رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الخامس والعشرون25 والسادس والعشرون26 بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الخامس والعشرون25 والسادس والعشرون26 بقلم ريناد يوسف

جالسه في السجن، لأول مرة تطلب سجادة الصلاة وتتوضأ وتقف فوقها، رفعت يديها مكبرة ولكنها توقفت خجلاً وحياءً من ربها ومن توبتها المتأخرة، فخرت على الأرض باكية وهى تقول لنفسها بصوتٍ هامس:
-اكيد مش هيقبل توبتي ولا يقبلني، أكيد هو عارف اني قررت اتوب خوف من مقابلته وإن حتى ندمي خوف ومش ندم ومش من نفسي قررت التوبه. 
فإقتربت منها إحدي السجينات وجلست بجوارها وهمست لها مواسية:
-لو بينك وبين الموت ساعه وحده توبي واستغفري من قلبك وربك غفور رحيم ورحمته وسعت كل شيء، متيأسيش من رحمته ولا تقنطى.. قومي واسجديله وقوليله إنك راضيه بقضاءه وأطلبي منه إن كل اللي حصل لولادك يكون تكفير لشوية من الذنوب اللي عملتيها.. باب التوبه عمره مابيتقفل ولا رحمة ربنا بتنتهي. 
فوقفت وعاودت التكبير، وهذه المرة صلت وسجدت وطالت سجدتها حتى ظن الجميع بأنها فارقت الحياة، لدرجة أن فاطمة اختها ذهبت وجلست بجوارها تتأكد من أنها لم تفارق الحياة، فوجدتها تتنفس، فعلمت أنها اندمجت في مناجاة الله للدرجة التي افقدتها الشعور بالدنيا، فدبت في نفسها الغيرة، وذهبت للوضوء واتت لتفعل مثل أختها وتحاول؛ 
لعل الله يتقبل التوبة ولعل الأوان لم يفوت بعد. 

أما في القبيلة.. 
استيقظت رجوه في الصباح الباكر حسب أوامر آدم وذهبت لبرقي المسئول عن بيع وشراء الاغنام وكافة الحيوانات في القبيلة، وطلبت منه أن يعطيها المائة رأس غنم، ووقفت تعدهم ولم تستلم الضعيفة منهم أو المريضة وأعادت له عشرون رأس، وطلبت منه إبدالهم، فغضب منها برقي واخذ يتمتم بالشتائم، فهي الآن خسرته كثيراً، وذهب ليشتكيها لآدم وإحضره بما أنه المالك الأصلي، ولما رأى آدم حال الأغنام قال لبرقي:
-وقت جيتني ثاير ومعترض فكرتها تجاكرك وعاودتلك نعاج سليمة، بس هاد التشوفه عيني ماله عندي غير معني واحد يابرقي وانت بسن بوي ومااريد اغلط واتطاول عليك، فامامك حل من زوز، يأما تبدل هي الاغنام المريضة، يأما تاخذ باقي اغنامك وبلاها البيعه من الأساس وأنا اعرف اروح قبيلة ثانيه واجيب منها احسن اغنام. 
فوافق برقى ان يستبدل له الأغنام وفعلها فوراً، وأخرج له أغنام سليمة معافاه، فوقف يراقب رجوه وهي تفحصهم وبعد ان انتهت وقبلتهم وانصرف برقي قال لها آدم :
-والله وطلعتي واعيه ياشجرة الحنظل. 
- من زمان ماأسمح لحد يضحك علي وانت تدري. 
-اي أدري.. ماشيه للوادي الحين؟ 
-اي تريد مني شي؟ 
-صراحة اريد.. اريدك لا تديري بالك على حالك، واذا هجم عليك ذيب ماتقاومي، واحمي الغنمات بروحك، هنن يردوا وانت مو مشكلة إذا مارديتي. 
- نظرت إليه رجوه شرزاً وبدأت تهش فى الاغنام بعصاها، فأكمل هو:
-اقول اخذتي وكلك معك؟ 
-لا مااخذت إلا قربة المي مااريد وكل، بروح عند اشجار التين الشوكي اليوم وآكل منها لا تشيل همي. 

- اي بس ديري بالك مافي سالم معك حتى إذا مسكك صاحب الاشجار تحطي التين بسرواله. 
تذكرت الموقف وضحكت، وضحك آدم أيضاً حين تذكر الموقف، ثم ابتعدت وتبدلت ملامحها من الضحك للحزن؛ فقد اشتاقت لتلك الأيام وأشتاقت لسالم كثيراً، اشتاقت لصحبته فقد ترك لها فراغاً كبيراً حين ابتعد عنها، 
وهي لم تكن تود هذا البعد أبداً، كانت تريده ان يظل معها بأي صفة غير صفة الحبيب، فما أصعب أن يُنتزع الخل من خليله ويبتعد عنه وقد كانوا مثل الجسد والظل لا يفترقان إلا فى أوقات قليلة. 

غادرت وقد رأي آدم تأثرها، فأردف هامساً وهو يراقبها تبتعد:
-ادري قلبك يغص كل ماتذكرتي هديك الأيام؛ الشفتيه من سويلم يخلي الحجر يحن ويشتاق، أيامك طوال يارجوه والحنين يعرف كيف يداعب القلوب ويخليها تبكي حسرة. 

إستدار ليعود لخيمته ويكمل نومه الذي قطعه بسببها خاصة وأنه لم ينم إلا بعد صلاة الفجر، فوجد العنود أمامه وتفاجأ حين قالت له:
- صبحك الله بالخير ياآدم، اريد احكي معك كم كلمه إذا ماعندك مانع. 
-الله يصبحك بكل خير.. تفظلي ماعندي موانع وكلي أذان صاغيه، وأصلاً ليش امانع يعني؟ 

- زين.. انا اليوم اريد اتكلم معك بخصوص رجوه.. انا عرفت قصتها وحكتلي عمتي عوالي كل شي وحتى اتفاقك مع جدي منصور وعمي قياتي عرفته. 
- اي؟ 
-انا ماادري إذا كنت تعرف إن شهادتي بالطب النفسي أو لا، وكنت ابحث عن مشروع للتخرج واريد حاله نادره وبيها واجد عقد نفسيه وبيئتها غير سويه، ومالقيت إلا رجوه مناسبه لهيك شي. 
-أي معك حق؛ رجوه يتعمل من حالتها مجلدات بالأمراض النفسية تتدرس بالجامعات.. بس اريد اتأكد، هي لها عندك علاج أكيد وتوفري علي تعب ومجهود انا ماعندي وقت له، ولا بس تريدي تكتبي عن الحالة بدون حلول وعلاجات؟ 
- لا اكيد عندي علاج لحالتها، والعنصر الأول في علاج رجوه والأكبر والفعال بنسبة ٩٠٪ هو انت ياأستاذ آدم. 
- انا.. كيف يعني؟ انت قولتي انك تعرفين كل شي، فبالتالي تعرفين انها لعبه وزواجي من رجوه استحاله. 
- ماتحكم عليها الحين ولا على شخصيتها بشي، ساعدني بلاول وبعدها لكل مقام مقال. 
- بيش اساعدك يادكتوره.. قولي وإذا المساعده بيدي مااتأخر. 
- أول شي وبداية كل شي التسويه مع رجوه غلط بغلط.. انت تعالج مشكله بمجموعة مشكلات، وللأسف حالك حال جميع اهل القبيلة معالجتك للمواضيع بدائية، حتى وانت واصل لهدرجة من التعليم والتطور اللي سمعت الكل يحكي بها. 

- لا مو بدائيه ولا شي، كل المسألة انك ماتعرفين شي عن شخصية رجوه أو ايش الينفع معها وايش الماينفع، رجوه كبرت قبال عيني وانا اكثر حد يعرف كيف يتعامل مع شخصيتها العنيده. 
- حتى لو عنيده من حقها ماتنخدع او تنأذي، من أبسط حقوقها اللي هي تسويه الحين، هي ماأذنبت بشي، هي حبت والحب مابيد حد، متله متل الحياة والموت قدر مكتوب. 

- يادكتوره اشوفك جايه تطالبين بحقوق المرأة بالمكان الغلط! 
شوفي انا ادري أن الحب حق مكفول للجميع، بس الواحد ماينسى وقت يدق الحب بابه هو بأي بيئه عايش وهل هاد الحب مناسب له لو لا، وإذا فتح ابواب قلبه له إيش راح يجني من وراه؟ 
-كلامك مو صح، ومافي حد يكون عنده الادراك الكامل انه يحط كل هي الاعتبارات بباله قبل مايستجيب قلبه للحب، كلامك مو منطقي ابداً. 

- اقول يادكتوره انا مارايد احبط عزيمتك، بس بتفكيرك هاد ماراح تفلحين قيد انمله مع رجوه. 
انت اذا تريدي ترجعيها انسانه سويه وجب عليك تقنعيها تمشي حسب عادات وتقاليد القبيلة وتطلع العند من راسها، لكن تحاولي تشجعيها على حقوق المرأة والحرية، هادول اصلا الخربو حياتها فبعدي عنها واتركيها لي وانا عندي علاجها. 

- هساعدها تبعد عنك. 
-انا اعرف ابعدها عني وبلا رجعه.. ومن رخصتك روحي دوري حالات بالحضر اقل تعقيد، وإذا فشل علاجها وجاب نتيجة عكسيه اقوى شي تعمله ثوره أو تمرد، أما التريدين تخاطري وتحطيها فار تجارب هي مافيها ربع عقل.. 
واذا غضبت تحرق القبيلة كلها بالفيها ومايرفلها جفن، فياريت تبعدي عنها. 

- بس انا خلاص قررت ان رجوه حالتي. 
- لا ماتقرري ومو بيدك هالقرار، وبعد اذنك انا لزوم امشي لخيمتي الحين. 

غادر آدم بعد مناقشة عقيمة ادرك بها ان العنود تريد أن تعالج ثور هائج بجعله يستمع لبعض الموسيقى، ولا تعلم ان الثور سيزداد هياجه وسيهجم على كل من بطريقه إن فعلت ذلك والخسائر ستكون فادحة. 

أما في غرفة آدم المحتلة.. 

عفراء:
-اقول يانوف انت ليش ماراضيه تعطي فرصة لهلال وتقربي منه، والله الشب لطيف وشاريك، قوي وذكي وشخصية، وشكله مقبول وبه كل شي تتمناه اي بنت. 
نوف:
-اي بنت غيري، انا ماشايفه به ولا شي من التقولينه، انا ماشايفاه غير راعي غنم عايش بالصحرا ويريد يجيبني معه وماأشوف من الدنيا شي إلا الرمال الصفرا والجبال والخيام  للموت. 
- مااعرف صراحة انت كيف تفكرين، مكبره الأمور وااجد وعاطيه الموضوع اكبر من حجمه بكثير.. هي عيشه يعني والكل عايش ومبسوط وماناقص عليهم شي. 
- اي بس ماتناسبني. 
- سبحان من يهب الارزاق، والله انك بومه ماتعرفين قيمة القبيلة وماتستحقين إلا عيشة الحضر والضوضاء والتلوث. 
- اي انا اعشق التلوث. 
قاطعتهم امهم قائلة:
- انا مااشوف داعي لهالمناقشة من الأساس، نوف منهي عليها من هلال وأبوها عطى، سوا اعترضت أو وافقت ماراح يتغير في الأمر شي. 

عفراء:
-انا بس اريدها تتقبل الأمر ومااريد تكون مغصوبه وحاسه بالظلم. 
- تحس ولا ماتحس، هاد قدرها ولزوم تتقبله وتتحمله وترضى به. 

نوف:
- والله انا كرهت كل حياتي بسبب جذوري البدوية، كرهت حتى حظي الما خلى امامي اختيارات متل العنود وجاني من ضمن الاختيارات واحد عايش بالحضر كان سهل علي كل شي، ولا حتى كان متل حظ عفراء الماجالها حد وتركوها بحالها. 

عفراء:
-ياريت الحظوظ تتبدل والله ماكنت عزيت عنك حظي ياخيتي. 
قاطعتهم العنود وهي تدلف من باب الغرفة:
-عن اي حظوظ تتكلمون، إذا ذكرتوا حظي ماتقولون إلا الحظ الأعوج. 
صاحت أمهم بهم:
-ايش هالفال من الصبح الله لا صبح وجوهكن يابوم. 
وانت ياعنود اليوم ابوك يريد كلمتك الأخيرة لحتي يرد على الناس ويقطع اللي رامي الأمل.
نوف:
-مامحتاجه رأي، الحضري أكيد. 
العنود:
-وهي نوف قالتها لك، قوليله العنود استخارت الله ورضت برسلان. 
الأم:
-زين.

أما فى الوادي.. 

جالسة تراقب الأغنام وقد بلغ بها الجوع مبلغه فقامت لأشجار التين وأخذت تقطف الناضج منها، وإستدارت متفاجئة من الصوت الغليظ من خلفها:
-ايش تسويين ياسراقة التين؟ 
كادت قضمة التين ان تقف في بلعومها ولكنها بلعتها بصعوبة حين رأته سالم وقالت له:
-قطعت نسلي الله يقطع عمرك. 
ضحك وهو ينزل من فوق حصانه ويمد لها يده بكيس بلاستيكي كبير مملوء:
-خذي.. عرفتك راح تضلي بدون وكل قولت اجي اكسب من وراك ثواب إطعام مسكين..هاك فيه شي حلو مايستحقه فمك الينقط حنظل. 
نظرت رجوه للكيس ورفعت عيناها على سالم وأردفت:
-اي وتذلني وكل ماشفت وجهي تقول ماطمر فيك معروفي والعطيته لك. 
- ليش يعني انت إذا مااخذتي مني هادول يكون راح معروفي؟ والله الصرفته عليك أذلك به حتي آخر العمر، واخلي وليداتي يذلوا به وليداتك بعد.. 
خذي واطفحي هيك او هيك مذلوله ونعلى فوق راسك وجمايلي مغطياك يانكارة الخير. 

تبسمت ومدت يدها واخذت الكيس منه ووضعته على الأرض وتلفتت حوالها ثم ذهبت لشجرة التين الشوكي وقطفت بعض الثمار بطرف وشاحها وعادت إليه، ظن أنها احضرتهم له كنوع من رد الجميل، ولكنها فاجأته وهي تقترب منه وتلك النظرة الخبيثة في عينيها والإبتسامة التي تسبق مشاكستها إعتلت وجهها ثم قالت له:
- اقول ياسلومتي ايش رأيك لو اخبي هادول التينات بنفس مكان زمان وتاخذهم لي معك عالقبيلة، اظن ماعاد يأثر بك الشوك وتعودت عليه. 
قالت جملتها واقتربت منه سريعاً فأبتعد عنها مهرولاً وهو يرد عليها ضاحكاً:
-يابقرة كبرنا وماعدنا وليدات صغار ايش تريدي تسوي، والله افظحك بكل القبيلة إذا سويتيها..لعنة الله عليك جسمى كلو توجع بس تذكرت هديك اليوم. 
ظل يجري وهي تجري خلفه، يضحك وتضحك، حتى قفز فوق حصانه وانطلق به مبتعداً عنها؛ لأنه لو ظل قليلاً لأحتضنها وأدخلها بين ضلوعه وأطفأ نيران الحنين التي أشعلت فتيلها للتو. 
أما هي فوقف تراقبه ضاحكة وهو يبتعد وكم شعرت بالسعادة حين استعادت بعضاً من مرح الطفولة وذكريات الأيام الجميلة التي لا تُنسى، 
هكذا تريده.. صديقاً وخليلاً وقلباً حنوناً تلجاً إليه وتعلم أنه لن يخذلها. 
وجلست بعدها وفتحت الكيس، وكم غص قلبها ودمعت عيناها وهي ترى به كل ماتحبه واشتاقت إليه.. لم تهون عليه وشغله أمرها وأتى لها بالطعام بينما آدم اخذ يوصيها بألا تعود ولم يفكر حتى أن يطل عليها. 

نعم سيظل سالم هو الأحن عليها من بين كل البشر مهما فعلت به،وهي من ظنت أن بعد ماقالته له بالأمس قد قطعت اي خيط قد يعيده إليها، ولكن ها هو قلبه الكبير يعيده إليها مسامحاً وممازحاً وضاحكاً، ومحملاً بكل ماتُحب تماماً كما عهدته. 

أما هو فكان يقف بعيداً ورأي كل شيء وفقد علم بأن سالم آتٍ لها حين تفقدها في القبيلة وسأل عنها ولم يجدها، 
وتأكد حين أرسل مع أحد شباب القبيلة في طلب الحلويات وبعض الأشياء من الحضر، وقسمهم على كيسين، أرسل أحدهم لخيمته والآخر أخذه وركب حصانه وانطلق به نحوا الوادى.. فأتى بآدم الفضول خلفه ليرى ماسيحدث.. فتمتم لنفسه بعد أن غادر سالم وجلست رجوه تأكل بنهم:
- مافي فايده، تيس رجوه ماراح يتغير حتى لو ذبحته بيدها ألف مره، صِدق العاشق مايتوب إلا وينتكس ألف مره. 

الفصل السادس والعشرون26 

عاد سالم للقبيلة وهو منتشى من مشاكسة رجوه له وجلس عند البئر قليلاً كي يحاول السيطرة على فمه ويمنعه من الإبتسام قبل أن يذهب لخيمته وتلحظ مزيونه وتسأله عن سر إبتساماته، يعلم أنه سيتلعثم وربما ينطق إسمها دون وعي، وهذا مالايريده.

اما مزيونه ففي هذا الوقت ذهبت لخيمة جنديه القابله وسألتها:
-خاله جنديه اريد اعرف إذا الفي وليد ولا كفاني الشر بنيه؟ 
-يامهبوله بنية ايش ودكير إيش التريدي تعرفينه الحين، لسه ماطبقي الشهر الثالت والشواهد ماتبان الحين والوليد لسه ماتحرك حتى لنشوف بأي جنب ساكن! 
- اي بس مكني في زين يمكن تعرفين ياخاله. 
-امشي يامزيونه وردي لخيمتك وبس تحسي الوليد تحرك ببطنك اصبري ٧ ايام بعدها وتعي والكاتبه ربك عليك انبشرك بيه. 
-تم ياخالة.. الله يرزقني الصبر وطولة البال. 

غادرت مزيونه خيمة جنديه وتمشت فى القبيلة ثم سمعت صوت يناديها:
-مزيونه، يامزيونه. 
إستدارت فوجدتها صديقتها المقربة فتبسمت لها وردت عليها:
-اهلين بالغاليه، ايش احوالك ياخيره اشتقتلك واجد والله. 
- ولا اشتقتي ولا شي، ياست اليلقى أحبابو من حين لحين يتذكر اصحابو ، خلينا عالبال احنا مو عشرة يوم يومين. 
ضحكت مزيونه واقتربت منها واحتضنتها قائلة:
- والله عالبال وبالقلب، بس متل ماتشوفين ياخيره انا الحين متل المسكت طير كان محلق بالسما وحط فوق كتفها يستريح شوي، وإذا غفلت عنه رعايه واهتمام يشرد منها ويرد يهيم بالسما مرة ثانيه، وإلا ماتلوف عليه طيره وتاخذه مني وماعاد اشوفا. 
- كيف يشرد منك وانت الشايله وليده بحشاك، واسمع إن سالم اليوم نسى رجوه وسنينها ومايغادر خيمته إلا للشديد.. لا تخافين عيني يامزيونه انا ماأحسد رفيقتي. 
- ياخيره مو قصة حسد.. إيش هالخرابيط هي، أنت تعرفين ان رجال القبيلة مايمنعهم ولد ولا الف ولد من الهجر، وأن سالم مطمع والتعرف إن زوجها بيه الطمع لزوم تحط عيونها بوسط راسها، الزواج فرص وادري قبيلتنا بنياتها قناصه. 
- إي ماكل واحد يشوف الناس بعين طبعه، ومتل ماانت قنصتي سالم تحسبي الكل يقنص متلك. 
-كلامك به نبره ماعجبتني ياخيره! خير إيش فيك.. إي ياستي انا قنصته واخاف غيري تسوي مثلي، بس انا ماخذته من مرته ولا خربت خيمه ياخيره، أنا وقت رحت لعمتي عوالي أدور فرصه كان سالم يدور عروس، يعني بي او بلاي كان معرس. 
تلعثمت خيره من رد مزيونه التي إنفعلت عليها وحاولت ان تلطف الجو قائلة:
-إيش فيك إيش فيك اكلتيني بقشوري! انا امزح يامزيونه ولا ماعاد تتحملي مزح، تغيرتي يارفيقتي من وقت زواجك وصار خُلقك اضيق من خرم الإبره، اشوف صابك الغرور.. بس والله يحق لك.. اخذتي كل شي وماعدتي تريدي من الدنيا شي، لا رفقة ولا صُحبه، سالم غناك. 

- اذكري الله ياخيره ايش فيك، والله توقعتها من اي حد إلا انت، بس الظاهر متل مايقول سالم ماتظهر خبايا النفوس إلا وقت تغير الحال للاحسن أو للأسواء. 
-انا مو حاسده يامزيونه وعيني ماعين سوء وانت تعرفيني زين. 
-لا ياخيره الظاهر ماكنت أعرفك، بس الحمد لله الحين عرفتك. 
-لا تفترضي بي السوء يامزيونه حتى لا أكون عند ظنك بي. 
- خيره كملي طريقك وشوفي لوين كنتي ماشيه، انا لزوم ارد خيمتي سويلم زمانه جاي ومايحب وقت يفوت عالخيمة مايلاقيني بإستقباله. 
- اي روحي الله معك. 
غادرت مزيونه وهي تستعيذ بالله من شر حاسد إذا حسد حتي وصلت خيمتها، أما خيره فوقفت تراقبها حتي دخلت خيمتها وتحرك بداخلها بركان كان ينفث غيرة من وقت لآخر والآن رمت مزيونه في فوهته حجراً جعلته يثور ويفور وسيحرق كل مايطاله. 

ابدلت مزيونه ملابسها بأخرى بيتية مريحة وجميلة من التي يجلبها لها سالم من المدينة، وضعت عطرها باهظ الثمن الذي يشمه القاصي والداني حين تضع منه والجميع يسألها إسمه، ولكن سالم نبهها بأنه لا يريد أن يشمه إلا منبعث من خيمته هو فقط، فهذه رائحته المفضلة وهو لا يحب ان يشاركه احد في اشيائه المفضلة.. مشطت شعرها واطلقت له العنان وحررته لينساب على ظهرها، وكحلت عينيها واتكأت على فراشها تنتظره، وفي هذه الأثناء إنتبهت لكيس بلاستيكي موضوع بجوار باب الخيمة! عرفته على الفور، قامت واحضرته وجلست تتلذذ بما في داخله، نعم هذا سالم وهذا إهتمامه، وهذه هي الحياة التي تتمناها اغلب فتيات القبيلة وهي تعذرهم إن حسدوها، فهي من قبل كانت حاسدة لرجوه عليه وعليها. 

مرالقليل من الوقت وإذ به يدلف من باب الخيمة بطلته التى تخطف انفاسها في كل مرة وكانها مرتها الأولى التي تراه فيها! 
- حياالله المزيون. 
-حياك الله يانبض قلبي.. هلا بروحي وقنديل خيمتي. 
إقترب منها مبتسماً وجلس بجوارها، تأملها قليلاً ورفع يده مبتسماً يمسح بعض الفوضى التي احدثتها الشيكولاته على إحدي زوايا فمها، انتهى ولعق إصبعه وهمس لها:
-أي شي تلمسينه يصير احلا، ماادري إيش السر فيك! مااعرف كيف الله جعل كل الراحه عندك، واليجلس معك مايشعر بزمن أو بوقت، إيش سرك يامزيونه علميني؟ 
- السر بمحبتي ياسويلم، السر إن اليعشق يخلق لشويقه الراحه.. يغزل له السعادة غزل ويلبسهاله ثوب، اليعشق مايحب يشوف معشوقه إلا فرحان والضحكة ماتفارق وجهه لو ايش ماكان..حتى لو الضحكه تكون على حساب روحه. 
- كلامك وااجد حلو، وواجد موجع ويخلي الواحد دوم يراجع نفسه ويحاسبها عليك. 
- عليم الله مااقصد بكلامي لك اي وجع. 
-ادري يامزيونه، انت المثلك مايعرف يوجع. 
- اقول اتركنا من الوجع وخلينا بهاللحظه مانفكر بشي ثاني، أنا وأنت ووليدنا الجاي وخيمتنا ودنيتنا الحلوه، واللي خارج الخيمة نأجله لبعدين. 

رد عليها بضحكة:
-ياعمي والله اشوف انك سرقتي ثلاث ارباع عقل بنيات القبيلة لروحك وخليتي الباقيات بربع عقل، اقول يامزيونه.. إذا ضميرك صحي لا تتوبي وتردي المسروق لأصحابو؛ ترى اتعب إذا انت بالذات فقدتي من عقلك شي. 
- لا ماتخاف ولا تشيل هم، طول ماانت معى وعيوني تشوفك كل العقل بي، مايغيب العقل إلا بغيابك. 

إقترب منها واخذها بين ذراعيه وتنهد وأغمض عينيه براحة، فعندها  ينتهى كل شيئ ويبدأ شيء آخر مختلف كلياً. 

اما عند رابح وآدم.. 
- هاه يارابح فهمت علي، سوق السيارات يرادله سفر دايم ومتابعة السوق بإستمرار، يعنى إذا دخلت المجال ماراح يكون عندك وقت للقبيلة ولا مصالحها. 
- ياخوي القبيلة ماواقفه علي مصالحها، مشالله قبيلتنا كلها رجال تنشد بيها السواعد وغيابي من عدمه ماراح يفرق واجد. 
وهنا قاطعته معزوزه بغضب:
- ماراح يفرق معك ولا معهم بس راح يفرق معي انا ولا معزوزه ماعادت من ضمن احساباتك يارابح؟
-يابهيمه ورابح لمن يعمل كل هاد الشي مو لاجلك ولاجل وليدنا الجاي، ثم من قال لك إني اتحمل ابتعد عنك، انت رجلك على رجلي وخطوتك بخطوتي، ووين مااروح انت معاي. 
- يعني تاخذني معك إذا رحت للحضر؟ 
- اي آخذك، يعني لمن اتركك هين وانت تعرفين ان قلبي كل مره اغيب عنك يصير بركان نار عليك. 

تبسمت براحة فالآن فقط هدأ قلبها ومادامت سترافقه اينما ذهب فلا بأس، حتى وإن كان الثمن تركها للقبيلة التى ولدت وتربت بها ولا تعرف هل ستستطيع مغادرتها أم سيكون الأمر أصعب مما تتوقع. 
 
فاردف آدم حين طال الصمت:
- طيب الحين يارابح انت فهمت مل شي والمرحلة الجايه مع عمك قياتي كلها، تواصل معه وهو راح يفيدك بخبراته في المجال، وانا لزوم ارد لهلي غبت عنهم واجد واشغالي اغلبها تعطل، يلا شد حيلك وسمي الله واستعين به وابدأ. 

هز رابح رأسه لآدم بالموافقة ونهض آدم وترك المكان، وذهب لمبناه كي يستأذن بنات قياتي ويأخذ أغراضه ويستعد للسفر. 
وحين وصل وطرق الباب خرجت له العنود وعلمت منه أنه راحل، فرأت انها فرصتها الكبري للإنفراد برجوة والدخول في دهاليزها المظلمة دون أن تهرب منها مستنجدة بهذا العقاب الذي سيبعدها عنها  ويتصرف هو. 

وبالفعل غادر آدم متوجهاً للقاهرة بعد ان اخبر ابويه بقدومه وغادر القبيلة التي لم تعد كما كانت واحته المريحة، بل أصبحت بسبب رجوه جحيم لا يعلم متى سينتهي. 

اما عند رجوه بالوادي، كانت جالسة تراقب الأغنام وتفكر.. هل هذا هو كل ماآلت إليه الأَمور، ماذا فعل بها العقاب الذي حاربت لأجله وتحملت؟ أجعلها راعية أغنام بعد ان كانت سيدة قومها وبطنها لا تعرف جوع وجوفها لا يعرف عطش، وكل ماهو لذيذ وغالي تطاله يدها بفضل سالم. أهذه هي العيشة التي ستعيشها أم هو مجرد إختبار لقوة تحملها وقياس لمستوى محبتها له، وينتظر أن تجتازه وتنجح به؟ 
قررت أن تتحمل، لأجل حلمها ستتحمل، لأجل أن تكمل القرار الوحيد الذي أخذته بمحض إرادتها دون فرض من أحد ستتحمل، حتى وإن اصبحت راعية اغنام. 

انتهت وعادت للقبيلة وتفاجأت حين علمت بأمر رحيل آدم؛فكيف له ان يغادردون ان يخبرها ودون وداع وكأنها ليست لها وجود عنده ولا تشغل اي حيز ولو قليل من تفكيره، فازداد حزنها وهي التي تحملت كل هذا ومازالت تتحمل لأجله. 

أما عند خوله في الخيمة.. 
- يمه ماقادره اصدق باقي كم يوم واعرس واروح خيمة زوجي وافتك منكم ومن وجيج الراس اليجيني منك ومن عيالك. 
صالحه
- شوي شوي على عقلك الفرحة الزايده مو حلوه عليه وهو من الأساس ضعيف مايتحمل. 
- تقصدين قلبي؟ 
-لا اقصد عقلك. 
-تقصفيني ياصالحه؟ صبرك علي بس اروح خيمة رجلي راح اربي كلب مسعور إذا شفتك ماره من أمام الخيمة اطلقه عليك واقوله كلها لا تبقي منها شي. 
- وليش تربي كلب ماتشوفين روحك كافيه يعني؟ 
- اي اقصفي وزودي ياصالحه إلا مايجيك يوم وألففك القبيلة كلها وانت تقولين خوله بتي ماتريد تكلمني من بعد ماتغيرت احوالها.
- روحي الله ياخذك قبل ماتجورى علي، والله إذا ماضبيتي فمك اجيبلك صياح يكسر راسك. 

- والله اجيبلكم ابو نواس يخلص عليكم انت وولدك بعد. 
-منو أبو نواس هاد كمان؟ 
- هاد سعود زوجي اللي راح يخليني ست ستات القبيلة والكل يعملي ألف حساب. 
- اقول ياخوله مايصير تروحين خيمة زوجك من الحين وتريحيني؟ 
- وربي انا مامانعه ابدد، بس انت دزي على سعود وقوليله خوله جاياك خلي يتسبح ويغسل رمته الجايفه وحمليلي غراضي على جمل والبس ثوب العروس واجر الجمل باغراضي واروح الحين. 
- يابووو والله مااعرف انا ايش سويت بدنيتي سو حتى الله يبليني بيك؟! 
- غدوه الماعاجباك ولا حامده ربك انه  عطاها لك راح تتمنى تكلميها ياصالحه وتطوفي حول خيمتي طوف وتنتظري اقولك أقبِلي ياصالحه وخشي بس ماراح اقولها، راح اتركك متل كلب اجرب مالاقي حِن. 
- الكلب الياكل حِشاك ياكلبة البدو ياجحشة الصحاري يالمامنك نفع، انا اطوف حول خيمتك متل كلب أجرب أنا؟ ليش يعني، ايش اريد منك لحتى اطوف حولك وحول خيمتك الله ياخذك وياخذ خيمتك؟ 

-تريدين من اموالي لأني راح اصير من اغنى اغنياء القبيلة والذهب ملو ذراعاتي وطبقات طبقات  فوق صدري ولبسي كله حراير هندي واغراضـي... 

وقبل ان تُكمل كان خُف أمها صالحه يرتطم برأسها بضربة قوية اخرستها وجعلتها تجلس ارضاً تتألم في صمت. 
دلف صياح من باب الخيمة ورأي خولة على الأرض ممسكة رأسها وتتلوى على الأرض فسأل بتعجب:
-إيش هاد، ليش تتلوي هي مثل حنيش اندج براسه؟ 

خوله:
-أمك.. أمك تريد تموتني غارت مني بس قولتلها راح اصير من اثرياء القبيلة. 
نظر صياح لأمه واردف:
-لا تضربيها كافي هي كلها يومين وتفارق الله لايردها، مابدنا تتفقع عينها وسعود ماياخذها وتقعد على قلوبنا لآخر العمر، قالت راح اصير غنيه قوليلها الله يعطيك وبس. 
- يعني ياصياح انت تعرفها تقول بس هي الكلمة ماتلحقها بسب ولا تسبقها بمهانه؟ 
- ادري بها لسانها يلزمله سباق هجين ليجيب آخر طوله بس ايش نسوي، تحملناها كل هاد مايجرا شي إذا تحملناها يومين، خليها تسوي مجال لي اريد اتزوج بالخيمة. 
- حيييييه عليك، عن اي خيمة تتكلم انت؟ 
- هي الخيمة يعني في غيرها؟ 
- وانا وين اروح ياحظي الاغبر واغراضي وين اخليهم؟ 
- انت تروحين خيمة بوي ومرته وتقعدي فوق قلوبهم، نغصي حياتهم انت مازلتي زوجته ولكي حق فيه وعليه، وأما اغراضك فما تحملي همهم انا بتزوج عليهم لكن من وين لي اشتري اغراض جداد؟ 

صرخت به صالحة وهي تضرب على صدرها:
- ياخيبتك ياصالحه بعيالك.. تريدني اليوم اروح ادور على حقوق عند بوك   وانا مادورت حقوق بعز شبابه، اليوم بعد مارجوله الاثنين بقن بالقبر ادور حقوق؟ لا وتريد تاخذ اغراضي وفرشتي تتزوج عليها، ووين الترضى تتزوجك على فرش واغراض امك وبخيمتها المهتريه؟ 
- ماعليك انا اندور وإلا ماالاقي بت الحلال التقول انا مااريد شي من الدنيا إلا صياح وبس، اسكن معو بخيمة امه واغراض امه واعيش خدامة خطاوي رجليه. 
وهنا دلف برق من باب الخيمة وأردف غاضباً:
- خيمة ايش واغراض ايش التريدها ياصياح، خيمة امي لي انا البتزوج فيها، أنت معك قروش كتار وتقدر تجيب بدال الخيمةوالغراض عشره، انا المامعي شي ومن البدايه هي الخيمة واغراضها ببالي اتزوج فيهم، روح امشي حير بروحك ودورلك مكان وانصب به خيمه جديده وعبيها اغراض جداد وماتبخل على روحك القروش الماتفرح صاحبها هي وقلتها واحد. 
صالحة بقهر:
- ياررربي ايش هادول ولاد ولا ضيم ماشي على رجول ومحاوطني، تريدون تورثوني بالحيا ياتيوس.. اطلع بره خيمتي ياخروف منك له ومااشوف وجه حد فيكم ولا رجل من رجولكم تخطي خيمتي وكل من يشقى بروحه ويتزوج بعيد عني،، والله هاد الناقص يريدون يورثوني بالحيا، اغربوا عن وجهي ياغرابيب البين ياوجوه البوم. 

انهت جملتها وكانت تميل علي الأرض لتلتقط شيئ تضرب به، ففر الاثنين هاربان من امامها وجلست صالحه على الأرض مذبهلة مما قاله أولادها غير مصدقة لما رأته منهم، فحتى خيمتها المهترئة واغراضها المتهالكة يتقاتلون عليها طمعاً وكبيرهم يريد ان يرميها لأبوه بعد كل هذا العمر! 

اما خوله فكانت ترمقها بنظرات شماتة وتواري إبتسامتها خلف وشاحها لأنها تعلم إن رأتها صالحه تتبسم ستحملها خطأ الجميع ولن ترحمها


تعليقات