رواية رسائل بلا عنوان
الفصل الثاني2
بقلم سامر الحريري
لم تستطع لارا العودة إلى عملها المعتاد بعد اكتشاف اسم ضياء الراوي. شيء ما في قصته لم يكن منطقيًا… كيف يختفي كاتب مقالات فجأة دون أن يترك أثرًا؟ ولماذا لم تصل رسائله إلى صاحبتها؟
أغلقت ملفّاتها وجلست أمام الحاسوب، وبدأت بالبحث عن اسمه في أرشيف الصحيفة. لم يستغرق الأمر طويلًا حتى ظهرت لها مجموعة مقالات قديمة بتوقيعه. فتحَت أحدها وبدأت بالقراءة:
"نحن نعيش بين سطور الماضي، لكن الحقيقة دائمًا تكتب في الحاضر. البعض يختبئ خلف الذكريات، وآخرون يتركونها خلفهم هربًا من واقعٍ لا يملكون شجاعته..."
توقفت عند هذه الجملة… شعرت وكأنها رسالة خفية.
منى (وهي تراقبها بصمت): "إيه رأيك؟ كان كاتب شاطر، صح؟"
لارا: "أكتر من شاطر… كان بيكتب كأنه بيتكلم مع حد بعينه."
منى (بابتسامة جانبية): "يمكن كان بيكتب لهاديك البنت اللي في الرسائل."
لارا (بفضول): "بس مين هي؟ وليه رسائله عمرها ما وصلت لها؟"
أغلقت الحاسوب وهي تفكر في الخطوة التالية. لم يكن لديها الكثير من الخيوط، لكن كان هناك احتمال واحد: ضياء لم يختفِ دون أثر... لا بد أن شخصًا ما يعرف قصته.
📍 اليوم التالي – قسم الأرشيف القديم
قررت لارا البحث عن أي ملفات قديمة تتعلق باختفاء ضياء. وجدت مقالة نشرت قبل عشر سنوات بعنوان:
"لغز اختفاء الكاتب ضياء الراوي: حادث أم هروب؟"
قرأت بسرعة:
"في يوم 5 مايو، خرج الكاتب الصحفي ضياء الراوي من منزله متجهًا إلى مقر الصحيفة، لكنه لم يصل أبدًا. لم يُعثر على أي دليل يثبت أنه غادر المدينة، ولم يتم تسجيله في أي مستشفى. عائلته لم تتلقَّ أي اتصالات، وأصدقاءه أكدوا أنه لم يكن يمرّ بأي مشاكل معروفة. بعد ثلاثة أشهر، تم إغلاق ملف التحقيق لعدم وجود أدلة كافية."
تسارعت أنفاسها… خمسة مايو؟! نظرت إلى إحدى الرسائل القديمة التي كانت ما تزال في يدها، ولاحظت أن الورق كان يحمل تاريخًا خفيفًا بالكاد يُرى: 4 مايو.
ليلة واحدة قبل اختفائه.
وضعت يدها على فمها وهي تستوعب شيئًا لم يكن في الحسبان. هذه الرسائل… قد تكون آخر كلمات كتبها ضياء قبل أن يختفي.
لكن السؤال الحقيقي لم يكن فقط لمن كتبها… بل:
ماذا كان ينوي أن يفعل بعدها؟ ولماذا لم يصل إلى الصحيفة في صباح اليوم التالي؟
شعرت لارا بقشعريرة تسري في جسدها وهي تتأمل الورقة بين يديها. كان الأمر واضحًا… هذه الرسائل لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت تحمل شيئًا ما، سرًا دفنه ضياء قبل أن يختفي بساعات.
رفعت عينيها إلى منى، التي كانت تراقبها بصمت.
منى (بقلق): "إنتِ كويسة؟ وشك شاحب!"
لارا (بصوت خافت): "منى… الرسالة دي مكتوبة قبل يوم واحد بس من اختفاء ضياء. إزاي ما حدش انتبه للموضوع ده قبل كده؟"
منى (باندهاش): "انتي بتقولي إن الرسالة دي ممكن تكون آخر حاجة كتبها قبل ما يختفي؟"
لارا: "مش ممكن… أكيد!"
نظرت منى إلى الورقة، ثم إلى الصندوق المليء بالرسائل، قبل أن تهمس: "لو عاوزة الحقيقة، لازم تدوري أكتر. لازم نعرف مين كانت س."
لارا (بحزم): "وأكتر شخص ممكن يساعدنا… هو الشخص اللي كان أقرب لضياء."
📍 في المساء – مقهى قديم وسط المدينة
بفضل بعض الأبحاث السريعة، اكتشفت لارا أن ضياء كان مقربًا من شخص يدعى جمال التهامي، صحفي مخضرم عمل معه في الصحيفة قبل أن يختفي. لم يكن الوصول إليه سهلاً، لكنه وافق أخيرًا على لقائها بعد إلحاحها.
عندما وصلت إلى المقهى، وجدته يجلس على طاولة بجوار النافذة، يدخن سيجارة بينما يتأمل الشارع بصمت. كان رجلًا في أواخر الخمسينيات، لكن عينيه كانتا تحملان ثقل سنوات طويلة من الأسرار.
لارا (بهدوء وهي تجلس أمامه): "شكرًا لأنك وافقت تقابلني، أستاذ جمال."
جمال (وهو ينفث الدخان): "انتي من الصحيفة، صح؟ عرفتِ حاجة جديدة عن ضياء؟"
أخرجت لارا الرسالة من حقيبتها ووضعتها أمامه. للحظة، لم يتحرك جمال، ثم مدّ يده وأخذها ببطء. عندما قرأ الاسم في نهايتها، تغيرت ملامحه كليًا.
جمال (بصوت مرتجف): "ضياء… رسائله كانت هنا كل ده؟!"
لارا (بحذر): "كنت تعرف إنه كان بيكتبها؟"
رفع جمال عينيه إليها، ولأول مرة بدا وكأنه يتردد في الكلام. لكنه تنهد أخيرًا وقال بصوت منخفض:
"ضياء ما كانش بس كاتب مقالات… كان بيدوّر على حقيقة ما كانش المفروض يعرفها."
حبست لارا أنفاسها… شعرت أن القصة أكبر مما توقعت بكثير.
لارا: "إيه الحقيقة دي؟ وليه اختفى؟"
نظر جمال حوله كأنه يتأكد أن لا أحد يسمعه، ثم انحنى للأمام وهمس بجملة جعلت قلبها يتوقف للحظة:
"اختفى؟ لا… ضياء اتقتل."
