
سأقتلك وأقتلها
اندهشت أنه لم يستيقظ للعمل بل ظل بجوارها يضمها له وأنفاسه تسقط على عنقها كما اعتاد، لفت رأسها ونادته "حمزة، حمزة إنها الثامنة، ألن تنهض"
فتح عيونه والتقى بها وقال "لا حبيبتي، أنا اجازة اليوم"
ابتسمت والتفت بين ذراعيه لتواجه فرفع يده وأبعد شعرها عن وجهها وهي تقول "إذن تعلمني السباحة، تمنيت كثيرا نزول الحمام ولكني كنت خائفة أن أفعل وحدي"
ابتسم وقال "سنفعل لكن نطمئن على الحمل أولا، هل نسيت أنك حامل؟"
هزت رأسها بالنفي وقالت "لا ولكن السباحة لن تضرني"
مرر أصابعه على وجنتها وقال "نسمع رأى الطبيب أولا"
هزت رأسها ولم تعترض ولكنها قالت "سيكون هناك يوم اجازة آخر لن أتنازل عن ذلك"
لم يرد وهو يقبلها والقبلة يتبعها الكثير مما يحبه هما الاثنان
لم يضيع الوقت وهو يأخذها لمركز طبي شهير، الطبيب أنهى الفحوصات ثم قال "كل شيء جيد، الاهتمام بالتغذية من الأمور الأولى، الغثيان والقيء لن يتوقفوا بالشهور الأولى"
رفع وجهه لهما وقال "الحذر مطلوب، الإجهاض السابق يعني الحذر"
هزت رأسها ولم يقل المزيد ورحلا لتناول الطعام بمطعم هادئ وكان وقت رائع حتى عادا، السباحة لم يعترض عليها الطبيب ولكن بحرص وهو فعل معها ولم يفلتها أبدا بل وتبادلا القبلات بسعادة
ساهر عاد من لندن وزارهم زيارة قصيرة لم يبدو جيدا ولكن لا إجابات منه أمام أسئلتهم
الليل وصل بسرعة وهي بين أحضانه على الأريكة يشاهدان التلفاز حتى نامت فحملها لغرفتهم ووضعها بالفراش وكاد يدخل بجوارها عندما سمع صوت غريب
بسرعة رحل ذهنه لأشرف فتحرك للنافذة، تأمل الأجواء بالظلام المحيط بالفيلا فلم يجد شيء، أغلق النافذة جيدا ثم تحرك للخارج بحذر، الأسفل كان ما زال مضاء فهو لم يطفئ الأنوار
ما أن وصل للسلم حتى شعر بشيء بجواره فخطى للجانب بسرعة ليجد عصا غليظ تتهاوى بجواره كان من المفترض أن تسقط على رأسه، عندما رفع وجهه لصاحب العصا بالطبع عرف أشرف الذي لم يتراجع وهو يرفع عصاه مرة أخرى وهو يهتف
"ستموت، لن أرحمك تلك المرة وهي أيضا ستموت، تلك المرة سأتأكد من ذلك"
وانقض مرة أخرى على حمزة بالعصا ولكن حمزة ابتعد بخطى سريعة لتتهاوى العصا بالفراغ وهو يقول "ألم تتعلم شيء من الدرس السابق؟"
التف أشرف له وقال "بلى فعلت، تعلمت أنك لابد أن تموت"
حاول مرة أخرى بضرب حمزة ولكن تلك المرة حمزة صد العصا بيداه الاثنان ليلتقي الرجلان وجها لوجه وحمزه يهتف "لا أحد يموت قبل وقته"
كانت العصا بينهم ولكن حمزة أرجع رأسه للخلف ثم دفعها لتضرب رأس أشرف بقوة فيترنح جسده للخلف ويفقد توازنه على السلم ويتدحرج حتى يصل للأسفل وحمزة يتبعه وأشرف ينهض واقفا ولكن حمزة لم يمهله وهو يضربه بقوة بوجهه وقال
"وأنا تعلمت أن لا أترك شيئا ناقصا، كان لابد من قتلك بتلك الليلة"
بالطبع تصدى أشرف لحمزة ودفع بقبضته بوجهه ولكمة أخرى وتصدى حمزة للثالثة ولكن أشرف وجه لكمة لمعدته وأخرى لوجهه جعلت حمزة يتراجع ليسقط على المائدة فتتهشم تحت ثقل جسده ويسقط على الأرض
أخرج أشرف سكين حاد وهتف "أنا من سينهي الأمر الآن"
انحنى ليضرب حمزة لكن صرختها علقت يده بالهواء "حمزة، لا"
رفع أشرف نظره لها وكانت لحظة جيدة وحمزة يضرب السكين بقدمه بعيدا دون أن تسقط ثم يقفز واقفا برشاقة وأشرف لم يستوعب ما حدث وحمزة لم يمهله وهو يلكمه بوجهه مرة وراء الأخرى ثم بمعدته وهو يتراجع أمام هجوم حمزة لكنه لم يكن بالخصم السهل والشر يقوده فصد قبضة حمزة ولكمه بقوة بوجهه ثم فجأة غرز السكين بجانب حمزة الذي شعر بنيران تخترق لحمه وانحنى ثم تراجع وأشرف ينزع السكين والألم يتضاعف وصرخات حلا تزداد
ولكن حمزة لم يستسلم هو الآخر ونسى الألم وهو يعتدل رغم الألم ويركل السكين بقدمه مرة أخرى فتسقط بعيدا عن يد أشرف ثم يعود ليلكم اشرف بقوة مرة وراء الأخرى لكن الكلب لف ذراعيه حول جسد حمزة ثم دفع أصابعه بجرحه فتألم حمزة من جرحه مما أضعفه فلف أشرف يداه حول عنق حمزة وهو يهتف
"مهما كانت قوتك سأقتلك وأقتلها ولن أرحمكم"
حاول حمزة تخليص نفسه ولكن الضعف سرى بجسده من النزيف والأنفاس انقطعت عنه ولكن تلك الأيدي انفلتت عنه فجأة وأطلق سراحه فسقط على ركبتيه وهو يستعيد أنفاسه ويرحل الظلام الذي كاد يحيطه وهو يسمع شيء يسقط على الأرض بجواره فنظر وهو يستعيد نفسه ليرى جسد أشرف متكوم أمامه، وضع يده على جرح جانبه ورفع وجهه ليراها واقفة بشعرها المبعثر وروبها الملتف حولها ويدها تقبض على السكين الملطخ بالدماء فأدرك ما فعلته فرفع يده لها وهتف
"حلا، حلا أفيقي، اطلبي، جاسم"
ثم استسلم للدوار الذي أصابه وسقط هو الآخر بجوار أشرف وكلاهم ينزف بغزارة
عندما استعاد وعيه وفتح عيونه كان بغرفة بمشفى، لم يكن هناك أحد، للحظة لم يذكر ما كان ولكن الذكرى اندفعت له مرة واحدة فهتف وهو ينهض "حلا"
تألم من جانبه فوضع يده عليه والباب انفتح والممرضة تندفع ومن خلفها ساهر وكلاهم يعيدوه للفراش وهو يهتف "زوجتي؟ أين حلا يا ساهر؟"
حاولا تثبيته بالفراش والممرضة تهتف "يا فندم الحركة خطأ ستعيد فتح الجرح، يا فندم اهدأ من فضلك"
ولكنه لم يهدأ ودفعها بقوة هي وساهر وهتف "ابتعدوا عني، أريد زوجتي"
ونهض رغم الدوار والألم ولكنه كاد يسقط لولا ساهر الذي التقطته وأعاده للفراش وهو يهتف به "بخير حمزة، هي بخير فقط اهدأ لنتحدث"
نظر له والألم يضربه بقوة وقال "أين هي؟ أريد رؤيتها"
الممرضة ذهبت بينما قال ساهر "هي بالنيابة حمزة وعامر وجاسم معها، أشرف بين الحياة والموت والنيابة تأخذ أقوالها"
حاول النهوض مرة أخرى ولكن الطبيب كان قد دخل والممرضة خلفه وهو يقول "ما تفعله خطر على حياتك، الجرح ما زال جديد، امسكه معي من فضلك"
هتف بقوة وهو يحاول التخلص منهم "دعوني، أريد رؤية زوجتي، هي بحاجة لي، لا يمكنني تركها.."
دقائق وكان يعود للظلام مرة أخرى وهو يرى كوابيس عن ضياعها منه أو حبل المشنقة حولها وهو يصرخ بمكانه مقيد لا يستطيع إنقاذها ولا يفعل غير الصراخ باسمها
يد كانت تهزه وصوت يناديه، فتح عيونه ليرى ساهر والطبيب وعرق يتصبب على جبينه وألم بجسده وجانبه والطبيب يقول "أنت تضر نفسك"
كان يأخذ أنفاسه بصعوبة حتى قال "أين حلا ساهر؟"
ملامح ساهر لا تخبر أحد بشيء هكذا هو لو لم يكن المرح أو السخرية فلا شيء سواهم لذا قال "بخير، النيابة أطلقت سراحها وجعلت القضية دفاع عن النفس خاصة وأنت مجروح وطبعا خلفية ما فعله بها أشرف بالقضية المسجون بسببها والهارب منها، والآن النيابة بالخارج من أجلك"
هتف بغضب واضح "أنا لا تهمني أي نيابة، أنا أريد زوجتي أين هي؟ لماذا لم تأتي؟"
نظر ساهر للطبيب الذي قال "هي هنا سيد حمزة، لقد تعبت قليلا بالنيابة وهي"
لم ينتظر وهو ينهض وتلك المرة لن يوقفه جيش كامل وهتف "أريد رؤيتها، الآن، لن يوقفني الجحيم عنها هل تسمعوني، اريد الذهاب لها الآن"
سانده ساهر بقوة وقال "حسنا حمزة فقط اهدأ، سآخذك إليها"
وساعده ساهر بتخطي المسافة وتخطو رجال النيابة حتى فتح باب غرفتها ووجدها نائمة على الفراش ومحلول معلق بذراعها وليل تجلس بجوارها نهضت لرؤيته والطبيب يتبعهم
جلس على طرف فراشها ولم يهتم بالألم وهتف "ماذا حدث لها؟"
التف لساهر بعيون غاضبة وممزوجة بالخوف وهتف "كانت حامل ساهر، هل رحل؟"
هتف الطبيب "لا، الحمد لله لم يحدث، السيد عامر أحضرها على الفور وتم عمل اللازم لها هي بخير لا تقلق، فقط اهدأ"
أمسك يدها والخوف ملأ قلبه عليها وساهر يقول "هي بخير حمزة والطفل أيضا هل تهدأ الآن؟"
لم يجيب وما زال يقبض على يدها وعيونه تتأمل وجهها الشاحب، قلبه يؤلمه عليها، كم مرة لابد أن تؤلمها الدنيا؟ كم مرة عليها أن تعيش الخوف؟
هتف "حلا، أنا هنا حبيبتي، لن أتركك أبدا"
دق الباب ودخل عامر ولكنه لم يراه وعامر يقول "لم أجده بغرفته"
لم يسمعهم وهو يحدق بها والطبيب يقول "هي ستستعيد وعيها بأي لحظة لقد منحها الطبيب اللازم من أجل الصدمة ومن أجل الحمل، هو لابد أن يعود للفراش حالته صعبة وجرحه عميق"
هز إخوته رأسهم وقال ساهر "أزح الجبل أولا ثم فكر بإزاحته من هنا"
ابتسم عامر وقال "أنا لابد أن أعود النيابة، المحامي بانتظاري مع جاسم، ليل هيا لأعيدك البيت معي، هذا المجنون لن يوقف أحد"
كانت تفهم أنه أراد تركه مع امرأته فتحركت معه وغمز لساهر الذي ظل باقيا والطبيب خرج هو الآخر
تحرك ساهر وجذب مقعد مريح ووضعه بجوار الفراش وقال "هنا أفضل حمزة، من أجل جرحك ومن أجلها هي الأخرى"
لم يعارض وساعده ساهر على الانتقال، الألم كان صعب لكنه لم يهتم وساهر يقول "هذا الرجل لم يكن ليتوقف"
هز رأسه وقال "لكن هي أوقفته"
تأمله ساهر ثم قال "نعم، شجاعة حقا"
رسم ابتسامة على شفتيه وهو يذكرها جيدا، الخوف كان كل ما تعرفه لكن اليوم لم تخاف وصارعت من أجله بل قتلت
سمعها تهمس باسمه فاقترب ولمس يدها وهتف "حبيبتي أنا هنا"
فتحت عيونها ببطء من الصداع الذي يضربها وهي لا تعرف أين هي ولا ماذا أصابها وهي فقط تناديه "حمزة، حمزة أين أنت؟"
شد على يدها وقال "أنا هنا حبيبتي، بجوارك، حلا هل تسمعيني؟ حبيبتي أنا هنا"
لفت رأسها له وبسرعة اندفعت الدموع لعيونها مع الذكريات وهتفت "حمزة، أنت بخير؟ لم تمت، الحمد لله، حمزة، طفلنا.. أنا لا أعرف"
سمع الباب يغلق فعرف بذهاب ساهر، قبل يدها بقوة وقال براحة "بخير حبيبتي، طفلنا بخير وكلانا بخير الحمد لله"
أغمضت عيونها وعصرت دموعها وهي تهتف حامدة لله ثم عادت له وقالت "جرحك؟ كنت غارقا بالدماء، وأشرف أنا طعنته بالسكين، كان سيقتلك حمزة، كان يخنقك"
هز رأسه وهو يقول "نعم كان يفعل وأنتِ أنقذتِ حياتي حبيبتي، لم تخافي، لم تخافي حلا"
هزت رأسها والدموع تتأرجح معها وقالت "لا، لو خفت لضعت مني وأنا لا يمكنني الحياة بدون وجودك معي"
نهض وانحنى وقبل جبينها ونظر بعيونها وقال "ولا أنا حبيبتي مصيرنا واحد حلا، كلانا مكتوب للآخر ولن نكون سوى لبعض، أنا أحبك حلا، أحبك"
قبلها حتى ابتعد فقالت "أحبك حمزة، أحبك يا من كان وما زال وسيكون فارسي الأول والأخير ووالد أولادي"
عاد وقبلها بحنان وكلاهم يعلم أن تلك الحياة كلها مكتوبة من قبل أن نولد وكما قال مصيرهم كان واحد ولن يفترقا مرة أخرى ولن يتركها أبدا وحدها مهما طال بهما العمر
تمت بحمد الله