رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الحادي والعشرون21 والثاني والعشرون22 بقلم ريناد يوسف
غادرت العنود الخيمة باحثة عن رسالتها التي تطوف بين الخيام، وهي التي كانت تبحث عنها في المدينة في وسط الزحام وتظن أنها ستجدها هناك، حيث الضجيج وتحجر المشاعر وتغير العادات والتقاليد، وممارسة البشر لألاعيب البقاء، أما هنا أرض الفطرة والنقاء فوجود حالة كحالة رجوه لم تتخيله ابداً!
وجدتها جالسة بجوار الموقد تعد الأعشاب لأختها، إقتربت منها فوجدتها سابحة في تأمل ألسنة اللهب وهي تتمايل أمامها يميناً ويساراً، ومن الواضح من ملامحها انها ليست على إستعداد لأي حديث الآن،ولكن العنود وضعت كفها علي كتف رجوه بهدوء متجاهلة حالتها وردة فعلها، ولم تراها في هذه اللحظة إلا فرصتها الذهبية ولن تضيعها بأي ثمن.
إلتفتت رجوه وقطبت حاجبيها بإستهجان حين وجدتها العنود! وسألتها بحده وهي تزيح يدها من فوق كتفها:
- إيش تريدين مني، إيش جابك هين، ردي، ردي لهلك ولخيمتك.
-رجوه اسمعيني زين، انا ماني عدوتك ولا بيني وبينك شين، انا صديقة وجيتلك مدالك يدي، اعطيني فرصة وصدقيني ماراح تندمي.
- ايد ايش ورجل ايش اللي تمدينها علي؟ ديري بالك تفكري ترفسي متل اختك، والله احط راسك تحت القوري وأولع فيك ومايطفونك إلا بالرمال.
واغوربي عن وجهي الحين انا ماطايقه الملابس اللي علي، واريد اشقهم واقوا وااااك باخذك ذريعه واتحجج بيك.
- يابنت الحلال هدي حالك شوي، انا اريد احكي معك كلمتين وإذا ماعجبوك سوي اللي تريديه، انا صديقة يارجوه مو عدوة.. انا اريد اخدمك وبالمقابل اريد منك معروف.
- معروف ايش ومطشوش ايش.. اي اي الحين فهمت عليكِ..اعرف رجوه مايقربلها إلا العدو، رجوه مابحياتها غير الكارهين، وإذا كنت راسمه على شي ملكي احذرك من الحين، إلا هو يابت قياتي، إلا اللي شفت الويل لجل اطوله ويبقى لي.
- هو من يارجوه التقصدينه؟ تقصدين آدم؟
- اسمو عقاب.
- مو مهم الاسماء، المهم الحين اني ماأفكر باللي ببالك ولا خطر لي، انا يارجوه عشره طالبين رهني وعقابك مو منهم، واليفصلني عن الارتباط إني اوازي بينهم واشوف الأنسب وبس اقول تم تصير خطبتي، غير هيك اوهام بعقلك.. انا جيت اريد أسمع منك وتفتحيلي قلبك ونصير خيه واختها، ولا ماتريديني اخت لك؟
- لا مااريد خوة ولا اريد حد بحياتي، روحي وازي وانخطبي وبعدها نحكي كيف ماتريدي، أما الحين ماعندي اي حكي، ومن رخصتج لعشاب فارت واريد امشي بيها لخيتي.. خيتي الي مالي غيرها ولا راح يكون لي، ومو كل وحده تجي تقول انا اختك تصير اختي وافتحلها قلبي.
غادرت رجوه ووقفت العنود تتأملها بعيون تلمع، عنيدة هي وثائرة وصعبة المراث، وهذا بالضبط ماتريده، فالأشياء السهلة لا تستهويها أبداً وكم تعشق التحديات.
دلفت رجوه لخيمة اختها وأعطتها الأعشاب وجلست بجوارها مهمومة، ولما سألتها معزوزه عما عكر صفوها اخبرتها بما سمعته وفتت نابضها، فصمتت معزوزه واخذت تشرب الأعشاب بهدوء، فقد سئمت من أحوال اختها وحظها العاثر، فهي الوحيدة دوناً عن فتيات القبيلة التي تواجه كل تلك الصعوبات.
جلست رجوه قليلاً بجوار معزوزه إلى أن انهت شرابها، ثم اخذت الكوب الفارغ وخرجت به من الخيمة واخذت تطوف حول الخيام بغير هدى.. كتائهة لا تعلم وجهتها ولا يعرف قلبها لأي بيت ينتمي.
جلست على مسافة من الخيام وأخذت تتأمل السماء وصفائها والطيور التي تحوم فيها، وتمنت لو أنها طير يحلق في الفضاء بحرية ولا يستطيع أحد الإمساك به إو تقييده بعادات أو تقاليد..
تبسمت حالمة وإذ بها تعود من عالم الأحلام علي صوت بغيض يقول:
- اقول ليش الحلو جالس لحاله مساك الله بالخير ياوجه الخير.
كان صياح، وظنت أنه اتي بمفرده متطفلاً، فردت عليه:
-الله لا يمسيك.. ولما ادارت راسها وجدته هو وابيها وعمها قياتي معهم اكملت سريعاً.. إلا بالخير.
تحدث ابيها إليها متسائلاً:
- ايش تسووين هين وايش مبعدك عن لخيام؟
- شردت وماعرفت ارد.
زفر بضيق فتبسم قياتي وهو يهدئه:
- والله ياقصير بنيتك خفيفة الظل واجد وتنحب، وانا اقول صياح ليش طاح على بوزه.
فردت عليه رجوه:
- طيحه بلا قومه انشالله.
نظر إليها صياح وهو يجز على انيابه فأمسكت بيدها حجراً دون أن يراها أبيها وكأنها تهدده إن تكلم سيلقي حتفه، فتنهد ونظر لقياتي وأردف:
- اقول ياعمي انا واقف على بابك طالب منك شي واتمني ماتردني خايب.
-تمون على الرقبه إذا الطلب باليد ماتلاقي إلا الجود.
- انا اريد ارهن بتك عفرا ياعمي، أدري ماحد جا صوبها والكل يخاف منها، بس انا مااخاف.
قصير:
-الله يطيح حظك ياصياح.. ترهن على بتي؟
- مثني وثلاث ورباع ياعمي وهاد شرع الله.
- اي بس تزوج بتي وبعدها شوف روحك إذا بتقدر على مثني وثلاث ورباع، مو تثني وتثلث بالرهن؟
وهنا ثارت رجوه وكأنها تغرق واحدهم رمي لها طوق النجاه:
-والله يازين مااخترت ياصوييح، عفرا بت عمك والنعم منها، بس انا اعتذر من الكل ماراح اتزوج على ضره، انا عالبر ماتزوجت وإذا حبابب ترهن حل رهنك علي.
انهت كلماتها ليرد عليها قصير:
- انت تصكرين فمك وحرف ماتنطقين.
وهنا رد قياتي:
- ليش ياقصير ليش، هاد زواج وإذا البنيه ماتريده مايجوز تجبرها،حقها تعترض.. هو حل نهوته عليها يروح يشوف حاله وهي تتزوج اللي يعبي عيونها.
قصير:
-قياتي اسكت انت ماتفهم شي، هي ماتعبي عيونها رمال الصحاري كلها.. هي فانص والفوانص ماليهم حقوق.
وهنا هدرت به رجوه:
-لا يابوي.. انا بس اللي دون عن كل البشر المالي حقوق، سقطت كل حقوقي وقت ربي اراد اني اكون بتك وبت مكاسب وتحرموني الحِن وترموني متل كلب أجرب يشحذ الحنان.
تحدث صياح غير آبه بها:
-هااا ياعمي ايش قولت بشرني.
رد عليه قياتي بعد أن نظر لعينا رجوه:
- اقول ياصياح انا بنيتي ماتقبل تنرهن فوق رهن بنيه غيرها، ومو لجل انها ماانرهنت راح ترضى بحيالله شخص، عفراء ماترضى إلا باليدخل راسها ويعبي عيونها.
- وانا مو قليل ياعمي، اعرض عليها الأمر وشاورلها علي وهي بتوافق انا واثق.. وإذا نهوتي على رجوه سبب.. انا الحين ياعمي قصير اريد افك نهوتي على بتك، انا مااتزوج اللي تدجني بالاحجار.. انا ماعايز بتك انا باخد بت عمي قياتي العفرا.
رد عليه قصير:
- لا مافي فك رهن وبتتزوجها من ورا خشمك ياصياح.
-وانا ماعايز بتك ياعمي خلاص انا خدت العفرا.
قصير:
-الله ياخذك اخذ عزيز مقتدر، ليش نهيت إذا مارايد.
-لقيت الافضل، والحق اقول، بتك مافي حد يريد يتزوجها بس انا حبيت اسوي معك جميل واخدمك، وادري تصون الجميل وتكافئ اصحابو.
قياتي:
- ولد ياصياح انت ماتخجل أو تستحي؟ ايش هاد التقوله لشيخك، ايش الخرابيط التطلع من فمك؟
- انا اقول الحق ياعم قياتي، انا رجوه مارايدها والشغله مو بالغصب.
ليرد عليه قصير بغضب:
- وانت من غصبك ولا جبرك ياكلب البوادي يافار الجحور، الله بسماه من اليوم مالك عندي رهينه وتحلم تدخل بتي خيمتك عروس، اغرب عن وجهي ياغراب البين.
صياح:
- لا مارايح مكان، انا واقف مع عمي قياتي لحين آخذ موافقته.
- اوافق على ايش ياصياح؟
- اني اخذ بتك عفرا.
- والله ياصياح اعذرني عفرا ماراح ارهنها الحين، وهي بعد ماتريد اي ارتباطات، تقول بس اخلص دراسه ارتبط
- متي تريد يعني؟
- والله بس تنهي دراستها.
- بس انت عرضتها للرهن مع خواتها ولا ماكنت متذكر وقتهاانها تدرس والحين انتبهت!
-ياصياح اشوف انك سليط اللسان وماتحترم الكبير وهاد عيب، ولا ماحد علمك العيب انت؟
وهنا ردت عليه رجوه:
- ياعم قياتي هو ماحد علمه اي شي، وهاد لا تخاف على زعله، دجها بنص وجهه وقوله انا مااعطيك، قوله بتي غاليه ومانباح الياخدها من بين كل الناس.
صياح:
- وليش صياح ماياخدها، وايش تشوفين صياح انت، والله الاعرفه إننا كلنا من فخذ واحد ومافي حد اعلي من حد يابت عمي.
- إي فخذ واحد بس فيه قطعت لحم من الفخذ تطيح عالارض وتشرب من الرمال، وقتها ماتنحط بجوار باقي اللحم، صح هي مازالت من الفخذ بس ماعادت تساويه ولا تصلح للاكل إلا بعد نضافه ومجهود كبير، ومايقربها غير المالاقي.
- كلامك يهد الجبال يارجوه راعى اني وليد عمك مهما جرى. والحين ياعم قياتي اريد كلمه تعطيني لو لا؟
قياتي:
-آسف ياصياح بتي ماتوالمك.
صياح:
- زين انا رجعت نهوتي على رجوه ياعم قصير.
وهنا هجم عليه قصير بعصاه، وقامت رجوه وهي تلتقط حجراَ كبيراً، فهرول صياح من أمامهم ولحقته رجوه، وهذه هي المرة الأولي التي لم يعترض اباها على همجيتها ووقف يشجعها قائلاً:
- بنص راسه دجيه بالحجر يارجوه وسيحي دمه ماترحميه.
قياتي:
-. غريب هالولد والله!
قصير:
-. هاد طامع، يلهس ورا القروش، والمايشوف غير لقروش ينسى حتى الأصول والاخلاق.
- لكن كيف كنت راهن بتك له ياقصير وانت تدري هاد طبعه؟
تنهد قصير وهو يرد عليه:
-هيييه وايش اقول ياقياتي، هي البنت حانيه ظهري وواجعه قلبي، كانت مالكه الكون وقت كان راهنها سالم، كان يراعيها بمي عينه بس هي تبطرت عليه وقلبها رف للغريب اللي مو من مجاويزنا.
- عقاب تقصد؟ بس انت تحب عقاب والشيخ منصور رحمة الله عليه ماكان يحب حد مثله، اقول ليش ما...
وقبل ان يُكمل قاطعه قصير بإشارة من يده وهدرة قوية:
-إذا تميتها مااقول إلا عليه العوض فيك.. يعني انت جاي وجايب بناتك لجل لايختلط دمنا بالغريب وتريدني أسويها انا؟
أهون علي أطمها تحت الرمال ولا اسويها واكون الشيخ الي خالف الاعراف وطغى عالعادات.
- هدي حالك ياقصير الكلام اخذ وعطا وانا بس كنت أريد القالك حل، تريد الصدق انا لبنيه مأثره بي، لأني اعرف العشق مو باليد ياخوي.
- قياتي اقول انت لزوم تترك القبيلة وترد ليبيا بأقرب وقت، انت خطر عالقبيلة وصرت عار يمشي على رجول، هيا اغروب عن وجهي الحضر قلب موازين مخك وسواك مايع وتحكي بالعشق والشويق!
ضحك قياتي ووقف ينظر لقصير الذي تحرك مبتعداً عنه، ثم عاد لخيمته يجلس مع زوجته قليلاً قبل أن يرتب لسفره.
اما في مكان آخر:
- نوف يانوف.. نوف انتظري.
-ايش تريد؟
- أ انا هلال ولد الشيخ قصير ماعرفتيني؟
- اعرفك كيف مااعرفك.
- ودريتي اني رهنتك ولا بعده عمي قياتي ماقال لك؟
- دريت.
- وايش رأيك؟
- رايي بيش، ليش انتوا تتركون مجال للبنت تقول رأيها؟ ولا البنت لها رأي من الأساس بقوانين الغابه التتزوجون وتعيشون بيها؟
-قوانين غابة ايش، نوف الله يهديك انا ماأفهم الحكي الوعر واريدك تفهميني شوي شوي.. أنا الحين شايفك مزعوجه مني وماطايقه تحكي معي، واريد اعرف السبب، أنت ماتريديني يعني؟
- تفرق؟
-اكيد تفرق.
-تفرق بيش.
- تفرق باني أسوي مجهود زياده لترضين وتكوني هانيه وفرحانه وترضين بي وعني.. انت تعرفين اننا مانقول حلو الكلام بس نفعل أفعال، وانا من اليوم أعاهدك ماتشوفين مني إلا اليسرك، بس اريد اعرف انت ايش تحبين وايش تكرهين، إيش يفرحك وأيش يزعلك.
- اكتر شي اكرهه بالدنيا عيشة القبايل واعرافها وناسها وتفكيرهم، وأموت ولا أسكنها.
- لكن إذا تزوجنا وين تسكنين؟
-ماادري، انا انتظر معجزه من ربي، واذا كان زواجنا محتوم إنسى إني أسكن خيمة وافيق الصبح احلب غنم واطبخ على هاد الشو يسمونه واملا المي من البير.
- اسويلك بنايه متل بناية عقاب وما انقص عليكي شي.
- ووين راح تبني البنايه، انا مو هليت كلامي بأني اكره القبايل وعيشتها؟
- حيرتيني معك يانوف، يعني إيش تريدين الحين؟
- اريدك تفك نهوتك عني ياهلال.. أقول ليش ماتاخد عفراء؛ هي تحب حياة القبايل وتشوف متعه في العيشه هين، خدها وتصير الشيخ وهي الشيخه، والله عفراء تفرح فرحة عمرها وتشيلك انت والقبيلة كلها فوق راسها.
- بس العين وماهوت يابنت العم، وانا عفراء ماشفتها لي حرمه، أنا من اول ماطاحت عيني عليك شفتك راعية خيمتي وأم وليداتي.
- اهووو يقولي راعية خيمتي..
ياااخ اكره لخيام ماتجيب طاريها، اقولك روح ياهلال شوف وين كنت رايح وكمل طريقك.
- ماكنت رايح مكان، انا كنت ادور عليك وجاي لك مخصوص حتى احكي معك.
- وحكيت.. وانا بعد حكيت العندي.
- طيب اقول تعي معي للوادي نقنصوا ، راح اعلمك القنص واليوم تاكلي من صيد يدك لحم طازج.
نظرت له عفراء بإشمئزاز وردت وهي تواجه شعور شديد بالغثيان:
- ويزعل وقت أقول قوانين الغابه! انت ليش ما تخاف الله، إيش تحس وانت تقنص أرنب كل ذنبه انه طلع من جحره يدور طعام فيصير هو طعام، ماسألت حالك الارنب القتلته مات جوعان ولا عطشان، كان يدور شربة مي مثلاً ونهيت عمره قبل مايشربها، مايصعب عليك غزال صغير شرد من أمه يدور العشب وقبل لا ياكل ولا يشبع فاضت روحه بسببك،
والعشيه تلتفون حول هالمساكين تشوون وتاكلون لحمهم، إيش تفرقون عن الضباع والوحوش قول لي.. عرفت انا من ايش اكره القبايل وأسلوب حياة اهلها.
صمت هلال قليلاً لا يستطيع إستيعاب كل هذه التهم التي قذفته بها، فرد عليها بتيه:
- بس الصيد والقنص حلال يانوف، ليش انت تشوفينها جريمة؟!
- بس مو كل الحلال محبوب ياهلال.
ربك احل اشياء كثيره بس مايسويها إلا المضطر، حللها لتكون سبب بنجاة إنسان أذا ضاقت بوجهه كل السُبل.
-اقول كلامك وعر وماافهم عليك تزيدين الغاز؟ يعني تقصدين تطلعيني ماافهم الحكي.
- وهاد ثاني اكبر شي ياهلال، أنت مو متعلم وانا متعلمه وعقولنا ماتوالم بعضها وماراح تفهم علي.
- من قال إني مو متعلم.. انا متعلم واعرف اقرأ واكتب وأحسب، بس مو هاداك العلام التاخذونه بالكتب وتحفظونه،
انا بوي قدملي بمدرسة الحضر بس ماداومت، جابلي مدرس هين بالقبيلة علمنا انا وباقي الوليدات القرايه والكتابه والحساب وبطلت امشي للمدرسه، بس ماتحسبيني على الجاهلين.
-لا ياهلال هاد مايناسبني، الدارسه ماتاخذ إلا دارس، وانت إذا كنت مشيت المدارس كان عرفت انا ايش أقصد.. ياابن الحلال انا وانت مشروع زواج فاشل.
- لا مو فاشل، انا بسوي كل شي يطلع بيدي لجل ينجح المشروع، وغدوه لتشوفين ايش راح يسوي هلال.. والحين اتركينا من القنص والصيد طلعنا ماعندنا قلب ولا رحمة إذا صدنا، تعال نتمشى بالخيل للوادي واوريك جمال الطبيعة والبراح الماشفتينه بعمرك.
- مااريد وما احب البراح.
- يابنت ايش تقولين انت! فيه حد مايحب البراح؟ لتكوني طير من اليحبسونه بالاقفاص وصار مايعرف الحريه!
- اي انا طير اقفاص،وانت طير براح، وكل واحد على حسب ماتربى، يلا طير انت وأشقي بروحك واتركني بقفصي انا هيك مرتاحه.
انهت كلماتها ثم انطلقت مبتعدة عنه ووقف هو يراقبها ويهتف لنفسه:
- عنيده يابت عمي وراسك يابس، بس ورب الحلا اللي شايلتيه لأكون كسار هالراس واخليك تحلفين بحياة هلال وماتطيقي تتنفسي الهوا إلا لو قاسمك فيه.
الفصل الثاني والعشرون22
عادت نوف لغرفة آدم وهي حانقة بسبب كل مايحدث، وخاصة بعد أن تحدثت معه ورأت ان لا لغة للحوار بينهم ولا توافق من اي نوع، فهو ربيب الخيام والصحاري ولا يفقه من كلامها شيء.. وهذا في حد ذاته سبب قوي للرفض، فماذا عن باقي الأسباب؟
جلست بمفردها حتى إقتحمت عفراء خلوتها وقاطعت أفكارها قائلة:
- حياكم الله ردوا التحية أو اعطونها بدالها قروش، شفتك واقفه مع هليل من شوي، هااا اشوفه سلب العقل بكلمتين والبال إنشغل.. بشري بشري.. كيف شفتيه؟
- كيف اشوفه يعني واحد همجي تربى بالصحاري، مجرم يغدر الحيوانات الضعيفه وياكلها بدون رحمه..انسان مو طبيعي تربي ببيئة غير طبيعية.. لا ويريد يعلمني الإجرام مثله وزهق الأرواح.
- وهي الحيوانات ليش انخلقت إلا للوكل؟ اقول يانوف والله يابنت أمي انت اللي مو طبيعه.. طيب انا شفته ركب فرسه وفر صوب الوادي وخذ قوسه وسهامه .. يعني هو راح يقنص الحين.
- قصدك راح يقتل.
- طيب إذا مشيتله يعلمني القنص تزعلين يانوف؟
-انت بعد تريدي تصيري مجرمه ياعفراء؟
- اي انا من زمن والاجرام يجري بدمي بس ماكنت لاقيه فرصه اظهرو، والحين تزعلين وتغارين لو لا؟
- عليش اغار، روحي لجهنم الحمرة انت وهو وخليه يعلمك القتل ياحفنة أوغاد.. والله هاد الهلال مايتوالم غير معك، طنجره وغطاها، بس ماأدري ليش هو ماشايف الطنجره المناسبه ولاحقني.
غادرت عفراء المبني وهي تقفز من الفرحة، فلأول مرة ستمارس هوايتها المفضلة على أرض الواقع، بعد ان كانت تمارسها في حديقة منزلهم علي الزجاجات الفارغة.
ذهبت لأبيها وطلبت منه ان يحضر لها قوس وسهام، فحقق لها رغبتها وهو يرى حماسها تجاه التجربة، وإطمئن قلبه لوجود هلال هناك.
فكت قيد أحد الأحصنة وإمتطته وغادرت مسرعة نحو الوادي، وحينما إقتربت رأت هلال جالس خلف صخرة كبيره ومصوب سهمه فى إحد الاتجاهات.. ولما ركزت رأت تيس بري يرعى، فأوقفت الحصان ونزلت ونزعت قوسها من فوق كتفها وعمرته بسهم وسمت الله وفي ثانية أصابت التيس أوقعته، فنظر هلال مبتسماً في الإتجاه القادم منه السهم ظناً منه بأنه عقاب أو رابح وربما سالم، لأن هذه حركتهم المعتادة، ولكنه تفاجأ بها، عاد ينظر للتيس وموضع السهم فوجد الضربة في مكان قاتل، فصاح لها:
- يبه عاشت يدك حظ المبتدئين هاد.
فتقدمت عفراء من هلال وقالت وهي تمسح المكان بعينيها:
- بس الاعرفه حظ المبتدئين مايحالف غير بأول رميه، شوف الثانيه واحكم إذا حظ مبتدئين او مهارة.
انهت جملتها وعمرت قوسها بسهم آخر وإبتعدت بهدوء وهي تهمس لهلال:
- التيس مايمشي إلا بقطعان، وابي علمنا إن الشارد لابد وأخوانه قراب منه.
رد عليها وهو يتبعها:
-صدق علام ابوك، وهي المنطقة بيها وااجد تيوس.
نظرت إليه عفراء ولم تستطع إخفاء إبتسامتها وردت عليه:
- اي منتبهه على هالشي.. انهت جملتها وضحكت فرد عليها هلال بغضب:
- ضميرك مو تمام ونواياك خبيثه تفهمين الكلام على هواك.
- انا ماقصدت شي خلي نيتك صافيه وواسع البال وخد الحياة ببساطه.. انت قلت معلومة وانا صدقت عليها.
- والله تقصدين شي، وشي سيء ومو انا النيتي بحاجة صفا ياتيسة الحضر انت.
- بس الحضر مافي تيوس، التيوس بس بالبوادي والوديان تعيش.
- اقول يابت عمي قياتي روحي من هالصوب وانا بروح من هالصوب وماتردى إلا بعد ماتنتهي وتخلصي سهامك ، وإذا ماعرفتي تردي خذي هالمسدس اضربي باروده بالجو وانا اعرف اندل عليك.
- يكون افضل، حتي انا ما ارتاح مع الاشخاص اليحرفون الكلام.
-والله تقصدين الإهانه وانا مو غبي حتي ما افهم.
- زين.. كانت مزحه.. شقه.. طُرفه.. لا تاخذها إهانه وتأسرها بنفسك وتقلبها عداوه وانت راح تصير زوج اختي، يعني اخي، والاخ مايتزاعل مع اخته.
- حصل خير، بالمناسبه خلصي وتعي اريد احكي معك بخصوص اختك .
- ماتريدك ولا تريد القبيلة ولا تحب هالعيشه كلها وعلى تكه تريد تحرق روحها.
-اعرف. ماقولتي شي جديد، بس انا اريدك حتي تعرفيني كل شي عنها ايش يرضيها ويفرحها ويرسم البسمه على شفافها.
-منك انت ولا شي، لا تحاول كل محاولاتك راح تفشل.
- اقول روحي ياعفراء ترا صراحتك تصيب أدق من السهام اللي بيدك وتستقر بمواضع الامل تقتلها..امشي الله يهديك.
غادرت عفراء وهي تبتسم وبدات رحلتها لأمتع شيء فعلته طوال عمرها.
اما في القبيلة..
- حييييه عليك وعلي، ايش تقول ياصياح، فضيت نهوتك على رجوه بت الشيخ؟
- اي فضيتها وكنت ناوي اخذ بت قياتي بس الحظ ماحالفني، ولا طلت بلح الشام ولا زبيب اليمن.
صالحه
-عليك من الله ماتستحق ياطماع ياغبي ياقليل العقل ضيعت من يدك الهيبة والسند.
- وينها الهيبة وهي كل شوي تفتح راسي وتسيح دماي، اقول انا مااريد اتزوج، وإذا عالقروش انا اعرف اجيبها بذراعي من بطن السبع، انا ماقليل لجل انتظر حرمه تفتحلي ابواب الخير، انا بروحي اكسر لبواب.
ردت عليه خوله..
- بس دير بالك وقت تكسر لبواب تسقط فوق راسك الكبير تفلجا نصفين.
-خوله تسكتين ولا اقوم اقطعك اذبحك واقطعك وارميك للضباع تتعشى بك، انا الحين ماطايق حالي.
-تذبح من انت؟
والله ماتقدر، انا الحين لي سبع ياكلك إذا قربت مني.
-سعود الخايس صار سبع؟ لا وياكلني بعد! والله هم يضحك وهم يبكي، تدري سبعك التتحامي فيه هاد انا مااتعب روحي وارفع يدي عليه، انا بس ارشه بسطل مي يموت بأرضا.. وموته وموتك على يدي من قريب قولي أنشالله:
-سويها وانا أشوفك الجحيم ونار الحميم كيف يكون ياصياح،ورجلي ما خايس، واذا تجيب طاريه وتتكلم عنه تكلم بأدب وتقول الشيخ سعود.
وهنا قفز صياح وأمسك خولة من رقبتها خنقها واخذ يتحدث من بين اسنانه المطبقة:
-شاخ عمرك وعمره، الحين موتك على يدي ياخايسه إنت وشيخ الخوايس الفرحانه به، والله ياخوله مااتركك إلا وانت راقده ماتتحركين.
اخذت خوله تعافر حتى تتخلص منه وتضرب الهواء بايديها وأرجلها، ولم يخلصها منه سوى أمها التي صرخت بكامل صوتها:
- وااااك عليكم ياخلفة الشوم يااشجار حنظل نبتت ببطني وسكنت خيمتي.. وااااك تعالوا يااهل القبيلة واتفرجوا علي خيبتي القوية وشوفوا ولادي يموتون بعض والاخ يخنق بأخته.
-هي العالت بي وانا ما احتكيت بها، قوليلها من الحين ماتفتح خشمها علي ولا تقول عندي اخو اسمه صياح.
خوله
-لجهنم الحمرة صياح واسمه وصورته.. الله ياخذك ياعديم الرحمة روحي على تكه وفاضت.
-لسانك راح ينهي عمرك ياخوله تذكري هالشي.
-تذكر انت انك من الحين صرت عدو لي.. وحيات تراب صالحه لادفعك ثمن قسوة قلبك.
صالحه:
-اي تراب صالحه التحلفين به! تفاولين علي بالموت ياداشره، رد اخنقها ياصياح وهالمرة ماتتركها إلا جثه وانا بيدي ادفنها واحط فوقها التراب.
- والله إذا مابعدتوا عني اخذ اغراضي واروح عند سعود وامه بخيمتهم بدون عرس ولا اي شي، لتفكرون إني مالي حد وطيره مكسور جناحها.. اصحوا انا خوله مرت سعود.
صالحه:
-خ... ه عليك وعلي سعود بساعة وحده، اقول ياصياح انا ماشيه عند حريمات القبيلة إذا جلست بالخيمة اكثر راح انجلط، وانت روح شوفلك مكان اجلس به ولا تيجي الخيمة وانا مو فيها حتي لا تغيلها.
- اي والله انا ماطايقها ولا طايق اشوفها،امشي احسن لي
خوله:
- اي امشي، أمشي يامرفوض ياللي قياتي مارضي يزوجك بته ياعار القبايل ياعرة الرجال.. ماتصير رجال غير على خوله بس.
- اذبحها الحين؟
- لا امشي أمشي، أمشي وسيبها يرزقها بذيب ينهشها علي غفلة ونفتك منها ولا تلوث يدك بيها.
خرج صياح وإبتعد عن الخيام وهو يفكر فى الطريق الجديد الذي سيسلكه نحوا حلمه بعد أن أُغلق طريق الزواج، وهل سيكون سهلاً إم صعب، فهو لا يحب الطرقات الوعرة ولن يصبر إن كانت الطريق طويلة.
أما عقاب، فقبل قليل كان يجلس مع رابح، وانضمت إليهم معزوزه بعد أن أحضرت لهم القهوة التي طلبوها منها، وجلست بجوارهم تحتسيها معهم، فقال لها آدم:
-هي القهوة مو خطر على الجنين يامعزوزه ولا ايش؟
ليرد عليه رابح منزعجاً:
-مع من تتكلم أنت، معزوزه مايهمها خطر ولا مطر، الولد ببطنها وهي معدتها مامتحمله وانا تعبت احذرها من القهوة وهي ماترد.
- ماتخافوا انا وليدي وارث القوة من ابوه وماراح يصيبه إلا الخير وإذا على معدتي إذا طاوعت حرقتها ماآكل ولا اشرب شي، اتركوني اشرب القهوة برواق الله يرضى عليكم واشقوا باللي جايه صوبنا وخطاويها متل التلبسها جني.
وصلت رجوه ووقفت امامهم ووضعت يديها على خصرها وهدرت بهم:
-والله زين تتقهوجون وتتسامرون مااحلاكم وانا تاركيني أضوق الحنظل من قصير ونباح.
معزوزه:
-ايش فيك يارجوه ليش رياحك تلفح؟
-ابوك مايفوت فرصه إلا ويجيب فوق راس رجوه ويكيل، ماشي عرفنا اني فانص، ليش كل ماتحدث عني مع حد يقول فيها وفيها، يااخ ماتارك حد إلا ويفهمه اني عار.
آدم:
- وين وجه الاعتراض وعلى ايش الزعل، ماانت عار بالفعل!
رجوه:
-ياعقاب انت بالذات لا تزودها لأنها منك غير وتوجع اكثر من الكل، وبالمناسبه صياح فك رهنه لي والحين انا صرت حره واريدك توفي بوعدك وترهني، أو تتزوجني فوراً انت مافي شي يمنعك ولا أنا.
-متى صياح فك الرهن؟
-الحين فكه وراح لحاله الله لا يرده ولا يرد اسمه يقترن باسمي، اتركنا منه ولا تجاوب سؤالي بسؤال، متى توفي ياعقاب.
- ماادري مو الحين.
- لا الحين، ومن هاللحضه انا صرت لك ياعقاب.. ياأهل القبيلة، ياقوم.. يارجال يانساء ياوليدات.. اليوم صياح فك نهوته علي وعقاب طلبني اليوم للزواج وبوي عطاه.
كانت تصرخ بصوتها العالي فتجمع أهل القبيلة على صوتها، فوقف آدم وهو لا يعرف بماذا يبرر.. فبدأ التهامس، وحضر قصير حين رأي التجمع،وبمجرد وصوله سأله أحد الرجال:
-ايش هاد التقوله بتك ياشيخ؟ كيف يعني عقاب خطبها وعطيتوه وهو مو من مجاويزنا.. وين صارت هي لتصير بقبيلتنا؟
صمت قصير وهو لا يعلم ماذا يقول، فلم يكن هذا هو الاتفاق، بل كان إنه سيوهمها ويماطل حتى يعيد لها رشدها، أما الحين فإنه صار مأزق لا يُستهان به.. وهنا تدخلت عوالي قائلة:
-من القال إن عقاب مو من مجاويزنا؟ عقاب له جذور بدوية وينتمي لجدنا الأكبر معاويه، وإلا ليش الشيخ منصور إستقبله وسطنا وسمحله يشب ويكبر بين وليداتنا.
أكيد كلكم تتذكرون الجد غانم اخو معاويه اللي اهله صحيو بيوم مالاقوه، غانم من سنين طلع عايش وسافر العراق وتزوج وعاش ومات بالغربة وماحد رد مصر من نسله إلا محمود أبو آدم، وإذا ماتصدقوني اسألوا واتقصوا بروحكم.
صمت الجميع وأخذوا يتبادلون النظرات المبهمة فيما بينهم ورد عليها احدهم:
- بس الشيخ منصور ولا مره جاب طاري الموضوع، اشوفها غريبه واجد ياشيخه وتريدي الصدق مادخلت مخي.
- تدخل ولا ماتدخل اخر همي، احنا مانخالف اعرافنا لجل اي شي، والحين آدم ولدنا بالدم والعرق، وخطب بت عمه وابوها عطاه، اليريد يسأل يتفظل الطريق مفتوح.
قصير:
-هو متل ماقالت عمتي بالضبط، ومن الحين رجوه لعقاب.
كلمات بسيطة خرجت من جوفه ولكنها كانت كفيلة بأن تحيي قلب رجوه وتجعلها تشعر بأنها اخيراً فازت بالحرب الذي تقاتل فيه بمفردها، واخيراً غلبت الفئة القليلة، أما آدم فكلام قصير وضع بيديه أصفاد لا يعلم من أين أتت وقيدته ، وأماتت ذاك القلب الواقف بعيداً
يتبع