لن أتركك
الحبوب جعلتها تسقط بالنوم ولكن بعد وقت جهاز مراقبة الأطفال أيقظها فنهضت بتعب لم يفارقها وتحركت لغرفة مازن
أطعمت الطفل وهي تجلس على المقعد المريح بجوار النافذة ولاحظت مائدة خاصة لتبديل الحفاضات وكل مستلزمات مازن ومن ماركة شهيرة جدا، شردت كثيرا بكل ما يدور، هو يفعل ذلك من أجل ابنه فهل سيعترف به أمام الجميع؟ ما زالت هنا بنفس الفيلا التي أخفاها بها شهر كامل حتى أعلن أنه مل ولم يعد يرغب بالاستمرار بل هي لا تليق به، فتاة الغرف
تجشأ الطفل على كتفها فأعادته للفراش وظلت واقفه أمام النافذة لا ترى سوى الظلام، كانت تراجع نفسها وتلوم ضعفها واستسلامها له، لقد استجابت لقبلته، بكل مرة تضعف ولا تبتعد، هي تعلم أنها تضيع بمجرد قربه فماذا عن قبلته؟
عادت لغرفتها متهالكة على الفراش والأفكار تتزاحم برأسها ولكنها لم تتحمل وسقطت بالنوم
ساهر قابله بالكافيه المعتاد وقال "لم تخبرنا بعودتك؟"
تناول البيرة وقال "كنت مشغول، ماذا حدث؟ طلبتني وشعرت بالقلق"
أبعد ساهر وجهه بعيدا لوهلة ثم عاد له وقال "أحتاج للسفر لندن"
ضاقت عيونه وهو يرتخي بالمقعد ثم قال "لا أذكر أن لنا أي تعاملات هناك!؟"
واجه ساهر أخيه وقال "أعلم، هو تكريم لي من أجل دراستي الأخيرة التي تم نشرها مؤخرا"
ابتسم بفخر وقال "رغم لهوك بحياتك إلا أن عبقريتك بمجالك لا يمكن التغاضي عنها، متى سترحل؟"
رفع ساهر يده لوجهه ولمس شفته بأصابعه وقال بسخرية لا تتركه "هذا اللهو هو وقودي بالحياة أخي لم أخلق لحياتكم الرتيبة الخالية من المتعة، الجنس الناعم لا غنى عنه يا قائد"
ابتسم عامر مرة أخرى وقال "أنت تعشقه كله ولا تكتفي بواحدة"
هتف ساهر وهو يتناول كأسه "واحدة تصيبني بالملل وأنا أعشق التغيير"
لم يجادله عامر وهو يقول "متى سترحل؟"
أنهى كأسه وقال "بالصباح، فقط عليك بمتابعة قرية السخنة لا أحد من إخوتك متفرغ لذا طلبت رؤيتك لإخبارك بالمهم"
هز رأسه بلا جدال وقال "حسنا، ولكن لا أظن أني بحاجة لمعرفة شيء عن القرية تعلم أني على دراية بكل مشاريعنا"
ابتسم ساهر وقال "نعم معك حق"
السهرة كانت جيدة ولم يمل فساهر رائع ويثير الضحك وسرعان ما لحق بهما جاسم وتبعه حمزة وكانت سهرة قصيرة من أجل ساهر وهو كان معلق بابنه وزوجته الذين تركهم خلفه بالبيت
لم يتأخر بسهرته معهم، كان يريد العودة للبيت، نعم البيت الذي به زوجته وابنه، عائلته، أسرته، أمر لم يعرفه من قبل، حتى ببداية زواجه منها كان يهرب من العودة لها، كان يكره ضياعه بأحضانها وضعفه بوجودها لكن الآن، اليوم هو يريد تلك الحياة، بعد شهور الفقدان أراد منح نفسه راحة من الألم الذي عاش به، متعة مع ابن كان حلم صعب تحقيقه، ابن ظن أنه بعيد المنال لكن اليوم هو حقيقة وهو يستمتع بكونه أصبح أب ويريد أن يفعل الكثير لابنه
تسلل لغرفة مازن الغارقة بالظلام والهدوء وألقى نظرة عليه بفراشه فوجده نائم براحة ويداه الصغيرة بجوار رأسه فابتسم دون أن يزعجه، رؤيته لصورته المصغرة كانت تسعد قلبه
تحرك لغرفتهم وتنفس بعمق قبل أن يفتح الباب ويدخل، الظلام كان يعم المكان، ضوء القمر سقط على الغرفة فمنحها نور باهت جعله يراها نائمة بهدوء فتحرك تجاها وبدت ساكنة ومستقرة، ظل يتأمل الوجه الأبيض الذي لمع بنور القمر فبدا فضيا، خصلات كثيرة سقطت على وجهها فمد يده وأبعدها، فمها الذي يمنحه قبلة تعيده للحياة كان مغلق بهدوء وسكينة
استجاب جسده لامرأته، امرأته التي أمتعته بيوم ما وما زال لا يجد المتعة سوى معها، تحرك مبتعدا وهو ينزع جاكته وملابسه وتحرك للحمام بلا تفكير
عندما استيقظت كان النهار قد ظهر، اعتدلت بالفراش وقد كانت أفضل بكثير، لم تجد أثر له بجوارها ونهضت مسرعة لغرفة مازن ولكنها لم تجده فهرعت لتسمع أصوات بالأسفل فأدركت أنه مع والده بدا أنهما أفضل معا
عادت لغرفتها واغتسلت واستبدلت ملابسها بقميص وردي قصير وجينز أسود ورفعت شعرها باهتمام غريب ونزلت
"صباح الخير"
كان يحمل الطفل بين ذراعيه ويمنحه الطعام بالزجاجة والطفل سعيد، التفت لها وقد كان مثيرا بتي شيرت أزرق بلا أكمام مظهرا عضلات ذراعيه الواضحة على جينز قاتم يحتضن وركيه دون إخفاء قوتهم وتدلت خصلات شعره على جبينه، لا يمكن أن يكون رجل بالسادسة والثلاثين هو لم يتعدى الثلاثين حتى
كانت أكثر بكثير من جميلة، رحل الشحوب من وجهها وبدت متماسكة عن الأمس، نظراتها لامعة ومشرقة، جسدها ما زال مثيرا وتدوير صدرها زاد جمالا بعد الولادة، زاد خصرها من الحمل مما جعله أجمل وبدت امرأة مثيرة وليست تلك الفتاة الصغيرة
تحركت لهما وقالت "كان بإمكاني إطعامه"
انتبه للطفل فعاد له وهو يوقف رغبته القوية بها وقال "لقد انتهى وكنتِ نائمة عندما أثار ضجة مرتفعة"
احمرت لشعورها بالتقصير، رفع الطفل على كتفه بسهولة وربت على ظهره فابتسمت دون وعي حتى تجشأ الطفل فهتف "هكذا هو رجلي"
التفت لها فقالت "هل ترغب بمنحه لي أم أعد الإفطار!؟"
تحرك به لمقعده المخصص ووضعه به وقال "لا هذا ولا ذاك فقط اجلسي، لقد انتهيت من الإفطار"
كادت تعترض ولكنه كان بالفعل يضع الأطباق فتحركت للغلاية وأعدت أكواب الشاي فقال "هناك سيدة ستأتي بمنتصف اليوم لتتولى تلك الأمور لقد أرسلها مكتبي"
كانت تضع السكر فتوقفت ونظرت له ولكنه لم يفعل وهي تقول "مكتبك!؟"
رفع عيونه لها فقالت توضح وهي تعود للأكواب "مكتبك يعرف أن لك بيت آخر؟"
رأت يده تمسك بيدها قبل أن تمسك الغلاية فنظرت له لتواجهه وقد فقدت عيونه تلك النظرة المرحة مع طفلهم الذي كان يلعب بألعابه المثبتة بمقعده، بينما انحنى هو ليصل لها وقال
"سنتوقف عن الحرب ليل، أنا حقا أريد كل ذلك فلا تفسديه"
ظلت تنظر له والغضب يتسرب لها، سحبت يدها من يده ورفعت الغلاية ربما يبتعد ولكنه لم يتحرك وظل واقفا يسد طريقها بجسده الشاهق فرفعت وجهها له بتحدي وقوة وعرفت أنه يريد رد ولكنها ظلت صامتة، فقط نظراتهم هي التي ظلت تتحرك بينهم، هي لا تفسد شيء، هي غاضبة والغضب لم ينتهي ولا الألم الذي مزقها بالشهور السابقة ولا الوحدة التي عاشتها لأنه لفظها خارج حياته بلا تفكير فقط لأنه وجدها غير مناسبة له
لف وجهه بعيدا للحظة ليوقف الجنون الذي يصيبه بقربها وليوقف الغضب الذي يشع من نظراتها وهو يفهم كل ما تنطق به عيونها
عاد لها وقد وجد كلماته أخيرا فقال "حسنا ليل، سيعلم الجميع بوجودك ولكن هناك أمور كثيرة لابد أن أنتهي منها قبل أن أفعل، أخبرتك من قبل أن عائلتي ليست بالبساطة التي عليها باقي العائلات، ربما كلا منا مستقل بحياته وربما زواجي من عدمه أمر لا يهمهم ولكن لا يمكن تجاهلهم خاصة وأنا الكبير"
ارتفع غضبها أكثر وهي تقول "وأنا لم أطالبك بأي شيء عامر، لم أفرض عليك نفسي ولا ابني"
قاطعها بحزم "ابننا، هو ابني أيضا ليل، حقي، جزء مني وأنا لن أتركه"
ظلت تنظر له ثم انحنى تجاهها وقال بنفس الحزم "ولن أتركك ليل، لن تخرجي من حياتي مرة أخرى هل تسمعيني؟ لابد أن نتجاوز ما حدث، الخطأ يمكن إصلاحه فقط امنحيني الوقت والفرصة"
ظلت تنظر له ونبرته واضحة ولكن عنادها أكبر من أي شيء، تجاوزته بلا رد وهي تجذب الغلاية وسكبت الشاي بصمت أغاظه فنفخ بقوة قبل أن يلتفت لها ويقول
"وماذا ليل؟ ماذا تريدين لننتهي مما كان؟"
تركت الغلاية بقوة على المائدة وهتفت "ومن تحدث عن انتهاء أي شيء عامر لأن لا شيء سينتهي لأنه منتهي بالفعل، انتهى منذ ذلك اليوم الذي دفعتني بعيدا دون أن ترمش، أنت من فعل كل ذلك فعلى ماذا تحاسبني؟ كل ما يحدث الآن لن يشكل أي فارق لأن لا شيء تغير، أنا ما زلت أنا نفس الفتاة الفقيرة فقط زوج أمي كان رجل أعمال ولكن سمعته سيئة ويستحق كل ما أصابه وليسامحني الله لأني لم أحزن لرحيله فقد كان يستحق كان يستحق"
وعندما غلبتها الدموع تحركت لتفر من أمامه ولكنه أوقفها بيداه بقوة واعتلى الغضب ملامح وجهه وهو يحدق بها وقد أخذته كلماته لطريق آخر فقال بقوة "ماذا تعنين بذلك؟ ما الذي فعله ليستحق ما كان؟"
الدموع انتشرت على وجهها ونفضت يداه وقالت "لا شيء، فقط دعني أذهب"
ولكنه سد طريقها بجسده وحاول إيقاف غضبه وهو يقول "فقط اهدئي، لا يهم الحديث ومن الأفضل ألا نتشاجر أمامه"
لم ترحل دموعها وهي تواجه عيونه ولكنه كان على حق لن تتشاجر أمام طفلها، طفلهم الذي صمت فجأة عندما ارتفعت أصواتهم وظل ينظر لهم بفضول فأخفضت وجهها وابتعدت لمقعدها ومسحت دموعها وجلست في صمت وأكمل هو وضع الطعام لهما وجلس وتناول كلاهم القليل مما بالأطباق والصمت لفهم وهي نست مأساتها معه عندما حلت ذكرى وجه الألفي وهو يحاول أن يستبيح وجهها ويقبلها غصبا ويداه تحاول حبسها بالغصب، أغمضت عيونها وعاد الشعور بالقيء فوضعت يدها على معدتها فانتبه وقال
"أنتِ بخير؟"
قاومت الغثيان وقالت "نعم"
نهض وتحرك تجاها ومنحها بعض الينسون الدافئ وقال "تناوليه"
أخذته دون النظر له، ماذا كان سيفعل لو علم أن زوج أمها حاول اغتصابها بيوم ما وهذا كان سبب رحيلها للبحث عن حياتها بمكان آخر؟ كل شيء أصبح مُر فجأة بفمها
أثار مازن صخب فقالت "أظنه بحاجة لحمام وتبديل ملابسه والحفاض"
نهضت ولكنه كان أقرب وهو يحمله خارج كرسيه فهتفت "لن تفعل"
تحرك والطفل سعيد بوالده مما زرع بعض الغيرة داخلها وهو يقول "لقد سبق وفعلت وأنتِ ما زلتِ متعبة"
تحركت وقالت "لا أنا بخير حسنا دعنا نفعلها سويا"
رأى الإصرار بعيونها فهز رأسه كلاهم أراد ذلك، أرادو أن يشتركوا سويا لأول مرة فيما يخص طفلهم كان شيء رائع ونسيت ما أحزنها وضحكت والطفل يلعب بلعبه بالمياه وعامر يساعده، كان الأمر مثير وهي ضحكت عندما تبللت ملابس عامر بالمياه فخلع التي شيرت المبلل وأبعده وسقط قلبها بقدمها من جسده الذي افتقدته، ما زال قويا ومثيرا، لم تنقص عضلة ولم تزيد واحدة، ما زال منحوتا كتمثال مصمم بدقة عالية بلا أي خطأ
وأخيرا انتهى الحمام وأكملت هي الباقي وحمله باهتمام حتى غرفته وهي تبعته حتى منحه لها لترضعه وتركها وذهب وظلت تغني لطفلها حتى نام بفراشه بهدوء
عندما انتهت عادت غرفتهم لتراه يخرج من الحمام كما اعتاد، المنشفة حول خصره والأخرى يجفف بها شعره، تجمدت مكانها والذكريات تتساقط من هنا وهناك، مؤلمة، حزينة، تجعلها تضعف وتفقد قوتها التي كانت تساعدها على دفعه بعيدا عنها، لم يكن من الصواب عودتها معه، هي أضعف من البقاء بعيدا عنه يكفيه لمسة من يده لها وتسقط بين ذراعيه
عندما أبعد المنشفة عن وجهه توقفت يداه وهو يراها أمامه وعيونها عليه، نظراته جعلتها تدرك أنه يفهم ما يدور برأسها، ماذا لو تحرك تجاها وطالب بقبلتها؟ ماذا لو عادت يدها لتلمس صدره القوي والشعر المنتشر عليه وتشعر بجلده المشدود؟ لو أخذ شفتيها بقبلته التي لم يوقفه عنها شيء؟
كانت تعلم تلك المشاعر التي تجتاحها عندما فقط يلمسها أما عند القبلة فالعالم يتوقف من حولها، كل شيء يضيع هي حتى تنسى نفسها ومن هي، فقط تشعر بشفتيه على شفتيها تتذوق فمه كما يفعل معها، يتبادلان حرارة الأنفاس، والعذاب الجميل وقت يضمها له بقوة لتلمس جسده بجسدها وتتولد تلك الكهرباء التي تصعقها بلا رحمة
تنفست بعمق وارتفع صدرها معها فلاحظ ذلك ووجدته يتحرك تجاهها حتى وقف أمامها وهي تحدق به، لن يمكنها الفرار الآن ليس وقلبها الضعيف يخونها وحتى جسدها يخونها
رفع أصابعه على وجنتها ولمس رقتها ونعومتها، كان قد قرر عدم غصبها على شيء ولكن أن تكون أمامه بتلك الجاذبية والجمال وبعد شهور من البعد عنها أصبح أضعف من النسمة، كل تلك العضلات تسقط قوتها أمام تأثيرها، كل ما بدا عليه من تماسك ينهار بوجودها فقط نظرة الرفض بعيونها هي ما يوقفه، أحيانا يتساءل كيف لا يجد نفسه سوى معها؟ كيف لا يفعل مثل ساهر ويتنقل بين النساء؟ لماذا هي فقط من يرغب بها؟ حتى شهور البعد لم تغير شيء داخله تجاهها، ما زال يريدها بنفس القوة وربما أكثر، تلك المرأة لا تعبث به بل تدمره، تفقده نفسه وذاته ولا يتبقى غير المتعة بوجودها معه
لم تتراجع من لمسته فقال بلا تفكير "تعلمين كم أريدك"
الاحمر هجم على وجهها وزادت دقات قلبها وكادت ترد بأنها هي الأخرى لا تريد سواه ولكنها تذكرت وضعها وما كان فتحركت مبتعدة لداخل الغرفة لتسقط يده بجواره ونفخ بقوة محاولا السيطرة على نفسه وإخماد تلك الرغبة التي اشتعلت داخله وهو يستدير ليراها تقف أمام النافذة دون النظر له مدركا أن الطريق لها ما زال طويل
تحرك للخزانة وارتدى ملابس عمل وهي لم تهتم حتى رأته يقف أمامها وقد عاد الرجل الذي رأته أول مرة، الملياردير الوسيم، التقت بعيونه فواجهته دون ضعف فقال "ذلك الغضب لابد من إيقافه ليل لكن ليس لدي وقت الآن للجدال، المرأة التي أخبرتك عنها ستصل بالثالثة امنحيها ما شئتِ من الأوامر ولو شعرتِ أنكِ بخير أتمنى لو تقبلي دعوتي على العشاء بالخارج؟"
ضاقت عيونها وهي لا تفهم كلماته ورددت "عشاء!؟ بالخارج؟"
ظل بمكانه وهو يعلم الجنون الذي يفعله بنفسه ومع ذلك لن يتراجع، لابد أن يدرك العالم أن هناك امرأة بحياته ولن تكون سوى هي، زوجته
هز رأسه وقال" نعم، ارتدي فستان سهرة، سنتأخر، سأمر بالثامنة"
وتحرك خارجا وتركها بمكانها وهي تحدق بالفراغ الذي تركه وعقلها يسألها ولا إجابات، خروجها معه معانها أن العالم سيراهم سويا لأن زوجها ليس أي رجل، بل هو عامر دويدار الرجل الذي تتحفز الصحافة لأي خبر يدور حوله، وجودهم بمكان سويا لا يعني سوى شيء واحد أن رأسه تخطط لأمر معين لكنها لا تعرف ما هو
أم حسن كانت امرأة متوسطة العمر طيبة جدا أحبتها ليل من أول نظرة، المرأة أيضا أحبت ليل ومازن جدا وتحدثت بصدق "هو منحني العمل لأنه يعلم أن لا أحد لي بعد رحيل حسن ابني"
كانت المرأة ترتب المطبخ بعد الغداء ومازن على مفرش أرضي وضعته هي له وبعض اللعب حوله واستمتع الطفل بذلك بينما نظرت هي للمرأة وقالت "أين رحل؟"
رتبت المرأة الأطباق بعد تجفيفها وقالت "كان يأمل دائما بالسفر للخارج وجني المال، سافر مرتين لتلك الدول الاجنبية ولكنه فشل وعاد خائب ولم يتوقف، أخذ كل ما لدي ورحل مرة أخرى، سيد عامر عرفني عندما كنت أعمل بمشفى خاص وساعدني كثيرا وعندما هاتفني مكتبه بالأمس كدت أطير من السعادة فأنا أتمنى أن أرد له شيء من ديونه"
تورد وجهها وقالت "وهل أخبرك شيء عنا؟"
ابتسمت المرأة وقالت "أنكِ زوجته وابنه؟ نعم فعل اليوم صباحا بالهاتف وأنا سعيدة لذلك جدا هو يستحق الأفضل"
لم تعد تفهم ما الذي يفعله؟ هو أخبر أم حسن عنها وعن طفلهم والليلة ستخرج معه فما الذي يفعله بها؟ لم تتوسع بالحديث مع المرأة عن حياتها وما بينها وبينه وبدلت المواضيع
ارتدت فستان من الورود البنية المزينة بالبيج تماشى مع لون عيونها لم يكن مفتوح وقد كان مما اشتراه لها ببداية زواجهم فكان صدره محكم لامتلاء صدرها بعد الولادة ولكنه كان مناسب لخصرها وضم وركيها بليونة واستقر قبل ركبتيها بقليل، الحذاء العالي كان مناسب تماما ربما يمنحها طول يجاري طوله
اهتمت بشعرها رغما عنها ولكن تركته حر على أكتافها ولم تنسى كلمات أمها عندما كانت تمشطه لها "إلى متى ستظلين كارهة لشعرك هذا؟ العديد من البنات تتمنى ولو جزء منه؟"
ولكنها لم تكن تكره شعرها وإلا لقصته ولكنها تكره تمشيطه لأنه يذكرها بضياع أمها منها..
عندما اطمأنت على مازن تبعتها أم حسن وقالت "اطمئني سأبقى بجواره"
ابتسمت للمرأة ونزلت لتسمع سيارته تصل فتحركت للخارج ودون أي كلمات وجدته ينزل من مكانه ويتحرك تجاهها حتى وقفا متواجهين وعيونه تتجول عليها وعلى الثقة التي بدت بعيونها فابتسم وقال
"تحولتِ لامرأة جميلة وقوية تعجبني بنفس مقدار إعجابي بتلك الفتاة التي عرفتها من شهور مع فارق قوتك وغضبك"
فتحت فمها لترد رد لاذع ولكنه وضع إصبعه على شفتيها المصبوغة بالبني وقال "أعلم، أنا من أضعت تلك الفتاة مني وصنعت تلك المرأة، لكني أريد استعادتها، استعادتكم معا وسأفعل"
قلبها عاد لدقاته المجنونة، لماذا يفعل بها ذلك؟ هو يعلم أنها غاضبة ولكن أيضا يعلم أنها ضعيفة أمامه لم تكن تستطيع أن تقاومه والآن هو الذي يعلن الحرب عليها وهي؟ هي لا سلاح بيدها كل ما لديها تخلى عنها، قلبها، جسدها رحلوا له كالجبناء ولكن ما زال لديها عقلها وهو سيساندها علها تفوز
لم ترد وهي تتحرك للسيارة لتفر من مواجهته فابتسم والتفت ليلحق بها وفتح لها الباب فركبت بصمت وتبعها هو الآخر وقاد للمدينة المزدحمة وهي صامتة ولا تنظر حتى له، لا تفهم سبب ما يفعله وكان عليها ألا توافقه على ذلك ولكن لابد أن تظل قوية ومتماسكة لآخر وقت
ما أن وصلا للمطعم الذي اتخذ موقع رائع على النيل حتى أخذها المنظر، لطالما عاشت بجوار البحر وأحبته لكن النيل كانت لا تراه، ذلك الشهر الذي عاشت معه ببيته لم تخرج من الفيلا فلم ترى أي شيء..
وضع يده بظهرها ودفعها برفق للداخل، المكان كان جديد وفاخر جدا، غير مزدحم، عيون ارتفعت لهم بمجرد دخولهم فارتجفت وشعر بها ولكن لم يتحدث والرجل يقودهم لمائدة كانت محجوزة لهم
عندما جلس أمامها قال "العشاء أم عصير؟"
أبعدت شعرها الطليق وقالت "عصير من فضلك"
كانت بحاجة لتبلل فمها الجاف وتخفض حرارة جسدها المرتفعة، لا تبهرها الأماكن الفاخرة فقد عملت بها لكن نظرات الموجودين الفضولية أغضبتها، طلب العصير الطازج لها والبيرة له فأبعدت وجهها عنه وقالت
"أنت تدرك تلك النظرات؟"
كان هادئ وعيونه تتجول على وجهها البسيط غير عابئ بمن حوله، الظلال البنية على عيونها جعلتها مشرقه ومحت الهالات السوداء، الطلاء البني جعل فمها مثير، رفع عيونه لعيونها وقال "بالتأكيد، كنت أعلم بهم وقت أن دعوتك للعشاء"
استقرت عيونها عليه وقالت "ولا تخشى من النتيجة؟ لست بحاجة لصحافة تلاحقك بأسئلتها المزعجة"
ظل هادئا حتى وضع الرجل عصير البرتقال أمامها وبه قطع البرتقال ووضع البيرة أمامه فسكب بعضها بالكوب وتناول القليل وقال "بالنهاية سيعرف الجميع بوجودك"
تورد وجهها من الغضب وتناولت بعض العصير وأرادت أن تهتف بوجه وفيما انتظارك ولكنها هدأت من غضبها وقالت وهي تقبض على الكوب للتحكم بنفسها "و؟"
لم يتحرك من مكانه وعيونه تتجول عليها ثم قال "لدينا بعض الأمور لابد أن ننتهي منها قبل تقديمك للعائلة، كما وأن إخوتي ليسوا متفرغين حاليا وأنا أنتظر تجمعهم"
ضاقت عيونها وقالت "أمور؟ أي أمور؟"
وأخيرا اعتدل وأسند ذراعيه على المائدة وهو يواجها وقال "هل توقفي غضبك هذا ليل؟ تعلمين أن ما حدث كان خطأ وأنا أدركت ذلك"
لم يتوقف الغضب وهي تقول "ولنعد لحياتنا وكأن شيء لم يحدث"
حدق بها وهو يدرك أنها على حق ولكنه قال "لا، أعلم أن الأمور لن تعود بسهولة ولكن لنبدأ من جديد ليل، ربما بالمرة السابقة لم أمنح علاقتنا وقت لتنمو بشكل طبيعي لكن الآن يمكننا أن نفعل معا"
ضاقت عيونها وهي لا تفهم ما يريد وقالت "أنا لا أفهم ماذا تريد عامر"
تناول مشروبه ثم عاد لها وقال "لابد أن تكون علاقتنا صحيحة تلك المرة، نبدأ من جديد، نتعارف، نمنح علاقتنا الوقت المناسب لتنمو بشكل صحيح، ليل نحن لا نعرف أي شيء عن بعضنا البعض هل تظنين أن ذلك صواب؟"
تألمت أصابعها التي تضغط على الكوب ففكتها وقالت "وماذا كان صواب بيننا عامر؟ وهل تظن أن بعد أن أحضرتنا هنا من الممكن أن تفشل علاقتنا وتطردنا مرة أخرى من حياتك؟ لا عامر أنا لن أسمح لك بأن تفعل بي ذلك مرة أخرى، لننهي ذلك الآن"
كادت تنهض ولكنه قال بقوة أوقفتها "اجلسي ليل، اجلسي الآن قبل أن أتصرف بشكل غير لائق"
كانت عيونه تنذرها بالكثير مما جعلها تجلس دون حركة وعيونها تواجه نظراته فقال "أنا أفعلها من أجلك"
"من أجلي!"
"نعم، من أجل هذا الغضب الواضح بعيونك وتصرفاتك المتهورة، أنتِ ترفضين العودة بسهولة، لكِ شروط أراها بعيونك وأشعر بها بتصرفاتك لذا كان لابد أن أبدأ من البداية"
ظلت صامتة لا تجد منطق فيما يقول، كل ما ينطق به لا يعجبها، وصل الرجل فتراجع بالمقعد وقال "ستختار المدام أولا"
ظلت تنظر له ثم رفعت القائمة واختارت وهو تبعها وذهب الرجل فعاد للأمام وقال "هل تدركين أني غاضب أنا الآخر؟"
الصمت لا مجال له الآن لذا قالت "لماذا؟ لست أنا من طالبتك بالرحيل"
سكب بعض البيرة بالكوب وتناول بعضها وقال "أنا لم أطلب منكِ الرحيل ليل، أنا تركت لكِ الفيلا وظننت أنكِ.."
قاطعته بقوة "وكيف لي بالبقاء وأنت تواجهني بالفارق الواضح بيننا؟ كنت أنتظرك بسعادة ككل ليلة وأنت كل ما فعلته.."
أبعد وجهه والألم تسرب له ثم عاد لها وقال "والحمل؟"
ابتلعت وقالت "ماذا عنه؟"
قال بجدية "لم تخبريني به ليل، كان حقي"
ذمت شفتيها وهي تتذكر ذلك اليوم وقد تأكدت أفكارها، تأخرت دورتها الشهرية وطبيعي كزوجة لا يرفع زوجها يده عنها كان لابد أن تفهم السبب بل وتتمناه، أن تكون حامل، أن تصبح أم وللطفل الذي ينتمي للرجل الذي تحبه كان ذلك هو كل ما تتمناه
الاختبارات المنزلية أكدت ذلك ثلاث اختبارات قالت أنها حامل وطارت من السعادة وعندما وصل اسرعت لأحضانه وأرادت أن تخبره ولكنه كان يحمل حبل المشنقة ولفه حول عنقها وأردعها صريعة وقتل سعادتها وحلمها..
قالت بحزن "أنت لم تفكر بذلك يوم طردتني، لم تظن أن أي زواج طبيعي قد ينتج عنه طفل"
كان يرى الحزن بعيونها ويعلم أنه سببه "لا، لم أفكر بذلك، الأطفال لم تكن من الأفكار الواردة بحياتي وقتها، هل كنتِ تعرفين وقتها بالحمل؟"
حدقت به وقد أدركت أن عليها أن تجيب وليس هناك مجال لإخفاء أي شيء "أخبرتك وقتها أن لدي ما أريد أن أخبرك به ولكنك كنت تضع هدف أمامك ولم تسمعني أو تراني"
دمعت عيونها وهي تذكر ذلك اليوم، نفخ بقوة وهو يدرك ما كان وهي حبست نظراتها الدامعة بأصابعها الملفوفة حول بعضها فوق المائدة وأكملت "كنت قد عرفت بالحمل من قبلها بيومين من تأخير دورتي وبعض الأعراض ولكني لم أكن متأكدة وبذلك اليوم حصلت على اختبارات الحمل وتأكدت"
سقطت دموعها فمسحتها كي لا يراها أحد ولم ترفع وجهها وهي تكمل "كنت سعيدة جدا لم أكن أستطيع الانتظار حتى تأتي لأخبرك، عندما وصلت طرت إليك وقررت أن أخبرك بمجرد أن تمنحني قبلتك المعتادة ولكنك لم تفعل"
ورفعت عيونها الدامعة له وكم تألم لم رآه من حزن بعيونها ولم فعله بها بل وبنفسه وأكملت "لم تمنحني قبلتك ولم تحيطني بذراعيك بنفس القوة التي أعرفها وقتها أدركت أن هناك خطأ واختفى الحمل خلف الترقب لما ستخبرني به ولم أستطع أن أقول أي شيء"
وصل الطعام بنفس الوقت وتراجع كلاهم بمقعده والذكريات المؤلمة تمر بصعوبة عليهما
تناولا الطعام بصمت غريب لم يستطع أيا منهم قطعه حتى انتهيا والقهوة خاصته وصلت وهي لم تطلب شيء فتناول القهوة وقال "هل ظننتِ أن من الصواب إخفاء الأمر عني ليل؟ ترحلين للمجهول وأنتِ تحملين طفلي؟"
ردها كان جاهز "كان أسهل من البقاء عامر، كرامتي لم تكن لتقبل بأن أبقى بعد ما كان"
جز على أسنانه وقال "كان من حقي أن أعرف"
"لم أكن لأفعل، فكرت بالعديد من الأسباب، ربما لم تكن لتصدق، وربما لم تكن لترغب بشيء يربطك بي، أو قد تظن أني أتظاهر كي أظل زوجتك، أشياء كثيرة جعلتني لا أفعل وأختار حياتي وحدي"
اقترب من المائدة وهتف بغضب "وتحرميني من جزء مني، هكذا وبكل سهولة، كيف أمكنك العيش وحدك؟ أنتِ لم يكن لديكِ حتى عمل وتركتِ الشيك"
ما زالت الدموع عالقة بعيونها وهي تذكر تلك الفترة فقالت "عدت شرم ووجدت عمل مرة أخرى، لم يكن سهل مع الحمل ولكن بعد وقت ليس بطويل تبدلت الأمور"
تناول ما تبقى من القهوة بغضب وهتف بصبر نافد "وكيف كان ذلك؟"
"الألفي عثر عليّ وطلب مني العودة للبيت"
اعتدل وهو يمنحها كل اهتمامه وقال "الألفي زوج والدتك؟"
هزت رأسها دون النظر له فعاد وقال "وما سبب رحيلك بالأساس من بيت أمك وزوجها والألفي رجل كان غني قبل ما أصابه؟ بل لماذا لم تعودي لهم بعد انفصالنا؟"
اختنقت الكلمات بحلقها وشعرت بالرغبة بالرحيل فنظرت له وقالت بصوت مرتجف جعله يدرك الألم الذي ارتسم بعيونها "هل نذهب؟"
لم يتردد وهو ينهض ويخرج حافظته ليضع مال كثير على المائدة وهو يقول "بالتأكيد، هيا"
شعرت بالراحة لتفهمه ونهضت وهو يقودها وسط نفس النظرات ولكنه لم يهتم وهو يدعها تدخل السيارة وتبعها ليقود بصمت وهي ظلت شاردة لا تعلم ماذا تخبره؟ الحقيقة؟ نعم ليس لديها سواها
الفصل العاشر
اشتقت لكِ
توقف بالسيارة أمام الفيلا وظل كلاهم صامتا بمكانه لحظة قبل أن تتحرك لتفتح ولكنه أمسك يدها وقال "افتقدتك كثيرا ليل"
التفتت له وعيونها ما زالت مبللة فالتف ورفع يده لوجهها وهي تقول بألم "ولكنك لم تفعل شيء لإبقائي عامر"
أظلمت عيونه وهو يعلم أنها على حق فقال "سنتجاوز ما كان ليل فقط لا تصعبي الأمور علينا، تعلمين أن كلا منا يريد الآخر وما عشناه سويا كان رائع وزاد على ذلك طفلنا هو بحاجة لنا لا أريد لابني أن يعاني من فراق والديه، دعينا نمنح أنفسنا تلك الفرصة ليل"
كانت يداه تعبث على وجنتها برقة وهو يمسح دموعها حتى قالت "ولا أنا أريد ذلك له"
جذب وجهها له وقبلها دون اعتراض منها فهي كانت أضعف من أن تقاوم أكثر من ذلك، ما زال يمنح علاقتهم معنى الرغبة ولكن هي تعني الحب عندها، هي تحبه ولم تحب سواه، تلك القبلة تعني الكثير، تعني أنها توافق على كل ما قال، توافق على عودتها له وربما العودة للخفاء وهو أمر مؤلم ولكن الحب يفرض سيطرته هو أقوى من أن تحاربه
أبعدها فلم تنظر له وهي تفتح الباب وتنزل لا تريد رؤية ضعفها بعيونه، لحق بها وهو يلمس ظهرها بيده لتتقدم للباب
أم حسن كانت نائمة على المقعد بغرفة مازن فتحركت هي لها وأيقظتها بلطف وقالت "شكرا لكِ يمكنك الذهاب لغرفتك"
تثاءبت المرأة ونهضت وهي تقول "لقد أطعمته وبدلت حفاضته منذ نصف ساعة ولن يستيقظ الآن، طابت ليلتك مدام"
ردت بابتسامة ثم عادت لطفلها وتابعت أنفاسه الهادئة وظلت تحدق به وأفكار كثيرة تملأ رأسها ولكن أن تبحث عن الراحة والأمان لطفلها هو كل ما يسيطر عليها وليس هناك أمان أكثر من بيت والده والحنان الذي أغرقه به منذ عرف بوجوده
رأته عند الباب وهو يقول بصوت منخفض "نائم؟"
هزت رأسها فتحرك تجاه المهد بالضوء الخافت بالغرفة ورآه كما رأته فابتسم ومد يده ليداعب وجنته وقال "يبدو رائعا وهو نائم"
لم ترد فرفع وجهه لها وقال "ليس بحاجة لكِ"
كانت تعلم ولكن لم تعرف ماذا ستفعل بعد ذلك، هل ستكون ليلة عادية أم؟
هزت رأسها وتحركت خارجة لغرفتهم، خلعت الحذاء العالي والشال الخفيف ورأته يتبعها ويغلق الباب فالتفتت له وهي تقف عند الخزانة وهو يخلع جاكته ويبعده وفك ربطة عنقه وتحرك تجاهها حتى وقف أمامها وظل يتجول على ملامحها وهي جامدة من الخارج لكن من داخلها كانت تشتعل من قربه ومما سيكون بينهم، هي تعلم أنها تموت شوقا له ولذراعيه، تتمنى قبلاته ولمساته، تعشق كلمات الغزل وهي معه ولكن ما زالت تخاف ورغم قلبها الذي ينتفض بدقاته المؤلمة إلا أنها فقدت التفكير ولم تعد تعرف ماذا عليها أن تفعل؟ هل تظل متمسكة بالماضي وجراحه وترفض طلبه ببداية جديدة أم ترضخ لقلبها وللرجل الذي لم تتمنى سواه ومن أجل ابنها؟
لم تتراجع وهو يرفع يده لوجنتها وقال برقة "بيننا حديث لم ينتهي ليل"
كانت قصيرة جدا وهي حافية القدمين، ليس عيب بها ولكن لأنه كان طويل جدا بالنسبة لأي رجل سواه أخفضت وجهها وقالت "الذي هو؟"
لم يترك وجهها منخفض ليس بعيدا عنه فرفعه له وهمس وهو يقترب "هذا"
ولم يتراجع وهو يريد تلك الشفاه يريد قبلتها، لمساتها على صدره، يداها تداعب مؤخرة عنقه، اسمه من بين شفاها عندما تريده، لم ترفضه بل استجابت كما كانت بالسيارة وقتها عرف أن الرفض أوشك أن ينتهي وما تبقى من تردد سيزول وها هو يجردها من كل المخاوف وينال أخيرا ما أراد وهي عرفت الرد على كل أسئلتها لأن بمجرد أن تحط شفاهه على فمها حتى تفقد كل إدراكها بالعالم الخارجي وتسقط بعالمه هو
لفها بذراعه بإصرار ليجذبها له فارتفعت يداها على قميصه والتقت بصدره وهو يعمق قبلته ويدفن يده بين خصلات شعرها وانتهت كل مخاوفها، نستها، ألقتها بعالم آخر غير العالم الذي رحلت له، عالمه الذي اشتاقت له كثيرا، العالم الذي يتملكها به رجل هو رجلها الأول والأخير، هو من يجعلها تشعر أنها أجمل امرأة بالعالم، مرغوبة ومثيرة وممتعة ومشبعة لكل رغباته كما هو بالنسبة لها..
أخيرا لفت ذراعيها حول عنقه تخبره أنها عادت له مما جعله يغلق أي مسافة بينهم مدركا أنها منحته الإذن لاقتحام مملكتها وأخذها بلا موانع وعبثت يداه على سحاب الفستان وجذبه للأسفل وبنفس اليد جذب أكتافه للأسفل فأدركت ما يفعل فتأوهت دون أن تقاوم وهي تترك الفستان يسقط بعيدا لتظل بملابسها الداخلية من الدانتيل الأبيض كما علمها عندما اشتراهم لها أول مرة
أبعد فمه وسقطت عيونه عليها وثقلت أنفاسه وهو يقول "زدت جمالا ليل وأصبحت أرغبك كما لم أرغب شيء بحياتي سواك"
ولكنها التفت ومنحته ظهرها وأحاطت نفسها بذراعيها وهمست بحزن "لكن الحمل والولادة"
لفها من ظهرها بذراعيه ودس وجهه بعنقها فتلوت وهو يهمس "الحمل والولادة هما أجمل شيء حدث لكِ"
وأعادها أمامه وهو ينظر بعيونها وقال "لقد منحتني مازن صغيرتي وهذا غالي جدا عندي غالي مثلك تماما صغيرتي"
ثم سقط بركبته على الأرض أمامها وأبعد ذراعيها عن بطنها وقبل كل أثر للحمل مما جعلها تدمع وتشعر بقلبها يريد أن يقفز خارج صدرها من قوة دقاته، دفعت يدها بشعره وهو يهمس
“كم أتمنى لو كنت معك بذلك الوقت"
أغمضت عيونها بألم وهي تتذكر تلك الشهور من الوحدة والعذاب، عندما عاد لها جففت أصابعه دموعها وقال "سنكون معا بكل شيء ولن نفترق مرة أخرى"
وعاد يقبلها بقوة وهي لم تتوانى عن لف يداها حوله ربما يداوي قربه جراحها القديمة ويغلقها للأبد
رفعها بين ذراعيه حتى وضعها بالفراش برفق وكأنه يخشى أن يؤلمها وطبع قبلات على وجهها وهي بحثت عن أكتافه وصدره فابتعد وتخلص من ملابسه ثم عاد لها وقال
"اشتقت لكِ ليل، اشتقت لكِ بجنون"
أصدرت صوت رقيق قبل أن تنطق باسمه كما يعشق مما جعله يزداد رغبة بها ولم يتراجع وهو يتملكها بعد شوق دام شهور كثيرة جعلته لا يطيق صبرا على أخذها وفقد كل السيطرة كعادته معها وضاع بين ذراعيها ومتعتها بل متعتهم معا وعالمهم الخاص
ظلت بين ذراعيه بعد أن انتهى وظل هو الآخر مستيقظ كلاهم صامت ولكن راضي بما كان وأخيرا قالت "الألفي كان سبب هروبي من البيت"
سقطت عيونه على شعرها المبعثر على صدره وداعبت أصابعه كتفها العاري ولم يرد وهو يدرك أن لا مكان لكلماته الآن
أكملت وهي لا تعرف لماذا تخبره ذلك ولكنها أرادت أن تتحدث "بابا مات وأنا بالإعدادية، كنت أحبه جدا ولكنه كان يعمل كثيرا، كنا نعيش بمستوى جيد حتى مات فجأة بلا سبب، فجأة تبدلت الحياة، المعاش لا يكفي، ماما لا تعرف أي عمل وأنا طفلة لا تعرف سوى الدراسة، اضطرت ماما للعمل كسكرتيرة بمجموعة الألفي، صديق بابا هو من حصل لها على ذلك العمل، نحن لا نملك أي أقارب لبابا ولا ماما بالأساس، الألفي رأى ماما مرة بالصدفة وتقرب منها بعد ذلك ثم فجأة تزوجها على زوجته الأصلية"
صمتت فمد يده الأخرى لوجهها وقال بحنان "هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها وقالت "نعم، بالبداية كان زوج رائع ووالد جيد لي كما بدا لأنه لم يرزق بأولاد، وصلت الثانوية ووقتها تبدلت كثيرا، ماما كانت تقول أنني أصبحت أجمل بكثير مما كنت وأنا صغيرة، لم أهتم ولم أشك بنظراته لي ولا لمساته الغير محببة خاصة بعد معرفتي أنه طلق زوجته الأولى ولم نعرف السبب"
وتوقفت وابتعدت عنه وهي تلتف بالغطاء وتجلس بمنتصف الفراش وظل هو مكانه وقد بدأ يفهم الكثير، عادت تكمل وكأنها رحلت للماضي "كلية السياحة كانت بشرم الشيخ، وقد طالبت بها"
اعتدل وقال بدهشة واستنكار "أنتِ تخرجت في كلية السياحة وعملتِ كعاملة غرف؟"
هزت رأسها وقالت "هذا ما أمكنني الحصول عليه بعيدا عن الألفي، الدراسة بعيدا عن بيته كان الأفضل ولكن فراق ماما كان صعب، اضطررت لقضاء الاجازات بينهم حتى كانت آخر اجازة بعد انتهاء آخر عام بالكلية، ماما كانت عند الطبيب وأنا بغرفتي عندما رأيت الباب يفتح فجأة، تراجعت بالفراش ورأيته يدخل الغرفة"
صمتت وهي تذكر ذلك اليوم وكأنه الأمس، يد عامر التفت حولها وشعرت بصدره خلفها فلم تبتعد والتمست الشجاعة منه وهي تكمل "هتفت به ماذا تفعل هنا؟ اخرج، ولكنه لم يفعل ونظراته كانت واضحة وهو يتقدم من الفراش، نهضت لأبتعد وأنا أطالبه بالخروج ولكنه قال، قال أشياء فظيعة عن رغبته بي وأنه صبر كثيرا حتى انتهيت من الكلية والآن لم يعد هناك ما يوقفه عني وهجم عليّ وكدت أفر لولا أنه جذبني من شعري"
زادت يداه حولها والغضب يرتفع له وتمنى لو كان ذلك الجبان على قيد الحياة حتى يمكنه تمزيقه لأصغر قطع وإلقائها للكلاب، أكملت والدموع تخترق عيونها
"ضربته ودفعته بكل قوتي وفلت منه ولكنه تبعني وأغلق الباب وحبسني بينه وبين الباب ودفع وجهه لوجهي واشتممت رائحة الخمر وشعرت بالغثيان منه، دفعت قبضتي بصدره فقبض على يدي وأحكم عليها ولكني لم استسلم وركلة قوية من ساقي بين رجليه حتى صرخ بألم وأفلتني وأسرعت لأفر خارج الغرفة ومع ذلك تبعني وقبل أن أصل لباب الفيلا وجدت ماما تدخل وألقيت نفسي بين ذراعيها ولكن قبل أن أنطق كان يلقي بالأكاذيب بوجهها وأنني أنا من أغويته ودخلت غرفته و.."
ولم تكمل والدموع تتجاوز عيونها لوجنتيها فضمها له بشدة وهو يربت عليها بحنان ويهمس بكلمات تهدئة حتى هدأت ولكنه لم يتركها وهو يهمس
"أنتِ بحاجة للراحة"
لا هي بحاجة لأن تكمل، تخرج ما كتمته بصدرها تلك المدة لذا قالت وهي تبتعد عن دفء ذراعيه "ماما صدقته هو بالطبع، ما زلت أذكر صفعتها القوية على وجهي ونظرات التشفي بعيونه، حاولت تجنبه ولكنه لم يتوقف وفعلها مرة ثانية ولكني كنت جاهزة في صده وقتها كان قد بدأ يخسر الكثير بعمله وكان يكثر من الشراب، حاولت التحدث مع ماما ولكنها كانت مخدرة من كلماته وتصرفاتها معي مختلفة لذا قررت الرحيل لشرم حيث الكلية والفتيات التي كنت أعرفها وبحثت عن عمل وبالطبع لا خبرة تعني بداية السلم من الغرف وقد عملت بأكثر من مكان حتى قابلتك بذلك الفندق"
قبل عنقها برقة وهمس "كان أجمل لقاء بحياتي، لم أنسى ذلك اليوم لحظة واحدة"
كلماته كانت تمنحها القوة لتكمل فقالت "رجال الألفي وصلوا لي بالفندق الذي عملت به بعد رحيلي من هنا بثلاثة أشهر ومن هاتف أحدهم صوت ماما ورجائها عدت، كان الألفي مريض بمرض لا شفاء منه وماما بالطبع وحدها فلم يمكنني تركها، عدت لفيلته القديمة ولكن بعد كل خسارته انتقلنا للفيلا التي وجدتني بها، كنت أقوم بمراعاتهم بالمرض وأنا حامل حتى رحل ورحلت ماما بعده وسقط بدوامة الديون، هو طلب مني أن أسامحه على ما فعل بي"
كان يضمها له بقوة وما زالت تبكي بلا شعور وهي ترى كل ما كان يحدث، أحاط وجهها بيده ليمسح دموعها وقبل جبينها وقال بحنان "كان عليكِ إخباري ليل لكنت قتلته وقبلها وضعته تحت أقدامك يتذلل لكِ للسماح، لكن للأسف مات قبل أن تصل له يداي، انسي صغيرتي، انسي ولا تذكري الماضي لأنه لن ينالك منه إلا الحزن والألم"
كانت تعلم أنه على حق فتركته يضمها أكثر وتشعر بنبض قلبه القوي بجوار أذنها، شعور بالراحة انتابها بعد أن حكت ما كان وهو كان متفهم
قبلاته تخللت وجهها وعنقها حتى لف وجهها له ونال شفتيها واستجابت له بل ولفت ذراعيها حوله فعادت رغبته بها للارتفاع ولم يتراجع أيا منهما
نامت كالطفلة بين ذراعيه كما اعتادت ببداية زواجهم، ظل يتأملها ثم أبعد وجهه لسقف الغرفة والألم والحيرة تتراقص داخل وخارج عقله، لم يعد يمكنه التخلي عنهم، لقد وثقت به مرة أخرى واستسلمت له ومنحته نفسها وأسرارها وشاركته الألم الذي أصابها ونسيت ما كان أو تجاوزاته فهل يجرؤ على فقدان تلك الثقة؟
هي ليست بالفقر الذي كان يظنه، هي من أسرة جيدة وفتاة جامعية مستقلة لذا لا ضرر من نشر الخبر وإبلاغ إخوته ووالدته هل آن الأوان لإعلامهم أن هناك فردين جدد انضما للعائلة أم ما زالت هناك موانع؟
لم تجده بالفراش عندما استيقظت، اعتدلت جالسة وهي تبحث عنه، هل كانت تحلم؟ ألم يكن معها واستمع لقصتها وظلت بين ذراعيه وكلاهم يمتع الآخر حتى ساعات الفجر الأولى؟ لم يكتفي منها وهي لم ترفض، بل كانت سعيدة أن رغبته بها لم تنقص ذرة واحدة
لكن أين هو؟ كانت تفضل لو نهضت وهو بجوارها يلفها بذراعيه كما كان ولكنه لم يفعل فقط مكانه على الفراش ترك أثر وبعثرة الملاءات ذكرتها بليلتهم معا
كان جسدها مرهق مما كان بينهم بالليل ولكنها سعيدة، أخذت حمام وارتدت جينز وقميص برسومات ملونة ورفعت شعرها وتحركت خارجة، بالطبع مازن لم يكن بغرفته فنزلت
كان مازن بمقعده بالمطبخ وأم حسن تتحدث معه وهو يعبث بألعابه ولا وجود لزوجها، تحركت لمازن الذي صرخ بسعادة لوجودها واندهشت أنها لم تعد تقوم بكل شيء لطفلها
قبلت الطفل بسعادة وقالت "صباح الخير أم حسن، حبيبي كم افتقدتك"
ابتسمت أم حسن وقالت وهي ترص الأطباق "كان مستمتع مع والده حتى أتته مكالمة فرحل على الفور"
حدقت بها بقلق وقالت "مكالمة؟ ألم يخبرك بشيء قبل أن يرحل؟"
وضعت التوست والجبن والزيتون الأخضر وقالت "لا هو بدل ملابسه بسرعة خارقة ورحل"
أخرجت هاتفها من جيبها ولم تتردد وهي تجرب رقمه القديم ولكنه لم يجيب، جربت مرة أخرى ولكنه لم يختلف فشعرت بالضيق وقلة الحيلة، زوجها ولا تعرف عنه شيء، عادوا لنقطة البداية بأول يوم
توقف بالمشفى أمام الطبيب الذي توقف أمامه وقال "هي بخير الآن يمكنكم رؤيتها"
تحركت ضي أخته الصغيرة لداخل الغرفة وهي التي هاتفته لتخبره بتعب والدته فأسرع لها، لم يتحرك وهو يقول "كيف هي حالتها؟"
ملامح الطبيب كانت هادئة وهو يقول "الأزمة خفيفة والقلب لم يتضرر لكن عليها بالحرص بعد ذلك من أي ضغوط نفسية أو عصبية ولا تنسى تقدم العمر"
هز رأسه بتفهم، والدتهم هي التي تربطهم بالعائلة بل هي العائلة كلها، قال "ستبقى هنا كثير؟"
نفى الرجل برأسه وقال "لا، يمكنكم الذهاب بأي وقت أنا أبقيها فقط للملاحظة لكنها بخير لا تقلق"
وتركه وذهب وهو يشعر بقلق ما بعده قلق وربما هدأ الآن من كلمات الطبيب فتحرك لغرفتها ووجدها نائمة ويدها متصلة بأجهزة تعلن عن انتظام حالتها، نظرت له ضي بدموع وقالت
"ماذا قال الطبيب عامر؟"
تحرك لجسد هدى الراقد بهدوء وطبع قبلة على جبينها لم تشعر بها من النوم الذي سرقها وعاد لأخته وهو يقول "هي بخير، أزمة بسيطة يمكننا الذهاب"
عادوا للبيت وساعد أخته بوضع هدى بالفراش وتبعتهم الخادمة بالدواء منحوه لها فعادت للنوم
نظر لأخته وقال "هل تخبريني الآن ماذا حدث؟ هل هو السبب؟"
مسحت ضي دموعها وقالت "لا ليس هو، خالتك هنادي ماتت وذهبنا للعزاء وانهارت هناك واليوم حدث ما كان، نور بالمؤتمر بشرم وبابا بالسويس وباقي إخوتك لا يجيبون الهاتف، كنت خائفة عامر"
كتمت الفتاة، التي كانت ببداية العشرينات، شهقة البكاء فنهض وتحرك تجاه أخته وجذبها له واحتضنها بقوة وقال "اهدئي حبيبتي ستكون خبير"
بكت بين أحضانه وهو دائما ما كان موجود من أجل إخوته جميعهم، مسح دموعها وقال "يمكنك الذهاب للراحة أنا سأبقى معها"
ابتعدت عنه وقالت "لا أنا باقية"
عاد لوالدته ووقف بجوار فراشها يتأمل ملامحها الجميلة، منذ كانت فتاة شابة وهي فاتنة وما زالت حتى الآن تحتفظ بجمالها رغم العمر ولا ينكر أنهم اكتسبوا منها ومن رفيق وسامتهم وجاذبيتهم
انحنى وأمسك يدها وقبلها بحنان وهو يقول "ماما هل تسمعيني؟"
لم تفتح عيونها بينما جلست ضي وقالت "لا أظن أنها تسمعك لقد نامت مرة أخرى"
لم يترك يدها وقال "نعم تبدو نائمة"
قالت ضي "أنت لم تكن بالبيت بالأمس ولا بمكتبك، أين كنت عامر؟ أردت منحك نسخة من كتابي الجديد، ومن تلك الفتاة التي كنت معها بالمطعم أمس؟ هناك تعليقات كثيرة عليكم"
لم ينظر لأخته وقد رأى الصور على الميديا وتساؤلات كثيرة عن المرأة التي جذبت رجل الكهف خارجا للحياة، لم ينظر لأخته وقال "امرأة تعرفت عليها ضي، ما الهام بذلك؟"
تحركت لتقف بجواره وهو ما زال ساكنا بجوار فراش هدى وسمع ضي تقول "الهام هو أنها مرتك الأولى عامر وظهورك بها بمكان عام هكذا أثار التساؤلات، أنت لم تخرج مع امرأة من قبل خاصة وأنها كانت جميلة جدا وبدا عليكم الانسجام، هل أمضيت الليلة معها؟"
نظرته كانت حادة وغاضبة وهو يرد بقوة "ضي!؟"
احمر وجه الفتاة وهي تعرف حدودها جيدا مع إخوتها خاصة عامر لذا قالت "آسفة لم أقصد ما فكرت به، أنا فقط أقصد"
اعتدل واقفا ولم ينظر لأخته الصغرى وهو يدرك أن كل ذلك كان سيحدث وكان مستعد له لكن الآن بمرض والدته أصبح من الصعب الخوض بأي مواضيع قد تضر صحتها أكثر
قال منهيا الحديث "يمكنك الذهاب لتناول أي شيء سأبقى معها حتى تعود"
لم ترد وتحرك هو لمقعد قريب وجلس، اهتز الهاتف بجاكته فلم يهتم، اهتز مرة أخرى فأخرجه ليرى اسمها، أغمض عيونه ونفخ بقوة وهو يشعر أن ذلك الضباب القاتم يعود على حياته من جديد
تابعته ضي وقالت "أنت لست بخير؟"
أعاد الهاتف لجاكته وقال بهدوء "بالتأكيد ضي، هي أول مرة لها تسقط بالمرض هكذا"
هزت رأسها بالموافقة وقالت "معك حق لكن ألم تخبرني أنها بخير؟"
لم يرد واستولى الصمت على المكان فخرجت ضي دون كلمات وشعر باختناق أنفاسه وحبس دموعه وهو ينظر لوالدته التي يعشقها وتمنى لو أفاقت وعادت ابتسامتها كما اعتاد، هي من منحه الحب والحنان طوال حياته، ربما كانت تميزه عن إخوته لأنه الكبير وهذا ما كان يعني له الكثير لذا مرضها هذا يظلم الحياة من حوله
ظل بجوارها حتى دخلت الخادمة بالغداء فأيقظها وكانت سعيدة بوجوده معها، ساعدها بتناول الطعام، ومنحها الدواء دون حديث ثم عادت للنوم
عندما أفاقت مرة ثانية كان أيضا بجوارها ولم يتحرك رغم مرور وقت كبير من اليوم وبدا أن الليل سقط من حوله، ابتسم لعودتها وتحرك لها وضم يدها بيده وهمس "ماما؟ كيف حالك الآن"
حاولت أن تبتسم وهي تقول بتعب واضح "حبيبي أنت ما زلت هنا"
شعر بغصة بفمه وحزن للمرأة التي تعني له الحياة وقال "نعم ماما ولن أرحل حتى تنهضي من الفراش"
تجولت على وجهه بنظراتها الضعيفة وقالت "لا، لن تفعل، يكفي ذلك، إخوتك البنات سيفعلون، فقط اذهب وانهي أشغالك واطمئن على حياتك ثم تعالى مرة أخرى"
رفض بحزم "لا، لن أذهب لأي مكان حتى تستعيدي نفسك"
ابتسمت مرة أخرى وقالت "أنا بخير، صدقني، هو فقط حزني على خالتك من فعل بي ذلك"
هز رأسه وقال "نعم البقاء لله"
دق الباب ورأى رفيق يدخل وهذا بالطبع أنهى الجدال وهو يقول "أنت هنا منذ ساعات كثيرة لقد تأخر الوقت، يمكنك الذهاب أنا لن أتركها"
اعتدل واقفا وتحول وجهه للجمود وهو يقول "يمكنك أنت الذهاب وأنا سأبقى"
كان رفيق قد وصل له، لم يقل جسد الأب عن ابنه شيء ولديه من القوة والوسامة ما لو وزعها على أبنائه فلن تنتهي رغم عمره الواضح من تجاعيد وجهه
لم يلتقيه منذ كلفه بمهمته ولا ينكر أنه بذلك كان سبب برؤية زوجته واكتشاف مازن ابنه ولكن هذا لا يمنع ما بينهم
نظر رفيف بعيون ابنه وقال "هذه غرفتي وهذا فراشي وهي زوجتي وعلى الزوج أن يتواجد بجوار زوجته خاصة عند المرض، ومع ذلك تركت لكم اليوم كله لكن الليل هو لي وحدي وعلى الرجل أن ينام بجوار زوجته"
ظل ينظر له وهو يدرك أن والده جاد بكلماته، وكلهم يعلمون الحب الطويل بين والديهم، كانت النظرات تعني التحدي بأنه لن يقبل إلا بما قال فالتفت عامر لوالدته التي ابتسمت وقالت
"لتذهب حبيبي أنا حقا بخير"
تحرك وانحنى ليقبل جبينها وقال "سأراكِ بالصباح، طابت ليلتك"
وتحرك دون كلمات مع رفيق وخرج والغضب لا يتوقف، لا أحد غفر لذلك الرجل أفعاله ولا أحد سيفعل.
فكر كثيرا بالبقاء بالفندق ولكنه لم يرغب بإعادة الماضي فعاد للقاهرة وكانت الحادية عشر عندما وصل البيت وقد تابع مكتبه على الهاتف طوال اليوم، كلمات والده من أن على الرجل أن ينام بجوار زوجته كانت ترن بأذنه، هو حقا يجد الراحة بجوارها مستمتع عندما تلقي رأسها على صدره يشعر أنها تحتمي به من الغيب..
وجدها كما كانت أول مرة لهم هنا، ممددة على الأريكة ونائمة، شعر بقلبه يؤلمه، لا مجال للأحلام اليوم، مرض والدته أوقف كل خططه لذا عليه الانتظار حتى يمكنه مواجهة الجميع
حملها فتمتمت بكلمات غير واضحة وتحرك للأعلى، وضعها بالفراش وأبعد شعرها عن وجهها وهو يدرك أن ما يربطه بها ليس مازن فقط ولكنه ارتبط بها من أول نظرة برابط مختلف ما زال لا يعرفه أو ربما تلك الرغبة التي تجتاحه برؤيتها، الراحة عندما تكون معه والسعادة التي يعرفها وهو عائد للبيت ويعرف أنها وابنهم بانتظاره
قبل جبينها وجذب عليها الغطاء وتحرك لغرفة مازن وظل واقفا بجوار فراشه وهو يتأمله، منذ أيام قليلة لا تذكر كان يعيش بالفراغ، وحيدا لا حياة سوى العمل وإخوته والآن الوضع تبدل تماما، زوجة وابن وسر لا يعرفه أحد، زوجة غاضبة بسبب الزواج السري وابن لا يعرف عنه أحد شيء وهو بين هذا وذلك ممزق، لأول مرة يشعر بأن لا أرض تحت قدميه وكأنه يقف على حافة الهاوية خطوة واحدة خطأ وسيرتطم بالقاع ولا يمكنه توقع النتائج
تحرك للنافذة ووضع يده بجيب سرواله وظل ينظر بالظلام والسماء القاتمة لا تمنحه أي راحة أو أفكار للنجاة
ما أن دخل الفراش وتمدد حتى شعر بالصداع يدق برأسه، ما زال قلبه قلق على والدته، لأول مرة ترقد هكذا، هل يمكن أن تزداد حالتها سوء رغم كلمات الطبيب؟ إنها تملك سر بقاؤه لو رحلت لن يعني الكون له أي شيء
سقطت رأسها على صدره العاري وذراعها على معدته مما جعله يعود لواقعه الحالي، هناك من يجعل الكون له معنى بعد والدته، ببطء رفع يده لشعرها المنتشر حول رأسها وأبعده ثم لف ذراعه حولها وهو يشعر بالراحة لوجودها بين أحضانه فأغمض عيونه ورحل للنوم