رواية وجوه فى العتمه الفصل الخامس والعشرون25 والسادس والعشرون26 بقلم منه ممدوح
طلعت على أوضتها بسرعة من غير ما حد ياخد باله، كان ما زال فيه جلبة تحت بسبب اللي حصل، فاطمة اللي كانت بتصرخ باسم ابنها في حالة انهيار، عهود وزوجات اخواته وولاد عمه، اخواته اللي قلبوا الدنيا عشان يفهموا إيه اللي بيحصل
أما هي فكانت مشتتة تمامًا، جواها مشاعر متضاربة، قفلت الباب وسندت عليه بضهرها وهي بتتنفس بعنف، اتحركت وقعدت على السرير بتعب، شردت في الفراغ، صورته وهما واخدينه،
نظراته الشامخة،
صراخ فاطمة المستمر،
انفعال اخواته
صوت عربيات الشرطة
نظراته
عامر بيضيع
نظراته
شكله وهما واخدينه
و....
نظراته
حطت إيديها الاتنين على أذنها بملامح منكمشة، مش قادرة تتحمل كم الاصوات اللي في دماغها، الشتات اللي هي فيه مش متحملاه
ليه موجوعة وليه خايفة عليه!
هي كانت مستنية ده من زمان
هي جت عشان تنتقم منه واقسمت إنها هتدخله السجن
ليه موجوعة دلوقتي!
اتمددت على السرير وهي منكمشة في وضع الجنين وضامة نفسها، كل اللي في بالها هي صورته، لوهلة حست بإنهم بياخدوا جزء منها وماشيين
لوهلة حست بالبرودة لما بعد عنها
وكل ما تدرك إنها بقت في البيت لوحدها بتزداد الغصة في صدرها
البيت بالنسبالها كان وجود عامر!
****
وصلوا لقسم الشرطة، نزل عامر وحواليه رجال الشرطة، ووراه اخواته وولاد عمه وكمان أعمامه اللي كانوا بيلاحقوه بعربياتهم، بالنسبالهم عامر هو عمود العيلة الرئيسي
من غيره كلهم ضايعين!
دخل لجوا غير سامحين ليه بإنه يتكلم مع أي حد وكانوا متحفظين عليه، ومنها لغرفة وكيل النيابة، ووراه محامي العيلة اللي كلمه حمد
دخل عامر وقعد على الكرسي قدام وكيل النيابة اللي كان يعرفه فهو نفس الشخص اللي كان بيحاول يمسك عليه حاجة طول الفترة اللي فاتت خاصة يوم ما اتمسكت الشحنة وأنكر السائق علاقة عامر بيه
ريح ضهره على الكرسي وهو بيبصله بنظرات باردة استفزت التاني، ولكن حافظ على ابتسامته وهو بيقول_نورتنا يا عامر
اتمنى مكونش ضايقتك لما جيبتك هنا
رفع عامر نظره ليه وهو بيقول_أنتَ عارف إن اللي سويته هذا غلط مش كذه؟
زادت ابتسامة النائب وقال_أنتَ بالنسبالي واحد مشتبه بيه، فين الغلط في كده؟
أنا هنا بحقق القانون
انفلتت ضحكة عامر وهو بيشيح بنظره عنه، ثقته الزيادة وغروره كانوا مستفزين النائب
هو عارف كويس مين عامر الزيات وعارف هو إيه ولكن مكانش عارف يمسك عليه حاجة.
وقصاد الحرب الباردة اللي حاصلة في المكتب اتقدم المحامي وأعطى الكارنيه بتاعه للنائب وهو بيقول_عبدالرحمن حافظ
حاضر هنا لموكلي عامر سالم الزيات
شاور ليه النائب يقعد، فاتكلم المحامي_ممكن أعرف عامر هنا بتهمة إيش؟!
شبك النائب إيديه في بعض، وشاور لكاتب العدل اللي كان جنبه عشان يركز في النقاش اللي هيبدأ بينهم وقال_وصلتلي مصادر بتقول إن عامر متهم بحيازة الأسلحة الغير مرخصة، ده غير إنه متهم بالإتجار في المواد الممنوعة، وكمان متهم في قتل شخص لقيناه مدفون في الصحراء بدون اثباتات واللي بعدين وصلنا في البلاغ إنه المفروض واحد من رجالة عامر.
ضحك عامر بسخرية وكإنه مش فارق ليه كل اللي اتقال، اتوتر المحامي من أسلوبه اللي استفز النائب وقال_يا سيادة النائب هذي مجرد بلاغات كيدية، حضرتك عارف إن أعداء عامر بيه كتير، وأكيد مستنيينه يقع عشان ياخذوا السوق هما فعشان كذه قدموا هذي البلاغات الكيدية.
وجه النائب نظره للي كان قاعد مرتاح اكتر وحاطت رجل على رجل وكإنها مسرحية هزلية قدامه وقال_إيه قولك على الكلام ده يا عامر؟
ابتسم وقال_والله أنا قدامك أهو، عرفت تطلع مني بحاجة يبقى أنا محقوقلك
ابتسم النائب على كلامه ولكن كانت ابتسامة مليانة غيظ شديد من أسلوبه المتعالي
وابتدت التحقيقات اللي خدت وقت مش قليل، كان فيها بيتم إنكار كل المنسوب لعامر وكان المحامي بيقوم بواجبه على أكمل وجه.
لحد ما انتهى التحقيق بإنه يتم حبسه اربعة أيام على ذمة التحقيق
أدرك عامر في الوقت ده إن فيه حد مستقصده، والحد ده ليه كلمة كبيرة عشان كده الموضوع زاد عن حده
والغريب إن كل ده حصل بعد ما اكتشفوا موضوع سعد فأكيد هيتم الضغط عليه من ناحيته.
خرج عامر من المكتب بعد ما وضعوا الأصفاد في إيديه بصحبة اتنين عساكر ومعاهم المحامي،
كان برا واقف اخواته وعهود ده غير فاطمة اللي جت ويقين اللي أصرت تعرف إيه اللي بيحصل وجت بصحبة عهود، أما باقي العيلة ففضلوا واقفين برا القسم عشان الزحام
اتجمدوا كلهم لما شافوه مكبل بالأصفاد، فجريت عليه فاطمة وهي بتقول_عامر يا ولدي
إيش هيسووا فيك يا نور عيني!
منعها العساكر إنها تقرب منه، فاتكلم المحامي في الوقت ده مع العساكر وقال بتوسل_استأذنكم في خمس دقايق بس يطمن عيلته، أنتو شايفين إن أمه ست كبيرة مش حمل تعب!
بعد ما اتناقلوا النظرات بين بعض بتردد سابوه في الآخر ووقفوا قصادهم، فقربت فاطمة من عامر هي وعهود وضموه وهما بيبكوا، في حين كانت يقين واقفة بتتابعه بنظرات حزينة مترددة مليانة بالحيرة
طبع عامر قبلة على جبين أمه وعهود وهو بيقول_ما تقلقي ياما، شدة وتزول إن شاء الله ووقتها الله في سماه هندم الكلب اللي جاتله الجرأة يسوي فيا هذا الفصل.
اتكلم المحامي في الوقت ده_هيخلوا عامر عندهم اربع تيام على ذمة التحقيق، الظاهر إن اللي صار هذا متعوبله جامد لدرجة إنهم مهتمين كذه
عامر متهم في تجارة الممنوعات وأسلحة بدون ترخيص وكمان متهم في قضية قتل
شهقت فاطمة وعهود بهلع أما يقين فحست بغصة توسطت صدرها في الوقت ده ،فقال فارس_تفتكر مين اللي ورا البلاغات؟!
رد عامر بنظرات مظلمة_أكيد الكلاب اللي ورا سعد
زفر بضيق من الوضع اللي اتحط فيه ووجه كلامه لفارس وعايد_المهم أنتم خلوا بالكم من الدار، فتحوا عينكم كويس مش عاوز حاجة تتمسك علينا
أنا عارف أنكم قدها وقدود، عهود وأمي في أمانتكم وجواد مش هوصيكم عليه لحد ما أرجع
بكت فاطمة اللي كانت بتحاول تتماسك أما عهود فكانت شبه منهارة، ربت فارس على كتفه وهو بيقول بدعم_ما تقلق ياخوي، وإن شاء الله أنتَ اللي هتخرج وتاخذ بالك منهم ومننا كلنا، شدة وهتزول
ضم عامر شفايفه، ووجه نظره في الوقت ده ليقين اللي كانت واقفة وهي حاسة نفسها غريبة وسطهم ولكن قلقها على عامر مقدرتش تداريه، فضل باصصلها شوية واتبادلوا النظرات، كان واخد باله من وشها الباهت وعيونها الحمراء من الانفعال اللي بتحاول تداريه، ولكن قطع لحظتهم العساكر اللي جم عشان ياخدوا عامر بعد ما انتهت المدة، فاعترض عامر واتلفت لفارس وهو بيقول بصوت هامس_أخوي
يقين في أمانتك
ما تخلي حد يتعرضلها ولا يحزنها
سامعني
يقين في أمانتك أنتَ يا فارس
نهى كلامه وهو بيرميها بنظرة أخيرة وكإنه بيودعها، كانت سامعة هي كلامه اللي خلى قلبها ينتفض من مشاعرها اللي بتتصارع جواها، فهز فارس راسه وهو بيقوله_ما تقلق ياخوي
يقين كيف عهود، خليك بخير أنتَ وما تشيل هم
ابتسم عامر لما اتطمن من رد فارس، وفي الوقت ده اتلفت ومشي معاهم من غير معارضة، كان عايد بيحاول يهدي فاطمة وعهود اللي كانوا منهارين، في حين اتكلم المحامي_ما تقلق يا فارس بيه، إن شاء الله عامر بيه هيخرج، وحتى لو طال الموضوع هنحاول نخرجه بكفالة لحد ما تكمل التحقيقات.
اتكلم فارس وهو ضامم قبضته بغيظ شديد_المهم نوصل للكلب اللي ورا الموضوع
ومفيش غير سعد اللي عارف
بعد عايد فاطمة وعهود عن حضنه وهو بيقول_يلا ياما
يلا يا عهود لازم ترجعوا الدار
مسحت فاطمة دموعها بعنف، ورفعت وشها بكبر وهي بتقول بنبرة متحشرجة_مالي رايحة لمكان
طول ما عامر هنا هفضل أنا كمان، وأنتوا لازم تشوفوا حل وتخرجوا أخوكم من هنا وإلا هفضل غضبانة عليكم ليوم الدين!
اتدخل في الوقت ده فارس وحاول يهديها وهو بيقول_يلا بس ياما
العند ما هيفيدك بشي، صدقيني عامر هيطلع بس يلا أنتِ بس
أشارت بإيديها ناحيته وهي بتقول بأمر مش طلب_عامر هيخرج
هز فارس راسه وقال_هيخرج ياما، هيخرج ما تقلقي
بتأكيد رددت_هيخرج يا فارس
هز راسه بتأكيد ليها، عارف طباع أمه العنيدة ولكن مدرك كويس هي قد إيه بتحبهم وبتخاف عليهم.
وبالفعل اتحركوا عشان يمشوا، ولكن بمجرد ما لمحت فاطمة يقين حتى قربت منها وملامحها اتبدلت للشر والغضب وهي بتقول_أنـتِ
هي أنـتِ يا ملعونة مفيش غيـرك
تراجعت يقين للخلف لحد ما اصطدمت بالحائط من وراها وهي عاقدة حواجبها بصدمة من رد فعل فاطمة اللي كملت بإنفعال وحقد_هو مفيش غيرك
أنتِ اللي بلغتي عنه يا شيطـانـة
أنتِ اللي قولتي هتنتقمي مننا
هقتـلك يا مصرواية هقتـلك!
وقبل ما توصل إيديها ليقين وتخنقها كان فصل بينهم فارس اللي مسك أمه وهو بيقول_مش وقته ياما إحنا في القسم!
ولكن كانت فاطمة بتتحرك بعصبية عشان توصلها وهي بتقول_هقتلك يا يقين
أنتِ اللي ضيعتي ابني
أنتِ اللي بلغتي عنه!
أنتِ اللي كنتي عاوزة هذا اللي يصير!
هذي كانت غايتك من البداية، حاولتي تقتليه ولما منفعش عاوزة تخليه يموت في السجن من الحسرة!
هزت يقين راسها بالرفض واتملت عيونها بالدموع اللي أبت إنها تنزلهم، ضمت شفايفها بعجز للاتهام اللي بترميها ليه رغم إن معظم كلامه صح ولكنه وجعها!
ولكن فارس ضم أمه وهو بيقول_ياما مرت أخوي مالها ذنب
وجه كلامه ليقين وقال_معلش يا مرت أخوي اسبقينا لبرا
اتحركت برفقة عايد بالفعل لبرا وهي بتبص لفاطمة المنفعلة من وراها اللي دفعت فارس عنها وهي بتقول_صدقني هي اللي ورا اللي صار
هي قدم الشؤم من ساعت ما خطت الدار
احتوى فارس كتفها وقال_ياما
يقين مالها ذنب ياما وإلا مكانش أخوي وصاني عليها قبل ما ياخذوه
صدقيني هجيب اللي سواها وهخرج عامر بس اتجنبي مرت أخوي هذولا اليومين، مش عاوزين أخوي يتضايق في حبسه
دمعت فاطمة وهي بتقول_كلت بعقل أخوك حلاوة
اتمسكنت لحد ما اتمكنت
أخوك ميعرفش وش الحية الحقيقي
هي الملعونة هذي ورا كل اللي بيصير!
ضمها فارس وهو بيطبطت عليها وسند دقنه على مقدمة راسها وهو بيزفر بضيق وقلة حيلة أما فاطمة فكانت متشبثة فيه وهي بتبكي على ابنها.
مشيت يقين مع عايد اللي حاول يواسيها وقال_ما تاخذي بكلام أمي يا مرت أخوي
هي بتقول هذا الكلام من قهرتها، أنتِ متعرفيش عامر بالنسبالها إيش!
هزت يقين راسها بصمت، مكانتش قادرة على الكلام، مش بسبب فاطمة ولكن بسبب الموقف كله، مش قادرة تتخطى نظرات عامر ولا توصيته لاخوه إنه يخلي باله منها
حتى وهو في أزمته مش ناسيها
واللي مضايقها إنها مفرحتش دلوقتي عكس ما كانت متوقعة، هي كانت مستنية اللحظة دي من زمان، ليه متضايقة دلوقتي؟
ليه مش مبسوطة؟
ليه حاسة بغصة في صدرها والخوف ماليها؟
لاحظ عايد حالتها فوقف بتردد، بصتله هي بتعجب فقال_مرت أخوي...
فضل ساكت وكإنه مكسوف من اللي هيقوله، وبعد ما استوعبت يقين نظراته ضحكت بسخرية وقالت_متقلقش، مش أنا اللي بلغت عن اخوك
قالتها وسابته واقف يعض على شفايفه من الندم ومشيت، خرجت برا القسم فشافت معظم رجال العيلة هنا، اتخطت نظراتهم وراحت ركبت العربية اللي كانت جاية فيها وقفلت الزجاج اللي كان داكن مبيبينش مين اللي جواه وفضلت تبص عليهم من برا وهي بتدلك جيبنها بتعب
شافت عهود اللي جريت على حسن وهي منهارة اللي أخدها في حضنه وفضل يهدهدها زي الأطفال، ابتسمت لنفسها بسخرية، مرت عليها أسوأ الأيام وملقتش حد جنبها
ملقتش حد يديها الحضن ده!
خرج فارس بصحبة فاطمة والمحامي اللي خلص بقيت الاجراءات، وقبل ما يتحركوا عشان يرجعوا البيت كان ظهرت عدد من عربيات الشرطة، وقفوا كلهم يتابعوا اللي بيحصل بفضول فنزل العساكر من العربية ومعاهم عزيز، ووقفت عربية وراهم اللي كانت تخص صالح ومراته المنهارة من اللي حصل.
وقف فارس وعايد يتابعوا اللي قدامهم بصدمة، في حين مكانتش تقل صدمة عزيز عنهم لما شافهم هما كمان هنا، وفي اللحظة دي تمتم فارس بوجه مشدوه_يـا ولاد الملاعــين!
أدركوا كلهم في الوقت ده إن اللعبة كبيرة بالفعل، أكبر مما تصوروا، هما بالوضع ده عرفوا بإن عامر وعزيز اتفقوا فمكانش قدامهم غير إنهم يضيعوهم بعد ما اكتشفوا حقيقة اللي بيحصل..
****
كان مستقر عامر في الزنزانة مع عدد من المساجين التانيين واللي كانوا مسجلين خطر ووشوشهم باين عليها الإجرام، كان ساند ضهره على الحيطة وحاطت دراعه على ركبته اللي تنيها، من وقت للتاني بيبص بطرف عينه للي موجودين معاه في الزنزانة، ملاحظ نظراتهم الغريبة ناحيته وتركيزهم معاه وعارف إن فيه حاجة مقصودة هتحصل بس فضل ممثل الاستكانة.
اتفتحت الزنزانة في الوقت ده ودخل منها عزيز اللي فتح دراعه في الهوا وعلى وشه ابتسامة عريضة_السلام عليكم يا رجالة
متجمعين في الخير إن شاء الله
محدش رد عليه بل كانوا بيبصوله بنظرات صامتة إجرامية، أما عامر فكان باصصله بدهشة من وجوده لحد ما ابتسم بسخرية وظهر على وشه معالم الإدراك، دخل عزيز وهو بيتفرج على المكان لحد ما وقعت عينه على عامر، فاندهش وقال_يا نهار أبيض
أنا وعامر الزيات في زنزانة زاحدة!
هز عامر راسه بيأس، اتحرك عزيز وقعد جنبه وهو بيتأوه بألم، طلع عامر علبة سجايرة من جيبه وأعطى عزيز سيجارة وحط التانية بين شفايفه، واتكلم وهو بيولعها_لوهلة قولت إن أنتَ ورا اللي صار
جذب منه عزيز الولاعة الذهبية وولع سيجارته وقال وهو بينفث دخانها_عـيب!
أنا لسة قايلك أنتَ صديقي لحد ما نعرف مين اللي بيوقعنا
بعد كذه هبلغ عنك عادي
رمقه برفعة حاجب وبعدين زفر دخان سيجارته وقال بجمود_اللعب على المكشوف هذي المرة
هز عزيز راسه وقال_عرفوا إننا حطينا إيدنا في إيد بعض واتفقنا
كانوا بيلعبوا من تحت لتحت عشان نخلص إحنا على بعض بعيد عنهم ويفضالهم الجو، ولما انكشفوا بقى اللعب على المكشوف.
بصله عامر وقال بسخرية_أنتَ طلع عندك عقل وبتفكر كيفنا ولا إيش!
جاراه عزيز في مزاحه وقال_مش أنتَ لوحدك اللي بتفكر يا عامر يا زيات.
_اسكتوا بقى دوشتونا بقركم هذا!
صدع صوت اجرامي متحشرج قطع كلامه، وجه عامر نظره لصاحب الصوت اللي كان قاعد في ركن مرتدي قميص حمالات مقطع في الجو اللي كان شديد البرودة ووشه مليان أثار جروح قديمة، رفع عامر حاجبه وهو مدرك كويس إن دي بداية الحرب ولكن مهابش بل بالعكس شامخ زي ما هو، فرد بغلظة_مش عاجبك سد ودنك ومتصدعناش ولا شوفلك نصيبة تانية اقعد فيها.
قام وقف الراجل، بالأصح انتفض واتحرك بخطوات متعصبة ناحيتهم، وهو ماشي ضرب برجله وعاء بلاستيكي بقوة خبط في الحيطة جنب عامر فبص للوعاء بطرف عينه وبعدين وجه نظره للي وقف قدامه وقال_بتقول هذا الكلام لمين؟!
رمقه عامر من فوق لتحت بسخرية، في حين كان عزيز قاعد بيتفرج على اللي بيحصل باستمتاع، فرد عامر بقوة_هو فيه حد نطق غيرك ولا إيش؟!
بقول هذا الكلام لأبو قردان اللي قدامي
هات اللي عندك
اشتعلت عيون الشخص أكتر، وبدون تردد مال وجذب عامر من تلابيبه وهو بيسبه، سحب عامر نفس من السيجارة ورماها على الأرض وهو بينفس دخانها في وش الشخص، وبدون تردد لكمه بقوة في وشه خلاه اترمى على الأرض
وفي لحظات بعد حركته دي لقى عدد كبير من اللي موجودين في الزنزانة قاموا ومشيوا ناحيتهم وهما بيبصولهم بنظرات متوعدة، ابتسم عامر ووجه نظره لعزيز اللي طفى سيجارته وقام وقف ببرود هو كمان وردد_استعنى على الشقا بالله!
وفي لحظات قامت معركة دامية بينهم، كان عزيز وعامر بيتصدوا ليهم بل وبيتسببولهم بإصابات جامدة بسبب بنيتهم القوية وخصوصًا عامر
كانوا عارفين كويس إن اللي بيحصل ده مقصود، وحتى لو محصلش اشتباك بينهم وعامر رد عليهم كانوا هيتلككوا بأي شيء بس عشان مأجورين.
وفي وسط المعركة اتقدم أول شخص ناحية عامر وفي إيده سلاح أبيض، وقبل ما يطعنه كان عزيز أخد باله وهتف_حـاسـب يا عـامر!
وقبل ما عامر يتلفت كان عزيز دفعه وضرب الشخص ده بزجاجة اتهشمت فوق راسه بعنف لدرجة تناثرت شظاياها فوقع على الأرض وهو بينزف
بص عامر للملقى أرض وهو بيتنفس بعنف والعرق متصبب على جبهته، وبعدين وجه نظره لعزيز اللي كان بيلهث من المجهود وقال_كده متعادلين
ابتسم لما عرف إنه قاصد بإنه أنقذه من الاغتيال، فخدوا وضع الاستعداد وكملوا قتال مع الموجودين لحد ما اتغلبوا عليهم، ولكن بالطبع نالهم العديد من اللكمات والضرب اللي ساب أثر وجروح في وشهم، نفض عامر إيده وهو بيبصق على الأرض وبيمسح جبينه المتعرق والمكدوم، وبتعب اتجه ناحية الملقى أرضًا، جثى عليه ومسكه من تلابيبه يرفعه وقال_مين اللي باعتك؟!
كان التاني شبه مغمى عليه، فـ هزه عامر بعنف خلاه يتأوه بألم ووجه قطعه زجاج على رقبته فاتوسعت عين التاني برعب، قال بنبرة مرعبة_انطـق
بصوت مهتز من الألم_مـعرفش
جاتلنا أوامر نقتلكم أو ما توصلوا، وعطونا فلوس كتير
استشعر عامر الصدق في كلامه فدفعه على الأرض وصرخ التاني بألم، وبعدين اتحرك وهو بيمسح وشه وبينهج من عنف المجهود اللي عمله، واترمي على الأرض جنب عزيز اللي كان قاعد بيلهث، بصله عامر وقال_أنتَ طلعت بتعرف تتعارك أهو
أومال كنت بتتفرم مني ليش؟!
بصله عزيز بنظرات مغتاظة ومعلقش على كلامه، وجهوا نظرهم هما الاتنين للمرميين على الأرض وهما بيتألموا
فقال عزيز_الغريبة بعد المدعكة هذي مشوفتش واحد دخل علينا يفضها
رد عامر بضيق_هذا كله ملعوب، من أول البلاغات لحد دخولنا هنا
سكتوا هما الاتنين، فطلع عامر سيجارة واداها لعزيز وولعله وبعدين ولع لنفسه وفضلوا قاعدين مستنيين العساكر اللي هييجوا يكتشفوا اللي حصل..
****
فضلت طول اليومين دول بتتجنب النزول لتحت عشان متختلطش بفاطمة بعد مواجهتهم الأخيرة في القسم خاصة وأنها ما زالت شاكة فيها، خاصة وإن عامر مش موجود عشان يحميها ويدافع عنها
المرادي محدش هيلحقها من بطش فاطمة
عامر!
الغايب اللي لوهلة حست بفراغ كبير بيتمكن منها بسبب عدم وجوده، غصة في قلبها بتزداد مع الوقت وخاصة لما بتتخيل إنه ممكن يفضل في السجن.
وجهت نظرها لجواد اللي نايم جمبها، الوقت كان لسة مبكر ولكن هي اللي نومها غير منتظم بقالها يومين وكإنها حاسة المكان غريب عليها من غيره
وجواد فضل متمسك بيها بسبب غياب والده، يمكن كانت هي اللي محتاجاه مش هو
أو احتياج متبادل
هو عشان شايفها مامته
وهي...
علشان بيفكرها بيه مثلا!
مسدت على شعر جواد وهي بتتأمل ملامحه اللي نسخة مصغرة من عامر، مالت وطبعت قبلة عميقة على خده وهي بتستنشق ريحته بعمق.
وبعدين قامت وقفت قصاد زجاج البلكونة وهي ضامة نفسها وبتبص في الفراغ.
فيه حاجة غريبة مسببالها ألم، غيابه اللي مش متعودة عليه وهو اللي كان بيلاحقها في كل مكان ومش سايبها تلحق تتنفس من غيره.
لقت نفسها بتتجه ناحية البالطو بتاعه اللي خدته قبل كده، مسدت عليه بإيديها وبعدين رفعته وهي بتلبسه وبتضم نفسها جواه وهي بتستنشق ريحة عامر اللي ما زالت فيه وكإنه ضاممها.
لوهلة اتجمدت تمامًا من اللي عملته، انتفضت وهي بتقلع البالطو بسرعة ورمته على السرير وهي بتبصله بدهشة، مش مستوعبة إيه اللي بتعمله دلوقتي
مشاعرها جياشة ناحيته ليه؟!
شدت على خصلاتها وهي بتلف حوالين نفسها بتفتكر كل حاجة
بتفتكر اهتمامه بيها
نظراته
مدافعته عنها
حمايته ليها ولهفته عليها لما تعبت، الأكل اللي كان بيجيبهولها للفراش مخصوص وهي تعبانة، قربه منها أثناء تدريبه ليها بالسلاح، غيرتها عليه من ليلى
حزنها عليه لما مسك سعد، خوفها من إنه يرتكب جريمة، وأخيرًا لهفتها واشتياقها ليه.
وقفت قصاد المراية وهي ساندة بإيديها الاتنين على التسريحة وكانت باصة في الأرض
رفعت مرة واحدة عيونها اللي مليانة دموع وحمراء ككتلة من الدماء
كل اللي استوعبته دلوقتي إنها...
حبِّت عامر!
كل المشاعر اللي كانت بتتبني جواها دي حب من غير ما تحس!
حبت جلادها!
عند استيعابها للجملة دي اتنفضت وهي بتهز راسها بالرفض، الجملة بتتردد في دماغها
وكإن الاسئلة المتكررة في دماغها بقت ليهم إجابة واحدة
هي بتحب عامر!
شدت على خصلاتها وهي تلف حوالين نفسها في الأوضة وبتقول_لا لا لا لا
مش ممكن
استحالة
لأ!
وقفت مرة واحدة وهي بتحاول تفكر نفسها، عامر مهرب أسلحة خارج عن القانون، خطفها، حاول قتلها، حبسها، هددها بأهلها، اتجوزها بالإجبار
ولكن
حماها، كان حنين، متفاهم، بيخاف عليها وبيرد كرامتها، بيجيب حقها.
وكإن فيه خناقة جواها، ازداد الصراع جوا عقلها، نزلت دموعها بعنف من فرط اشمئزازها من نفسها من المشاعر اللي اتملكت منها.
بدون تردد اتجهت للدولاب غيرت ملابسها، وطلعت شنطتها القديمة، اتأكدت إن فيهم كل حاجتها وبعدين ألقت نظرة أخيرة على جواد قبل ما تخرج من الغرفة وهي بتتسلل لتحت.
شافها حمد فبصلها بتعجب وسأل_لوين بدري كذه يا مرت أخوي؟!
ردت وهي بتسبقه للعربية_خدني لعامر
بتردد قال_بس...
قاطعته بحدة أكبر_خـدني لعـامر
ودلوقتـي!
اتنهد باستسلام وصعد السيارة بالفعل بعد ما شاور لاتنين من الحرس اللي استقلوا عربية تانية وراهم كضمان للحماية
كان حمد بيبصلها من لحظة للتانية من مراية العربية، كانت شاردة، ملامحها باهتة عيونها محمرة ومن لحظة للتانية بتمسح دمعة عابرة بتخونها وتنزل على خدها
انتبهت على صوت حمد اللي قال_عامر بيه بيسأل عنك دايمًا
حست بغصة عنيفة في قلبها، فبصتله بعيون لامعة بعجز، فكمل حمد_أول واحدة بيتطمن عليها
بيسألنا إذا كنتي بخير، حد اتعرضلك، حد أذاكي، أو حد ضايقك
بيتطمن إذا كنتي بتاخذي علاجك بانتظام عشان جرحك، بتاكلي كويس و...
_كـفايـة
قاطعته بحدة وهي بتشيح بنظرها عنه، مش قادرة تسمع أي حاجة زيادة، بتحاول تجمد قلبها وتنفر المشاعر اللي اتمكنت منها، اتعجب حمد من حالتها ولكن قال قبل ما يسكت خالص ويكمل في الطريق_أنتِ غالية عند عامر بيه أوي يا مرت أخوي
غالية أوي..
غمضت عينيها تضغط على جفونها بعنف من اللي حاسة بيه، وأشاحت بنظرها وكإنها مسمعتوش..
خرج مع الحارس لأوضة وكيل النيابة بعد من اتنقل للحبس الانفرادي بسبب الخناقة اللي حصلت
كان بيحسب إنه حد من اخواته لما قالوله إن فيه زيارة جياله في الوقت ده، ولكنه اتجمد تمامًا وانتفض قلبه لما شافها هي اللي قاعدة قدامه.
اتلاقت نظراتهم في عناق كبير بعيونهم، عناق خدته نظرتهم بدل أجسادهم، كان مشتاق لها بشكل كبير، قلقان عليها، وحاسس بفراغ لأنه مش شايفها قدامه، مشتاق لمناقرتهم وعنادهم قصاد بعض، مشتاق لأي لحظة بتجمعهم!
كانت صامتة هي وبتراقبه بيتقدم منها، سرعان ما رمشت كذه مرة بخوف وبلعت غصة في حلقها لما شافت الكدمات اللي على وشه.
قعد قدامها على الكرسي، فكانت بتحاول تتحاشى بالنظر عنه عشان متسألهوش عن اللي حصله، وقالت_عامل إيه؟
رد وهو بيتأملها_عايش
ضمت شفايفها تحت نظراته اللي بتخترقها وقالت_عرفتوا مين اللي ورا اللي بيحصل؟
أصدر صوت من فمه دلالة على الرفض ورد_مش لاقيينلهم أثر، وسعد مش راضي يعترف
عضت على شفتيها وهي بتبصله من تحت وكإنها عندها استحياء من النظر ليه بعد ما اكتشفت فداحة مشاعرها، وبعدين قالت_هتفضل محبوس؟
رفع كتفه ورد_الله أعلم
هزت رجليها بعنف تحت نظراته اللي كان واخد باله من كل تصرفاتها، وبحذر قالت_لو قولتلك أنا اللي مبلغة عنك؟!
كإنها مستنية رده بفارغ الصبر، تشوف إذا كان واثق فيها، بص ليها بصمت شوية وهو بيجوب تفاصيلها بعينه، وأصدر صوت دلالة على الرفض وقال بثقة وتأكيد_مـش أنـتِ
سكتت تمامًا وألجمها رده وكإنه بيتكلم بثقة رغم إنها حاولت تثير شكه، اتعدل هو ومال ناحيتها، بص لعيونها مباشرة فارتكبت بشدة، حس هو إن وراها حاجة فقال بنبرة حذرة_قوليلي أنتِ يا يقين...
جاية ليش؟
_أنا عايزة اتطلق
اتجمدت عيونه عليها بل جحظت من المباغتة، عدلت هي من خصلاتها بإيديها اللي بترتجف، ورفعت عيونها لعيونه وبقوة قالت_يا تطلقني وتسيبني أمشي
يا هقول لوكيل النيابة على كل حاجة أعرفها عنك...
الحلقة السادسة والعشرون
صمت ملى المكان بعد اللي قالته، كان بيرمقها بنظرات هادية متفحصة عكس اللي اتوقعته، اتوقعت يثور، اتوقعت يتعصب ويهددها، حتى اتوقعت يرفع إيده عليها، ولكن العكس تمامًا بل فضل على وضعه وكإنها مقالتش حاجة، ارتجفت إيديها المتمسكة بالشنطة وهي مستنية العاصفة اللي بعد الهدوء ده كله تخرج في أي لحظة.
أما هو فبعد صمت طويل قال بنبرة غريبة عليها_لـيش؟!
رفعت عيونها بحدقتيها المهتزة ليه، مكانتش قادرة تبص في وشه، من خوفها منه من ناحية
ومن خوفها من مشاعرها من وقت ما شافته من ناحية تانية
واللي عصبها اكتر هدوئه الغريب اللي متعودتش عليه فيه فخلاها في موقف محرج، وبإنفعال قالت_هو إيه اللي ليه؟!
بقولك هتطلقني يا عامر، هتطلقني وتسيبني أمشي من المكان ده
وننسى كل حاجة
أنتَ تنسى إنك كنت تعرف واحدة اسمها يقين، تنسى كل اللي حصل طول الفترة اللي فاتت، وأنا هنسى كل اللي فات، همحي أي حاجة سمعتها أو عرفتها عنك
هبدأ من جديد يا عامر
بعيد عن يوسف وذكرياته وكدبه
وبعيد عنك...
قالت جملتها الأخيرة وهي بتتنهد بضعف، كان بيسمع كلامها وعلى وشه برود غريب وكإن كل اللي قالته ده مكانش مأثر فيه.
فسأل بحذر_وإلا؟
بلهجة قوية حاولت تستمدها ردت_وإلا زي ما قولتلك
هحكي لوكيل النيابة كل حاجة، ازاي اتخطفت وازاي هددتني
هحكي عن تهريبك للسلاح
هحكي عن كل حاجة وعليا وعلى أعدائي يا عامر، مبقاش فيه حاجة أخسرها أكتر من اللي خسرته!
اتنفضت بهلع لما لقته وقف مرة واحدة، بلعت ريقها بإرتباك وهي متحفزة لأقل رد فعل ممكن ياخده ضدها
هي عارفة إنها أشعلت فتيله بكلامها، عارفة إن عامر مبيتهددش، مبيجيش معاه العند، عارفة إنه لو مش عايز يطلقها مش هيطلقها وتهديدها ده تبله وتشرب مايته
ولكن هل هي نفسها هتقدر تغدر بيه؟!
لما شاف انتفاضها والذعر اللي ظهر على ملامحها ابتسم وقال ببرود_خـايفة؟!
ضمت قبضتها وبإنفعال وعصبية ردت_أنا مش خايفة منك!
أصدر صوت دلالة على الرفض وهو محافظ على ابتسامته ونظراته الماكرة وقال_مش خايفة مني أنا
خايفة منك أنتِ
بصتله بتعجب وهي بتحاول تفهم كلامه، قرب منها خطوة، وبإصبعه شاور على صدرها تحديدًا موضع قلبها وقال بنبرة عميقة_خايفة من هذا..
وكإنه ضغط على جرحها في الوقت ده، اتصدمت من معرفته بتخبطها اللي هي حاساه، إنهارت كل مقاومتها، ارتعشت أناملها واتملت عيونها بالدموع اللي كانت بتحاول تمنع هطولهم، وحاشت بنظرها عنه وهي بتقول بجمود مصطنع_أنا مش فاهمة أنتَ بتتكلم عن إيه..
ارتجفت لما مد إيده ولمس أطراف دقنها واجبرها تبصله، وكإنه كان مستني دليل على كلامه، لما شاف نظرتها اللي مليانة مشاعر وصلتله
مليانة حب وضعف!
وشاف الدموع اللي مالية عيونها وكإنه ضغط على حاجة بتحاول تهرب منها، ملس بإصبعه على خدودها بحنان وهو بيقول_أنتِ خايفة من حالك يا يقين
خايفة من مشاعرك اللي بتتحرك ناحيتي
رفعت إيديها وسندتها على دراعه عشان تبعد عنه ولكنه كان متمسك بيها، وأشاحت بنظرها وهي بتقول بإرتباك ونبرة مرتعشة_عـامر..
ولكنه مرحمش ضعفها بل كمل_خايفة من قلبك اللي بيدق أول ما أكون جنبك
خايفة من عيونك اللي بتدور عليا في كل مكان، مستنكرة كيف حبيتي المهرب الحقير اللي كنتي بتقولي إنه دمر حياتك
كيف اتخليتي عن مبادئك ومشاعرك خانتك وأنتِ مش قادرة تسيطري عليها!
نزلت دموعها في الوقت ده وارتجفت شفايفها بعنف، واتوسلته بضعف_كـفاية
اتهدلت أنفاسه هو كمان وكإنه كان في صراع، هو كان في نفس صراعها، مستنكر مشاعره دي ومش مستوعبها برضه من أول يوم وهو عمر الحب ما دق بابه
أو يمكن مكانش عنده الرفاهية إنه يحب فمستغرب المشاعر دي
احتوى وشها بين إيديه الاتنين فاتمسكت هي بدراعه الاتنين أكتر، سند جبهته على جبهتها فغمضت هي دموعها بضعف وأنفاسه الساخنة بتخبط وشها كإنه بيصفعها، نزلت دموعها أكتر، أما هو كان بينهج من فرط المشاعر اللي حاسس بيه، مشتاقلها بشدة ومكانش فيه غيرها في باله طول اليومين دول
وبعد صمت قال بصوت ضعيف_أنتِ بتحبيني يا يقين
شهقت بألم لما ضرب الحقيقة في وشها، وبمجرد ما نهى كلامه هو وأدرك إن هما الاتنين وصلوا لمرحلة مش قادرين يكبتوا جماح مشاعرهم، مال ملتقط شفتيها في قبلة جموحة بتثبت المشاعر اللي بينهم هما الاتنين، كانت دموعها ما زالت بتنزل من فرط اللي حاسة بيه، عقلها رافض اللي بيحصل لكن قلبها راضي
راضي بشكل غريب بل واستكان وكإنه لقى ملاذه!
مكانش متخيل إنه ممكن ياخد رد فعل زي ده، ممكن شافها إنها تبقى قبلة وداع!
هو نفسه خايف عليها وخايف إنها تكون جنبه، شايف إنها مش شبهه، شايف إنها أنقى من كده!
سند جبهته على جبهتها وهما بيتنفسوا بعنف، أما هي فبكت وهي بتقول_مينفعش
مينفعش يا عامر صدقني
إحنا مش شبه بعض
كان ما زال صامت وهو مغمض عيونه وكإنه مش عايز اللحظة دي تعدي بالسرعة دي، أما هي فضغطت على جفونها بعنف وهي بتكمل_عمر ما هيبقى لينا مستقبل مع بعض
عمر ما جوازتنا الغريبة دي هتكمل رغم اللي قولته
عمري ما هعتبر نفسي مراتك بل بالعكس هحس إني بخون نفسي
بعدته عنها فبصلها بنظرات عميقة مليانة حب وحنان أول مرة يظهرهم من غير ما يخاف، فاتكلمت بنبرة متهدلة مليانة توسل وضعف_بالله عليك يا عامر
ارحمني من اللي حاسة بيه
سيبني أمشي بالله عليك
مد إيده ومسح دموعها بحنان وهو بيبصلها بعجز، فاتشبثت هي بإيده وقالت_مش هستسلم للي حاسة بيه، مش هسيب مشاعري تسيطر عليا
نزلت إيده ومسحت دموعها بإيديها بعنف وهي بتحاول تتمالك نفسها، ورفعت عيونها الحمرا ليه وبنبرة قوية قالت_أنا آسفة يا عامر بس مش هتنازل عن اللي قولته
يا تطلقني يا هقول لوكيل النيابة على كل حاجة
تراجع خطوتين لورا وفضل باصصلها بصمت، كإنه بيتحداها إنها تعمل كده، حست هي بغصة عنيفة بتضرب صدرها من عجزها
فاتفتح الباب ودخل وكيل النيابة في الوقت ده، قعد على كرسيه وراقب نظراتهم الغريبة لبعض، وفي الآخر اتنحنح وقال_مدام يقين
قولتيلي إن فيه حاجة مهمة تخص عامر حابة تقوليهالي
اهتز بدنها في الوقت ده وهي مسلطة نظرها عليه وسامعة كلام وكيل النيابة، أما عامر فكان ساكن بشكل غريب، بيراقبها بصمت ومستني اللي هتقوله بل وكان بيشجعها بنظراته كمان، ضمت قبضتها وضغطت على شفايفها، فحثها وكيل النيابة وقال_مدام يقين
تقدري تتكلمي براحتك، مفيش حاجة تخافي منها
اتلفتت لوكيل النيابة في الوقت ده وفضلت بصاله بصمت، جواها صراع عنيف بيدور، خناقة بين عقلها وقلبها، مش قادرة تتكلم وفنفس الوقت شايفة إن ده تحدي لمشاعرها ليه
شايفة إن دي الحاجة الوحيدة اللي هتثبت إن المشاعر دي مش حقيقية
بطرف عينها بصت لعامر، ولكن في النهاية لقت قلبها بيصرخ بحبه
مش قادرة تساعد مش أذاه
بالعكس هي عايزاه يخرج، مش قادرة تشوفه بيتألم ومش قادرة تطعنه هي كمان
رفعت عيونها المليانة دموع لوكيل النيابة تأهبًا لإنها تتكلم، ووكيل النيابة نفسه عرف إن الموضوع كبير بعد النظرات اللي دار بينهم، ولكن في النهاية خرج صوتها في الوقت ده_معنديش حاجة أقولها..
وبس ختمت جملتها وخرجت من المكتب وهي بتفتح الباب بعنف لدرجة إنه خبط في الحيطة، تابعها عامر بعيونه اللي مليانة حزن وألم، لوهلة مكانش عنده شك فيها
عارف إنه مش هتعمل كده
يقين عمرها ما تكون إنسانة مؤذية
دخل حمد في الوقت ده وهو حاسس بالتعجب من خروج يقين اللي يشبه العاصفة، فقرب من عامر بتساؤل_أخوي؟
بصله عامر وبجمود رد_خذها لأي مكان عاوزة تروحه وخليك معاها، هي في أمانتك
هز حمد راسه وخرج وهو بيجري ورا يقين، أما وكيل النيابة فشبك إيديه ببعض وهو بيقول_الظاهر المدام كان عندها كلام كتير هتقوله، بس خافت منك يا عامر
بصله عامر وابتسم باستفزاز_لو كانت عاوزة تقول حاجة كانت قالتها
حرم عامر الزيات ما بتهاب شي
أي فرد في الزيات من أكبره لأصغره ما بيهاب شي يا باشا.
استفز وكيل النيابة جملة عامر اللي كانت مليانة قوة وتحدي، فضغط على زر قدامه دخل منه اتنين عساكر بسرعة، شاورلهم ياخدوا عامر وبالفعل اتحركوا معاه لحد ما خدوه في زنزانته اللي قاعد فيها لوحده، اتحرك لجوا وفضل يلف حوالين نفسه وهو بيزفر بعجز، هو مستني إيه
بعد كل اللي عاشته يقين لازم ترفض اللي حاسة بيه، هو شايف الحب في عينيها اللي بيتبني يوم ورا يوم وكان بينكر ده
حتى هو نفسه كان بينكر مشاعره ليها
افتكر في الوقت ده قبلتهم اللي كانت مليانة مشاعر جياشة ممزوجة بدموعها، فاتجه للحائط ولكمه بقبضته وهو بيزمجر بقهر
وبعدين اتحرك وقعد على السرير وهو شارد قدامه، مش هيسيب يقين
مش هيسمح إن ده يحصل...
****
نزل حمد يجري ورا يقين اللي لقاها اختفت عن عيونه، ركب العربية واتحرك وهو بيدور في الطريق لحد ما شافها واقفة والظاهر مستنية تاكسي، كانت دموعها مغرقة عيونها بتمسحهم من حين لآخر بعنف، مش قابلة كل اللي حساه، ورافضة الفكرة اللي في دماغها ولكنها هتنفذها، لازم تمشي من هنا
لازم تبعد عن عامر وأي حاجة تخصه
وقف حمد قدامها بالعربية ونزل الشباك وهو بيقول_تعالي يا مرت أخوي
أشاحت بنظرها عنه وهي بتقول بحدة_مش عايزة، أنا مش راجعة البيت ولا هفضل في العريش أصلًا
تقدر تمشي أنتِ
ولكن بإصرار قال حمد_ما أقدر أتركك يا مرت أخوي، اركبي وهاخذك لأي مكان عاوزة تروحيه ما تقلقي
بصتله يقين بطرف عينها بتفكير أما هو كان بيتوسلها بنظراته، وفي النهاية زفرت بضيق وركبت في الكرسي اللي ورا
اتحرك حمد وهو بيبصلها من المراية اللي قدامه وشايف الألم اللي ظاهر على ملامحها ولكنه فضل ميتدخلش وقال_لوين يا مرت أخوي؟
ردت وهي شاردة في الطريق_اطلع على مصر الجديدة
لاحظت صمته فبصتله تراقب ملامحه اللي باين عليها التردد من المراية، فاتهكمت ملامحها وقالت ساخرة_إيه؟
مش قولت مش هتعترض ولا غيرت رأيك؟!
اتنهد حمد بعجز ورد في النهاية_اللي تشوفيه يا مرت أخوي
وبالفعل بعد مرور أقل ٥ ساعات تقريبا كانوا وصلوا القاهرة
كانت طول الطريق صامتة تمامًا، ساندة راسها على الزجاج وسارحة في الفراغ، والحقيقة كانت بتراجع كل ذكرياتها مع عامر
فيه غصة متحكمة في قلبها، بتتألم من فكرة إنها مش هتبقى موجودة في حياته تاني
حتى جواد، زعلانة إنها هتسيبه بعد ما اتعلقت بيه واتعلق بيها واعتبرها أمه فعلًا
هي عارفة إنها أنانية بتصرفها ده
بس لازم تنجو
لازم تنجو بقلبها!
قدرت تميز شوارع القاهرة اللي اتعودت عليها واشتاقتلها، كان بقالها مدة كبيرة مبتتمشاش فيها زي ما كانت بتحب
فتحت زجاج العربية وطلعت راسها برا وهي بتشم الهواء بعمق
وبعدين قالت لحمد_خدني على شقتي
شافت التردد اللي ظاهر عليه، مكانش عاجبه الحال اللي وصلت ليه هي وعامر وهو مدرك كويس هي غالية عنده قد إيه، فبصتله يقين وقالت بسخرية_أكيد عارف هي فين، ما أنتوا دخلتوها قبل كده وجيبتوا صوري وورقي عشان كتب الكتاب!
مردش عليها حمد بل غير اتجاهه لمكان شقتها فعلا فابتسمت يقين وأشاحت بنظرها عنه بسخرية.
وصلوا للعمارة اللي فيها شقتها، نزلت من العربية وهي بتقفل الباب بعنف وكإنها بتودع كل ذكرياتها في الوقت ده
متأملة إنها مش هترجع تاني
إنها مش هتشوف عامر تاني رغم الوجع اللي حاسة بيه
دخلت العمارة أما حمد ففضل واقف مكانه يتابعها، طلعت لفوق لشقتها، وقفت قدام الباب وهي بتبصله بمشاعر مختلطة بعد أيام طويلة من الغياب
لأول مرة تحس إن ده مش مكانها
بعد الكدبة اللي عاشتها مع يوسف ده مبقاش مكانها فعلًا
اتنهدت بقلة حيلة وطلعت مفتاحها من الشنطة، حاولت تفتح الباب ولكنه مكانش بيتفتح!
عقدت حواجبها بتعجب، المفتاح مكانش بيدخل في الباب أصلًا، ولكنها كانت بتعافر وهي بتحاول تفتح الباب ودموعها نزلت غصب عنها
كل الأماكن رفضاها حتى شقتها!
_مدام يقين!
انتفضت بفزع على الصوت اللي وراها، واللي اكتشفت إنه البواب، حطت إيديها على صدرها وهي بتتنفس براحة عشان تتمالك نفسها، فاتكلم البواب_حمدلله على سلامتك يا مدام يقين
طولتي في الغيبة
اتكلمت بصوت حاولت يكون طبيعي_الله يسلمك يا عم ابراهيم
بحاول أفتح الباب مش راضي
عقد حواجبه وقال_أنتِ معرفتيش؟!
قربت منه وهي بتبصله بتعجب وسألت_عرفت إيه؟!
رد_مدام إكرام حماة حضرتك من فترة جابت نجار وفتحت الباب وبعتت شنطة هدوم وحاجات حضرتك لبيت أهلك وبعدين غيرت الكالون بتاع الباب
اتجمدت يقين مكانها وزاغت عيونها بالدموع، حست بالعجز في الوقت ده، سابته واتحركت على تحت من غير ما ترد عليه تحت نظراته المتعجبة خصوصًا من ملابسها اللي أول مرة يشوفها عليها وبالذات في نواحي القاهرة،
كانت ساندة بإيديها على السلم وهي نازلة في حين حاسة بإنها هتفقد توازنها، نزلت دموعها بغزارة على وشها وارتفع صدرها من أنفاسها السريعة
خرجت من البيت وهي حاسة بالتوهان، مش عارفة ممكن تروح فين، متقدرش ترجع لبيت أهلها وهي عارفة إنهم استحالة يتقبلوها وكانت متوقعة تصرف أهل يوسف ولكن لوهلة كان عندها أمل إن ميحصلش دا!
نزل حمد من العربية بسرعة وجري عليها وهو بيقول بقلق_مرت أخوي
وش فيك؟!
اتعمد إنه يسيب مساحة بينهم وميلمسهاش عشان يراعي حرمة رب عمله ولكن كان ظاهر عليه القلق والخوف، سندت يقين على العربية ونزلت راسها في الأرض وهي بتضغط على جفونها وبتقول_اتطردت من الشقة
اهلي اتبروا مني
خسرت شغلي
مبقاش فيه مكان أروحه!
حس حمد بالأسى عليها فاتنحنح وهو بيقول بتردد_تحبي نرجع الدار؟!
رفعت جسمها مرة واحدة ومسحت دموعها وهي بتقول قبل ما تدخل العربية_خدني لمدينة نصر
حس حمد بالضيق، هو كل الوقت ده بيسايرها زي ما قاله عامر ولكن هو مش عايز كل اللي بيحصل ده، هو شايف إن مكانها جنب عامر، هي الوحيدة اللي قادرة تهون على رب عمله حاجات كتير ومش مدركة ده
وفي النهاية اتحرك بالفعل للمكان اللي قالتله عليه.
دخلت أحد العماير وطلع وراها حمد، فاتلفتت وبصتله برفعة حاجب بتساؤل، فوقف هو ونكس راسه في الأرض وقال_اعذريني يا مرت أخوي، لازم اتطمن عليكي الأول
زفرت بنفاذ صبر وهي عارفة ومدركة إنه استحالة يسيبها ويمشي كالعادة، فطلعت لشقة من الشقق، دقت على جرس الباب لحد ما خرجت منها مها صديقتها واللي كانت شغالة معاها في نفس الجريدة وكمان ساعدتها في سفرية العريش
اللي أول ما شافتها شهقت بصدمة وهتفت_يـقيـن!
بدون تردد ضمتها يقين وفضلت تبكي من غير ما تتكلم، هي كانت محتاجة بس كتف تسند راسها عليه، محتاجة حد يضمها ويسمعها، الوحدة قتلتها طول الفترة اللي فاتت.
كانت مها ضماها وهو بتربت على ظهرها في حين بتقول_اهدي اهدي
مالك بس يا حبيبتي!
رفعت نظرها لحمد وملابسه الغريبة بتعجب، كانت عارفة حكاية جوازها من واحد من العريش، ولما اتطمن حمد على يقين سابها ونزل ولكن فضل قاعد في العربية قدام البيت عشان يفضل حارسها ومتطمن عليها زي ما عامر قاله
أما يقين فبعدت عن مها وهي بتمسح دموعها وبتقول_محتاجة ارتاح بس يا مها
أنا كل اللي محتاجاه إني أرتاح
ومش لاقية أي مكان أروحه، كل البيبان مقفولة في وشي يا مها، مش عارفة أروح فين!
قالتها بضعف ووجع، فربتت مها على كتفها بحنان ودفعتها بخفة عشان تدخل وهي بتقولي_تعالي بس
وأنا روحت فين؟!
دخلت يقين معاها لجوا وقفلت مها الباب بعد ما إتأكدت إن حمد مشي..
****
صحي جواد من نومه وهو بيدلك عيونه بقبضته الصغيرة في حين بيهتف_ماما يقين...
ولما ملقاش رد بص حواليه بتعجب واتحرك ناحية الحمام وهو بيخبط عليه وبيقول_ماما يقين أنتِ جوا؟!
مفيش أي أثر ولا صوت، ودي حاجة خلته يرتجف ودموعه تنزل على وشه وهو حاسس بالهلع والفزع، فخرج بسرعة ونزل وهو بيجري لحد ما وصل عند غرفة المجلس اللي كان فيها نساء العيلة وهما متجمعين، انتفضت عهود لما شافته بيبكي بالشكل ده وجريت عليه شالته وهي بتضمه وبتقول_وش فيك يا قلب عمتك؟!
بتبكي ليش؟!
من بين شهقاته_وين ماما يقين
كانت نايمة جنبي
وين راحت؟!
زفرت فاطمة بضيق لما شافت حفيدها في الوضع ده وخصوصًا عشان يقين، مكانش عاجبها نهائي تعلقه بيها وهي عارفة إن مسيرها تمشي من هنا، فطبطت عهود عليه وهي بتقول_ما تبكي، تلاقيها هنا ولا هنا يا عيوني
هز جواد راسه بالرفض وقال وهو بيبكي_لا هي تركتني ومشيت كيف أبوي
_يــوه ما كفاية عاد!
ما بقى غير المصراوية اللي نبكي عليها!
وكمان إيش ماما يقين هذي!
هتفت فاطمة بالجملة دي بعصبية شديدة وكإنه بتطلع كرهها ليقين فيه، فبكى جواد أكتر. من انفعال جدته عليه، ضمته عهود وهي بتهدهده وبتنهر والدتها_وش فيك ياما
جواد بعده صغير ما يدرى بشي!
فاتكلمت فاطمة بقوة_الصغير بكرا يكبر
ولازم يتعلم يصير راجل من دلوقت، وكمان أنا ساكتة على تعلقه بالمصراوية بس هذا كتير!
هزت عهود راسها بعدم استيعاب من اللي بتقوله، دخل عايد في الوقت ده اللي كان ظاهر عليه علامات قلة النوم والاجهاد، فقابلته عهود بلهفة_وينها يقين مرت أخوي يا أخوي؟
اتنهد عايد ورد_حمد كلمني وقال
راحت لعامر الصبح بدري، وبعدين خدها على مصر، قال عامر قاله ياخذها وين ما رايدة
بكى جواد أكتر وهو بيقول_ما قلت لك، ماما يقين تركتني كيف أبوي!
انفعلت فاطمة بعد الكلام اللي سمعته من عايد وهتفت_هربت
هذي الملعونة هربت لما عرفت إنها هتنكشف
أنا هعرفها كيف تسوي كذه، أنا متأكدة إنها هي اللي ورا اللي صار!
مسح عايد على وشه بنفاذ صبر من كلام أمه اللي مبتقولش غيره بقالها يومين، وشاور لعهود تاخد جواد وتخرج من هنا، وبالفعل اتحرك ولكن قامت معاها ليلى وهناء عشان يلعبوا معاه ويهدوه
ليلى اللي كانت حاسة بفرحة شديدة بعد ما عرفت إنها مشيت، كون إنها اتخلت عن عامر في الوقت الحرج ده هيخلي مكانتها تقل عنده، وبكده ممكن يكون عندها فرصة توصله..
اتكلمت بدرية مرات عمه غالب في الوقت ده_ما عرفتوا تطلعوا بشي من سعد؟!
هز عايد راسه بضيق وقال_لأ، ضامن حياته الكلب
عارف إننا مش هنقدر نقتله قبل ما نعرف مين اللي وراه، ومستنيينهم يظهروا عشان يلحقوه لإن الظاهر هو مهم قوي عندهم
رفعت فاطمة عيونها ليه وقالت باستنكار_وعامر هيظل في الحبس لحد ما هذا الكلب ينطق!
رد عايد_ما تقلقي المحامي هيدفع كفالة ونخلي سبيل عامر لحد ما التحقيق يخلص بس مستنيين الإجراءات تخلص، ووقتها عامر بنفسه اللي هيعرف اللي ورا الكلب هذا، هو اللي هيقدر عليه
قالها واتحرك علشان يمشي، ولكن وقفته فاطمة لما قالت باستهجان_ما عاجبني صالح اللي سارح وراكم هذا
هو هيظل من الرشايدة، يعني مش عشان ابنه محبوس هو كمان تاخذوه رفيق، ما تسوي كيف ما عامر سوى، هذولا كلوا بعقله حلاوة بس هيظلوا هما أس المصايب
هاودها عايد بنفاذ صبر وهو بيربت على كتفها وبيقول_ما تشيلي هم ياما
ما تشيلي هم
قالها وسابها وخرج وهو باله مشغول في عامر اللي الدنيا كلها مقلوبة عشان يحاولوا يخرجوه..
****
مرت أيام كانت فيهم يقين معتزلة الخروج
كان نايمة دايمًا في الغرفة اللي مها خلتها تبات فيها، ومن وقت للتاني كانت بتحاول مها تخرجها عن اللي هي فيه خصوصًا بعد ما يقين حكتلها على كل حاجة
هي كانت محتاجة تبوح لحد باللي متراكم جواها بقاله كتير
الحمل بقى فوق كتفها لوحدها، كانت محتاجة حد يشيله عنها وهي كانت متأكدة إن مها استحالة تطلع سرها لحد.
صوت خبط على الباب خلاها تتعدل بعد ما كان ضهرها ليه، دخلت مها اللي كانت رجعت من شغلها في الجريدة.
اتعدلت يقين لما شافتها وابتسمت بخفة، فقربت منها مها وقعدت على السرير وقالت_يا نهار أبيض!
أنتِ لسة نايمة على السرير زي ما أنتِ!
هزت يقين راسها بصمت، كانت ملامحها شاحبة وعيونها مورمة من البكاء المستمر، ضمت مها شفايفها بأسى وقالت_يقين يا حبيبتي
حاولي تفكي كده، مش قولتلك الصبح أخري شمي هوا شوية؟!
حبستك في البيت هتتعبك أكتر
رفعت يقين خصلاتها ورجعتهم لورا وهي بتقول_مش قادرة يا مها والله
مش عايزة أخرج في حتة أو أشوف حد، حاسة إن الناس كلها هتبقى عارفاني ونظراتهم مش هتعجبني
لكزتها مها وهي بتقول_يا عبيطة مين بس هيبقى فاكرك طول المدة دي!
وبعدين الأخبار اللي نزلت اتمسحت بعدها على طول من غير ما نعرف مين اللي عمل كده
سكنت عيون يقين ورددت بصوت هادي_عامر اللي مسحهم
سكتت مها وهي بتراقب ملامح يقين اللي اتبدلت أول ما افتكرته
افتكرته!
مفيش غيره على بالها طول الأيام دي، نفسها تعرف هو عامل إيه خاصة آخر مرة كان فيه كدمات في وشه، خايفة ليكون اتسجن بالفعل، بتقاوم على قد ما تقدر فضولها وقلقها عليه اللي بيكويها من جوا
فبحذر قالت مها_مش ناوية ترجعيله؟
انتفضت يقين من كلامها، فكملت مها_أنا شايفة إنك بتحبيه يا يقين، بغض النظر عن حوار التهريب ده
بس..
نهرتها يقين وهي بتقول_بس إيه يا مها؟
مفيش أكتر من كده، بقولك مهرب
مهرب أسلحة، حتى لو مجبر على وضع زي ده بس مش هقدر
مش أنا!
ربتت مها على رجليها بدعم، هي شايفة إن الوضع صعب فعلًا، ده غير إنه غير قانوني وهي شغلتهم إنهم يكشفوا الحقايق اللي زي دي
حست يقين إن المكان بيضيق بيها، فقررت تخرج تشم هوا زي ما مها قالتلها
وبالفعل كانت مها جابتلها ملابس مناسبة ليها، مهتمتش حتى تشوف شكلها في المراية
هي مدركة كويس إنها بقت تشبه الأموات
نزلت من البيت تحت أنظار مها الحزينة على حالتها، وخرجت تتمشي في الطريق وملاحظتش خالص عربية حمد اللي كانت قدام البيت.
فضلت تتمشي لمسافة لا بأس بها، سرحانة في الطريق، كان الجو ليل شوية ولكن مش متأخر أوي
اختارت مكان هادي شوية وراحت قعدت على الكرسي، دافسة إيديها الاتنين في جيب الجاكت عشان تقاوم برودة الجو الأيام دي
لوهلة حست بحد قعد جنبها، انتفضت وقامت واتوسعت عيونها بصدمة لما لقته هو اللي جنبها، وهتفت بعدم تصديق_عـامر!
رفع عيونه ليها وشاورلها تقعد، ولكنها رفضت بل فضلت تحدق فيه بصدمة
مشاعر غريبة ساورتها في الوقت ده
ولكن كان المتغلب عليها الاشتياق!
كانت بتتأمل ملامحه بشوق رهيب، دقنه اللي طولت وخصلاته اللي مش مهذبة زي الأول بس على العكس مظهره كان جذاب أكتر، ولكن نظراته كانت دافية وغريبة، قام وقف وهو بيتأمل المكان حواليه وهو ماطط شفايفه وقال_عجبتك قاعدة مصر؟
ولكنها ردت بسؤال_أنتَ هنا إزاي؟!
قرب منها ووقف قدامها وهو باصصلها من فوق وقال بسخرية_زعلتي ولا إيش؟
كنتي متأملة إني اتسجن وتخلصي مني مش كذه؟!
سكتت ومردتش عليه، بل فضلت تبصله بعمق وهي بتتأمله بعيونها اللي اتملت بالدموع، فكمل هو_ما تقلقي، لسة قدامك فرصة تروحي تعترفي عليا وتسجنيني، أنا خارج بكفالة بس لحد ما القضية تنتهي، يعني فيكي تكملي اللي ما عرفتي تكمليه
غمضت عيونها بضعف وهي شايفة نظرات اللوم اللي في عينيه، عضت على شفايفها وقررت تسيبه وتمشي وهي بتقول_أنا لازم امشي..
ولكنها بهتت لما جذبها من دراعها وأجبرها ترجع تبصله وقال بقوة_أنتِ هتمشي فعلًا
بس معايا، أنا تركتك براحتك هذولا اليومين عشان أتركك مع حالك تفكري، بس مكانك هيفضل جنبي يا يقين!
نفضت إيديها من إيده بعنف وقالت_أنتَ هتطلقني يا عامر
قولتلك مش هينفع نفضل مع بعض افهم بقى!
ولكنه احتوى وشها بين إيديه وهو بيبصلها بنظرات مليانة حنان وقال بإصرار_مش هطلقك يا يقين
أنتِ هتفضلي مرتي، شيلي الطلاق هذا من عقلك
واللي ما نافع بالنسبالك هنخليه ينفع!
دفعت إيديها عنه بعنف وهي بتبصله بألم، واتنهدت بغصة وهي بتقول_أنا تعبت يا عامر
تعبت منك!
مبقتش فاهماك!
كإن عندك وشين، واحد دافي وحنين وقريب مني، والتاني بارد وجامد وقاسي
وش يليق بعامر الزيات!
هزت راسها وهي بتقاوم دموعها تحت نظراته العاجزة وكملت_مبقتش عارفة أصدق أنهي فيهم!
ابتسم بزاوية شفايفه بسخرية، وقال بنبرة متهكمة_مش أنتِ كذه برضك؟!
بصتله بعدم فهم، فقرب خطوة منها وهو بيميل براسه وبيقول_أوقات بتبقى يقين
يقين مراتي، وأوقات بتبقي الصحفية يقين كيف دلوقت!
ظهر عليها الوجع من كلامه اللي مسها، فرفعت عيونها ليه بكبرياء وردت_متلومنيش يا عامر، لو كنت زي ما بتقول، فأنتَ السبب
أنتَ اللي خلتني مبقتش عارفة أنا مين!
قطع الفاصل بينهم لما قرب منها أكتر واحتوى كتفها بإيديه الاتنين وهو بيبص في عيونها المعذبة وقال_أنتِ مرتي
أنتِ يقين الزيات
هزت راسها بالرفض ودفعته عشان تمشي، ولكن اتجمدت لما شافت عدد من المسلحين واقفين قدامهم وهما موجهين الأسلحة ناحيتهم
شهقت بفزع وظهر الهلع على ملامحها واتجمدت عيون عامر بصدمة، وبدون تردد جذب يقين من دراعها وقفها في ضهره يحميها بجسده وهو بينقل عينه على الملثمين اللي قدامه....