
حادث
لم تراه منذ تلك الليلة وهو لم يفعل فقط باليوم الذي تحدث عنه اختفت معظم ملابسه وحقيبة سفره وحقيبة عمله، لم يترك لها شيء سوى المال، وابتسمت ساخرة وهي تمسك المال وقالت
"أنت جيد جدا بالأرقام والأموال حمزة كما أنت جيد بإيلام الآخرين"
وجدت الرسالة الباردة التي تركها "هذا مبلغ صغير لاحتياجاتك الشخصية سيصلك مثله كل شهر مع استمرار حسابك بالبنك، السائق لن يتركك، لو احتجتِ لشيء أبلغيه وهو سيعرف كيف يصل لي"
لم تعد الدموع تفيد بأي شيء، حتى أنه يرفض أن تراسله، لا يريد أن تربطه بها أي صله، نادم حقا على ما حدث لذا تركها فهي السبب، هي من أخبرته بحبها وهي من شجعه على كل ما كان وها هي تدفع الثمن وحدها
قرارها بالبقاء زوجة كان بعد تفكير كافي، لن تعود لحسين وليس لها مكان آخر ولا أحد ليهتم بها، لا تجيد أي عمل لتنفق على نفسها، حتى الجامعة لم تعد تعرف هل تكمل أم لا؟
بقائها كزوجة له سيضمن لها أن تبقى بحماية اسمه ولكن من داخلها كانت تعلم أن بقائها كان لأنها ما زالت تحبه، هي مشاعرها ولا يمكنها أن تعاقبه عليها، هو لم يحبها ولم يتمناها، غلطة وقع بها وندم ورحل كي لا يعيد الخطأ، ليت الأمر بيدها لقتلت ذلك الحب ودمرته
تعثرت بامتحانات الترم نظرا لحالتها النفسية وظروف سيئة ضربتها فلم تنجح باثنان من المواد ولكنها نجحت بالدور الثاني، مع الوقت خمدت نيران قلبها وتجمد الألم بصدرها وعاشت بالشقة وحدها، إخوته كانوا دائمي الاتصال وعامر كان يقابلها بالجامعة ليطمئن عليها والدته كانت تهاتفها باستمرار كما كانت هي تفعل ولكنها لم تجرؤ على اللقاء بهم حتى اعتادت حياتها ولم تعد تأمل بأنه قد يعود وأصبحت الوحدة رفيقها مرة أخرى
بأول أيام كانت عندما تسمع صوت تظن أنه عاد وتهرع للخارج تبحث عنه ولكنها تصطدم بزجاج مفتوح أو صوت موسيقى من مكان ما فتعود لغرفتها تجر أحزانها ولم تجرؤ على دخول غرفته منذ تلك الليلة، كانت تخاف أنها لو فعلت ستتلقى طعنات جديدة من الألم لذا ابتعدت بقدر ما استطاعت..
الأمارات كانت بلد جميل ونظيف والعمل كان مرهق وشاق خاصة وأنه لا يفهم بكل ذلك، الأرقام فقط هو ما يصلح به لكن هو من طلب ذلك، يوم حدث ما حدث بينهم هاتفه عامر وهو يركض على النيل فتوقف وأجاب، عامر أخبره بنتيجة الاجتماع الذي لم يحضره بسبب مرضه وعرف بأمر دبي فصمت والفكرة تندفع لعقله صغيرة ثم كبرت واستقرت وقال
"أنا سأذهب عامر"
صمت مر بالهاتف حتى قال عامر "ساهر هو الأفضل حمزة، الإنشاء مجاله ثم أنت لديك زوجة وبيت والأمر سيحتاج وقت طويل حتى يتم الإنشاء وما إلى ذلك"
قال بحزم "يمكنني تدبر أموري عامر، الأمر يروق لي وساهر يمكنه متابعة الأمور من وقت لآخر، دبي ليست بآخر العالم"
وها هو هنا، كم مر عليه؟ شهور كثيرة فقد عددها، لا هو لم يفقد أي عدد ليس وهو لا يعرف سوى الأرقام، عامان وستة أشهر وعشرة أيام
أغمض عيونه وهو يذكر ذلك اليوم، لم ينساه لحظة واحدة، كان الأجمل بحياته والأسواء بنفس الوقت
فتح عيونه وهو يتساءل كيف تبدو الآن؟ لقد أصبحت بأواخر العشرين، ربما بعامها الثالث بالجامعة، عامر تحدث مرة عن أنها ما زالت هادئة كما كانت، والسائق لا يخبره بالكثير فهي لا تفعل أي شيء سوى الجامعة والتسوق وزيارة المكتبات العامة وبالصيف كانت تزور الأماكن السياحية بمصر ولم تتجاوز كما أبلغه بأي شيء ودائما وحيدة كما كانت أيضا
رنين الهاتف أعاده من ذكرياته فعاد لمكتبه الفخم وجذب الهاتف ورأى اسم والدته فأجاب "مرحبا ماما"
أجابت بصوت غريب "مرحبا حبيبي، كيف حالك؟"
أشعل سيجارته وترك الولاعة على المكتب وقال "بخير، ماذا بكِ؟ صوتك لا يبدو بخير؟"
صمتت قليلا ثم عادت وقالت "ألم يهاتفك جاسم أو عامر بعد؟"
اعتدل بوقفته والقلق تسرب له وهو يقول "لا ماما ماذا حدث؟ هل تتحدثي القلق يقتلني!؟"
قالت "حلا"
لف حول نفسه وانقبض قلبه واشتدت أصابعه على الهاتف وهو يقول بصوت ناري "ماذا بها؟ تحدثي ماما، ماذا أصابها؟"
قالت بصعوبة واضحة بنبرة صوتها "بالمشفى، وجدتها منى فاقدة للوعي بالبيت وقد تعرضت للهجوم"
شعر بألم بصدره واختناق بأنفاسه ففك ربطة العنق وأزار قميصه وهتف "لماذا؟ ما الذي حدث؟ هل حالتها خطر؟"
أجابت "لا أعرف شيء، كل ما عرفته هو ما أخبرتك به، جاسم معها ولم يهاتفني"
الفزع ضربه والألم عشش بخلايا جسده وقال "سأهاتفه"
أغلق معها وأمسك الهاتف الداخلي وقال "أريد العودة مصر اليوم بأي طريقة، لو لم تجدي طائرة استأجري واحدة"
"أمرك يا فندم"
وعاد ليهاتف جاسم ولكن هاتفه كان مغلق فهتف وهو يجذب جاكته "اللعنة جاسم افتح هاتفك"
تحرك للخارج فنهضت السكرتيرة فقال "الحجز؟"
ارتبكت وقالت "أنا أحاول يا فندم"
لم ينتظر وهو يتحرك بلا توقف حتى خرج من الشركة وتحرك للمطار بلا تفكير، لا يعرف كيف حصل على طائرة بعد أن أثار العديد من المشاكل والمشاحنات لكن اتصالاته العديدة وفرت له طائرة بعد ساعتان
عندما دخل المشفى كانت أعصابه قد تدمرت وهاتف جاسم لا يستجيب فقط هدى من كان مرشده
تقريبا كان يجري بعد أن صعد على السلم دون انتظار المصعد وتوقف فجأة عندما رأى الازدحام الكثير بالممر ووجد جسد جاسم المميز بينهم فتجمد مكانه وهو لا يعرف ماذا يحدث هناك؟ بل ماذا حدث لها؟
انتبه جاسم له فترك الرجال وأسرع له وهو يقول "متى عدت؟"
لم يبعد عيونه عن الجميع وهو يقول "ماذا أصابها؟ ومن الذي فعل ذلك؟"
قال جاسم "وقع لها حادث بالبيت ولم نعرف بعد تفاصيله، الشرطة ما زالت تفرغ كاميرات البوابة وهي لم تفق بعد"
التفت الأنظار لهم فقال جاسم "تعالى هذا هو الطبيب والنيابة والمباحث"
تحرك بخطى ثقيلة وكأنه لا يريد أن يسمع ماذا أصابها، قام جاسم بالتعارف فنظر للطبيب وقال "ماذا حدث لها؟"
أخفض الطبيب رأسه لحظة قبل أن يقول "تعرضت لضرب مبرح بكل مكان بجسدها، كدمات وجروح سطحية ولكن"
ضاقت عيونه وهو يردد "لكن ماذا؟"
رفع الرجل رأسه له وقال "كان هناك طلق ناري وقد أصاب الصدر بجوار القلب مباشرة، الرصاصة اخترقت القفص الصدري وتوقفت على بعد سنتيمترات لا تذكر من القلب وتمزق جزء من الرئة لذا هي بالعناية والحالة غير مستقرة"
شعر بأن جسده يهتز بل يرتج بقوة، أين كان فارسها الذي تعهد بحمايتها؟ تخلى عنها وهو يعرف أنها تخاف من كل شيء ولا قدرة لها على حماية نفسها
لم يعد يستحق أن يكون زوجها لأنه لم يكن موجود بأشد أوقات احتياجها إليه والآن، الآن هي ليست معه كي تسامحه، هل يريد السماح؟
صوت وكيل النيابة جذبه "هل المدام لها أعداء؟"
هل يتحدثون عن زوجته؟ الطفلة التي عرفها وفتنته بشكل جعله يفقد نفسه معها، ناداه جاسم فانتبه وقال "لا أظن، هي لا تعرف أحد"
سأله رجل المباحث "هل تظن أنهم لصوص؟"
لم يجد رد ولكنه قال "ربما، أنا لم أعد البيت لأعرف أنا وصلت حالا من المطار"
التفت رجل النيابة للطبيب وقال "بنظرك متى ستفيق؟"
أجاب الرجل "تلك الحالة لا يمكن الجزم بشيء تجاهها، القلب بحالة جيدة لكن الرئة لا، حاليا تعمل بالتنفس الصناعي وحتى تعود لطبيعتها أو لا تحتاج لوقت لا يمكنني تقديره بالإضافة إلى أنها لم تعود لوعيها حتى الآن"
هتف جاسم "ماذا يعني ذلك؟"
قال الرجل "يعني ما نخشى منه، الغيبوبة وفقدان الرغبة بالحياة"
ابتلع ريقه بصعوبة وأغمض عيونه من الألم الذي ينخر بكل جزء من جسده، لو كان معها ما وقع لها أي شيء، هو السبب
فتح عيونه وقال "متى يمكنني رؤيتها؟"
"بمواعيد الزيارة لكن هي لن تشعر بك"
لم يرد وانصرف الجميع بينما لمس جاسم ذراعه وقال "هل أنت بخير؟"
هز رأسه وهو يقول "أحتاج للتدخين"
ولكنه لم يتحرك فقال جاسم "ستكون بخير"
لم ينظر لأخيه وإلا لرأى مدى الحزن النابض بعيونه وإنما قال "هل يمكنك معرفة من.. من فعل بها ذلك؟ قبل الشرطة"
اعتدل جاسم وقال "بماذا تفكر؟"
عندما لم يرد هتف جاسم "لا، لن أسمح لك، دع الشرطة تقوم بواجبها"
ظل هادئا وهو يتابع جاسم ثم هز رأسه وقال "جيد، يمكنك الذهاب أنا باقي"
وضع جاسم يده على كتفه ولكنه أبعدها بلا تفكير والتفت لمواجهة جاسم بعيون خالية إلا من تحذير صامت ولكن جاسم قال "حمزة لا تدع الجنون يسيطر عليك"
قال بنبرة حازمة كعادته "فقط اذهب جاسم، اذهب واتركني الآن"
كان يعلم أن باللحظة التالية غضبه سيعميه ولن يرى أخيه ولن يفرق بين أحد، النظرات كانت تتحدث حتى هز جاسم رأسه وهو يعرف أخيه الأصغر جيدا منذ الصغر وهو لا يترك حقه أبدا ولا مجال معه للتراجع، بصراحة كلهم نسخة واحدة لذا هو لا يلومه، هز رأسه وهتف
"تعرف أين تجدني"
وابتعد جاسم وهو لم ينظر له بل ظلت نظراته جامدة على باب العناية ورأسه توقف عن التفكير، هي، هي كل ما كان يفكر به الآن، هل يمكن أن تدخل بغيبوبة كما قال الطبيب؟ هل، هل يمكن ألا تنهض منها ويفقدها للأبد؟ وما المحزن بذلك الآن لقد فقدها منذ تركها ألم يدرك ذلك؟
هو حتى لم يهاتفها مرة، اختار البعد والهجر كي تنساه وظن مع كل يوم جديد أنها سترسل له رسالة مع السائق تطلب فيها الطلاق لكنها لم تفعل، وبكل نهاية لليوم كان يشعر بسعادة لأنها لم تفعل واليوم لم يعد بحاجة للطلاق لترحل بعيدا عنه
ظل واقفا وقت لم يعرف مقداره، طبيب يدخل وآخر يخرج ممرضة هنا واثنان هناك حتى عرف أنه وقت الزيارة وسمحوا له بالدخول
لم يتغير جسدها الذي عرفه جيدا ولمس كل جزء منه، وجهها كان مكدوم بشدة، جروح هنا وهناك صدرها مغطى بأسلاك متصلة بالأجهزة وخرطوم من فمها تحت ماسك النفس وآخر من أنفها، كانت بحالة يرثى لها
لم يعرف متى امتلأت عيونه بالدموع لرؤيتها بتلك الحالة، من فقد قلبه كي يفعل بها ذلك ثم يضربها بالنار لينهي حياتها، من يجرؤ على أن يلمس تلك الملاك بمثل تلك الوحشية؟ لم يجرؤ على لمس يدها حتى، ليس له الحق بأن يفعل، ليس له الحق بالوقوف هنا
سقطت دموع بلا اهتمام منه بإيقافها ولم يعرف ماذا يقول ولكنه نطق بصعوبة "لقد أخلفت وعدي لكِ، أنا لا أستحق أن أكون هنا ولكنك تستحقين، لن يمكنني مواجهتك قبل أن أعيد لكِ حقك، من فعل بكِ ذلك لن يعرف الراحة بعد اليوم لأني لن أنام إلا بعد أن أجعله يندم على اللحظة التي فكر فيها بأذيتك ووقتها ربما يمكنني مواجهتك وطلب السماح هذا لو أمكنك مسامحتي"
الفصل الثاني عشر
كم هو مؤلم
ظل الليل كله بالمشفى لم يذهب لأي مكان، بالاستراحة تناول القهوة ودخن سجائر ورأسه لا يتوقف عن العمل، لم يغفل لحظة واحدة وبالتاسعة صباحا رأى عامر يدخل ومعه زوجته فنهض للقائهم وقد فك ربطة عنقه وأبعدها وفك قميصه لمنتصف صدره كما اعتاد، ذقنه نبتت بشكل واضح، هالات سوداء تجمعت حول عيونه
ليل هتفت "حمزة، كيف حالها؟"
أبعد وجهه وقال "غير مستقرة، حالتها غير مستقرة ليل، الطبيب يخشى من غيبوبة"
نطق عامر "الشرطة لم تصل لشيء أليس كذلك؟"
هز رأسه وقال "لا"
قالت ليل "من يمكن أن يفعل ذلك الشيء الفظيع بفتاة رقيقة مثلها؟"
حدق بزوجة أخيه وكلماتها تتردد بأذنه "رقيقة!" هو يعلم جيدا كم هي رقيقة وبريئة ومع ذلك كسرها بقسوة وتآمر مع الأقدار عليها، عامر قال "جاسم يحاول التوصل لأي شيء، لم لا تعود للبيت وترتاح قليلا ونحن سنبقى هنا؟"
هز رأسه بالنفي وقال "لا، ليس قبل أن تفيق"
قالت ليل "أريد رؤيتها"
رد باختصار "الزيارة بعد قليل"
بالفعل دخلت ليل لرؤيتها بينما قال عامر "لا تريد إخباري شيء"
رفع وجهه لعامر وللحظة لم يفهم ثم أبعد وجهه وقال "لا"
ولكن عامر لم يتركه وهو يقول "هل عرفت أن عمك مات؟"
رفع وجهه لعامر وهو يردد "مات!؟ متى؟ وكيف؟"
رد عامر "لم يعرف أحد، تناول العشاء ونام ولم يستيقظ، المرأة التي تعمل عندهم قالت أنه كان بأفضل حال"
"حلا عرفت بالأمر؟"
اقترب عامر منه وقال "إذن أنتم لا تتراسلون أيضا؟ كيف تركتها وحدها كل تلك المدة وأنت تعرف أنها لا تعرف شيء عن عالمنا هذا؟"
ظل ينظر لأخيه والسؤال لا إجابة له سوى أنه كان ندل وجبان ولا يستحق فتاة مثلها، أجاب بلا معنى بصوته "هل عرفت بموته عامر؟"
ظل عامر يحدق به ثم أجاب "نعم هاتفتني بعد إبلاغها بالخبر، المحامي طلب رؤيتها واحتاجتني معها"
شعر بأنفاسه تتثاقل وألم جديد ينضم لآلامه الأخرى، ابتلع ريقه وقال "و؟"
هتف عامر بغضب "اللعنة حمزة منذ متى كنت باردا هكذا؟ لقد ترك لها البيت القديم بالأرض التي عليه ومبلغ مالي جيد وجزء كبير من الأرض، بالإضافة إلى حقها بباقي الأرض هل يهمك شيء من ذلك؟"
ظل الرجلان متواجهين لأول مرة يغضب عامر بتلك الطريقة، لم يتدخل عامر بعلاقته بزوجته من قبل ربما لأنه لم يستنتج أنهم كانوا على خلاف والغريب أنها لم تشكي لأحد وعاشت وحيدة ولم تتذمر
خرجت ليل من العناية والدموع غزيرة بعيونها فانفصلت عيون الرجلان وضم عامر زوجته له مبتعدا عن عيون حمزة ومخفيا غضبه وهي تقول "مسكينة هي لا تستحق ذلك"
تحرك هو للداخل والغضب المكتوم داخله لا يعرفه سواه، لم يستطع مواجهة أخيه ولا مواجهة نفسه حتى والآن الأصعب، هي، كيف يمكنه التعايش مع ما سببه بعده لها؟
لم تتبدل حالتها، ظل واقفا بصمت حتى قال "إذن ليس حسين من فعل بكِ ذلك، الموت رحمه مني، حلا لم لا تفيقي وتتحدثين بدلا من الجنون الذي يكاد يصيبني"
بالطبع الصمت وليس سواه هو من أجاب، وهل يظن أنها لو أفاقت ستتحدث معه؟ أغمض عيونه لحظة ثم فتحها وقال "لابد أن أعرف، إن لم يكن حسين فيتبقى أخيك، هذا الأخ الذي لم نعرف عنه شيء لم لا نبحث خلفه؟ سأعيد لكِ حقك حلا، لن أغفل لحظة قبل أن أعيد لكِ حقك"
قبل جبينها ثم تحرك خارجا، كان أخيه وزوجته ما زالا موجودين فنظر لعامر وقال "أين الأولاد؟"
لم يجيب عامر وإنما قالت ليل "مازن بالحضانة وميرا مع المربية، تعالى معنا حمزة تعالى معنا واستبدل ملابسك وارتاح قليلا ثم عد لها"
لم يستطع الابتسام لزوجة أخيه وقال "لا تشغلي نفسك بي ليل سأكون بخير، هي من بحاجة للدعوات"
بالنهاية انصرفوا وتركوه وعاد الطبيب ولم يتبدل حديثه، كان لابد أن يصل لأي شيء، وجوده هنا لن يفيد، تحرك خارجا وهو يدخن سيجارة وأخذ سيارة أجرة أعادته للبيت
كان من الصعب دخول البيت بعد كل تلك المدة بل ودخوله وهي ليست موجودة، ما أن فتح الباب ودخل حتى تنفس رائحة الدم الذي تناثر هنا وهناك، المشهد كان صعب جدا، أشياء مدمرة وأخرى مكسورة، دماء على الأرض وتخيل شكلها وهي على الأرض ومن فعل بها ذلك
الشرطة أنهت تحقيقاتها من ليلة الحادث وتركوا كل شيء كما هو بلا جديد
جلس على المقعد المواجه للأريكة التي عليها جزء من الدماء وبقايا زجاج مكسور وما زال المشهد يؤلمه، رن هاتفه فأخرجه ليجد اسم للعمل فلم يجيب وظل الهاتف بيده وهو يتراجع بالمقعد لا يجرؤ على النهوض ورؤية أي مكان بالبيت هي ليست به
سقط بالنوم دون أن يشعر ودقات على الباب أيقظته ففتح عيونه واعتدل ورقبته تؤلمه، الباب عاد يدق فنهض وفتح ليرى منى التي قالت "الحمد لله على سلامتك سيدي، سيد عامر هاتفني و.."
هز رأسه وابتعد وهو يقول "نعم، أعلم"
تركها لتدخل وتحرك وهي تتبعه وقالت "كيف حال المدام؟"
لم يجيب وهو يتحرك للسلم وصعد لغرفته، تأمل المكان، بلا حياة، بدا أنها لم تدخل الغرفة منذ تلك الليلة، هي بالتأكيد لم تكن لتفعل ليس بعد الجرح الذي سببه لها
خلع قميصه وتحرك للحمام، المياه لم تبدل أي شيء، فقط أبعدت التعب عن جسده المنهك، لم ينظر للفراش، لا يريد رؤية تلك الليلة ولا تذكر أي شيء، كاذب هو يذكر كل ثانية وحركة وقبلة ولمسة، كل شيء، يا الله! كم هو مؤلم
سقط على المقعد ووضع رأسه بين يداه والحزن ينهشه، هو من صنع كل ذلك، كانت له، تخبره أنها تحبه، منحته كل شيء، كل شيء وهو بكل أنانية وقسوة جرحها وأوجعها بلا رحمة، ألقى حبها بوجهها يخبرها أنه لا يريده
بكل نذالة فعل ذلك بعد أن أخذ منها كل شيء، أخذ قلبها وعذريتها وتركها خاوية بلا رحمة والآن بلا روح ولا رغبة بالحياة
هو يعلم، هو فقط من يعلم أنها لا تريد العودة للحياة صمتها طوال تلك الأعوام دون طلاق يعني؟
يعني ماذا؟ هل كان يظن أنها ظلت تحبه بعد ما فعله بها؟ رفع رأسه وهتف "أيها المغرور من أنت لتظن أنها ستظل تحبك بعد ما فعلته بها؟"
ارتد بالمقعد وهو يعلم أنه لا يستحق وهي لن تغفر له، ربما ظلت زوجته لأن ليس لديها سواه، لا بيت ولا مال ولا أهل، وهو كان يعلم ومع ذلك تخلى عنها بكل وقاحة
نهض فلو بقى لحظة أخرى سيصاب بالجنون، بحث عن هاتفه حوله فلم يجده، خرج ووجد منى تنظف المكان فقال "هل رأيتِ هاتفي؟"
كانت تمسح الأرض بعد أن أزالت الزجاج المكسور ونظرت له وقالت "لا سيدي"
تحرك إلى حيث كان يجلس وانحنى ليبحث، مد يده أسفل المقعد حتى أمسك به فأخرجه ولكنه تفاجأ أنه هاتف حلا، وقد انكسرت الواجهة الخاصة به، انحنى وبحث عن خاصته حتى وجده ثم قال
"هل أخبرتك المدام عن أي شيء خاص بأهلها؟"
رفعت وجهها له مرة أخرى وقالت "كنت هنا يوم عرفت بموت والدها ولم تكن ترغب بالذهاب لحضور العزاء ولم تذهب بالفعل"
ظل يتابعها ثم قال "ولم يهاتفها أحد منهم بعد ذلك؟"
ظلت صامتة قليلا ثم قالت "بالمرة التالية ذكرت أن أخيها عاد من سفره لينال كل شيء وهي بالأساس لا تريد شيء، ربنا يعيدك بألف سلامة مدام كانت طيبة ورقيقة ولا تستحق ذلك"
لم يرد وتحرك خارجا وقد تحركت رأسه باتجاه هذا الأخ الذي ظهر فجأة لكن بلا تأكيد لأي شيء
كان بالمشفى بموعد الزيارة وبالطبع لم يكن هناك أي جديد، قابله الطبيب وقال "للأسف الغيبوبة الآن تتحكم بها"
كان يعلم، كان يدرك أنها فقدت الرغبة بالحياة، الخوف كان هو دائما الملك على حياتها وبعد ما حدث لن يمكنها العودة لطبيعتها بل للحياة بأي شكل
ساهر هاتفه من لندن حيث كان بعمل وبالتأكيد كل إخوته وحتى هدى ولكن ذهنه كان بمكان آخر
كان الظلام قد حل ولكنه لم يهتم وهو يجلس بالسيارة ويخرج هاتفها بعد أن فتحه ببصمة إصبعها وهو يزورها بالعناية، تصفح الهاتف بعناية، كل الاتصالات كانت بينها وبين عامر وليل، هدى أيضا و.. رقم غريب؟
أخرج هاتفه وأدخل الرقم واتصل، صوت رجولي أجاب فقال "هذا الرقم كان على هاتف زوجتي هل يمكن أن أعرف من أنت؟"
قال الرجل باهتمام "زوجتك من؟ لدي العديد من الموكلين يا سيد"
فهم أنه محامي بالطبع فقال "مدام حلا حسين دويدار"
الصوت سكن لحظة ثم تحدث "نعم، إذن حضرتك الأستاذ حمزة زوجها؟"
رفع رأسه وهو تقريبا توقع صاحب الصوت وهو يرد "نعم وأنت؟"
قال الرجل "محامي عمك حسين، مراد الشرقاوي، هاتفتها لأخبرها بأن تأتي لتسمع الوصية"
ظل صامتا قبل أن يقول "هل تسمح لي برؤيتك؟"
"بالتأكيد أنا ما زلت بالمكتب سأرسل لك الموقع"
تحرك بالسيارة عندما وصلت الرسالة فتتبع الموقع حتى وصل، المحامي كان بانتظاره، نهض وحياه وقال "سبق وتعرفت على السيد عامر لغيابك بعمل بذلك اليوم"
جلس الرجلان وقال حمزة "نعم عرفت أنك قرأت الوصية عليهم، لم أظن أن يترك عمي لها شيء"
هز الرجل رأسه وقال "نعم، ولكن حسين بآخر أيامه كان حزين جدا ولديه مشاكل كثيرة لم يتحدث عنها وعندما طلبني لكتابة الوصية طلب مني عدم إخبار أحد بالأمر، كان حزين جدا وذكر كلمات عن أنه كان أب قاسي وجاحد مع ابنته لذا ترك لها ما ترك ربما يعوضها شيء عما كان"
حك وجنته المليئة بالشعر الذي لم يهتم بإزالته وقال "وهل استلمت حقوقها؟"
سعل الرجل قليلا قبل أن ينظر لحمزة ويقول "لا"
ضاقت عيون حمزة وقال مرددا "لا!؟ ما معنى ذلك؟"
اعتدل الرجل وقال "بعد قراءة الوصية ظهر السيد أشرف حسين دويدار، أخيها وقد عاد من حيث كان وزارني هنا وتشاجر معي واتهمني بتزوير الوصية وهدد برفع دعوة تزوير ولكن بالطبع أنا أوراقي صحيحة مائة بالمائة ولكنه رفض تنفيذ أي شيء بل وطلب مني تبليغها بعدم التفكير بطلب أي شيء، كانت طريقته صعبة جدا لذا هاتفت المدام وأبلغتها بالأمر"
كل هذا عانته وحدها وهو لا يدرك أي شيء، كل هذا واجهته دون أن تلجأ له، لجأت مرة لعامر وبالتأكيد لم تستطع طلبه مرة أخرى
سأل حمزة المحامي "ولم تنفذ الوصية؟"
أجاب الرجل "نعم، هي لم تهاتفني وقتها لتفعل"
تنهد بغضب وقال "لم تستطع أن تفعل لأنها تعرضت للضرب والقتل"
تراجع الرجل مذهولا وهتف "لا! يا الله! وماذا حدث؟ وكيف هي الآن؟"
نهض وقال "بالمشفى، شكرا لك سيد مراد طلب أخير، لو حدث شيء جديد من أخيها أبلغني من فضلك"
ردد الرجل وهو يقف لتحيته "بالتأكيد، ألف سلامة على المدام"
هز رأسه وتحرك للخارج وركب سيارته وهو يدخن ثم تحرك وسط الزحام وطلب جاسم الذي أجاب فقال "هل كنت تعرف أن أخو حلا عاد بعد موت عمك؟"
أجاب جاسم "لا، لم يذهب أحد العزاء"
قال "أريد خدماتك الأمنية لمعرفة أي شيء عنه، حلا قالت أنها لم تعرف عنه شيء والمحامي أخبرني أنه ظهر بعد الوصية"
"حسنا امنحني بعض الوقت وسأجري تحرياتي لأصل لأي شيء عنه"
أغلق الهاتف وعاد للمشفى، أراد رؤيتها مرة أخرى ولكنه يعلم أن وقت الزيارة انتهى ومع ذلك لم يستطع العودة للبيت
الطبيب كان يخرج من العناية عندما وصل فالتقى به وقال "أهلا سيد حمزة"
قال بهدوء كاذب "أهلا دكتور، هل من جديد؟"
رد الرجل "للأسف لا"
ظل صامتا لحظة قبل أن يقول "أحتاج لرؤيتها دكتور، حاولت ألا أعود ولكني لم أستطع، هل يمكن أن أراها؟"
ظل الطبيب ينظر له قبل أن يقول "أنت تعلم أنه ليس وقت الزيارة"
هز رأسه وأبعد وجهه، هو لم يستطع الذهاب لأي مكان دون رؤيتها والتحدث معها، عاد للطبيب وقال "أعلم ولكن، دكتور أنا حقا بحاجة لرؤيتها"
تابع الطبيب ملامحه المتعبة وعيونه الفاقدة للحياة وقال "حسنا، ليس لوقت طويل، هذا ضد القوانين"
هز رأسه بالشكر للرجل واندفع للداخل لرؤيتها، وتلك المرة لمس يدها ليس ليأخذ بصمة إصبعها كالمرة السابقة ولكن ليتذكر ملمسها الناعم وكم كانت رقيقة على أكتافه
ركع بجوار فراشها ورفع يدها لفمه ولمسها بشفتيه وقبلها بقوة وهو يغمض عيونه ثم فتحها ورفع رأسه وقال "أنا لا أعلم ما إذا كنتِ تسمعيني أم لا ولكني أردت أن أخبرك بالكثير، حلا أنا.. أنا حقا نادم ولكن ليس على ما كان بيننا كما أخبرتك، أنا نادم على فعلته وقلته، نادم كل لحظة أمضيتها بعيدا عنكِ، أقسم أني لم أنال لحظة سعادة واحدة ببعدك، كل دقيقة مرت عليّ كنت أحترق فيها لأني تركتك بتلك الطريقة، حلا أنا آسف، آسف على ما قلته وفعلته، من فضلك لا ترحلي، لن أطالبك بالنجاة والتمسك بالحياة من أجلي فأنا أعلم أني لا أستحق ولكن من أجلك أنتِ، أنتِ تستحقين الكثير مما لم تناليه بحياتك فقط عودي وأنا أقسم أن أعوضك عن كل لحظة فراق، عودي حلا أرجوكِ عودي"
وسقطت رأسه على يدها التي بين يده والدموع تعود لعيونه وربما ارتاح قليلا بعد أن تحدث بما كان يؤلمه ولكنها للأسف لا تسمعه وربما لو عادت للحياة لن يملك الشجاعة على مواجهتها وطلب السماح ولكنه وقتها سينتظر الحكم ولن يعارض
الصباح عاد بسرعة وما زال يعبث بهاتفها بالمشفى، لم يجد أي شيء هام فقط رسائل علمية ومذكرات، تحرك للاستراحة وتناول قهوة والصداع سكن عقله من كثرة التفكير وعدم النوم
بموعد الزيارة كانت كما هي لم تتبدل لذا ما أن خرج حتى قرر العودة للبلد، جاسم تأخر عليه بالمعلومات لذا عليه الهجوم وهو خير وسيلة للدفاع ولا يعلم سر تأكده من أن أخيها وراء ما أصابها
البلد كانت كما هي، لم يتغير أي شيء، لم ينتبه أحد لسيارته التي اخترقت الطرق وهو يبحث عن بيت الحاج سعدون حتى وصل، الرجل رحب به ولم يخبره الكثير بل وبدا متردد بما يخص أشرف ولم يفهم منه أي شيء سوى أن أشرف شخص لم يكن مرحب به وسلوكه سيء وغير محبب
بالنهاية كان عليه اتخاذ الخطوة الأخيرة وتحرك لبيت عمه الراحل، دق الباب مرة واثنان حتى فتحت نفس المرأة العجوز وتراجعت لرؤيته وهتفت "أنت!؟"
رفع رأسه لها وقال "هل رأيتِ شيطان؟"
ودفع الباب بيده لتتراجع المرأة أمام تقدمه وهي تقول "إلى أين تظن نفسك ذاهبا؟"
كان يتلفت بنظره هنا وهناك حتى قال "أبحث عن ابن عمي، سمعت أنه عاد فأتيت لأرحب به"
ولكن المرأة لحقت به وهتفت "يا سيدي انتظر، ليس هناك أحد بالمنزل"
التفت ليواجها باحثا عن الكذب بعيونها لكنها كانت تواجه بقوة فقال "وأين أشرف؟"
ردت بضجر واضح "لم يأتي البيت منذ عدة أيام، هو بالأساس لا يقيم هنا ومنذ عاد من الخارج لم يبقى هنا سوى ليلة العزاء"
دار حول نفسه محاولا التركيز فيما يحدث، هل ظن أن الأمر سهل وأنه سيجده هكذا بسهولة؟
التفت للمرأة وقال "ومن الذي يقوم بشؤون عمي بعد موته؟"
"لا أعلم"
أدرك أنه لن يصل معها لشيء فلم يتحدث وخرج، لف كثيرا بالبلد ثم يأس من أن يصل لأي شيء
بعد العصر تحرك خارجا من البلد فقد أدرك أن لا فائدة من وجوده، تحرك حتى وصل لمشارف البلدة وهناك وجد مكان بدا أنه استراحة للسائقين فأوقف السيارة بعيدا وترك جاكته وربطة العنق وفتح قميصه من الجو الحار ونزل
أخذ مائدة صغيرة رغم ازدحام المكان وطلب قهوة، دخن سيجارته عندما وصل له حديث جانبي بين رجلان وبدا أنهما لم ينتبها له
أحدهم قال "لا، لم يخبرني بشيء ولم يمنحني أموالي التي يدين بها لي"
هتف الآخر "وأنا أيضا لم أحصل على أموالي بآخر عملية لنا"
الأول عاد يقول "أنا لا أفهم ماذا يحدث؟ ظننا أنه بموت العجوز سيحصل هو على كل شيء ويعيد لنا أموالنا ولكن ها هو يتنكر لنا ويرفض منحنا الأموال"
انتبه جيدا للحديث وهو يشعل سيجارة ثانية من الأولى بجوار القهوة وهو يتساءل هل أخيرا ستساعده الأقدار في إعادة حقها؟
عاد الرجل الأول يقول "ألا تعرف مكانه؟ كان غاضب جدا بسبب تلك الوصية واللعينة أخته، بل الجميلة"
قبض على الكوب بقوة وهو يكبت غضبه، لم يعد هناك شك أنهم يتحدثون عن أشرف، ها هو الأمل يعود بأن حقها سيعود وهو من سيعيده
ركز جيدا والرجل الثاني يجيب "نعم كدت تفوز بها تلك الليلة بالغيط لولا ابن عمها"
ضحك الرجل وحمزة يحاول منع نفسه من التهور والنهوض ووضع قبضته بوجه ذلك الجبان الذي زمجر وقال "نعم، والعجوز وقتها كشفني وطلب مني تلك التمثيلية ليورط ابن أخيه وقد نجح الأمر"
نفخ الدخان بقوة والغضب يرتفع أكثر وقد فهم المخطط الذي حاكه عمه وقتها ليضع حلا بطريقه ربما لو عرف وقتها لكان الغضب فعل به الكثير لكن اليوم ليس نادم على أنها أصبحت زوجته، عليه الآن التحكم بغضه لأنه لو كشف نفسه فلن يصل لأي شيء
الأول قال "نعم نجح، لابد أن نصل لذلك الندل لنسترد أموالنا، كان قواد بذلك النادي الليلي ولا يترك مائدة القمار ووالده يظن أنه رجل شريف وبالخارج يعمل وما أن مات الأب حتى عاد الابن الشارد ليستولي على كل شيء"
"لابد أن نصل له، أنا متأكد أنه هنا، لقد رأيته يدخل البلد منذ عدة أيام ليلا، كان يتسلل وبلحظة اختفى"
الرجل المسؤول وقف أمام حمزة وقال "هل لك طلبات أخرى يا باشا؟"
انتبه للرجل وكي لا يثير الانتباه له أخرج محفظته ومبلغ كبير ومنحه للرجل وقال من بين الدخان "لا"
نهض خارجا بعد أن أطفأ السيجارة ورمق الرجلان بنظرة لم ينتبها لها ثم خرج وابتعد للسيارة، تحرك بها بعيدا واختفى عن البلد حتى توقف منتظرا الظلام ليعود ويبحث مرة أخرى وهذه المرة لن يتراجع
الظلام حل سريعا ولكنه انتظر حتى تأخر الوقت، جاسم أرسل له رسالة منحته نفس المعلومات التي عرفها من الرجلان، أغلق صوت هاتفه ولم يهتم بأي اتصالات هو لن يعود بدونه سيقتله لو لزم الأمر ولن يندم
اقترب من البلد ثم ترك السيارة بمكان خفي وتسرب عائدا للبلد، كان الظلام يحيط بكل الشوارع، لا أحد يتحرك بأي مكان، البيوت كلها مظلمة إلا من نور خافت هنا أو هناك، لم يجد ما يلفت نظره وقدماه تقوده بلا خطط حتى وصل لبيت عمه القديم وتخطاه لكنه توقف فجأة وهو يلتفت للبيت
اقترب من السور المتهالك وتأكد أنه رأى جيدا، ضوء خافت داخل البيت، هو يعلم أن لا أحد يسكنه بعد رحيل حلا منه، لم يتردد وهو يقفز من فوق السور ويتحرك بحذر للداخل، والضوء ما زال موجود، اقترب من النافذة المضاءة وحاول أن يسمع شيء ولكن لم يصل له أي صوت
دار حول البيت باحثا عن أي مدخل حتى وجد باب خلفي ظن أنه خاص بالفرن القديم الموجود بالخارج، دفع الباب بحذر وبدا متهالكا ولكنه منحه فرصة للدخول
الظلام أحاط به من كل جانب فلم يرى ما حوله، أضاء الكشاف الخاص بهاتفه وعرف المطبخ القديم وكل شيء مغطى بالتراب
بحذر خرج من الباب ليجد صالة كبيرة وأرائك ريفية، دار بالمكان حتى رأى الغرفة التي خرج منها الضوء فاقترب حتى وصل وسمع صوت يتحدث
"لا، لا تأتي الآن ما زال الأمر ببدايته وبالتأكيد سيبحثون عن الفاعل"
صمت وكأنه يسمع أحد ثم قال "عندما ينتهي الأمر سأعود وأحصل على كل شيء وأسدد كل ديوني، أموال العجوز كثيرة وحتى تلك الوصية لن تنفذ"
تأكد أنه أشرف الذي انتظر ثم قال "اسبوع وستنتهي الحكاية هي لن تعيش ولا يوجد شيء ضدي، تمام"
وهنا اندفع حمزة للداخل ليهب الرجل الوحيد بالغرفة واقفا وهو مفزوع من هجوم حمزة الذي قال "وتظن أنك ستفر بفعلتك؟ حتى لو ماتت هي كما تقول أنا لن أتركك"
كان أشرف واقفا بمظهر مشعث وبدا شبيها بحسين وهو يهتف "ومن أنت أصلا؟"
ظل حمزة واقفا بوضع الاستعداد أمامه وهو يقول بغضب "أنا من سيجعلك تندم على كل أفعالك"
أخرج أشرف مطواه من جيبه واتخذ وضع الهجوم وهو يقول "وهل لي بشرف التعارف بمن يتحداني بلا سبب"
تحرك الرجلان يدوران حول بعضهما البعض وقال حمزة "ربما بعد أن تخبرني عن قتل أختك"
انتبه أشرف وضاقت عيونه السوداء وقال "أنا لم أقتل أحد"
لوح أشرف بالمطواة بوجه حمزة فتراجع وهو يقول "ولكن أنا لدي دليل على ذلك"
لم يتوقف أشرف وهو يقول "دليل؟ أي دليل؟ وعلى ماذا؟"
أجاب حمزة "على محاولة قتل أختك، لدي خبر لك، هي لم تمت وهذا يعني أنها ستتعرف عليك والدليل الآخر كاميرات البوابة"
لم ينتظر أشرف بل هجم على حمزة الذي اتخذ جانبا ليتفادى المطواة واستعاد أشرف توازنه وهو يقول "من أنت؟"
لم يمنحه حمزة وقت وهو يهجم عليه ويمسك بيده الممسكة بالسلاح ولكن أشرف كان قوي هو الآخر ومن الواضح أنه مجرم محترف وهو يدفع كوعه بمعدة حمزة بقوة جعلته يتراجع وأشرف يلوح بالمطواة فتجرح ذراع حمزة الذي استعاد نفسه وخلع قميصه ولفه على يده كدرع واقي وأشرف يقول
"لماذا لا تخبرني من أنت وماذا تريد مني؟"
وهجم على حمزة الذي صده باليد المحصنة ودفع قبضته الأخرى بوجهه بقوة وقال "ابن عمك وزوج أختك وعشماوي"
وهجم عليه وهو لم يستعد توازنه ممسكا بيده المسلحة ودفعها بالحائط بقوة مرة واثنان حتى سقطت المطواة منه والتحم الاثنان بمعركة قوية أصيب فيها كلاهم وسقطوا مرة واثنان حتى استطاع أشرف أن يفر خارجا من البيت
لكن حمزة لم يتركه وهو يهرع خلفه بسرعة والآخر يجري وهو يترنح وحمزة لا يفقده حتى وصل لمنطقة مفتوحة كان حمزة قد لحق به وقفز ليأخذه ويسقط الاثنان على الأرض الترابية ويتدحرجان بقوة
الليل هو كل ما كان يلفهم والصمت أيضا، للحظة كان الاثنان يستعيدان أنفسهم من أثر السقوط وكان أشرف هو من نهض أولا وأسرع يركل حمزة بضلوعه مرة وراء الأخرى بقوة حتى صده أخيرا حمزة وقبض على قدمه بقبضة قوية لواها ليسقطه على الأرض مرة أخرى
تلك المرة زحف حمزة حتى ارتفع فوق أشرف وأخذ يلكمه وهو يهتف بغضب وألم وحزن "ماذا فعلت لك لتفعل بها ذلك؟ ألم تتذكر أنها أختك؟"
لم يمكنه أن يجيب لأن لكمات حمزة كانت قوية ومتتالية بلا فرصة لأن يدافع عن نفسه حتى انسابت الدماء من قبضة حمزة نفسه وتألمت قبضته فسقط على جسد أشرف وهو يهتف "ما ذنبها أيها الكلب الجبان؟ أنت تستحق الموت؟"
وظل يردد بألم وحزن "لماذا؟ لماذا أيها الجبان؟"