رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل التاسع عشر19 والعشرون20 بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه الجزء الثاني2 الفصل التاسع عشر19 والعشرون20 بقلم ريناد يوسف

نظرت خولة للخنجر و ردت علي عوالي وهي تزدرد لعابها بخوف:
- ياعمتي هدي حالك والله ماكنت اادري أن اللي تريد تتزوج يذبحونها؟!
- لامو اللي تريد تتزوج، اللي تسوي سوايتك يذبحونها.
- ياعمه والله انا ماكنت ناويه شر وكنت مفكره انه شي عادي.
مايزه:
- ايش هو الشي العادي ياقليلة الحيا، والله مامر علي بحياتي كلها بنية سوت اللي سويتيه.
-ياناس ايش اللي سويته كلها حفنة بول ماعز وصالحة عايشه ماماتت ولا جرا عليها شي.
- بول.. بول ايش يامخبولة؟
- بول ماعز ياعمتي، بس اريد اعرف انت متى دريتي، هو انا هربت من الخيمة وجيت طوالي، وربي إذا الكلمة تطير انا بكون وصلت قبلها! انت مخاوية جن ياعمتي وتسمعين اللي ينقال بالخيام؟
- جن يجننك ويجنن امك.. مايزه اتركيها وروحي جيبي صالحة اريد اعرف بيش تخربط وتهذي هي المخبوله. 
أسرعت مايزه نحو خيمة صالحه واحضرتها لخيمة الشيخة عوالي على الفور، وحين دلفت صالحه ورأت خوله هجمت عليها تريد ضربها، فأوقفتها عوالي بغضب
- كُفي يدك بحضرتي ياصالحة واتركي عقابها لي، انت بس احكيلي ايش اللي صار وماعليك بيها. 

فاخذت صالحة تقص على الشيخة عوالي ماحدث، وما إن وصلت عند جزئية بول الماعز إنفجرت عوالي في الضحك وحتى مايزه لم تسيطر على فمها وضحكت، وخاصة حين أمسكت صالحه بطنها بألم وكأنها تتوجع،ونظرت عوالي لخوله وقالت:

- تعرفي إنك السبب بأول ضحكة تطلع مني من بعد موت خوي منصور ولزوم تتعاقبين لانك قطعتي حدادي؟ 
 
- ياشيخة اعرف إن اللي يضحك حد ياخد حلون مو يتجازى ويتعاقب! 
- لا انا غير.. انا اللي يضحكني بحدادي على خوي اعاقبه واكويه بالنار. 
- لا بالله عليك ياشيخة احب علي رجولك انا مااتحمل كي بالنار، احرقيني كلي ولا تكوي مني جزء. 

انهت كلماتها وخرت تحت اقدام عوالي وأمسكتهم وقبلت ركبتيها وهي تنظر لها، وحين اطمانت لإبتسامتها قالت:
- اقول ياشيختي.. اكويني كي صغير بس زوجيني، والله مليت من صالحه وافعالها وخدمتها هي وولادها، وغير هيك اريد اجيب ولاد العب بهم واضربهم واتفشش فيهم إذا حد زعلني. 
- يبعتلك وبا ياخوله ينهي عمرك قولي أمين. 
- اعرس واللي يجي يجي.. بس امانه عليك ياعمه شوفيلي عريس زين، انا ماراح اعطيك اسامي من شباب القبيلة إنت وذوقك واختيارك، واذا اللي اختارتيه لي شاف روحه ورفض قوليله خوله عندها ٥ غنمات ملك وعنزتين، ومستعده اعطيهم له كلهم، وانت وشطارتك ياعمة إذا خليتيه يفوت لي منهم شي خديه انت لكي حلال عليك. 
ضحكت عوالي أكثر على صفقة خوله وأشارت لها بيدها كي تغادر الخيمة، وبالفعل غادرت، 
وصرفت صالحه أيضاً بعد وعد منها بعدم التعرض لخوله وأن تسامحها، وطمأنتها أن لا قلق من بول الماعز عليها مادامت خوله تسقيه لها منذ فترة ولم يحدث لها شيء. 

وبعد أن غادرتا الخيمة نظرت عوالي لمايزه وأردفت بجدية:
- مايزة بعيد عن  الضحك وهبال خوله بس انا عرفت الحين إني مقصرة وااجد بأمور مشيختي وفيه اشيا مامنتبهتلها.. البنيات الماحد يقرب صوبهم وينهي عليهم بدهم مساعدة منا، وبنفس الوقت الشباب اللي مايعرسون لجل مامعم قروش لزوم نحصرهم ونوفقوا بالحلال وما نتركوا بنيه بالقبيلة بدون زواج ويصير حالها متل حال خوله ومانلاقوها إلا هاجمة عالخيام تقول اريد اتزوج،
 وإذا خف عقلها تهجم على خيام الوليدات، وانا بديت اخاف ومتل ماتشوفين الفوانص كترن بقبيلتنا ولزوم نسيطروا عليهم. 

- معك حق ياشيخة، انا غدوة بجمع كل حرمه حداها وليد شاب وسنه كبر ونخلوها تخيره بين بنيات القبيلة اللي كبرن ونوفقوا بينهم،واليريد مساعدة على الله وعلى الشيخ قصير وهو مايتأخر.
- وعلي انا من بعده والله يقدرني. 

أما في وقت سابق.. 
عاد سالم من الحضر واحضر معه لمزيونه كل مالذ وطاب والكثير من فاكهة السفرجل حسبما اشتهت، ودخل عليها الخيمة وكانت جالسة تغزل الصوف، فإقترب منها وهمس:
- حيالله المزيون اللي يغزل بيديه الحلوات. 
- ياهلا وكل الهلا بنبض القلب وضو لعيون، توا الخيمة زاد نورها ورقصت  من فرحة رجوع راعيها. 

- تعي تعي شوفي ايش جبت لك. 
إقتربت منه مزيونه وجلست بجانبه وقبل أن ترى شيئ امسكت كفة يده وقبلت باطنها بعد أن همست له:
- تسلم اليد اللي شالت وجابت. 
تبسم سالم ورد لها القبلة علي جبينها، فأمسكت هي واحدة من السفرجل وقضمتها على الفور وهي تقول:
-الف حمد لك ياربي كنت خايفة ماتلاقي سفرجل والوليد مايجي حلو، والحين بس ارتاح قلبي. 
- عن أي ولد تتكلمين انت؟ 
- ولدنا ياسويلم، ولدك.. بذرتك اللي انزرعت بحشاي وتكبر كل يوم. 
- نظر لها ثم سألها وهو غير مصدق:
-بربك تحكي الصدق يامزيونه؟ 
- وربي ماقولت إلا الصدق، انا حبله بولدك ياسالم. 
أمسك يدها وجذبها برفق لأحضانه وضمها لقلبه، لم ينطق بلسانه ولكن فرحته كانت تغني عن الكلمات، فمنذ زواجهم ولليوم لم يجلس معها إلا وسرت خاطره وأسعدت قلبه، وهاهي الأن تحقق له اعظم أمانيه، وتعطيه الإبن الذي كان يحلم به. 

إبتعدت عنه ونظرت لعينيه وهي مبتسمة،فرد لها الإبتسامة وتاه في بريق عينيها الذي يعكس فرحتها، ثم اخذها بين ذراعيه وبدأ يكافئها على هذا الخبر العظيم بطريقته الخاصة. 

أما عند رجوه في الخيمة.. 
- بربك يامسك سمعتي رابح يقول عقاب جاي؟ 
- اي والله سمعته يحكي معاه بالنقال ويقوله غدوه لزوم تيجي قبل سفر عمي قياتي، رابح رايد يشتغل بالسيارات ويريد عقاب يفتهم من عمي قياتي وبعدها يفهمة ويساعده يسوي شركته. 

دارت رجوه حول نفسها بفرحة، فها هو عُقابها يعود لها مرة اخري، وستضع الآن كل النقاط على الحروف.. 

وبالفعل حضر آدم في اليوم التالي، وكانت رجوة في إستقباله على مشارف القبيلة، والغريب أنه لم يعيرها اي إهتمام، وكأنها هواء! 
وما أوجع قلبها حقاً هي الحلويات التي أحضرها معه من الحضر وأعطاها كلها لبنات قياتي ولم يكلف خاطره أن يعطيها منهم! 
وهو يعلم أنها تحب الحلويات وتشتهيهم، فمنذ وقت طويل لم تتذوق شيء، منذ أن توقف سالم عن إحضارهم لها. 

أما آدم فكانت حركة مُتعمدة منه كي يُشعرها بأنه ليس فانوس سحري آخر كلما فركته أتى لها بما تحب ووقتما تحب. 

فعادت للخيمة مكسورة الخاطر، وأجهشت بالبكاء وهي تشعر بإنها واقفة على اعتاب حياة آدم، لا تعلم إن كانت ستدخلها أم ستظل دائما هكذا على الاعتاب تطرق الأبواب ولا مُجيب يفتح؟! 

مرت ساعات النهار وخيم الليل، وتأخر الوقت كثيراً، واخيراً قررت رجوه مغادرة الخيمة والبحث عنه؛ هو غالباً يظل مستيقظاً بهذا الوقت وكانت تعرفه من ضوء غرفته المُضاء، ونظراً لأن غرفته مُحتلة الآن بحثت عنه في كل الأماكن الأخرى حتى وجدته جالس عند البئر يتحدث بالجوال، تقدمت منه بغضب وبأقدام تضرب الأرض ثم هدرت به دون سابق إنذار:
- ياعقاب اريدلي بر ارسى عليه الحين.. أنت تريدني ولا ماتريدني، ناوي تاخذني لك ولا بس معشمني عشم كذاب؟ اريد جواب والحين. 

-إيش هالطريقة وهالأسلوب يارجوه! من متي وانت أو غيرك تحكي معي هيك؟ 
-بالله عليك اتركك الحين من الطريقة والأسلوب وجاوبني.. قديش راح اضل متعلقة بالهوا معك ماطايله سما ولا أرض؟ 
 صمت آدم ولم يجبها ونكس رأسه أرضاً، فتجمع الدمع في مقلتيها وارتجفت شفتيها وهي تهمس له:
- من السكوت عرفت الجواب..طلعت كذاب ياعقاب. 
قالتها وإبتعدت بخطواتها للخلف ثم استدارت وأسرعت ناحية الخيول وقامت بفك وثاق احدهم وركبته وانطلقت به بأقصى سرعة. 
كل هذا تحت ناظري آدم الذي ضرب حافة البئر بقبضته وهو يراها تنطلق في الصحراء غير آبهة لا بوقت ولا ظلام، فنهض وتوجه لمكان الأحصنة واخذ حصان آخر وإنطلق خلفها.. 

-وقفي يالمهبوله وقفي لوين ودك توصلي.
- اتركني بحالي ليش لاحقني، عاااود عاود.
إقترب منها أكثر فترك لجام فرسه وحرر اقدامه من السرج واستعد للقفز، وبحركة سريعة قفز على حصانها ليكبلها بجسده فوق الحصان، ويلتقط منها اللجام ويتحكم بها وبالحصان معاً ويوقفه.. من ثم همس لها وهو يصك على اسنانه:
-ويش قولك لو اربطك واتركك فريسه للضباع الليله والصبح تجي الغربان تتريق باللي ضل منك وبعدهم اجي انا اخد عضامك وادفنهم وارتاح منك ومن هبالك.

اردفت بصوتها الذابل من قربه وهي تحاول تهدئة قلبها الذي يستغيث الآن من هذه الرائحة التي تشبعت بها انفاسها، والتي تعشقها حد الجنون:
-اربطني واتركني لو هالشي يريح بالك.. انا اي شي منك راضيه بيه وأي شي تسويه بي اني خدامتك وماراح تشوف مني غير الطاعه.
تنهد بقلة حيلة وقفز سريعاً من فوق الحصان ناهياً لهذا القرب المهلك، فهي جميلة حد اللعڼة وتعشقه وتبدوا بين ذراعيه كقطعة من الحلوى، وبمفردهم تحت جناح الليل، وهو شاب ېحترق حرماناً، ولو أنه بقي قريباً اكثر لضعف متناسياً صديقه وحبيبته ومتناسياً العالم، فهو بالنهاية رجل، ولا يوجد رجل يستطيع مقاومة كل هذه المغريات، ففاتنة البادية بين يديه ترجو وصاله، ولولا أنه قوي لنضبت قوة تحمله ورضخت مبادئه لسطوة شيطانه الآن.

سار هو يمسك بلجام حصانها بيد ولجام حصانه باليد الأخرى حتى وصل اطراف البادية، متجاهلاً رجائها له طوال الطريق بان يهبها فرصة واحدة فقط وتعده بأنه لن يندم إن فعلها، وتحاول التأثير فيه بكل ماتعرف من عبارات تفتت قوة الرجل لو كان صلباً كالحجر، ولكن كعادته لم يتأثر ولم يرف له جفناً الى أن توقف بالأحصنة، 
فأنزلها وتركها واقفة تتأمله والحسړة تأكلها،
وأخذ الأحصنة يعيد تقييدهم، وانتظرت هي عودته لتحاول معه مجدداً بلا كلل، ولكنه تركها مبتعداً، ودلف سريعاً لخيمة الشباب هارباً منها، وهو لا يعلم سبيل للتخلص من شعوره بالندم على ما سوله له عقله لجزء من الثانيه، فهي في نظره خېانة لا تغتفر، والخېانة ليست من طباعه ولم يكن يوماً لها اهلاً.

تفحص صياح من وسط النيام فوجده يغط في نوم عميق، فرفع جزء من الخيمة وخرج من الخلف حتي لا تراه إن كانت لازالت واقفة، وأخرج هاتفه بعد أن تمدد فوق الرمال وقام بالضغط على رقمها، وفور أن أجابته بصوتها الناعم الناعس همس منتشياً:
- يااااابااااه دخيل هالصوت وصاحبته، أحبنك وربي وأروحلك فدوه وإشتقتلك ووااااااجد.

- واحنا ايش حكينا قبل؟ 
- اعذريني بس وقت يزورني الشوق مااملك من أمر قلبي شي ولا اقدر اتحكم بروحي. 
- آدم جلسة ماما إتحددت في المحكمة الاسبوع الجاي. 
وهنا عاد آدم من عالم أحلامه وإنتبه للوضع الحالي وتذكر كل شيء، تذكر مدحت الذي مات غدراً ولولا ستر الله لكان هو مكانه الآن تحت التراب منسياً، وعاد لرشده وهتف لنفسه بأن أولاده يستحقون أن يتخير لهم الدماء التي ستجري بعروقهم، ولو كان الأمر يخصه وحده ماتردد لجزء من الثانية. 
أنهى معها المكالمة وعاد للتفكير..
 هو الآن تائه لا يعرف ماذا تُخبء له الأيام، وقلبه المتمرد يطالبه في حقه بالعشق، وإن لم تكن حياة فلتكن غيرها، يفكر جدياً ان يفعل مثل سالم ويأتي بحبيب يفل الحبيب وخاصة أنه يرى ان سالم بدأ يجني ثمار تخليه راحة بال، وحياة مستقرة، والمحبة آتية لا ريب. 

مر باقي الليل على رجوه وآدم وكلاهما مستيقظ يراجع حسابات قلبه، ولم يقتصر السهر عليهما فقط، بل بنات قياتي الثلاثة لم يزور عينيهم نوم، فغداً يوم مصيري بالنسبة لهم ولا يعلمون ماتخبئ لهم القبيلة من مفاجآت هي واعرافها، وكانت نوف الأكثر خوفاً بينهم. 
واخيراً أتى ضود النهار الذي تأخر كثيراً اليوم على غير عادته! 
بعد إعداد طعام الإفطار وفطر جميع من في القبيلة، تحدثت عوالي مع قصير في حضرة قياتي عما تنوي فعله، فأيدها وبارك مسعاها، وقياتي أيضاً تبرع بمبلغ من المال لشباب القبيلة وفتياتها حتى يسهل عليهم عبئ الزواج، وآدم شارك ورابح وسالم، وكعادة القبيلة تضافرت الأيدي وتسابقت لفعل الخير 
وجمعت مايزه النساء لخيمة الشيخة عوالي وبدأ مجلس الزواج الأول، والذي إنتهي بالتوفيق بين اكثر من ثُلثي عوانس القبيلة شباب وفتيات، وحُلت الأزمه التي كانت عوالي غافلة عنها، وحتى خوله كان لها في الإختيار نصيب، فقد بذلت الشيخة عوالي قُصار جهدها حتى تُقنع أم شاب يسمى سعود، فقير مُعدم وكل عمله الذي يعرفه في الحياة هو رعي الأغنام بأجر.. فرأت عوالي أنه الأنسب لخوله، ولكنها إشترطت على أمه ان تبتعد عن خولة نهائياً إن كانت تريد العيش بسلام، وفي المقابل هي ستتكفل بكل ماتحتاجه من ملبس وعلاج ورعاية.

الفصل العشرون 

إنتشر الخبر فى القبيلة سريعاً ووصل لمسامع خوله، فقامت ترقص وتغني قبل ان تعرف هوية العريس، ولما سمعت الإسم توقفت عن الرقص ويديها معلقتين في الهواء وهمست بعدم تصديق:
- سعود الشحاذ؟! سعود الأسود فحام الطناجر! سعود اللي مايستحم وريحته قالبه كل القبيلة والناس تحيد من غير طريق إذا جالس بمكان؟ 
حييييه عليا وعلى حظي الأغبر.. اي انا اعرف إن عقاب مستحيل، بس يعني ماأنزل بأحلامي من عقاب يحوم بالسما لفار يتخبى بشوق الأرض! 
صالحه:
- صكري فمك انت ماشفتي ايش سوت الشيخة حتى تقنعه هو وامه بيك، وإذا علي غنماتك حطت فوقهم ٤ حتي رضيوا بيك. 
- إيش تقولين؟ انااا خوله زينة بنات القبيلة مايرضى بي سعود الخايس؟ والله عقلي يقول اروح ادجه بحجر افتح راسه واسحبه للبير واسبحه قدام كل اهل القبيلة الأجرب واخليه يشوف الوصخ الينزل منه حتي يعرف قيمته ومقامه. 
- شوفي بلا كتر وجيج راس، هو سعود الموجود رضيتي به ولا امشي للشيخة اقولها خوله ماوافقت شوفيله عروس غيرها. 

ترددت لحظات قبل أن ترد:
- بس طولي بالك شوي انا ايش قولت يعني، خلص سعود سعود.. بس والله عقاب اللي كان بنفسي. 

- قطع انفاسك.. والله ماادري انت ايش شايفه بروحك وتنظرين للعالي؟ 

- ولا عالي ولا واطي.. إنقطع حبل الأحلام وطاحت كلها عالأرض ومابقالي إلا سعود الأجرب. 

انهت جملتها وعادت للرقص مرة أخري بنفس الحماس، ثم توقفت على صوت ينادي خارج الخيمة:
- ياخولة، ياعروس ولدي افتحي ابواب الخيمة جاتك ام سعود طوافه. 
- إرتبكت خوله وأمسكت أمها من تلابيبها وهمست وهي تقفز امامها مثل قردة صغيره:
- ام الأجرب جات، أاقصد أم رجلي جات، ايش اسوي، وين اروح، ايش البس، إيش اقول، قولي قوام انا ماعارفه شي ماعارفه شي.. كانت تتحدث وهي تهز أمها بعنف حتى شعرت أمها بأنها ستقع من هز خوله فيها، حاولت دفعها عنها مراراً ولكن دون فائدة، فرفعت يدها في محاولة اخيرة ونزلت بها على وجه خوله بكف ثلاثي الأبعاد جعلها تترك ملابس أمها في الحال وتهرول للصندوق لتخرج منه ثياب وتبدل في سرعة وعجلة وبحركات متوترة كمن أصابها مس! 
دلفت ام سعود للخيمة وبحوزتها كيس بلاستيكي ابيض كبير يشف مابداخله، وكان عبارة عن ثوب زفاف بدوي، فجلست في المكان الذي دعتها إليه صالحه ونظرت لخوله الواقفة في إحدي زوايا الخيمة تمثل الخجل وآشارت لها كي تقترب وهي تقول:
- إقتربي ياخوله، تعي اجلسي جواري اريد افرجك شي. 
هرولت خوله وقفزت لتجلس بجانبها وتتربع وتعود لخجلها الكاذب مما جعل أم سعود تتفاجأ من حركتها وتشعر بخوف سرعان ماإختفى، ثم ربتت على ظهر خوله  وقالت لها:
- ياخوله جيتك اليوم خطابه واريدك لولدي سعود بالمحبه.. وسعود اختارك من بين كل بنيات القبيلة لجل عيونك السود ويريدك تعمري بيته وتجيبيله وليداته. 
- ولجل غنماتي وعنزاتي. 
صمتت ام سعود وردت عليها صالحه سريعاً:
-تمزح.. تمزح خوله ياام سعود، هي تحب المزح متل عيونها. 
-آ.. أي الله يديم روحها الحلوة ومزحها. 
أقول ياخوله خذي هالثوب وقيسيه، هاد ثوب عرسي وجبته لك تتباركي به وتلبسيه بعرسك والله يبعتلك على وجهه ايام حلوه. 
- اتبارك بثوب عرسك؟ انت تدركين من متى وانت معرسه؟ تريدين تعطيني حظك الاغبر وزوجي تاكله الضباع ويطلع مايرد واجيب وليد متل سعود ولدك ويطلع مامنه نفع؟ 

- ولك الله يبعتلك وبا ياخوله على كلامك الحنظل.. 
صالحة:
- الله يسود وجهك ياكلبة البوادي ياعديمة الحيا.. السماح منك ياام سعود هي ماتعرف ايش تقول وماتقصد. 
- لا أقصد.. جايه ومتعنيه وجايبه ثوب قديم وفاله شوم وتريدني البسه واصكر خشمي؟ والله اذا ماجاني ثوب جديد ومغزول ومشغول باليد وبسلوك الذهب ماألبس ولا اتزوج. 
-انشالله مالبستي ولا تزوجتي، هاد العندي وهاد اللي يقدر وليدي عليه، ولو ماعجبك بلاها البيعه. 
- اي بلاها.. انتي وولدك قبل ماتيجو ماسألتم لمين جايين خطابه؟ ماتعرفون خوله ايش تكون وايش وضعها بالقبيلة ووضع اهلها؟ خوله اللي عندها غنم وعنزات، وأمي عندها قروش ملو صندوق كل ليله تعد وتنام قبل ماتخلصهم عد من كثرهن، ولا خواتي اللي كل واحد فيهم عنده صندوق معبى قروش وكلهم بالصندوق الكبير الأسود. 

تلفتت ام سعود حولها حتى لمعت عيناها حين وقعتا على صندوق اسود اللون ضخم في زاوية الخيمة. 

كانت صالحه تسمع وهي مذهولة من كذبات ابنتها المتواصله، ولا تعرف كيف لها ان تسترسل هكذا، فهمست لها:
-من وين امك عندها قروش وتعد كل  ليله الله ياخذك؟ 
- لا تخافي خالتي ام سعود ماتحسد، وإذا كان تم الزواج كانت بتصير أمي الثانيه وقروشك قروشها، بس يلا مافي نصيب، وقف الزواجه ثوب العرس. 
قامت ام سعود بإعادة الثوب لمكانه مرة اخري وهي تقول:
- لا ياخوله الزواجه ماوقفت ولا شيي، اجمل ثوب عرس مشغول بالخيوط الذهبيه يحضر لجل عيونك وتلبسيه وتكوني احلا عروس بالقبيلة، والسماح منك ياام صياح، انا جايه وقاصده خير والثوب ماجبته إلا للمباركه وماكنت ادري خوله تضوج مني وتزعل.
 
تبسمت خوله واخذت تلاعب حاجبيها لأمها كلما نظرت أم سعود بعيداً، وردت صالحه عليها:
-ادري بك طيبة القلب وماتقصدين إلا الخير ياام سعود، وماتآخذي خوله علي كلامها، هي هيك من صغرها تدج كلامها دج. 
- بعدها صغيره وتتعلم مع ليام ياصالحه، انت بس اتركيها لي وانا بعلمهالك الادب. 
تمتمت صالحه لنفسها:
-والله لتعلمك انت وولدك وسلف سلفك الأدب وتمشيكم عالسراط مثل عنزاتها. 

غادرت ام سعود وجلست خوله مع امها يتباحثن في امر العرس والتجهيزات، بدأت صالحه توصي خوله بالوصايا التي توصي بها كل أم إبنتها المقبلة على الزواج علي الرغم من انها تعلم أنها حين تنتهي لن تتذكر خوله حرفاً واحداً مما قالته لها. 

أما عند قياتي وقصير، فبدأ المجلس ينعقد، وحضره الجميع، وإستهل الكلام قصير قائلاً:
- ياإخوان، يااهل القبيلة تعرفون إن اليتغرب عنا اصولنا واعرافنا تضل عايشه بعقله وقلبه وروحه لجل انها معجونه فيه وماتفارقه لو راح اخر الدنيا، 
ولهيك اليوم قياتي يسأل خوانه من يريد منكم بت من بناته يتفظل يقول..وانا بفتح اول باب الرهن واقوله اريد عفراء لولدي هلال. 
هم قياتي ان ينطق ولكن قاطعه هلال قائلاً:
- من بعد إذنك يابوي انا اريد نوف مااريد عفراء. 
- هي اخت هي ياهلال، ومادامك قنصت نوف خلص ياقياتي هلال يريد يرهن نوف. 
بالتاكيد بعد أن طلب هلال رهن نوف لم يجرؤ احد على طلب رهنها من بعده، فكان الطلب على العنود وتقدم اكثر من عشرة لخطبتها من زينة شباب القبيلة، ومن ضمنهم طلب لشاب يدرس بالحضر وقرر ابوه خطبتها له، اما عفراء فلم يتقدم لرهنها احد بالمره!
 إنتهي المجلس وبعث قياتي بمرسال لبناته وزوجته أن يجتمعوا في خيمة عوالي، وذلك كي تقوم عوالي بالتعريف عن كل خاطب من المتقدمين وتذكر كل المعلومات عنه امامهم جميعاً، وبعدها يترك للعنود القرار.. 

أما في خيمة معزوزه:
- يارجوه امشي للشيخه عوالي وقوليلها معزوزه تريد اعشاب حرقة المعده ماقادره اكل شي والنار قايده بجوفي ماتنطفي. 
-تم الحين بمشيلها واجيبلك اعشاب واغليها لك، كله لجل أسد الصحاري الجاي. 
هرولت نحوا خيمة عوالي تجلب الاعشاب، وفي هذا الوقت 
حضروا بنات قياتي ودخلوا الخيمة والخوف يسيطر على خطواتهم، وجلسوا ثلاثتهم وأمهم معهم، وجلس قياتي أمامهم وبدأ يعطي لعوالي الأسماء وهي تُعرف.. ولما انتهت الاختيارات صمتت العنود فقال لها ابيها:
- هيا يالعنود وازي بينهم وشوفي الانسب لك وبلغيني بقرارك. 
-اصلي وأشور ربي ويصير خير يابوي.
نظر بعدها قياتي لنوف وقال:
- وانت يانوف امرك يسير، ماتقدملك غير ابن عمك قصير.. هلال. 
بلعت نوف لعابها بصعوبة، فإبن شيخ القبيلة يعني أن قبرها في القبيلة قد حُفر وستدفن للأبد، فدفنت رأسها فى حضن أمها وأجهشت بالبكاء.. 
قياتي:
- ايش فيك يانوف، ليش تبكين ياحبيبة ابوك، الزواج ماراح يتم الحين، مازال الوقت طويل وهو بس رهن. 
- والرهن ايش آخره يابوي، اخره  زواج وانت تدري اني مااحب القبيلة ولا حياتها. 
عوالي:
- والقبيلة بعد ماتحبك، بس مو كل شي يصير بالمحبه، فيه شي يصير بدش الراس. 
- لا ياعمتي مافي دش روس ولاشي، هادول بنياتي وماعاش اليجبرهم على شي وانا عايش واتنفس، احنا نقبلوا النهوه الحين وقدام يحلها الحلال.

صمت قياتي وصمته طال وعفراء صبرها نفذ، فتنحنحت وقالت:
- وانا يابوي الدور علي. 
- انت ياعفراء مافي حد جا صوبك ولا نطق اسمك. 
- ولا حتى جمل من جمال عمي قصير قال اريد عفراء؟ 
- ولا كلب من كلاب القبيلة؟ 
- ليش يابوي، انكسر خاطري والله. 
وهنا ردت عليها عوالي بغضب:

-. ماتعرفي ليش يافانص؟ من الرفس اللي شافوك ترفسيه لبت قصير برجليك، من ياخدله وحده رفاسه إذا تزاعل معها ترفع ثيابها وتشغل رجولها رفس، لا ويقولون رجولك توصل لفوق راسك وتقفزي متل لقرود والكل ماله سيره غير رفسك. 

- هاد كراتيه اسمو كراتيه ياعمتي. 
- كرت عليك وبا وخذك، خلي الرفس ينفعك يافانص والله لتبورين وتجلسي بزور ابوك. 
صمت قياتي، فبالفعل لم يكن يجدر بإبنته ممارسة رياضة الدفاع عن النفس في القبيلة، فعندهم لا ترفع الفتيات ارجلها ولا تفعل مثل هذه الحركات ابداً، وكل غريب عندهم عار. 
واكملت حديثها مع العنود:
- وانت يازينة الصبايا، صلي ووازي وردي علي قبل لا تردي علي ابوك وانا بقولك الزبد بعدين. 
- أمرك ياعمتي. 
- مايؤمر عليك ظالم ياعيون عمتك
في هذه الأثناء كانت رجوه وصلت امام الخيمة وسمعت حديثهم، فأقتحمت الخيمة مما جعل الجميع يقفزون من المفاجأة، ونظرت لعوالي بشر وهدرت بها:
-ياااخ ماادري من وين جات اللطافه هي كلها، لا وتقولها وازي وقوليلي قبل ماتردي خبر لابوك، ووحده غيرها تترهن ومالها رأي واذا اعترضت تصير فانص وتنكوي بالنار، وين ياعمتي سكينك الحامي ولا بس لرجوه يطلع؟ 
طلع الكل مخبي مكيال ويكيل بيه وقت يختلي بروحه، بس تعرفي انت ماعليك لوم، اللوم على قصير اللي ماضمني وقال لا تخافي اللي تريديه يصير وماحد يقدر يجبرك وانا عايش واتنفس،
بس هو كل اللي قاله لي واللي يقوله انه يريد يموتني بس سالم مانعه..

 كل يوم يمر اتأكد إن عزة البنيه من عند ابوها وامها تبدا.. قومي يامايزه جيبي اعشاب حرقة معده لمعزوزه وإذا حداك اعشاب لحرقة الدم جيبيلي معاك. 

قامت مايزه واحضرت لها الاعشاب واخذتهم رجوه وانصرفت والدمعة علي اهدابها تصارع للنزول.. أما قياتي فنظر لعوالي وسألها:
- إيش بيها هي لبنيه ياعمتي، وليش تحكي معك هيك؟. 
- هي موالها موال ياقياتي، مسكينه أمها مكاسب وقصير خلوها تطلع شوفة عينك لسانها مافي اطول منه وعقلها ما في اصغر منه.
 وبدأت تقص عليهم قصتها، لتلمع عينا العنود مع كل كلمة تقولها عوالي حتى انتهت، فكانت عيناها متقدتين بالحماس، واردفت بسعادة:
- والله وجيتي للقبيلة مابتروح هدر، واخيرا لقيتها، هي الحالة الكنت ادور عليها، شخصية معبايه عُقد وراح تكون مادة دسمه لرسالة الدكتوراه اللي راح انحضرها.. ابوي بعد اذنك انا باقية بالقبيلة شوي، ماراح ارد ليبيا الحين. 
قياتي
- اذا الامر يتعلق بدراستك وبه منفعه  لك ابقي كيف ماتريدي. 

تعليقات