رواية عامر الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم داليا السيد

رواية عامر الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم داليا السيد

 
ماذا بعد انتهاء الرغبة؟
النور ضرب عيونها ليداعب جفونها الناعسة ففتحتها، نهار مشمس يخترق نافذة زجاجية تحتل جدار كامل، خزانة كبيرة تواجها، أين هي؟ 
اعتدلت بالفراش وشهقت! عارية، ما الذي..؟ 
وانقشع النعاس جاذبا معه الوعي والذاكرة عادت، الفستان الأبيض ملقى على مقعد بمنتصف الغرفة بعناية وملابس رجولية تعرفها على المقعد الآخر بنظام، الأغطية انجذبت معها لأعلى لتغطي جسدها بلا وعي منها، نعم كانت زوجته أمام الله ثم كانت له بفراشه
انفتح باب جانبي ورأته يخرج ويلف رأسه بمنشفة يجفف بها وجهه وشعره وأخرى تلتف حول خصره النحيل، لا لن تخفي وجهها لقد عرفت ذلك الجسد، لمسته، شعرت به يلمسها يسكن فوقها، كان لها نعم لها هي وحدها ارتفع شيء داخلها، شعور رائع من التملك
عندما جذب المنشفة عن وجهه واجه وجهها المحاط بشعر بني قاتم فوضوي من أصابعه، شفاه تورمت منه هو أيضا، عيون رأى بها نظرة عرفها بالليل يا له من شعور بالإشباع ذلك الذي شعر به معها ومع ذلك أرادها مرة أخرى ولا يظن أنه سيكتفي منها أبدا
ابتسم وقال "صباح الخير، تبدين متعبة لكن جميلة" 
ليس من السهل تقبل الاستيقاظ على وجود رجل بغرفة واحدة وهي عارية بالفراش، حتى ولو كانت بالليل له واضحة وضوح الشمس
خرج صوتها بنبرة متوترة "لا، لست متعبة، فقط" 
بلحظة كان بجوارها على الفراش صدره العاري يواجها ونظراتها اندفنت به، شعره المبلل تناثر على جبينه بدا رائعا حقا، رفع شعرها المبعثر ودفعه للخلف وجذب وجهها له وقبلها 
تأوهت ونست ما كانت تشعر به، بلحظة نست كل المخاوف واستعادت بقبلته ثقتها بنفسها وشعرت بسعادة لأنه ما زال هنا ومعها ويريدها، هذا الرجل يقتلها حقا، أبعدها وهمس "أنتِ رائعة يا امرأة، سأمنحك حتى الغداء راحة وبعدها لن تكوني سوى بين ذراعي" 
رددت دون فهم "راحة!؟" 
ضحك وقبلها برقة وقال "لابد من وجود ألم صغيرتي بعد المرة الأولى، هيا لقد أعددت لكِ حمام دافئ سيمنحك الراحة وسأطلب الإفطار" 
توقف وانتظرها تنهض ولكنها تمسكت بالغطاء فضحك مرة أخرى وانحنى عليها وهو يقول "أنا حفظت هذا الجسد إنش، إنش ومع ذلك الخجل شيء يثير الرغبة أكثر، سأذهب لطلب الطعام جميلتي"
نهضت تاركة خلفها صك عذريتها، البقعة الحمراء وعندما عاد للغرفة لارتداء ملابسه رآها وتوقف أمامها ثم ابتسم والفخر يملأه لأنها كانت امرأته وهو رجلها الأول والأخير، هو من نالها لتصبح له ووضع بصمته عليها، استدار لينتقي سروال وتوقفت يده وهو يفكر مرة أخرى ويسأل، وماذا؟ ماذا عندما ترحل الرغبة هل سيقول شكرا أنا انتهيت إلى اللقاء؟ ضرب قلبه بقوة داخل صدره وكأنها دقات إنذار وسقطت يداه بجواره، هو لم ينتهي بعد، ما زال يريدها ولولا مرتها الأولى لأخذها مرات لا حصر لها يكفي أن ينظر لعيونها البريئة حتى يكتسحها، هو لم يشبع منها بعد ولا يريد أن يعرف متى سيشبع
الباب دق فارتدى السروال واستقبل الطعام، مبلغ مالي جيد للرجل وذهب
عاد للغرفة وانتقى تي شيرت والتفت ليرى نفس البقعة، دليل إخلاصها وصدقها، براءتها التي أخذها 
"عامر" 
اسمه كان كالريح الخفيفة الرطبة بنهار حار تفتح الصدر وتملؤه بالانتعاش، لف رأسه لها وبدت، بدت تحفة نادرة الجمال لا يمكن لسواه أن يمتلكها، خصلات مجعدة تتساقط على أكتاف عارية مبللة من شعرها، المنشفة التفت حول صدرها النابض بالحيوية، ساقاها البيضاء تضيء تحت المنشفة وأرادها، نعم أرادها ولتذهب الراحة لأي جهنم 
لفها بذراع وقبلها بقوة ويده الأخرى تعبث بشعرها النادي بين أصابعه استجابت له وارتفعت على أصابعها لتعانقه بنفس الرغبة همس على فمها "أريدك ليل، لا أستطيع الانتظار" 
ولا تعرف إلا أنها همست "وفيما انتظارك؟" 
وجذبت وجهه لها وقبلته وتولى السيطرة بدلا منها حتى حملها وعاد للفراش ولا يعلم متى سيخرج منه ولا متى سيمكنه رفع يده عنها.. 
اليوم كله كان بالفراش حتى الطعام كان به، كانت طائعة تعطي بلا حدود، بعد الغداء ناما بين ذراعي بعضهم البعض وعندما شعرت بدغدغة على كتفها فتحت عيونها لتشعر بقبلاته على بشرتها الناعمة 
كان الفجر تقريبا وللحق لم يكن أيا منهم يهتم بالوقت، عندما جذبها على صدره وسمعت دقات قلبه قال "تلك الحياة لم أعرفها ليل" 
رفعت وجهها له ولكن عيونه كانت بعيدة وقالت "لا نساء؟" 
هبطت عيونه عليها وقال "واحدة بالكلية، مراهقة ككل شاب يريد الفخر بأن له علاقة لكن بمجرد التخرج كان لابد من إيجاد الطريق للحياة وهي رفضت الانتظار فعرفت أن رجل ظهر من المجهول وخطبها"
مررت أصابعها على عضلاته الواضحة وقالت "علاقات عابرة؟" 
ضحك وربما هي من المرات النادرة التي يضحك فيها ثم قال "لا، لم أكن لأفعل، لا مجال لأشياء مخالفة بمعنى حرام وبصراحة لم يكن هناك وقت لعلاقات تفقد التركيز وتسيء للسمعة"
لم ترد فرفع وجهها له بإصبعه فالتقى بعيونها وقال "لم أرد امرأة من قبل، لم تستهويني تلك الأمور لكن معك كان الأمر مختلف، أردتك منذ أول لحظة وعرفت أن لا مجال للحصول عليكِ سوى بالطريقة الصحيحة، الزواج"
قلبها اندفع يدق بقوة وأسئلة تتهاوى عليها؛ وماذا بعد الرغبة؟ ظلت تواجه نظراته ثم قالت "أنا لا أعرف كيف حدث كل ذلك؟ أكاد لا أصدق أن بيومين وليلة أصبحت زوجتك، أخشى أنك لست بوعيك وعندما تستعيد وعيك تركلني خارج حياتك ووقتها أنا لا أعرف كيف يمكنني العودة للحياة بدونك؟" 
للحظة ظل صامتا، نفس السؤال ولكن بصيغة أخرى وماذا بعد الرغبة؟ هذا زواج أيها الأحمق، أخذتها ونلت عذريتها ولكنك لم تفكر بالغد
عندما لمعت عيونها بدمعة شريدة استعاد نفسه فوضعها على الفراش وارتفع فوقها وقال بجدية "أنا بكامل وعيي ليل، أدرك تماما ما فعلت، أردتك وتزوجتك ولن يوقفني شيء عنكِ ولن تعودي للدنيا بدوني لأني لن أسمح لكِ بذلك، أنتِ لي ولي أنا فقط" 
وأكد على كلماته بقبلة قوية أوقفت كل مخاوفها وهي تلف يدها حول عنقه وبلحظة كان يعيد ما كان لأن بمجرد أن يلمسها الرغبة تصرخ من كل شبر بجسده وهي، هي الجمال النابض والمشبع لكل ما يريده ويداها أصبحت تعرف أين تذهب وشفتاها ترتجف له وتطالب بالمزيد مما منحه شعور بالامتلاء والسعادة 
بالصباح كانا يدخلان قرية جديدة وبلا أي إزعاج كان لهما مكان خاص بعيد عن أي عيون، بالمياه جذبها له ولف جسدها الملتف بالمايوه الأبيض ليزيده إثاره من جمالها، شعرها كان يلفها أينما ذهبت
ضحكت عندما قذفها بالمياه ثم تلقاها بين ذراعيه وهي تبعد شعرها والمياه عن وجهها وهتفت "هذا رائع عامر، البحر لا مثيل له" 
كان هناك بعض الأجانب حولهم وعائلات مصرية أيضا لذا تصرفاته كانت حريصة، ابتسم ولمعت خصلاته تحت ضوء الشمس وقال "صوت ضحكتك أجمل" 
وقربها اكثر وهي تلف يدها حول عنقه وهمس "ونطق اسمي وأنتِ معي بالفراش هو الأجمل وأكثر ما أريده" 
احمر وجهها ولم تنظر له فناداها لترفع له وجهها فقال "لا مجال للخروج من الفراش هذا جنون فأنا أريدك الآن" 
ضحكت مرة أخرى ثم توقفت وقالت وهي تداعب شعره المبلل "بالنهاية ستمل مني وتعود الحياة لطبيعتها، لديك الكثير سواي"
يده اعتصرت خصرها وعيونه طالبت بالتراجع عن كلماتها وهو يقول بجدية "هذا الكثير لم يوقفني عن أن أتركه وأكون معكِ، متى ستصدقين أني لا أريد سواكِ؟"
كانت كلماته تسعدها وتمنح قلبها السكينة لكن ما زال هناك الكثير مما لا تعرفه والقدر فقط يعرفه وقدرها كان جيد بوقت ما حتى انقلب عليها وأسقط لعنته على حياتها
قالت بلا معاني بعيونها "أصدقك عامر لأني أيضا لا أريد سواك"
ابتسم وشعر بصدق كلماتها، تناولا الغداء تحت المظلة الخشبية والحلويات والبيرة الخاصة به، هي الشيء الوحيد الذي لم تستطع هدى منعه هو أو أخوته عنه
بعد الغروب عادا لجناحهم وما أن أغلق الباب حتى جردها من ملابسها ولفها بذراعيه وفمه يطالب بفمها وهي أبدا لم تمانع بل لم تقل عنه رغبة به 
الحمام كان مختلف معه، دلك لها جسدها بالصابون وكل لمسة منه كانت تعرف مكانها ويعرف ماذا يفعل بها وكم مرة تأوهت وهمست باسمه وهو يجيب بقبلة حتى تبادلوا الأدوار ولكنه لم يتحمل لمساتها الرقيقة فأخذها تحت المياه وهي كانت ترحل معه لعالمه، لعالمهم، السعادة، العشق الرغبة، وأحيانا لا مسمى حتى الآن لم ينبض داخل كلا منهما
الصباح يأتي بسرعة لأن الليل يكون بين ذراعيه دون اكتفاء، فتحت عيونها لتراه يتحرك كالعادة خارجا من الحمام بالمنشفة حول خصره، كانت تحب رؤيته هكذا، جسده، عضلاته، قوته، جاذبيته، وتبتسم عندما تدرك أن كل هذا لها هي وحدها
التفت بالغطاء دون أن تنهض وقالت "أنت رجل نشيط" 
ابتسم لها ولاحظت أن هاتفه ظهر بيده، يومان لم تراه، سمعته يقول وهو ينظر بالهاتف "عادة لم تتوقف منذ الصغر، جائعة؟" 
ظلت تتابعه وهو يعبث بالهاتف وعندما نظر لصمتها قالت "عمل؟" 
لم تتبدل ملامحه وهو يجيب حمزة برسالة مختصرة لا تمنح شيء سوى أنه بإجازة ولا يعلم لماذا لا يخبرهم بزواجه؟ أليس هذا هو الطبيعي؟ أن يأخذها لعائلته ويقدمها لهم ويخبرهم أنه كان مجنون بما يكفي ليتزوجها دون انتظار؟ ولكنه لم يفعل ولا يعرف ما السبب 
صوتها القريب جعله يرفع وجهه ليراها أمامه تلتف بالغطاء الأبيض وكما يفضلها بشعرها الفوضوي وفمها الممتلئ يقول "هل حان وقت النهاية؟" 
كانت تنظر له بتلك النظرة التي لا يجد بها أي شيء، فارغة أو مظلمة، ظلام يخفي ما تريد إخفاؤه، ليل، ليل مظلم كما هو اسمها وكما كان هو، يخفي ما يريد، لم يخبرها عن إخوته ولا عار والده، لم يحكي عن والدته وكم يحبونها ويحترموها وقبلوا طلبها باستمرار علاقتهم برفيق من أجلها، لم يخبرها أي شيء وهي لم تسأل وهو لا يريد أن يجيب، فقط يريدها هي، تلك الرغبة لا تنتهي، لا تتوقف وحتى تنتهي سيظل معها ولا يهم الباقي وهي بالمثل لم يعرف عنها أي شيء ولا هي أخبرته لم يهتم وهي لم تفكر كل ما كان يشغلهم هو تلك العلاقة التي تنتهي بالفراش وتلك النيران التي لا تنطفئ إلا وهما معا
سقطت يده بالهاتف بجانبه وقال "أي نهاية صغيرتي؟" 
عندما يناديها هكذا تدرك أنه ما زال لها لذا تجنبت السيء وقالت "نهاية العسل والعودة للعمل" 
جذبها له ودفع أصابعه بخصلاتها الشائكة وجذبها منه ليرفع وجهها له وقال "العمل يسقط مهزوما أمام جاذبيتك أيتها الفاتنة، أنا لم أنتهي منكِ بعد ما زلت أرغب بالكثير"
كانت يداها تعبث على صدره وهو يدرك كل لمسة من لمساتها وما تفعلها به وقالت برقة "بالكثير من ماذا أيها الوسيم؟" 
قبلته توقف أي كلمات وهي تستجيب، جسدها يستجيب، قلبها يستجيب، كل شيء بداخلها له هو فقط، أبعدها قليلا وهمس "الكثير منكِ"
وحملها ليعود بها للفراش، نفس الرغبة التي لا تتوقف ولا تنتهي ولا يعلم أيا منهم متى ستكون النهاية لتسدل الستائر وتعلو كلمة النهاية وتعلو التصفيقات على نهاية الخيال.. 

الفصل السادس
عودة
خمسة أيام رحلت دون أن يدري أيا منهم كيف ومتى، فقط تلك الرسائل التي فتحها أخيرا وهي نائمة بعد ليل طويل بين ذراعيه جعله يعود للعمل
اجتماعات فائتة، طلبات تحتاج رأيه، رسائل من إخوته يسألون عنه، صفقة كان يتعقبها منذ شهر أصبحت بمتناول اليد وعليه العودة لمكتبه بالقاهرة كي يمكنه وضع الشروط والخطط كما اعتاد ورأي إخوته بالطبع لم يعد هناك مفر من العودة
حك جبينه بعد أن اكتشف أن الساعات مرت وهو منكب على الجهاز فقط يداها التي مسدت عنقه برقه جعلته يستعيد نفسه ويعود لها
طبعت قبلة على وجنته الخشنة وهو يبعد جهازه وهي تقول "أنت لم تنم" 
جلست بحضنه فلفها بذراعه وقبلها وهي تبدو كما يحبها، حارة ومثيرة بقميصها المثير الذي ارتدته بالأمس وكان إعلان عن ليلة مشتعلة بالإثارة، القبلة كانت طويلة وتنهدت بين شفتيه فأثارته وهمست 
"ماذا بك؟" 
مرر يده بشعرها وتجول على وجهها وقال "هناك الكثير مما فاتني بالأيام السابقة ليل" 
لم تتبدل ملامحها فهي كانت تنتظر تلك اللحظة ولم تتوقف عن لمستها على وجنته التي انتشرت شعيراته عليها وعلى شفتيه وقالت "و؟" 
تعمقت أنفاسه من لمساتها ووجودها بين أحضانه واستجاب جسده لها فهمس "ليس الآن" 
وأخذها وهو يلقي بكل شيء خلفه، هي الآن وبعدها أي شيء، لن يفكر طالما هي بين ذراعيه هناك الكثير مما يتطلب وجوده وعليه التفكير بطريقة أفضل، ما يفعله معها هنا كزوج وزوجة يمكن أن يستمر بأي مكان آخر فلماذا لا يعود القاهرة وهي معه؟ فيلا جديدة بمكان هادئ وهي بها تنتظره كل ليلة بعد يوم عمل شاق ليشبع رغبته بها سيكون هو كل ما يريده وهو الحل الأمثل
عندما خرجت من الحمام كان قد ارتدى ملابسه الرسمية كما أطلقت عليها ويتحدث بالهاتف ويبدو بقمة الجاذبية، لم تلقي اهتمام لم يقول وجففت شعرها وروب الحمام يلفها، مشطت شعرها حتى انتهى وتحرك خلفها وقال 
"ربما نعود القاهرة اليوم ليل" 
ظلت تنظر له بالمرآة ثم التفتت ولا تعلم هل تسأل عن ماذا بعد ذلك أم أن عليه هو أن يشرح وهو نطق بالفعل "لدي بيت سيكون لنا، أعلم أن الوقت هنا لم يكن كافي لكن العمل ينادي وبقوة" 
حاولت أن تبتسم، تسال، تسمع أجوبة لكن لم تعرف كيف تفعل، الخوف كان شريكها، خافت من أنها لو سألت تسمع شيء يخيفها أو ينهي سعادتها، أو ربما لأنها صغيرة بلا خبرة فهذا أوقف تفكيرها وأفقدها الصواب فقط هي تريد أن تكون معه وهذا ما قاله، على الأقل لم يتركها هنا خلفه بل يأخذها معه ولم يتنازل عن وجودها بحياته وربما هذا يكفيها الآن
هزت رأسها وقالت "سأكون جاهزة بأسرع وقت"
وضع قبلة رقيقة على شفتيها وهو يشعر بالراحة لأنها لم تعترض أو تسأل عن أي شيء فتركها لتفعل ما قالت وهي تركت قلبها يربت عليها بكلمات معسولة لكن عقلها كان يخبرها ألا تتحرك للمجهول وأن عليها أن تعرف ولكنها لم تسمع
استأجر طائرة خاصة كما فعل عندما وصل هنا وسيارة أجرة من المطار حتى تلك المدينة السكنية الجديدة والبعيدة عن العاصمة الصاخبة، بل بعيدة عن من يعرفه، توقف السائق أمام فيلا مطابقة لكل الفيلات المحيطة، المكان كان هادئ جدا وبدا فخم أكثر مما عرفت هكذا هو عامر دويدار يحب كل ما هو فخم وأنيق ويتناسب مع مكانته المعروفة
حمل هو الحقائب وهي تحركت بجواره، المفتاح كان بالمكان الذي أخبره به السمسار الذي تحدث معه بالهاتف، الفيلا كانت رائعة، صغيرة لا تماثل قصره الأصلي الذي يقيم به بالمدينة ولا طاقم الخدم الذين يعملون لديه وكأنه ملك متوج ولكنها جديدة وكاملة
تأمل المكان مثلما فعلت هي ورأت نظراته فقالت "ليست بيتك، تبدو جديدة" 
لم ينظر لها، لم يستطع أخذها لبيته ليعرف الجميع بزواجه، ليس الآن لم يستعد بعد، تحرك للمطبخ الأمريكي وأخذ زجاجة ماء من الثلاجة الكبيرة وقال "نعم، زوجة جديدة وبيت جديد هذا كيف تسير الأمور، سنحتاج لطلبات كثيرة لا يوجد شيء بالثلاجة" 
تحركت تجاهه حتى توقفت أمامه وقالت "هل بك شيء؟" 
حدق بوجهها الشاحب وأدرك القلق الذي بعيونها فلمس وجنتها وقال "هناك الكثير بالعمل يشغلني صغيرتي وتركك أيضا يؤرقني هذا هو كل شيء"
وجذب وجهها له وقبلها حتى ارتجفت بين يديه فأبعدها وقال "سأرسل من يهتم بالطلبات، قد أتأخر بالليل، لا تنتظريني" 
قبلها بسرعة وتحرك للخارج دون كلمات أخرى وبرحيله عرفت أن هناك شيء تغير وربما هذا هو الواقع والحلم رحل وانتهى
العمل سقط عليه كالسيول بشتاء عاصف لا مفر منه، مكالمات إخوته لم تتوقف ونفس السؤال، أين اختفيت؟ مع من؟ ولكن لا إجابة سوى أجازه وكان عليه أن يعرف كل ما فاته حتى مشاكل إخوته قبل العمل
الليلة الخميس، اجتماع إخوته، ولكن بالطبع لم يستطع، الرحيل للإسكندرية والعمل يغرقه كان صعب، الاجتماعات توالت دون توقف وتقريبا نسى صغيرته بزحمة العمل وهي حاولت أن تشغل نفسها بالبيت وإفراغ حقيبتها لأن حقيبته كانت صغيرة ولا تحمل الكثير 
رجل ما وصل بالكثير من الطعام والخزين ونقل كل شيء للداخل ورحل لذا أمضت وقت طويل بتنظيم المطبخ وطهت طعام للعشاء ربما عاد ولكن عندما دقت الثانية عشر أدركت أنه لن يفعل، تناولت بعض الطعام وأخذت حمام ورحلت للفراش ولكنها لم تنم، لم تكن أحلام بل كوابيس بالواقع، أفكار لا تنتهي لذا تركت غرفتها ونزلت مرة أخرى وجلست تشاهد التلفاز على الأريكة ثم سقطت بالنوم
هدى هاتفته بالطبع وهو كان يفعل حتى وهو مع زوجته لكنه لم يخبرها بشيء، أرادت رؤيته ولكنه اعتذر لانشغاله، كانت السابعة صباحا عندما أدرك أنه نام على الأريكة بالمكتب كما كان يفعل دائما، انتفض وهو يذكر أنه تركها وحدها ولم يخاطبها حتى مرة واحدة
عندما نهض لمكتبه وحالته مبعثرة جذب الهاتف ولكنه توقف، ليس لديه رقم ليتصل به، هو لم يرى معها هاتف ولا مرة، بل لم يسألها عن واحد
رفع شعره بأصابعه وهتف بغضب "غبي، كيف ذلك؟" 
تحرك لحمامه الخاص واغتسل وبدل قميصه وأعاد ربطة عنقه وارتدى جاكته وخرج، جذب الهاتف وقرر الذهاب عندما رن هاتفه باسم ساهر ولم يفكر وهو يجيب بقلق 
"ساهر أليس الوقت مبكرا للاتصال؟" 
أجاب أخيه "نعم ولكن أتمنى أن تكون قد عدت، القرية الجديدة بها مشاكل، أريدك هنا عامر، أنا هنا منذ أمس والحلول لا تتوافر، الأمر لا يحتمل التأخير" 
عاد يدفع شعره بيده، أن يطلبه ساهر بهذا الوقت فهذا يعني أن الأمر صعب خاصة بعد غيابه السابق، بالطبع لن يترك أخيه فقال "أرسل لي الموقع"
الساحل الشمالي والآن كان أمر مروع وهو يفكر بها ولا مجال للاتصال مما أزعجه بدرجة لا حدود لها، كان بإمكانه التصرف ولكنه تراجع لأنه لا يريد انكشاف أمرها الآن
كانت بعد الظهيرة عندما وصل الساحل وبالطبع مشاكل ومفاوضات وجدال استمر النهار كله حتى دق الصداع برأسه فاقترب منه ساهر وقال 
"لا تبدو بخير ولم تحضر اجتماعنا واختفيت تلك الأيام دون خبر، ماذا حدث؟" 
لم ينظر لساهر وهو يقول "لا شيء، ليس من الصعب الحصول على عدة أيام اجازة أليس كذلك؟" 
ظل ساهر صامتا فالتفت له والتقى بنظراته التي فهمها بالطبع وساهر منحه ما يريد أن يسمعه "أعلم أن كلا منا استقل بحياته بسبب ما كان وكلا منا لديه أسراره الخاصة ولكن"
قاطعه بهدوء "ولكن ليس هناك ما يجعلك تقلق ساهر، أنا بخير فقط متعب، وصلت بالأمس ولم أتوقف عن العمل من وقتها ولم أنم ثم سفر إلى هنا ومفاوضات وجدال ألا تجد أن ذلك كافي ليصرعني أخي؟" 
ابتسم ساهر والراحة ارتفعت لوجهه فملامح عامر الهادئة كانت مقنعة فقال "معك حق، أنا فقط قلق من أجلك"
ربت على كتف أخيه وقال "لا 
تفعل أنا بخير، هل نعود؟ الليل هبط وما زال طريق العودة طويل"
عادت الجدية لساهر وقال "يمكنك البقاء معي الليلة، هناك شاليه خاص لي وأنا باقي" 
ولكنه لن يتحمل تركها ليلة أخرى وحدها دون أن يعرف عنها شيء لذا قال "لا، لدي مقابلة هامة بالصباح ولابد أن أنال بعض الراحة قبلها، أنا ذاهب"
ضوء سقط على عيونها جعلها تجفل وتضغط عيونها قبل أن تفتحها لتراه يتحرك تجاهها وهي تعتدل على الأريكة وهتفت "عامر"
جلس بجوارها وهو يرى الخوف بعيونها فدفع شعرها للخلف وقال "لماذا تنامين هنا؟"
كانت غاضبة، حزينة، فقدت الأمل بعودته وربما ظنت الكثير وعيونها دمعت وهي تقول "لم أستطع النوم وحدي بالأعلى" 
تألم قلبه بسبب كلماتها فجذبها له ولفها بذراعيه وهمس "آسف صغيرتي، لم أكن أنوي تركك كل ذلك وحدك" 
لم ترد فأبعدها ليرى دموعها فأحاط وجهها بيده وفزع وقال "تبكين ليل؟ لماذا؟" 
ظلت تنظر له وكادت تخبره أنها ظنت أنه لن يعود وأنه انتهى منها ولكنها توقفت وقالت "لا شيء فقط سعيدة بعودتك، هل تناولت أي طعام؟" 
مسح دموعها براحته وربما لا يريد أن يسمع منها كلمات تزيد من إحساسه بالتقصير تجاها فقال "ليس الآن لدي ما هو أهم"
وجذب وجهها له بقبلة طويلة قبل أن يحمل صغيرته بين ذراعيه كي يستعيد هدوئه الذي فقده بغيابها عنه وهي تراجعت عن كلمات اللوم والعتاب من تركه لها وحدها بأول ليلة لها بهذا المكان المهم أنه هنا الآن ومعها
استمر الأمر بالأيام التالية يتركها بالأيام ثم يعود جائع لها ولذراعيها ولكنها كانت جائعة لأشياء أخرى، جائعة لوجوده معها بدلا من الوحدة التي قتلتها يوما وراء الآخر، جائعة للإجابة على أسئلة كثيرة، إلى متى ستظل بالخفاء؟ هل يظن أنها لا تفهم أنه يخفيها هنا بعيدا عن العيون؟ تعلم أنه لن يواجه العالم بعاملة غرف ويخبرهم أنها زوجته 
ضحكت ساخرة من الأمر، الملياردير يتزوج عاملة غرف يا لها من فضيحة هو لن يسقط بها أبدا لذا هو يخفيها هنا، زوجة بالسر خلف الكواليس فقط لمتعته الخاصة ولا معنى آخر لوجودها بحياته وستظل هنا مع العاملين الذين لا وجود لهم، ليست البطلة ولن تخرج لتحية الجماهير وهي لا ترغب بأي جماهير ولكنها تخشى فقط لو أدرك أن الجماهير أهم ولابد من التخلص من التفاهات وهي منهم
لابد أن تسأل، تتناقش لأنه سيأتي وقت وسيكون هناك ألم من الواقع، هي تدرك ذلك ولكنها لم تملك الشجاعة لتواجهه وتناقشه ولا تعلم متى ستفعل؟ 
كان لابد أن يحضر اجتماع إخوته، لهم شهر لم يجتمعوا كلهم بسبب العمل والانشغال فاضطر للرحيل للإسكندرية وما أن وصل حتى أدرك أنه الأخير
رحبوا به بحرارة وتبادلوا المناقشات والبيتزا والبيرة بمرح حتى بدأ المرح بينهم كالعادة عندما قال جاسم "لقد توقف المرغني عن مناوراته هل سنصطدم به مرة أخرى؟"
تناول حمزة البيرة وقال وهو يتمدد على الأريكة "لا، القائد كان واضح منذ القدم، ساهر ما أخبار مرحك؟ تلك المرأة التي كنت معها الاسبوع الماضي تبرق كالنجوم"
تحرك ساهر وجلس على المقعد الفارغ وقال "القرية الجديدة أخذت وقتي مؤخرا ومادي لا تحب أن تبقى وحيدة لذا انتقلت لمحطة أخرى"
قال عامر بلا مزاج للمرح "كما هو أنت، لا أعلم متى ستتوقف"
ابتسم ساهر وقال "عندما تتوقف أنفاسي يا أخي، النساء هم الهواء اللازم للحياة والفاكهة التي تحلي الأيام"
رمقه عامر بنظرة عتاب وهو يقول "تزوج إذن لتصبح فاكهتك معك بكل الأوقات"
ضحك ساهر بقوة وابتسم جاسم بينما قال حمزة بجديته المعهودة "أنت من يتحدث عن الزواج عامر؟ تعلم أن كلنا ضد ذلك الأمر، لا نساء، لا أطفال"
هتف ساهر بمرح "لا قيود"
تناول البيرة بطريقة عصبية، جميعهم كانوا متفقين على أن الزواج عدوهم الأول فماذا لو عرفوا أنه هو من خرق القاعدة وانجرف بطريق امرأة سلبته عقله بلحظة جنون وتخطى كل القواعد والحواجز وتزوج؟ 
لم ينتبه لباقي الحوار إلا عندما قال ساهر "بمناسبة الزواج والنساء وقواعدنا العامة هل تذكرون أن ماما تعد لحفل كبير آخر الاسبوع؟ تقريبا تعد لاختيار عروسة لك عامر، كانت تتحدث عن أسرة معروفة هل تظن أنك ستخضع تلك المرة؟" 
ارتفعت عيونه وقد تذكر الأمر بينما قال جاسم "عامر لا يحب إغضاب ماما، ولا أظن أن من اللائق رفض عروسة من أسرة جيدة أنت بالسادسة والثلاثين يا رجل" 
شعر بالهواء يتركه فنهض وتحرك ليبعد زجاجته الفارغة وحصل على أخرى تناول جزء منها وحمزة يقول "ليس بالضرورة أن تكون من عائلة غنية المهم تليق بنا" 
كان يسمع دون إجابة، ساهر عاد يقول "لابد أن يفعل وإلا انهارت هدى لو تجاوز أحدنا المسموح خاصة أنت يا كبير"
ضحك الرجال وظل هو صامتا وعاد للبيرة بينما نهض له جاسم وهو دائما الأقرب ربما لأنه بعده بالترتيب وقال "وماذا؟ هل تفكر بالأمر أم السكوت علامة الرضا؟"
رمق أخيه بنظرة حادة وقال "تعلم رأي بالزواج جاسم، ليست لي أي رغبة بالنساء حتى ولو كنت بالسادسة والثلاثين" 
هتف ساهر "لا تتحدث هكذا حتى لا نرحل بأفكارنا لبعيد أخي"
ضحكوا مرة أخرى فالتفت له عامر بغضب ورفض أخذ الأمر بمرح كما اعتادوا وقال "من الأفضل ألا تفعل ساهر فأنا رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى"
تجمدت الضحكات على أفواههم لرؤية ملامحه الغاضبة وتحرك حمزة أمامه وقال "هاي، ماذا بك يا رجل؟ إنه يمزح" 
ترك زجاجة البيرة على المكتب القديم بقوة، لم يعد لديه متسع للمزاح خاصة بذلك الأمر، سره أصبح يثقل صدره خاصة وهو لم يخفي شيئا عنهم من قبل لكن ماذا لو عرفوا أنه خرق القاعدة بل واختار عاملة غرف لا أصل لها ولا فصل؟ 
لم تلين ملامحه من كلمات جاسم وجذب جاكته وقال بغضب "وأنا متعب، طابت ليلتكم"
وتحرك خارجا ونظراتهم تتابعه بحيرة وتساؤل ولم يجرؤ أحد منهم على تتبعه فالجميع يدرك طبيعته وقت الغضب وهو يعلم أنه تمادى فليس هناك ما يغضب منه لكن هو لديه ما يغضبه، الواقع الذي يدركه جيدا ويدرك أنه لن يمكنه الاستمرار هكذا، بالأيام السابقة أدرك ذلك أدرك أن تلك الحياة جنون، صدره محمل بالهم ولا يدرك كيف وصل لذلك
بسببها فقد سيطرته على نفسه وحياته ويعيش بالخفاء وهو أبدا لم يكن كالنملة تختفي بالجحر هربا هو دائما عاش بالنور دون قلق أو..، عامر دويدار لا يمكن أن يكون هناك سكين على عنقه بأي وقت لذا هذه هي النهاية 
لم يعود لها وإنما عاد لبيته القديم، كان بحاجة للبقاء بعيدا عن كل شيء وما أن ألقى جسده على الأريكة المريحة حتى دفع رأسه للخلف مغمض العيون والكثير يتضح أمامه 
لن يقبلها أحد بحياته، هل نسى هدى ورغبتها بزواج أولادها من أفضل العائلات، عندما كانوا صغار كانت تأمل بذلك، إخوته أيضا يتحدثون عن هذا، هو نفسه أخفاها عن الجميع لأنه يعلم أن مكانها خطأ 
عاملة غرف، هكذا سيخبر الجميع عنها، لن يهم أي شيء آخر هو يريدها ولا، ليست إرادة فقط وإنما هي سعادته، سعادته التي يجدها معها، لكن رغم كل ذلك يبقى السؤال، من هي؟ فتاة بلا عائلة ولا نسب، فقيرة وهو ما لن يقبله وسطه المعروف ليس وهو رئيس مجلس إدارة مجموعة آل دويدار، القائد
هل نسى من هو؟ مع من يتعامل؟ أين يتواجد؟ هل ضاع فيها حتى لم يدرك أنه على حافة الهاوية وعليه أن يعود كي لا يهوى للقاع؟ 
رفع يداه الاثنان وأحاط بهم وجهه من الصداع ثم رفعهم لشعره وهو يدرك أنه وصل للنهاية وعليه أن يستعيد السيطرة التي فقدها بجنون الرغبة، لابد أن يستعيد نفسه ويعيد الأمور لنصابها الصحيح.. 
لم يعد لها وغمس نفسه بالعمل أكثر وبالمساء انشغل بعشاء عمل جماعي مع رجال أعمال معروفين وزوجاتهم، اندمج معهم بحوار متمكن كعادته حتى تطرق الأمر للنساء والزواج ورأى كل واحد منهم يتحدث عن زوجته وصفاتها ونسبها ومؤهلاتها، تراجع بمقعده وهو يستعيد ما فعله بنفسه، من بين كل العائلات التي عرفها لم ينتقي منهم زوجة وإنما سقط بغباء على عاملة غرف، هل حقا فقد عقله؟ 
لو صادف وأعلن زواجه بها فهل يمكنها أن تجلس وسط هؤلاء النساء والرجال بتلك الثقة وتتحدث بذلك الثبات؟ 
الآن عليه إيقاف الوهم الذي سقط به، لقد نال المتعة بالشهر الماضي، لا ينكر أنه استمتع وكان سعيد معها لكن كله بالخفاء ولا يمكنه أن يبقى هكذا للأبد كما لا يمكنه إعلان الأمر بل كل ما عليه هو وقف كل ذلك، لا امرأة ولا أي أحد استطاع من قبل التحكم بحياته ولن يكون
بالظهيرة سمعت صوت سيارة فتحركت للنافذة، هرولت بسرعة وسعادة للباب، نعم كانت سعيدة جدا، عندما تقدم ألقت نفسها بأحضانه وتردد قليلا قبل أن يلف ذراعيه حولها ويغلق عيونه والياسمين يلفها، رغم كل ما جلبه لها إلا أنها لم تتخلى عن الياسمين
شعور غريب لفها من لمسته الفاترة، ليس هذا الحضن الذي اعتادت عليه بعد غياب يومين، ليست هذه نظرة الشوق التي عرفتها معه، لقد تبدل شيء أو ربما استعاد عقله الذي كان ضائعا بالأيام السابقة وحان الوقت للعودة للواقع وترك الأحلام خلفهم
ابتعدت وامتلأت عيونها بالأسئلة وهي تواجه عيونه المظلمة بلا أي معنى داخلها وقالت بقلق وخوف "ماذا بك؟" 
ظل صامتا لحظة قبل أن تنحل ذراعيه من حولها ويتخطاها للداخل وهي بمكانها وقلبها يسرع من دقاته وعقلها يؤكد لها صحة ظنونها بأن الآن هو الوقت الذي انتظرته والذي حاولت أن تصدق أنه لن يأتي ولكنه أتى
عندما طال الصمت التفتت فرأته يتناول كوب به ماء بارد وملامحه جامدة لا توحي بأي شيء كما كان لقاؤه بها بعد يومين لم تراه، اليوم كانت سعيدة وأرادت مشاركته سعادتها لكن.. 
"نحتاج لأن نتحدث" 
صوته أيضا كان باردا ككل شيء من حولها، تحركت تجاهه وحاولت مرة أخرى ألا تصدق إحساسها وهي تبتسم ابتسامة مهزوزة وقالت "نعم، أنا أيضا لدي حديث لك" 
تحرك للأريكة وجلس فتحركت بأقدام مهزوزة للمقعد المجاور وجلست بقلب مرتجف، لم تقو على الالتصاق به كما اعتادت، كان عليها وضع مسافة بينهم لأنها رأت ذلك بعيونه، هل عرفته لتلك الدرجة حتى تدرك ما يريد قوله؟ 
صوته خرج جافا خاليا من أي تعبيرات "أسمعك" 
هزت رأسها بالنفي للحظة والعقل أخيرا يسيطر ولكن هي تعلم أنه بعد فوات الأوان فقالت "يمكنني سماعك بالأول، ما لدي يمكن أن ينتظر" 
لم ينظر لها وثبتت نظراته على المياه الباردة بيده والتي شابهت برودة يديها واستجمع نفسه وقال "سيكون من الصعب وجودي هنا بالأيام القادمة"
لم تتحرك ولم تنفرج شفتاها عن أي كلمات وانتظرته وهي تعلم أنه فقط يزين ما يريد قوله فرفع وجهه لها أخيرا وعرفت، فقط عرفت أنها النهاية
ترك الماء على المائدة ودس يده بجيب جاكته وتعلقت عيونها بيده ولا تعرف ماذا بداخل الجاكيت ولكنها شعرت أن ما به ستكون سبب بطعنة مؤلمة حتى خرجت يده بورقة مطوية وضعها على المائدة وقال 
"الفيلا باسمك ليل، بيتك وهذا الشيك.." 
تألمت بقوة جعلتها تقاطعه بوهن "شيك؟" 
وجهها أصبح أكثر بياضا من الثلج، شفتاها زرقاء، لا، لا توجد دماء بأي مكان بوجهها، لن يتوقف، لا يمكنه أن يتوقف هو قرار وعليه تحمل نتائجه، نزوة نعم كانت نزوة وانتهت، بمجرد ذهابها من حياته سينتهي كل ذلك الجنون ويعود لنفسه وحياته، لا امرأة يمكنها التحكم بحياته بهذا الشكل خاصة لو كانت فتاة بعمرها ومن بيئتها و.. 
صفى حنجرته وجذب صوته وقال "نعم شيك، أعلم أن ليس لديك مورد رزق وهذا الشيك سيضمن أنكِ لن تحتاجي لأي شيء ولا أحد" 
سقطت عيونها على الشيك وإهانة لا أول لها ولا آخر سقطت عليها كماء نار حارق أذاب لحمها وأوقف قلبها عن النبض وأدركت أنها لم تقدر النهاية حق قدرها فكم هي مؤلمة.. 
نهض وهي لم ترد وظل يتأمل وجهها الذي خلا من كل شيء وهي لا تجيب ولا تنظر حتى له وهو لم ينطق بكلمة أخرى وهذا جعله يشعر بالراحة، لا جدال ولا نقاش، المال أفضل منه بالنسبة لها وهي لم تعترض 
تحرك خارجا بنفس الهدوء الذي دخل به وهي لم تتبعه وقد كان شاكرا أنها لم تفعل وربما هذا ما أرادته هي الأخرى، كانت تعلم أن الأمر سينتهي إن آجلا أو عاجلا، كثيرا ما كانت تذكره بمن هي ومن هو وهو من كان يتجاهل الأمر ولكن الآن هو اختار خلع رداء لم يناسبه بأي يوم ليعود لنفسه 
بعد يومين عندما أرسل لأخذ ملابسه أو بالأحرى معرفة أخبارها أخبره الرجل أن لا أحد بالفيلا والظلام طغى على كل مكان وقتها أدرك أنها رحلت وأدرك أنه نجح بما أراد ولكن هل هذا بالفعل هو ما أراده؟ والإجابة كانت صمت مؤلم بلا نهاية

تعليقات