
رواية لخبايا القلوب حكايا الفصل التاسع عشر19 والعشرون20 بقلم رحمه سيد
ما أن دلف "عيسى" من باب المنزل حتى إندفعت "كارما" نحوه، تدس نفسها بأحضانه بقلبٍ تمرغ في وحل الخوف من الفقدان وعذاب الانتظار..
ربت عيسى على خصلاتها وهو يتنهد متمتمًا بخفوت يطمئنها:
-اديني رجعت اهوه ياستي ومحصلش حاجة شوفتي.
رفعت رأسها نحوه مرددة بارتياح، ولمحة من العناد:
-الحمدلله، بس ربنا سترها معاك بسبب دعواتي على فكره.
رفع حاجباه معًا وهو يصيح بنبرة درامية:
-سبحاااانه.
رمقته كارما بنظرات متأججة غضبًا، فرسم شبه ابتسامة وهو يقرص وجنتاها بخفة قائلًا ليتلاشى فقرة النكد التالية:
-متجوز الشيخة رابعة العدوية ياخواتي.
ثم تركها وتخطاها متجهًا نحو الغرفة، ورغم مزاحه إلا أنها أحست أن ثمة شيء غريب به، ربما هي لمعة عينيه المنطفئة!
تحركت نحوه على الفور، وجدته جالس على الفراش، واضعًا رأسه بين كفيه، وكأنه يحمل كل هموم العالم فوق عاتقه، جلست جواره ثم سألته متوجسة:
-في إيه مالك؟
ابتسامة زائفة صاحبت ثغره وهو يرد:
-مليش مُرهق شوية بس.
ضيقت عينيها وهي تميل برأسها متمتمة بتحذير:
-عيسى.
-كارما.
تمتم بنفس نبرتها بقليلٍ من التهكم، ثم تنهد وأجاب بخفوت دون مواربة:
-ماعرفتش أخد الحاجة اللي معاهم، وأكيد إيهاب هياخد حذره ومش هعرف أخدهم خلاص، ومابقاش قدامي غير السجن لإني عمري ما هديهم ارضك.
أردفت بشيء من الهلع الذي افترش قسمات وجهها:
-لا طبعًا سجن إيه، في ستين داهية الأرض المهم أنت.
هز رأسه نافيًا وأخبرها بهدوء :
-هستحقر نفسي لو عملت كده، دي حاجة والدك سايبهالك عشان يأمن مستقبلك اقوم أنا اخدها منك؟!
أمسكت كفيه بيديها تتشبث بهما كما تتشبث بوجوده في حياتها التي كانت قاحلة قبله، واسترسلت بنبرة عذبة تفيض حبًا:
-مستقبلي عمره ما هيكون أمان من غيرك، أنت أماني.
انحنى "عيسى" ببطء ثم طبع قبلة مطولة على ظاهر يدها، قبلة حملت حبًا وامتنانًا فاض وارتشح من قلبه الهائم بها..
ثم دون كلام وضع رأسه على فخذيها، وأحاط بها بيديه، تلقائيًا تحركت يدها لتداعب خصلات شعره الغزيرة بحنو..
وصدح صوته المتسرب من عمق مخاوفه السوداء التي يأبى ازالة الستار عنها:
-تفتكري ده عقاب ربنا ليا عشان كنت شغال معاهم؟
ومن ثم تابع وكأنه يجيب نفسه:
-بس أنا توبت، توبت وبعدت عنهم ومارجعتلهمش إلا لما اضطريت ومكنش معايا فلوس أنقذ أخويا من الموت!
تسلل له الدفء حين تحسست بيديها وجنتيه برقة، هامسة وهي تحاول بث الثبات في صوتها الذي ارتعش وهنًا وقلقًا:
-أنا متأكدة إن دي محنة وابتلاء من ربنا وهيعدي، مش عقاب، اكيد مش عقاب لأن ربنا شايف إنك بعدت وتوبت.
اومأ مؤكدًا برأسه دون كلام، وبعد دقائق معدودة من الصمت، كان يستسلم لسُبات عميق امتن له لأنه خلّصه ولو مؤقتًا من صراع نفسي وخوف ينهش احشاؤوه!
****
بينما "خالد" كان يجلس على الكرسي أمام مكتب "فارس" في منزله بعد أن استدعاه، كان فارس يملأ الكرسي بجسده بثقة لطالما كانت درعه الصلب في ساحة أعماله..
والاخر كان كورقة في مهب ريح مخاوفه التي أوشكت أطرافها على ملامسة أرض الواقع الحية!
-أشرب قهوتك يا خالد.
هتف "فارس" بهدوء تام، فهز خالد رأسه ثم مد يده وتناول قهوته بالفعل وهو يقول بهدوء مماثل:
-تمام، ياريت تقولي إيه الموضوع عشان مستعجل ورايا كام حاجة محتاج أعملهم.
-إيه هتسافر ولا إيه؟
سأله فارس بنبرة ثعلبية لمس بها الاخر سخرية طفيفة لم تعجبه، لذا باغته بسخرية مماثلة:
-ده لو مش هيزعجك طبعًا يا فارس بيه.
هز فارس رأسه نافيًا ببساطة تحلَّت بنفس الثقة التي بدأ يكرهها خالد في تلك اللحظات:
-لا خالص، أنا بس طلبت إنك تيجي عشان نخلص كلام وننهي الموضوع اللي مانتهاش.
سأله خالد وهو يرسم لوحة زائفة من عدم الفهم:
-موضوع إيه؟
أجاب فارس بثبات:
-موضوع حق فيروز وأهلها اللي المفروض يرجعلهم.
هز الاخر كتفيه بلامبالاة:
-أعتقد إني وضحت إن الموضوع ده انتهى فعلًا بالنسبالي، أنا حاولت وهما رفضوا، نقطة!
صدرت تأتأة بطيئة نافية من "فارس" وهو يهز رأسه، مؤكدًا من بين أسنانه بحروف ثلجية:
-الموضوع مش بالسهولة دي، تدمير حياة الناس مش بسهولة يا خالد.
نفى مُصرًا:
-أنا ما دمرتش حياة حد.
ضم فارس شفتيه وضاقت عيناه وكأنه يدرس ترتيب حروفه التالية التي تعرف اتجاهها بدقة:
-يعني أنا لو فضيت شراكتي معاك، وأنت كل فلوسك في شغل دلوقتي، والشغل ده وقع طبعًا، هبقى كده دمرت حياتك ولا لأ ؟
ضغط خالد على أسنانه بعنف حتى أصدرت صكيكًا عاليًا، اللعنة على فيروز التي صارت وصمة سوداء تأبى مفارقة جبينه!..
رفع أنظاره المحترقة نحو فارس الذي تابع بهدوء أقرب للبرود وكأنه لم يهدده للتو:
-أنا بس حابب أعرف مقياسك لتدمير حياة إنسان.
سأله خالد مباشرةً بكلمات كالسكاكين تتصادم ببعضها:
-أنت عايز إيه يا فارس، قول على طول، أنت كنت دايمًا Direct.
اومأ فارس مؤكدًا:
-تمام، أنا لسه Direct زي ما أنا، أنا عايزك تديهم نصيبهم وتكفر عن ذنبك تجاههم، وإلا ماقبلش إني أكون شريك مع واحد فلوسه حرام.
سأل خالد بقليلٍ من التشكيك في صحة ما يقول:
-يعني أنت كل اللي عاوزه إني أديهم اللي أخدته، وهتفضل كل حاجة زي ما هي؟
أكد فارس بإيماءة خفيفة من رأسه، ثم استطرد محاولًا تخفيف ثقل كتلة التهديد عن عاتق خالد العنيد:
-اعتبره Deal شغل، ودي شروطي، لو موافق عليه اوكيه، مش موافق برضو اوكيه.
نهض خالد، محمولاً بالغضب والقهر الذي يعتمل بين ضلوعه جاعلًا إياه كجمرة مشتعلة تود إحراق من يقابلها، ولكنها تعود في النهاية لتنغرس بالطين منطفئة دون حيلة!
ثم أردف بصوت أجش فظ بعض الشيء:
-هفكر في شروطك وأرد عليك.
هز فارس رأسه دون اكتراث، متيقنًا داخله أن الانتظار التالي مجرد جسر للوصول لقمة ما يريد:
-تمام، بس ياريت ماتطولش، أنت عارفني بحب الإنجاز والسرعة.
لم يرد الاخر بشيء بل إنطلق مغادرًا كالسهم من قوس مشتعل، بينما فارس ينظر في اثاره بشبح ابتسامة راضية واثقة.
****
بعد فترة..
بدأ "عيسى" يطرق على الباب بعنف ينم عن غضب جم كجيش قادر على الهدم في التو واللحظة..
فُتح له الباب بعد أقل من دقيقة، ليهجم عيسى على الماثل امامه والذي كان في عمر يقارب عمره تقريبًا، أمسكه من ملابسه يدفعه للداخل بعنف وهو يزمجر فيه متسائلًا بشراسة:
-بعتني لإيهاب بكام يا ياسر؟!
وعلى عكس التوقعات، لم يهتاج ياسر ولم ينفعل دفاعًا عن نفسه، بل بدا ساكنًا وكأنه احترق وصار رمادًا فلم تعد تؤثر به أي نيران اخرى!
فقط هز رأسه نافيًا وهو يجيب بشيء من التبلد:
-أنا مابعتكش يا عيسى.
لوى عيسى شفتاه والتهكم ينضح من حروفه:
-امال إيهاب عرف منين إن أنا روحت هناك عشان أخد حاجتي.
هز كتفاه بقلة حيلة حقيقية:
-معرفش، بس أنا ماقولتلهوش حاجة، أنت عارف إيهاب مش سهل.
ثم تقهقر بخطواته للخلف وارتمى جسده على الأريكة كمن لم يعد يملك سيطرة عليه او قوة..
وردد بصوت أجوف بعيد... قارب أن يصبح هذيان:
-كنت عارف إنه مش سهل بس ماكنتش أعرف إنه سفاح.
عقد عيسى ما بين حاجبيه والخوف يضرب ضلوعه بعنف مطالبًا باحتلال قلبه الذي إنقبض، واقترب منه متسائلًا في توجس:
-سفاح! ليه؟ عمل إيه؟
رفع عيناه له فكانتا خاويتان.. ميتتان وجنازتهما تقام في كلماته السوداء التالية:
-عاقبني، عرف إني أنا اللي ساعدتك وعاقبني، قتل بنتي الوحيدة.
إتسعت مقلتا عيسى بعدم استيعاب حقيقي، والصدمة هذه المرة سببت فجوة لا تُغلق في عقله!
إيهاب سارق.. محتال.. ومؤذي.. ولكن قاتل أطفال؟!
لم يتوقعه دنيء لهذه الدرجة ابدًا، او ربما هو الذي رأى الشياطين بعين نقية.
إهتزت شفتا عيسى وهما تحاولان الزج بالحروف التي كانت ثقيلة جدًا:
-أنا مش عارف أقولك إيه أنا.....
قاطعه ياسر الذي نهض وهو يخبره بخشونة:
-ماتقولش، أنا لما ساعدتك، ساعدتك عشان كان بينا عيش وملح، وأنا خونت العيش والملح ده لما كنت شايفهم بيورطوك في جريمة قتل أنت ملكش علاقة بيها وسكت.
لم يهتم بصدمة عيسى الذي لم يكن يعلم، بل جل اهتمامه كان بالشق الثاني من حديثه:
-أنا هخليك تخلص من إيهاب خالص وأنا هخلص منه، وهتطلع من القضية.
استفسر عيسى وقد بدأ ذكاؤه يخونه للمرة الاولى، ربما إثر الصدمات التي تطرق عقله تباعًا:
-هتعمل إيه يعني؟
أخرج هاتفه من جيب بنطاله وهو يقول ماسحًا الدمعة التي كادت تفر من عينيه التي تفوح بالقهر والغدر:
-أنا كنت براقبلهم الجو في اليوم اللي قتل فيه جاد، وصورت له فيديو وهو بيقتل جاد بمطوتك بعد ما اتخانق معاه، كنت شايله عشان أضمن نفسي لإني عارف إيهاب ملهوش أمان وغدار، هديه للبوليس وهعترف إني شوفته بنفسي ولو الحكومة ماجابتليش حق بنتي هجيبه بإيدي.
رغم نفسه التي أعربت عن رضا داخلي كامل، إلا أن ضميره ألح عليه طرح سؤاله:
-أنت متأكد من قرارك ده؟ أنت كده ممكن تتدمر.
هز كتفاه بلامبالاة نتجت عن قلبه الذي إقتلعه إيهاب دون شفقة تاركًا إياه ينزف طيلة الحياة.. دون موت!
-أنا خلاص كده كده إتدمرت، بنتي كانت الحاجة الوحيدة النضيفة في حياتي، واهي راحت، حياتي مبقتش مهمة.
****
بعد فترة....
كان فارس في مكتبه في منزله، منهمك في أعماله التي لا تنتهي، خاصةً وهو قد بدأ يعد عدته للإنفصال بأعماله بشكل تام عن "خالد" بعد أن يُعيد لفيروز وأهلها حقوقهم، فهو لم ولن يكن جزء من مثلث الشر والظلم!
أتاه إتصال هاتفي من شخص بمثابة عين له في الشركة المنافسة له، اجاب بهدوء:
-ايوه يا ناصر.
-ايوه يا فارس بيه، حصلت حاجة مهمة وقولت حضرتك لازم تعرفها.
-حصل إيه؟
-في ورق يخص حضرتك وصلهم هنا.
الخبر جعله يترك كل ما بيده ويعيره كافة انتباهه متسائلًا في توجس:
-ورق إيه؟
-ورق صفقة ال**** اللي حضرتك شغال عليها.
إتسعت حدقتا فارس بعدم تصديق، كيف لهذا الورق أن يصل لهم!
كيف والنسخة الوحيدة هنا.. في منزله!!
ناقوس الخطر دق في عقله دون توقف، والذاكرة أشعلت ساحة عقله مذكرة إياه أن ذلك الورق لم يصل ليد احد سوى..... فيروز!
تعالت أنفاسه ولم يعد يستوعب شيء، لماذا تترك الورق بإرادتها في مكانه بعد أن ظن أنها أخذته، والان تعطه للشركة المعادية؟!
تراها انتظرت الوقت المناسب لتعطيهم ورقة رابحة ضده في الوقت المناسب تمامًا، حيث من المفترض أن يظن أن الفاعل خالد ليؤدبه، ولكنها لا تعلم أن ذلك الورق لم يذهب للشركة بتاتًا ولا يمكن أن يصل لخالد!!!
احتدت أنفاسه وبدأ سعير الغضب يزداد، فنهض على الفور مناديًا أسمها والغضب في تصاعد مستمر كالبركان مع كل ثانية:
-فيروز........!
الفصل العشرين ( الأخير ) :-
وقفت فيروز أمامه عاقدة حاجبيها تطالع زوبعة الغضب التي جعلت من ملامحه موطنًا لها، ثم سألته مستفسرة بتعجب نابت:
-في إيه يا فارس مالك؟
حروفه التالية كانت اجابة متنكرة في ثوب السؤال المُطرز بالشك:
-الورق بتاع صفقة ال**** اللي كان في مكتبي وخدتيه قبل كده ورجعتيه، وصل لشركة **** ازاي؟
ابتلعت ريقها وهي تهز رأسها، لم يكن الوقت الأنسب لإعلاء صدمتها من معرفته، ثم اجابت بهدوء:
-معرفش.
تابع من بين أسنانه:
-ازاي متعرفيش امال مين اللي يعرف؟!
هزت كتفاها معًا وهي تتشدق باستنكار افترش معالمها التي تجنحت بالسخرية:
-هو أنا مديرة مكتبك وأنا مش واخدة بالي ولا إيه يا فارس؟
نفى برأسه يبثها المنطق الذي نسجه الشيطان بعقله:
-لا مش مديرة مكتبي بس محدش كان يعرف إن الورق ده هنا في البيت، من الاخر الورق ده ماوصلش لإيد حد تاني غيرك.
هزت رأسها تؤكد منطقية شياطين الشك المهتاجة داخله:
-اه يبقى أنا اللي اديته لهم صح؟!
صمت، لا يستطع أن يجزم بذلك، او ربما لا يريد، لا يريد أن يتيقن من جهة الطعنة فيصبح وقعها أشد وأكثر ألمًا..
فهزت رأسها وأضافت بحروف يتوارى بينها التهكم:
-عندك حق، ماهو مش ممكن مثلًا يكون حد لعب لعبة خبيثة عشان يوصل للورق، فـ أكيد أنا اللي عايزاك تفلس علشان ماتبقاش أغنى مني.
تنهد وهو يخبرها مشيرًا في قلة حيلة وعقله يدور في مدار من الاسئلة بلا نهاية او جواب:
-أنا مش هفلس لإني أصلًا غيرت في الصفقة كتير يعني الورق مش هيضرني، الفكرة في الثقة، مين اللي عمل كده وقاصد يضرني!
راحت فيروز تخبره بصوت مهتز استشعر منه عمق الشرخ الذي أحدثه داخلها:
-الفكرة في الثقة فعلًا، ودي للأسف مش موجودة بينا، أنت مش هتنسى إني كذبت عليك واما يحصل أي حاجة، اول حاجة هتيجي على بالك إني بكذب عليك تاني، ما أنا كذبت بسهولة بقا !
داخله كان يؤيد ما تقول، ولكنه ليس بيده، هي خدشته بسكين الكذب سابقًا، فتركت هذه السكينة ندبة خفيفة داخله لا تُميت نعم، ولكن اثرها باقٍ، كلما نظر له تذكر ما فعلت..!
ولكن رغم ذلك لا يريدها أن تغادره، إن تركت فيه هي ندبة صغيرة لا تنسى، فحياته بدونها ما هي إلا ندبات من الماضي تمرر عليه الحاضر..!
تنهد بعمق وكأنه ينثر تلك الأتربة التي شوشت رؤيته العقلانية للأحداث، وهتف بينما يقترب منها:
-غصب عني، إتعصبت وأول حاجة جات في بالي إن محدش يعرف عن الورق غيرك.
-الكلام ده لما نكون عايشين أنا وأنت لوحدنا، مش معانا عُمال.
أشهرت عن أنياب شراستها التي اهتاجت بسبب وقع الظلم عليها، فأكد فارس دون تردد بخفوت محاولًا بلسمة ذلك الغضب داخلها:
-معاكي حق، أنا إتسرعت وده مش من طبعي وأنتي عارفة، حقك عليا.
تراجعت مبتعدة عنه خطوتان، وهزت رأسها نافية بأسف حقيقي:
-متأسفة يا فارس، بس زي ما شكيت فيا دلوقتي وارد تشك فيا في حاجة أكبر، العلاقة اللي تبقى مفيهاش ثقة مش هتنجح للأسف، أحنا لازم نتطلق زي ما كان هيحصل الأول.
جذبها من ذراعها فجأة يقربها له وهو يقول بنبرة خشنة متقدة بالتملك:
-مفيش الكلام ده، غلطت واعترفت بغلطي خلاص، زي ما أنتي عملتي قبل كده، لكن كلمة طلاق دي تنسيها من قاموسك، أنتي ليا وهتفضلي طول عمرك ليا.
ابتلعت ريقها ولم تجيب للحظات تحاول فيها الوصول لآمن طريق في ظل العتمة التي غطت روحها وتفكيرها، فعلى أي حال هو كلامه صحيح وهي لا تود خسارته، ولكنها تخشى أن تنهار تلك العلاقة اسفل حذوات الشك!
أخذت نفسًا عميقًا، ثم أفسحت المجال لحروفها الهادئة لترص بثبات:
-طيب أنا محتاجة أروح لماما كام يوم أهدى وأنت كمان تهدى وتكون عرفت مين اللي عمل كده.
رغم الاعتراض الفوري الذي كاد يشق الطريق لقمة لسانه، إلا أن حجمه موافقًا على مضض:
-تمام، اجهزي وهوصلك تقعدي عند مامتك يومين.
اومأت موافقة ثم تحركت بالفعل لتبدأ تجهيز ملابسها، فتوجه هو صوب المطبخ حيث مكان العاملة التي يثق بها ثقة عمياء لأنها معه منذ سنين..
ما إن وقف أمامها حتى سألها مباشرةً:
-فين البت اللي جبتيها تشتغل معاكي؟
أشارت ببطء والحروف تتلكأ بعض الشيء على عتبة فاهها:
-كانت هنا بس راحت تجيب حاجة، حصل إيه يا فارس بيه؟
أجابها والغضب لازال بركنٍ ما وسط كلماته:
-مدت ايديها على حاجة ماتخصهاش وإدتها لحد عايز يأذيني.
شهقت الاخرى متفاجئة، في نفس اللحظة التي ظهرت فيها الفتاة التي ارتعدت ما أن رأت فارس، اقترب منها فارس وهو يزمجر فيها:
-مين اللي طلب منك تصوريله الورق؟
غمغمت بصوت يكاد يسمع:
-ورق إيه يا بيه؟!
صرخ فيها باهتياج:
-ماتستعبطيش عليا لاحسن ورحمة أمي أسففك التراب وما هيهمني إنك بنت، محدش موجود في البيت غير أنتي وهي، وهي معايا من سنين، إنطقي.
كادت تبكي وهي تخبره بتوتر وخوف:
-والله العظيم يا بيه ما عملت حاجة، أنا يادوب صورتله الورق بس، وخدتلي كام قرش.
-مين؟
-خالد بيه.
همست بالإجابة التي كانت يحوم حولها شك فارس ولكنه كان بحاجة لبصمة مؤكدة.
فنظر فارس تجاه الاخرى وأردف آمرًا بحدة:
-تديها حسابها ومش عايز أشوف وشها هنا تاني، ولو مش هتقدري على شغل البيت لوحدك عرفيني أشوف حد غيرك.
اومأت مسرعة تتلاشى غضبه وقطع مصدر رزقها:
-هقدر يا فارس بيه هقدر.
****
بعد فترة...
وقف "خالد" ممسكًا برأسه، يتنفس بصوتٍ عالٍ نافثًا تلك النيران المتأججة داخله، فارس نجح في كل ما أراد ودمره دون عناء!
أعاد لفيروز أموالهم، ثم فصل شراكتهم سويًا، وإنسحب من المشروع الذي يضع به خالد كل أمواله، ليتركه في عرض بحر الغدر تلطمه أمواج الحسرة دون أن يجد مَن ينتشله من براثنها..
ضرب الزجاج أمامه بعنف حتى تشهم، وصرخ بصوتٍ عالٍ كأسد جريح في الصميم، ثم بدأ يزمجر بجنون:
-أنا تعمل فيا كده يا فارس! أنا !!
ثم ضرب بغل على فخذه وهو يتذكر، وراح يردد بما يشبه الهذيان:
-أنا اللي غبي وصدقتك، وكنت جاي من سفري عليك، اتاريك اتجوزتها وكنت بتخطط تجيبلها حقها ازاي.
ثم أشار متابعًا في قلة حيلة:
-بس أنا كنت مجبر أصدقك، لو ماكنتش صدقتك كده كده ماكنش في ايدي حاجة أعملها، حتى الورق طلع ملهوش لازمة.
سقط ارضًا على ركبتيه وبدأ يبكي فعليًا، وشعوره بأن كل المجد الذي صارع لصنعه لنفسه في السنوات الماضية ضاع هباءًا منثورًا يمزقه ببطء..!
****
بعد يومين..
فتحت "والدة فيروز" الباب لكارما التي كانت تطرقه، فدلفت كارما بابتسامة ودودة قائلة:
-ازيك يا طنط ام فيروز يا قمر.
اجابتها الاخرى بابتسامة توازي حلاوة وود ابتسامتها:
-كويسة يا كارما ياللي بتاكلي بعقلي حلاوة، ادخلي.
دلفت كارما وهي تنظر يمينًا ويسارًا بحثًا عن فيروز، فأجابت الاخرى سؤالها غير المنطوق:
-الموكوسة بتاعتنا جوه في البلكونة، ادخليلها وياريت تعرفي حصل إيه بينها وبين فارس عشان مقالتليش.
اومأت كارما وهي تضرب على صدرها بغرور مرددة:
-طبعًا، ثقي فيا.
ثم تحركت نحو فيروز التي كانت تجلس بصمت بائس متأملة الهواء الطلق، جلست جوارها واسترسلت بمرح:
-فيروزة قلبي، عمل فيكي إيه الواد فارس خلاكي تقعدي زي قرد قطع كده لوحدك؟
نظرت لها فيروز شزرًا وردت بحنق طفيف:
-فيروزة قلبك!؟ بقالي يومين هنا وأنتي لسه فاكرة تجيلي دلوقتي؟
أردفت كارما بصدق:
-ما أنتي عارفة الحوارات اللي عيسى كان فيها وماكناش متظبطين نفسيًا احنا الاتنين والله، واهوه اول ما الدنيا هديت الحمدلله جيت لك جري، ها بقا احكيلي.
تنهدت فيروز وهي تتمتم بصوت خافت مختنق:
-فارس مش بيثق فيا وعمره ما هيثق فيا.
أشارت لها كارما بيديها، بحس فكاهي لطالما امتلكته:
-من الاول يا سلوى.
بدأت فيروز تقص كل شيء على مسامع كارما التي رفعت حاجباها معًا مستنكرة:
-يا بنت المجنونة عايزه تطلقي عشان سألك على الورق؟
-هو ماكنش سؤال عادي.
اومأت كارما برأسها، وقالت بعقلانية:
-ايوه بس مايوصلش للطلاق، طب ما أنتي ضحكتي عليه فترة كبيرة ولعبتي عليه ومع ذلك لما عرف ماطلقكيش!
زفرت فيروز بصوت مسموع ثم أفرجت عن مخاوفها المحبوسة بين قضبان صدرها:
-مش عارفة، بس أنا خايفة يا كارما يفضل دايمًا شاكك فيا.
هزت كارما رأسها نافية وراحت تخبرها بهدوء:
-لا لا، أنتي لازم تعذريه برضو وتحطي نفسك مكانه، بس أنا واثقة إنه مش الشخصية الشكاكة اللي تخافي منها، اللي حصل ده بس كان الاثر السلبي بسبب تجربة الكذب بتاعتك معاه، وأنتي اهوه ادتيله انذار إن الموضوع ده مش سهل.
لم تنطق فيروز والأفكار تتماوج بعقلها حتى شعرت أنها تكاد تغرق فيها، لكزتها كارما في ذراعها مستطردة بشقاوة:
-ما تقومي نشوفلنا فيلم نتفرج عليه ولا حاجة بدل ما أنتي قاعدة زي البومه كده وهتجيبلنا اكتئاب.
نهضت فيروز وهي تهز رأسها ضاحكة رغمًا عنها:
-يتعافى المرء بأصدقائه فعلًا.
توجهتا صوب غرفة فيروز، ومضى بعض الوقت في مشاهدتهم للفيلم او مسامرتهم التي افتقدوها كثيرًا مؤخرًا..
وفي الخارج تعالت طرقات هادئة على الباب، فتحته والدة فيروز لتجد فارس أمامها، أفسحت له الطريق مرحبة:
-تعالى اتفضل يا فارس نورت البيت.
اجابها مبتسمًا:
-منور بوجودك يا ست الكل، امال فين فيروز؟
أشارت برأسها نحو غرفة فيروز وردت:
-جوه في اوضتها قاعدة مع صحبتها، بس أنا عايزه أتكلم معاك في حاجة قبل ما أناديها.
اومأ برأسه مسرعًا:
-طبعًا اتفضلي.
جلست جواره، ثم تنحنحت قبل أن تقول مُطلقة حروفها التي ارتج داخلها بها طيلة اليومين الماضيين:
-بص يا فارس، أنا عارفة إن ظروف جوازك أنت وفيروز مختلفة، وإنك يمكن اتجوزتها شهامة منك، وأنا وكلت أمري لله، ولما لاقيت إنها مبسوطة معاك وإن اللي حصل تدبير من ربنا سكت، لكن لو أنت مش قادر تكمل ومُحرج او مش لاقي سبب قولي وأنا هعرف أوصل ده لفيروز بطريقتي.
إتسعت عينا فارس بعدم تصديق، ثم نفى مسرعًا ما وصل لإدراكها:
-لا طبعًا، هي اللي قالتلك كده؟
-لا هي ماقالتش حاجة، بس كان واجب عليا أقولك الكلمتين دول.
تنهد فارس، وحاول استجماع شتات الكلمات العاطفية المتدفقة داخله والتي لم يعتد أن تخرج أمام اي شخص هكذا:
-صدقيني أنا حبيت فيروز فعلًا ومش عايز غيرها زوجة ليا، واللي حصل سوء تفاهم وغلط مني وأنا جاي أصلحه وأصالحها، خليكي متأكدة إني اتجوزتها بكامل ارادتي مش مجرد شهامة مني.
حلقت على ثغرها ابتسامة حكت الراحة النفسية التي بثتها فيها كلماته، ثم نهضت متابعة:
-طب أنا هقوم أناديهالك.
وبالفعل خرجتا كلتاهما بعد دقائق معدودة، وتنحنحت كارما متحججة لتغادر:
-أنا هروح أشوف عيسى بقا وأحضرله العشا.
سايرها فارس بمرح ماكر بعض الشيء:
-اه يادوبك تلحقي، حضرليه بضمير يا كارما الراجل هفتان ومحتاج يتغذى.
فضحكت كارما وهي تجيبه:
-عنيا.
ثم غادرت بالفعل تحت أنظار فيروز التي كانت تدعي الجمود وإخفاء دقات قلبها التي تتراقص مهللة بحضوره، ثم استدارت ودلفت لغرفتها من جديد دون أن تقول شيء، فاقترب منها فارس قائلًا بشقاوة ومرح:
-تعرفي إني بحب الفرنساوي اكتر من الالماني.
عقدت ما بين حاجبيها متعجبة من الكلمات التي لم تتوقع تقدمها للحوار الان:
-نعم؟! ودا ليه؟
اقترب منها أكثر وأكمل بنبرة درامية يلجأ لها احيانًا:
=عشان مفيش حاجة ألماني غير زعلك.
كادت الضحكة تشق عبوس وجهها مجبرة إياها على الاستسلام وإنهاء ذلك الخصام، إلا أنها جاهدت لتحافظ على ثبات لوحة الجمود الزائفة على وجهها، وتشدقت بعفوية:
-بقولك إيه يا عم فارس آآ....
إتسعت عيناه بصدمة درامية زائفة:
-يا عم فارس! لا بقا دي هُزلت، فارس بيه ابو الدهب اللي كنت بتحايل عليكي عشان تقولي فارس بس بقيت عم فارس! ادي اخرة الدلع الزايد.
لوت شفتاها متهكمة:
-دلع زايد اه أنت هتقولي.
فرفع حاجبه الأيسر بتأهب مصطنع:
-إيه تنكري إني مدلعك؟
هزت رأسها بسخرية مخلوطة بفكاهه:
-أنكر؟ أنا أقدر برضو، ده أنت منكد عليا نكد ماتمناهوش لألد أعدائي والله.
نهرها فارس:
-بنت!
-إيه بنت دي؟ أنت عايش في العصر الكام؟
لينفرج ثغره بابتسامة مشاكسة وعابثة في آنٍ واحد وهو يهتف بينما يقترب منها ببطء:
-خلاص ولد، تعالى ياض يا حليوه أنت بقا صالحني.
إتسعت حدقتاها في ذهول حقيقي:
-نعم! على فكره أنت المفروض جاي تصالحني.
هز رأسه نافيًا ببراءة ظاهرية:
-لا ما أنا حاولت وأنتي رفضتي محاولتي وجرحتي كبريائي، صالحيني يلا.
صاحت فيه بغيظ إنفجر في أوردتها:
-يعني أنت عندك كبرياء وأنا عندي حزمة جرجير؟!
قال بجدية مفاجئة شكت في صدقها فيروز:
-بقولك إيه يا فيروز، سيبك من طبق السلطة ده دلوقتي وقوليلي، بتحبي الشاي؟
أكدت بهدوء متعجبة:
-اه، ليه؟
ليترآى لها المكر الذي لمع في عينيه وهو يسألها بوقاحة لم تعد تُصدمها منه:
-طب مانفسكيش في تفل مني؟
صاحت فيه بحرج وهي تتراجع مبتعدة عنه:
-فارس!
اقترب منها اكثر وهو يردد بنبرة خافتة عاشقة:
-عيونه.
بتحذير زائف أضافت:
-بطل الكلام دا.
وفارس مدعيًا البراءة والجدية أكمل:
-كلام إيه!! أنا محتاج عزوة وسند قبل ما أموت، طب خلاص هتكلم بجد.
ثم مال نحوها حتى إلتصق بها وغمزها بطرف عينيه:
-ما تيجي نشرب شاي وأقولك بحبك ازاي.
ضحكت متخلية عن عبوسها الزائد، وسألته مشاكسة:
-أنت إيه حكايتك مع الشاي النهارده؟
زفر فارس يصطنع قلة الحيلة، والمكر يندس بحروفه:
-بحبه ياستي، بحبه رغم إنه ممرر حياتي.
رفعت حاجبها الأيسر والابتسامة لم تغادر فاهها كليًا:
-والله؟
اقترب منها أكثر حتى صار يُفرق بينهما إنشات قليلة، وقال والشقاوة تغلف نبرته:
-اه والله، ها قولتي إيه، هتجيبي الشاي وأقولك بحبك ازاي؟
عادت خطوة للخلف مبتعدة عنه، وهي تردد:
-لا ما أنا عارفة.
فاقترب أكثر:
-لا شكلك مش عارفة.
-لا اله الا الله يا عم بقولك عارفة.
حاصرها اخيرًا بين جسده العريض الدافئ وبين الحائط من خلفها، واستطرد بعبث حمل لمحة من مجون مشاعره التي إنتفضت ثائرة في عروقه:
-لا ما أنا هعرفك يعني هعرفك، متحاوليش، المكان كله محاصر.
ضحكت فيروز وضحك هو الاخر، ثم دون أن يعطها الفرصة لقول المزيد كان يلصقها به تمامًا، وشفتاه تخاطب شفتاها الكرزية، تحكي لها شوقًا نشب بقلبه كحريق ضاري يعجز كل شيء عن اطفائه سوى وصالها المنشود، ليهدأ لوع قلبه قليلًا بعدما تيقن من وضع صك ملكيته على مالكته.
****
في منزل عيسى....
اقترب عيسى من كارما التي كانت تجلس أمام التلفاز، تضع طلاء الأظافر بمزاج اصبح رائق مؤخرًا بعدما عكره إيهاب، ولكن جاءت العدالة الإلهية لتعيد كل شيء لوضعه الطبيعي من جديد؛ بسجن إيهاب وإنسلات عيسى من تلك القضية التي كانت تؤرق مضجعه.
احتضنها من الخلف، دافنًا وجهها بين خصلاتها السوداء الناعمة ذات الرائحة المميزة التي يعشق، وهمس بسُكر عاطفي وعبث:
-مساء البسبوسة ممكن تجيبي بوسة.
نفت بدلال متعمد:
-تؤ.
فابتعد عنها قليلًا، وهتف في غيظ:
-هو إيه اللي تؤ! مش كفاية إني سايبك قاعدة مع صاحبتك كام ساعة، وبعد ما رجعتي عماله تحطيلي مانكير ومفيش أي اهتمام بزوجك قرة عينك اللي المفروض ليه عليكي حقوق.
-إيه ده في إيه، احنا هنخش على شغل بعض ولا إيه؟ النكد ده تخصصي أنا.
تخصرت بغلاظة وهي تطالعه بنظراتها المتهمة، فتململ في وقفته مشاكسًا إياها بقوله:
-لا ما أنا قولت أغير شوية اهو يبقى في كريتيڤ.
ثم رفع يده سريعًا يغطي فكه مستكملًا في مكر:
-وبعدين يا هانم ده أنا تعبان وانتي متعرفيش.
نظرت إليه بنصف عين على دراية تامة بألاعيبه لكنها سايرته قائلة:
-وتعبان مالك ان شاء الله؟
-ضرسي واجعني.
قالها فيما يميل نحوها مقربًا جانب وجهه من وجهها، فرفعت كفها تكبح تقدمه قائلة في نبرتها الساخرة:
-ما تروح لدكتور السنان.
حاوط كفها المستقر فوق صدره يمنعها من دفعه فيما يهمس أمام وجهها الأحمر:
-ما أنا مش بحب أروح لدكاترة الأسنان عشان كل ما أروح يقولولي ابعد عن الحلويات وأنا مقدرش ابعد عنك.
رنت ضحكة صغيرة منها في الأرجاء قبل أن تلكزه رافضة تقدمه لكن القبول كان يشع من عينيها بقولها الممازح:
-طيب والله كريتيڤ، راح أعطيك 10 من 10 ونجمة.
لمعت عيناه في فخر وهو يوازي ابتسامتها ثم قال:
-لا ده أنا اعجبك اوي.
شبك أصابعه بأصابعها يقربها منه ثم أستكمل قائلًا:
-المهم بقا، مش هنشوف حاجة أفيد من ام المانكير اللي بقالك ساعة بتحطيه ده؟
-حاجة زي أيه؟
سألت تراوغه رغم معرفتها لنواياه، فاستطرد سريعًا بكل براءة:
-زي ممارسة الرياضة مثلًا.
-ممارسة الرياضة!
-اه، مش بيقولوا العقل السليم في الجسم السليم؟ انتي شكلك مكنتيش بتحضري الاذاعة في الطابور.
قالها وهو يحيط جسدها بذراعيه القوية ويطبق عليها يفقدها قدرتها على الفرار، فردت سريعًا وهي تحاول التخلص من قبضته:
-لا تصدق ماكنتش بحضر.
استرسل بنبرة صبيانية وابتسامة لذيذة:
-طب تعرفي إن القبلات بتحرق من 4ل6 سعرة حرارية، وأنا عاوز أتمرن.
لكذته في كتفه تنهره مصطنعة الحنق، وقد تضرجت وجنتيها بحمرة خفيفة من الخجل:
-تتمرن إيه اتلم.
فتشدق مُصرًا وتحلى صوته بالحس الفكاهي اللذيذ:
-عاوز أتمرن يا عدوة الرياضة والصحة، لا أنا ممكن أسامح في أي حاجة إلا اهتمامي بالرياضة معلش.
زجرته محذرة:
-عيسى! ماما زمانها جايه.
-جايه بعد شوية هاها.
ضحكت وهي تخبره من وسط بقايا ضحكتها:
-بتكلم بجد على فكره.
هز كتفاه تزامنًا مع رأسه كعلامة على ثقته:
-لا ما هو أكيد أنا مش نحس للدرجة عشان أمك تختار اللخظة دي بالذات وتيجي.
قاطعته طرقات الباب فتجمد مكانه لثوانٍ وقد جاءه الرد على ثقته البلهاء سريعًا، فضحكت كارما، فيما فتح هو الباب قائلًا بنبرة درامية:
-اهلًا اهلًا يا حماتي، لسه كنت بقول لكارما اتصلي شوفيها اتأخرت ليه، اتفضلي نورتي يا غالية.
كانت كارما تكتم ضحكتها التي صارعت لتصدح علانيةً، فيما ردت والدتها مبتسمة تشاكسهم وقد بدأت تتحرك نحو الداخل:
-يزيد فضلك يا حبيبي، إيه انتوا كنتوا مستنيني قدام الباب ولا إيه!
فنفى عيسى بانطلاقة وكاد يخبرها:
-لا دا أنا كنت بشرح لكارما آآ...
قاطعته كارما واضعة يدها على فمه وقد إحتدت عيناها في تحذير، فأكمل ببراءة بعد أن حرر فمه من قبضتها:
-بشرحلها كيفية ممارسة الرياضة في البيت بدون مجهود.
ثم غمزها بمكر وتابع هامسًا:
-ما تصفوا النية شوية بقا، على طول دماغك حادفة شمال؟ اما قلة ادب بصحيح.
تمت بحمد الله