وكُل منهم أخرج ماتدنت عليه نفسه وقام آدم بتسخينه، وجلس الاثنان علي الطاولة في المطبخ يأكلون بإستمتاع وشهية مفتوحة،
 حتى آدم الذي لم يكن يعلم أنه جائع إلى هذا الحد، أو ربما طريقة تناول مدحت للطعام أمامه بهذه الطريقة اشعرته بالجوع؟! 

وبعد إنهائهم للطعام قام آدم بصنع القهوة بطريقة أهل البوادي المميزة، ولكن الاختلاف ان القهوة هناك تصنع على الجمر، أما هنا فالموقد الغازي هو الراعي الرسمي لكل شيء. 

شربا القهوة وهم يتجاذبون أطراف الحديث، وكم ود آدم ان يطلب من مدحت أن يشاركه فى عمله، فهو حتى هذه اللحظة يثق به كثيراً ويشعر تجاهه بالإرتياح، 
ولكنه نفض الفكرة من رأسه سريعاً، فالأيام علمته أن يتأنى كثيراً قبل أن يضع ثقته في شخص ما،
 مهما كان الشخص، وخاصة إبن عمه يحيي وفريال، سيكون التأني أطول والحرص أكثر، ولكن لا مانع في تجربة خفيفة تساعد في الإكتشاف سريعاً.. فقال له:
- يامدحت اريدك معي ياابن العم، اريد اكلفك بمهمات استلام البضايع وتوزيعها بالمواعيد المظبوطه طول فترة غيابي. 

فتهلل وجه مدحت وهو يجيبه دون تردد:
- انا معاك ياابن عمي، معاك وتحت أمرك وأمر عمي فأي حاجه تطلبوها، وهتلاقوني سداد بأمر الله. 

- كفووو والله والنعم منك ياابن العم.. خلص من غدوه نبدأ على بركة الله، الموضوع مايتطلب التعيين بشكل رسمي، والراتب راح احددهولك بس أرجع. 

تجهم وجه مدحت ورد عليه:
-انا مش عايز رواتب ياآدم، أنا كل الحكايه إني حابب اساعدك انت وعمي لمجرد المساعدة وبدافع المحبة، انا نفسي اقدملكم أي حاجه، نفسي أعتذرلكم كلكم عن كل حاجه وحشه شفتوها بسبب اهلي، أنا اه مليش ذنب بس كمان عارف ان السيئه تعم ولازم حد يدفع تمن اخطاء اقرب الناس ليه، أو يتحملها. 

-ماتحكي هيك يامدحت، أنا مو من اللي ياخذون ناس بذنب غيرهم ولا احب احمل حد اغلاط حد تاني، الكل عندي مسئول عن تصرفاته وبس. 
- بصراحه لو دي تعاليم القبايل ياآدم ياريت التعاليم دي تنتشر فى الدنيا كلها،
 أنا حاسس إنك واخد مبادئك من أعدل ناس على وجه الأرض، ياريتني كنت رحت معاك وكبرت واتربيت على أديهم، حقيقي أنت حببتني في حياة القبايل وأهلها وكل حاجه فيها. 

تنهد آدم ونظر أمامه ورد عليه:

- أييش شفت انت من حياة القبايل ياأبن عمي،، هناااك تحت السما والأرض الواسعه حريه مالها نهاية وراحه مالها حدود.. تحس بينهم الحياة أبسط من البساطة وأن المال هو آخر شي يفكرون فيه، ومع هيك القروش تحت رجولهم مالها عدد، الأب يعطي حريه بس يعطي معاها مبادئ وقيم، ويطلق أولاده متل الطير يتعلمون التحليق ويغدون نسور ماعليهم خوف،
 بالليل الكل ينام جوار بعضه سواسيه، لا حد يحمل لحد كره ولا ضغينه، الكل خوات وتهون الروح لجل الروح، وماينعز عن الأخ عزيز ولا غالي. 
وقت يمرض فرد تحس المرض تفشى بكل القبيلة وتداعتله افرادها بالسهر والخوف والقلق، والكل يشاركه أوجاعه. 
انا شفت هناك الحب الغير مشروط، ريت العطى بدون مقابل، تعلمت واااجد أشياء جيت هون مالقيت منها شي!
صدق انا اتمنى لو اني اقدر ارجع اعيش هناك لآخر عمري، بس اااخ.. أبي ومصالحه وانتظاره لي وهو متأمل اعاود ارجعله كل حقوقه المسلوبه، مااريد اخذله وانقله من جذوره لمجتمع غريب مااعتاد عليه ولا بعد هالعمر يقدر يتأقلم، لا هو ولا أمي.

-حقيقي انا فاهمك وعاذرك وحاسس بيك، بس على فكره إنت تقدر تكون نقطة البداية عشان تنشئ محيط خاص بيك أنت، وتعمل حواليك دايره ميدخلهاش إلا شخص بنفس قناعاتك ويتعامل معاك بنفس أسلوبك ويكتسب منك مش انت تكتسب منه. 
-مااظن.. الامر اشبه بإختلاط قطره ببحر، ماراح تأثر فيه ولا حد بيلحظ وجودها.. بس راح احاول إن القطرة تكون قطرة زيت، تضل محافظه على نفسها متل ماهي لا تختلط بالماء ولا الماء يختلط بيها. 
- حتى تشبيهاتك جميلة ياآدم زي اخلاقك بالظبط. 
-الله يعزك ياطيب القلب.. هاا هيا علي المكتب لاعرفك كيف يمشي الشغل. 
- يلا. 
_________

أما عند يحيي في الشركة:
- يعني ايه انا قولت خلاص، انا مش قادر أستحمل وجود البني آدم ده في الدنيا أكتر من كده، انا حاسس إنه طابق على انفاسي. 
- اهدى ياياسين واصبر معلش كل تأخيره وفيها خير، وبعدين كام يوم مش هيفرقوا كتير يعني. 
- يابابا انت مش فاهمني..
- فاهمك وحاسس بيك والله بس هنعمل ايه يعني، ادي الله وادي حكمته. 
صمت الاثنان قليلاً، ثم اردف  ياسين متسائلاً :
- متعرفش حاجه عن خالتي فاطمه وولادها راحوا فين ولا عملو إيه؟ 

- وليه بتسأل عنهم مالنا بيهم، خليهم يبعدوا عنا ويخرجوا من حياتنا بقى هما كمان، كفايه بقالهم سنين قاعدين على قلوبنا. 
-انا مليش دعوه بخالتي وأولادها يغورو فستين داهيه، انا بسأل عشان حياة اللي اختفت مره وحده ومحدش راضي يقولي مكانها فين.. البت دي هجيبها يعني هجيبها وهتجوزها غصب عنها وعن عين أمها. 
- ماتبعدنا عن السلسال المنيل ده يبني وتاخد أي وحده غيرها، دي لو زعلتها فيوم ممكن تسمك. 

- ليه ماهي امي معاك مسمتكش لحد النهارده ليه؟ 
- وهو انا أقدر ازعل امك ولا اكسرلها كلمه واقولها تلت التلاته كام؟ مانتاش شايفني ماشي جنب الحيط وكل كلامي معاها نعم وحاضر واحايل وادادي، دانا يابني بخاف اكح جنبها بصوت عالي، وبالليل لو رجلي ولا إيدي خبطتها بالغلط بفضل اعتزر واتأسف لغاية ماتقولي خلاص اتخمد.. وخصوصاً وانا شايفها اليومين دول ماشيه بقزازة السم فأيدها زي ماتكون مقريفه ونفسها تموت اي حد وخلاص! 
-لأ حياة غير أمها وأمي خالص. 

- متراهنش على كده عشان العرق دساس ياحبيبي. 
- بابا لو سمحت خليك انت بعيد عن الموضوع ده. 
- حاضر، امرك يابن فريال. 

أما في القبيلة.. 
- هااا يافانص فرحانه ومرتاحه توا بعد ماضيعتي من يدك بلح الشام وماطولتي ولا راح تطولين عنب اليمن؟ 
- مكاسب حلي عني وانتي بالذات ماتحكي بالموضوع. 
- وليش مااحكي وانا الضرر طايلني واكثر منك، ابوكي من ساعة ماهرب عقلك وهو ماطايقني ولا طايق خيمتي، وكن يم سدينه، ضيعتي تعب السنين وعكرتي صفونا الله لا يوفقك. 
- اي هو هاد كل اللي يهمك، ابوي ودخلته خيمتك، ابوي وبس، مايوم حسيتي بي، مابيوم كنت انا جزء من تفكيرك ولا حالي صعب عليكي، انظري لقلبي بقلب أم يامكاسب مره، بس مره. 
- ولا انظر لقلبك ولا اريد حتى انظر لوجهك، قبح الله وجهك متل اخلاقك القبيحة، يمكن اذا قبيحة الوجه ماعشقك سالم ولا ابتلى قلبو فيك، 
روحي الله ياخذك اخذ عزيز مقتدر ويريح كل القبيلة منك يالفانص. 
ردت عليها وقد تجمعت الدموع بعينيها:
-الله يسمع منك.. والله الموت راحه والله. 
-الله ينولك هي الراحه يارب، انا ماعارفه ليش قصير صابر عليكي للحين؟ ليش مادق عنقك ودفنك وريحنا؟ 
- والله اللي يجي يم بتي لاحرق القبيلة كلها برجالها وصباياها وكل مافيها انخليه احطام، أمي اطلعي من الخيمة واتركيها بحالها، يعني ماشايفه عيونها تنزف دمع؟
 خلاص وصلتيها للمرحلة اللي يرتاحلها خاطرك  حرام عليك فارقيها . 
- معزوزه انتي لا تتدخلين اشقي بروحك وبراجلك وبس 
- ومين اللي يتدخل غيري، رجوه غلطت وغلطها كبير، بس ماحد راح يدفع عنها تمن غلطها، انتي اصبري وابوي هيردلك بس تهدا الأمور ويتقبل الوضع، ومن الحين اذا كل اللي يشوف رجوه يدعيلها بالموت اعتبروها ماتت وماتحكوا معها حرف، الأموات اذا ماينذكر طاريهم بالرحمه ماينذكروا بالسوء، يتركوهم بحالهم وبس. 

- اي وانا يعني راح اخد منكم حق ولا باطل؟ انا بطني ماتجيب إلا الفوانص. اللي يواطن الراس.

- هيا ياامي عدي  ساعدي صبايا القبيلة في تجهيز شي، عدي خلي عين ابوي تشوفك ويغلبه الحنين ليكي ياأم هلال، بس غيري ملابسك قبل وجري عيونك كحل وحطي شوي حُمره. 
كانت هذه الكلمات تخرج من فم رجوه بسخرية، وتهكم، وكأنها تخبر أمها بطريقة غير مباشرة بإنها خُلقت وتعيش من أجل هذا الأمر فقط، من أجل إرضاء أبيها على حساب أي شيء،
 حتى فلذات أكبادها، وأنها خالفت الطبيعة وشككت رجوه فى كل الغرائز، حتي التي يجزم الجميع أن لا شك فيها. 
تركت مكاسب الخيمة بدون ان ترد عليها، فلا الحديث معها يجدي ولا توبيخها يأتي بفائدة، وكأن عقلها وقلبها خُتم عليهم بالغباء، وكما عهدتها ستظل.. سبباً مستمر لتنغيص حياتها وإفسادها. 

غادرت مكاسب الخيمة، وبمجرد أن فعلت دفنت رجوه رأسها بين ذراعيها بعد أن لمت أرجلها، وأبت معزوزه أن تتحدث معها فتزيد عليها الوجع،

 فالكل يعلم أن العتب واللوم يهلكان، ولا احد يتحمل منهم فوق طاقته، فرأفت بها وتركتها وهي تعلم أن القادم سيكون وجعاً لرجوه لن تتحمله. 

اما في القبيله، فبدأت ليالي العرس، وكان اليوم هو أول يوم للذبح وإعداد الولائم لأهل القبيلة وزوارها، إنه عرس سالم ويجب ان يكون من افخمهم، 
وأشرف قصير بنفسه مع ابو سالم على تقديم الولائم، أما الليل فكان تنظيم الإحتفال فيه للشباب والنساء، وكانت الأجواء جميلة أعجبت محمود وعايده كثيراً، 
وكم تمنت عايده أن تعيش فرحة كهذه ولكن العريس يكون إبنها آدم، ففرحة زواج الإبن فرحة لا تضاهيها فرحة، واندمج الإثنان في الأجواء ولأول مرة فرحتم لا تكون ناقصه. 

وصل آدم القبيلة اخيراً بعد إنهائه لجميع الأمور العالقة، وبمجرد ان سمعت رجوه بقدومه جن جنونها، غادرت خيمتها بحثاً عنه ولم تهدأ حتى رأته امامها، 
أصبحت تتواجد على مقربة منه دائماً، تراقبه اينما ذهب، وقررت ان تحدثه هذه المرة في أمرها، فلا عيب في ذلك إن كان سيأتي بثماره التي تتمناها. 

كل هذا تحت أنظار سالم المراقبه، فهي تراقب وهو يراقب، وكل مُراقب لا يهتم سوى بمن يراقِب. 

وفي اليوم الذي يسبق يوم الزفاف، ترقبت رجوه لآدم في الصباح الباكر ، فهي تعلم أنه في هذا الوقت يمتطي حصانه وينطلق في الوديان يسابق الريح ويستمتع بالنسيم العليل،
 وفي مثل هذا الوقت كان خمستهم يفعلون ذلك، 
ولكن الآن تفرق الجمع وانشغل من إنشغل، ولكنها تعلم أنها عادة لن يفوتها آدم لأي سبب مادام بالقبيلة، فهو لم يتكاسل عنها يوماً حتى وإن تكاسل الجميع. 
ركبت حصانها وتبعته حيث ذهب. 
اما هو فقد علم بانه مراقب منذ الوهلة الأولى، وعرف انها هي من يتبعه، فاخذها إلي أبعد نقطة ممكنه، وتوقف واستدار بحصانه مرة واحدة وانتظرها. 
وصلت إليه واوقفت الحصان وترجلت من فوقه، ونظرت لآدم وقالت:
- انزل ياعقاب من فوق  ضهر حصانك ودي احكي معاك. 
- ما يلزم ننزل، قولي ايش تريدين يارجوه. وياريت تحفظي مي وجهك
 
- اريدك ياعقاب، اريدك وانت تعلم، اريد قربك ومحبتك. 
- واذا قولت لك ماعندي 
- ايش هو اللي ماعندك؟ 
- ماعندي لكي لا محبه ولا قرب، ولو انتِ آخر نساء الكون ماتهنيلي ولا تكوني حِل لي يارجوه. 
- ليش ياعقاب، اذا على سالم بيتزوج غدوه، يعني مافي عقبات ولا موانع. 
- ومن اللي فهمك ان سالم هو العقبه والمانع؟ انا من حالي مانريدك، مانريدك، ماشايفك اكثر من أخت. افهمي يابهيمة الوادي.

- بس انا مو أختك، وانحللك ياعقاب. 
- يابنت الحلال افهمي، انا ماانريدك، ماتطيب نفسي عليكي. 
- جربني وراح تشوف مني كل اللي يسر عينك وينسيك نفسك ياعقاب. 

 تعصب كثيراً من كلماتها ورد عليها بغضب:
- يارجوه مانريد اتذوقي كرباج لساني كيف يقتل مو بس يوجع بالحكي، فبالله ماتخليني انسويها معاكِ . 
- ياآدم لا تكون قاسي بهالشكل. 
- رجوه هي مو قسوة، انتي عرضتي علي محبتك وسالتيني المحبه وانا مااريد الأولى ولا عندي الثانيه،
وازيدك من الشعر بيت، انا رايد حياة بت فاطمه، اظنك شفتيها وتعرفيها، واتفقنا على الزواج، وقريب بتم خطوبتنا، بس مسألة وقت مو أكثر، يعني موضوعنا منتهي. 

 ترنح جسدها فور سماعها لكلماته الصادمة، واستندت على حصانها واردفت وقد اختنقت عبارتها بالدمع:
- وانا ياآدم، ايش نسوي بحالي، ماسألت حالك رجوه ايش تسوي؟ 
-وانا ايش اسوي لك، انا يابنت الحلال ماوعدتك بشي
وكيف ماانت تدورين راحة قلبك انا كيفك انريد شويقي وراحة قلبي، الحب اناني  ومافي تضحيات، ولو الواحد ملزوم يضحي لجل واحد يحبه، كانت التضحيه اولى بك انت لسالم، اللي مافي حبيب قدم ولا راح يقدم لحبيبه اكثر من اللي قدمه لك. 

اووووف سالم سالم - ياآدم بس افهمني، انا اذا تركتني أنموت، واللله أنموووت.

- ليش يارجوه تحكين بكل هاد العشم، من وين جبتيه انتي؟ 
- ماادري، ماادري، انا كل اللي اعرفه اني نحبك ياعقاب نحبك. 
- ولك حبتك الضباع الجياع والتفوا حولك واكلوكي بعظامك، رجوه ردي للديار والا وربي ادفنك اهنا حيه وماحد يعرفلك طريق. 

نظرت إليه وبتوسل أكبر همست له:
-عقاب
فصرخ بها بكل قوته:
-اغربي عن وجهي بلا عقاب بلا هباب، قولتلك خطبت، رهنت، حبيييت، ما لكي مكان بقلبي ولا حياتي. 
انهي كلماته وانطلق بحصانه مبتعداً وتركها تواجه الخيبة التي القاها علي مسامعها تواً، فكيف يخطب أخرى وهي التي تحارب من أجله، كيف يستطيع ان يكسر قلبها بهذه القسوة؟ 
عادت ادراجها للقبيلة، وهناك تركت الحصان دون حتى ان تربطه، تحركت نحو خيمة معزوزه التي كانت تقف أمام خيمتها، اقتربت منها بأقدام تغوص في الرمال من ثقلها، ولما اقتربت منها خارت كل قواها، كادت تسقط ولكنها استعانت بقائمة الخيمة، ولما رأت معزوزه حالها سارعت إليها وأمسكتها وهي تسألها بخوف:
- رجوه ايش فيك، ووين كنتي؟ 
لم تجبها رجوه واكتفت بالسكوت، أخذتها معزوزه للخيمة واوصلتها للفراش، أجلستها وتركتها وهي تعلم أنها ماهي إلا بداية المعاناة. 

أما سالم فكان يقف بعيداً، رأى المشهد كاملاً وعرف سر حالتها وهو يرى آدم عائد للقبيلة من بعيد على حصانه، علم أنها حاولت التقرب فصدها العقاب بكل قوته، بل وغرز مخالبه في قلبها، وعلي قدر حزنه منها كان حزنه عليها، فلا هو الشامت ولا هو الراضي. 

إستقبل آدم بإبتسامة بشوشة واخذه وتناولاً طعام الإفطار سوياً مع رابح وهلال، وأخبر الجميع بما قاله لرجوة ليقطع عليها الطريق، واوصاهم إن سألت أحدهم يخبرها بنفس الشيء، وهو سيوصي أبواه والشيخة عوالي أيضاً بأن يكون الكلام موحد. 

كان سالم صامتاً طوال الوقت لم يتفوه بكلمة وكأن الأمر لم يعد يعنيه، ولكنه كان الأكثر إهتمامً من بينهم وأكثرهم إنصات. 

إنتهى اليوم بكل ماحمله من أوجاع للجميع، واليوم هو عرس سالم.. القبيلة كلها على قدم وساق،، الكل يجري ولكل فرد مهمة ينجزها. 

اما في خيمة مزيونه فكانت اصوات الضحكات الصاخبة والاغنيات تعبر عن سعادة من بالخيمة، مزيونه حتى هذه اللحظة لا تصدق بأنها أصبحت عروس سالم واليوم انعقد اسمها بإسمه، لا تصدق بأن سويعات قليلة تفصلها عن الذهاب لخيمته ومقاسمته كل شيئ حتى أنفاسه. 

أما فى خيمة معزوزه فكانت رجوة جالسة بمفردها، تتعالي حولها أصوات الفرح ولا تقوي على الخروج والمشاركة او المشاهدة، فلا أحد في كامل القبيلة يريدها، لا اهل ولا رفاق، ولا حتى أقارب، ولكن كل هذا لم تكن ستلقى له بالاً لو ان شخص واحد من بينهم قرر البقاء معها، كانت ستبدل العالم كله به، ولكنه خذلها. 

اما سالم فكان يشارك الشباب في الصياح والفرحة والرقص، ولكن كل هذا من وراء قلبه، وكأنه يرقص فوق رفات قلبه، 
رقصته كانت تشبه رقصة الموت التي يظن الناظر أن صاحبها يتخبط فرحاً وليس ألماً، هو يرقص وهذا كل مايهم. 

انتهى كل شيئ وحان الوقت.. وقف سالم وسط الشباب وحمله آدم علي كتفيه وسار به والكل خلفه، تتعالى اصواتهم بالهتافات المعروفه بـ(أغاني الزفة الفلكولوريه)  حتى أوصلوه لخيمته، خيمته التى جهزها له رابح وهلال معه بما يليق بصديقهم، واحضر له نفس الأغراض التي احضرها لنفسه، بل وأفضل. 

انزل آدم سالم والتفوا حوله، وهي دقائق من التصفيق والتهليل قاطعها سالم بتحية من يده أخبرت الجميع بأن هذا القدر كافى، فانفض الجميع من حوله، وإستدار هو للخيمة وهو يستجمع كل قوى قلبه، فشعوره الآن يشبه شعور شخص على وشك الخيانة، لا يعلم ماسر هذا الشعور، ولكن ربما عقله الذي نسج احلاماً غير هذا الواقع تماماً هو مايرفض التخلي عما نسجه وتعب فيه ويبث له هذا الشعور! 
 ولكن بالنهاية هذه الخيمة وما بداخلها هي الحقيقة الوحيدة، ووداعاً للأحلام والأوهام. 

دخل الخيمة وكانت مزيونه في إنتظاره، تشهد عيناه انه مارأي مثل هذا الجمال الهادئ المريح من قبل، فإقترب منها وجلس بجانبها، صمت وطال الصمت، فأردفت مزيونه:
- جوعان ياسالم؟ 
- لا مو جوعان اذا جوعانه انتي هيا قومي ناكلو. 
- لا لا، انا اسألك بس، انا مو جوعانه. 
-طيب. 
- احممم سالم.. اذا ماتقدر اليوم أ.... 
قاطعها بغضب عارم:
- على ايش مااقدر، عليكي لعنة الله يامزيونه، صكري خشمك وقومي طفى الضو وتعالي،وكلمة اذا ماتقدر هي اذا زارت لسانك مره ثانيه راح انخليكي تمسكين لسانك بيدك بعد مااقطعه فهمتي؟

- اي فهمت فهمت... وقامت سريعاً تطفئ الضوء، وما إن فعلت وأقتربت من سالم حتي إلتهمها كأسد جائع. 


تعليقات