رواية نصيبي في الحب الفصل الثلاثون30بقلم بتول عبد الرحمن
نور مشيت وسابته، اختفت من قدامه بسرعة رهيبة، كأنها كانت مستنية اللحظة دي عشان تهرب، كأنها خايفة لو فضلت ثانية زيادة قدامه تنهار أكتر، تعترف أكتر، تتألم أكتر.
أما هو، ففضل واقف مكانه، مصدوم، مبهوت، عقله مش قادر يستوعب إنها بتمشي، إنها بتسيبه، إنها بتمحيه من حياتها كأنه ولا كان.
بس هو مش هيقدر يسيبها.
هو بيعشقها.
محبش قدها.
محبش غيرها أصلاً.
عينه فضلت ثابتة على المكان اللي اختفت فيه، كأنه متأكد إنها هترجع، إنها لازم ترجع، لكن الوقت كان بيعدي، وهي اختفت خلاص.
فاق من أفكاره فجأة على صوت داليا، كانت واقفة جنبه، عيونها حزينة، صوتها هادي لكنه مليان صدق "نور موجوعة أوي، حبتك بجد، فهتلاقيها مجروحة منك أوي."
بصلها يوسف، كانت كلمتها زي سكينـ ـه في صدره، كأنه لأول مرة بيشوف جرح نور الحقيقي، لأول مرة بيشوف قد إيه هو السبب في ألمها.
داليا كملت بصوت أهدى، لكنها كانت بتطبطب على وجعه من غير ما تحس
"بس معاك كارت رابح، نور بتحبك."
يوسف ضحك بسخرية، سخرية حزينة موجوعة، بصلها وقال بمرارة "هتفرق؟ بعد ما قالتلي بكرهك؟ بعد ما بصت في عنيا وقالتها؟ هتفرق؟"
داليا هزت راسها بتأكيد، مفيش ذرة شك في صوتها وهي بتقول "نور بقت كويسة برجوعك يا يوسف، مادام رجعت، فهيا تقدر ترجع زي ما كانت، أوعى تسيبها، نور هتنهار لو سبتها، خليك وراها، متتنازلش عنها، متسيبهاش تضيع منك تاني."
يوسف بصلها، كان عايز يصدق كلامها، عايز يتعلق بيه كأنه طوق نجاة.
داليا قربت منه أكتر وقالت بحزم
"وأنا مستعدة أعمل أي حاجة عشانها، وعشان أشوفها مبسوطة تاني."
يوسف أخد نفس عميق، كأنه قرر، كأنه خلاص عارف هو هيعمل إيه.
مش هيسيبها.
مش هيفرط فيها.
ومهما قالت، مهما حاولت تبعد...
هترجعله.
نور طلعت اوضتها بسرعه، بمجرد ما الباب اتقفل وراها، كأن آخر خيط كان رابطها بالتماسك انقطع.
رجليها خانتها، وقعت على الأرض وهي بتحاول تاخد نفس، بس أنفاسها كانت متقطعة، مش منتظمة، كأنها بتغرق.
إيديها كانت بتترعش، ضمتهم على قلبها كأنها بتحاول تهديه، لكن نبضاته كانت عنيفة، مش راضية تهدا.
عيونها دمعت، بس الدموع ما كانتش مجرد دموع حزن… كانت دموع قهر، وجع، و... خوف.
خايفة من نفسها، خايفة من اللي حسّت بيه وهي قدامه، خايفة إنها تنهار أكتر، خايفة إن كل الكلام اللي قالته كان مجرد محاولة فاشلة لإقناع نفسها إنها فعلاً بتكرهه.
"بكرهك… مش بحبك…"
قالت الكلمات لنفسها بصوت متحشرج، كأنها بتحاول تزرعها جواها غصب عنها، بس قلبها ما صدّقش، ما استجابش، بالعكس… كان بينبض باسمه رغمًا عنها.
قامت بسرعة، كأنها بتحاول تهرب من أفكارها، راحت ناحية المراية، بصت لنفسها، شافت انعكاس وشها اللي كان مليان ملامح توتر، ضعف، ودموع.
"عمري ما هسامحك، ابدا"
قالتها وهي بتحاول تمسح دموعها بعنف، بس عيونها فضلت تلمع بالحزن، بالإحساس اللي كانت بتصارع نفسها عشانه.
حاولت تتنفس بعمق، تقنع نفسها إنها كويسة، بس الحقيقة كانت واضحة…
هي مش كويسة.
هي لسه بتحبه، بس مش قادرة تسامحه.
والتناقض ده… بيقتلها.
سمعت خبطة خفيفة على الباب، عرفت فورًا إنها داليا، أخدت نفس عميق، حاولت تظبط صوتها، لكن قبل ما حتى ترد، الباب اتفتح ببطء، وداليا دخلت.
"نور..." داليا نطقت اسمها بصوت هادي
نور لفت وشها الناحية التانية ومسحت دموعها بسرعة "أنا كويسة يا داليا"
داليا قربت منها "أيوه، واضح جدًا قد إيه إنتِ كويسة."
نور حاولت تهدى نفسها، لكن صوتها طلع مهزوز "أنا بس... اتفاجئت، مكنتش متخيلة أشوفه تاني."
داليا سكتت لحظة قبل ما تقول "وإحساسك إيه دلوقتي؟"
نور عضت شفايفها، مش قادرة تجاوب، مش قادرة تعترف إنها لسه بتحبه، مش قادرة تقول إنها نفسها تجري عليه وتحضنه وتقول له إنه وحشها كل يوم في بعده، لكنها مش هتسمح لنفسها بكده، مش بعد الوجع اللي عاشته بسببه.
"حاسه إن... كل حاجة بترجع تاني، وأنا مش عايزة كده، مش عايزة أوجع نفسي تاني."
داليا حطت إيدها على إيد نور وقالت بهدوء "بس إنتِ لسه بتحبيه، مش كده؟"
نور سحبت إيدها بسرعة "مش مهم! الحب مش كفاية، الحب هو اللي وجعني في الأول، الحب مخلانيش أنسى، الحب هو السبب في كل حاجة."
داليا بصتلها وقالت بجملة واحدة كانت كفيلة إنها تهزها "والبعد كان مريّحك؟"
نور اتجمدت مكانها، مش قادرة ترد.
الحقيقة إنها عمرها ما ارتاحت، عمرها ما نسيته، وكل يوم كان بيفوت عليها وهي بتتخيل شكله، صوته، لمساته.
لكنها عنيدة... وبتحاول تقنع نفسها إنها لازم تفضل قوية.
يوسف خرج من الاوتيل وهو تايه، مش حاسس برجله وهي بتتحرك، مش سامع أي حاجة غير صوتها وهي بتصرخ فيه
"أنا بكرهك! بكرهك وبكره قلبي اللي حبك!"
الكلمات دي كانت زي السكينـ ـه، كل حرف فيها كان بيجرحه، بيقطّع قلبه حتة حتة، كان متأكد إن نور مجروحة، متأكد إنها لسه بتحبه، بس برضو… مش قادرة تسامحه.
وقف قدام عربيته، حط إيده على السقف وحاول يهدّي أنفاسه، بس صدره كان ضيق، كأنه مش قادر ياخد نفسه، لأول مرة يحس بالعجز بالشكل ده، لأول مرة يحس إنه مش عارف يعمل حاجة.
فتح باب العربية بعصبية، ركب ومسك الدركسيون بإيدين بيترعشوا، ضغط بإيده عليه كأنه بيحاول يمسك نفسه، كأنه بيحاول يمنع إحساس الندم اللي كان بيكسر ضلوعه.
"أنا السبب… أنا اللي خليتها توصل للحالة دي."
غمض عيونه بقهر، افتكر عينيها اللي كانت مليانة دموع، ارتجاف صوتها وهي بتقوله إنه انتهى من حياتها، بس الحقيقة اللي كان عارفها أكتر من أي حد… إنه ما انتهاش، وهو مش ناوي ينتهي
بص قدامه، خد نفس عميق، وبعدها… لف مفتاح العربية وانطلق.
في مكان تاني.... معتز كان قاعد سرحان، عينه ثابتة على الكوباية اللي في إيده، بس عقله في مكان تاني خالص، ملامحه متوترة، كأنه بيفكر في حاجة مش قادرة تسيبه في حاله.
صاحبه اللي قاعد معاه لاحظ شروده، نفخ بإحباط وسأله "سرحان في إيه يبني؟"
معتز فضل ساكت لحظة، بعدين خد نفس طويل وقال بصوت هادي لكنه مليان غل "في نور."
صاحبه رفع حاجبه باستغراب وضحك بسخرية "إنت لسه محَرّمتش؟! نور إيه اللي لسه بتفكر فيها بعد كل اللي حصل؟"
معتز ساب الكوباية على الترابيزة، ضحك ضحكة مفيهاش أي فرحة وقال "لولا إن الزفت يوسف ده جه، كانت زمانها مراتي دلوقتي."
صاحبه قال وهو بيشاور بإيده " وخد بالك انه حذرك منه وقالك تبعد، وإنت عارف إنه مش بيهزر!"
معتز بصله بنظرة كلها جنون وقاطعه بسرعة "هيعمل إيه يعني؟ آخره إيه؟ تحذير فاضي؟"
صاحبه بصله بذهول وقال "إنت مش شايف نفسك حصلك إيه؟ ده خطفك شهر كامل، والناس كلها كانت بتسأل عليك! أومال لو مش بيحذرك كان عمل فيك إيه؟"
معتز شد فكه، عنيه مليانة حقد، صوته طلع هادي لكنه مرعب "وأنا مش هسكت، مش هسيب حقي، ولو هو فاكر إنه ممكن ياخد نور مني يبقى غلطان… يا إما نور تبقى ليا، يا إما مش هتكون لحد تاني خالص!"
بالليل رجع الأوتيل وحجز فيه من غير تفكير، هو مش بس عايز يكون قريب منها، هو مش ناوي يسيبها ابدا
تاني يوم صحي من نومه على صوت رسالة من داليا، فتحها وقرأها
"إحنا في كافيه الأوتيل، قدامنا نص ساعة لو عايز تيجي."
ابتسم ابتسامة خفيفة، حان الوقت أنه يبدأ المعركه
قام بسرعه لبس هدومه على عجله، وبخطوات ثابتة راح ناحية الكافيه، كان المكان هادي، صوت الموسيقى الخافت بيدّي جو مريح، وعينه ما أخدتش وقت عشان تلاقيها، كانت قاعدة مع داليا، بتتكلم، بتبتسم بخفوت، بس هو عارف الابتسامه دي... مش ابتسامه سعيدة، ابتسامة حد بيحاول يقنع نفسه إنه بخير.
داليا لمحته، وعينيها قالتله كل حاجة من غير كلام "اتصرف، بس بذكاء"
نور لاحظت أن داليا مش معاها، حسّت بحاجه غريبه، كأن الجو حواليها اتغيّر، كأن حد دخل المكان وسرق منه كل الأكسجين.
نظرتها اتحركت لا إرادياً ناحية الباب... وهناك كان واقف.
يوسف.
واقف بثقة، عيونه بتدور في المكان، ولما شافها، لمحت ابتسامة خفيفة جدًا على طرف شفايفه
حسّت بجسمها بيتجمد للحظة، ضربات قلبها سريعه
هو هنا.
قريب.
فجأه، خدت شنطتها وانسحبت، داليا اللي كانت واخدة بالها من كل حاجة، قالت بهمس سريع "نور، استني، مت..."
لكن نور قامت من مكانها في ثانية، من غير ما تبص وراها، من غير أي كلمة، مجرد انسحاب صامت لكن واضح جدًا.
خطواتها كانت سريعة، أقرب للهرب، قلبها بيخبط في ضلوعها، مش عايزة تواجهه، مش قادرة تشوفه تاني، مش جاهزة تحس كل حاجة مؤلمة دفعة واحدة.
كانت على بعد خطوة واحدة من باب الكافيه، خطوة واحدة وتخرج من الدايرة اللي بقت تخنقها، من وجوده، من صوته، من إحساسها اللي بيضعف قدامه رغم كل شيء.
لكن قبل ما تخرج حسّت بإيد قوية بتمسك دراعها.
اتجمدت.
حاولت تسحب دراعها فورًا، لكن قبضته كانت محكمة، لفتله بسرعة، والغضب في عينيها متوهج، لكن أول ما شافته قدامها بالشكل ده، قريب كده، نظراته متسلطة عليها بقوة، فقدت الكلام للحظة.
يوسف كان ثابت، عيونه مفيهاش أي تردد، بالعكس، فيها تصميم قاتل، صوته خرج هادي لكنه كان نغمة أوامر مش طلبات
"هربتي كتير، كفاية كده."
نور حاولت تسحب دراعها بعصبية أكتر، لكن يوسف متراجعش، بالعكس، قرب خطوة، المسافة بينهم بقت شبه معدومة.
"سيبني "
"لاء"
نبرة كلمته قطعت أنفاسها، بسيطة، حاسمة، مفيهاش مجال لأي مقاومة.
بصتله بحده، نبرة صوتها كانت واطيه " انت مش بتعرف تقول غير لاء، لازم تبقى متحكم وبس؟!"
بصلها وقال بهدوء" لاء بعرف اقول غير لاء، بعرف اقول اني اسف واني ندمان وعايزك ترجعيلي"
يوسف كمل، باصص في عنيها بتركيز، مش عايز يسيب لها مجال تهرب تاني
"عارف إن آسف مش كفاية، وعارف إنكِ مش هتسامحيني بسهولة، بس كان لازم أقولها."
رفعت عينيها ليه، ملامحها كانت باردة، متماسكة رغم الارتجاف الخفيف اللي مر في صوتها وهي بترد عليه "أسفك مرفوض."
كلمتها نزلت عليه تقيلة، لكنه رفض يستسلم، قبضته ارتخت بس لسه ثابتة، عيونه بتحاول تقنعها إنها تسمعه، إنها تفهم
"نور أن........"
قاطعته قبل ما يكمل، نبرتها كانت حادة، حاسمة، مليانة وجع دفين "ومتضطرنيش اختفي يا يوسف"
وقف في مكانه، اتجمد للحظة، عنيه لمعت بانفعال واضح، لكن قبل ما يقدر يرد، هي كملت، صوتها كان أوطى، لكنه موجع أكتر
"لأني لو اختفيت، مش هتعرف توصلي، وهبقى على الأقل دوّقتك اللي أنا حسيته لما مشيت، بس الفرق إن اللي عملته فيا كان أسوأ... لأنك مشيت من غير حتى ما تفهمني حاجة."
الكلمات كانت زي السكـ ـينه، غرزت في قلبه ببطء، بس بدقة، خلته يحس بنفس الألم اللي عاشته، بنفس الضياع اللي غرقت فيه وهي بتحاول تفهم ليه سابها فجأة
قرب منها وقال "مش ببساطة يا نور، أنا كنت غلطان، غلطان في كل حاجة، ولو ينفع أرجع بالزمن وأغير أي حاجة، كنت هعملها، بس أنا قدامك دلوقتي، مش طالب حاجة غير إنك تعرفي إني بندم على كل لحظة وجعتك فيها."
نور فضلت ساكتة، مش قادرة تنطق، يوسف شاف ترددها، شاف نظرة الألم اللي حاولت تخفيها، وعرف إنه مهما كانت عنيدة، لسه في قلبها جرح بسببه... ولسه هو الوحيد اللي ممكن يداويه.
لكنه برضو عارف إن ده مش هيحصل بسهولة، فبهدوء، ولأول مرة، ساب دراعها... لكن قبل ما يبعد، بصّ ليها وقال بصوت خافت لكنه قوي "أنا مش مستني منك تسامحيني دلوقتي... بس مش هبطل أحاول، مش هبطل أثبتلك إنك عمرك ما كنتي مجرد مرحلة، ولا كنتي مجرد ذكرى، أنتِ بالنسبالي البداية... والنهاية."
وبعدها، من غير ما يستنى ردها، لف ومشي، سابها واقفة مكانها، بتحاول تستوعب كلماته، بتحاول تسيطر على مشاعرها اللي كانت هتفلت منها لأول مرة من فتره
عدى كام يوم بعد اللي حصل في الكافيه، نور كانت مصممة إنها تتجنب أي مواجهة تانية مع يوسف، وكانت قافلة على نفسها في أوضتها أغلب الوقت، مش عايزة تخرج كتير علشان متقابلهوش بالصدفة.
داليا كانت معاها طول الوقت، بتراقبها وهي بتتصرف كأن الموضوع كله مفرقش معاها، لكن داليا كانت عارفة إن ده مجرد تمثيل، وإن جواها بركان مشتعل
نور كانت قاعدة في الأوضة، بتقلب في موبايلها بشرود، داليا فجأة وقفت قدامها وقالت بحماس "قومي البسي، هننزل شوية."
نور رفعت عيونها "ننزل فين؟"
داليا ابتسمت بإقناع مصطنع " ننزل نفطر تحت في الكافيه، زهقت من الأكل في الأوضة، وبعدين الجو حلو، مش هتقعدي محبوسة كده طول الوقت!"
نور زفرت وهي بتقول بلا مبالاة "مش عايزة أنزل، روحي لوحدك."
داليا قربت منها وقعدت جنبها على السرير، لمست إيدها بلطف وقالت بصوت هادي "نور، عارفة إنك مش طايقة حاجة دلوقتي، بس بجد… انزلي غيري جو، هتفضلي هربانة كده؟"
نور عقدت حواجبها وقالت بحذر "أنا مش بهرب، بس مش عايزة اشوفه تاني، مفيش حاجة تتقال أصلاً."
داليا ابتسمت وكأنها موافقة، وهزت راسها "وأنا معاكِ، لو حصل أي حاجة، هنمشي فورًا، هااا؟"
نور فضلت تبصلها لحظة، بعدين زفرت بتوتر، أخيرًا استسلمت وقالت بضيق " تمام"
نور وداليا كانوا نازلين في الأسانسير، الأسانسير فتح في اللوبي، نور شافت يوسف واقف مستني، ملامحه هادية لكن عيونه مترقبة ليها.
نور وقفت فجأة، قلبها دق بسرعة، لفت لداليا فورًا بنظرة مصدومة " ده بجد؟!"
داليا مستحملتش تواجه نظرتها، فحركت راسها بسرعة وقالت "أنا آسفة، بس ده كان لازم يحصل."
نور اتصدمت، لفت بسرعة علشان ترجع للأسانسير، لكن داليا كانت أسرع، دخلت الأسانسير وقفلت الباب وراها
"داليا! افتحي الباب!" نور صوتها كان مشحون بالغضب، لكنها سمعت صوت داليا من الناحية التانية "هفتح… بس بعد ما تسمعيه."
نور عضت شفايفها بعصبية، لفت ببطء، وعيونها قابلت عيون يوسف، اللي قال بهدوء "أنتِ مجبرة تسمعيني."
ودي كانت بداية المواجهة اللي حاولت تهرب منها…
بصتله وقالت بصوت متحشرج "مش عايزة أسمع، عايزة أمشي."
"لما تسمعيني الأول."
الهدوء في صوته أربكها، خلاها تقف في مكانها للحظة، قبل ما تزفر بغضب وتكتف إيديها وهي بتبصله
يوسف اخد نفس عميق، وكأنه بيحاول يجمع شجاعته، قبل ما يقول بصوت هادي لكنه مليان يقين "عارف إنكِ موجوعة، وعارف كمان إنكِ ممكن تكوني كرهتيني فعلاً، بس قبل ما تحكمي على كل حاجة، عايز أوضحلكِ نقطة واحدة."
يوسف ركز نظراته عليها، وكمل بهدوء "أنا مش غلطان لوحدي."
نور اتصدمت للحظة، رفعت حاجبها بدهشة، يوسف حرك راسه بإصرار، عيونه كانت مليانة مزيج من الألم والصدق
"متستغربيش، أنا مش غلطان لوحدي، آه، غلطان، بس أنتِ كمان غلطانة."
نور عقدت حواجبها، لكن يوسف مسابش ليها فرصة ترد، كمل بسرعة قبل ما تقاطعه "لحد اليوم اللي مشيت فيه، عمري ما كنت متأكد من مشاعرك ناحيتي، اه كنتِ بتظهري حاجات، وكنت حاسس بيها، لكن عمرك ما قلتيها، كنتِ بتهربي دايمًا، كنتِ بتتفادي أي حاجة تتعلق بالمشاعر، كل مرة أحاول أفهمكِ… تهربي، كل مرة أسألكِ بشكل مباشر… تتجنبي الرد."
نور فتحت بُقها، عايزة تعترض، لكنه سبقها وقال بحزم "أنا مبقولش ده علشان أحط اللوم عليكِ، بس أنا منسحبتش لوحدي، أنتِ اللي اجبرتيني أعمل كده، افتكرت إنكِ مش بتحبيني… لأنكِ عمرك ما قلتيها، ولا حتى لمحتي بيها، فبالنسبالي… كنتِ مجرد حد قريب مني، لكن مش قريب كفاية إنكِ تحبيني فعلاً."
نور حسّت بقلبها بينقبض، عيونها اترعشت للحظة قبل ما تشد نفسها وترفع دقنها بتحدي "وأنتَ استنتجت ده وقررت تختفي؟ بدل ما تسألني، بدل ما تواجهني، بدل ما تخليني أقولها؟"
يوسف بصّ في عيونها، ابتسامة حزينة اترسمت على طرف شفايفه "كنتِ بتهربي حتى من السؤال… فإزاي كنتِ هتقدري تقولي الإجابة؟"
نور حسّت إن مفيش مفر من الحقيقة اللي قالها، مفيش هروب منها… لأنها كانت حقيقية، بس ده مكانش كفاية علشان تمحي وجعها.
"حتى لو كان عندي أخطاء… أنتَ اللي مشيت، وانت اللي اتخليت عني ومتمسكتش بحبي، فعمري ما هآمنك أبدا"
يوسف فضل ثابت مكانه، لكنه قال بصوت هادي مليان يقين "ده لأني مكنتش عارف مشاعرك بالظبط، حتى لو كنت حاسس بيها، لو كنتِ صريحة معايا، لو كنتِ قولتيها بوضوح، كنتِ وفرّتي علينا كل ده، لو أنا متأكد إنكِ ليا وإنكِ بتحبيني… كانت كل حاجة هتكون كويسة."
نور ضيّقت عيونها، صوتها طلع محمل بالغضب والوجع مع بعض "بجد؟ يعني أنتَ شايف إن اللي حصل كان غلطي أنا؟!"
يوسف زفر ببطء، قرب منها خطوة وقال بهدوء "مش بقول إنه غلطك لوحدك، بس اللي بقول عليه إن أي علاقة بين اتنين لازم يكون فيها وضوح، وإحنا كان عندنا نقص فظيع في النقطة دي، أنا كنت مستني أسمع منكِ، وأنتِ كنتِ مستنية إنّي أفهم لوحدي… وده محتاج عقل، وأنا عقلي وقتها مكانش موجود "
رفعت عيونها ليه وقالت بحدة "الموضوع انتهى خلاص، بما انك مش هتقدر تكون الشخص اللي بيفهمني، يبقى الموضوع خلص خلاص"
اتنهد وقال" بقول وقتها، نور الاعتراف بالحب عمره ما كان تلميح، والا اي واحده ساعدتني ولا ضحكتلي افهم انها بتحبني، الحب دايركت، ده كان قصدي"
نور قفلت إيديها بقوة، نظرتها كانت مليانة اضطراب، الكلام خلص ومكانتش عارفه تقول ايه، لفت وراحت ناحية الاسانسير، خدت نفس عميق قبل ما تفتحه وتدخل، سايباه بيبصلها وهو عارف انها بدأت تلين، بس محتاجه شوية وقت