رواية عامر الفصل الثالث عشر13 والرابع عشر14 بقلم داليا السيد

رواية عامر الفصل الثالث عشر13 والرابع عشر14 بقلم داليا السيد


خاتم
انفلتت من أحضانه بعدما رحل بالنوم، هاتفه كان يهتز بجوار مائدة الطعام، ارتدت قميصها وتحركت تجاهه، رأت اسم جاسم وعرفت أنه أخيه، ترددت هل توقظه أم تتركه وعندما نظرت له وهو يغط بنوم عميق وقد بدا الإرهاق عليه قررت ألا توقظه وتركت الهاتف مكانه وتحركت للحمام ثم عادت للنوم
داعبت أشعة الشمس عيونها ففتحتها لترى النهار قد وصل، لم تجده بالفراش وقد كانت السابعة بالتأكيد نهض بعد أن نام كثيرا وربما رحل للعمل ولكنها رأته يدخل الغرفة فاعتدلت وهو يبتسم بملابس البيت وقال 
"لقد عاد للنوم" 
تحرك تجاهها وهو يتجول على وجهها المشرق وشعرها المحيط بها ونال قبلة طويلة من شفتيها حتى ابتعد قليلا فقالت "لم أسمع الجهاز" 
جلس جوارها وهو يقبل وجنتها وقال "لم يكن يبكي أنا من ذهبت لرؤيته وكان سيستيقظ عندما قمت بإطعامه وعاد للنوم لأعود إليكِ"
وتجول بفمه على بشرتها حتى جذبها له وأشعل رغبتها واستسلمت له
عندما أخذت حمامها من بعده ونزلت لم تجد أم حسن وهو يقف بالمطبخ فقالت "أين أم حسن؟" 
خفق البيض جيدا وقال "طلبت الذهاب لصرف الدواء الشهري لها وأخبرتها أن تذهب وباقي اليوم أجازة لسنا بحاجة لها"
تحركت تجاهه وهو يضع الزبدة بالمقلاة وقالت "لسنا؟" 
نظرة سريعة لها وهو يقول "أنا متعب وساهر عاد والسكرتيرة ستخبرني بأي جديد" 
ظلت بمكانها فأسقط البيض بالمقلاة وتبعه بالبصل المقطع والطماطم ولاحظ أنها لم ترد فالتفت لها وقال "لم أستعد فتاتي التي عرفتها منذ شهور" 
ابتعدت للخبز وأحضرته للمائدة وقالت "أنا هي عامر" 
عندما أحاطها بذرعيه من الخلف وطبع قبلة على عنقها ابتسمت وهو يقول "أرى امرأة محملة بالهموم فقدت حتى ضحكتها" 
التفتت له بين ذراعيه ويداها ارتاحت على صدره وقالت وعيونها تواجهه "أنا لا أضحك إلا بوجودك معي"
قبلها وقال "سأفعل صغيرتي فقط عودي لي" 
عادت تبتسم وهي تقول "أنا لا يمكنني إلا أن أكون معك" 
ابتسم وقبلها ولكنها أبعدته وقالت بجدية "الطعام عامر"
أفلتها وأسرع للطعام قبل أن يحترق وهي تضحك وهو يهتف بكلمات غاضبة من ضحكها وتحول الأمر للمرح وتناولوا الإفطار ثم شاركهم مازن اليوم بل وأخذه عامر للسباحة وقد كانت خائفة ولكن ذراعي والده كانت قوية وهي كانت تسبح بجوارهم وكان يوما رائعا حقا أعاد لها ضحكتها وجعلها تنسى حزنها السابق وتقنع نفسها أن الوقت هو الحل كما وعدها ولكن شيء من داخلها كان يسأل إلى متى ستظل تمنحه كل شيء ولا تنال أي شيء؟
الأيام التالية لم تختلف كثيرا، ما زال العمل هو كل شيء وقل من تواجده معهم بالبيت دون أن يشعر، لم يفكر بالخروج معها مرة أخرى ليس الآن على الأقل، هدى كانت أفضل وقد مضى على مرضها شهر تقريبا ولم تراه خلاله ولكن هي اعتادت ذلك
لم يفوت موعده مع إخوته ولكن بدا أن كلا منهم مشغول بأمور جديدة بحياته كما كان هو ولكن أيا منهم لم يذكرها ولا هو ذكر سره
عاد مبكرا من العمل بظهر الخميس ليجدها تهرع له كما اعتاد فتلقاها بين ذراعيه بسعادة وقبلتهم الحارة تبدأ اللقاء، أبعدها عند صراخ مازن وهتف من بين أنفاسه 
"ماذا به؟" 
كان مازن بمكانه المعتاد على الأرض وبدا باكيا ووالده يتحرك تجاهه ليحمله وهي تقول "لقد ظهرت سنة أخرى بفمه وهي تسبب له إزعاج واضح، نحتاج للذهاب للطبيب عامر هو وقت المتابعة خاصته" 
هز رأسه وقال "نعم أعلم، لقد هاتفت المركز وأخذت موعد، هيا بطلي ماذا بك؟ ألا يمكنك مواجهة بعض الألم؟" 
ضحكت وقالت "ما زال خمس شهور عامر، كيف يمكنه تحمل الألم"
داعب ابنه ليوقفه عن البكاء وقال "آل دويدار لا يعرفون الألم صغيرتي وعليه أن يتعلم ذلك"
لم تأخذ كلماته بجدية وتركت له ذلك، هي تريد أن يكون ابنها كوالده بكل شيء، قوي، رياضي، ناجح بكل حياته
تناولوا الغداء وما زال مازن غاضبا ولكنها احتوته وتعاملت معه حتى نام بعد يوم مرهق وعندما نزلت تبحث عنه كان يجلس أمام حمام السباحة شاردا فطوقت عنقه من الخلف وهمست بجوار أذنه 
"لن أعرف ماذا سأفعل لو كنت شاردا بسواي" 
أمسك يدها وقبلها وهي تعتدل وتجلس على ذراع مقعده وهو يقول "كنت أنتظرك، هل نام؟" 
تركت يدها بيده وابتسامتها تشرق على وجهها وهي تقول "نعم أخيرا، لم ينم طوال اليوم" 
جذبها لتجلس بأحضانه فاستجابت ولفت ذراعيها حول عنقه وهو مرر يده بشعرها وقال "أعلم أنك أم ماهرة صغيرتي" 
وجذب فمها له وقبلها ويده تمر على عنقها ثم انسابت على بلوزتها الخفيفة ورفعها ليلمس جسدها الناعم فتنهدت بين شفتيه ويداها تسقط علي صدره الواضح من قميصه المفتوح فأبعد فمه وهمس 
"لننتهز فرصة نومه إذن صغيرتي" 
ضحكت وهي تنهض وتمسك يده وتجذبه للداخل حيث ضاعا سويا بغرفتهم ولم يوقفهم شيء 
بالثامنة مساء استيقظ على رنين هاتفه ولم يجدها بجواره، اعتدل ودفع شعره للخلف وهو يجذب الهاتف ليرى اسم والدته فأجاب على الفور "أهلا ماما" 
جاء صوتها هادئ وهي تقول "أهلا حبيبي، أين كنت؟ هاتفتك أكثر من مرة وبالبيت ولم تجيب" 
اعتدل جالسا بالفراش وقال "هل هناك شيء؟" 
ضحكت برقة وقالت "لا تقلق حبيبي أنا فقط شعرت بالقلق عليك، أنت لا تقيم ببيتك أم ماذا؟" 
تنفس بعمق محاولا إيجاد رد مقنع وقال "بلى ماما ولكن تلك الأيام أتنقل بالمحافظات من أجل العمل، ماذا هناك؟"
قالت بجدية "أخبرتك من قبل عن حفل عيد ميلادي، هل نسيت؟ إنه غدا" 
أغمض عيونه وهو بالفعل نسى الأمر ولم يستعد له و..، صوت هدى أعاده "عامر؟ هل قطع الخط؟" 
أجاب "لا ماما، لا لم أنسى سأحاول أن أكون موجود"
قالت بنبرة ضيق "ليس محاولة عامر، ستأتي، إخوتك أيضا سيأتون، إنها المناسبة الوحيدة التي تجتمعون فيها معي"
نهض وتحرك بالغرفة وهو يجد أفكار كثيرة تهاجمه قبل أن يقول "نعم ماما أعلم، فقط أنا أفكر بجدولي غدا" 
"غدا الجمعة عامر، اجازة وليس هناك أي عمل، وأنا عرفت أنك لم تلتقي بإخوتك اليوم جاسم وحمزة ليسوا موجودين ولكنهم سيكونون هنا غدا وأنت أيضا هل تسمعني؟"
كانت نبرة الغضب بصوتها وهو يعرفها، هو بالفعل لم يلتقي بإخوته اليوم كلا منهم لديه ما يشغله وهو اختار التواجد مع زوجته
قال "نعم ماما سأفعل"
كان ينهي الاتصال وهي تفتح الباب وتدخل وقد بدلت ملابسها بقميص نوم وروب قصيرين فبدت مثيرة حقا ولكنه لم يكن بمزاج يسمح بشيء وهي لم تنتبه وهي تتحرك له وتقول بابتسامة مشرقة 
"كنت سأوقظك، هل أخذت حمام؟" 
حاول أن يبدو طبيعي وهو يتلقاها بين ذراعيه ويقبلها ثم قال "ليس بعد صغيرتي، أين كنتِ؟" 
لم ترحل ابتسامتها من على وجهها المتورد لسعادتها بوجوده معها هي حتى لم تعد تريد تذكر أمر زواجهم وإعلانه رغم أنه لم يتوقف عن التفكير به وقد أراد الإعلان عنه ولكن لا يعلم ماذا يوقفه
قبلته برقة وقالت "كنت مع مازن ثم أعددت العشاء، هيا، خذ حمامك وسأنتظرك بالأسفل"
كادت تفلت منه ولكنه قال "ربما نتناوله هنا" 
هزت رأسها وقالت ببساطة ورقة "كما تشاء" 
وتركته وذهبت فنفخ وأغمض عيونه وهو يدرك أن تلك الأزمة لابد من حلها، لن يأخذها فجأة لحفل عائلي ويخبرهم هكذا أنها زوجته وأم ابنه، ليس ورفيق موجود، الغضب يتزايد داخله من نفسه، هل يوجد أعذار كي لا يخبرهم بها؟ 
أخذ حمام والأفكار لا تتركه حتى خرج ورآها تضيء الشموع على المائدة الصغيرة وبدا العشاء رائعا ورائحته شهية، تحرك تجاهها وقال "هل فاتني شيء؟" 
اعتدلت وهي تنظر له وبدت فاتنة وقد وضعت بعض الماكياج وغيرت شكل شعرها فتراجع وهي تقول "بالتأكيد فاتك" 
وتحركت للخارج مرة أخرى ولكن لم تتأخر وهي تحضر كيك عيد الميلاد وشمعة واحدة بها فتراجع وهي تضعها وقالت "عيد ميلادك عامر هل نسيت عيد ميلادك؟" 
الدهشة ضربته وهو يراها تضيء الشمعة ثم اعتدلت لتواجهه وهتفت "هيا عامر نحن نحتفل بعيد ميلادك" 
وتحركت لتطفئ النور وعادت له وهي تغني له وهو ما زال بحالة من الذهول، لا أحد يذكر عيد ميلاده، هو نفسه لا يذكره، هتفت به "أطفئ الشمعة عامر، هيا" 
وبالفعل أطفأها وصفقت بيداها ثم أحاطته بذراعيها وطبعت قبلة على شفتيه وسط الظلام وقالت "كل عام وأنت بخير، عامر، كل عام وأنت معي وبيننا ابننا"
أفاق أخير مما أصابه وضمها له بقوة وهو يقول بصدق "كل عام وأنتِ شمس حياتي المشرقة ليل، أنا لم أعرف الحياة إلا يوم عرفتك" 
قبلها بقوة معبرا بقبلته عن كل ما يشعر به تجاهها ونسى معها كل ما كان من أمه وعيد ميلادها والحفل واستمتع مع امرأته بأول وأجمل مناسبة سعيدة له معها وهي جعلتها أسعد ليلة بحياته.. 
عندما فتح صندوق الهدية كانت خاتم من الفضة بفص من اللؤلؤ الأصلي، رفع وجهه لها فلم تنظر له وهي تحدق بالخاتم وقالت "هو من الفضة الخالصة وهذا فص لؤلؤ أصلي، هو ما تبقى لي من بابا، منحه لي قبل وفاته بيومين وأخبرني أن أمنحه للرجل الذي يمكن أن يستحق ويكون له مكانة كبيرة بحياتي وأنا ليس بحياتي رجل سواك عامر وأنت فقط من تستحقه" 
كانت دموع تلمع بعيونها فشعر بوخزة بصدره من أجلها فاقترب وجذبها له وضمها بقوة وهمس "هذا يعني لي الكثير ليل، أكثر مما يمكن أن تتخيلي"
ابتسمت وهي سعيدة بكلماته وابتعدت وهي تأخذ الخاتم وتضعه بيده فقبض على يدها وقبلها ثم جذب وجهها وقبل جبينها وضمها له مرة أخرى
بالطبع لم يرحل بالصباح ولكن اتصالات أخوته كانت كثيرة وكلهم يهنؤونه بعيد ميلاده ككل عام ويتفقون معه على لقاء الليلة وهو اتخذ المكتب مكان ليبتعد عنها واتخذ قراره، لن يخبرها بالحفل ولكن من داخله كان يصارع الأسئلة، ماذا لو عرفت؟ لقد غفرت له يوم أخفى مرض والدته فماذا ستفعل تلك المرة؟ حتى لو أخفى الأمر فالحفل سينتشر بالميديا وبالتأكيد ستعرف به  
بالأمس منحته الكثير مما لم يعرفه سوى معها، نظر لخاتم والدها الذي بيده وهو يدرك أنها أخبرته به أنه كل شيء بالنسبة لها فماذا يفعل هو الآن؟ لماذا لا يخبرها؟ 
دق الباب ورآها تدخل تحمل قدح القهوة بابتسامة مشرقة وقالت "موعد القهوة، ألن تنتهي من العمل إنه الجمعة؟" 
أخذ منها القهوة وقال "ليل أنا لدي موعد الليلة" 
لقد قرر فجأة أن يخبرها ويخبرها أيضا أنه لن يمكنه أخذها معه، حاولت ألا تبدي خيبة أملها بتواجده معها بالأجازة واكتفت بالأمس ولكنها قالت "موعد يوم الجمعة، ظننت أنك اجازة!؟"
التفت ووضع القدح على مكتبه ثم قال دون أن ينظر لها "إنه حفل" 
لم ترد فالتفت ليرى وجهها جامد لم تمنحه ملامحها أي شيء ولكن يكفي أن ابتسامتها ذهبت وعيونها تنتظر باقي الحكاية، ابتعد من أمامها وقال "عيد ميلاد هدى، اليوم" 
دوار ضربها كاد يسقطها أرضا ولكنها تماسكت وهي تغمض عيونها ليرحل عنها ولم يلاحظ هو شيء حتى فتحت عيونها وتأكدت أنها بخير، هم يتبعون وسائل حماية، حبوب منع الحمل، كي لا تحمل مرة أخرى، ما زال مازن صغير وهي تأكدت من ذلك 
عندما لم ترد قال "والدتي هاتفتني بالأمس ودعتني للحفل اليوم، هو حفل عائلي يقام كل عام وهو اليوم الوحيد الذي تتجمع فيه العائلة" 
أدركت الرسالة فلم تهتز وهي تقول أخيرا "فهمت" 
تحرك تجاهها حتى وقف أمامها وهي ترفع رأسها له وقال "ماذا فهمتِ؟" 
لم تتراجع وهي تقول "فهمت أن الأمر عائلي"
التفتت لتذهب ولكنه قال "ليل، أنا لا أريد ذكر أمرنا بوجود رفيق"
التفتت له وواجهت نظراته وقالت بألم لم يشعر به لأنها أجادت إخفاؤه "أنت لا تريد ذكر أمرنا لأي أحد عامر" 
ظل يواجها وهو يحاول إيجاد كلمات وعندما لم يرد تحركت خارجة محاولة إيقاف الدموع وقد أدركت أنها عاشت بالوهم كثيرا ولكن هي من اختارت ووافقت على الأمر فلماذا تعترض؟ 
لم يراها عندما عاد لغرفتهم ليستعد للذهاب، ولكنه وجدها بالحديقة، كانت تساعد مازن على الإمساك بالوردة الصغيرة وهو سعيد بذلك، للحظة أراد النزول وضمهم له والبقاء معهم ولكنه تذكر هدى فتراجع وأدرك أن الاختيار صعب وسمع جملتها "أنت لا تريد ذكر أمرنا لأي أحد عامر" ربما تكون هذه هي الحقيقة التي لا يريد الاعتراف بها، هل هو جبان؟ هل يخشى من مواجهة العالم بأنه تزوج فتاة من أسرة بسيطة وهو كبير عائلة دويدار؟ 
أخذ حمام محاولا وقف الأفكار وارتدى بدلة جديدة وربطة عنق مناسبة ونزل وما زالت بالحديقة مع مازن، تحرك تجاههم والطفل بالعجلة المستديرة التي اشتراها هو له مؤخرا سعيد بها وهو يحركها بساقيه الصغيرة وهي تتبعه عندما ناداها 
"ليل" 
التفتت له وكم بدا رائعا وأنيقا جدا، مازن صرخ بسعادة وحرك ساقيه داخل العجلة المستديرة وأسرع لوالده ولكنها تحركت تجاهه وقالت "لا حبيبي بابا لن يلعب معك الآن" 
حملت الطفل خارج العجلة وهو يتابعها بنظراته وقال "لن أتأخر" 
هزت رأسها ولم ترد، انحنى وطبع قبلة على وجنتها وأخرى على وجنة مازن ثم تحرك ذاهبا وهي تركت الدموع تسقط والألم يخرج للواقع واليوم أدركت أنه قرر جعلها بالسر للنهاية ولن يمنحها ما تمنت، هي تمنت الحب والأسرة والعائلة لكن هو لا يريد سوى رغبة والرغبة بين الحيوانات فقط وليس البشر
كان الحفل أكبر مما تخيل، والدته دعت الكثير وإخوته كانوا موجودين، حمزة كان يقف بجوار فتاة بدت غريبة لكن جميلة ولكنه لم يعرفها، ساهر بدا شاردا ولم يتحدث كعادته، جاسم هو الوحيد الذي كان على طبيعته وهو يقترب منه ويقول 
"تبدو بأفضل حالاتك، أين كنت؟"
تناول بعض البيرة وقال وعيونه على والدته التي وقفت مع بعض المدعوين وقال "لماذا تسأل؟" 
نظر له جاسم وقال "هدى سألت عنك بالأمس واليوم، أنا ذهبت لبيتك ولم أجدك وعرفت من الحارس أنك لا تذهب للبيت مؤخرا أين تقيم؟" 
التفت لجاسم وحدق به لحظة لم ينتظر جاسم رده وهو يكمل "هناك امرأة أليس كذلك؟ منذ عودتك من البحر الأحمر وتبدل حالك، هل ستحكي؟" 
ظل ينظر لأخيه وعقله يضربه بقوة عندما سمع حمزة يقول "أنا لا أفهم لماذا دعت كل هؤلاء؟"
تناول البيرة كي يبتلع الإجابة التي انتقاها لجاسم ثم قال "بدا أنها تخطط لشيء، ألم تخبر أحد منكم؟"
ساهر كان يتحرك تجاههم وهو يجذب كوب بيرة وانضم لهم وقال "آل دويدار؛ من الواضح أن الأم الراعية تعد لخطة لوضعنا بالسجن" 
التفتت له العيون وحمزة يردد "سجن؟"
ضحك ساهر وقال "الزوجية، سجن الزوجية الذي نرفضه جميعا" 
ضغطت يده على الكوب بينما قال جاسم "ما الذي دفعك لقول ذلك؟" 
ضحك ساهر وقال "نور قالت أن ماما جعلتها تدعو كل صديقاتها وضي أيضا"
أبعد وجهه والصمت يلفه وهاتفه يرن أخرجه ليجد سكرتيرته، تمنى لو كانت هي ولكنها لم تفعل وهو يعلم أنها لن تفعل فهو دائما ما يتجاهل اتصالاتها خارج البيت ويوهم نفسه أنه مشغول فلم تعد تهاتفه، عندما أعاد الهاتف دون رد هتف جاسم 
"هذا خاتم جديد عامر من أين لك به؟" 
هذا هو جاسم، رجل الأمن الذي يلتقط الذرة بعيونه، حدق الإخوة بالخاتم وبدت التساؤلات بعيونهم فقال "هدية، نهاية صفقة رابحة" 
ضحك ساهر وقال "برأيي هي هدية امرأة، وامرأة تخبره بقيمته بحياتها، الخاتم ثمين عامر وأظن أنه قديم"
قال جاسم بجدية "معك حق وهذا يعني أنه ذو قيمة عند صاحبته كما قلت وعندما أهدته له فهذا يعني أنه بنفس القيمة الهامة" 
ضاقت عيونه بينما قال حمزة "أتمنى ألا تكون امرأة، الزواج ليس طريقنا"
ساهر تولى الحديث "نعم هو طريق يبعد ملايين الأميال عنا"
جاسم قال بطريقة غريبة وعيونه تراقب عامر "وقد يكون قريبا لدرجة لا يمكننا تخيلها ولكننا لا ندرك ذلك"
تنهد حمزة بلا وعي وقال "هذا أقرب للخيال جاسم ونحن اعتدنا على الواقع، النساء لا تعني سوى المشاكل"
صوت هدى جاء من الخلف "ألم يصحب أحدكم أي فتاة معه للحفل؟"
اتسعت الدائرة لتدخل هي بين أولادها الذين تراجعوا وأكواب البيرة بيدهم وحمزة يقول "منذ متى يفعل أحدنا ذلك سيدتي الجميلة؟"
نظرت لأولادها وقالت "كان هذا وأنتم ما زلتم مراهقين لكن الآن أصغركم بالثانية والثلاثين وكبيركم بالسادسة والثلاثين أليس كذلك عامر؟"
حدق بها وقال بجدية "الأمر لا علاقة له بالعمر ماما هو خاص بأفكارنا" 
ابتسمت وقالت "هذا يعني أن لا أحد منكم أراد زوجة وعائلة وأسرة وأولاد؟"
قالت ذلك وعيونها تواجه عامر الذي جمد وجهه بينما قال حمزة "ربما ماما ولكن هذا عندما نجد من تستحق"
لم ترحل ابتسامتها وقالت "قد تكون أمامك ولكنك لا تراها ولكن احذر أن تفتح عيونك فجأة لتجدها ضاعت بلا عودة" 
تناول ما تبقى بالكوب دون اهتمام بوجود والدته وهو يشعر بأن الكلمات له، هو يعلم أنها أمامه بل بين يديه ويعلم بوجودها وهو بالفعل يخشى أن يفتح عيونه فجأة فلا يجدها وسيكون هو السبب ووقتها لا يعلم كيف يمكنه أن يعود للحياة
"عامر؟ عامر أين ذهبت؟"
كان صوت هدى فانتبه لها وقال "هنا ماما، ماذا هناك؟" 
ابتسمت نفس ابتسامتها وقالت "أخبرك عن تلك الفتاة هناك، ما رأيك بها، هي تعمل بالمجموعة، سكرتيرة بالمكتب المالي، عرفت أنها من أسرة بسيطة ولكنها مجتهدة وتجد طريقها جيدا" 
لف وجهه لوالدته وقال بدهشة "سكرتيرة!؟ هل تريدين مني الارتباط بسكرتيرة لدينا"
قالت "لا، هي بالفعل مرتبطة، آدم عزمي، ابن محمود عزمي صاحب استيراد السيارات خطبها الاسبوع الماضي، يقال أنها قصة حب وهو لم يهتم لكونها سكرتيرة، أنا فقط أسألك رأيك بالأمر؟"
ضحك حمزة وقال "مجنون وسيندم، الزواج قفص من يدخله لا يخرج منه" 
لم يجيب ونظراته لآدم الذي كان يقف بجوار فتاته ويضحك معها ويمنحها كل اهتمامه كأنها أميرته، هو حقا لا يهتم بكونها سكرتيرة
العودة لإطفاء الشمع كانت خلاصه عندما انفض إخوته ولكن قبل أن تتحرك والدته جذبها وقال 
"ماما، كل عام وأنتِ بخير"
أخرج علبة ذهب صغيرة ومنحها لها فابتسمت له وانحنى لتطبع قبلة على وجنته وقالت "كان عليك منحها لي بعد الشموع" 
قال بعد أن اتخذ قراره "لن يمكنني الانتظار لابد أن أعود القاهرة سأعود غدا للقائك، هل تدعيني على الغداء مع ضيف آخر؟" 
اتسعت ابتسامتها وقالت "بالطبع حبيبي هذا بيتك" 
قبل وجنتها وتركها وذهب دون حتى وداع إخوته وطار بالسيارة عائدا لها، آدم عزمي خطب سكرتيرة وأعلنها أمام الجميع وهو لم يستطع أن يعلن زوجته وابنه، هو بالفعل جبان، هي منحته خاتم والدها وهي تخبره أنه أغلى الناس بحياتها فكم أخبرته أنها كانت تحب والدها وهذا يعني حبها له ومع ذلك قذف بحبها له بوجهها باليوم التالي وجعلها تتألم مرة ثانية، بل ثالثة، بكل أنانية وجبن تصرف معها وهي بكل شجاعة وقفت أمامه وتقبلت تصرفه وهو يخل بوعده لها
حاول الاتصال بها طوال الطريق ولكن الهاتف كان مغلق، تسرب القلق له وبدأت التساؤلات تجتاحه ولكنه فكر بأنها مع مازن وربما فقد الهاتف شحنه
عندما وصل البيت كان الظلام يحيطه والهدوء يسكنه، فتح ودخل والظلام لا يرحل، أضاء النور ونادى على أم حسن، كانت الواحدة ليلا فلم تجيب 
انقبض قلبه والصمت لا يعجبه فتحرك بخطى مسرعة على درجات السلم حتى وصل لغرفتهم وفتحها ليجد ظلام قاتم فأضاء النور وهو ينادي "ليل؟" 
ولكنها لم تكن موجودة والفراش لم يمس، بلحظة كان يفتح غرفة مازن وأيضا لم يجده بالفراش، جن جنونه وهو يستوعب ما يحدث، عاد لغرفتهم وفتح الخزانة ليجد ملابسها كما هي فقط القديمة اختفت وبلحظة ضربه الواقع الذي لم يشأ تصديقه، لقد رحلت

الفصل الرابع عشر
رسالة.. أنت غبي
لف حول نفسه بالغرفة وهو يرفع شعره بيده حتى رأى الورقة البيضاء على مائدة الزينة فسقط قلبه بقدمه وجمد مكانه، هي رسالتها، نعم، هي رحلت وهذا حقها، لقد خان العهد معها، هي قالت ذلك، أنت لا تريد ذكر أمرنا أمام أي أحد، كانت على حق هو كان يشعر بأنه أكبر من أن يعلن أنه تزوج خادمة بالفندق، كانت تعلم أنه لن يصدق معها وحتى الوقت الذي طالبها به هو فقده بتصرفه، ماذا انتظر منه وهو يعلنها لها صراحة، هو حفل عائلي وأنا راحل بمفردي هذا ليس له سوى معنى واحد وهي فهمته أنتِ لن تكوني أبدا من عائلة دويدار
أقدامه تحركت بصعوبة حتى وقف أمام الورقة المطوية وظل واقفا بلا حركة حتى وافقت يده على أن تتحرك لتأخذ الورقة ولأول مرة يجد نفسه مهزوز من الداخل كل جزء به يرتجف 
"عامر" 
هكذا بدأت رسالتها
تحرك وجلس على المقعد بلا وعي وأكمل "اليوم أدركت أن كل شيء كان خطأ، لقاءنا كان خطأ، زواجنا خطأ كل شيء بيننا كان خطأ، اليوم صدقت أنني كنت أحلم باليوم الذي أستيقظ به وأنا بين ذراعيك وأنت تخبرني أني زوجتك أمام العالم كله، لقد أدركت أنك لن تفعل ذلك بأي يوم لأنك لا تقتنع بأني كزوجة مناسبة لك، أو أنك رغبت بزواج سري، هذه كانت رسالتك للمرة الثانية عندما لم تأخذني معك بحفل عائلي وجعلتني بكل وضوح خارج العائلة لأني لا أليق بها
هذا صحيح ولا يمكنني أن ألومك عليه ولكني لم أجبرك على الزواج مني ولا على إدخالي بحياتك بالسر، ربما هناك نساء ستقبل بذلك لكن أنا لا، سامحني عامر أنا لا أستطيع أن أعيش مع رجل يندم بكل لحظة على أنه اختار فتاة مثلي وتزوجها مرة من أجل الرغبة وأعادها مرة أخرى وهو مضطر من أجل طفل وليس من أجلي أنا، لن يمكنني الاستمرار بتلك الحياة عامر
ما أن أستقر بمكان حتى أرسل لك العنوان كي يمكنك رؤية مازن، لن يمكنني منعك منه فهو ابنك فقط لي رجاء واحد، الطلاق، لن يمكننا الاستمرار سويا لقد حاولنا وفشلنا، ليس لدينا ما يجعلك تبقي على هذا الزواج ليس حتى مازن لأنك ستراه وقتما تشاء ربما لو كان هناك حب لكان الأمر تغير لكنك لست ممن يجعل الحب سبيله
قد تندم على قرار زواجنا ولكني لست نادمة على اللحظات السعيدة التي عشتها معك ولكن بالتأكيد كلانا سينسى فالزمن كفيل بذلك
ليل"
سقطت دمعة من عينه عندما انتهت الكلمات، ولم يشعر ويده تجعد الورقة بقوة حتى أصبحت كورة وتصاعد الألم داخله وهو يهتف "لا ليل، الزمن لم يستطع أن ينسيني لحظة لي معك ولن يمكنه أن يفعل، أنا أعلم أني كنت جبان وأني أستحق ما يحدث لي ولكن ألم فراقك هو ما لا أستطيع تحمله مرة ثانية، لماذا ليل؟ لماذا؟" 
أغمض عيونه والدموع تتساقط بلا موانع، لم يفكر أن يوقفها بل تركها تنساب وقلبه ينزف معها والألم يعتصره بيد من حديد، هو من فعل بها ذلك، لا يمكنه أن يلومها على قرارها، كان من الأنانية بحيث فكر بنفسه فقط ولم يفكر بها كانت تنتظر الوقت الذي طلبه وعندما أتت الفرصة المناسبة جرحها بقوة أهانها دون أن يدرك ذلك، وهي قالت كلمة واحدة، فهمت، نعم هي فهمت أن لا مكان لها بحياته هذا ما جعلها تدرك بتصرفه الغبي أن لا مكان لها بحياته ولم تبقى لأنها أدركت أنها مهما انتظرت فهو لن يتخذ قراره لأنه ظن أنه مهما فعل فهي ستتحمل ولن تتركه، لعب على ضعفها كأنثى ونسى أن لها كرامة وهو ضرب كرامتها بمقتل مرة واثنين وثلاثة بلا رحمة فلم يعد له رصيد لديها
****
الباص تحرك بالثامنة تماما، الإسكندرية مكان لن يتوقع أن يجدها به، هو لا يرحل لهناك بسبب والده وهو أفضل مكان تجد به عمل، الأموال التي بحسابها لها بالفعل وستنفق منها حتى تجد عمل وبعدها لن تمسها
لم تستسلم للضعف كالمرة السابقة، كانت تعلم أن هذا سيكون مصيرها لذا كانت قوية ولم تنهار بل جمعت ملابسها وملابس ابنها ورحلت بصمت هو كان واضح بتصرفه وهي لا تريد تلك الحياة ربما تناسب سواها لكن هي لا، لن تبقى بالظل لمجرد أنه يشعر بالخزي منها أهون لها أن تعيش بعيدا عنه على أن تشعر كل لحظة معه بمكانها بحياته
الباص كان غير مكتمل لذا الصمت كان يلف الجميع، مازن تذمر ببداية الرحلة ثم نام بعد ذلك بين ذراعيها وتركها وحدها مع الذكريات، الألم والحزن غطوا على السعادة، لم تلومه على شيء، هي من كانت صغيرة وانبهرت به حتى سقطت بحبه ووضعت مصيرها بين يديه حتى غدر بها وعندما خطت لطريقها وحدها عاد لحياتها فجأة ولكن ليؤلمها مرة أخرى، نفس المدة، شهر، بكل مرة يركلها خارج حياته بعد شهر وكأن صلاحيتها تنتهي بهذا التوقيت، ضحكت بسخرية وهي تحدث نفسها 
"أنتِ لا تساوي أكثر من ذلك، الملل يصيبه منكِ بسرعة، نهايتك شهر" 
أغمضت عيونها والدموع تحرقها وصورته لا تفارقها، لماذا وثقت به مرة واثنان؟ لماذا صدقت عندما طلب مهلة؟ لماذا لم تفهم أنه يتهرب منها؟ ها هي سقطت من برجها الصغير ولكنها تحطمت بلا عودة فلتتحمل نتيجة غبائها
الأمس كان من الأيام التي لن تنساها، منحته كل ما استطاعت من الحب والحنان، أرادت أن تخبره بحبها وتعترف به كهدية لعيد ميلاده ولكنها تراجعت بآخر لحظة لأن رجل مثله الحب لا يعني له شيء، من الجيد أنها لم تفعل وإلا لكان قلبها تألم أضعاف ألمه الآن
نزلت عند موقف الباصات وهي تجر حقيبتها وعلى كتف حقيبة مازن والكتف الآخر مازن نائم، تلك الحياة اعتادتها منذ تركت منزل الألفي واختارت طريقها ومن بعدها تركت عامر وتحملت الحمل والعمل ثم تمريض الألفي وأمها لذا الشقاء ليس بأمر جديد بل هو أهون من شعور الإهانة الذي يضربها بتصرفات عامر معها
لم تتحرك كثيرا وهي تجد سيارة أجرة فأوقفتها وطالبته بمكان للمبيت
فندق متوسط بسيدي بشر كان جيد، أنهت الإجراءات وكانت الواحدة بعد منتصف الليل عندما وضعت مازن بالفراش بعد إرهاق السفر، شعرت بتعب يجتاحها هي الأخرى والأهم هو تأخر دورتها والدوار، لا يمكن أن تكون حامل مرة أخرى، الأيام لا تعيد نفسها بذلك الشكل المتطابق لن تفكر بذلك الآن فهي لا تريد الاصطدام بمحنة جديدة فوق ما تعانيه الآن
وقفت بالنافذة والشارع الممتلئ بالمحلات يعج بالناس بهذا الوقت من السنة، المصيف هنا لا يمر دون ازدحام، ليتها رحلت لمكان آخر ولكنها لا تعرف أي شيء هنا
الفراش كان مريح وما أن دخلت حتى نامت من التعب والبكاء وتركت الأفكار حولها.. 
بعد اسبوع وجدت عمل بمطعم كشيف مساعد بمرتب جيد، لم تفضل الفنادق كي لا يعثر عليها، وضعت مازن بحضانة مجاورة وبوقت الراحة كانت تذهب لإطعامه
بنهاية الشهر كان صاحب المطعم سعيد بعملها فقد كانت نشيطة ومجتهدة وكانت قد حصلت على شقة صغيرة غرفة وصالة بمكان قريب من المطعم وبذلك استقرت حياتها ومع هذا لم ترغب بأن تهاتفه ليس بعد، ليست مستعدة للقائه وهو سيمارس ضغوطه عليها ليعيدها
هي تعلم أنه يريد كل شيء، امرأة تشبع رغباته بالحلال كما قال وطفل شرعي سيرثه بيوم ما دون أن يعرف أحد عنهم شيء إلا بعد موته وقتها سيتركها هي لتواجههم وهي لن تفعل هي لا تريد ذلك، لا الرغبة ولا الخفاء ولا كل ما أراده، هي أرادت الحب، الحب بالعلن وأمام كل الناس دون أن تخاف من ذكر اسم زوجها أمام أحد
الحب لا مكان له بحياة عامر وهي تعرف ذلك هو لم يتحدث عنه أبدا ولم يمنحها أي مؤشر يدل على أنها تمثل شيء هام بحياته، كل مرة كان يجعلها تتأكد أنها لا شيء، نكرة لذا لملمت ما تبقى لها من كرامة ورحلت، رحلت لأنها لو بقت لتدمر قلبها وفقد الحياة ووقتها سيدفع طفلها الثمن
****
ظل بالفيلا يومان، واختار الصمت والوحدة، حتى أم حسن أخبرها ألا تأتي لسفرهم، سجن نفسه بين جدران الفيلا التي شهدت أيامهم سويا، سعادتهم، ضحكاتهم، مقعد مازن بالمطبخ كان يؤلمه، كثيرا ما ظل واقفا أمامه يرى ابنه يضحك به ويلوح له بذراعيه ليحمله
العجلة المستديرة بالحديقة كانت تجعله يراه وهو يحاول التعلم لدفعها وهي تساعده، هي، هي من كان يراها بكل مكان، وجهها لا يفارقه، ضحكتها التي طالبها بها كانت تهتز بأذنه، عيونها التي تمنحه أجمل النظرات كانت تقف على كل ركن بالبيت، كثيرا ما فتح دولابها ووقف أمام ملابسها وكأنه يراها بكل فستان أمامه
لم يصل لأي شيء أرسل رجال للبحر الأحمر وشرم بلا فائدة من البحث عنها، كان يذكر كلماتها بأنها ستراسله من أجل مازن ولكنه لم يصدق، طلبها للطلاق كان يعني رغبتها بالانفصال وإنهاء كل شيء 
الاسبوع مر بصعوبة ولم يعد لبيته بل ظل يعود لبيتهم، يبحث عن عطرها وينام على فراشهم، كان يعيش فقط مع ذكراهم، الآن فقط يدرك الوحدة التي كانت تعيش بها وقت كان يتركها وحدها ويغيب عنها بالأيام، أدرك كم أهملها ببداية زواجهم وأعاد الكرة مرة أخرى عندما أعادها، كان يتعمد ذلك كي يثبت لنفسه أنها لا تسيطر عليه وأنه أقوى من أن تتحكم به امرأة ولكنها لم تكن تفعل بل كانت أبسط من ذلك بكثير هي فقط طالبت بحقها كزوجة تستحق اهتمام زوجها بها لا إهماله 
هو الآن يشعر بالألم يزداد كلما طال فراقهم، تلك المرة مختلفة هو لا يريد أن ينساها، هو يريدها ليس فقط مجرد رغبة بل جزء منه، نصفه الآخر، لقد أصبحت كل ما يفكر به، يفتح عيونه على ذكراها وينام ليحلم بها ولكن كونها اختارت البعد والرحيل فهذا يعني أنها لم تكن تريده هي فقط أرادت.. 
ماذا؟ ماذا أرادت؟ هي حتى لم تأخذ ما اشتراه لها ولابنهم هي لم تأخذ منه أي شيء، إذن لماذا؟ ما الذي جعلك ترحلين ليل؟ لماذا تركتيني وحدي؟ أسئلة لا إجابات لها، بل لها إجابات ولكن هو من لا يريد الاعتراف بالحقيقة، هي أرادت مكانها بحياته كزوجة وأم ابنه، أرادت العلانية لا السر، أرادت أن تكون معه بكل مكان ولكنه أحضرها هنا وتركها مثلها مثل أي قطعة أثاث ولم يهتم بها وهي اعترضت ولم تستطع قبول ذلك ورحلت وتركته وحده مع سره الذي رفض أن يعلنه وهو هنا ولا يستطيع التأقلم مع حياته بدونها
العمل لم ينجح معه بأي شكل، بنهاية الشهر هدى هاتفته وطلبت رؤيته من أجل بعض الأمور الهامة لم تذكرها بالهاتف فلم يمكنه الرفض بالطبع ليس مع هدى 
السفر للإسكندرية لم يكن مفضل له حاليا ولكن من أجل هدى لا شيء يوقفه، وصل القصر بعد موعد الغداء وما أن دخل حتى رآها تنزل لمقابلته بابتسامتها الجميلة وهي تقول 
"كيف حالك حبيبي؟" 
قبلها بحنان وقال "بخير وأنتِ؟" 
تحركا للصالون وقالت "بخير لم تأتي منذ عيد ميلادي عامر ولم تذكر سبب عدم مجيئك باليوم التالي كما أخبرتني" 
فتح جاكته وجلس أمامها وهو يذكر فعلا أنه فقط اعتذر عن الحضور دون ذكر السبب وهدى لم تسأله وقتها، واختار أن يتحدث "نعم لم أفعل لأنها رحلت" 
ضاقت عيون والدته الجميلة وكررت "رحلت؟ هي من؟ ولماذا رحلت؟" 
تراجع بالمقعد وتنفس قبل أن يقول بثبات ودون تراجع "زوجتي، أنا لي زوجة وابن ماما"
تراجعت المرأة والصدمة تملأ عيونها وهي تردد "لك زوجة وابن دون أن نعرف!؟ كيف فعلت ذلك عامر؟ ولماذا؟" 
أغمض عيونه وفركهم بأصابعه قبل أن يعود لها ويقول "كنت غبي" 
ظلت تنظر له قبل أن تسأله "غبي لأنك تزوجتها؟" 
أجاب بحزن "لا، غبي لأني أخفيت الأمر فضاعت مني" 
تراجعت بمقعدها وقالت بجدية "متى ستخبرني القصة بدلا من سب نفسك؟"
نظر لها بهدوء لا يعبر عن مشاعره المختلطة داخله وغير الواضحة، لقد كان غاضبا من رحيلها وانتهى إلى أنها لم تريده كما كان يريدها لذا رحلت ولكنه تراجع عن هذه الأفكار الظالمة لها لذا بحث عنها كثيرا حتى يأس
قال "كانت عاملة غرف قابلتها منذ عام ونصف تقريبا، أعجبتني ولم أفكر سوى بالزواج وعدت بها هنا ولم أجد..، لا أعرف ولكني لم أستطع إخبار أحد بزواجنا، بعد شهر وجدت أن زواجنا خطأ وأني لأول مرة بحياتي أفقد السيطرة فمنحتها شيك وأخبرتها أن تعيش بالفيلا وحدها ولكنها رحلت، تركت الشيك والفيلا ورحلت، منذ شهرين أو أكثر أرسلني رفيق للبحر الأحمر لعمل وهناك قابلتها مرة أخرى وعرفت أن لي ابن وبالطبع أعدتهم معي، طالبتني بإعلان زواجنا ولكني لم أفعل، يوم عيد ميلادك أخبرتها أن الحفل عائلي وأتيت وحدي وعندما عدت كانت قد رحلت"
توقف بعد أن حكى باختصار عندها قالت هدى "وأنت لم تبحث عنها وعن ابنك؟"
نهض وتحرك بلا هدى وهو يقول "بل فعلت، بحثت عنها كثيرا دون فائدة رسالتها كانت تعني أنها النهاية، بدا أنها لم تعد تريد الحياة معي هي قالت أن ربما لو كان هناك حب لاستمر زواجنا ولكنها تعرف أن لا حب بالموضوع بالنسبة لي ومن الواضح أنها هي الأخرى لا تفعل" 
ردت هدى بهدوء غريب "أنت حقا غبي حبيبي"
التفت لها والغضب يتسرب له وابتسامتها تنير وجهها فقالت "غبي لأنك لم تفهم، أنت لم تفهم أنها تحبك، نعم عامر تحبك لأن المرأة التي تحب تريد أن تُحب لا أن تكون لوحة مدفونة بقبو بارد فقط للمتعة"
ظل جامدا وهو لا يفهم كلماتها بل ردد دون وعي "لا! أي حب ماما؟ هي قالت أنه لم يكن بيننا أي شيء من ذلك الحديث ماما، ما بيننا كان.. كان.."
وتوقف لسانه ولم يجد كلمات تصف ما كان بينهم، هو حقا لم يسأل نفسه بأي يوم ما الذي بينهم وهي لم تتحدث معه عنه فقط الرغبة هي كل ما كان يطلقه على ما بداخله لكن ما بينهم لم يبحث عن مسمى له بل لم يسأل بالأساس عنه
نهضت هدى وتحركت لتقف أمامه وعيونه زائغة وقالت "منذ أكثر من سبعة وثلاثين عاما قابلت والدك، كنت مجرد سكرتيرة بقسم الحسابات بشركته ومن أسرة بسيطة بالبلد وكانت المرة الأولى له عندما دخل القسم لأمر هام ورآني، والدك وأنا سقطنا في الذي لا تعرفه أنت بني، جمعنا ما جمعك بفتاة الغرف الفارق بيننا وبينكم أنه لم يخجل من كوني سكرتيرة من أسرة بسيطة رغم مكانته المعروفة ولكنك خجلت من ذلك وأبيت أن تواجه العالم باختيار قلبك"
ظل ينظر للفراغ وكلمة قلب تتردد عبر تجاويف عقله ويرددها قلبه، نعم، بالفعل هي كانت اختيار قلبه لكن عقله هو من رفض الاعتراف بالأمر
ربتت هدى على كتفه بحنان وقالت "لو كانت لا تحبك ما تزوجتك بتلك الطريقة ولا عادت لك مرة أخرى، لو لم تكن تحبك ما رحلت مرة أخرى وظلت تستمتع بأموالك ومكانتك التي اخترتها أنت وفضلتها عليها"
لم يزل ينظر للفراغ وهو يسمع كلمات أمه، الحب، الحب كلمة لم تمر بذهنه أبدا هو لا يعرف إلا أنه هو ما يربط هدى برفيق لكنه لم يفهم معناه
الآن هناك معاني كثيرة تتضح أمامه، نظراتها له، لمساتها، ضحكاتها، خاتمها الذي ما زال بيده، حتى دموعها وانكسار روحها الذي ظهر بعيونها بآخر لقاء لهم كل شيء كان مختلف وكان يعني الكثير مما لم يفهمه وقتها لأنه لم يكن يعرفه، لم يكن يعرف الحب
عاد للواقع وهدى تقول "وأنت ألا تحبها عامر؟ أليس هو السبب الذي جعلك تتزوجها من أول لقاء وحتى بعد الفراق ظللت تفكر بها وعندما وجدتها تمسكت بها ولكنك كنت تخشى مواجهة العالم بها الغريب أنك توقفت عن البحث عنها وعن طفلكم" 
سقطت عيونه عليها وقال "لأنها أرادت ذلك ماما، هي من أرادت أن نبتعد وطلبت الطلاق"
رفعت يدها لوجنته وملأت راحتها وجهه وقالت بحنان "وأنت تتخلى عنها بسهولة؟ حسنا حبيبي ربما أنا مخطئة، يبدو أنك لا تحبها ومن الأفضل فراقكم فلتهدأ إذن وتنساهم أما لو أعدت التفكير ووجدت أن فراقها مؤلم والحياة لا معنى لها بغيابها فهذا يعني أن تسأل نفسك هل حقا تحبها أم لا؟ تريدها أن تكمل معك أم لا وبعدها تقرر ما إذا كنت ستبحث عنها أم لا؟ وتأكد أننا جميعا لن نعارض اختيارك"
ابتعد فسقطت يدها بجوارها وقال "تعلمين أن الحب لا مكان له بحياتي ماما، ولا هي فهي لم تحبني ولا أنا نحن فقط كنا متناسبين ولدينا نفس الرغبة وعندما انتهت الرغبة انتهت علاقتنا"
ظلت تنظر لظهره المواجه لها وقالت بحزن "هذا يعني أنك ستترك زوجتك؟ ستمنحها الطلاق كما أرادت؟ ستترك ابنك؟ ستتركه ينشأ بعيدا عنك بلا عائلة وأب يحميه؟ جيد لتفعل وربما بعد طلاقكم تجد زوج آخر وأب جديد لابنك" 
حدق بها ولمعت عيونه بشرارة تدل على الغضب الذي ارتفع داخله، لم يرد وهو يشعر بنزاع غريب داخل صدره، زوجته، المرأة الوحيدة التي أرادها ولم يفكر بسواها وما زال يريدها تكون لرجل آخر؟ لا، لن يلمسها سواه، سيقتل من يجرؤ حتى على التفكير بها 
وابنه، ابنه الذي كان يحمله بين ذراعيه ويبدل له حفاضته وملابسه، كان يطعمه ويبتسم له عندما يشبع، ابنه الذي كان يبلل له ملابسه وهو يحممه يخضع لرجل آخر ويناديه بابا بدلا منه؟ 
لم يدري كيف ترك القصر ولا متى ركب سيارته وهو يرى ملامحهم أمامه، هي وابنهم وعائلتهم، حب، ما كان يجمعهم هو الحب
البحر كان طريقه، رائحته كانت تعيد ذكرياته معها، وهو يدرك الآن أن عليه البحث عن زوجته مرة أخرى ولن يستسلم حتى يعيدها لحياته، هو لن يمكنه أن يكمل بدونها، لقد تجاوز الخوف من ذكر الحقيقة أمام أمه، هي أخبرته أنها تؤازره وحتى لو لم تفعل هو لم يعد يهتم هو يريد أن يعيد زوجته وابنه ويعود لحياته معهم، حياته التي أحبها وشعر بالسعادة فيها ولن يهتم بالعالم كله من حوله فقط يعيدها وسيعلنها للعالم كله
طريق الكورنيش كان طويل وهو ظل يخترق السيارات بلا هدى وما زال شاردا بأفكاره ولم يحدد إلى أين سيذهب، ما زال ذهنه مشتت وهو يفكر بالمكان الذي يمكن أن تكون قد رحلت له حتى توقف بإحدى الإشارات وما زال شاردا بكلمات والدته والحب و.. 
انتبه فجأة عندما رآها، نعم هي، ليل، الجينز الأزرق والبلوزة البيضاء والشعر الفوضوي، هو يعرفها جيدا، كانت قد عبرت الطريق للرصيف المزدحم بالمصطافين فلم يستطيع رؤيتها بوضوح، أراد فتح الباب وترك السيارة ليصل لها لولا السيارة التي كانت بجواره لم تترك له مسافة لفتح الباب وتحولت الإشارة للأخضر وتعالت أبواق السيارات خلفه كي يتحرك فعاد يتحرك وهو يجن لأنها اختفت، هي، بالتأكيد هي، لا يمكن أن يخطئ المرأة التي تزوجها وعاش معها، لن يخطئ بأم ابنه أبدا
بأول شارع جانبي دخل وبحث عن مكان ليوقف سيارته ثم نزل وترك السيارة واندفع بأسرع ما أمكنه وسط زحام المارة عائدا لنفس الشارع الذي اختفت به ولكنه لم يجد شيء
كان يبحث بكل الوجوه التي تقابله، بالمحلات على الأرصفة وحتى بين السيارات وتوقف عقله عن التفكير، فقط يريدها، نعم هو يريدها، رؤيتها أثارت كل ما كان ينبض داخل صدره، هو غبي حقا كما قالت أمه، غبي لأنه ظن أن بإمكانه أن يعيش وحده دون وجودها بحياته، غبي لأنه لم يدرك حبها له، غبي لأنه أضاع كل شيء
تعب من البحث هنا وهناك والحر والزحام جعله يختنق وتسرب الأمل منه بإيجادها واليأس ارتفع لقلبه فتوقف ودار حول نفسه وسط زحام المارة وهو بالكاد يعرف أين هو؟ هل كان يحلم بها؟ هل كانت خيال وليست حقيقة؟
بدا مرهق ومتعب ومبعثر الشعر والملابس ولم يدري أنه لم يكن عامر دويدار، الابن الأكبر لرفيق دويدار، رئيس مجلس إدارة مجموعة الاستثمارات المتحدة والذي كان يظن أن فتاة الغرف لا تناسبه الآن هو لا يريد سواها فقط تعود له ولن يتردد بأن يعلنها للناس جميعا بل ويعلن عما بداخله تجاها وقد كان من الغباء بحيث لم يكن يدري بوجوده 
"عامر!؟"


تعليقات