
لا تعودي
سحب حمزة يده من يد عمه بعد أن انتهى المأذون من عقد القران، تراجع حمزة بالمقعد والتجهم يملأ وجهه رغم أصوات التهنئة من حوله وتصفيقات المدعوين بقصر العائلة، قصر آل دويدار حيث أصرت والدته هدى على أن يقام حفل زفافه به بعد اسبوع واحد من حفل زفاف أخيه الكبير عامر والذي كان قد تزوج بالسر وعندما أعلن لهم عن زواجه بعد عام ونصف تقريبا وأعلن عن ابنه أصرت هدى على منحه هو وزوجته ليل، حفل زفاف بالقصر ودعوة كل من تعرفهم، ابن رفيق دويدار الملياردير الخير كما يطلق عليه لابد أن يرى العالم كله حفل زفافه وقد كان
اليوم تعيد هدى الكَرة معه رغم اعتراضه الصارخ، ليس بعد حفل الخطوبة الذي تم بالبلد حيث تقيم العروس، ابنة عمه حلا، كادت الذكريات تسقط على رأسه لولا التفاف المدعوين حوله وهو يرى إخوته الثلاثة بظهره كعادتهم معا، عامر وجاسم وساهر دويدار، الرجال التي نحتت بالصخر كي تصنع لنفسها مكان وسط سوق المال وقد فعلوا عندما انضموا لأخيهم الكبير وتبعوا خطاه، هو بالنسبة لهم القائد وكلمته أمر..
لم يتحدث مع عمه الذي فعل المثل، رفيق والده ظل واقفا بجوار حسين والد العروسة دون أن يتحدث والسيجار الفخم بيده
تراجع حمزة لإخوته وقال "ألن ننتهي؟"
كانوا ينظرون لبعضهم البعض عندما قال عامر "نحن بانتظار ابنة عمك حمزة لم لا تهدأ ما حدث قد حدث وأنت لم تقبل المساومة"
لف نظراته لأخيه وقال بجدية "مع من عامر؟ مع حسين أم أهل البلد أم من؟"
دقات الطبول أنهت الحوار وأعلنت عن وصول العروس وتحرك حسين للبهو الكبير للقصر، حيث تفرق المدعوين له وهو يصل للدرج الذي وقفت أعلاه فتاة بفستان أبيض مشغول بالفضة، طويل يحيط بها كالملكة، تاج يلمع على رأسها الملفوف بطرحة بيضاء وانسدل على وجهها غطاء للوجه من التل الأبيض أخفى ملامحها، والدها وصل لها وطبع قبلة باردة على جبينها تمنت لو مسحتها، ليس الأب الذي تتمنى أحضانه
تقدمت ليل زوجة عامر كما عرفت منها، كانت لطيفة وظلت معها طوال فترة التجهيز رغم ابنها الرائع، هدى أيضا كانت طيبة ولم تعاملها بشكل سيء بل بأفضل وجه
منحتها ليل بوكيه الورد الأبيض، الأبيض هو السلام فهل سيعم السلام والأمان حياتها بذلك الزواج الذي كان هو الحل وقتها؟ هل سيكون هو الحل أيضا لتلك الحياة التي تعيشها الآن؟
وضع والدها يدها بذراعه وتحرك بها للأسفل، الفستان كان ثقيل ولكنها لم تهتم، هي حتى لم تسأل من أين أتى أو متى فقط فعلت كل ما طُلب منها
عندما وصلت للأسفل توقف والدها لتجده يترك يدها ولكن ليمنحها ليد أخرى، قلبها يدق بقوة، هل بالفعل ستتزوج ابن عمها وتنتهي معاناتها التي كانت تعيشها، تأملت الأصابع الطويلة والقوية التي لمست يدها، هي تعرف صاحبها، رأته بالبلد حيث بدأ كل شيء، رأته واختلف عن كل الرجال بنظرها
لم ترفع وجهها المغطى وهو لم يرفع غطاء الوجه عنها ولكن صوت رجولي قال بصوت منخفض "ارفع غطاء الرأس حمزة"
نفخ حمزة بضيق واضح فتلك الأمور مع ظروف الزواج الإجبارية جعلته يكره كل ما يدور حوله، ليس الزواج هدفه بأي شكل ولم يكن بأي يوم لكنه لم يكن ليتخلى عن فتاة تستنجد به
عاد لها فسقطت يدها من ذراعه وجسده يلتف ليعود أمامها وترتفع يداه لطرفي الغطاء ويرفعه لخلف رأسها فلم ترفع رموشها ولا وجهها له وهو لم ينظر لها بالأساس ولكن لكزة من أخيه الكبير جعلته ينحني من ارتفاعه الشاهق، نفس طول إخوته متران إلا عدة سنتيمترات وشعرت بأنفاس دافئة تضرب وجهها ويد ترفع وجهها ليلتقي بشفاه تكاد تلمس جبينها وقبل أن يبتعد رفعت رموشها لتلتقي بذلك الوجه الذي سيكون معها لبقية حياتها
صاعقة ضربتهم عند التقاء العيون، ظلت النظرات جامدة، الآن تراه أكثر وضوحا، عيونه العسلية الواسعة برموش طويلة تحدق بها، وجه برونزي طويل ليس ممتلئ ولا نحيف، شعره البني الفاتح الناعم القصير مصفف بعناية للخلف رجل جذاب حقا وهي تعرف ذلك جيدا لكنه الليلة أكثر جاذبية
عيونها الخضراء جعلته يعود بعيونه لها، هل هي خضراء حقا؟ بظلال خضراء قاتمة مع بعض الذهبي اللامع أظهرت لونها الجميل، بشرة بيضاء نقية من أي شائبة، فم صغير على شكل قلب ملون بالنبيتي القاتم، وجه مستدير تحيطه طرحتها البيضاء، إذن هي محجبة وهو لم ينتبه لذلك، عندما وقعت المصيبة لم يراها، هي أخفت وجهها و..
صوت هدى قطع الاتصال الوهمي بين العيون وهي تقول "جميلة حلا، مبروك حبيبتي"
احتضنتها هدى بابتسامتها الرقيقة وبعدها حياها الكثيرين لم تدرك منهم سوى عامر زوج ليل، جاسم وساهر إخوان زوجها المنتظر، ضي ونور إخوته البنات، غير ذلك لم تعد تركز بشيء
الحفل كان رائع حقا لم يقل عن حفل أخيه الكبير، عندما وصل الحفل لنهايته تحرك جاسم تجاهه حيث كان يقف مع ساهر وقال "السيارة جاهزة لكم متى ستذهب؟"
اعتدل وقال "الآن"
كان قد وصل لنهايته وقد أدرك إخوته ذلك، مال ساهر عليه وقال "ليلة سعيدة أخي بسجنك الجديد، هي جميلة حقا"
التفت له بحدة وقبض أصابعه كي لا يلكم أخيه الصغير بينما قبض عامر على ذراعه وقال "هيا حمزة، اذهب لها لتأخذها، الطائرة بعد ساعتين"
هز رأسه وقال "الأقصر عامر؟ بهذا الجو الحار؟"
قال عامر "تعلم أن حسابات الفرع هناك بها خلل وكان من المفترض ذهابك لولا هذا الزواج فكان ما كان والآن هيا"
عندما وصل لها كانت المرة الأولى التي يعود لها من بعد التهنئة، كلاهم رفض الرقص معا وتركا للمدعوين الساحة فقط وضع دبلته بإصبعها والخاتم والإسورة الألماس وهي بادلته الأمر بدبلته ثم تفرقا بلا رغبة باللقاء لكن الآن لا مفر من الاجتماع معا وللنهاية
لم تنتبه له إلا عندما هب نسيم دافئ على وجنتها وصوت رجولي خشن يقول "لابد أن نذهب"
لفت وجهها بفزع لتجد نفسها بمواجهة مع وجهه والقريب وعادت العيون تلتقي مرة أخرى ولكن بتركيز منه وهو يقول "السيارة تنتظرنا"
لم يكن الرحيل بالسهل، أقاربها كانوا من البلد والتفوا حولهم للوداع ولكن جاسم وساهر بلياقة أمكنهم إفساح المجال له ولزوجته
ليل ساعدتها على دخول السيارة، ليس لها أم فقط تركت العالم يوم ولادتها لذا والدها يكرها، يتهمها أنها السبب بموت زوجته، أخيها الكبير الذي يكبرها بسبع سنوات لم تراه سوى مرة واحدة منذ عشر سنوات وبعدها اختفى، البعض قال أنه هاجر والبعض لم يعرف عنه شيء، كل الموجودين أقارب من بعيد جمعهم والدها لتأكيد زواجها ومسح الفضيحة..
لم تنظر خارج السيارة ولكن والدها دس رأسه بالداخل من النافذة التي بجوارها وقال "لا أريد رؤيتك بالبلد مرة أخرى، بيت زوجك وحماكِ أولى بكِ وإلا فالعقاب ينتظرك"
كانت الكلمات مؤلمة لكن ليس لها لأنها لم تكن تفكر بالعودة للبلد بأي يوم، لقد كرهت حياتها وهو حولها ولن تتمناها بأي يوم ومع ذلك إحساسها بالوحدة بتلك الليلة جعلتها تزداد ألم وهو بدلا من أن يربت عليها أو يمنحها ابتسامة تجعلها تقبل على حياتها الجديدة، قال تلك الكلمات الجافة والمؤلمة
ظلت تنظر له ودمعة تملأ عيونها عندما شعرت بجسد يلمس ذراعها وصوت حمزة يقول "عمي حسين!؟"
رفع الرجل وجهه لحمزة وذهبت ابتسامته وهو يقول "حمزة، مبارك الزواج، كنت أخبرها أنها لو لم ترتاح ببيتك فبيت والدها موجود"
حدقت به والغضب يهرع لقلبها وفتحت فمها لترد لكن حمزة قال "هي لن تكون سوى ببيتي وتأكد أنها ستنال أفضل معاملة، ليس آل دويدار من يهينون نساءهم"
شحب وجه الرجل وهو ينسحب للخارج ويقول "نعم، نعم، إلى اللقاء"
وهي لم تبدي أي رد على كلماته وتحركت السيارة دون أي مزيد من الناس وعم الصمت، أخفت وجهها بالزجاج كي لا يرى دموعها الصامتة، لم تظن أنها ستحقق الحلم وتهرب من مصيرها الذي عاشت فيه، لم يكن من حقها أن تحلم وتتمنى ومع ذلك تمنت لو تدخل الكلية وتكمل دراستها كانت تعشق علم النفس وتمنت لو تدخل آداب لتتخصص به وتصبح أستاذة ولكن ذلك الرجل..
دخان السجائر عم حولها فالتفتت لتراه يدخن واحدة، هي لا تعرف أي شيء عن أولاد عمها الستة، ضي ونور كانوا رائعين بالحفل لكن لم يندمجوا معها كثيرا هذا بالتأكيد لأنها ليست اجتماعية كما كان حسين يقول عنها
سعلت من الدخان فانتبه لها وهي تضع يدها على فمها، هتف بضيق "لا، ليس السجائر لا تفكري بذلك"
فتح النافذة وهتف "عم سامي أغلق المكيف"
لم تتوقف عن السعال بسهولة، منذ ذلك الحادث وهي صغيرة وأصيبت بحساسة بأنفها وصدرها تجعلها لا تتحمل الأدخنة والروائح
أدرك أن الأمر جاد فلم يعرف ماذا يفعل؟ قذف السيجارة من النافذة وهتف "عم سامي هل لديك بعض الماء"
بالفعل منحه سامي زجاجة مياه ففتحها وهتف "اشربي"
عندما ارتجفت يدها من السعال لف يده حول كتفها وجذبها لصدره ووضع طرف الزجاجة على فمها وهو يساعدها حتى ابتلعت القليل مما جعلها تهدأ وهي لا تدرك أين كانت ولا ذراعه التي تحيطها
هدأت وهو يبعد الزجاجة ودموع بعيونها وصدرها يعلو ويهبط بسرعة وهي تحاول التقاط أنفاسها وهتف "هل نذهب للمشفى؟"
هزت رأسها بالنفي وهي تستعيد نفسها ثم قالت بصوت مبحوح "لا، أنا، بخير، آسفة، دعني من فضلك"
ما هذا الصوت الملائكي؟ الرقة والنعومة هي ما لف صوتها، هو يعرف صوتها ولكن الآن كأنه يسمعها لأول مرة، أبعد يده على الفور وقال "أنا أدخن ألم يخبرك أحد؟"
مسحت دموعها دون النظر له وقالت "لا"
انتظر منها أي كلمات أخرى ولكنها لم تفعل، حدق بجانب وجهها المواجه له ولم يعرف حقا هل ما يعيشه الآن حقيقي؟ هل حقا مع امرأة هي بالأساس قذفت بحياته لتصبح زوجته؟
المطار كان مزدحم رغم تأخر الوقت لكن الطائرة الخاصة التي قام عامر بتوفيرها له كانت رائعة واسم دويدار يدير العقول
فستانها كان يلفت الأنظار، ليس كل يوم يرى الناس عروسة بليلة زفافها تتحرك بفستانها الطويل المنفوش والثقيل وزوجها يتحرك بجوارها بلا اهتمام بمعاناتها..
تنهدت عندما جلست بمقعدها بالطائرة الفاخرة وظلت عيونها تتجول بالمكان الفاخر، هي لم تخرج من بلدتهم، الرحلات المدرسية كانت محرمة عليها، تعلمت الكثير عن العالم الخارجي من الكتب والميديا البناءة، القراءة كانت رفيقتها الوحيدة وهي لم تعترض
انتبهت له وهو يفك جاكته ويجلس بجوارها والمضيفة ترحب بهم ومن بعدها الكابتن طالبا ربط الأحزمة
التفتت حول نفسها، هي تعرف أحزمة الأمان، شاهدتها بالأفلام لكن بالحقيقة اختلف الأمر وهي لا تعرف من أين تبدأ حتى تراجعت مصدومة من ذراعه التي امتدت لتجذب الحزام حولها وجمدت مكانها، للمرة الثانية يلمسها ويقترب منها لهذه الدرجة، عطره الثقيل ملأ أنفها وشعرت بأنها ليست على ما يرام، إحساس غريب لفها ارتجافه بكامل جسدها مرت بها حتى تراجع دون كلمات
كانت تحاول أن تهدأ ولكنها كانت حقا خائفة، أول تجربة لها على طائرة، أول تجربة لها بكل شيء، كان يشعر بتوترها بجواره، كلما لمسها ترتجف بقوة وكأن الشيطان يلمسها والآن بالكاد تتنفس
ما أن تحركت الطائرة حتى لاحظ أصابعها الطويلة البيضاء والرفيعة وهي تقبض على ذراع المقعد وشعر بجسدها يتجمد وشحب وجهها الجميل وكأنه فقد الدماء فجأة
بالطبع السرعة زادت حتى بدأت الطائرة ترتفع فتفاجأ عندما قبضت يدها على يده فنظر ليدها الباردة ثم رفع وجهه لوجهها فرأى عيونها مغمضة بشدة وأنفاسها مرتفعة فقبض على يدها ربما تشعر بالراحة ولكنها ظلت في مخاوفها حتى استقرت الطائرة وتوازنت بالجو فشعرت بالهدوء يعود لها وفتحت عيونها لتعود للواقع وتستقر أنفاسها عندما سقطت عيونها على يدها القابضة على يده فسحبتها وهي تشعر بالخجل من نفسها وتحرك الأحمر بسرعة لوجهها
أبعد وجهه وفك حزامه ونهض وهو يقول "يمكنك الحركة بحرية"
انتقل لمقعد مجاور بمكتب، جذب حقيبة جلدية وفتحها ليخرج حاسوبه المتنقل ووضعه أمامه وفتحه واندمج بالعمل حيث عالم الأرقام الذي يعشقه ولا يضاهيه به أحد
بصعوبة فكت الحزام وسرعان ما حامت المضيفة حولها لخدمتها بالمشروبات تناولت القليل ورفضت أي طعام ولاحظت أن الفتاة انتقلت له رغم انشغاله وطافت حوله بشكل ملفت ولكنها لم تهتم ولا هو، فجأة التعب هاجمها، صداع وإرهاق، أيام نست عددها بدون نوم وبتفكير أهلكها عن الأيام القادمة
لم تدرك متى نامت ولكن هو من أيقظها بلمسة على ذراعها جعلتها تنتفض وهو واقفا أمامها ويقول "لقد وصلنا، ضعي الحزام"
جلس دون أن يزيد وربط حزامه، بالهبوط سيطرت على يدها وتشبثت بالمقعد وكررت إغلاق عيونها وهو يتابعها ولا يندهش من رد فعلها فهي تصعد على طائرة لأول مرة وربما مجرد تمثيل، نعم لم لا؟ الفتيات بعمرها تفتعل الكثير كي تبدو جميلة أو مثيرة لاهتمام الرجل ولكن لا، هي لم تحاول أبدا إثارة اهتمام أحد، مما سمعه عنها هي بالأساس لم تكن معروفة بالبلد سوى بأنها فتاة منطوية وغير اجتماعية
لف رأسه لها والطائرة تقف ثابتة وهي ما زالت تنهج بأنفاس متسارعة ففك حزامه وقال بعصبية "لقد وصلنا هل تنهي تمثيليتك هذه؟"
فتحت عيونها وقد استقرت الطائرة بالفعل ونظرت له لتجده واقفا يواجها والكابتن يرحب بهم بالميكروفون ولكنها قالت بدهشة وسط وجهها الشاحب "تمثيلية!؟ أي تمثيلية؟"
قال بجدية وفارغ صبر "خوفك من الطيران ومن قبلها الدخان، هل ظننتِ أن ذلك سيعني لي أي شيء؟ من الأفضل ان تفهمي أن.."
أوقفه رؤيته للمضيفة تتقدم تجاههم وتقول "الحمد لله على السلامة يا فندم وللمرة الثانية مبارك الزواج"
رفع وجهه تجاه الفتاة ولم تتبدل ملامحه وهو يقول ببرود "شكرا"
وعاد لها وهو يقول "حلي حزامك كي نذهب"
امتلأت عيونها بأسئلة ودهشة من طريقته وكلماته، ما معنى تمثيلية؟ هل ظن أنها تكذب؟ لماذا ستفعل وهي بالأصل لم تبغي كل ما يحدث لها
السيارة الفاخرة كانت تنتظرهم خارج المطار، دخلت السيارة وتبعها والسائق تولى الحقائب وما أن ركبا حتى التفت لها وقال بغضب مكتوم "اسمعي، أنا رجل لي حياتي الخاصة وأعيشها كما يحلو لي، أدخن كثيرا، أعمل أكثر ولا أهتم بالمرأة بكل أشكالها لذا لا تفكري بأنني سأبدل أي شيء من روتين حياتي من أجلك، عليكِ أن تنسي أن هناك شيء سيربطنا أكثر من تلك الورقة التي كتبها ذلك المأذون، هل تفهمين؟"
تراجعت من هجومه الغريب وهي لا تفهم سببه، هي لم تطالبه بأي شيء ولكنه لا يرى ذلك ولكن كلماته تعني لها الكثير
الفصل الثاني
خدمة
الجناح بالفندق كان كبير لكن بغرفة واحدة وفراش عريض ومزين لاستقبال العرائس، بالطبع استوعب هو الأمر بسرعة لكن هي ظلت بمكانها أمام باب الغرفة وقد كاد التعب يسقطها مكانها، أرادت التخلص من ذلك الفستان وفك طرحتها والنوم
لم تراه وهو يفك ربطة العنق ويخلع الجاكيت وما زال خارج الغرفة، جذب حقيبته على مقعد وفتحها ليخرج ملابس مريحة هو بحاجة للراحة وإلا ذلك الصداع سيفتك به
جذب ملابس من الحقيبة وتحرك للحمام الخارجي وصفع الباب خلفه مما جعلها تقفز من الفزع وتخرج من حالة الجمود التي كانت بها، لفت حول نفسها وهي بذلك الفستان الضخم، تحتاج لمن يساعدها على الخروج منه ولكن كيف وهو أبدا لن يساعدها وهي لن تقبل؟
تحركت للفراش وجلست على طرفه وقد شعرت أنها لا تجد أي شيء لتفعله
لم تراه عندما خرج من الحمام والصمت لاح حولها تراجعت بالفراش وقد كانت السادسة صباحا والتعب يضربها بكل جسدها فتمددت كما هي ورحلت بالنوم
شعرت بشيء يهزها فظنت أنها تحلم، عاد الهز ففتحت عيونها لتفزع برؤيته أمامها، بدا مختلفا تماما بملابسه الرياضية وذقنه المحلوق وشعره المبلل، اعتدلت بالفراش وهي ترى النهار بأواخره بينما عيونه العسلية تحدق بها وهو يقول
"لماذا لم تبدلي هذا الفستان؟"
اعتدلت جالسة وقالت مبعدة عيونها عنه وقد تورد وجهها وقالت "لا يمكنني نزعه وحدي"
المفاجأة ألجمته وكلماتها تدفعه للخلف بقوة، من الطبيعي أن يساعد الرجل زوجته بخلع فستان الزفاف بليلتهم الأولى لكن ما حدث لهم ليس من الطبيعي بشيء، رفع يده لوجهه وفرك وجنته وهو يفكر بحل وابتعد من أمامها ثم قال "سأطلب خدمة الغرف، أي عاملة يمكنها مساعدتك"
لم ترفع وجهها ولم ترد، أي مساعدة بالوقت الحالي ستكون الأفضل، التفت لصمتها ولم يجد وجهها مواجها له والأفكار تضربه هل من الصواب وجود عاملة لمساعدة زوجة حمزة دويدار بعد قضاء كل ذلك الوقت بجناحهم؟ هل ستخيط الفتاة فمها عما رأت؟ هناك من يمكنه دفع الكثير من المال مقابل خبر كهذا
سقطت يده بجواره وقال بعصبية "حسنا، لا يمكن لأحد أن يعرف ظروف زواجنا، سُمعتي لن تتحمل خبر كهذا"
رفعت وجهها له، بنور النهار بدت متعبة جدا، والماكياج لطخ عيونها الجميلة لكنه لم يؤثر على نظرتها البريئة، الاستسلام بدا له غريب، هو لم يفضل صحبة أي امرأة لكن هذا لم يمنع أنه كمستشار مالي لمجموعة آل دويدار فهو يتعامل مع الكثيرات من الجنس الناعم ولم يغفل عنه حركاتهم الواضحة عندما تلمح إحداهم لجمالها كي تنال إعجابه أو تبالغ الأخرى بملابسها المثيرة لتلفت نظره وغيره من ألاعيب النساء لإسقاط الرجال بالفخ لكن هو تعلم الدرس جيدا
صوتها الرقيق جعله يفقد التركيز للحظة وهي تقول "ماذا أفعل إذن؟"
شعر بأنه غاضب، غاضب من لا شيء، فقط غاضب وأراد ترك تلك الغرفة والخروج من هنا وعدم رؤية تلك الفتاة مرة أخرى، بل ويجد نفسه مستيقظ من هذا الكابوس
تنفس بانتظام ليتحكم بغضبه وجذب عيونه من عيونها وقال "انهضي وسأفك لكِ الأربطة وأنتِ عليكِ الباقي"
الأحمر انتشر على وجهها وسقطت شفتها السفلى علامة الدهشة ورددت "أنت؟ ولكن"
لم يتحرك خطوة وهو يقول بسخط واضح "هل هناك سواي يتحدث معكِ؟ أم أردتِ سواي ليفعلها؟"
هزت رأسها بالنفي وقالت بلا تفكير "سواك من؟ أنا لا أعرف أحد"
طريقتها كانت تثير جنونه، الثمانية عشر عاما التي هي عمرها تجعلها بريئة بشكل لا يصدقه، بنات هذا الجيل ليسوا بتلك البراءة، هن يعرفون كل شيء إذن لماذا هي تبدو مختلفة؟ ما زال يذكر ظروف زواجهم ويلعن الرجولة التي جعلته يسقط بالفخ
أشاح بيده وكأنه يردد داخله، هذا لا يهم، ظلت تحدق به حتى قال "انهضي يا.. أيا كان اسمك، انهضي لأنتهي من ذلك"
شعرت بالإهانة لأنه يعاملها بتلك الطريقة ولكن هي لا تملك سبيل لتغيير ما كان، بل هو أفضل مما كانت تحيا فيه، ليس بعد أن استنجدت به فلم يمكنه أن يرد رجائها
نهضت واقفة والتفت لتمنحه ظهرها، ظل لحظة جامدا، منذ أكثر من اثنا عشر عاما لم يلمس امرأة، كانت تجربة واحدة وندم عليها عمره كله لذا جسده كان يرفض أن يلبي أوامره ولكن عندما طال انتظارها لفت رأسها له فرأى تساؤلات بعيونها الجميلة فتحرك مقتربا فلفت وجهها وما أن لمست يده الشريط الذي يربط الفستان حتى ارتجفت، لم تعرف معنى أن يلمسها رجل، أي رجل هو فقط ذلك الأب الذي كرهت كل لمسة منه بقسوته وكرهه لها ولكنها وقت أن طلبت النجدة من ابن عمها عرفت أنه لن يتخلى عنها وهو فعل لذا أقسمت على نفسها أنها ستكون ملك له ليس فقط لأنها نشأت هكذا ككل البنات ببلدهم، الفتاة تطيع وتقبل ولا تعترض، ولكن لأنها ستظل مدينة له طوال حياتها ولكن منذ رأته بالحفل ولاحظت ابتعاده عنها حتى أدركت أنه لم يرد هذا الزواج بل لم يريدها من الأساس
والآن ها هي معاملته جافة ولا معنى للحياة بها لذا خمنت أنها خرجت من سجن حسين لتدخل سجن حمزة ولكن ربما هذا السجن يكون أكثر رحمة
شعر برجفتها وابتعادها فقال "هل تهدئي؟ أنا ليس لي أي نية بأن أكون الزوج الذي تنتظريه"
التفتت مبتعدة لتقف أمامه وعيونها تواجهه، هي ليست قصيرة لكن بجوار رجل مثله هي قصيرة جدا خاصة بلا حذاء، نظراتها الفزعة جعلته يتساءل عن سبب هذا الفزع وكلماتها أوقفته "أنا لم أنتظر أي شيء، أنا، أنا"
وبسرعة وبلا مقدمات رأى دموع بعيونها ففهم أنها شعرت بالإهانة، الرغبة والجنس لا يمكن تجاهلهم عند الرجل والمرأة، وهي تزوجته وهي تعلم أنه كرجل سيطالب بحقوقه وهي لم تعترض على مساعدته بل لم تعترض على أي شيء، لذا هي..
أبعد وجهه ليوقف أفكاره الشيطانية وتنهد بقوة وهو يقول "حسنا، لا داعي لكل ذلك فقط دعينا ننتهي من هذا الأمر فقد أصبح مزعج حقا"
وتقدم منها ولكنها تراجعت لتصطدم بالفراش وتفقد توازنها وتسقط عليه جالسة فتوقف بلا حركة وهي تهتف "لا"
دموعها التي سقطت بالأسود نتيجة الكحل لطخ وجهها الأبيض ولكن هي لم ترى وجهها ولم تهتم بشيء، قال بضيق "ليس هناك من يساعدك"
هزت رأسها وهي تردد "لا أريد مساعدتك، لا أريد منك شيء فقط اتركني، من فضلك اتركني"
يا الله! حتى وهي تبكي رقيقة، وهي تطرده أيضا رقيقة هل كل ذلك أيضا تمثيل؟ مجنون من يظن أشياء بلا دليل على صحتها
تحرك خارجا، لن يقبل أن تطرده طفلة مثلها، وتلك البراءة ليست سوى قناع زائف وهو لن يصدقه يكفي مرة واحدة صدقها فخرج منها بزواج لم يفكر به أبدا
ارتدى حذاؤه الرياضي ونزل، الجري أفضل شيء كان هو وإخوته يفعلونه عندما يحتاجون لإفراغ شحنة الغضب أو أشياء أخرى
دفنت وجهها بين يديها وهي تشعر بالألم يمزقها، لماذا تؤلمها الأقدار هكذا؟ حرمتها من الأم ومنحتها أب لا يعرف عن الأبوة شيء وأخ لم يسأل عنها بأي يوم، عاشت وحيدة حتى بعد زواج والدها، رفضتها زوجته ورمتها بالبيت القديم وحدها فقط الحاجة توحيده جارتهم هي من كانت تراعيها حتى وصلت الابتدائية ثم رحلت لخالقها هي الأخرى ومن وقتها واسودت الحياة من حولها والآن تكتمل الصورة..
كان الجري على النيل وقت الغروب من الأمور الممتعة لكن مع الحر كان صعب ومع الذكريات كان أصعب
باك
خرج من الفرع الخاص بهم بالإسكندرية وتحرك وهو ينفخ من التعب، منذ أول أمس وهو هنا يراجع تلك الحسابات اللعينة حتى وصل للخطأ والآن هو سيعود القاهرة، لا رغبة له بالبقاء هنا بهذا الجو الحار
ما أن ركب سيارته البيجو الحديثة حتى رن هاتفه، اسم دويدار الكبير لا يمنحه أي سعادة بل تساؤلات وغضب، فقط هدى هي من تجبرهم الأربعة على التعامل معه، نفخ بقوة ولم يجيب ولكنه عاد للرنين من جديد فهتف دون أن يجيب "ماذا تريد مني؟"
بالنهاية أجاب "رفيق باشا، هذا الشرف له سبب بالتأكيد؟"
سمع صوت دويدار يقول "مرحبا بني، هل لي ببضع دقائق من وقتك؟"
كان يخوض بالزحام والغضب هو المسيطر لكنه قال "أنت بالفعل تحظى به الآن"
أجاب الرجل "وماذا عن لقاء بالقصر بعد نصف ساعة؟ عرفت أنك هنا بالإسكندرية"
ضرب المقود بغضب عندما كاد يصدم السيارة التي توقفت أمامه فجأة لم يهتم أن رفيق كان يعرف خط سيره فهذا أمر لا جديد عليه، لديه عيون بكل مكان، رجاله ترصد كل كبيرة وصغيرة بالبلد
هتف بغضب مكتوم "لا، فقط قل ما عندك الآن واتركني لحالي، بالتأكيد تريد إخباري تلك الكلمات عن أملاكك ورصيدك بالبنوك اسمح لي نحن لا نهتم بكل أموالك نحن"
قاطعه الأب بحزم "أعلم، الأمر لا يخص كل ذلك، هي مشكلة وأنا بحاجة لرجل مال وحسابات ليقوم بحلها"
تحرك مبتعدا عن الطريق العمومي وقال "لديك خمس مستشارين ماليين فما وجه احتياجك لي؟"
"الأمر عائلي حمزة لذا لابد أن يظل بإطار العائلة، لا أظن أنك ستبخل بخدماتك على العائلة، أنتظرك بالمكتب وقتما تصل القصر"
وأنهى المحادثة بطريقته المعتادة حيث لا يمكن للشخص الرفض ولا يمكنه الفرار
هدى كانت بالحديقة عندما أوقف سيارته، كم يحب رقتها وجمالها وحنانها الذي لا ينتهي، تحرك تجاهها فانتبهت لخطواته الرشيقة وابتسمت للقاء ابنها الوسيم كما هم رجالها الثلاثة الآخرين قبل وجنتها وهو يقول "كيف حالك ماما؟ تبدين جميلة كعادتك"
ضحكت من كلماته القليلة فهو كما تعرفه لا يتحدث كثيرا ولكنه ينطق بالمفيد، قالت "بخير حبيبي، كيف حالك أنت؟ لم تخبرني أنك هنا بالمدينة"
لم يجلس وهو يقول "بخير ماما، كان لدي عمل بالفرع وسأعود بعد الانتهاء منه هل هو بالداخل؟"
قالت برقتها المعتادة "نعم بمكتبه ألن تبقى للغداء؟"
قبل جبينها بحنان وقال "تناولته بالشركة ماما، اسمحي لي"
وتحرك للداخل، القصر مكان طفولته مع إخوته هو لا يكرهه، بل يحبه ويحب كل ذكرياته به فقط يكره أن يأتي هنا كي لا يتذكر عار والده، تاجر الآثار الذي ظل سنوات كثيرة بالظلام لا يعرف أولاده عنه سوى أنه رجل الاستثمارات المعروف، غناه فاحش وأعمال الخير خاصته لا نقاش عليها، حتى كشف عامر سره ولم يكن ليخبرهم لولا ساهر الذي سمع الشجار وأبلغهم
كان عامر قد استقل بنفسه من قبلها عن شركة رفيق، أراد أن يثبت نفسه ونجح حتى انكشف المستور، عامر كان بأوائل العشرينات وتشاجر مع رفيق وترك البيت ورفض أمواله وتبعه الجميع عدا البنات وقتها كان حمزة بأواخر فترة التجنيد، الحسابات هي ما أجاده وقد استعان به رفيق بشركاته وقت ما كان بالكلية وجمع مال لا بأس به منه ومن غيره من الأعمال الأخرى التي برع بها على النت، وما أن عرف بالأمر حتى تبع خطى عامر وانضم له ووجد له مكان بجوار أخيه، عامر هو القائد بالنسبة لهم، احتضنهم وفتح لهم ذراعيه وضمهم جميعا تحت جناحه حتى حققوا نجاح رائع
كان الخادم يتحرك باحترام لمكتب رفيق وتوقف لرؤية حمزة وقال "أهلا سيد حمزة"
قال بلا اهتمام بكلب والده المخلص "أهلا ناصر"
فتح ناصر له الباب فدخل ذلك المكتب العتيق والذي كان يحوز إعجابه حقا وكم تحجج برغبته باقتباس كتاب ليدخله خاصة اللوحة العتيقة أعلى مكتب رفيق العتيق، رفيق كان يقف أمام نافذة خشبية قديمة ولكن جميلة ككل شيء بالمكان
عندما أغلق ناصر الباب التفت رفيق لابنه، كان هو سبب وسامة أولاده جميعهم، بنيته القوية، طوله الشاهق رجولته المعروفة وقوة شخصيته التي لم تفقده احترامه بين أولاده قبل الفضيحة
لم تتبدل ملامح رفيق عندما التقى بابنه وتحرك لمكتبه وقال "شكرا لتلبية دعوتي بني، هل تجلس لنتحدث؟"
تلك الطريقة لم يعتاد عليها معه، كان الآمر الناهي بالبيت والآن؟ لم يتحرك وهو يرد "هل تخبرني لماذا طلبت حضوري؟"
أشعل رفيق سيجاره ونفخ الدخان ونظر لحمزة وقال "عمل، أخبرتك أنه عمل عائلي"
ضاقت عيون حمزة العسلية وهو يحاول أن يفهم شيء وهو يسأل "أي عمل"
أخرج رفيق ملف من درج مكتبه وقذفه على سطح مكتبه وقال "تلك العزبة بالبلد هي ملك لوالدتك ورثتها عن والدها، أنت تعلم أنها من نفس البلد التي أتيت أنا منها، وقت مات حماي لم يعد هناك من يقوم بالاهتمام بها لذا عهدت بها لحسين أخي لرعايتها، سنوات كثيرة وهو يفعل ويضع الأرباح بحساب والدتك لكن مؤخرا عرفت أن هناك مشاكل بكل ما يخص حساباتها وما تجنيه لذا ليس هناك من يصلح للمهمة سواك"
حك حمزة وجنته التي نبت شعرها وهو يفكر بالكلمات قبل أن يقول "وماذا عن رجالك؟"
نفخ رفيق الدخان وقال "أخبرتك أن الأمر عائلي، هو عمك من نبحث خلفه، والدتك هي صاحبة الأرض فلو ثبت تلاعب سنحل المشكلة بطريقة ودية بوجودك وبدون فضائح لكن أي رجل من رجالي لن أضمن صمته"
كان الرجل محق هو يعرف كيف يلقي الطعم وأين يلقي صناره وهو التقط الطعم بسهولة رغم أنه يعلم أنه فريسة لرفيق لكن هو أيضا لا يحب أن يتلاعب أحد بما يخصهم
تحرك بلا هدى وقال "ربما لا أجيد التصرف، تلك الأمور جديدة عليّ"
ابتسامة علت شفاه الرجل وهو يقول "هل تمزح معي؟ أنت تلمح الرقم الخطأ من بين ملايين الأرقام؟ أنت الأفضل بمجالك بني وهو ما يجعلني دائما فخور بك"
الطعم كان لذيذ وحمزة التقطه ولكن لابد من بعض المقاومة فقال "لست متفرغ تعلم انشغالي"
هز رفيق رأسه بهدوء وقال "لا أظن أن الأمر سيأخذ أكثر من يومين"
التفت ليواجه رفيق وقال بحزم "يومين فقط"
لم يعترض رفيق وهو يضع يده على صدره كوعد كما اعتاد معهم فتحرك حمزة للملف وجذبه والتفت خارجا بلا أي كلمات..
لم يهاتف أحد ولم يخبر إخوته بالأمر، لن يعجبهم أداء شيء لرفيق لذا عاد القاهرة لشقته وأخذ حمام وجهز عشاء خفيف وكوب من الشاي وجلس ليراجع الملف ومع كل ورقة كان يزداد ثقة بأن ذهابه لا مفر منه
يتبع