رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل السابع والعشرون27 والثامن والعشرون28 بقلم ريناد يوسف
عاد آدم أخيراً إلى قصره، إلى حضن أمه وأبيه، جلس بينهم ينعم بالدفىء وهو يستمع اليهم وهم ينقلون له أخبار عمه وزوجته التي يعرفها سلفاً، ولكنه إستمع حتى انتهوا من احاديثهم ثم نظر لأبيه الذي كان يحارب دمعة على طرف عينه كي لا تنزل، فليس هذا المصير الذي تمناه لأخيه أبداً حتى بعد أن فعل به الأفاعيل، فقال له آدم مراعياً لحالته:
- إذا تريد تشوف خوك انا بوصلك ياأبو آدم، اعرف قلبك رجيج وايش مايسوي فيك عمي ماتفرط به، غدوه اخذك له شوفه وإذا قدرت عالسماح سامح.
هو على فراش الموت وعرفت أن نبضه توقف ورجع مره ثانيه، يعني الموت يحوم حوله، أدري انك عامل لي خاطر بس انا اللي اقولك روحله.
لم يصدق محمود أن آدم سمح له آن يذهب لأخيه بهذه البساطة ولم يمنعه، وحمد الله انه يدرك بأن للموت رهبة تُنسي كل شيء، وأن الواقف على اعتابه مُسامح َ.
فأخذه آدم وذهب به في اليوم التالي للمشفى وقد إطمئن قلبه قليلاً؛ فعمه الآن في حالة لا تسمح له بالتفكير في المزيد من الأذى، وزوجته الرأس المدبر لم يعد لها عليهم سلطة.
دلف الاثنين لغرفة يحيي بعد أن إستأذنوا الطبيب، فوجدوه في حالة يرثى لها، نعم يتنفس ولكن عيناه شاخصتان وكأنه في عالم آخر، فتحدث معه محمود بصوت مختنق وهو يمسك بيده:
-. كان جرى إيه يايحيي لو كنا عشنا حبايب وكنت سبتلي مروان ابني وسبت آدم يتربى فحضني وانت كان زمان مدحت ابنك عايش ومراتك جنبك وفحضنك وكلنا فرحانين بولادنا وحصاد عمرنا.. اخدت إيه ياابن والدي قولي.. الفلوس نفعتك انت ومراتك بايه يايحيي.. كان هيحصل إيه لو كنا عشنا زي الناس ومخسرناش أي حاجه؟
اضطربت أنفاس يحيي وشدد مسكة يده على يد محمود ونزلت دمعة من إحدى عينيه وبدا من حركة عينيه وكأنه يجاهد كي يتحدث..
لف رقبته بصعوبة نحو أخيه، إرتجفت شفتاه وكاد ان ينطق، ولكن قاطعه إبنه ياسين الذي دلف من باب الغرفة كالإعصار وأمسك آدم من تلابيبه وبدأ في دفعه للخارج وهو يقول:
- انتو ايه اللي جايبكم هنا، جايين تتشمتوا صح.. جايين تملوا عيونكم وتفرحوا قلوبكم مش كده، فاكرين أنكم انتصرتوا وجايين تحتفلوا بالنصر فوق جثث ضحاياكم!
هدر به عمه محمود قائلاً:
- نصر إيه واحتفال ايه اللي بتتكلم عنه ياحيوان انت، خلاص دماغك مبقاش فيها غير المؤامرات، كل تفكيرك عن الأذى و الشماته، مفيش حاجه في قاموسك اسمها اننا جايين نطمن عليه مثلا؟ وبعدين نصر إيه اللي بتتكلم عنه هو احنا حاربنا من الأساس ولا عملنا حاجه، دا احنا طول الوقت كنا بنهرب من هجومكم وضرباتكم المتواصلة!
آدم كان يتحرك مع ياسين نحوا الخارج دون أية مقاومة ولم ينطق، حتي أصبح خارج الغرفة، فهو يعلم أنه ليس في كامل وعيه بسبب كل ماحدث لعائلته،
ولا يريد أن يُحدث شجار أمام عمه فتسوء حالته اكثر وربما يتوقف قلبه ويموت أمام أعين ابيه ويعلم بأنه لن يتحمل، ولكن آدم هو الذي لم يتحمل حين عاد ياسين للغرفة وهم ان يفعل بأبيه نفس مافعله به، فتحرك وأصبح أمام ابيه في ثانية يحجبه عن ياسين وينظر له بنظرة نارية تخبره بأن الأمر لن يمر مرور الكرام عند أبيه.
فامسك بابيه وأخذه وخرج به، أما ياسين فوقف يراقبهم واردف متوعداً:
-طيب حلو ياآدم وكويس انك جيت في التوقيت دا بالذات عشان اخلص منك انت كمان بالمره وافوق لشغلي ونفسي واخلص من كل الوش دفعة واحدة.
اخرج جواله وهم ان يهاتف احد، ولكن يد ابيه المرتعشة التي قبضت علي يده منعته لثوانٍ، فنظر له متعجباً وإذ بأبيه يهز له رأسه برفض، فسحب منه يده بعنف وأكمل محادثته دون ان يأبه لذلك الذي بدأ يزوم ويتخبط.
- أيوه يابرنس، المهمة اللي كانت متأجلة استأنفها ونفذ في أقرب وقت، مش عايز تأجيل أو تأخير، مش عايز فزلكه المرادي من اي نوع.
أنهى مكالمته ونظر لأبيه وأردف:
-إيه مالك، قلبك لما وقف ورجع اشتغل تاني رجع رهيف ولا إيه؟ إهدا كدا وركز في اللي انت فيه ولو هتموت موت قوام قوام مبقاش فاضل غيرك حجر فوق قلبي.
انهي كلماته القاتلة لأبيه الذي تصنم وكأنه تلقى للتو ضربة افقدته الوعي، وأغمض عينيه وهو يفكر في كلام اخيه محمود
(كان هيحصل إيه لو كنا عشنا زي الناس ومخسرناش أي حاجه)
توجه آدم مع ابيه لشركته وانهوا بعض الأعمال وعادا للقصر لتناول الطعام.. الطعام الذي تُصر عايده ألا يتناولانه إلا في القصر ومن يدها هي فقط منذ موت مدحت.
اما عند حياة وإخوتها:
- ياحياة دا قرار مش سهل علينا ومش هينفع انتي تنفذيه لوحدك.
- لا سهل ياكاظم، إحنا مش هينفع نعيش هنا، إحنا مستقبلنا اتدمر وحياتنا في المجتمع دا أصبحت مستحيلة، وانا اخدت قراري سواء وافقتوني وجيتوا معايا أو لأ، وبكره نازله أقدم طلب هجره لأستراليا أو كندا.
- بس هنا اصحابنا وذكرياتنا وحياتنا كلها.. وحبايبنا ياحياة.
-حبايبك اللي بتتكلم عنهم دول انا متأكده انهم لو عرفوا إن أمك اتعدمت بسبب انها قتلت ابوك مش هيبصوا فوشك حتي لو كانت محبتهم ليك عدت كل الحدود.
،مش كل الأمور بتم بالمحبه بس ياكاظم، فيه إعتبارات تانيه أقوى وأهم.. ودلوقتي انا نازله اكمل الأوراق المطلوبه مني عشان الهجرة.
تحركت من أمامهم وهي عازمة على الرحيل بالفعل، فلا البلد أصبحت تشعر بانها منها ولا مستقبل فيها يستحق الصبر، فقررت الذهاب لبلد أخري حيث لايعرفها فيها أحد ولا يهتم احد لماضيها إو أهلها، ستبدأ من الصفر، بدون أم وبدون اقارب، والأهم بدون آدم حتي تستطيع التنفس والعيش وهي تعلم أن الأمل إنعدم تماماً.
اما في القبيلة..
-خلاص نويت يارابح؟
- اي يامعزوزتي دعواتك لي، انا الحين ماشي اجدد باسبوري، هي اهم خطوة بحياتنا، رايح وحاطط كل املي بتجارة السيارات وربي يوفقني للخير.
- الله معك يحرسك ويصونك يانور عيوني، دير بالك على حالك وأوعك تهمل بروحك ووكلك وشربك، ادري بك ماتتذكر الوكل طول مافي شي شاغلك، بغلاي عندك يارابح ماتسوي هيك.
- يانبضي هدي شوي انا رايح اجدد الباسبور بس الحين ماني مسافر، لسه ايام على هالخطوه.. بس وغلات عيونك باكل واشرب وادير بالي ع حالي واردلك ثمين وكرشي هيك كبره.. وانت ديري بالك علي روحك وعلى صقر، مااريد تجيبيلي وليد ضعيف.
- بعيوني صقر ياابو صقر.
غادر رابح القبيلة متوجهاً للمدينة ليجدد جواز سفره كي يسافر ليبيا
للإتفاق على السيارات التي يريدها وشرائها مع عمه قياتي وجلبها لمصر، وترك معزوزة تشعر بالخوف، فها هو يسعى للإبتعاد عنها في هذا الوقت القاتل، انه شهرها الثامن وماهي إلا أيام وستدخل في شهر ولادتها وكانت تريده بجانبها بشدة، ولكن هذا مستقبلهم ولن تقف أمام أول خطوة لرابح فيه، فتحاملت على الشوق والألم والخوف ودعت له وودعته بقلب يُعيذة من كل شر.
اما ياسين فبعد ان غادر المشفى توجه لمسكن حياة وحين توقف بسيارته وهم بالنزول وجدها عند مدخل العمارة تخرج، فصبر حتى إقتربت من السيارة ونزل منها سريعاً وبحركة خاطفة ادخلها السيارة ودخل خلفها وأغلقها بإحكام وأنطلق غير آبه لرفضها وصرخاتها وتوبيخها له.
عرفت من عينيه أنه في أوج شره الأن وأن أمر عظيم علي وشك الحدوث، فأخرجت هاتفها من حقيبتها وفتحته وسط محاولاته بمنعها واخذ الهاتف منها، ولم تجد في هذه اللحظة اقرب لها منه، فضغطت علي رقمه وأتصلت، وكعادته رد من اول لحظة، فصرخت قائلة:
- الحقني ياآدم الحقني ياسين خطفني.
- إيش تقولين، حطي الجوال عالاسبيكر الحين يلااا.
فتحت حياة السماعة الخارجية وهي تتالم من قبضةيد ياسين الممسكة بشعرها، فجاء صوت آدم صارخاً ومحذراً:
- ياسين إذا مسيت حياه بسوء اعلم انك حفرت قبرك بيدك، سامحت بكل شي بس عند حياة مافي سماح، فيه موت.. موت وبس تفهم علي.
- رد عليه ياسين قائلاً:
- انت تخرس خالص ومتنطقش اسمها على لسانك الزفر، ولو عالموت فالموت جاي جاي، بس مش ليا انا ليك انت. فأستعد ياروح أمك.
وهنا صرخت به حياة:
- موته لما تاخدك ياحيوان، روح ربنا ياخدك ياشيخ ويريح الدنيا منك ومن شرك.. انا بكرهك بكرهك، انت اصلاً تتكره، انا بحب آدم وعمري ماهحب غيره، واللي تحب واحد زي آدم عمرها ماتبص بعده لحشره زيك.
فكان رد ياسين علي كلماتها ضربة قوية بقبضة يده فوق رأسها افقدتها الوعي، وأفقدت آدم العقل حين وجدها صمتت مرة واحدة، فتحرك علي الفور وهو يجرى إتصالاته، وأعطى رقم هاتفها لأحدهم وهو يعلم ان العثور عليها سهل للغاية، فقد كان دائما يشدد عليها ألا تغلق خاصية تفعيل الموقع على هاتفها، وكأنه كان يعلم أن شيء كهذا سيحدث ويعلم انها لن تنسى وصية له أو تهملها، وبالفعل بعد دقائق بدأت تاتيه الإحداثيات ومن تتبع الهاتف إستطاعوا تحديد مكانها.. فذهب آدم حيث المكان الذي توقفت فيه سيارة ياسين، وكان إحدى مخازن شركتهم القديمة.
إقتحم آدم المكان بسلاحه ووجد حياة ملقاة على الأرض فاقدة للوعي ولا وجود لياسين، يعلم أنه موجود ولكنه مختبئ وينوي غدره، فإحتمى آدم بإحدي ألات الرفع وبدأ يمسح المكان بعينيه، وسرعان مااتته رصاصة تخبره بمكان ياسين بالتحديد،
فتفاداها وبدأ التراشق بالطلقات، وماهي إلا دقائق أخري وكانت الشرطة تقتحم المكان.
أخذوا ياسين بتهمة الإختطاف وقام آدم بحمل حياة واخذها بسيارته لأقرب مشفى.. إطمئن عليها وجلس معها بعض الوقت قبل ان يأخذها للقسم لتدلي باقوالها ومكالمة الهاتف المُسجلة لديه دليل على صحة الكلام..وبعد الإنتهاء من المحضر أخبرته بقرار هجرتها، حزن قلبه ولكنه لم يستطع منعها، فهو أيضاً من رأيها ويرى أن سفرها أفضل شيء لها، علي الأقل ستعيش بلاخوف أو ندم ولن تواجه المزيد من نظرات اللوم والإتهام.. والأهم من هذا ستبتعد عنه المسافة التي ستجعل قلبه يفكر جدياً بأن يتخطاها.
أخذها للبنك، وهناك فاجأها حين فتح لها حساباً ووضع فيه مبلغ كبير يعينها على أن تبدأ به حياتها وتستقر أينما ذهبت.. ومازادها تصرفه هذا سوى حسرة عليه، فهاهو للمرة المليون يثبت لخا بانه افضل رجل على وجه الأرض وانها تعيسة الحظ حيث وضعت الظروف كل تلك العقبات حائل بينها وبينه
عاد آدم لقصره وقد قُطع آخر خيط من أمل كان قلبه ينسجه خفية ويتأمل بأنه سيطالها من خلاله.
عاد لشركته وحاول أن يُنهي أعماله العالقة، ولكن ذهنه المشتت لم يساعده على التركيز،
فغادر الشركة واخذ سيارته وذهب لشاطئ النيل، توقف ونزل منها وجلس مواجهاً للنيل يحاول ترتيب أفكاره، فهو لا يفكر جيداً إلا وهو جالس في الأماكن المفتوحة، يشعر بإن هذه المساحة داخل عقله وتمنحه المزيد من الأفكار، إنما الاماكن المغلقة تجعل افكاره تختنق تماماً كما تختنق أنفاسه ويضيق صدره.
عاد للقصر وقضى بقية اليوم، وفي اليوم التالي ذهب لشركته وأصر على ابيه ان يبقى في القصر هذا اليوم، فاليوم العمل كثير ولا يريد أن يُجهده معه.
أمضي يومه بين الأوراق والملفات ولم ينتبه للوقت إلا حين هاتفته أمه تحثه على العودة للقصر لتناول غداءه معهم، ورفضت رفضاً قاطعاً ان يتناولا الطعام هي وابيه بدونه، فاضطر إلى مغادرة الشركة والذهاب إليهم،
وهو في الطريق
إنحرفت السيارة قليلاً عن مسارها فوق الجسر بفضل صدمة قوية من شاحنة عملاقة، فتوقف على جانب الجسر فوق الرصيف الذى صعدته السيارة بفضل الصدمة، وترجل من السيارة ليرى ماذا حدث لها، فهى مازالت جديدة وباهظة الثمن، ولاحظ أن الشاحنة توقفت على مسافة منه، ظن أن صاحبها توقف كي يعتذر منه وحين فُتحت أبوابها ونزل منها رجلان توقع أنهم آتون للإطمئنان عليه، ولكن ظنونه كلها خُلفت حين إقترب منه الإثنان وكانت ملامحهما لا تبشر بخير!
تلفت آدم حوله ووجد أن الجسر خالي من المارة تماماً، لا ناس ولا سيارات، وكأن الوقت تم إختياره وترتيب إختفاء كل شيئ.. دق قلبه بخوف لم يختبره منذ كان طفلُ صغير وتركه ابواه فى الصحراء يواجه مصير مجهول، وها هو الآن لا يعلم مالمصير الذي ينتظرة..
خوفه لم يكن من قوتهم البدنية؛ فلو تصارعت الأبدان لفاز هو فى النزال دون شك، ولكن الأسلحة هى التي تتصارع في مثل هذة المواقف.. وعلى الفور تأكدت شكوكه وهو يرى واحداً منهم يزيح كنزته ويلتقط سلاحة المزود بكاتم صوت، فغاص قلب آدم بين ضلوعه وعلم أنها النهاية، وأن نظرات ياسين اليوم لم تكن عبثاً كما ظن، فقد علم منذ البداية أن ماسمعه من حياة وإهانتها له وما حدث له بسببها كان الضربة القاضية له والتي لن يغفر عليها ابداً.
كان يعلم أنها مسألة وقت ليس إلا وسينتقم ياسين، ولكنه لم يتوقع أن يأتي الإنتقام بهذه السرعة.
درس الموقف سريعاً وقرر القفز من فوق الجسر، وبحركة خاطفة كان يعتلى سور الجسر ويقفز، ولكن رصاصة الغدر كانت أسرع إليه من الجاذبية فإخترقت جسدة ليسقط فى الماء على الفور، وماهي إلا دقائق طفاها فوق سطح الماء فى محاولة من جسدة لإستيعاب ماذا حدث له ثم غاص للأسفل مستسلماً للظلام، باسطاً ذراعاه وكأنه يخبر العالم بأنه تركه فارغ اليدين كما أتي إليه فارغ اليدين.
_____________
أما فى القصر..
-إبني، إبني فين، إبني جراله أيه يامحمود، رن عليه تاني وتالت اتصرف، انا حاسه آدم جرتله حاجه، هو انا وجع قلبي دا مش هينتهي، إشمعنا انا، ليه اختبر إحساس الفقد والفراق الف مره ليه، ابني يامحمود اخوك موته حتي وهو بيموت، كل السنين اللي فاتت واللي بعدته عني فيها واتحرمت من إنه يكبر قدام عيني راحت هدر، إبني راح مني ياناس، راجل ملو هدومه ملحقتش أفرح بيه.
- إهدي ياعايدة ادم بخير أكيد، آدم بخير وهيرجع، ربنا مش هيوجع قلوبنا عليه أكيد، ربنا رؤوف رحيم، ربنا عالم باللي شوفناه واللي قاسيناه ومش هيضيعه.
كان يواسيها وهناك غصات تتوالى علي قلبة الغير مصدق لكلماته المواسية، فكيف له ان يكون بخير وهاتفه مغلق وغادر الشركة منذ اكثر من اربع ساعات، كيف له ان يكون بخير وهو الذي يرد عليهم من اول رنه..
وكيف له ولعايدة أن ينجوا من الحزن هذه المرة إن حدث لآدم مكروه، فوالله إنها لكبيرة وعظيمة على قلوبهم.. اخذها بين ذراعين ودفن رأسها فى صدره وهو يتمنى أن يخفيها بين ضلوعه عل الحزن لا يعرف لها طريقاً، ولكن للأسف الشديد يبدوا أن لا سبيل لذلك.
أبعدها وأخذ يهاتف قصير للمرة التي لايعرف عددها وكالعادة هاتفه مشغول، فهاتف سالم مجدداً فاجابه سالم علي الفور وبلهفة:
-أبشر ياعمي وجدتوه، عاود عقاب، رد للبيت؟
-انا مكلمك أسألك يابني لو عرفت حاجه عنه.
ليجيب الأخر بغضب مخلوط بحزن:
-كييف نعرف شي عنه ونقاله خارج التغطية ومافي حدا عارف يوصله، حتى الموظفين اللي معاه بالشركة من القبيلة ماقادرين يوصلوله، انا بالطريق أنا ورابح وبس نوصلو لعندك راح نغربل القاهرة غربله ماهنسيب فيها جحر الا دورته فيها حتى نعثر عليه ، ولو مالقيت خوي والله لنحرق الأرض حرق ونحرق خوك وعيلته وهم احياء قدام عيونك حتى لو هنحرقك معاهم ،والله انت ما يحقلك اتكون ابو عقاب ،عقاب ولدنا نحنا واخونا نحنا وعندنا وبحمايتنا مامسه شر ولا قدر يتربصله عدو،الله لا يوفقك انت وهلك
انهى مكالمته ولكم السيارة امامه بيده قبل أن يصرخ بصوت رج السيارة:
- راااح خوووي رااااح، اااخ ياعقااااااب ياحرقة قلبي عليك ياشقيق روحيييي، والله لنحرق الدنيا لاجلك والله.
نظر إليه رابح متعجباً على هذا الحب الكبير الذي لازال سالم يكنه لعقاب برغم كل شيئ وبعد كل ما حدث، وها هو سالم يثبت مجدداً بأن اخوته لآدم فوق كل شيئ.. فلا حبيبة فرقتهم ولا غيرة شتتت قلوبهم.
فاردف له محاولاً تمثيل الهدوء والثبات برغم أنه يحترق هو الآخر على رفيقه، وقد بلغت من عقله الظنون السيئة مبلغها، ويكاد يجزم أن آدم قد غُدر، وهو يعلم جيداً ان كل تعاليم البقاء في حياة البرية لا تُجدي نفعاً أمام رصاصة تخترق القلب أو الرأس، فالاسلحة لها سطوتها التي تتغلب على سائر الأشياء:
- اطمن ياسالم عقاب مايجرؤ السوء يقرب منه، مايكون عقاب إذا سمح لهادول الفيران يغلبونه.
صدح بعدها جرس هاتف رابح معلناً عن إتصال وقد كان عمه قصير هو المتصل، فأجابه سريعاً واتاه صوت قصير الغاضب:
- هاه لوين وصلتو يارابح؟
- تو دخلنا الجيزه ياعمي يعني كلها ساعتين ثلاث وبنكونو بالقصر.
- وييش راح تسسون بالقصر؟ اطلعوا ع الشركة استجوبوا الجميع امسكوا الخيوط واتبعوها، راجعوا الكاميرات، كونوا مع الشرطة وانبشوا علي عقابي نبش، ماتردون الا وهو وسط اهله.. أو.. تجدون جثمانه وتواروا عليه التراب لنعرفله طريق.. ولك اااااخ ياعقاب ياوليدي ورباية يدي وذراعي وظهري وعيني لو جرالك شي لندعس الكل تحت اقدامي وانسويها مجزرة ماتمت من قبل.
كاد أن يغلق رابح المكالمة وأبعد الهاتف عن اذنه فاتاه صوت هلال الذي إختطف الهاتف من ابيه وصرخ برابح:
- الله لا يوفقك يارابح إنت وسالم، ليش تركتوني ومااخذتوني معكم، ليش ما نكون معاكم وانتم تبحثون عن عقاب، مو هو رفيقي متلكم، ما ترأفون بحال احد انتم، بس يلا بسيطة انا بروحي بجى ولا الحوجه ليكم، بس خليها بروسكم وتذكروها زين.
انهي كلماته واغلق الهاتف، ونظر لرجوه التي كانت تجلس دون حراك منذ سمعت الخبر، وكأنها تصنمت وتجردت من الحياة، وتحجر الدمع في عينيها فلا هو المنساب ولا العائد لمجراه، وكان حالها يُغني الناظر عن سؤالها، فكيف لها أن تخسره وهي للتو فازت به بعد معارك ضارية خاضتها بمفردها، كيف لعقابها أن ينتهى بهذه الطريقة بمجرد أن حلق في سماها وأصبح لها وكانت تضرب الهواء بأجنحتها طوال الوقت كي تتعلم الطيران وتحلق معه بعيداً حيث لا قبيلة ولا عادات وتقاليد ولا سالم وغيره يستطيعون الوقوف أمام احلامها معه..
أيعقل أن ينتهي كل شيئ قبل البداية وتعود ريما لمأساتها القديمة؟
هزت رأسها رفضاً ودفنت وجهها بين يديها وشهقت بالبكاء وهي تتخيل القبيلة والصحاري وحياتها من غيره.
غادر هلال إلى القاهرة متجاهلًا لمحاولات ابيه بإقناعه بالبقاء وبأن سفره لا فائدة منه، ولكنه كحال كل مُحب لا يستطيع البقاء بعيداً وهو يعلم إن رفيق دربه في خطر ولا أحد يعلم عنه شيئ.
يتتبع
عقاب ٦٠
سالم:
- اييش تقول، السيارة وجدتوها حد الحكومة! سيارة عقاب إيش تسوي عند الحكومه؟ تم تم
أغلق هاتفه ونظر لرابح وبأنفاس مرتجفة قال له:
- رجالنا وجدو السيارة بمقر الشرطة، يقولون انهم وجدوا شب يسوقها ولما سألوه قال أنه وجدها على الجسر واقفه ومعطله المرور ومفتاحها بها فأخذها، فلقطته الشرطه مع السيارة ومن ساعتها يحققون معه ويسألونه عن آدم يقول ماادري عنه شي! انا قلبي زادت نيرانه يارابح وعقاب خوي الحين مغدور مليون بالميه.
أنهى جملته وغص ولأول مرة يبكي بهذه الحرقة، بكى بكل مابقلبه من محبة لآدم وبكل وجع على مصير لقاه خِله ولا يعلم عنه شيء، ولم يكن بجواره ليحميه منه وهو من عاهده على حمايته لنهاية العمر، وماهو في نظر نفسه الآن إلا ناقض عهد خائن.
_____________
ظلام دامس وأنفاس مكتومة، عرف انه أسفل الماء بمجرد أن فتح عينيه، الأمر لم يدوم سوى دقائق ولكنهم كانوا عمراً بأكمله بالنسبة له، إختبر فيهم خوف غريب!
حاول تحريك ذراعيه فتضاعف ألمه وعلم أنه مصاب في ذراعه الأيسر، فأخذ يسبح بذراع واحد حتى وصل لأقرب يابسه،
أخرج هاتفه فوجده معطل، نظر حوله وقبل أن يقرر أى شيء رآهم آتين بسرعة يبحثون في كل مكان كالكلاب التي تبحث عن طعام،
فما كان منه إلأ أن عاد للمياه مرة أخرى، فاليابسة تعني رصاصة ثانية تخترقه، ومن نجى مرة لا ينجو كل مره.
غاص للأسفل كثيراً وأخذ يسبح مبتعداً قدر الإمكان، حتى شعر بأن قواه خارت ونال منه التعب، فصعد على وجه الماء وتنفس الصعداء وهو يتلفت ولا يرى احد منهم، ولحسن حظه كانت هناك بقعة على ضفة النيل بها حشائش نامية طويلة فقرر الإحتماء بها والمراقبة حتى يتأكد من أنهم غادروا ونجحت مراوغته، وبالفعل بعد حوالي ساعتين تأكد فيهم من مغادرتهم للمكان قرر الصعود للطريق، وبمجرد صعوده أوقف سيارة أجره وطلب من السائق إيصاله لأقرب مشفى، فتحرك به السائق على الفور وهو يرى حالته المذريه.
أما عند رابح وسالم..
رابح:
- وجدنا سيارته ياشيخ بس هو ماله وجود، متل فص الملح ذاب، السيارة وجدوها على الجسر مفتوحه والمفتاح بها.
قصير بحسرة:
- غالوك ياوليدي غالوك وطالتك يد الغدر.. جيبولي عقاب ياسالم انت ورابح حتى لو ميت، اريده يندفن هين بجوارنا، مااريده يندفن حد الشياطين النهوا حياته، عقاب مايلوقله يكون إلا بمكان نظيف وبه ناس نظيفه حتى لو كانوا اموات، ماتخلوه يندفن بمدافن عيلتهم لو على قص رقابكم، انا اريده ينام بأحظان عمي منصور ويجاور حبيبه.
أغلق رابح المكالمة مع عمه قصير وأسرع بالسيارة حتى كاد يصطدم بالناس أكثر من مرة، لايستوعب ماقاله عمه قصير، اما سالم فأخذ يلكم مقدمة السيارة بقبضة يده حتى كاد يهشمها، فكيف لعمه قصير أن يتحدث عن آدم بالموت ويخطط لدفنه بهذه البساطة!
وصلوا قسم الشرطة وتأكدوا مما قاله لهم رجالهم، تفقدوا السيارة ولم يجدوا فيها أي شيء يدلهم عليه، ولا حتى آثار لعنف أو مقاومة فعادوا خائبين الأمل.
وصلوا القصر وهناك كانت حالة محمود وعايده لا وصف لها، يموتان حرفياً وماهو إلا وقت قصير على هذا الحال وتفيض أرواحهم.
ولكن إتصال هاتفي من رقم مجهول أعاد لهم الروح وكأنه قبلة الحياة:
- الووو، اي يمه انا آدم، انا بخير يالغاليه لا تخافين علي، طمني بوي وقوليله آدم بخير، انا ماراح اقدر اجيكم الحين بس راح ادزلكم من شركة الحراسات رجال زيادة للحماية، ضبي اغراض لك ولابي لجل تروحون القبيلة، عندكم مافي أمان.
قال كلماته دفعة واحدة وعايده ماكان منها إلا أن تومئ برأسها وتمسح في دمع عينيها الغير منقطع، أما محمود فإستند على إحدى أعمدة القصر وهو يستمع لصوته البعيد ويرى زوجته وقد عادت الدماء لوجهها الشاحب و إنتظمت أنفاسها،
اما سالم فإختطف الهاتف من عايده وصرخ بآدم بقدر كل الفزع الذي عاشه في الساعات الماضية:
-تعرف ياعقاب إذا كان صار عليك شي ومتت كنت راح امثل بجثتك تمثيل وإصلبك حتى ياكل منك الطير ويسبع وأطلع بك كل حزني عليك؟ تعرف إن ماحد وجع قلبي وخلاه يختبر إحساس ماينحمل غيرك ومن بعدك هديك الكلبه، وقلبي ذاب منكم وماعاد يتحمل الله لا يوفقكم.
ضحك آدم ورد عليه وهو يتألم:
- آاااخ ياخوي المجابته أمي.. متى وصلت القصر ياسويلم؟
- من شوي وصلت القصر بس من زمن وانا ورابح هين ندور عليك ورجالنا عرفوا مكان سيارتك بس انت ماحد عارفك وين طمست.
إبتعد سالم قليلاً بالهاتف عن الجميع وسأل آدم بهمس:
- إيش هالوجيج البصوتك إيش بيك قولي.
-اقول بس لا تخلي أمي تسمع.
-لا انا ابتعدت ماتخاف.
- انا مصاوب بصدري والحين بالمشفى.
إنتفض سالم وكتم غضبه وسأله صاكاً على اسنانه:
-من سواها، سمعت ان عمك الموت يطوف حوله وزوجته بالسجن تستني الموت ومو معقول عقلهم يسيب الموت ويفكر بأذاك؟!
- ياسين السواها ياسويلم.
-الخنزير الجايف، والله الحين لأروح أحط طلقه بنص راسه وانهي هاد السلسال القذر.
- لا مافي داعي.
- ليش مافي داعي، لكن نتركه يعيدها ويزيدها؟، ماشبعت إنت من دروب الموت اليشيعوك عليها انت وهلك كل شوي؟ هي باروده وحده وترتاح وتلتفت لاشغالك ومستقبلك.
-لا ياسالم اتركه أنا بعرف كيف اتخلص منه بدون ماأنت أو أنا نوسخ يدينا بدمه، ياسين مالازم يموت هديك الموته السهله، لزوم يتعذب شوي بقدر العذاب والخوف والمرار الضوقه لأمي وأبي، وربي وغلاة انفاسها الحسيت بيها ترجف رجف لأخلى الخوف يرجف إعظامه..سالم لا تخلي حد يعرف إني عايش، خليه يفرح ويظن اني متت ويطمن حتى لا يحاول مره ثانيه ويعطلنى، انا مجهزله مفاجأة ماتحلا إلا لو أخذها على غفله.
- تم.. التريده يصير، شد حيلك وتحمل شوي وأنا جايك مسافة الطريق.
أنهى سالم المكالمة مع آدم بعد ان اخذ منه عنوان المشفى وترك رابح مع محمود وعايده وأوكل إليه أمر أخذهم للقبيلة، وهو أخذ على عاتقه أمر إحضار آدم..ونبه على الجميع ان يتم كل هذا بسرية تامة ولا يعرف احد بأن آدم على قيد الحياة أيا كان...وغادر هو للمشفى.
أخرج رابح هاتفه النقال وهاتف عمه قصير وطمأنه وكذلك عمته عوالي وطلب منهم التكتم على الأمر ، وأن آدم امام الجميع مفقود حتى إشعار آخر، وبعد إنتهائه هاتف هلال كي يعرف موعد وصوله وقرر إنتظاره والرجوع سوياً؛ فهذا أفضل لأبوي آدم وأءمن،فأربعة عيون أفضل من عينين اثنين.
وصل سالم للمشفى ووجد آدم هناك، واقف أمام النافذة بصدر عاري وكتف مضمد، وفور فتح سالم للباب إلتفت له سريعاً وكأنه يتوقع أن يُداهم في أي وقت، فطمأنه سالم قائلاً:
- هاد انا ياخوي إطمن.
إقترب منه وأحتضنه، فإرتخى جسد آدم المتصلب وسند رأسه على كتف سالم بإرتياح، فالآن فقط شعر بكل أمان الدنيا، وأن أي خطر قد زال، فتوجه للتخت وتمدد عليه وقال لسالم بتعب:
- اريد اغمض عيوني شوي ياسالم، الوجيج ماينحمل وإبر المسكن العطوها لي ماعملت شي.
- إغفى ياقلب خوك وانا هين فوق راسك مااتحرك، وإذا على هلك رابح معهم وهلال بعد، كل الامور صارت بخير.
أغمض آدم عينيه وسرعان مادخل في ثُبات، وعندما إنتظمت أنفاسه بدأ يئن، وكأنه كان يحبس الألم وبنومه الألم تحرر.
أما سالم فجلس أمامه يتأمله ملياً، أخذ يفاضل بينه وبين كل الدنيا، ووضعه بكفة وكل من بحياته بكفة فرجحت كفة آدم وطبت، وقرر سالم ألا يفارقه من بعد اليوم مادام الخطر حوله قائم لم يزول.
أما في القبيلة..
رجوه كانت تتنقل من خيمة عوالي لمجلس أبيها؛ تتحرى أي خبر عنه، تود لو تسمع كلمة تهدئ قلبها الثائر، ذهبت لمعزوزه وجعلتها تهاتف زوجها وكان رده أن لا جديد وجاري بحثهم عنه،
فذهبت لمزيونه ودخلت عليها الخيمة دون إستئذان وصرخت بها:
- دقي على زوجك يطمني على رجلي ويقولي لوين وصلوا، ماحد راح يكون عنده الخبر الأكيد عن عقاب إلا سالم، حاكيه وعلي الصوت وخليني أسمع كل شي بأذاني.
فعلت مزيونه ماقالته رجوه؛ فحالتها مذرية وخوفها تجلى على ملامح وجهها الذي شحب، وحين أجابها سالم وضعت الهاتف على المكبر وسألته:
- بَشِر ياسالم إيش الاخبار، عَرَفتون شي، توصلتوا لشي عن عقاب؟
فاجابها سالم بعد أن تنهد تنهيدة مصطنعه:
- لسه يامزيونه بعدنا ندور، ادعي له يكون بخير.
كادت مزيونه ترد عليه ولكن الرد جاءه من رجوه التي هدرت به:
- هدوئك مو طبيعي ياسالم ومو هاداك الخوف التخافه على عقاب، انت عرفت شي عنه طمن قلبك ولا تنكر، أنا اعرفك ياسالم متل خطوط يدي واعرفك حين تكون خايف وقلقان، واعرفك وانت مطمن وقلبك هاني، واعرف متي تناهيدك تكون متعوبه ومتى التنهيده تطلع بس من خشمك مو من حشاك..الحين ياسالم تقولي الحق لقيت عقاب لو لا؟
-صكري خشمك يارجوه انا مو ناقصك الحين، عقاب مافي اي خبر عنه وانا ماعندي طاقه لك، روحي اندفسي بخيمتك وانا بس اعرف شي راح ادذلك مرسال يطمن بالك.
انهي كلماته وأغلق المكالمة وتركها لحيرتها، فغادرت خيمة مزيونه وذهبت عند البئر وجلست وهي عاجزة عن التفسير، نعم كل القبيلة في حالة هياج منذ سماعهم للخبر، ولكن هناك امر غريب، فمن ينبغي بهم ان تكون حالتهم هي الأسواء من بين الجميع هادئون وهدوئهم لا يتناسب مع الموقف وهذا ماجعل عقلها يتسلل إليه الشك بأنهم يعرفون بأن آدم بخير ويكتمون الخبر..
ولكن مالا يقبله عقلها هو انها الأجدر من الجميع بالإطمئنان عليه، لا أن تُعامل مثل الغريب، وتنتظر أن يحن احد عليها بخبر، وتتسول الإطمئنان عنه تسول.
أما في خيمة صالحه..
خوله:
- إسمعي ياصالحه، انا ماراح أأجل عرسي لأي سبب والحي أبقى وأحق.
- اعرفك ياخوله طول عمرك تجيبين لي العار واللوم من شقوق الأرض ومو جديد عليك قلة الأصل.
-وانا ليش احزن عليه شويق رجوه، هي التحزن عليه، لو كان جالي انا وخطبني كنت حزنت عليه ولبست السواد عام كامل وبكيت عليه لحتى جف دمعي، بس الحين انا مايهمني من الدنيا إلا سعودي الأجرب.
- يعني أنت ماتحسين بحسره على شباب الوليد اللي ماتهني به وكل همك روحك وبس؟
- كل واحد همه نفسه وبس، ولو كنت انا الموتت وعقاب عايش ماكان حزن علي ولا أجل عرسه ولا تحسر على شبابي لحضه..كلامي صح ولا لا ياصالحه؟
-انت شي وهو شي، هو رجال وخسارته خساره كبيره، أما أنت كلبه وراحت وموتك مكسب مو خساره.
ردت عليها وهي تتفقد أغراضها وملابسها التي اشترتها للزواج:
- تعرفي ياصالحه، أنا كل ماأفكر احبك واقول أمك ياخوله حبيها اسمع كلامك اكره الأمومه كلها واحس إني اريد اشعل النار بثوبك واشوفك وانت تجرين والنار لاهبه بك وماتطفين إلا وأنت رماد..
صالحه اقول إنت ليش تزوجتي وجبتي عيال إذا قلبك عطلان ومايحب حتى وليداتك؟
- لا انا احب وليداتي وقلبي مو عطلان بس أنت ماتنحبي، لسانك ينقط حنظل وعقلك عقل صخال وكل كلامك ينزل على القلب دج متل الاحجار.. ماكنتي هيك وانت صغيره ماادري إيش جرالك، طحتي بمكان مسكون ولبسك جني ولا إيش؟
- أفعالك ياصالحه اللبستني، من يومك ماعندك حِن علي، اشوف كل أم تشكر فبتها وتحسسها انها ملكة جمال الكون وانت تحسسيني إني قرده خلفتيها وتقصفيني وماتهتمي، دوم تشوفيني اقل بنيه بالقبيلة ومامني نفع.
- وإذا اقول الحق إيش فيها ياخوله؟ إيش شفت نفع منك انا من يوم يومك للحين؟
-هاد لأنك قاصده ماتشوفيني إلا مامني نفع، تبخسي تعبي وشغلي بالخيمة، اغسل وأكنس واجيبلك مي من البير واقهوجك انت وعيالك واسوي شاي وأرعى اغنامي واغنام ولادك، واليوم كلو رايحه راده وبأخر اليوم تحكيلي إيش سويتي لتنامي متل القتيله؟
خليتيني حتى لو عملت شي اعمله بثقل ومن ورا قلبي واخلق الاعذار حتى ماأسوي شي، لأني سويت متل ماسويت عندك.
- سويتي ماسويتي كلها يومين وماشيه لخيمة زوجك وأريد أشوف بس تبعدين عني إيش بتصيري ياخوله.
- مو مهم اصير اي شي، المهم اني احس حالي مشكوره وتعبي مذكور وجهدي مارايح بالهوا.
اطبخ يتقالي عاشت يدك، اسقي يتقالي ماتشربي هم، أسوي شغل البيت يتقالي تعبتي الله يعطيك ألف عافيه..الكلمه الحلوه تخلى الواحد مايبطل عطى ياصالحه والكلمه الشينه تقفل إبواب المحبه والرحمه.
-أقول ياخوله صكري خشمك وانسي كل شي انا عملته وقولته واعتبري حالك مولوده من جديد وأول حياتك تبدي من بيت سعود.
- وهاد هو الراح يجرى.. بس مارديتي علي يصير اتزوج بموعد عرسي ولا لا؟
- ماادري روحي للشيخه عوالي وأساليها وهي ترد عليك بهالموظوع.
-أي اروح ليش ماأروح.
وضعت خوله مابيدها جانباً ولبست نعليها وغادرت الخيمة متوجهة للشيخه عوالي، إستأذنت ودخلت فسألتها عوالي:
-إيش فيك ياخوله وشك مقلوب وأشوف واجد كلام بعيونك؟
- لا ولا واجد كلام ولا شي، هو بس سؤال اريد جوابه منك ياشيخه وادري تقولين الصدق.
-هاتي سؤالك لأشوف.
- إذا انا متت وعقاب كان محدد موعد عرسه كان أجل عرسه لجل موتي؟
صمتت عوالي قليلاً ثم اجابتها:
-لا ماكان أجل شي.. بسس.. من متى والبنيه تساوي روحها برجال، لا وبزينة شباب القبيلة بعد؟
-انا مالي دخل، أنا اتعامل بالمثل، ومنها اريد يتم عرسي بموعده مايتأجل.
نظرت عوالي لمايزه فأومأت لها مايزه بالموافقه فردت عوالي على خوله:
-عرسي ياخوله وأفرحي ووليدنا بعلم الغيب، روحى وشوفي سعود وإذا هو مثلك ماعنده مانع يعرس والقبيلة كلها بحالة حزن وقتها لا لوم عليكم؛ لأن البلا أخلاق ماينلام.
-نحن مو بلا اخلاق، نحن نتعامل بقدر قيمتنا عندكم، ادري عقاب مايحزن ولا يأجل شي سوا انا مت او سعود غاب وماحد عرف عنه شي، والله الحياة كلها تستمر ولا كأن شي حاصل، بس نحن مايصير حياتنا تمشي ولزوم تقف لجلكم، انتوا تتعاملون حسب الطبقات مو حسب الإنسانيه.
الفصل الثامن والعشرون
عوالى بغضب:
--إيش هي النبرة التتكلمين بها ياخوله؟ من متى وبين أهل القبيلة هالشي، من متى ونحن نفرق، ليش ترمين الناس بالباطل بدون دليل؟
-ماارمي حد بالباطل، انظري لروحك إذا نزلتي الحضر تجيبين الأساور الحلوة والملابس الغاليات ودهن الوجه اليخلي الوجه مرايه بنور والعطور الفواحه بس لمعزوزه وحريم قياتي، وإذا حد سألك منها تقولين جبتها بالطلب، وكأن مو من حق حد غيرهم يصير متلهم.
- ماكنت اعرفك غيوره حقوده ياخوله؟! ليش ماكنتي تطلبين، جربتي يوم وطلبتي شي وأنا ماجبته لك؟
-مو حقوده بس أي غيوره وكنت أتمنى ألبس مثلهم واتزين بنفس زينتهم بس إنت ماترضين بالزين إلا لهم لجل يكونوا مختلفين عن الكل والكل يشوفهم أحسن وأجمل.
- كله بقروشهم انا ماجبت شي لحد من عندي، هما الكانوا يقولولي إيش يريدون ويعطوني قروشه وانا اجيب.
- والمايعرف إيش ينجاب مايحظى بشي؟ معنا قروش وكنا راح نعطي بس أنت الما تسألين.
صمتت عوالي قليلاً وهى ترى خوله بهذه الثورة، وتسائلت..
كيف لها ان تغفل عن مثل هذا الشيء، كيف لها ان تتجاهل غيرة النساء من بعضهن وتأتي بالنفيس للبعض في حين أخريات يتمنين ولا يطلن؟
فأخذت نفساً عميقاً وردت على خوله بهدوء:
- معك كل الحق ياخوله،هي المره الثانيه التنبهيني لشي كبير كنت غافله عنه، روحي ياخوله وموعد عرسك ماراح يتأجل، الحين ادز على سعود واتفق معه على كل شي وارسل معاه الشباب للحضر يشترون له كل اللازم؛ لأن سعود مايعرف لحاله،
وأنت بعد لكِ عندي أشيا واجد جميله متل اليستعملنها حريم قياتي وبناتهن.
-ممنونتك ياشيخة بتثبيت موعد العرس، بس من رخصتج انا ماانريد شي ولا راح نآخذ شي، اليجي بعد طلب إسمه إستجداء وانا مانستجدي،
رجوه علمتني إن الما لي مانطلبه ولا حتى بالعشم لأنه مايجى إلا ووراه مذله.. وأنا شبعت مذله من الكل.
أنهت كلماتها وغادرت خيمة عوالي وتوجهت لخيمة سعود.. نادت فخرج هو،
وبمجرد إن رأها إرتبك ولم يعلم ماذا يفعل أو ماذا يقول، فوقف صامتاً فاردفت هي:
- ياسعود الشيخه عوالي الحين راح تدز عليك وترسل معك شباب للحضر لحتى تشتري اغراض الخيمة، ماتقول إلا تم وتروح من خشم مصكر، لا تهتم لكلام حد وان القبيلة مشغولة بغياب عقاب، الغايب بكره يرد والمارد ماتوقف دنيتنا لجله، إذا أنت الغايب كان عقاب دفنك ورجع على عرسه ماحزن طرفة عين.
-إيش تقولين ياخوله، بس هاد اسمو عدم تقدير وعدم إحساس.
- إي انا ماأحس ولا أقدر، وأنت متلي أريدك، بلا إحساس لأن اليحس مايجني من ورا إحساسه غير الخيبات..
وياإبن الحلال نحن الحين على البر ومانزلنا المي، وأنا اريد أقولك كلمتين إذا عجبوك كمل ماعجبوك تراجع لأن هاد راح يكون تعاملي مع الجميع وأنت أولهم:
(العين بالعين والسن بالسن والحِن بالحِن والبادي بالقسوة يتحمل القسوة.)
-هبااا هباااا ياخوله هدي شوي، إيش جرا لكل هالشي؟
- ماجرا شي، أنا قولت العندي وانت مخير، وحط قبال عينك مو خوله التاخدها وتعذبها بثقل أو تقصير، ولا خوله التروح تتزوج عليها وهي تسكت وترضى، خوله تذبح وتطم وماتعرِف الدبان الأزرق طريق ذبيحتها.
أنهت كلماتها وإبتعدت بخطوات واسعة ووقف سعود يراقبها ثم تبسم وأردف معقباً:
-يبه ذيبه والله وتعرفين تجيبين حقك بلسانك قبل يدك، لا والله لآخذك وأنا وأنت والأيام طوال ياخوله.
هم ان يعود للخيمة ولكن أوقفه إحدي صغار القبيلة وهو يقول له:
-عم سعود ياعم سعود، الشيخه عوالي تريدك بخيمتها الحين.
توجه سعود لخيمة عوالي وإستأذن ودخل، كانت جالسة وأمامها صندوق عاجي تقلب فيه، وبعد برهة أخرجت منه بعض الحُلي ومدتهم لسعود قائلة:
-هاك ياسعود خذ مني، هادول هديتك لخوله تعطيهم لها بيوم العرس مو قبل. وبخيمتك تلبسهملها بيدك؛ حتى تطوق رقبتها ويديها بجودك وماتشوفك قليل.
والحين تمشي للشيخ قصير هو عنده علم وبيعطيك قروش ويأمر الواعي من الشباب يروح معك تشتري اغراض عرسك، لا تسترخص شي وتتناصح وتوفر خوله ماترضى بالقليل وتبلعك متل حيه جوعانه شافت فار.
أومأ لها سعود بالموافقة وهم بالرحيل، فأوقفته قائلة:
-اقول ياسعود، بالحضر أسمع أن به حمامات عرس للرجال أو ماادري ايش، يدخلونها شي ويطلعون منها شي ثاني، خلي الشباب ياخذونك لواحد منهم وسلم روحك لأصحابه يشيلون من عليك وصخ الاغنام وتراب الصحاري ويجلون رجليك،
وماتنسى تجيبلك زوزين نعال جداد وكم قطعة ملابس داخليه وخارجيه وزجاجة مسك او عود أو أي عطر يغير ريحتك وخلي الشباب يساعدونك بالاختيار.
أومأ لها مرة أخرى وهو يتبسم حتى ظهرت نواجزه، وغادر الخيمة مسرعاً، وكم أخذها العجب حين لم يعقب على شيء، أو حتى يذكر عقاب بكلمة تحفظ ماء وجهه أمامها وتُشعرها بأنه يهتم لأمره!
ولكن يبدو أنه مثل خوله تماماً لا يهتم إلا لنفسه، أو ربما هذه قناعة خوله ونقلتها له، فعوالي فهمت أن خوله نوعها ممن لا يسمح لأحد بمعارضة مصالحها أيًا كان.
أما في النيابه..
- دلوقتي ياياسين إنت متهم بخطف المدعوه حياة مبارك عبد العزيز وفيه كاميرات صورتك وشهود عيان على الوقعه إيه أقوالك؟
- اقوالي إني مخطفتش حد، انا صحيح ارغمتها تركب العربيه بتاعتي بس مكنش غرضي الخطف، كنت عايز اتكلم معاها فموضوع وهي رافضه ومكنش قدامي غير كده، ودا كل اللي حصل ومش هتكلم ولا اقول حاجه تانيه إلا في حضور المحامي بتاعي.
انهى ياسين جملته وطُرق الباب، ودخل منه الصول، وبعد ان ادى التحية أخبر وكيل النيابه بأن محامي المدعو ياسين قد حضر، فأمر الضابط بإدخاله، وعاود إستجواب المتهم في حضور المحامي، وبعد التحقيق أمر الضابط بحبس ياسين يومين على ذمة التحقيق،
وبعدها تلقى وكيل النيابة مهاتفة تخبره بأن هناك جديد في قضية ياسين، وأن شرطة الميناء ضبطت كمية من الأسلحة لا بأس بها مخبأة فى شحنته القادمة من قبرص، وأن الشحنة بكاملها قد صُودرت وتم التحفظ عليها وهذه قضية أخرى.
أما فى مكان آخر...
يلا يبني إركب بسرعه معايا فركة أفغاني هتظبط دماغك لشهرين قدام، ومعاها قزازة نبيت أبيض من اللي وصى عليها لقمان.
- ياعم انت حرام عليك هو لقمان وصى بالنبيت برضو؟
أجابه الآخر الجالس بجانب السائق في مقدمة السيارة:
- ياعم اركب بس ومتمسكش في الكلمة..
ركب الشاب السيارة مع صديقيه وتحرك بها سائقها وتوقف في مكان بعيد ونائي وبه مبنى واحد ضخم من هيئته يبدوا أنه مصنع مهجور، فنزل ثلاثتهم ودلفوا للداخل، وبمجرد دخولهم شموا رائحة كريهة جعلتهم يعودون للخلف وصاح احدهم:
-اووع إيه الريحه دي، إيه ياعم المكان المعفن اللي جايبنا فيه ده؟
-يابني تلاقيه حيوان مات جوا المصنع ولا حاجه، إحنا هندخل ونطلع نقعد على السطح نطفح اللي معانا وننزل، وكمان محضرلكم مفاجإة، هكلم البت اياها صوت وصوره ومش خساره فيكم اللي هتشوفوه معايا، انا دافعلها متقلقوش وهننبسط.
نظر الأثنين لبعضهم، وسبقهم صاحب السيارة للداخل وتبعاه، وجدوا السلم وصعد اثنين والاخير أخذ يتلفت حوله ويتفقد المكان وهو يسد أنفه، وصرخ وتراجع للخلف وهو ينظر فى إحدى الزوايا..
كان حوض مليئ بأشياء كثيرة وقديمه، وقد ظهرت من إحدى زواياه أصابع بشرية ، إصبعها البنصر به خاتم أنثوي، فأشار لأصحابه نحوها قبل أن يهرب للخارج، فتبعوه جرياً وقد عرفوا أن مصدر الرائحة إنسان وليس حيوان،
غادروا المكان سريعاً وقد ارعبهم ما رأوا، وقرر أحدهم الإبلاغ من إحدى الكبائن الموجودة بالشارع.. وماهى إلا ساعة وكان المصنع يعج بالشرطة وتم نقل الجثة للمشرحة لتشريحها ومعرفة هويتها.
اما عند سالم وآدم..
سالم:
- تقدر تمشي ياعقاب ولا نبقى بالمشفي اليوم لحين نطمئن عليك وتصير أحسن؟
رد عليه وهو يحاول أن يرتدي سترته، فأسرع سالم يساعده:
-لا مااريد ابقى مااحب ارقد بالمشافي، وبعدين انا صرت تمام، هي باروده ماتأثر، والوجع شبينا عليه وأصبح شي عادي.
- زين.. الحين تروح عالقبيلة ولا راح تضل هين ولا إيش؟
-لا ماراح اروح عالقبيلة قبل مااصفى كل شي هين، الشركة والاصول وكل شي ماأبقى إلا القصر.
- خلص انا معك لحين تفض كل شي.
- لا إنت توصلني لأي فندق ويكون صغير ومامعروف، أو تأجرلي شقة لمدة شهر ببطاقتك واسمك وترد للقبيلة وتاخذ من الشباب اذكاهم وتروح توضبلي طابق من طوابق المبني الشتريته من عمك قياتي وتخليه ينفع مقر شركة، وتجهزه على أعلى مستوى، وانا بس تعطيني التمام بنقل كل موظفين الشركة، اليرضى منهم يعنى، ونبدأ على بركة الله.
- الله ييسر الأمور، بس انا ماراح أنأمن عليك تقعد لحالك ياعقاب، لزوم يكون معاك حد يدير باله عليك ويحرسك.
- لا ياسالم، الحراسه وكثرة الناس تلفت الأنظار.. وأنا مااريد حد ينتبه لي،انا مع حالي انخلص كل شي، بس أول شغله تروح القصر تجيبلي اللابتوب وكم غرض وبعدها تروح عالقسم تخلي رجالنا يخلصولي السيارة وتاخذها ترد بها للقبيلة وتخليها هناك.
-وانت بيش تتحرك؟
- انا بتصرف لا تشيل همي، هيا تحرك الوقت يمر وأنا مااريد اضيع وقت.. اقول ماحد من رجالنا كلمك وقالك شي بخصوص ياسين؟
-لا ماحد كلمني.
-غريبه مع إن رقمك عندهم وقلتلهم لو مارديت كلموا سالم، ومو معقول للحين ماتم شي!
- إنتهى من جملته فكان هاتف سالم يصدح معلناً عن إتصال، ولما نظر للرقم تبسم وقال:
- أبشر الخبر وصل.
رد على الهاتف وزادت إبتسامته ونظر لآدم وردد:
- يعني ياسين لبس تهمة السلاح، بالمبارك عليه.
أنهى المكالمة ونظر لآدم الذي قال له:
-زين، خلي يستمتع بالسجن شوي لبين مااشوفله شغله تخليه يتختخ بالحبوس ويتمني يشوف البراح مايطوله.
- اقول إنخلص عليه ونرتاح ياخوي.
- لا ياسالم الموت راحه وانا قلتلك قبل مااريد ياسين يرتاح.
أنهى كلماته وعاد هاتف سالم يصدح بإتصال جديد، وهذه المرة كان محمود، فأعطى سالم الهاتف لآدم كي يرد عليه:
- اي يبه إيش اخبارك الحين واخبار أمي؟
-إحنا بخير طول ماانت بخير يابني.
صمت قليلاً فعلم آدم أن هناك مايريد قوله فشجعه قائلاً:
-هات العندك يابوي والف مره قولتلك لا تتردد وقت تريد تقولي اي شي.
- والله ياآدم يبني انا ماعارف اقولك إيه، بس انا غصب عني، أنا واخد عهد على روحي وبتعذب بيه.
أنا عرفت اللي حصل لياسين وطالب منك تبعت حد ياخد باله من عمك وتسأل على بنت عمك ومتسيبهاش لكلاب السكك تنهش فيها.. دي مهما كان لحمنا ياحبيبي، ولو قدرت تجيبها تعيش معانا هنا هاتها، كارمن لسه صغيره ومتعرفش تحمي نفسها ومتستاهلش تضيع، وملهاش ذنب فحاجه.
تنهد آدم ورد عليه:
-. والله قلبك الرجيج هاد الضيعنا أول وتالي وما أدري إذا من حسن حظي ولا من سوئه إني ورثته منك،
انا بالأساس كنت ناوي أبعث سالم لكارمن قبل مايرد للقبيلة، وفكرت إنه ياخذها معه بالفعل، بس صراحةً مافكرت بعمي ولا جه ببالي.
- معلش يبني، دول قدرنا ولازم نتحمله للنهاية.
-أبشر ياابو آدم، مايصير إلا البخاطرك والتريده، لجل عين تكرم مدينه.
انهي المكالمة وغادر المشفى مع سالم، وأوصاه بكل ماطلبه منه أبيه، ونزل في فندق صغير حتى يُكمل كل ماخطط له.
وبعد ثلاثة ايام...
سالم:
-هاه ياعقاب خلصت كل شي ولا لسه فاضل شي بعد؟
-مو فاضل كثير ياسالم، أروح الشهر العقاري غدوه مع المشترين ونوثق العقود واستلم آخر دفعة من القروش وبأول سيارة تلاقيني بالقبيلة عندكم.. يعني شغلة يومين ثلاثه.
- يصير خير.
- قولي ماعرفوا رجالنا شي عن كارمن؟
-أخر شي يقولون كانت عند صديقتها وأخذها ياسين ومن بعدها ماردت لا عند صديقتها ولا لسكنها.
- أنا حاسس إن فيه شي مو مظبوط بخصوص مسألة إختفائها، وقلبي وعقلي يقولون إن ياسين سوى فيها شي.
- مو بعيده عليه، يمكن شافها عقبة بطريقه او خاف تورث شي من الماعنده وحب أنه يريح أموره كلها، أصلاً واحد تربى على إن الأخ يقتل أخوه إيش تنتظر منه؟
-خلاص الحين نوجه البحث لطريق ثاني، ندور بالمشافي وبين الأموات المالهم هوية.
-يارب نلاقوها من ضمنهم وينقطع السلسال والنسل كِله.
- ياااخ حرام عليك إيش سوتلك هي المسكينه؟
- لا بعدها ماسوت شي، تسمك او تعطيك باروده بنص قلبك وقتها بس تقول سوت مو هيك؟
اطلع اطلع فوت قدامي وصكر فمك ماتفتحه ولا تنطق واتركنى ادعى باليريحني.
- سكتنا.
أما في القبيلة في هذه الأثناء:
- ياناس حد يبرد نار قليبي والله حرام، حرام يالمتخافون الله، احس انكم مرتاحين واجد بس ليش ماتريحوني معكم، حتى ابوه وأمه ياكلون ويعبوا بطونهم وماهاممهم شي..لا والله الكل يعرف الما أعرفه وإذا كنت من ضمنهم يامعزوزه يكون آخر البيني وبينك
يتبع