رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الخامس عشر15 السادس عشر16 بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الخامس عشر15 السادس عشر16 بقلم ريناد يوسف

عوالي تقدمت الجميع وأصبحت في صدارة الجمع؛ لتحظى بالضمة الأولي لشقيقها ورفيقها الأكبر أخيها منصور، وحين فُتحت أبواب السيارة نزل منها قياتي أولاً ثم أمال بجزعه وحمل أبيه على يديه، ورأت حالته وعينيه المغمضة بتعب هنا ادركت عوالي أن لا ضمات ولا أحضان أخري، وأن السلام والوداع باللسان والعين، 
ومن صوت أنينه المتواصل تأكدت ان النهاية إقتربت جداً.
طلبت عوالي من قياتي أخذ منصور لخيمتها؛ حتى يكون تحت رعايتها المتواصلة، أما خيمته فهي الآن من حق قياتي وأسرته.

تقدم قياتي بين أهل القبيلة والكل يعرض عليه أن يحمل الشيخ عنه، ولكنه أبى وواصل السير حتى خيمة عمته ووضع ابيه في الفراش، وحينها تلفت لعوالي وألقي عليها السلام واحتضنها وبادلته الحضن بشوق كل السنوات الماضية التي لم يروا بعضهم فيها. 
ثوانٍ معدودة وكانت الأصوات تتعالي خارج الخيمة مطالبة بالدخول للشيخ، ففتح الشيخ منصور عينيه ببطئ وهمس لقياتي:
- طلعني خارج الخيمة ياقياتي، الخيمه ماراح تكفي الناس والكل مشتاق ويريد يطمن، وانا بعد ماجاي اقعد داخل خيام.. طلعني في الهوا ياوليدي. 

غادرت عوالي الخيمة واخذت معها مايزه وفراش وثير وبدأت تصنع لمنصور متكأ أمام الخيمة وفي ظلها، وفور إنتهائها حمل قياتي أبيه واخرجه وأجلسه فيه، وأجتمعت القبيلة كلها أمامه، مواسين ومودعين ، يخيم عليهم الحزن وهم ينظرون لحال شيخهم الذي يفصله عن الموت خطوات قليلة. 

فتح منصور عينيه بعد أن حمله قياتي وأخرجه، ورأى القبيلة كلها تقريباً أمامه، جالسون على الرمال وقد فاض الدمع من أعينهم على حاله، فتبسم لهم مُطَمئناً وهمس:
- يايباااه لو تعرفون قديش اشتقتلكم ياهلي وناسي وربوع قلبي..عساكم دوم مجتمعين في الخير وع الخير وقبيلتنا تضل لآخر العمر مخيم عليها الفخر والعزه بشبابها وشيابها ووليداتنا ضي العيون. 
بدأ الجميع في الدعاء له والإعراب عن فرحتهم برجوعه، وبث الأمل الكذاب في نفسه بأنه سيتحسن وسيسترد صحته، فما كان منه إلا أن بدأ يومئ لهم برأسه وكأنه يصدق كذباتهم الحنونه. 

أما في ناحية أخرى، وتحديداً عند السيارات.. 
نزل الشباب من السيارات وتقدم رابح وآدم نحو سيارة آدم رباعية الدفع التي استقلها قياتي وبناته وزوجته والشيخ، ونظر للعنود التى نزلت هي الأخرى من مقعد السائق ووقفت تمسح المكان بعينيها قال لها بغضب وهو يمد لها يده:
اعطيني المفتاح حق سيارتي من رخصتج ولا لك به شغل ثاني؟

مدت له يدها بالمفتاح وهي مستغربة هجومه الغير مبرر عليها ولم تتحدث، وتحركت مبتعدة عن عبوث الوجه هذا؛ 
الذي منذ الوهلة الأولي التي رأته فيها وتشعر وكأنه يريد الإقتصاص منها، لماذا وعلى ماذا لا تعلم!
وبينما هي واقفة أشار رابح لمعزوزه التي أتت مهرولة وتحمدت لهم علي سلامتهم وأشار لها علي العنود وقال:
- ياأم غُنيم، هي العنود بت عمك، خديها للخيام وماتتركينها، ومااوصيكي ياأم الكرم والجود. 
- ماتشغل بالك يارابح، في عيوني الزوز انشيلها ونشيل الكل وبرمش العين نخدم. 
-أصيله يابت العم وأصلك غلاب. 
فإقتربت معزوزه من العنود وأمسكت يدها وأخذتها معها، وعفراء ونوف سبقوهم بعدة خطوات. 

أما آدم فوقف مع سالم ورابح وهلال معهم يراقبون تقدم الفتيات من الخيام، فنظر رابح لآدم وسأله:
- ايش فيك ياعقاب الموقف كله مايستحق كل ردة الفعل هي؟ 
- أنت تشوفه مايستحق بس انا اشوف حُرمه مشت كلمتها علي وحكمت ونفذت. 
- كل هاد لجل سواقة السيارة؟ 
- لا كل هاد لجل اني قولت لها انا اللي راح اسوق وهي قالت ماحدا راح يسوق غيري، وبثانيه خطفت المفتاح ونطت جوا السيارة متل السعدان وتحركت، ولا ردت علي وتركتني واقف متل عمود النور.. واليجلط انها سيارتي، سيااارتي. 

- خلص انسى وفوت نروحوا للشيخ نقعدو معاه شوي،مااشتقت لشيخنا ولا ايش انت؟ 
-  لا كيف مااشتقت، وربي اشتقت له واااجد، بس والله مشكت كلمتها علي يارابح ياخوي! 
ليرد عليه سالم:
-بسيطه ردها لها وماتخليها تحط رجولها بسيارتك مرة ثانيه، ركب الكل وهي قولها اركبيلك جمل وحصلينا، وهيك تكون حرقت دمها. 

ليصرخ بهم رابح بصوت عالي:
- يامشالله عليكم وحولكم، هيا نجلسوا نتناقشوا وندبروا كيف نحرقوا دم البنيات ونكايدوهم، ونهملوا شيخنا واشغالنا ونقعدوا للهيافات،يلا سير امامي أنت وياه. 
-قهرتني قهر والله يارابح. 

ضربه رابح علي مؤخرة رأسه ودفعه ليتحرك، فتحرك امام رابح وتبعهم  هلال الذي كان في عالم آخر وهو يراقب بنات عمه قياتى ودخولهم للقبيلة.. 
 (نوف) الصغيرة وهي تمشي على أطراف اصابعها وتتلفت حولها بضيق وكأنها تبغض المكان أو لها به ذكريات سيئة ولم تكن ترغب في زيارته مرة اخرى! 
على عكس اختها (عفراء) التي بدأت  تتنقل بين الخيام بفرحة وكأنها فراشة أُطلق سراحها للتوا، وليست فراشة في الحركة فقط، بل فراشة في الجمال أيضاً..فسبحان من خلق فسوى فأبدع في هذا الخليط الليبي البدوي الجميل. 
أما العنود فكانت عيناها طائرتين في كل مكان؛ وكأنها آتية في رحلة إستكشافية للمكان! 

إقتربت العنود مع معزوزه من خيمة الشيخة عوالي لتجلس فيها مع الجميع لحين إنتهاء الشباب من نصب خيمة لها ولشقيقاتها، وسألتها اثناء السير:
- اقول ياجميلة.. إيش اسمك قولتيلي؟ 
- إسمي معزوزه بت عمك الشيخ قصير. 
- ياهلا بعمي وبته
- هلا فيك حبيبتي. 
- اقول يامعزوزه إيش قصة الشاب اللي يفتعل العرايك هاد اللي تقولوله عقاب؟

نظرت لها معزوزه بغرابه وردت عليها:
-يفتعل العرايك! عقاب؟ 
- اي سمعت زوجك اللي صاح لك يناديه بإسم عقاب. 
-انا مافاهمه شي، مع من عقاب تعارك؟ 
- هو ماتعارك بالمعنى الحرفي، هو من لحظة وصولنا وركوبنا السيارات وطلبت إني أنا اللي اسوق السيارة  وصممت وهو مخنزر علي بعيونه واحسه على لحظة يريد يهجم علي ويفتك بي ، إيش فيه هاد؟ 
- اي تقوليلي سوقتي السيارة وصممتي بعد.. هو من هيك يريد يتعارك معك، انت تعرفين بالقبيلة مافي بنيه تسوق سيارة أو تمشي كلمتها على رجال، وانت الحين سويتي الزوز. 
- اي بس انا معوده اسوق سيارتي  بليبيا واحب السواقه وااااجد!. 
- هاد بليبيا مو عندنا، انت الحين بالقبيلة ولزوم تمشي بأعرافها، ووقت تردي لبلدك عاودي لافعالك التعودتي عليها. 

وصلت عند خيمة الشيخة عوالي، وكانت أمها منشغلة في مصافحة نساء القبيلة، أما اختيها فنظرت تبحث عنهم وسألت امها:
- (ياتبره) وينهن بنياتك ماأشوفهم وين راحوا؟ 
(تبره):
- ماادري، بس هين الكل بامان، اتركيهم ماعليهم خوف واشقي بروحك، شوفيلك خيمة اجلسي فيها لحين ينصبوا الشباب خيمتكم أو انضمي لنا، تعي تعي سلمى على عماتك يسالون عنك.. هي بتي البكرية العنود، اول فرحتي أنا وقياتي والغالية واااجد. 

تقدمت العنود منهم وبدأت في مصافحتهم جميعاً، ولم تستطيع منع البعض منهم من إحتضانها عنوة رغم رفضها التام، هي لا تحب الإقتراب الزائد، و لكنها هنا في القبيلة ولا أهمية لما تحبه وتكرهه، وعلى عاداتهم يتعاملون. 

وبعد ان انتهت من المصافحة والتعارف تلفتت حولها بحثاً عن اختيها، فرأت احدة منهم شردت بعيداً تطوف في القبيلة وسط الخيام وتنتقل من مكان لمكان والسعادة ظاهرة جلياً على ملامحها، والأخري جالسة على حافة البئر تتأمل المكان حولها بغرابة وكأنها آتية من الفضاء؛ 
على الرغم من أن ابيهم كان دوماً ينقل لهم صورة القبيلة كاملة ويصف كل شبر فيها، ووجدوها تماماً كما وصفها. 

مر بعض الوقت وبدأ الجمع حول الشيخ منصور يقل وذهب معظمهم لمواصلة أشغاله بأمر من الشيخ منصور.. أما قصير فأخذ هلال وبعض الرجال وذهبوا كي يذبحوا الذبائح، فاليوم عيد بقدوم شيخهم وعلى شرفه تُقام أكبر الولائم. 

وبقي منصور مع القليل من الناس، وهنا فقط إستطاع التركيز وكم تراقص قلبه وهو يرى صقوره الصغار ملتفين حوله، 
ميز من بينهم عقاب بسهولة وتبسم له وهمس بضعف:
- عقاااب ياعزيز عيني، اشتقتلك واااجد واشتقتلكم كلكم ياربوع قليبي.. كيفكم وكيف احوالكم؟ 
ردوا عليه في صوت واحد:
- بخير ياشيخنا وصرنا أحسن بشوفتك ولقياك. 
- عسااااكم دوووم بخير وماينقص عليكم شي ياوليداتي.. طمنوني عن احوالكم.. 
وانت بالذات ياسويلم كيفك وكيف حال نابضك، طلع منه الأذي ولا بعده تسكنه الاوجاع؟ 
- انا زين ياشيخي، زين ونابضي بيتحسن مع الوقت ماتشيل همي انا الحين بأفضل حال. 
-دوم ياوليدي، وانتوا ياجوارح قبيلتي، كل واحد يسمعني حسه ويطمني على احواله، اشتقت لاصواتكم وكلامكم. 
فبدأ الجميع يتحدثون إليه واحداً تلو  الآخر وهو ينصت، إلى أن أتت إليه رجوه مع باقي فتيات القبيلة بعد أن أفسح لهم الرجال والشباب المجال، فميزها من وسطهم وكذلك مزيونه، فأردف مرحباً:
- هلا هلا بقناديل القبيلة وشموع نورها. هلا ببنياتي.. ثم نظر لرجوة وخصها بالحديث:
- هلا هلا بفانص القبيلة هلا. 
إقتربن منه الفتيات يقبلن يده ورأسه ويدعون له بالشفاء، وعندما حان الدور على رجوه أسهبت في تقبيل يده ورأسه حتي لاحظ الجميع، وهمست له بإمتنان:
- أشكرك ياعمي على الفرصه اللي عطيتها لي، ولك مني عهد من الحين ماتشوف مني إلا اليسرك، مافي فنص ولا شي، رجوه تغيرت والفضل لك. 
ليهمس لها هو الآخر وعينه على سالم:
-هي مو فرصه ياقليلة العقل، هي تسميها مرحلة إعادة تكوين مخك، ومن بعدها راح يصير التغيير أكيد.. بس اريد اقولك شي قبل لا أفارق.. وقت ياكل الندم قلبك لا تلومين غير روحك، وتذكري إن قرارات الفوانص تخسر ماتكسب. 
إعتدلت رجوه ونظرت إليه وهي لا تفهم مايرمى إليه، فإعتبرتها خترفات مرض ولم تهتم وغادرت. 
أما منصور فرأى سالم وهو يجاهد كي لا ينظر لرجوة، وعرف أنه بدأ رحلة الجهاد التي ارغمه عليها عقاب ولن يتركه إلا وقد شُفي تماماً من الداء الذي يسمى رجوه. 

مرت الساعات وحان وقت الغروف ونضجت الوليمة وقامت النساد بوضع الطعام أمام الشيخ منصور بجوار خيمة الشيخة عوالي، وعلي الرغم من أنه لا يأكل، رؤيته لأولاده واحفاده وهم يأكلون فرحين وملتفين حوله جعله يشعر بأنه تناول خروف كامل بمفرده. 

وبعد الإنتهاء من الطعام بدأت الوفود من القبائل الأخرى تأتي فور سماعهم بعودة الشيخ منصور، ونسي هو مرضه وألمه وهو يستمع إليهم ويرى المحبة الصادقة في عيونهم له وترحيبهم الحار بإبنه قياتي، وهذا ماجعله يشعر بالإرتياح، فهذه هي الثروة الحقيقية التي جمعها خلال سنوات عمره وليس المال، فالمال زائل والمحبة باقية. 

إنتهت الجمعة الجميلة وانفض الجميع من حوله، وبقي هو مع عوالي، ومايزه ذهبت للنوم في خيمة  الفتيات.. وقياتي وزوجته ذهبوا لخيمة منصور القديمة، العنود وعفراء ونوف ذهبوا لخيمتهم التي تجهزت لهم من كل شيئ في وقت قياسي، أما الحسن والحسين فإنضموا لأطفال القبيلة في خيمتهم وكم كانوا سعداء بسلة الثعابين، الكنز الذي عثروا عليه وانساهم كل شيء، ولأن قياتي حواهم وحصنهم من السم، كانوا يلعبون بالثعابين وكأنها صيصان صغيرة بين يديهم الصغيرة. 

في خيمة بنات قياتي:
عفراء:
- يااايبه على السعير اللي ماينحمل، خففت ملابسي حتي صرت مالابسه شي، اقلع جلدي بعد ولا اسوي إيش؟ 
نوف:
- هي حياة القبيلة، إيش كنتي منتظره تشوفين يعني؟ 
عفراء:
-ليش مايجيبون مكيفات إذا يعرفون مواتير الكهربا وشفت موتور فوق البنايه اللي بالقبيلة
- اتركي الموتور هسه وإسألي حالك ليش إذا يعرفون البنايات مايبنون بيوت بدال الخيام اللي عادي تطير مع هبة ريح قوية ويطير معها كل شي فيها؟ 
لتقاطعهم العنود وهي تغلق هاتفها وتقلع نظارتها:
- مايبنون ومايجيبون مكيفات لأن هي حياتهم اللي تعودوا عليها، اللي متلهم مايرتاحون إلا بالخيام، وإذا جروبوا هوا المكيفات ماراح يعرفوا يعيشوا بالجو الطبيعي، بمعني إنهم مايغيرون بالطبيعة لاجل مايشوفون عيشتهم صعبة. 
- زين.. ليش عندهم بنايه ومولد كهربا فوقها وايش يسوون به؟ 
نوف:
- يشغلون به مكيف..الظاهر إنهم طبقات هين، وفيهم اللي حب التغيرر وواكب التطور. 
قالتها بسخرية ونظرت للعنود التي صمتت، فقفزت عفراء على الفور:
- بربك فيه في البناية مكيف؟ عاينتيه بعيونك متأكده؟ 
- إي وغلاتك بعيوني الزوز ريته. 
نهضت عفراء وبدأت ترتدي ملابسها، فسالتها العنود:
- علي وين ياخبله؟ 
-بمشي للبناية واطلع اللي فيها لو مين ماكان وانام انا حد المكيف، انا ضيفه وأعرف اخد ضيافتي من عيونهم. 
غادرت الخيمة علي الفور وأسرعت نحو غرفة آدم ودقت الباب بإستعجال، فأجاب على الفور:
- اي اي تكه وبفتح. 
اعادت الكرة والطرقات، ففتح آدم الباب متعجلاً وقد كان بالبنطال فقط وعاري الصدر ظناً منه بأن من بالباب إحدى الشباب، فصدم وتراجع للخلف واغلق الباب مرة أخري في وجهها وهو يسمعها تقول:
- إنت واحد ماتستحي، إيش هاد المنظر اللي تفتح به الابواب، ماتخاف الله إنت؟ 
ليرد عليها بغضب وهو يرتدى ملابسه:
- إي انا مااستحي وأنت إيش تريدي وإيش جابك الحين لغرفتي بهاليل؟ 

- جايه اتغزل بجمالك شوي تسمحلي؟ 
 فتح الباب بعد أن إرتدى جلبابه وهدر بها:
- انت تقولي إيش تريدي الحين ولا تردي لخيمتك وتنطمري وتتركيني اندفس وانام ماني فاضي. 
-اريد ابات بغرفتك. 
-إيش؟ 
- لا تفهم الحكي مغلوط واسمعني، أنت حداك مكيف وانا ذوبت من ابحر وااا.... 
- تمام فوتي بس لا تلمسي شي من اغراضي، ترا كلهم اغراض مهمة وضياع اي شي يسويلي مشكلة مو هينه. 
إستغربت عفراء موافقته السريعة؛ فهي كانت تتوقع بعضاً من الجدال والرفض ولكنه فاجأها بذوقه فأجابته بنبرة اهدء:
- لا ماتخاف ماراح يضيع شي، انا اي بتفرج وانبش كل شي نبش بس مااغير مكانه. 
تبسم آدم وهو يرد عليها:
- ثرثاره.. لا تلمسي شي ماراح اعيدها، وخاصة اللابتوب.. انا بمشي لخيمة الشباب انام فيها وانتي جيبي خوياتك ينامون معك تحت المكيف. 

- اقول يا شسمك انت.. اقول إنت ليش دوناً عن القبيلة تمتلك غرفة ومكيف؟ 
-- ماتسألي عن شي، جيتي بطلب ولبينا، صكري خشمك وفوتي لجوه مايصير وقفتك ببابي بهالوقت. 

غادر آدم وعادت هي مسرعة لخيمة اختيها تبشرهم بأنها أتت لهم بالرحمة من الحر، فرفضت العنود وذهبت معها نوف، وفور أن اغلقتا باب الغرفة بدأت حملة التفتيش فى جميع آغراض آدم من قِبل عفراء. 

ومرت الليلة بسلام، وأتى صباح جديد.. فاستيقظ الجميع بما فيهم عفراء التي لم ترد أن يفوتها شيئ من مشاهدة الروتين اليومي لأهل القبيلة، فخرجت من غرفة آدم وهي ترتدى ربطة رأسها، فرأتها التي كانت متوجهة نحو البئر لملء المياه، فتصنمت في مكانها وألقت الوعاء الذي بيدها وهمست:
-نهار ماطالعه له شمس ولا زايره ضل.. إيش تسوي هي بخيمة رجلي؟ 
واخيراً تحررت قدماها فأسرعت نحو عفراء وجذبت منها ربطة رأسها وألقتها أرضاً ثم أمسكتها من شعرها في حركة مفاجأة منها وقالت لها بغضب:
- ايش كنتي تسوين بخيمة رجلي يافانص؟

الفصل السادس عشر 

حاولت عفراء تحرير شعرها من يد رجوه، ولكنها كانت كالشرطي الذي قبض على مجرم خطير متشبثة بها بكل قوتها، فما كان من عفراء سوى اللجوء لمهاراتها في فض الإشتباكات، فهي درست رياضات الدفاع عن النفس وتتقنها جيداً، وقد تلقتها على يد أمهر المدربين في ليبيا، فبدأت بحركات بهلوانية جعلتها نجحت في التخلص من قبضة رجوه، وحين رأتها تعاود الهجوم عليها مرة أخرى بدأت في ضربها بحركات لعبة الكاراتيه الشهيرة..فلم تستطيع رجوه مجاراتها؛ فقد كانت أسرع حتى من تفكيرها، وأسرع من الأحجار التي كانت تنوي إلتقاطهم والتصويب عليها، وهاقد فشلت وسيلة الهجوم الوحيدة لدى رجوة والتي تعتمد عليها في كل معاركها ولا تُخطئ ابداً. 

أما في الجانب الآخر كان هناك  متفرجون لا يفهمون مالذي يجري بين رجوه وعفراء، ومن بينهم خولة التي لم تكن تهتم بالسبب لحدوث ذلك، بقد إهتمامها وفرحتها بإنتصار عفراء على رجوه وفوزها الساحق، وأخذت تهلل وترقص وتقول:
- ياحليله رفستها.. ببطنها رفستها، بضهرها رفستها، بوجهها رفستها.. تسلم رجولك اللي ترفس وتعطي بنص الهدف يابت عمي قياتي..هااا يلا اعطيها كمان رفسه.. يمين رفسه، شمال رفسه،، ايوووووو

إنتهى النزال برجوه على الأرض وعفراء واقفة فوقها تلتقط انفاسها بتعب، فإقتربت خوله من عفراء وقبلتها بفرحة وقالت:
-. ولك اللي يسلم البطن اللي شالتك.. اقول يابت عمي علميني الرفس متلك. 
نظرت لها عفراء بسخط ونظرت لرجوه وتخطتهم وذهبت إلى خيمة الشيخه عوالي تسأل عن حال جدها وتطمئن عليه، وحين عادت وجدت مرسال من أمها، فعرفت أنها ستوبخ الآن، فذهبت في إتجاه مرابض الخيل وقامت بفك حصان بعد وضع السرج عليه وإمتطته وإنطلقت به بسرعة فائقة، ومرت في طريقها على الشيخ قصير وابوها وسُلة من الشباب، وتخطتهم، فنظر قصير لإبنه هلال وقال له آمراً:
- هلال إتبع بت عمك؛ هي ماتعرف المكان زين ولا حافظه الطرقات والوديان واخاف عليها يصيبها شي، أو يطلع عليها شي يخوفها،بنيات الحضر قلوبهم رجيجه ماتتحمل. 
قياتي:
- لا اتركوها عفراء ماتهاب شي، وبناتي بنات حضر اي بس انا مربيهم رباية قبايل وعلمتهم كل اطباعنا. 

- لا ماتنترك البنيه من أول طلعه، هيا ياهلال اتبعها عليش واقف تعاين؟ 

ذهب هلال وركب فرسه وأسرع به خلفها إلى أن لحقها، فصاح بها بصوت عالٍ:
- هي.. انت وقفي حذاك لا تتقدمين اكثر. 
توقفت عفراء واستدارت نحوه وسألته بغرابة:
- ايش فيك ليش تصرخ انت؟ 
- اقول وقفي بوي أمرني اتبعك وادير بالي عليك واردك للقبيلة. 
- ليش يعني إيش راح يجرا علي؟ 
- ولا شي بس يجوز ماتردي للقبيلة مره تانيه.. الوادي هاد مليان بالوحوش الجوعانه اللي ماتهاب ضو النهار و إذا شافت لحم تهجم وياقاتل ياقاتل، وانت جايه لا قوس ولا سهم ولا حتى باروده، يعني صيده ولا أسهل إنت وفرسك بعد..

- لا ماتخاف علي اعرف ادبر حالي، عاود إنت وماعليك بي، واللي يسألك عني قولهم ما رضت تعاود معي. 
- زين يلا انا رايح والله معك، يرحمك إذا مارديتي ويعينك لو تركت فيك الوحوش جروح تعذبك قبل موتك.
- انا لا اهاب شي ياهلال ولا تظن إنك خوفتني وهزيت قلبي، روح انت رد للقبيلة وإشقى بروحك ولا تفكر في، وانا إذا متت أو حييت هي إرادة الله وعمر محسوبه أيامه، ولو الف متلك حراس علي مايمنعون قدر.. روح يبه الله معك، ودير بالك أنت على حالك، ولا تريدني ارد معك لاحرسك من لوحوش؟ إذا خايف وجيت بس لجل ماتزعل بوك وتعصى أمره قول وانا بوصلك للقبيلة بروحي. 

-مقبوله منك يابنت الأجواد.. لاحظي إن لسانك ينقط حنظل.
-انا مامضطره ازوق الكلام، انا اقول الكلمة على نيتي والناس تفهم اللي تفهمه حسب نيتها.
- قصدك تدجيها دج ومايهمك تعور لو لا.
- احسبها هيك مايهم.
- طبعك مو زين.
-انا زينة الطبع غصبن عنك ومن ورا خشمك.
- اقول طبعك مو زين وعمي قياتي مبين التهى بشغله وترككن بيد الحضريه دللتكم وما قصبت لسانكم يابنيات عمي.
- صكر خشمك ولا تجيب طاري أمي إلا بكل إحترام، أم الحسين مافي زيها مره ولا رباية يدها حد يتحصلها، ودير بالك الحكي اللي يطلع منك انا اقدر اخليك تتحاسب عليه بنص مجالس الرجال ويتحط عليك حق عرب، إذا ماتحترم مرت عمك وبنياته تكون ماتحترم عمك.
- اقول ردي للقبيلة وبلاها كل شي.
- اذا تريد انت ترد رد، انا اعرف طريقي واعرف اروح وارد بروحي، وتذكر اني ماطلبت رفقتك ولا طلبت يد العون من حد، وإنت اللي لحقتني
- هيك الحكي صار يعني؟
- اي هيك.
انهت كلماتها وإنطلقت بحصانها نحو الوادي بلا ذرة خوف أو تردد، أما هو فوقف في محله لا يعلم من أين أتت هذه الحضرية بكل هذا الثبات والجرئة وكيف لها ان تمتطى الحصان بهذه المهارة وكأنها ولدت فارسة وهي التي تربت بين الجدران وسط البنايات، محاطة بالسيارات!
ثم رفع صوته وهو يودعها بكلماته الأخيره:
- روحي عساكِ ماتردى ولا نعثروا منك غير على كومة عظام وانسويلك قبر ونكتب عليه شهيدة لسانها الطِويل. 
عاد هلال للقبيلة وربط حصانه وجلس عند البئر بجوار بعض الشباب وشاركهم الحديث، وبعد قليل رأوها قادمة من بعيد على صهوة الحصان فأردف أحدهم:

- يااااخ دقاقه والعود مزامير تطرب الناظر.
فرد عليه آخر:
- لا وخياله بعد.. شوف شوف اشلون ثابته على الحصان متل ماتكون مولوده بيدها لجام! 
فقاطعم هلال قائلاً:
-  صكر خشمك انت وياه واتحشم هادول بنات عمنا، وبعدين لا دقاقه ولا خياله، هي وحده مهبوله ماتعرف الله وين حاططها. 
-والله مامهبول غيرك ياهليهل.. 
بس اعترف، البنت زوينه ولا انا اتوهم؟ ياخ أشوف بنيات القبيلة يموتون قهر من زينها والله. 
فرد عليه لينهي هذا الجدال:
- يايبه والله تذبح ذبح بس مايصير نتغزل، طمها بقلبك وصكر خشمك الرمال لها آذان. 

أما في خيمة عوالي، جلس قياتي بجانب أبيه يطمئن عليه، بالرغم من معرفته بأنه أصبح في مأمن الآن بين يدي عمته وسألها وهو يبتعد عنه حتى لا يستمع لما يقول:
- طمنيني ياعمتي كيف كان ليله؟ 

عزاالله عينه ماضاقت النوم ولا انقطع ونينه دقيقه.
- ياعمتي ماينام إلا البدن خالي لوجاع، وخوك كل جسمه يتوجع، ادعي له ربك يخفف ويرحم ويسترد امانته بلا عذاب. 
- عمت عيني عليك ياخوي، مامصدقة جه اليوم اللي نطلبولك الموت. 
- رحمه به ياعمتي مو كراهه، الله يخفف عنه ويرحمه دنيا وآخره انشالله. 
-انشالله يارب. 
أما عند يحيي في المشفى... 

-كا من .. ك. ك.. كا...
كانت حروف متقطعة ينطقها وهو ينظر لياسين بدموع منهمرة، ولا يكف عن محاولة الكلام مهما طلب منه الأطباء ذلك او حتي ياسين، فزفر ياسين بحنق وهدر به:
- ماخلاص يابابا الدكاتره بيقولوا بطل كلام وانا من الصبح بحاول اسكتك عشان العلاج ياخد مجراه، ليه اللي طالع عليك كا وكو، مالك عايز تقول إيه؟
- اخ.. اخ..
- اختي؟
هز راسه بصعوبة واكمل:
- كا.. كا..
- اختي كارمن مالها بقى.. لو عايزها هجيبهالك حاضر بس بتصل عليها تليفونها مقفول، اطمن عليك ونشوف الاشعات فيها إيه واروح اجيبهالك حاضر بس إهدى.
صمت وهو يحاول إلتقاط أنفاسه المختنقة وحتى هذه اللحظة لا يستوعب ماسمعه منها، أيعقل أن تفعل إبنته الصغيرة كل هذا! متى وكيف.. أغمض عينيه بتعب فرأي أخته مديحة أمامه تضحك بشماتة، صوت ضحكاتها العالية يكاد يصم أذنيه، فأخذ يهز رأسه يميناً ويساراً كي تصمت وتختفي، ولكن ماحدث انها توقغت عن الضحك وهمست له في أذنه:
كنت متأكده إن اليوم دا هييجي واللي عملته فيا هيتردلك، حاربتني عشان حبيت واتجوزت بالحلال وفرقتني عن حبيبي، لكن شوف القلم اتردلك اقوى وأشد ازاي،، بالحرام يايحيي، بنتك بتحمل بالحرام يايحيي، شوف بقى العار اللي على حق مش عار جوازي من إبن الساعي.. ودلوقتي انا مستنيه كارمن متخليهاش تتأخر عليا..

انهت كلماتها وعادت تضحك بنفس الطريقة وهي تتراجع للوراء وتختفي شيئاً فشيئ، وما كان من يحيي إلا أن زاد نحيبه وهو يعود لنطق إسمها بصعوبة، ومع زيادته بدأ ياسين يشك في الأمر، فأخرج هاتفه وحاول الإتصال بأخته كارمن مجدداً، ووجد الهاتف لت يزال مغلق، فهب واقفاً وترك المشفي وذهب للمنزل بحثاً عنها.. وعندما وجد المنزل فارغ وأبواب خزانتها مفتوحة وملابسها ملقاة بعشوائية عرف أنها هربت.. وأن حالة أبيه هي السبب فيها، ومثل هذا الوضع لا يبشر بالخير ومدعاة لكل شكوك الأرض أن تستوطن القلب والعقل، ويبدوا أن ماكان يخشاه قد حدث بالفعل.
وعلي الفور هاتف أحد رجاله وكلفه باخذ رجل آخر معه والبحث عن كارمن أخته وأخبره من أين يبدأ، وفور وجودها يقبض عليها ويأتي له بها على الفور، ثم عاد للمشفى مرة أخرى.

وماهي سوى سويعات وتم تشخيص حالة يحيي بجلطة دماغية، ومن بعدها اتاه إتصال يخبره بأن اخته تم العثور عليها في منزل إحدي صديقاتها وانها بحوزتهم، فأمرهم بالذهاب بها لمكان بعيد خالي من الكاميرات وأن يبلغوه به ينتظراه هناك. 

أما في سجن النساء.. 
إحدي المسجونات:
- انتي ياحجه اتاخري كده خديني فريحك عايزه اخد وادي معاكي في الكلام شويه وافكك بدال مانتي قامطه على نفسك كده. 
فريال:
- ابعدي عني ياست انتي انا مش ناقصاكي. 
- لا مش هبعد وهتحكيلي بالذوق أو بالعافيه بقي، انتي واختك ليه واخدين جنب من بعض.. وصحيح زي مااسمعنا انكم جايين في جريمة قتل؟ 
 صمتت فريال فضربتها السجينة على ذراعها تحثها على الإجابة فردت عليها فريال بإقتضاب:
-اه
- طيب مين دا اللي قتلتوه ولا قتلتوها ياقادرين وربنا مكملهاش معاكم بالستر وجابكم هنا؟ 
- إبني.. قتلنا إبني. 
صمتت السجينة وهي غير مصدقة لما سمعت، ونقلت عينيها بين فريال وفاطمه واردفت بتعجب:
- لا دا الظاهر القطه كلت عيالها ياولاد.. قتلتي إبنك ياوليه وخليتي اختك تساعدك؟ ولسه عايشه مموتيش من القهر والندم؟؟!
لا دانا هستنى اليوم اللي تطلوا فيه علينا بالأحمر بفارغ الصبر.. اوعي كده غوري دانتي مش بني آدمه.. سمعتوا يانسوان الوليه قتلت إبنها! 
وعلى الرغم من أن اغلب النزيلات مجرمات، إلا ان ماسمعوه جعلهم يشهقون بصدمة، لأنهم مهما بلغ بهم الجرم لا يصل لقتل فلذة الكبد بتاتاً. 

أما فاطمه فكانت تنظر لفريال في صمت، هي تورطت معها وكل ماحدث كانت تخدم به مصلحة فريال أولاً، ولكنها في النهاية أنكرت كل شيء وحملتها هي الجرم الكامل، وأصبحت تعلنها للجميع بأنها ساعدتها بقتل إبنها، وكانها كانت تقصد قتله أو اعطتها السم لهذا الغرض، وتعلم أنها لو إعترضت أو نطقت بحرف واحد فستكون بهذا أشعلت فتيل القنبلة التي ستنهي حياتها علي يد فريال؛ التي تريد أن تقتص لموت إبنها من أي أحد، وليس أمامها سواها الآن. 

وصل ياسين للمكان الذي اخبره به رجاله، وقام بأخذها من سيارتهم لسيارته، ونظراً لحالة الرعب التي كانت فيها ودموعها وإرتجافة جسدها عرف بأنه على مشارف صدمة. 
اغلق أبواب السيارة بعد ان صعد فيها واستدار بجزعه نحو كارمن وهمس لها بفحيح أفعى مراوغه:
- ابوكي قالي علي كل حاجه وانا دلوقتي عايزك تحكيلي كل حاجه وبصراحة. 
إبتلعت غصتها وتحت تهديد عينيه المشتعلتين بدأت في سرد كل ماحدث من البداية للنهاية وعند إنتهائها نطقت الشهادتين في سرها وهي تراه ينظر لبطنها وهو غير مصدق لما سمعه منها، وبعد دقائق من صمته المطبق وأنفاسها المتلاحقة نظر أمامه ثم انطق بالسيارة على اقصى سرعة، فعلمت كارمن أنه مسرع بها نحو نهايتها، فإحتضنت حقيبتها وبدأت تبكي بصوت عالي وهي تنادي على أمها أن تأتي وتنقذها، وكلما ذكرت أمها ذاد غضب ياسين وزادت سرعته.

إلي أن وصل بها لمصنع مهجور بعيداً عن العمران، ونزل من السيارة وأنزلها منها عنوة وادخلها المصنع وهي تتشبث بأي شيئ في طريقها وتحاول الهروب، وما أن اصبحا داخل المصنع حتى ضربها علي رأسها بقبضة يده افقدها توازنها؛ فسقطت أرضاً وجلس فوق بطنها وطوق رقبتها بكلتا يديه وبدأ في قطع الهواء عنها وخنقها، ولم يتركها إلا بعد أن تأكد أنها فارقت الحياة.

تلفت حوله وسحبها وقام بوضعها في حوض كبير فارغ ووضع فوقها كل شيء طالته يده وإستطاع حمله حتى غطاها تماماً، ثم خلل أصابعه في شعره وهندم ملابسه وذهب لسيارته ركبها وغادر المكان كأن لم يفعل شيئ.
وذهب رأساً للمحامي المتولي قضية أمه وطلب أن يجلب له تصريح لزيارتها في موعد الزيارة القادم، ولحسن حظه كانت الزيارة في اليوم التالي، فعاد للمنزل وإستلقى على الأريكة بعد يومه الشاق هذا وأغمض عينيه وهرب بالنوم من العالم.

أما فى القبيلة..
كانت تغزل الصوف في الزاوية المقابلة له من الخيمة، وتنظر إليه بين الفينة والفينة وتطمئن أنه لازال على قيد الحياة من انفاسه وإرتفاع صدره وهبوطه، وفي إحدي المرات نظرت للمغزل واعادت النظر إليه فرأت أن صدره ساكن لا يتحرك، رمت المغزل وزحفت علي الرمال حتى وصلت إليه، وضعت يدها على صدره وإقتربت من فمه تسمع صوت أنفاسه، ونظرت لمايزه وقد تلألأ الدمع في عينيها وأردفت بحزن بالغ:
- فارق يامايزه، راح وخلاني بروحي من بعده وانا اللي دعيت يعيش لحين يدفني بيده ويعززني وانا اللي مالي ولد ولا سند غيره.. راح حزام ضهري راااااااح..

لتصرخ مايزه باعلى طبقات صوتها:
واااااااك عليعليك واااااااااك ياشيخ ماجابتك لبطون الولادة، واااااك ياشيخنا وااااااك.

وبعدها خرجت من الخيمة وبدأت في حمل التراب من الأرض ووضعه فوق رأسها، وعلي صوتها تجمعت القبيلة كلها وتعالت الأصوات بالصراخ وارتجفت القلوب ونزفت حزناً علي فقيد القلوب.. أعظم من جادت به القبيلة منذ نشأتها..

أما عوالي فإحتضنته وأسندت رأسها علي صدره وأخذت تهمس بصوت مختنق:

يـا عين هلي الدمــع يـا عيـن هلـيــه 
لا تبخلـي بالدمـع في شخص غـالــي
لا مـا بكيتي اليـوم على اللي فقدتيــه 
مـا أظـن غيـره ينفقـد في الرجـالـي
راح الأخـو والصـاحب اللي مخاويـــه 
مـات الصديـق اليـوم وافي الخصالـي
الحين ينزلونه القبر وترابـه يغطيــه 
وفـارق حـيـاة أخـرتـهــا زوالــي
أبكي عليـه و من يـعـرفـه بـيبكـيـه 
وحزنـي عليـه أيهـد عـالـي الجبالـي
مـات الصديـق اللي نحبـه ونغـليــه 
راع الوفـاء والطيـب زيـن الفعـالــي
يا ما فـزع من دون ما أحـد ينـاديــه
ذخـر الرفيـق أليـا بلـتـه الليـالــي
مـا صـك بـابـه دون من جـاه ناصيـه 
يسعـى معـه بالـروح و يا الحـلالــي
قبلـه فـقـدنـا مـن نـحبـه ونبغـيـه 
لكن مـوت خوي هو اللي اثــر بحــالــي

تعليقات