رواية اصرة العزايزة الجزء الثاني2الفصل السابع7بقلم نهال مصطفي



رواية اصرة العزايزة الجزء الثاني2الفصل السابع7بقلم نهال مصطفي



تعـلم أنك كُنت اختباري الراهن ، و ورقتي الرابحة على طاولـة لعبـة الحياة التي لم أربح منها شيئ.. كُنت كعكاز عجوز خانه العمر وسلب منه قوة أقدامه على مر السنين !! كنت كحلم الحرية لعصفـورٍ مسجون بقفصه طويلًا .. 
كُنتُ الوحيد الذي وثقت بهِ في زمن يخون المرء أصبع يده .. كنت الرجل الوحيد الذي تمنيت أن أقضى ليالي العمر على ذراعه !! 
من ظننته نورًا يضيء ظلمتى 
وجدته نارًا احترقت على يديـه .. 
ونسيتُ أن بعض الظن أثم .. 
بعد حسن الظن خيبـة مريرة تغتال الحياة بأعيننا 
من هذه اللحظة التي اكتشفت فيها حماقتي وتحولت قصتنا من 
كان وكُنا … 
لـ كُنتَ ولم أكن من يومها !!
فـعندما يُخذل المرء في قلبه يعلن العقل بمرارة الفراق لا محالة  !! 
" هذا فراق بيني وبينك " 
ولكني بكامل ضعفي اعترف 
أن قلبي متورط بك كثيرًا 
والاعتراف الأكثـر رُعبًا 
أنك أبدًا لن تنتهي مني . 

#نهال_مصطفى
#آصرة_العزايزة 2 

••••••••••••••

~العزايـزة . 

لا تختبر جبروتي في التخلي .. لقد تربيت على يد رجل نقش الدلال على ضلعي الأعوج ، لا يجعلني أطلب الشيء لمرتين ، إن لم يأتٍ من المرة الأولى لا أقبله في الثانيـة .. هذا هو مبدأي مع الأشياء !! فما ظنك بالأشخاص؟! قلبي الطفولي أن جُرح يصاب بالذعر فـ يُفلت في عز تعلقـه ، ولا تسألني كيف !! فلا لوم على قلب طفلة يرتجف طوال عمره !! 
ابتر بيدي حبل تعلقي ولو كان انهاؤه شيئًا من إنهائي .. 

مؤلم دوار الرأس مؤلم ولكن الدوار الحقيقي هو ذلك الذي يُصيب القلب .. فما يفعلان بجسد واحد إن إلتقيا !! حالة من الهذلان ، والضعف العام ، ضباب الرؤية ، جفاف ماء العين والفم أيضًا .. سرعة ضربات القلب كأنه يضخ هواء وليست بدم وماء وحُب عظيم !! 
يتمسح كفها بالجدران حتى وصلت لتحت قدمي السيدة " أحلام " التي فرغت من صلاتها للتـو ، جثت أرضًا على ركبتيها وهي لا ترى منها إلا صورة مشوشـة وتترجاها بنبرة متقطعة وأعين مترقرقة :

-أحلام ، أنتِ مش هتكذبي عليا ، صح !! أنتِ بتحبيني مش كده ، قوليلي الحقيقة .. هارون اتجوز زينـة ولا هي بتقول أي كلام وخلاص يا أحلام ؟! 

ثم ثارت بانفعال :
-عشان خاطري قولي الحقيقة !! ولا أقول لك ، أكذبي عليا لو دي هي الحقيقة !! طيب هو اتجوزني ليـه !! أحلام ريحي قلبي وقولي الكلام ده مش حقيقي وهارون بيحبني أنا وبس .. ومش متجوز غيري . 

مسحت العجوز على رأسها بكفها الأنعم من الحرير بلهفة :
-وحدي الله يا حبيبتي ، المشندلة دي قالت لك أيه شندل حالك إكده !!

هزت " ليلة " رأسها رفضًا للوضع القائم :
-قالتلي أنها متجوزة هارون .. 

انفعلت العجوز بعفوية :
-چاتها چنازة ما تشبع فيها لطم !! دي چاية تكيدك يا حبيبتي ، كيد نسوان!! وهي حية . 

تحركت ليلة لتجلس ملاصقة بها على الأريكة وتتشبث بكفوفها وتترجاها :
-أحلام هو سؤال واحد وبس ، هارون متجوز زينة ، ولا لا ؟! 

انكمشت معالم وجه أحلام :
-هو هارون مقالكيش ولا ايه !! 

ثم غمغمت بلوم :
-وه مالكش حق يا هارون ، متطلعش منك .. 

فعادت لليلة التي تنهار أمامها :
-چوازة حِبر على ورق يا ضنايا ، هارون مش رايد غيرك .. صدقيني . 

انفجرت باكية بذهول العبرات تتقطر منها  :
-هارون كذب عليا !! هارون خدعني يا أحلام .. هارون فرش قِدامي الطريق كله ورد وفجأة وصلت لحيطة سد !! هو عمل فيا كده ليه !! انا وثقت فيـه ؛ دبحني !! هما ليه كلهم بيأذوني !! أنا عمري ما فكرت أأذي حد.. عمري . 

ثم وثبت فاقدة اتزانها :
-أنا لازم أمشي من هنا قبل ما يرجع ….. 

-تمشي تروحي فين ؟! اخذي الشيطان وأقعدي لما يعاود اسمعيه وو 

قاطعتها ليلة ببكاء هيستيري:
-مش عايزة أسمع منه حاجة ، كله كذب يا أحلام .. كذب عليا !! 

~بالخارج~

ما كادت أقدامها التي تتغنج في الخُطى أن تلامس درجات السُلم ، فوجئت بظهوره أمامها ، ما أن رأته أطلقت " زغرودة " عالية وهي تهتف مُقبلة نحوه لتأخذه بين ذراعيها  :

-يا ألف بركة ، نورت بيتك يا عمدتنا .. حمدلله على سلامتك يا سيد الناس ، إكده تخلع قلب مرتـك عـ 

لم يدعها تلامس جلبابه فباغتـها بصفعـة قوية على وجهها حولت صياح الفرح لصراخ الجرح أدى إلى تجمع سُكان البيت حول مصدر الصوت ، لف شعرها حول كفه وهو يجهر معاتبًا :

-أنتِ مين سمح لك تطلعي من براة البيت من غير شوري !! فكراني مختوم على قفاي مش هعرف !

ظلت تتملص وتتلوى تحت يديه ترجوه :
-وحياتك ما عملت حاچة ولا رچلي خطت الشارع ، يكش ما أوعى أشوف عيالي منك ما عملت حاچة .. سيب شعري يا هارون. 

أسقطها أرضًا بعنف لا يتناسب مع شخصيته ولكن صدق من قال اتقي شر الحليم إذا غضب  وثار فكانت زينة سعيدة الحظ كي يتفرغ بها كبت العزايزة بجوفه :
-أنتِ معچونة من مية كِدب ؟! قوليلي أنتِ طالعة على عينك إكده لمين ؟! 

تدخلت عمتها لتدافع عنها :
-حيلك حيلك على البِنيـة !! كانت عملت لك أيه لكل ديه ؟! ادبيت يا هارون عتمد يدك على مرتك !! ديه استقبالك ليها . 

تقف "ليلة" بصدمة على أعتاب الغُرفة تراقب وجهه المخيف الذي لم تعهده .. فصاحت أحلام التي تتعكز على أظهر المقاعد :
-چرالك أيه يا هارون ؟! مالك على مسا ربنا !والبت دي عملت ايه تاني!! 

عمى غضبه أنظاره عن الجميع حتى سيطر على قلبه فلم يلحظ قلب ليلة المنفطر :
-دي خرجت من بيتي من غير شورتي وطلعت على العزايزة تشتكي لهم من چوزها اللي مهملها وداير يرمح ورا حريم بحري !! سنت سكاكين الخلق عليّ يا أحلام !! 

هَم لـ يلتهم شعرها:
-كيف چالك قلب تقفي قصاد الرچالة وتقولي إكده !! كيف !! 

صاحت زينة بوجهه والغل يملأها وهي تهرب من تحت يده  و تشير ناحية ليلة :

-كيف ماهي طلعت على التلافزون وقالت قصاد الخلق كلهم أنها رايداك ، قليلة الحيا !! على الأقل أنا دافعت عن چوزي اللي هملني فـ فرشتي ، لكن هي راحة تفضح روحها وتفضحنا قصاد الناس الخايبة !! وكمان چايبها لغاية بيتي وچاي !! لا يا هارون !! أنتَ دِلوك راچل متچوز ولازمًا تراعي حُرمة بيتك !! والبت دي ملهاش قعاد في بيتي. 

كلها كانت محاولات فاشلة من صفية لتخرسها ، حتى خرجت أحلام عن صمتها لتدافع عن ليـلة وعن هارون ، وعن وهج الحُب المتقد بينهما :

-اكتمي يا بت ، معندناش حريم تعلي حسها على رچالتها ، شكلك نسيتي روحك !! ونسيتي عمايلك ، لا فوقي .. الحنجل والمنجل ديه مش علينا ، كلنا عارفين أن هارون لا رايدك ولا عاوزك ، ولا لمس شعرة منك !! 

ثم شدتها من وراء صفية وأكملت توبيخ :
-واللي مش عاجباكي دي أنها قالت وقالت على التلافزيون ، مراحتش تقلع خلچاتها واترمت في حضن راچل عشان يتورط ويتچوزها ، متنسيش روحك ، أنا ساكتلك بكييفي !! لكن عند الغلط أحش رقبتك بيدي ولا هيهمني. 

انفجرت بوجه أحلام بدون خجل :
-طالما اللعب على المكشوف ، يبقى اسمعي الحقيقة ، هارون هو اللي غواني فوق وعمتي شاهدة ، يعني أنا مغلطتش لروحي .. هو كمان شريك معاي ، وأدينا صلحنا الغلطة واتچوزنا ، رايح يجيب القرشانة دي _مشيرة نحو ليلة _من بحري ليه !! ديه بدل ما يترمي في حضن مرته اللي سايبها له سَبوُع .. 

فغيرت نبرة صوتها وأكملت :
-وبعدين واحدة وچوزها أنتِ أيش حشرك يا هِرمة أنتِ !! داخلة بيني وبين چوزي ليه !! ولا أنتِ عشان مفلحتيش ومقدرتيش تحاوطي على راچلك وتربطيه بالعيال لغاية ما اتجوز عليكي ، عاوزة  ولده يعمل زيه ويتچوز عليّ !!!

حاول أن يُلجم غضبه قدر المستطاع كي لا ينهي حياتها بيدها ، ولكنها نجحت في خروج الشبح الثائر منه .. لم يهتم لأحد حتى صوت أبيه الذي همّ راكضًا من الخارج .. لم يستطع أحد أن يُنجيها من يده حتى سمع صوت تكسير عظامها تحت يده وهي تتلوى صارخة من كسر معصم يدها .. 

جميعها مشاهد لم تتحمل "ليلة" صخب ، ضجيج ، رؤية جبروته وقسوته على إمراة مثلها  .. وجهه الآخر الذي لم يناسبه أبدًا جعلها تتساءل سرًا : من هذا ؟! من يكون ؟! من الذي أحبه قلبي ؟!  ، كل هذا فتش بداخل جروحها النفسية وهي تتراجع في حالة من الرعب وتقفل الباب وهي تتصبب عرقًا وترتجف ، اندست تحت اللحاف ظنًا منها بأنه سيحميها من غدر البشر  .. ظلت تئن وتهذي بحالة صعبـة وتردد لنفسها بصدمة لا توصف :

-أنا عايزة أمشي من هنا !! أنا عايزة امشي .. 

تدخل هلال وهيثم كي يبعدون هارون عنها بأعجوبة تحت أصوات صريخ وجمهرة النسوة ، ركضت أحلام على الغرفة إثر الباب الذي قُفل فجأة وتركت فوضتهم لتحتمي هي الأخرى بغرفتها التي شهدت على دموع عينيها ، وجاءت من تشاركها الهم والحزن تحت سقفها .

ركضت هيام نحو أخيها الذي ينفث دخان غضبه :
-هارون متعكرش روحك .. 

فصاح أبيه :
-هارون ..!! 

ثم شيع زينة التي تتلوى من وجعها بنظرات السخط وقال :
-يدنا ماتطولش على حريم .. والبت دي تروح بيت أبوها ملهاش عيش في بيتي .. وليها كبير يتردلها عليه . 

ضربت صفية على صدرها :
-دي تطير فيها رقاب يا حچ أنت عتقول أيه !! دي لسه الحنة في يدها . 

-اسكتي يا صفية .. 
فذاعت هاجر التي كشفت عليها رغم اعتراضها وصريخ وجعها :
-لازمًا نودوها مستشفى ، دراعها مكسور . 

فانفجر هارون بدون ذرة ندم:
-تستاهل قطم رقبتها .

وقف هلال أمامه ليمنعه عنها :
-حبًا في الله ورسوله كفاية يا هارون .. 

نادى الحج خليفة على مساعده :
-ياچابر ، چهز عربية وديها المستشفى وتروحها على بيت أبوها ، مترچعهاش إهنه . 

شدت صفية وشاح رأسها الأسود على رأسها :
-أنا هروح معاها مش ههملها ، دي بت أخوي يا حچ . 

بنظرة من هارون لهيام فهمت مغزى طلبه فلم ينسى حبيبته بين فوضى حياته ، فركضت مسرعة نحو الغرفة متفهمة.. فأتبع هارون :
-سمعت يا چابر ، نفذ اللي قاله العمدة .. تاخدها وتروحها على بيت أبوها .. 

فأتبع هيثم وهو يساعد زينة في النهوض :
-لسانك دي هيجيب أجلك قريب ..

رُفعت عيني هارون بالصدفة لأعلى لتقع نظراته على رغد التي تراقب الموقف بصمت تام .. فلاحظ هيثم نظرة أخيه فمال على مسامعه متهامسًا : 

-عينك عشان دي تخص أبو دبورة .

زفر هارون بضيق:
-دي رغد !! وفين أخوك .

-هچ ، الچاحد ساب القمر دي و هچ على شغله  دي الواحد يقدم عشانها استقالة مدى الحياة .. أخوك ديه معندهوش قلب .

-وأنت معندكش دم . 
حدجه هارون بعتب وهو يتأهب للذهاب تحت صياح زينة الذي لم يتوقف فنادى هيثم ضاحكًا :

-وزينة دي أديك كسرتلها ضلع هيطلعلها ٢٤ ومش هنخلصوا منها كناش قادرين على واحد !! على فين بس !! يا هارون استنى عكلمك  .. 

ثم صاح وراء زينة ليتبع خطاها مع أمه :
-يا زينة مكنش يومك .. 

ضربه هلال على كتفه :
-خليك معاهم .. 

~بغُرفة أحلام~ 

قلب تزعزعت عقيدته ذاك الذي ‏كان أوّل مؤمنٍ 
‏بالحُب، ارتد عنه ‏وكفَر.

-"طب قومي يا ليلة يابتي متوچعيش قلبي عليك !"

كانت ترتجف تحت اللحاف لا تصغى لنداء أحد ، تأبى المواجهه، تكورت تحت الغطاء كطفلة تختبيء لها فقدت درجة أو درجتين في مادة الحساب ، كبرنا وأدركنا أن هناك أشياء مؤلمة أكثر من الدرجتين ، لعل كل خساراتنا كانت أرقام ، لِم لم يخبر أحد أنها مقدمات لخسائر أعظم !! حتى يدق الوقت الذي تكون الخسارة فيه  قلبك .. 

جاء هارون من الباب بقلب مُحب أذى حبيبه بدلًا من تخفيف جروحها ، فاقتربت هيام بخزى :
-لقيتها على الحالة زي ما أنت شايف .. وو

قاطعها :
-ماشي يا هيام ، اطلعي اقعدي مع مراة هاشم . 

قفل الباب وراء أخته ثم تعلق بنظرات العتاب من عيني أحلام :
-أنت كييف تخبي عليها چوازك من المقصوفة دي؟!

رد بملل :
-ما أنت عارفة اللي فيها يا أحلام وو

ما سمعت صوته ساءت حالتها وحالة ضعفها ، أزاحت الغطاء من عليها ونهضت صارخة وبمعالم وجهها المحمرة وهي تتغاضى النظر إليه:
-انا مش عايزة أسمع حاجة منك ، ولا قادرة أشوفك قُدامي .. وو

-ليلة..

-وكمان ما تنطقش اسمي .. ولا ليك كلام معايا ، أنت واحد كذاب وأنا مش هسمع كذبة جديدة .

ربتت أحلام على كتفها :
-طيب هدي روحك ونتكلموا بالعقل .. اسمعيه يابتي .

ما جاء ليجلس بجوارها فهبت كالملدوغة مفارقة مكانها لتقف بعيدًا عنه في منتصف الغُرفة وهي ترتعش كليًا :
-قولت مش عايزة أشوفك قُدامي ، لو سمحت أخرج بقا .. 

دنى منها وأمسك كفها لإجبارها أن تسمعه :
-عندك حق في كل اللي هتقوليه بس أهدي ، متعمليش في روحك إكده واللي عاوزاه هعملهولك ، بس إهدي .

شدت كفها رافضة أن يلمسها وهي تضرب الأرض بقدميها :
-عايزة امشي ، مش عايزة اشوفك تاني ولا أعرفك ، عشان أفقد الذاكرة دي كلها وانسى إني قابلتك .. أنا بقيت أكره نفسي أكتر من الأول !! ليه تعمل فيا كده !! أنتَ ليه أناني كده !! 

ثم كفكفت عبراتها بحزن وخيم وهي تلهث :
-طيب أنا جوه هنا في قلبي بتحرق !! المفروض أروح اترمى في حضن مين وأشتكي له منك !! مين ممكن يطمني بعد ما أنت ظهرت في حياتي !! أنا كنت متعودة على الخوف !! أنا دلوقتي تعبانـة ، حاسة روحي بتطلع مني ، قلبي مش مستوعب إنه موجوع من الشخص اللي كان بيطمن معاه .

قطع كُل الحواجز بينهما ليضمها بقـوة في حضنه بذراع التف حول خصرها ، وآخر تغلغل من تحت شعرها ليثبت رأسها على قلبه .. طبع قُبلة على رأسها لتهدأ وهي يرتجف من شدة قلقه وحزنه عليها :

-مفيش حاچة اتغيرت ، أحنا زي ما أحنا ولو اللي يرضيكي أخدك من يدك وأقول وسط الخلق ، أن قلبي اختارك أنتِ من بين الكُل ، وقلبي عاوزك أنتِ !! وموتي أهون من إني أشوفك في الحالة دي بسببي !! 

حاولت أن تفارق حضنه ولكنه أبى قطعًا وهو يضمها إليه  وهو يطلق أنفاسه الحارة ويود أن يدخلها بين عظام صدره :
-هاه قولي اللي يرضيكي وأعمله .. حتى لو فيها موتي .. ليلة چوازتي من زينة وضع مؤقت ولازم تفهمي إنه هينتهي وو ..

راق لها النوم على صدره وهي تنصت للحن قلبه الذي يعزف ألمًا .. تأكد قلبها من صِدق شعورها .. إنه لم يخذلها ، ما زال حضنه آمن لم تنفر ، لن تخشاه .. تملصت من يده بغرور أمراة :

-أنت بقيت حد أنا معرفهوش ، حد خايفة منه ومش المفروض أحس بده معاك .. لو سمحت سيبني ، العالم بتاعكم ده مش شبهي .

-يولع العالم ، المهم أنتِ رأسك متفارقش صدري .. أنت العالم ياليلة .

رمقته باستنكار:
-أنا اكتشفت إني ولا حاجة أنا دخلت في حرب مش بتاعتي .. لو سمحت احجزلي طيارة عايزة ارجع اسكندرية .. وطلقني .. 

تدخلت أحلام هنا :
-يكفينا الشر .. بصي أنتِ تعالي نامي وروقي وهارون لو عاوزاني أمشي من القصر كله همشيه ، اللي عاوزاه هعمله علشانك .

تركته وارتمت بحضن أحلام تترجاها باكية  :
-قوليلو يخرج برة يا أحلام .. ملهوش كلام معايا بعد النهاردة ..

ترجته أحلام بنظرة متوسلة :
-طب اطلع برة أنت يا هارون دِلوك وسيبني معاها .

أعلن رفضه بزفير قوي ، فكررت أحلام :
-يلا يا هارون .. 

رد على مضض :
-طب عشيها يا أحلام واديها دواها في مواعيده .

نهرته بتمرد :
-أنت مالكش دعوة بيا خالص ومتقربش مني تاني ولا ليك كلام معايا ، سيبني في حالي بقى  ..

غمزت له أحلام مسايسة :
-يلا يا هارون يلا . 
•••••••••••

~القاهرة~

-يعني كلامه طلع صح !! أنت وطنت نادية اتجوزتوا !! طيب وماما يا باشا.

أردف " شريف " جُملته الأخيرة مذهولًا مما عرفه للتـو ، فأجابه رشدي:

-مالها أمك !! أمك بتاعت لِجان حقوق المرأة .. أميرة طول عمرها مش شايفة غير نفسها !

-دي جزاتها ، تتجوز عليها دكتورة نادية ؟! عدوتها !! أنت عارف أنها كانت موافقة عـ جوازي بس من ليلة لانها مش شبهها .. المهم دلوقتي أنا عايز أنسحب من اللعبة القذرة اللي دخلتوني فيها .

ثار رشدي بوجهه:
-تنسحب من أيه !! أنت مغفل وموافق تكمل مغفل !! عايز تضيع حق أبوك !! 

أطلق ضحكة ساخرة :
-أي حق !! حضرتك أحنا هنكذب الكذبة ونصدقها !! حتة أرض جدي باعها وقبض سعرها ، وحد اشتراها ؟! فين المشكلة ؟! فين الحق اللي بتدور عليه ؟! أنا مش فاهمك !!

رمى السيجارة من يده ، وانفجر بوجه ابنه :
-عشانك غبي .. ومش فاهم أن جدك اضحك عليه .. واستغلوه .. والأرض دي حقي وحقك !! وليلة ملهاش حق فيها لانها مش بنته ، افهم ..

رفع شريف كفيه خالٍ المسئولية :
-وأنت فاكر لما تكشف المستور ، وحد زي هارون ده يتأكد أنها من دمه هتتحل !! يبقى كده ادينا القطة مفتاح الجراج يا باشا .. وساعتها هيطيح في الكل ومش هنلاقي اللي يلحقنا.

-عشان كده بقولك افهمني ، لازم نرجع ليلة بالقوة ، ولما ناخد الأرض دي ، يبقى متلزمناش تاني .. أنا عايز مصلحتك يا بني ؟!

جلس شريف متأففًا على مقعده :
-ولو نفترض وافقت؟! هناخد الأرض ازاي وهي معاها اللي اسمه هارون ده ؟! 

رد بخبث :
-سهله ، نخلص من هارون ووجع الدماغ اللي عامله ، بس الأول نخرج نادية من الورطة اللي هي فيها .

فتدخل شريف قائلًا :
-أنا هساعدك المرة دي عشان ليا تار مع العزايزي غير كده انا برة حساباتكم دي خالص!! 

•••••••••••
~العزايزة~ 

بعد تفكير ارتدت " رغد " روبًا طويلًا من الصوف فوق ملابسها ثم فتحت الباب فألتقت بهاجر أمامها ، فسألتها :

-لو سمحتي ، عمو الحج موجود فين !! 

عقدت هاجر حاجبيها :
-أبوي ؟! تلاقيه نام ، أنتِ شايفة الساعة كام في يدك !  خير تعوزي حاچة أعملهالك .. 

ما كادت أن تُجيبها فلفت انتباههم صوت سيارة بالخارج ، ركضت هاجر لتستكشف الأمر .. فصاحت:

-حظك حِلو ، أبوي لساته صاحي فالچنينة مع الغفر ، تلاقيه مستنى أمي .

هزت رغد رأسها :
-خلاص هنزله .. 

سارت رغد بخطوات الغريب في القصر وهي تحاول أن تحفظ طُرقه حتى وصلت للأريكة الخشبية التي يجلس عليها الحج خليفة، فأقبلت بخجل :

-مساء الخير يا عمو ..

رفع جفونه المُحملة بالهموم :
-خير عليكِ يا بتي !! مالك ؟! نازلة الساعة دي ليه !! اللول تعالي أقعدي .. 

جلست بجواره مترددة والعبرات مسجونة بعينيها وقالت:
-عارفة أن الوقت مش مناسب بس لو تسمح لي يا عمو ، الصبح هرجع على بلدي وو 

قاطعها بحدة :
-وه!! تمشي وتهملي بيت چوزك كييف !! ديه مكانك يا بتي وبعدين أحنا مش قفلناه الموضوع ديه وقولنا مفيش مشي من هنه ومن اليوم أنتِ واحدة منينا !!

طأطأت رأسها وأكملت بأسف وحزن يقرضها :
-اللي يربطني بالمكان هنا ، جوزي .. وجوزي قالها صريحة ، هو مش عايز الطفل ده .. فلو سمحت يا عمو .. سيبني أمشي وأربي ابني في هدوء بعيدًا عن المشاكل .. 

جحظت عينيه مذهولًا :
-وه وه وه!!! أيه الحديت العفش ديه !! كيف مش عاوز لحمه ؟! هو بكيفه أياك !! ديه لو قالها قدامي كنت خلصت عليه بيدي .

أتبعت بخزى :
-عمـو هو خلاص اختار .. وأنا كمان اخترت البيبي ، أنا جيت بس ابلغك إني عايزة اطلق وماشـ

ضرب الأرض بطرف عكازه بنبرة لا تقبل الجِدال :
-اسمعي يا بتي !! أنتِ متعرفنيش بس لما هتعاشريني هتعرفي عوايدنا وهتعرفي أن كلمتي محدش يقدر يكسرها .. أنت وولدك مش هتعتبوا بره البيت ديه طول منا عايش .. وهاشم مش بشوقه يحكم في خلق ربنا .. هتقعدي في بيتك متشالة على الراس .. لكن طلاق إحنا معندناش طلاق ، ولا هنرمي لحمنا يتربى بعيد عنينا .. ريحي راسك وقضي أيامك في سكات وركزي في صحة اللي بطنك .. وهاشم ولدي مسير الايام هتربيه … اطلعي على اوضتك دِلوك .

جاء "هيثم " من الخلف ليخبر أبيه :
-أمي واخدة على خاطرها و عتقولك هتبات في بيت أخوها لغاية ما هارون يچي يصالح مرته !!

تمتم بفتور :
-أمك ناوية على خراب ديارها .

~بغرفة هلال~

انتهت رقية من أخذ حمامها الدافئ ثم خرجت من الحمام وهي تجهل وجوده بالغرفة يقوم بتبديل ملابسه .. اهتزت من هول طلته وهي تتأكد من قفل أخر زر بعباءتها لتردف بارتباك :

-أنتَ هنه ؟! أزيك عامل أيه ؟

انتهى من ارتداء سترته الشتوية بوجه بشوش لا يكفهر بوجهها أبدًا :
-ما زلتُ اتعافى برؤيتك .. 

أحمر وجهها من شدة الخجل ، فتبرر :
-قصدي هتعمل أيـه ؟! 

حك ذقنه البنيـة بثغر مبتسمٍ وهو يدنو خطوتين إليها :
-انتظرك !! وكُل منتظر إلاكِ مهيـن .. 

اتسع بؤبؤ عينيها معلنًا خلجه منه وهي تقول :
-أنتَ عتچيب الكلام الحِلو قوي ديه منيـن !! 

تجرأ وهو يفك المنشفة عن شعرها المبلول وهي يقول ممازحًا :
-فيمـا يهمك المصدر ، والناقل عبد المأمور وعيونه .. 

تاهت بين حروف كلماته حرف تلو حرف مثلما تاهت أنظارها بين خيوط لحيته وهي تدمدم بخجل خالٍ من أي رهبة سابقة :
-عشان أجاريك ، يعني أنا متعودة اللي يقول لي كلمه أديله عشرة فوق نافوخه .. لكن أنت سِكتك واعرة قوي وأنا بتكفي (أقع) على بوزي من تعاتيرها .. 

أطلق ضحكة عالية هزت جدران صدرها قبل جدران الغرفة وهو يقول :
-شكلك طولتي في قعدتك مع صفية !! وبعدين لو على الكلام الحِلو عندي منيـه كاتير .. بس أنتِ اشري . 

كاد أن يحرر شعرها فتدللت رافضة وهي تتجه ناحية المرآة :
-يعني بتراوغ ومش هتقولي على المصدر !! ولا خايف أغلبـك في الكلام !! 

ثم دارت له متحدية وهي تلوح بفرشاة الشعر :
-قول أنك خايف !! 

تأملها قمره بنجوم عينيه السواطع وهو يقول مراوغًا :

-ايوة خايف بس عليكِ علشان مكان المصدر ديه صعب قوي وأنتِ مش قديـه .

رفعت حاجبها متدللة :
-أصعب من الطب !! 

دنى منها وهي يسند كفيه على التسريحة لتقع سجينة حصونه وهو يقول :
-لغاية دِلوك الطب محتار فيهم ! 

أربكتها وهج أنفاسه الممزوج برائحة عطره الطيب وهي تسألها بصوتٍ خفيض :
-هما مين ؟! 

-عينيكي الحلـوة دي ! 
أرسل لها غمز كان لها صدى الزلزال على تمردها ليحطمه كليًا ، ابتلعت غمزته كمن يبتلع قطعة من الحلوى لتقطع صفى وقتهم الذي كان ينتوى اغتنامه :
-شوفت اللي حُصل طول اليوم ؛ أحكي لك ؟!

أخذ الفرشاة من يدها وأجلها برفق على المقعد وشرع في تمشيط شعرها بسعادة على توصف وهو يطالعها بالمرآة متحمس لسماعهـا :

-كُلي أذان صاغية .. احكي .

شرعت فى سرد تفاصيل اليوم بحذافيره وهي تلوح بيديها كالطفلة الصغيرة.. حتى ختمت جملتها قائلة :

-بس أنا مسكتش للي اسمها زينة دي!! واديتها في جنابها !! والله أنا قلبي طيب وبكون عاوزة أعاملها زين ، بس هي بتضايقني يا ( هلال ) وتستاهل التهزيق الصراحة ووو

أحس أن هناك جدار عازل كان يفصل بينهما لقد تحطم للتو ، وضعت أطراف أناملها على شفتها مدركة خطئها وهي تناظره محملقة من هول نطق اسمه بدون ألقاب ، وتراقب أعينه المتلألئة، ففي وصل النظرات سحبها من شعرها برفق تام وهو يوشوش لها بقلب يتطاير قائلًا :

-وراكي حاچة بكرة ؟!

تأرجحت أعينها بذهول تحت ظل ابتسامتها الواسعة :
-ماورايش حاچة ؟! بس ليه !! 

-عاوز أخد مرتي أفسحها هبابة بعيد عن النكد اللي محاوطنا ؟! فيها حاجة دي !! 

أصدرت صوتًا نافيًا وهي تقع في غرامه بعدد دقات الساعة :
-تؤ .. مفيهاش حاچة !! هناخدو هاجر معانا ؟! 

عض هلى شفته طالبًا من ربه الصبر على ما لم يستطع عليه صبرًا :
-واحد ومرته طالعين يشموا هبابة هوا ، هياخدو مِحرم معاهم يا رقية !! قومي نامي الله يهدي قلبك إليّ !! 

ضحكت بصوت مكتوم ثم نهضت لتقدم له اعتذارًا بطريقة لطيفة :
-طب استنى .. عاوزة أصلي معاك قيام الليل .. 

ثم أطرقت باستيحاء :
-أنا بقيت بصلي …-ثم غيرت نبرتها-ونقروا شوية قرآن لأمي .. أصلي برتاح لما اسمعه بصوتك وآكيد هي بترتاح زيي.

وضع قبلة بين جبينها :
-عليكِ الأمر .. وعليّ الطاعة . 

••••••••••

~بغرفة أحلام~

تسللت ببطء من جوار ليلة التي عانت وهي تحكي لها عن قسوة الأيام عليها ، حتى انتشر مفعول الدواء بجسدها وغلبها النعاس فغاصت عيونها في بحر الحزن نائمة .. تناولت أحلام هاتفها بمهلٍ وهي تفتح الشُرفة المُطلة على الحديقة الخلفية تفتش عن رقم هارون بصعوبة .. ثم هاتفت لنفسها :

-هاه هارون أهو .. يارب ترد . 

كان جالسًا تحت شجرة لقاءهم الثاني ، تلك الشجرة  الشاهدة على اتفاق الشراكة بينهما ، أن يساعدها مقابل القليل من الأموال .. التوى ثغره بحسرة مدندنًا لنفسه " لقد ابتاعت قلبي بثمن بخس واليوم لا ابيع قلبٍ محمل بحبها بكنوز الدنيا ومن عليها " جاءه اتصال أحلام باللحظة التي صمت فيها صوت غناء منير ، فأجاب متلهفًا :

-ليلة چرالها حاجة يا أحلام ؟!

وشوشت له سرًا :
-لالا .. ليلة زي الفل ونايمة دِلوك ، عاوزاك تاجي من البلكونة ، فاتحالك الباب أها ، أوعى حد يوعالك .. 

نهض يتسابق مع خطاوي الأرض:
-فهميني يا أحلام ؟!

-يا واد بطل غَلبه وتعالى ، هتعرف لما تيجي . 

دقائق معدودة وكان يصعد درجتي السلم المفتوح على الشرفة .. فجذبته من يده سرًا وهي تتفقد المكان حولهما لتتأكد من عدم وجود أحد ليراهم .. جذبته لداخل الغرفة وقفلت الباب الخشبي وشدت الستائر وهي تقول :
-يلا .. نام جار مرتك وخدها في باطك وطبطب عليها ؟! 

قرأت التعجب على ملامحه فلكزته بكتفه:
-يا واد اتحرك ، أصلو فال عفش تبات أنت في فرشة ومرتك في فرشة تانية ، ومع طلوع الشمش وأبقى أمشي .. 

لم يجد طريقة يعبر بها لأحلام عن شكره إلا تقبيل جبهتها هامسًا :
-ربنا يخليكي لي يا أحلام !! كأنك قاعدة في راسي وعارفة اللي داير فيها .. ريحتيني .. 

اهدته قبلة بيده ومسحت على وجهه :
-أنت واد قلبي يا عبيط ، أنت والتور التاني اللي طالق في الدنيا ومحدش عارف يوقفه .. يلا … بس استنى .. 

ثم سحبته خطوة واشارت نحو الأريكة :
-افرد لي الكنبة دي خليني افرد ضهري عليها وأنت نام مُطرحي .. 

-طب وأبوي ؟! 

-أنا شيعت له البت تقوله نايمة جار ليلة مينفعش اسيبها لروحها .. ارتاح يا قلب أمك واشبع قلبك من مرتك ربنا يهدي سركم . 

سحب الأريكة فتحولت لسرير ، وساعد أحلام في نومتها وشد الغطاء فوقها ، مُقبلا يدها :
-نوم العافية يا حبيبتي . 

ثم نزع حذائه وقفل الأنوار وتسلل بمهـل ليشاركها نومتها الهادئة .. مدد على جانبه الأيمن وبدون أي مجهود منه حيث دلها قلبها إليه ، انسدت بحضنه فتبسم وهو يعبث بشعرها ويوزع على ملامحها النائمة قبلات صامتـة ، لا يسمع أحد ولكنها كانت تُرطب دواخله .. غمغم هامسًا :

-حقك عليّ يا ليلة .. 

ثم شد الغطاء فوقهما كي لا تبرد وخبأها من قسوة العالم بين يديه لينام ليلة هنيـة بجوار من يُحب … 

مع دقات الساعة السابعة صباحًا ؛ لقد فرغت أحلام من صلاة الفجر وظلت تذكر ربها حتى شروق الشمس ، وما شعرت بحركة سُكانها نهضت ببطء لتوقظه ، ربتت على كتفه مرتين وهي تتأمل جمالهم وتناغم أجسادهم التي لا تعرف التمرد والكبرياء .. فتح جفونه بكسل شديد وهو يتأملها:

-خير عليكِ يا أحلام .. 

وشوشت له بحذر :
-خير عليك يا حبيبي .. صحيتك يقطعني ؟ قوم عاود على أوضتك قبل ما حد يوعاك .. 

هز رأسه متفهمـا وهو يسحب ذراعه من تحت رأسها النائمة ذاكرًا اسم الله .. وانسحب بهدوء بعد ما طبع قبّلته الصباحية على وجنتها .. لملم أشياءه بدون صوت وراقبت له أحلام الأجواء وهي تقول همسًا:

-بركة أمك مش هنه ولا المقصوفة التانية ربنا يلويهم العمر كله ويريحونا من خوتتهم ، اطلع غير خلجاتك وادي حس لهيام تنزل تفطركم .. وأنا هروح أشوف أبوك.

مرت قرابة الساعة حتى داعب شعاع الشمس أعينها فتململت مستيقظة بقلبٍ لم يخفق ، لم يرتجف ، قلب يعُمه نكهة السلام .. اعتدلت من نومتها وهي تستنشق رائحة ملابسها والفراش بدهشة وتقول :

-برفيوم هارون أيه هيجيبه هنا !! 

لم تنفرد برأسها المُلغم بالضجيج فدخلت أحلام مهللة :
-يادي النور على البنور !!أها اديكي صحيتي ، كنت چاية أقول لك تعالى افطري ، المهم نمتي زين ؟!

تبسمت مجاملة وقالت بشرود حول سؤالها :
-ااه نمت !! 

فأشارت أحلام نحو الأريكة :
-وانا عشان مقلش راحتك ، نمت هنه ..

-ياخبر يا أحلام !! أنا اسفة بجد !! أنتِ ازاي تعملي كده ؟! 

-سيبك من الحديت الفارغ ديه وقومي كُلي لقمة .. هيام عاملة فطور ملوكي .. وعمتك صفية مقاعداش ولا المدعوكة بت أخوها ..وهلال خد مرته وراح يفسحها وهيثم أبوه نزله قنا .. البيت رايق وفايق.. مفيهوش غيرنا . 

هزت رأسها برفض قاطع :
-لالا ، أنا كمان شنطتي جاهزة أصلًا يادوب اتحرك على المطار ، عندي هوا بعد كام يوم ، ومامي مختفية قلقانة عليها وو 

قاطعتها أحلام :
-على فكرة ليكي حق تزعلي من هارون، وانا كمان زعلانة منه ومش هكلمه  .. بس

قاطعتها ليلة بذوق:
-لو سمحتِ مش عايزة اسمع حاجة في الموضوع ده !! وهارون خلاص لازم أنساه وو 

-متظلمهوش يا ليلة ، وبعدين أنا لسه قايلة لعمك الحچ وهو قال كلمته ، قولتلو إنك عاوزة تمشي ، ومرضيش ، قال إنه عاوزك في موضوع في العشية بعد ما يعاود.

-موضوع أيه ده ؟!

تناولت أحلام قرص دواء الضغط ، وقالت بمكرٍ :
-وانا هعرف منين !! مقالش يابتي .. 

تركت فراشها بشك ورائحته لم تفارق قلبها فتوقفت للحظة كانت الحيرة ستغتال رأسها :
-أحلام هارون جيه هنا بالليل ؟! أصل غريبة ؛ ريحته في المكان وفي هدومي !! 

تبسمت أحلام بدهاءٍ :
-اه ، ريحته .. مانا على طول بحط منيها .. أهي عندك . 

أومأت باقتناع .. خطت خطوة واحدة نحو الحمام ، فدخل هارون من الباب حرك قلبها من مكانه .. رمقته بتجاهل وهي تفتح حقيبة سفرها وتخرج منها المنشفة وملابسة جديدة متجاهلة وجوده تمامًا ، فأردف ممازحًا :

-وه داحنا لسه زعلانين !! طب ما تقوليلي يا أحلام أيه يراضيكي وأنا أعمله .. 

انكمشت ملامح العجـوز بضجر مزيف:
-طول ما ليلة واخدة على خاطرها منك ، مش هكلمك يا هارون .. 

تجاهلت حوارها وتأهبت ذاهبة للحمام فوق أمامها معاتبًا :
-هتفضلي مكشرة كتير !! يعني أنتِ وأحلام هتخاصموني في ليلة واحدة !! باه !! 

ردت باختصار وهي تتحاشى النظر إليه :
-لو سمحت ممكن أعدى ! 

مسك ذقنهـا برفقٍ :
-قلبك مطاوعك على القسوة دي؟!

زفرت بحرقة تؤلمها :
-هارون وفر كلامك ، أنا مش هكون على ذمة واحد متجوز غيري .. وكمان أنا مستحيل أثق فيك بعد ما شوفتك بتضربها كده !! أنت ممكن في يوم تضربني زيها !! أنا مش عايزة أعيش مع حد وأنا خايفة منه . 

-ومين قال لك أن على ذمتي في غيرك !! أنتِ الأولى والأخيرة يا ليلة .. 

ثم داعب وجنتها بلطفٍ :
-وتتقطع يدي دي لو في يوم اتمدت عليكي بلمسة  غير بالـ حب ! 

تراجعت خطوة للخلف :
-من فضلك ، أنا خلصت كلامي وأنت المفروض تحترم رغبتي وتطلقني وإلا هروح اشتكيك لعمو الحج .. وأقوله ابنك الكبير كسر عرفكم يا عمو . 

ألتوى ثغره بابتسامة واسعة :
-وماله !! يلا نشتكي للحچ وكل اللي عنده مظلمة يقولها .. بس يكون في معلومك ؛ أبوي لو عرف أني متچوزك وكل واحد فينا نايم في فرشة غير التانية هيطخني !! 

ثارت متمردة بوجهه:
-هارون أنا مش بهزر .. 

-ولا أنا هزرت !! ما تقولي حاچة يا أحلام !

ألقت نظرة سريعة على أحلام ثم عادت رافعة سبابتها بوجهه :
-اسمع يا هارون ، أنا كنت صاحية وراجعة اسكندرية ، بس عمو الحج عايزني في موضوع سر ، أجلت سفري لبكرة عشانه ، ومعاك تفكر لحد بكرة ، ياما تطلقني أو هخلعك وهشهد عليك أقول خطفني وهسجنك ، وعشان تخلي اللي اسمها زينة دي تجيب لك عيش وحلاوة في التخشيبة .. وسع كده !! 

ثم دفعته من أمامها وركضت لتحتمي بالحمام قبل أن ينكشف أمر حنينها ، نظر لأحلام بنفتذ صبر ، فطمئنته :
-طول ما أحلام في ضهرك متقلقش .. 

زفر بامتعاض ثم دق باب الحمام لتفزع من الخوف وتوقفت عن غسل وجهها خشية أن يقتحم المكان عليها ولكنه جهر قائلًا :

-أنتِ هنه في العزايزة ، لا عندينا رجالة بتطلق ، ولا حريم بتخلع !! أحنا القانون . 

استفزها بجملته الأخيرة ففتحت الباب والماء يتقطر من وجهها لتقول بدون تفكير للتحداه :

-بس اللي أعرفه أن جوازنا على ورق وبس ، يعني الطلاق عادي على فكرة .. شفت إنك مش هتضحك عليا !! 

ونظرت لاحلأم كي تشكوا لها بطيب خاطر :
-هو ملمسنيش يا أحلام والله ؟! يعني أنا مش مراته أصلًا . 

ألقى نظرة نحو صنبور المياه المفتوح وهو يحك ذقنه متمتمًا :
-معندكيش سر أبدًا ؟!! طب أودي وشي من أحلام فين !! 

أخفت أحلام ابتسامتها وهي ترتسم الجدية :
-البنية عداها العيب يا هارون ..

نظرت له بانتصار :
-شوفت !! مالكش حجة بقى . 

لف ذراعه حول خصرها وجذبها إليه وهو يسحبها نحو باب الحمام المفتوح ليتوارى عن أحلام بنظرات متقدة أرعبتها وهو يعلنها صراحة :
-وأنا ممكن أخليكي مالكش حجة بردك !! 

بنبرة صوتها الناعمة وهي تبلل حلقها :
-أنا مستحيل أبقى مراتك يا هارون !

-قولت لك زينة وضع مؤقت يا ليلة ؟!

فعاندته :
-وأنت كذبت ؛ كذبت عليا يا هارون !! مدتنيش حتى حرية قبول الوضع ده أو رفضه !! ارجوك احترم رغبتي .. 

تنهد بضيقٍ وهو يبتعد عنها :
-أرچوكي أنتِ متصعبيش عليّ الحياة ، هي معصلچة لوحديها .. أنا كنت مفكر أنك أول واحدة هتفهميني !!

ردت بخزى الدموع تترقرق منها:
-سيبني أمشي بهدوء يا هارون .. واضح أن أحنا الاتنين مقدرناش نفهم بعض.

هناك فطرة مجهولة بنفسك المرء لا يلتفت إليها البعض ، أن الإنسان دومًا ما يحبث فى الحياة عن مكان آمن وسط الضجيج فلا يحتاج فيه أن يتكلف ليُقبل‏ ، أن يحمل ورود الاعتذار طوال الوقت ، أن يلقى رأسه على كتف أحدهما بدون شرح ، تلك هى غاية المرء مهما تاه بين الرغبات .

حمل عتق همه وتركها ورحل بدون كلمة إضافية ، قابلتـه هيام لتخبره :
-قولت لرغد انك عاوزها ، واهي نازلة وراي .. 

رد بلا اهتمام :
-اتأسفيلها وقوليلها چالي شغل ياهيام …في الليل أقابلها . 

••••••••••
غابت شمس هذا اليوم المُغبر بالحيرة .. 
حيرة هذا الرجل الذي يجلس أمام حفرة النيران يتدفأ أثناء ورديته في الكميـن ويتابع حركة الإرهابيين بالمنطقة .. 

في حالة مستمرة من الثوران ، يتعامل بقسوة مع الجميع ، يضجر من ناموسة شاغبت أنفه ، وكل ما يضيق بهِ الحال يعود لصورهما معًا لذكرياتهم القديمة ، لأيامٍ كان يهرب من العالم إليها .. ما أشهى اللحظات السرية بين اثنين التقيا باسم الحب ، وما أشرس العلنية التي ابعدتني عن ملجأي وسري الآمن !! 

جاء العسكري ليُخبره :
-هاشم بيـه !! العسكري بتاعنا بيقول في حركة تقلق على بعد كيلو من الكمين !! 

رمى هاتفه بجيبه وأمسك سلاحه بحماس:
-قول للرچالة يجهزوا . 

~بيت صالح الطحاوي~

-يعني عاجبك يا عمتي تقطيم أمي فيّ ؟! غلطت عشان دافعت عن چوزي ؟! طب اشتكي لمين ؟! كلكم عليّ !! الحيطة المايلة بتاعتكم بقيت !

ظلت تنوح كالبومة فوق مسامع عمتهـا التي قادت بها نيران الحقد لتجاهل زوجها وابناءها لعدم وجودها لتقوم :

-المصاروة هياخدو عيالي مني !! اسمعي يابت يا زينة ، عايزاكي تفتحي مخك زين ، لو عاوزة هارون يرجعلك ، يبقى تسمعي كلام عمتك وفكك من حديت أمك الماسخ .

مر اليوم مرورًا لطيفًا على انشغال نسوة القصر بالأجواء المرحة ، منهم من تولت مهمة الطهي ، منهم من تولت مهمة الحلويات !!
 وتولت هاجر مهمة غسل الأطباق بأمر من أحلام ولتساعد فردوس التي عادت من إجازتها الأسبوعية .. شرعت ليلة برص الأطباق على السفرة بأجواء يعمها الضحك والمرح والتعاون بدون دس أنفس خبيثة بينهن .. حيث قامت رغد بصنع العديد من الحلوى المميزة والغريبة لهم .. التي انهرن بها الجميع وراقت لهم .. 

بدأ موسم الربيع لكل من " رؤوف ونجاة " و " هلال ورقية " كلامها يمرحان في ساحة الحب بلا توقف ، الجميع يود وقوف الساعة عند تلك اللحظات الثرية التي لا تُقدر بثـمن ..

جاء المسـاء؛ وبعد تناولهم للطعام وانضم لهم هيثم والحج خليفة الذي لم يكمل أكله فجاءه زوار بالخارج .. كان الطعام شهيًا للغاية وكانت النفوس الطيبـة تجمله أكثر وأكثر .. ضُبت الأطباق من على الطاولة ، واعدت هيام أكواب الشاي ، وبدأت رحلة السمر والسهر في غرفة أحلام .. احتشدت الفتيات حولها يضحكن ويلعبن ويزينن المكان ببهجة حضروهن .. 

عادت رقية بعد يوم حافل قضته مع زوجها بالمدينة وهي تحمل بيدها الكثير من الحقائب التي ابتاعتها والأكثر منهم بيده ، جذبها أصوات الضحك ، فاستأذنت زوجها قائلة :

-هروح أشوفهم وأقعد شوية ؟!

أومى بالموافقة ، فركضت رقية نحو الغرفة والضحكة تتسطرة على وجهها :

-خير اللهم اجعله خير ؟! متچمعين عند النبي ؟! 

صاحت هاجر فارحة :
-وأهي رقية جت !! أحنا نسهروا للصبح ، هركب أجيب لكم كوتشينة !! ونلعبوا .. ولا طاولة !! في أوضة هيثم في طاولة !  وكش ملك ! تختاروا ايه ! يلا بسرعة هطلع اسرق من فوق وهضحى بنفسي عشانكم . 

ذاعت ليلة بأسفٍ :
-بس أنا معرفش ألعب طاولة ولا كش ملك ! 

فسألت رغد :
-انتي ايه رايك ؟!

فأردفت :
-أخوكي علمني كل ده !  أنا بقيت ألعب معاه بلايستيشن ؟! متخيلين !! انا معاكم في اي حاجة ..

فذاعت رقية :
-يبقى نلعبوا كوتشينة ، والشايب !! والأحكام تتنفذ ، كلنا بنعرف نلعبها ، حتى أحلام وفردوس يلعبوا معانا .. 

فنظرت لها أحلام باعتراض:
-الليل چيه يا ختي ؟! أنتِ أيه مقعدك وسطينا !وسط شِلة الأُنس .؟

اتسعت الأعين حول بذهول ، فأردفت :
-ما استأذنت هلال وقالي براحتي !! هي فين المشكلة ؟!

زفر أحلام بضيق :
-دي ليلة خميس !! كيف سايبة چوزك وچاية تتسايري معانا!! طب دول ورچالتهم هاجة !! أنتِ چوزك في قفصك يا عبيطة ..

أحمر وجه رقيـة من شدة الخجل :
-يعني أعمل أيه بردك !! يعني أيه الخميس ! منا مش فاهمة !! هلال مصمش النهاردة عشان أواخر شعبان! 

فتدخلت ليلة مستفسرة :
-ولا انا فاهمة يعني ماله الخميس يا أحلام !! 

ضربت أحلام كف على الأخر وهي تنظر لفردوس :
-دي بنات أيه دي ؟!!! 

ثم نظرت أحلام لرغد :
-طب أنتي فاهمة يا رغدة ولا خيبة زيهم؟!

داعبت خصلة شعرها بخجل :
-فاهمة طبعًا يا طنت.. بس شكلهم هما اللي مش فاهمين بجد !! 

فتفوهت فردوس قائلة بدلال :
-الخميس يعني أوضة حمرة وحتة حمرة  ولمبة حمرة . 

فأردفت رقية باندفاع :
-ايه الرعب ده يا فردوس!!دي أوضة أشباح! 

صاحت اصوات الضحك على عفوية فردوس وحماقة رقية ، فاختبأت ليلة بذراع أحلام هامسة:
-هي بجد قصدها حاجات متصحش !! بس أيه علاقة الخميس بردو !! مال الأشباح بقا؟!

لكزتها أحلام بمداعبة :
-دانت كمان طلعت خيبة !! أومال واقفة قصاد الواد ومقوية صدرك وديه ملمسنيش يا أحلام ..

هزت كتفيها بعفوية وهمست لها :
-لا دي جملة سمعتها في كذا فيلم ، قولت اقولها في اي خناقة ، وعدت عادي !! يعني انا نجحت وعرفت أقف قصاد هارون ؟ 

تمتمت أحلام بحسرة وهي تشكو لفردوس:
-دول طلعوا خيبة تقيلة يا فردوس !! يا خسارة الرجالة اللي تفرح .. ناولوني برشامة الضغط .

ثم شدت رقية من أذنها بعد ما أمرت هاجر أن تقفل الباب وهي تحذرها :
-كل كلمة هقولها هتروحي تنفذيها لجوزك  بالحرف !! أم أربعة وأربعين مش قاعدة ، اكسبي الوقت يا عبيطة !

ردت بحماقة :
-اروح اعمله وكل طب بس أحنا واكلين وشبعانين !! 

صاحت أحلام بغل :
-هاتي لي خرزانة للبنات دي يا فردوس، أومال علام أيه اللي اتعلمتوه !! اسمعي يابت !!

فتدخلت ليلة بمزاحٍ :
-ركزي واحفظي كويس يا رقية متزعليش أحلام .

هبت أحلام بوجهها وهي تلكزها :
-أنتِ بالذات تسكتي ، لساته دورك مچاش !! 

انكمشت ليلة حول نفسها :
-قاعدة مؤدبة والله أهو !!

أحلام بقهرة :
-هتخلوني أندب لكم كيف القوقة صفية وأقول يا وقعة الرچالة اللي ربتها وكبرتها !! 

فأردفت رقية باستسلام :
-سامعة أهو وهنفذ بالحرف …..

~ بالخارج ~
 
أوقف الحج خليفـة هارون ليأمره :
-عاوزين نروحوا بيت الچباس ، نچيبوا نغم ونتصالحوا معاهم .

انفعل هارون بذهول :
-أنا لو جاورت فارس ولد الچباس في قعدة هتبقى عركة يا أبوي ويا يقتلني يا أقتله !! 

                الفصل الثامن من هنا
تعليقات