رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24 بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24 بقلم ريناد يوسف

فض قصير التجمهر ثم نظر لرجوه شرزاً وأشار لآدم وأخذه وابتعد، وحين اصبحا بعيدين المسافة الكافية قال له:
- ياعقاب انا ماعارف ايش اقول، ادري انك انحطيت بموقف صعب بس هي رجوه وهي تصرفاتها، واتمني ماتطول مدة الأدب ولو اني أشك انك تقدر تسوي بأمرها شي، رجوه وحده الكل غاسل يده منها ومامنها نفع.
- صار خير ياعمي، مو هي البدت ونهت علي وحطتني بألامر الواقع تتحمل، هي كل ظنها اني متل سالم والكان يجرى عليه يجرى علي، بس وربي لأدفعها الطاق طاقين.

اما عند رجوه..
عوالي:
-يارجوه تعال لخيمتي اريدك
-ابشري ياعمه امشي وانا معاك.
وصلا الخيمة ودخلت رجوه وهي تشعر بالأمان، وما إن خلعت عوالي نعليها ووشاحها حتي هجمت على رجوه قيدتها وقالت لمايزه:
-مايزه أمشي هاتيلي ماعون جمر وحطي به سكين؛ اليوم الا لأكويها الفانص بلسانها واخليها ماتعرف تحكي للعام القادم.
رجوه:
-ليش ياعمه انا ايش سويت؟
-وتسألين ياعديمة الحيا يالمامرت عليك المستحى، تقفين بنص القبيلة وتنهي على شب ولجل مي وجه ابوك تخليني أكذب؟ 
ولك انا بهالعمر اللي أجمع به الحسنه فوق الحسنه لجل اقابل ربي بيهن تخسريني حسناتي وتحمليني ذنوب؟ انا اقف وسط رجال بشناب يحط عليها الصقر وأكذب عليهم؟ اليوم ماتحوشني عنك ولا المعجزات يارجوه.. امشي يامايزه ماتتلكأي وإلا كويتك معها.
مايزه :
-تم تم ياشيخه،الحين بروح.

غادرت مايزه وظلت عوالي مقيدة لرجوه، ورجوه صامتة تماماً، سارحة ومبتسمة وكأن عوالي كانت تتحدث مع غيرها! 
وسرعان ماعادت مايزه، وأجلستا رجوه، والغريب أنها لم تجد منها أية مقاومة! 
ثم كشفت فخذها وأمسكت السكين وقربته منها فلم تجدها إلا مستسلمة وعلى نفس إبتسامتها وبلادتها! فألصقت عوالي السكين بفخذها، فلا صرخت ولا هللت، بل اغمضت عينيها مبتسمة، فهدرت بها عوالي:
-إيش فيك تتبسمين ماعدتي تشعري بالألم؟ ماعاد عندك إحساس، مات كل شي فيك متل مامات حيائك؟
ردت عليها رجوه بهدوء:
-لا مامات، وحسيت بالكي وشاغت روحي بعد، بس قولت لحالي هالكي ثمن زواجي من عقاب وماابخثه من ثمن. 
زيدي الكي وحمي السكين أكثر والله لاجله الجحيم اتحمل مو بس كي.

همت عوالي ان تعيد الكرة فأمسكت مايزه يدها وقالت:
-كافي ياشيخه البنت جسمها تشوه وماعاد فيه شوفه، غدوه وقت تكشفه لزوجها إيش يشوف منها غير الندوب؟
-هي التجيب الوجيج لروحها، لو تقعد راحه مايجرا عليها شي.
رجوه:
-اتركيها يامايزه، اتركيها تزيد وتعيد وتكوي وتشوه، إذا روحي شوهوها مايشوهون جسدي؟ 
زيدي ياعمتي وحمي سكينك زين واغرزيها بلحمي وشمي ريحة لحمي المحروق وتكيفي.. لا وتقولين مااريد ذنوب واجمع الحسنات! 
باي دين شفتي التعذيب بالنار حلال حتى تطبقيه على الناس، اي مله حللت لك هاي القسوة وايش أوحالك إن ماعليها حساب من رب العالمين؟ مامر عليك إن مايعذب بالنار إلا رب النار؟ 

رمت عوالي السكينه من يدها وأمسكت رجوه من ذراعها وجذبتها نحو باب الخيمة ورمتها خارجها وهي تقول لها:
-اغربي عن وجهي ياشجرة الحنظل يابلوة هي القبيلة وبلوة حياتي بعد، لا تخليني اشوف وجهك ولو صدفه يارجوه والله اني كرهتك بعد ماكنت انحبك ونشفق عليك. 
رجوه:
-هاد الطبيعي، انا ماحد يحبني وهيك احسن لي حتى مااعمل حساب لمحبة حد، ولا اقف عنده واقول لجل فلان مااسوي هيك. اكرهوني لجل تقووني اكثر وماانكسر بمحبتكم.

قالتها وإنطلقت مبتعدة وهي تقاوم البكاء من ألم الكي الذي شعرت به كله الآن، وخاصة كلما تحرك ثوبها فوقه ولامسه تشعر بألم أكبر، وصلت خيمتها وظنت بأن لحظة إطلاق الآهات والإستسلام لألم حانت، ولكنها توقفت على صوته خلفها يقول:
-إمبارك عليك عقاب يارجوه، والله عشقتي ونولتي يابختك.
إستدارت ونظرت إليه وتطلعت بوجهه قليلاً ثم قالت بصوت مختنق:
-أنت العلمتني ياسالم، انت العلمتني آخد من الدنيا اللي اريده بذراعي، مو انت الكنت تقول لي ماتنتظري من حد شي والتريديه مدي يدك وخذيه، مدي يدك عالاحلام وحققيها مدي يدك على السعادة واقنصيها ومدي يدك بجيبي وقت تعوزي قروش وخذي ماتسأليني. 
مو انت الخليت يدي طويله تطول اي شي، مو انت العلمتني القنص ياسالم، ليش جاي اليوم تلوم علي؟ 

-لا يارجوه ماجيتك لايم، انا جيت ابارك لك وابارك لروحي قبلك لاني اشوف نتيجة علامي فيك، وكيف صرتي قناصة مافي منك، واول التصويب صوبتي على قلبي، ومن بعدها جبتي احلامك تحت رجليك كل حلم بسهم واحد.
-الدنيا ماتنعاش غير هيك، ماتنعاش غير بأنانيه وطمع، هاد درس اريدك تتعلمه مني متل ماتعلمت منك وااجد دروس. 
- ومنك نستفيد يابت عمي.
صمتت وصمت هو وعيناهم تتحدث، فقاطع الصمت سالم وقال لها:
- اشوف بعيونك واجد حكي وانا عهدي بك ماتكتمين، ومو معقول الطبع يتغير.
- لا ماتغير، بس ادري كلامي لك ماراح تفهمه ولا تعترف به.
-جربي ماخسرانه شي.
- اقول ياسالم.. تعال وتخيل معي إذا انت مو بحياتي من البداية، إذا ماخذتني وعلمتني كل شي ومادللتني ولا عشقتني ونهيت علي، إيش كان راح يصير؟
-ماادري.
-انا انقولك ياسالم.. ماكنت عرفت التمرد ولا إقتربت من عقاب ولا رحت الحضر وشفت عيشة اهله ولا كنت حبيته.. كنت تكيفت مع حياتي وصار علي اليصير على كل بنيات القبيلة، 
كنت عشت حياة طبيعية عادية وماكانت روحي اتملت حروق متل ماجسدي انملا كي.. انا كل ألم شفته ياسالم انت سببه، ولو وازينا بين الألم الشفته بسببك والدلال الشفته منك اشوف الالم يزيد اضعاف.

- اي يارجوه انا سبب كل شي. 
اصلاً مافي فايده، انا السيئ بكل رواياتك، وانا الظالم وانا الجلاد، وانا سبب دمارك، اصلاً على من بترمي إن ماانرمى على سالم؟
بس تعرفي.. والله يستحق سويلم.. يستحق وايش ماسويتي به قليل عليه.. روحي يارجوه وعيشي حياتك ولآخر العمر ضلي ارمي اللوم علي،

 كل ماتعثرتي بحجر وطحتي قولي سالم السبب، كل ما حدا آذاك قولي هاد الأذى من سالم. 
-وليش تزعل من الحق؟
- لا ماازعل من الحق ولا من اللي تظن انها تقول الحق، انا زعلي من نفسي اكثر شي، زعلان مني لأني عطيت وما حسبت العطا يعود علي بالوجع. 
-اهوووو كل مافتحت فمك تقول عطيت وعطيت، ياخ سئمت من مذلتك الماتنتهي، جزعت روحي من معروفك التحسب روحك لافه حول رقبتي وكنت تريد تجرني به خلفك متل البهيمة،
 اي جبتلي حلا وجبتلي ملابس وجبت لي واااجد اشيا، بس مو معناها اني اصير لك جاريه ياسالم. 

- انا مااقصد بالعطى شي من كل الذكرتيه يارجوه، انا اقصد شي وانت فهمتي شي، وماراح اتعب روحي معك بالتفسير، إذا مانفهمت لحالها وانحست مابتوصل. 
كادت ان ترد عليه ولكن قاطعه صوت آدم من خلفه يقول:

-اقول ايش واقف تسوي مع شجرة الحنظل حقي ياسالم؟
-.ولا شي ياخوي جيت اباركلها واتمنالها ايام حلوة تشوفها معك. 

-والله ماأظن راح تشوف معي إلا أيام بلون الغرابيب السود.. وأول الشوف انا اشتريت الحين قطيع هوايش ١٠٠ راس وماحد راح يرعاهم غير مرتي المستقبلية. 
من الحين كل يوم تاخذيهم وتطلعي للوادي ماتردي إلا وقت الغروب، وإذا شردت منك نعجه  تحسبين روحك بدالها واذبحك واحطك بالسيخ واشويك وآكلك، وبنهاية اليوم تحلبيهن كلهن وألبانهم تبيعيها وتشيلي لي قروشهم معك، اريد وقت ارد من الحضر اشوف إيش سويتي بالأمانه الحملتهالك.
رجوه:
-هاد تأديب ولا تعذيب ولا إيش ياعقاب؟ 
-هاد تحسبيه متل ماتحسبيه يابلوه.

سالم:
-ياعقاب شوي شوي مو هيك، كيف ترعى ١٠٠ راس غنم وتحلبهن لحالها؟ 
-ايش ياسالم تقصد بقولك، تريد مرتي تقول عليك بك حِن عليها اكثر مني ولا ايش؟ اسمع انت مالك علاقة بأي شي واظن انا نبهتك ولا  نسيت؟ 

وهنا أكملت رجوه:
-اي ياسالم انت ماتتدخل واليقوله زوجي سيف على هالرقبه وتنفيذه واجب علي، ومو بس لو اشقى، لو اموت انفذه. 
نظر عقاب لسالم وقال له بحزم:
-تريد بعد ياسالم ولا اكتفيت؟ 
سالم:
-لا ياخوي اكتفيت، سوي بيها اليرضيك وانا لو شفتك حاططها بين شقين رحى وتطحن بعظامها والله مااطلبلها الرحمة.. من رخصتك ياخوي
 
-مرخوص ياقلب اخوك.. الله معك.
 
غادر سالم وابتعد، فإستدار آدم ونظر لها وقد تلونت عيناه بلون الدم وبكل غضبه رفع كف يده وهوى بها فوق وجهها أسقطها أرضاً، ثم أمال بجزعه عليها وهمس لها وهو يصك على اسنانه:
-هي مباركتي لك بعد السويتيه وتقدير قليل مني لجهودك المبذوله.. أنا تنهين علي وسط القبيلة كلها وتحطيني قدام الأمر الواقع؟ 
وربي وما أعبد يارجوه من الحين لأكرهك الساعة الفكرتي فيها بي زوج لك وراعي بيت، 
واريد اقولك شي تحطيه حلق بأذانك، انا مو سالم.. عهد سالم ولى وبدأ عهد عقاب اللي راح يسلب راحتك يافانص يالماتعرفي عن الحيا شي. 
غدوه من غبشة الصبح تروحي لبرقي وتستلمي منه ١٠٠ راس غنم وتطلعي بهم للوادي وماتردي بهم إلا وبطونهم معبايه. 
انهى كلماته وتحرك من امامها مبتعداً فجلست معتدلة وهي لا تعلم مم تتألم أكثر، من كي النار أم من ضربته التي كادت تكسر فكها، أم من قسوته عليها، أم من قلبها المتمسك به رغم كل هذا؟
قامت ودخلت الخيمة وتسطحت فوق فراشها واغمضت عينيها وتبسمت، فبرغم كل الألم الا انها سعيدة وتشعر بنشوى عارمة! 

أما آدم فذهب لرابح وجلس بجواره واخذ يتأفف، فما رأى من رابح سوى الصمت، فصرخ به قائلاً:
-ياخ سل ايش بي، فتشني واعرف ايش حارقني ويخليني اتأفف حدك! 

- ليش هو انا مااعرف إيش بك يعني، الله يكون بعونك والله. 
- بس هيك؟ 
-لكن إيش اسويلك انا وايش بيدي عليك؟ 
- يعني هي الفانص تحكم علي وتلبسني ربطة راس متل نساء القبيلة وتنهي علي وتريدني اسكت؟ 
- لا تسكت.. اذبحها وماحد راح يلوم عليك، وعمك قصير مو بعيده يعطيك نصف امواله جايزه. 

-تمزح انت صح.. وقت مزح هاد يعني يارابح؟ 
-وربي ماامزح، بس رجوه ماعاد ينفع معها إلا الطم تحت التراب، انت حكيت انك تقدر تغيرها وهي فرصتك واخذتها وهي بروحها عطتهالك، الساحة قدامك والعدو فيها، هيا انزل ونازل. 
- اي بس الطريقة يارابح وااجد صعبه ومامتقبلها. 
-زيد عليها بالعقاب وكتر من التاديب وكل شي بحسابه. 
-مامحتاج وصايا، انا من غلبي راح اتفنن بتأديبها. 
- بس شوي شوي على سالم، انا وانت ندري انك وقت تعذبها تلتين العذاب ينزل على سالم قبلها. 
- لا ماينزل سالم كرهها. 
-. والله سالم مايكره رجوه ولو شافها تسل خنجر وتضربه بنص قلبه. 
-زين يتحمل.


الفصل الرابع والعشرون24 

اما في خيمة سالم.. 
ممدد في فراشه ينظر لنقطة بعيدة في الخيمة، فأقتربت منه وجلست بجواره ودست يدها في شعره وقالت مداعبة:
-اقول ليش نبضي سابح بخياله بعيد، إيش اللي شاغله يخسى الفكر كلو. 
إعتدل بنصفه وقابلها مستنداً على ذراعه وتحدث بجدية قائلاً:
- مزيونه اسألك سؤال
-الف مو واحد
-انت قولتي لي انك كنتي تحبيني من وقت كنتي صغيره صح؟ 
-اي. 
- طيب كيف كنتي تتعاملين وانت تشوفيني مع رجوه، كيف من الأساس تحملتي وانت تعرفين ان شويقك ماراح يكون لك، كيف استمريتي؟ 
-والله صعبه ياسالم ومو سهلة بالمرة، ويمكن هاد المصبرني على الحال الانا فيه، عاذره لأني مجربه وضايقه.. بس بالنهار كنت الهي روحي واضيع الوقت بغزل الصوف، كنت اكثر بنيه تغزل صوف بكل القبيلة، القهر والشوق وقلة الحيلة الكنت اطلعهم بالصوف كانوا ينفعوني.. منها فكري يرتاح شوي ومنها اقبض قروش.. بس هاد بالنهار، أما الليل فما تدعي على عدوك بليل العاشق المحروم.
- مافيدتيني يامزيونه. 
- ليش يانبضي، انا حكيت وانت المفهمت علي. 
- حكيتي انك كنتي تغزلي. 
- لا حكيت كنت الهي روحي بشي غير التفكير، وانت لزوم تلهي روحك ياسالم.
- تريديني اغزل يعني ولا ايش؟ 
-اي اغزل واعتبرني انا الصوف.. جرب تغزلني وشوف ايش راح يطلع معك. 
- تقصدي اغازلك مو اغزلك. 
- والله بشوقك تغزلني تغازلني انا كُلي لك ورهن إشاره منك. 
-انحبك حين تخلي كل الطرق تأدي ليك بالنهاية وتحطين روحك هدف.
 
-لا ياضي لعيون، انا انحاول اكون لك طريق مفروش ورود إذا اتسددت بوجهك كل الطرق، انكونلك جسر تعبر به من الحزن للفرح. 
-اممم.. حياله. 
-لا والله، انا اريد بس راحتك وادلك عليها، اشوفك محتار ومضيع الدروب ويعز علي ما آخذ بيدك. 

انهت جملتها وأمسكت كفه وقبلت باطنه وهي تنظر مباشرة لعينيه، فتغيرك ملامحه للراحة وهو يبادلها النظرت وهمس لها وهو يجذبها إليه:
- قوية وماادري من وين تجيبين قوتك؟ حياله وعيونك ناعسات  وحلوات حيييل... قربي يامزيونه اريد بعد من الشهد الينقط من شفافك ماعدت اكتفى منك ولا اشبع من قربك.. تعي ياراحتي النفسيه.

وهمس لنفسه وهو يقترب منها حتى تلاشت المسافات وأختلطت الأنفاس:
-وين كنتي انت وقت قلبي ماكان لاقي إلا رجوه، ليش ماظهرتي بحياتي قبلها، والله كان وااااجد اشيا تغيرت. 

اما في القاهرة..في سجن النساء.. 
-ياسين، الحمد لله انك جيت وخليتني اشوفك ياحبيبي، انت واحشني قوي انت واختك، هي مجاتش معاك ليه، وفين ابوك مجاش ليه هو كمان؟ 
-اختي طفشت بعد ماعرفنا انها حامل من واحد حيوان ابن كلب وبابا في المستشفى وقع وجاتله جلطه بعد ماسمع الخبر. 
- مستحيل انت بتقول ايه؟ كارمن متعملش كده ابداً، كارمن لسه صغيره ومتعرفش حاجه اكيد الولد دا ضحك عليها، اوعوا لو لقيتوها تحاسبوها هي حاسبوه هو.
  دور علي اختك ياياسين ورجعها متخليهاش تتمرمط والكلاب تنهشها وكل حاجه ليها حل يبني. 
-كنت واثق إن دا هيكون كلامك ورايك، اساساً انا هستنى أيه منك؟

- يعني ايه ياياسين، انت ناوي لاختك على شر؟ اوعي ياياسين اغضب عليك والله. 
- اخر همي غضبك أو رضاكي، واخر همي بنتك، اقولك حاجه من الاخر انا ميهمنيش مين يعيش ومين يموت ومين يرتاح ومين يتعب، انا اللي يهمني نفسي وبس، أنا ومن بعدي الطوفان.. مش دا اللي علمتهوني؟
-انت مين.. إنت مش ياسين ابني إنت اكيد واحد تاني، انت اتبدلت كده ازاي؟ 
-لا انا إبنك واللي شايفاه دلوقتي هو اللي زرعتيه فيا من صغري، مستغربه ليه مني؟ وكنتي مستنيه إيه من واحد أمه وأبوه بيحطوا اخواتهم تحت رجليهم عشان مصلحتهم؟ 

عايزاني اطلع احب اختي واخاف عليها ازاي وانا شفت بابا بيسم اخته بأيده وشفته بيدبر لموت اخوه،
 انا لو مدحت عايش وكان فيه ورث مابينا كنت خلصت عليه بأيدي من غير مايرفلي جفن.. وكارمن وقت ماهلمحها بس مش محتاج اقولك هعمل فيها إيه،
 وانتي من اللحظه دي إنسي إن ليكي ابن إسمه ياسين، محاكمتك بكره ومش هحضرها، وأياَ كان الحكم مش هيفرق معايا، واتمني إنه يكون إعدام عشان ملفك يتقفل من حياتي نهائي. 
-ملفي! بقيت مجرد ملف فحياتك ياياسين؟ 
- كل الناس في حياتي ملفات وأوراق، الورقة الكسبانه بخليها والورقة الخسرانه بقطعها وارميها فاقرب زباله.. للأسف كان نفسي فعيلة ارفع بيها راسي وسط الناس، مش عيله زيكم مهما كبرت اول ماافتكرهم احس بالخجل والعار.. ياريت عمي محمود كان ابويا وعايده مراته كانت أمي، صدقيني كان هيفرق معايا كتير اوي. 

تماسكت فريال طوال الوقت حتى سمعت الجملة الأخيرة فترنحت واستندت على المكتب وهي تلفظ آخر ذرة تماسك، 
وانهارت وهي ترى ابنائها واحداً تلوا الآخر يتمنون لو ان عدوتها اللدود أمهم، واخذت تتسائل كيف يحدث هذا بعد كل مافعلته لأجلهم؟ وكيف لإبن أن يكون بهذا العقوق نحو والديه وعائلته، أخذت نفساً عميقاً واعتدلت وغادرت المكتب بأكتاف متهدلة وظهر محني؛ فالآن فقط لن تأبه للحكم، ومرحباً بالإعدام بعد الذي سمعته من فلذة كبدها،
 ووداعاً لدنيا ردت لها الصاع ألاف ووجهت لها الضربات القاتلة واحدة تلو الأخري تِباعاً في منتصف القلب تماماً. 
عادت لزنزانتها وفور عودتها وجلوسها اتت السجانة تستدعي اختها فاطمة؛ فقد جاءت لها زيارة. 

ذهبت معها فاطمة وكانوا اولادها الثلاثة، كانت المرة الأولي التي يأتون لها منذ سجنها، نظرت إليهم ولم تتحمل اللوم في اعينهم فأخفضت عينيها أرضاً.. تقدمت منها حياة وسألتها والدمع يفيض من عينيها:
-ليه بابا.. دا كان طيب وغلبان جداً وكان بيحبنا.. كان أحن واحد في الدنيا علينا ليه تحرمينا منه؟ 
عملك ايه يستاهل عليه القتل؟ يعني حتي مشفتكيش اتجوزتي ولادخل راجل تاني غيره فحياتك وكان سبب فأنك خلصتي منه! 
اديني دافع واحد يخليكي تعملي كده غير إنك إنسانه مريضه بالقتل.. ولا فعلاً كان فيه راجل وبعد ماوعدك خلف؟ 

رفعت فاطمة عينيها ونظرت لإبنتها مستنكرة إتهامها لها بالخيانة وردت عليها قائلة:
-لا ياحياة انا معملتش كده عشان راجل تاني، أبوكي لو كان فضل عايش كنت هفضل محبوسه انا وانتوا ومدفونين في البلد لآخر العمر، مكنش أبداً موافق إننا نسيب البلد ولا كان راضي يسيب الارض والفلاحة، عمري ماشفت منه طموح او تفكير بأنه يحسن حياتكم ومستقبلكم، اتولد وعاش فلاح وكان هيموت فلاح واخواتك من بعده يفضلوا يفلحوا في الأرض حتي وهما معاهم اعلى الشهادات. 

ردت عليها حياة بحسرة:
-يااااه تصدقي سبب قوي وأقنعني،، يعني قتلتيه عشان مكانش عنده طموح؟!
بصراحة يستاهل القتل فعلاً.. ازاي كان هيعيش من غير طموح؟
 ازاي كان هيكمل حياته راضي باللي ربنا قاسمهوله وميبصش للي فأيد غيره.. ازاي كان هيفضل فلاح ويأكلنا من شقاه وتعبه لقمة حلال وتكون متغمسه بعزة النفس ويشربنا الكرامة؟
ازاي مكانش هيسيبنا نروح نسكن في قصر اختك عاله عليهم وطول الوقت حاسين اننا مش في مكانا واننا ضيوف تقال، ونحاسب عالكلمه والحركة والنفس اللي بنتنفسه.
 ازاي كان فضل عايش وحرمنا من كل ده.. لأ بصراحة برافو عليكي يادكتوره فاطمه عملتي الصح والصالح لينا فعلاً. 
ودلوقتي اديكي لابسه الأبيض ومستنيه الحفلة المعمولة على شرفك بكره وهتاخدي فيها جايزة الأم المثالية المضحية والقاضي هو اللي هيديهالك. 
الشاب اللي كان متقدملي لما عرف باللي عملتيه جري ونفد بجلده؛ خاف احسن اعمل زيك في يوم من الأيام واقتله.
 وعمتي لما عرفت انك قتلتي اخوها طردتني بره بيتها وقالتلي مش هخلي فبيتي حيه بنت حيه، اخواتي محدش من عمامي راضي يستقبلهم فبيته ولا يخلونا حتى نرجع نسكن بيتنا القديم.. دمرتينا وشردتينا ويتمتينا منك لله ياشيخه. 

انهت كلماتها وغادرت المكتب مسرعة، أما اخويها فتبعاها دون ان ينطق احد منهم بحرف واحد، وكأن حياة اختهم قالت كل ما يجب أن يُقال وليس لديهم أية إضافة، هي فقط نظرة إحتقار اعطاها لها كُل منهم قبل أن يفارقوها للأبد.
 فعادت للزنزانة بنفس حال اختها فريال وبنفس الألم والوجع، وانزوت كُل منهم في ركن تندب أطماعها التى أوصلتها لهذه المرحلة وخسرتها كل شيء. 

وجاء اليوم التالي بالمتوقع للجميع، وحكمت المحكمة بتحويل اوراق فريال وفاطمة للمفتي، وبهذا حسم أمرهم بالإعدام، وماهي إلا بضعة إجرآت. 

تلقي ياسين الخبر عبر الهاتف وذهب لأبيه في المشفى رأساً، أخذ الإذن من الطبيب ودخل له، كان يحيي مغمض العينين يئن، فأمال ياسين بجزعه عليه وهمس له في أذنه:

-بابا أمي اتحولت أوراقها للمفتي، وأختي كارمن أنا خلصت عليها من يومها، ومدحت راح ومفضلش غيري انا وانت، قوم بقى وخف أو موت وخلصني؛ عشان انا مش فاضي لرميتك في المستشفى دي؛ ورايا حاجات كتيره عايز اعملها متعطلنيش. 
أنهي كلماته واعتدل ليسمع بعدها صوت صافرات تصدر من الأجهزة المتصلة بجسد أبيه، فوقف يتامله لثوانٍ قبل ان يأتي الطبيب وطاقم التمريض في عجل ويبدأوا في إنعاش قلبه الذي توقف، وكأنه تقصد فعل ذلك ويعرف أن هذا ماسيحدث، فوقف بعيداً وقد ربع ذراعيه فوق صدره وإخذ يراقب ببرود لا يتناسب مع الموقف لدرجة أثارت إستغراب كل من بالغرفة وتعجبهم



تعليقات