رواية اصرة العزايزة الجزء الثاني2الفصل العاشر10بقلم نهال مصطفي



رواية اصرة العزايزة الجزء الثاني2الفصل العاشر10بقلم نهال مصطفي






~العزايـزة صباحًا .. 

تسللت خطوط شمس الصباح من عند البيت الخشبي الذي يأسر بداخله قلبين اجتماعا على طاولة الحُب .. كانت نائمة كفراشات الربيع فوق زهور الياسميـن ، تتنفس بهدوء .. ذراعها يطوق رأسه النائمة بحضنها .. كان يدفء جسدها الصغير ببنيته القوية ، يخشى عليها غدر الطقس فماذا عن غدر البشر؟! 

تراقصت جفونه على لحن رائحتها المميزة ، ليجد نفسه بحضن إمراة خلدت اسمه على جدار قصر الحب بعد ما كان من الهاربيين منه .. سحب كفه اليمين الذي يحضن يسارها بحرص ليرفع نفسه قليلًا كي تتيح له فرصة تأملها عن قُرب ، أمطرت عينيه نجوم الحُب على ملامحها النائمة وهو يغازل خصلات شعرها التي تزيدها جمالًا ؛ ويلقي سؤاله الأخير متعجبًا .. بأي ظفر خدشتي لوحة الزمن على سجيتك لتكون النتيجة هكذا !! قلبَ الزمان قلوب البشر عليكِ ليسقطك بغابة لا أحد يرحم بها !! 

وِلدتي من جوف الحُب في ظلمة كهف مرعب ، وكتبت لكِ الأقدار عيشة قاسية؟! تخبطتي في دروب الحياة حتى ألقاكي القدر كقميص يوسف على قلب رجل أعمى الحُب والنساء!! يبدو أن الأقدار جاءت لتعتذر لكِ مُؤخرًا ، عندما أوصدت قلبي عن كل شيء لسنوات يكابر هذا القلب ويعلنها بإنه لا يريد ، لا شهية له بمذاق النساء !! ولكن ها هو الجواب أدركته الآن !! لم يكن هذا القلب عاكفًا في محراب العُزلة !! لم يترهبن عن الحُب !! كان يعلم طريقه جيدًا وهو لقياكِ في نهاية المطاف !! 
عشُت هنيئًا بوحدتي ، وعشتِ في شقاء وحدتك ، ومن ذلك اليوم الذي جمعنا فيـه سلطان الهوى ، أراد أن يزيل عن عاتقك الشقاء برفقتي ، ورص أحجار العناء فوقي بدلًا منكِ .. 

مرر كفه على ملامح وجهها القُطنية وأتبع صدى صوت قلبه :
-أهلًا بكِ وبحبكِ وبنسبك ، دمنـا طلع واحد وقلبي اللي كنت فاكره عصاني واتمرد على قبيلة بحالها ، طلع دليلي ليكي !! 

طبع قبلة رقيقة على خدها وأتبع متأملًا بجمالها المريح للعين والقلب :
-الطلة في وشك اكدتت لي كلام أحلام ، كانت تقول لي أوعاك تاخد غير اللي قلبك رايدها ، طول عمرها أحلام صح ، طول عمرها شايفة اللي عمري ما شوفته !! چيتي منين أنتِ وحبك المتسلسل جواة قلبي ديه يابت الناس !! 

ظل يمسح على شعرها برفق ومن حين لآخر يمطر قلبه بالقُبل الخفيفة حتى امتلأت رئتها من غيث حبه ، فتراقصت جفونها على شروق ملامحه التي تعلوها .. تبسمت بخجل تحت أسره :

-صباح الخيـر يا عُمدة .. -ثم تاهت في سحر النظرات- بتبص لي كده ليه ؟

-والمفروض أبص لچمالك كيف !! قوليلي !! قلت أملي عيني منك ، قلبي مش مستكفي . 

-طيب كنت بتعمل أيه ؟!

-كنت بوصي قلبك عليّ..

-هو مش محتاج وصايه وو 
تملصت بخفة من تحت يده وهي تبلل شفتيها التي أغوته أكثر :
-أنت نمت في حضني طول الليل ، مش كده !! 

أردف بحنو وهو يمر ظهر أصابعه على وجهها :
-أنا عمري ما نمت زي الليلة دي . 

فأتبعت بشرود :
-وأنا عمري ما اتخيلت ان القدر هيجمعني برجل أنام في حضنه من غير خوف ، بعد حضن بابي وجدو .. 

تذكر للحظـة نصيحة الطبيب الأخيرة ، والذي أوصاه على اللحن فوق أوتار الأنثى التي تسكنها ، فقال مداعبًا :

-بس مش زي حضن أبوكي وچدك قوي يعني ولا أنا غلطان !! 

داعبت لحيته الخفيفة للغاية بأناملها وكأن عقارب الساعة وقفت عندهما وهي تقول بامتنان :
-في هدوء واطمئنان معاك ، مفيش خوف من أي حاجة ولا بفكر في أي حاجة وأحنا سوا ، حتى لما تغيب عني بفكر فيك وبس ..

أمسك بطرفي اصبعـه ذقنها وهو يمازحها بلطفٍ خفي :
-بس أكيد في مشاعر تانية لازمًا تحسيها وأنتِ معاي غير أنك تكوني مطمنـه وبس .. 

بللت شفتها الجافـة بتوجسٍ وهي تراوغـه :
-هو فيه شعور أهم من الاطمئنان يا عمدة المفروض أحس بيه معاك ؟! 

رفع حاجبه مستنكرًا بتلاعب :
-عيقولوا .. 

تدللت عليه :
-بيقولوا أيـه بقا !! 

فكر للحظـة كيف يداعب عقل الطفلة التي يسكنهـا وهو يقول بعد تنهيدة لامست ملامحهـا :
-أني چوزك ، والمفروض اللي يتعاش ويتحس معاي ، غيـر أي حد !! 

-بس أنا مطمنة، مش كفايـه ؟! 

خيم اليأس فوق ملامحه وهو يقول باختصار :
-لا .. لرچل طماع في هواكي مش كفاية .. 

وما تأهب أن يرفع نفسه ليغادرها طاويًا صُحف العشق بقلبه إلى أن تذاع في وقتها المناسب ، فأمسكت به رافضة بعده لتردف بنبرة مهزوزة :
-استنى .. عارف الأول يعني أيـه مطمنـة ، يعني مش خايفة منك وواثقـة أنك مهما عملت مش هتأذيني .. مطمنـة يعني أنا موافقة اتعلم وأعيش معاك كل المشاعر الخاصـة بينـا مع بعض .. قلبي اطمن بيك يا هارون وقفل عليك .. أنا ليك وبس … 

تلك المرة تولى هو مهمـة ترطيب شفتيها الجافـة بشـهد الحُب ، ألتقى العشاق على ضفـة نهر الحُب يسبحان مع موجـه ، وكل منهما يحاول أن يثبت للآخر أنه أهَمُ ماحدثَ فيِ حياته .. ممتنيـن  لبداية القِصة على نَحوها العَجيب مِثل أن تجمعنا الطُرق المتفرق ، أن يجمعنا أول حوار ثم حُب من أوُل نَظرة لقَد كَان كل هذا جَميل مثل حُلم بوسط النِجوم ولا يريد أحد أن يفارقه مَهما حَدث .. 

لحظات مسروقة من بين أنياب الزمن الذي يؤجل اتصال أرواحهم .. عاد له رشـده بعد لحظات من الغرق ليجدها مُرحبة بهِ في أي وقت .. تدخل سيف الواقع ليبتر جمال تلاقيهم ، ختم جولته بقبلة طويلة رسيت على جبهتهـا وهو يلفظ أنفاسـه بثقـلٍ قبل أن يُغادرها ليحميها منه ومن حبه الفائض قبل أي شيء هامسًا :

-مش هينفع أكون أناني وأخطف الوردة قبل أوانها .. ربنا يصبر قلبي لليـوم ديه .. 
ليلة ؛ هارون العزايزي عاشقـك لآخر يوم في عمره . 

لم يتحمل انتظار ردها الذي لم يستطع محاربتـه أمام حسنها وحُبها ورغبته فيها .. هرب من جملة مشاعره للحمام ليترك للماء مهمـة إضفاء حرائقـه .. تركها في لهيب الحُب وبرودة البُعد .. عاد لها رشدها لتعاتب نفسها عما حدث وعما قالت ، وعما كانت معه .. جميعها مشاعر وِلدت على يديـه .. فارقت مرقدها بسرعة جنونيـة وأردت حذائها وفرت العصفور هاربة من قفصها .. هاربة للتحرر من كم الحب والخجل المتراكم بداخلهـا … وهي تتساءل كيف حدث كل هذا !! كيف وأي حب ذلك الذي تغلب على العقل والمنطق والخوف !! 

•••••••••••••
أسوأ ما قيل عن الخذلان :
-أسَفي على البيت الذي ناديتُه من فرَط وحشاتِ الملاجئَ مَنزلي .. 

لأول مرة بعد فترة انقطاع طويلة عن الصلاة ، صلت رغد الفجر ، بعد ما رأت هلال مغادرًا من بيته لبيت الله ، ذهبت حينها لرقية التي تأكدت من يقظتها وهي بالمطبخ تعد بعض السندوتشات .. تبادل الاثنين الهمـوم حتى دلتها رقية على طريق الصلاة.. قضت رغد خواتيم ليلتها وبدايات نهارها على سجادة الصلاة حتى سكن الهدوء قلبها بقرارها الحتمي .. 

كان هاشـم جالسًا على مكتبـه يتشاجر مع دخان تبغـه ، حتى دخل عليه الجندي قائلًا :
-هاشم بيه، تم تأمين حدود المنطقة بأكملها .. بس في عيل صغير جاب الظرف ده وجري ..

شق الظرف ليتطلع عما فيـه بلهفـة ، فوجد به رصاصة مع ورقـة مكتوب فيها تهديد صريح :
-تفتكر الرصاصة دي هتحدد مصير مين فينا ، أنا ولا أنت !! معاك يومين ياحضرة الظابط ، لو منفذتش وبقيت معانا يبقى تنسى رغد للأبد .. 

عصر الورقة بيده في اللحظة التي أتاه فيها صوت رنيـن هاتفـه باسم " البكباشي "  ، لمست شرارة الحنيـن جزء معين في قلبـه ، فأشار للجندي قائلًا :
-طب اطلع أنتَ .. 

فكر للحظات حتى انتهى رنيـن هاتفـه وانقطع آخر أمل بقلـب رغد التي يعذبها تيار الحب والكبرياء .. لم يمض الكثير فعاود الاتصال بها بأمر قلبـه .. تناولت الهاتف بأيدي مرتعشة لتقول بنبرة خفيضة وهي تحضن قلبها :

-ألو … 

ابتلع تنهيدته وعذاب حيرته :
-أيوة يا رغد .. 

ذرفت الدموع من مُقلتيها لعقم الحديث بينهمـا بعد ما كان سلسًا كالماء ، ثقل لسانها عن التعبير لمدى اشتياقها وهي تطوى الحب بالأسى :

-مش هطول عليـك ، بس حبيت أعرفك قراري .. 

صمت تام منه على تنهيدات روحها الممزقة وهي تبلل شفتيها بدمع حزنها :
-أنتَ كنت صح يا هاشم ، أنا هعمـل اللي أنتَ تطلبـه .. أنا هنزل البيبي وو

ثم شهقت بحرقة من ألم القرار وأتبعت ببكاء :
-بس عندي طلب آخير ، تطلقني يا هاشم ، تطلقني وسيبني أرجع لحياتي قبل ما أشوفك .. أنا قررت أنهي كل حاجة مابينـا ، مش ده طلبك .. 

اعتصرت قلبها منتظرة رده الصامت ، رده الذي يتوسل إليها أن تتراجع عن قرارها ، يبدي علنًا رغبته فيها وبطفلها ، لا يعرض حياتها للخطر لأجل أنانيتـه ، مسكت يداه رصاصـة والدها وقال بجفاء :

-اللي عايزاه أنا هعملهولك .. 

لم تتحمل حدة قسوته أكثر من ذلك ، سقط الهاتف من يدها وهي تنهار في وحل آهاتها ، صوت شهقاتها التي فشلت في كتمها كانت تعلو شيئًا فشيئًا .. وهج حارق يتصاعد من قلبها وهي تتلوى بحريق الخذلان .. ظلت تتساءل للعديد من المرات :

-ليـه ليييه كده يا هاشم ، ليه قفلتها القفلـة دي !! أنا أستاهل منك كده !! يارب أرحمني من الوجع ده .. أنا كان نفسي في طفل بس يعوضني عن القسوة دي … 

~بغرفة أحلام .. 

كانت تضم " ليلة " الصامتـة والشاردة في سحر المكان الذي سافرت إليه معـه .. ظلت تتأكل في أظافرها بتفكيـر تحت مظلة تساؤلات "أحلام" المتكررة حول أمرها وجوابها العقيم :

-يابتي ريحي قلبي ، هارون زعلك !! 

هزت رأسها نافيـة :
-أنا عمري ما أقدر أزعل من هارون .. 

شكت أحلام بأمر حديثها مع هارون بالأمس ، ربما كان قد نفذ أمرها ، فأتبعت :
-طب يا حبيبتي لو حصل أي حاچة بيناتكم متنسيش إنك مرته وحلاله وو 

-محصلش حاجة يا أحلام .. 
ثم تأهبت ملهوفة للتتساءل :
- ليـه العزايزة قوانينهم صعبة كده ، يعني هارون مصمم أننا لازم نتجوز قِدام الناس وفرح كبير ، وأنا مش عارفة كل ده هيحصل امتى ، ليه يا أحلام القوانين الصعبة دي ؟! 

تنهدت بحرقـة وهي تعود بالذكريات :
-زمان قوي كان فيه راجل فلاح باليومية اسمـه الحج عزيز على كد حاله مخلف ٦ ولاد وبت ، كل ما يتقدموا لحد من البلد يرفضوهم عشان كانت حالتهم عدم .. وكان رزقه هو وعياله قليل قوي في الدنيا مهما سعوا مفيش رزق في يدهم  .. والعيال سنهم كبر ومفيش حد راضي يچوزهم في البلد وكانوا منبوذين من الكل .. 

انتبهت ليلة لأصل القصـة :
-وبعدين يا أحلام ، عملوا أيه ؟! 

-في يوم طلعوا الست رچالة وخطيب أختهم طلعة الجبل يحملوا حجـارة ، ووقعهم القدر على عروسة دهب طولها ربع متر وتحت منيها مقربة فرعونيـة فيها من الدهب يكفي أجيال .. 

انكمشت معالم وجهها بذهولٍ :
-أحلام الكلام ده بجد ..

أتبعت أحلام بهدوء:
-السبع رچالة قضوا ٣ أيام بلياليهم في الچبل ، عشان يفتحوا المقبرة دي ، لغايـة ما لقيوا مخطوطة بتقول أن فتح المقبرة دي بشروط وماينفعش حد يكسرها ليوم الدين الحساب ..

-هااه وبعدين يا أحلام … ؟! ايه هي الشروط دي ؟! 

-كانت المخطوطة فيها كُل أعراف العزايزة وهي تنتمى لأصل قديم من أيام الفراعنة ، أسرة ملكيـة قديمة كلها چوازها قائم على الدم.. وعقدوا سحرهم وطلاسيمهم على المكان أن صحابه لازمًا يكملوا سلالاتهم عشان يوصلوا للذهب .. 

برقت عيني ليلة من شدة الحماس :
-وبعدين ! كملي .. 

-كل الشروط كان معقولة ، إلا أن اللي يفتح المقبرة يكونوا كلهم من دم واحد ، طب وخطيب اللي اكتشف المكان ، كان هيبقى أيه وضعه ، ساعتها قرروا يقفلوا على الحوار كام يوم ، رچعوا عچلوا بچوازة أختهم عشان رشاد الخواچة يبقى من دمهم .. ومن إهنه چيه لقب بيت الخواجة والنسب المتطرف ، اللي أنا منه .. لأن نسبهم للعزايزة كانوا من طرف البت .. 

بدّ الانبهار على ملامحها :
-واو بجد .. كنت عايزة أعرف يعني اي نسب مطرف وخواجة اللي قال عليهم هيثم .. وبعدين فتحوا المقبرة !!

أحلام باستسلام :
-فتحوا المقبرة يا ليلة بعد چواز اختهم بـ٣ أيام والحارس اللي عليها قالهم ، لو حد خالف أحكام الأسرة الملكيـة دي هتصيبه اللعنة واتجبروا الست ولاد يتچوزوا بنات عمامهم وبس ويبنوا بيوتهم فوق المقبرة دي ، عشان إكده اترسخ في العقول چوازة غير الدم هتچيب الدمار ، فالكـل خايف من اللعنة .. طلعوا العزايزة ولغاية اللحظة دي تحت يدهم مال ملهوش آخر يا بتي .. اشتروا كل أراضي البلد، وبقيوا الناس يتمنوا نسبهم ، وعشان يحفظوا كرامتهم اكتفوا ببعض ومحدش غريب يشاركهم مالهم .. 

تنهدت بحيرة :
-قصـة غريبة أوي يا أحلام ، طيب الشيخ هلال محاولش يغير أيه حاجة ، يعني كان مصدق الكلام ده ؟!

أجابتها أحلام بطيب خاطر :
-حاول يا كبدي لغاية ما اتغلب على أمره وسكت .. بس شاهدة لله أي حاچة كان هيتعلق عليها دم او غضب ربنا كان يقف في وشها لغاية ما يحلها .. ومكنش على لسانه غير " إن الله لا يصلح ما بقومٍ حتى يصلحوا ما بأنفسهم " وأديكي شوفتي وقفته قصاد الكُل عشان رقيـة .. 

رأت صعوبة الطريق أمامها لتردف بخزى :
-يعني كده ممكن بجوازي أنا وهارون نتأذى !! 

تمتمت بشكٍ:
-بيقولوا مفيش اتنين نفس الدم بيتأذوا يابتي!

عقدت حاجبيها باندهاش :
-مش فاهمة يا أحلام ..

غيرت أحلام مسار الحوار لتقول :
-المهم أيه اللي مخليكي من على بعضك من ساعة ما جيتي .. 

قضمت أناملها بحياء وهي تتذكر لحظات الونس بحضنـه لتقول :
-أحلام هو الحُب بيخلينا نعمل حاجات مستحيل نتخيـل إننا ممكن نعمـلها أبدًا .. 

بدّ عليها الارتباك والتوتر وهي توضح بعشوائية :
-مش عارفة ينفع أقول كده ولا لا ، بس أنا في حضن هارون ببقى واحدة تانية .. واحدة ماينفعش تكون هي أنا .. ده صح ولا غلط ولا ايه !! أنا كل يوم بحبه أكتر وبحس ناحيته بحاجات حلوه أوي !! ده أيه !! أنا عمري ما كنت متلخبطة زي كده.. بس هو ملخبطني يا أحلام .. 

تورد وجه العجوز بسلام داخلي وهي تمسح على رأسها :
-هو بعينه يا ضنايا الحب وسنينه ، الحب والحلال لما يتچمعوا في فرشة واحدة بينسوا الدنيـا واللي عليها ، تبقيش هبلة وأمشي ورا قلبـك .. وهني چوزك وشبعيه منك ديه حلالك مفيش بناتكم كسوف وو

قاطعتها بتمرد على قلبها هاربة :
-لا يا أحلام !! عيب كده ، أنا غلطانة إني بدردش معاكي ، بصي أنا هروح الحمام بعد أذنك ..

ردت متعجبة :
-شوف البت واقعة لشوشتها وعند أحلام اللي قارياها عيب يا أحلام !! 

قُفل باب وفُتح الأخر ، قفل باب على قلب يريد أن يحرر حبه ، وفتح باب على قلب مجبر أن يطوى صحف حبه ، دلفت رغد المنهارة من البكاء لتندفع باكية بحضن أحلام وهي ترتعش من قسوة الألم .. تنحب ببكاء قهري يهدم بقلبها ، ضمتها أحلام بلهفة :

-ضمينك النبي يا حبيبتي ، اسم الله عليكي چرالك أيه ما كُنت زينة ! يابتي متوچعيش قلبي عليكي !! 

بوجه يغسله الحزن أردفت رغد :
-أنا خلاص هنزل البيبي يا أحلام .. خلاص كل حاجة انتهت .. أنا لازم أقطع كل حاجة مع هاشم .. هقتل ابني عشان وجع قلبي يخف .. أنا اللي عملت في نفسي كل ده !! طيب أنا الجانية على نفسي ؟! أنا حبيته بس يا أحلام ، هاشم بيقتلني بسلاح بارد أوي .

ضربت أحلام على صدرها بسخط :
-أعوذ بالله ، أخزى الشيطان يابتي ، تقتلي مين !! چرى أيه لكل ديه !! كله هيتحل بالهداوة .

تحت صدمة بكاءها :
-هاشم مايستاهلش يبقى أب ، وأنا مستاهلش اتحمل العذاب ده كله وحدي، الطفل ده لازم ينزل ، مش هنعالج الغلط بغلط ..

دخل هارون في هذه اللحظة ليفتش عن ليلة التي غادرت عشه ، ففوجئ بحالة رغد ، حرجت ليلة من المرحاض في نفس اللحظة ، لتنفجر أحلام وتخرج عن صمتها صارخة :

-هارون تكلم أخوك ياچي دلوق وإلا ورب العزة ما لساني يخاطب لسانه تاني ..

ركضت ليلة بلهفة نحو رغد التي تستميت من قسوة الحزن ، فأتبعت أحلام مُجيبة على سؤال هارون :

-أخوك موافق على قتل ولده .. كلم أخوك يا هارون الوضع ديه لازم يتحل الليلة دي….

جاء هيثم راكضًا من الخارج :
-ألحق يا هارون ، في نصيبة من تحت راح واد سويلم ….

•••••••••••

~بغُرفة هيام ..

كان الباب مغلقًا على الأخ وأختـه وزوجته .. فأنهى هلال الذي نقل حديث أمس لأخته نيابة عن أخيه هارون وقال :

-أيه رأيك يا هيام ؟! موافقـة تتچوز دكتور عمار …؟!

فأتبعت رقية بفرحة وهي تحضن توترها وخجلها :
-أيه يا عروسة !! ودي محتاجة تفكير.. 

تبسم هلال وهو يجثو على قدميه تحت أنظار أختـه بهدوء :
-مش عايز رد منك دِلوق ، استخيري الله عز وچل وفكري .. وقوليلي ردك . 

تأرجحت عيني هيام بحياء :
-طب رد أبوي وهارون أيه !! ما أنت عارف يا هلال، الشورة شورتهم و 

تبسم بحنان بوجه أخته :
-لا في المواضيع ديه الشورة شورتك أنتِ وأحنا كلنا خمس رچالة رهن إشارتك يا هيام .. 

تدخلت رقية مردفة بنصحٍ :
-بصي يا هيام ، أنت آكيد متعرفهوش ، أنتِ أول حاجـة تقعدي معاه ، ولو لقيتيه حنين زي هلال كِده وافقي على طول .. 

احتوت الأخت كف أخيها بامتنان :
-مفيش في حنيـة هلال ولا هارون ، أخواتي كلهم مفيش في حنيتهم ولا زيهم يا رقية .. 

قَبل الأخ جبيـن أخته بعرفان :
-يبقى تستخيري المولى واتركي الأقدار ترشدك .. أنتِ مش مُجبرة توافقي ، ومش مجبرة تخافي من حاچة واصل طول ما أخواتك في ضهرك .. 

ثم وثب مستعدًا للانصراف :
-خدي وقتك وردي عليّ ..هسيبك عشان عندي شُغل . 

كتمت الهوى بصدرها ولكنها لم تنجح في إطفاء لمعته بعينـيها ، وحدها رقية التي قرأتها وهي توشوش لها :
-صوت ضربات قلبك واصل لعندي، مفضوحة قوي يا هيام !!

أحمر وجه هيام بلهفة :
-تفتكري هلال حس بحاچة ؟!

غمزت لها بطرف عينيها :
-هقرره وأجي أفتن لك !! بس هو من ميتى ودكتور عمار شغالك يعني وو 

اندفعت هيام محررة طائر الهوى بداخلها :
-أنا بدعي باسمه في كل سجدة يا رقية .. ماليش غير ربنا أحكي له ..

لمعت عيني رقية من وهج الحب المرتويـة بـهِ :
-يا حبيبة قلبي ، وأهو ربنا استجاب .. بصي هروح أقرر هلال وأرجع لك ، استنيني .. متحكيش لهاجر حاجة ، نحكولها سوا .

ركضت " رقية " مسرعة خلف خطوات زوجها لتقتحم الغرفة ، فوجدته يتأهب لنزول المعهد .. قفلت الباب خلفها وهي تحوم حوله كالفراشة :

-محتاچ حاجة .. ؟

انتهى من قفل أزرار قميصـه ليقترب منها قائلًا :
-مش محتاچ غير إني أشوف ضحكتك دي . 

دنت منه وهي تقفل أول زر بقميصه :
-طول ما أنتَ معاي هتشوفها على طول .. چعان أجيب لك تاكل من تحت قبل ما تطلع ؟!

قبل كفها بحُب ليتحدث بغلتهما الخاصة :
-أنا فطرت وحليت وشربت الشاي بيكي .. قربك وچبة كاملة الدسم ، والچوع الحقيقي ليكِ مش للوكل والشُرب . 

ظلت تغلغل أصباعها بين جدائل لحيته :
-قول لي ، هو لازم قوي تنزل الشغل ، أصلي اتعودت عليك اليومين اللي فاتوا وو 

-رقيـة ؛ مش هتأخر عليكِ !! 

داهمته بذكاء :
-طب هسيبك تنزل ، بس نتفق اتفاق الأول ، بص هيام بعتاني اتجسس عليك ، وأعرف رأيك في عمار ، وأنا قولتلها هسحب منك الكلام وأبلغها ، قولي أقولها أيه بس من غير ماهي تعرف أنك عرفت .. بقولك عشان أبقى واخدة منك الاذن .

نظر لها بأعين ضيقة والابتسامة تكسـوه :
-مش سهلة أنتِ يا رقيـة .. 

-هاه أقولها أيه !! 

أردف على سيجتيه :
-لمعة الحُب لا تخفى عن المُحب يا رقيـة ، هيام رايدة الواد وعيونها قالت كل حاچة ، بس أنا اللي عملت عبيط .. 

عضت على شفتها بدلال لسحبها منه الحديث بإرادته وأخذ أذنه بنقل الحديث قبل أن تنقلـه ، وببراعة وصلت لرد سؤالها قبل أن تنطق بهِ ، لتموه الحديث قائلة :

-لو عاودت بدري اليوم ، هتلاقيني محضرالك مفاچاة .. 

ثم فرت من حضنه هاربة :
-هروح أقول لهيام أنك معجب بشخصية عمار وموافق .. 

•••••••••••

~بمكتب رشدي بالقاهرة .

خرجت نادية عن صمتها بعد خروجها من الحبس بضمان محل إقامتها :

-وديني يا رشدي الولد ده لو حقي مرجعش منه ما هعرفك تاني وهقلب الترابيزة على الكل..

تدخل رشدي مسايسًا :
-نادية اهدي ، اهدي خلينا نفكـر بالعقل…

-اهدى أيه !! رشدي انا هتسجن بسببه !! ده أخد بنتي مني وعايزني اسكت !! الولد ده مش سهل وقولت لك مليون مرة لازم نخلص منه … 

-نقتله يعني يا نادية !!

صرخت عليه مؤيدة فكرتها :
-نقتله يا رشدي ، طول ما هو في ضهر ليلة يبقى تنسي الأرض وأنا هنسى بنتي وحقي منها ومن سامح .. هارون العزايزي. لازم يتقتل !!

-طيب أنتِ عارفة بتقولي ايه ؟! ده قتل يا نادية ولازم له تخطيط …

ارتدت قناع الحية :
-مش إحنا اللي هنقتله يا رشدي ، أهله هيقتلوه .. انا هنزل العزايزة وأقول قدام الكُل إنه خطف بنتي واتجوزها ، وساعتها هما اللي هيقتلووه …. 


تعليقات