رواية رسائل بلا عنوان
الفصل الثالث3
بقلم سامر الحريري
شعرت لارا وكأن قلبها سقط بين ضلوعها. الكلمات التي خرجت من فم جمال التهامي كانت أثقل من أن تستوعبها بسهولة.
لارا (بذهول): "اتقتل؟! إنت متأكد؟"
أطفأ جمال سيجارته ببطء، ثم نظر إليها بعيون تحمل أكثر مما يمكن قوله.
جمال: "ضياء ما كانش مجرد كاتب مقالات… كان بيحقق في قضية خطيرة، ودي كانت غلطته الوحيدة."
تسارعت أنفاسها وهي تحاول استيعاب الأمر. منذ البداية، كانت تشعر أن هناك شيئًا مريبًا في اختفائه، لكن لم تتوقع أن الأمر يصل إلى القتل.
لارا: "إيه القضية اللي كان بيحقق فيها؟"
أخرج جمال علبة سجائره، لكنه لم يشعل واحدة هذه المرة. بدلاً من ذلك، قال بصوت خافت:
"كان بيحاول يكشف شبكة فساد في الصحيفة نفسها… ناس مهمين، أقلام مأجورة، وملفات كان المفروض تفضل سرية. وقبل يوم من اختفائه، كان معاه أدلة تثبت كل حاجة. كان ناوي ينشر المقال، لكنه ما وصلش للمكتب أبداً."
شعرت لارا برجفة في يديها وهي تتذكر الرسائل. تلك الأوراق لم تكن مجرد رسائل حب، بل ربما كانت طريقته في ترك أثر… طريقة غير مباشرة لإخبار العالم أنه كان في خطر.
لكن بقي سؤال أهم، سؤال واحد كان يمكن أن يغير كل شيء:
لارا: "ومين كانت س؟"
هنا، صمت جمال طويلًا. بدا وكأنه يقاتل شيئًا بداخله، قبل أن يغمض عينيه ويقول:
"سلمى… سلمى علوان."
فتحت عينيها بدهشة، الاسم لم يكن غريبًا عليها! سرعان ما فتحت هاتفها وبحثت عن الاسم، لتظهر أمامها مقالات قديمة…
"سلمى علوان: الصحفية التي استقالت فجأة من عملها قبل عشر سنوات."
لارا (بدهشة): "هي صحفية؟!"
جمال: "مش أي صحفية… سلمى كانت حب حياته، وهي الوحيدة اللي وثق فيها بكل الأسرار اللي عرفها. بس بعد اختفائه، سابت الشغل واختفت هي كمان."
كأن نيران الحيرة بدأت تشتعل في رأس لارا أكثر. سلمى علوان، ضياء الراوي، الرسائل التي لم تصل… كلها كانت تشير إلى شيء واحد:
الحقيقة لم تمت مع ضياء، لكنها ضاعت في الظل.
نهضت بسرعة، وهي تضع الرسالة في حقيبتها، قبل أن تنظر إلى جمال بعزم:
لارا: "أنا لازم ألاقي سلمى."
لكن قبل أن تخطو خارج المقهى، سمعت صوته المنخفض يحذرها:
"لو ناوية تدوري ورا الحقيقة… يبقى خلي بالك، لأن اللي حصل مع ضياء ممكن يحصل لك."
لارا كانت تشعر بأن قلبها ينبض بسرعة أكبر من أي وقت مضى. لم يكن الخطر على نفسها هو ما يقلقها، بل الحقيقة المدفونة التي كانت تقف على حافة اكتشافها، كل خطوة كانت تقربها أكثر من فك اللغز الذي دفعها للبحث عن ضياء.
خرجت من المقهى وعينيها تركزان على وجهتها القادمة. سلمى علوان، الصحفية المفقودة، كانت المفتاح، وكانت الآن هدفها. كانت لارا تعلم أن هناك أشياء لا يُمكن أن تُقال بسهولة، وأن سلمى كانت تعرف أكثر مما يبدو. ولكن أين يمكن أن تجدها؟
وهي تتنقل بين الشوارع، تذكرّت لحظة اللقاء الأول مع ضياء، عندما كانت تحاول مساعدته في بحثه عن الحقيقة. هل كان ذلك كله مصادفة؟ أم أن الأمر كان مقدرًا، وأن رسائل ضياء لم تكن فقط توجيهًا لها، بل كانت تحذيرًا، أو ربما طلبًا للمساعدة؟
وصلت إلى منزل قديم في حي مهجور. لم يكن هناك الكثير من الأضواء أو الحركة في هذا المكان، وكان كل شيء يبدو مهجورًا. كان هذا المكان هو العنوان الذي ظهر في آخر مقال كتبه ضياء قبل اختفائه. عرفت أن هذه هي النقطة التي يجب أن تبدأ منها.
طرقَت الباب برفق، ففتحت سلمى علوان بنفسها، وشعرها الداكن المبعثر وعينيها الغائرتين كانا يعكسان سنوات من المعاناة.
سلمى (بتردد): "إنتِ مين؟"
لارا (بتوتر): "أنا لارا… صحفية. كنت أبحث عن ضياء الراوي… أحتاج أن أعرف."
لم ترد سلمى فورًا، لكنها فتحت الباب ببطء ودخلت لارا إلى داخل الشقة الصغيرة. كانت مليئة بالأوراق القديمة والكتب المبعثرة. الجو كان مشحونًا بشيء غريب، وكأن كل زاوية كانت تحتفظ بشيء من الماضي.
سلمى (وهي تجلس على أحد الأرائك القديمة): "إزاي عرفت عني؟"
لارا (بتردد): "جمال التهامي قال لي إنك كنت الشخص الوحيد اللي ضياء كان يثق فيه… وإنك كنت تعرفين كل شيء."
أخذت سلمى نفسًا عميقًا، ثم نظرت إلى لارا نظرة مليئة بالندم والألم.
سلمى: "ضياء كان يتحرى عن شيء خطير جدًا، وكنت على علم بكل شيء. كان عنده دليل قاطع على فساد كبير في الصحيفة، ولكن…"
توقفت، كأنها غير قادرة على إكمال الجملة.
لارا (بإصرار): "ولكن ماذا؟"
سلمى (وهي تنظر إلى الأرض): "ولكنه لم يكن يعرف من يثق فيه. وكنت أنا جزءًا من هذا التورط… لكنني لم أكن أريد أن أراه يتورط أكثر."
لارا (بدهشة): "إزاي يعني؟"
سلمى: "ضياء اكتشف أن هناك خيوطًا مرتبطة بأشخاص في الصحيفة… كانوا يتلاعبون بالمعلومات، ويغذون الفساد بأدلة مزورة. وبدلاً من نشر الحقيقة، كانوا يخفونها، وكلما اقترب من إظهارها، زاد الخطر عليه."
شعرت لارا ببرودة في عظامها، وبدأت تدرك أن كل هذا لم يكن مجرد اختفاء أو حادث. بل كان لعبة أكبر من ذلك بكثير.
لارا (بحزم): "إذا كان عندك دليل، فأنتِ لازم توريه للناس. لا يمكن نخلي كل شيء يضيع."
لكن سلمى هزّت رأسها بحزن.
سلمى: "أنا كنت لازم أخفي كل شيء. لأنه لو ما اختفى ضياء، كانت هتكون نهايتي أنا كمان."
صمت طويل ساد المكان. كان الأمر واضحًا الآن، كان ضياء قد اختفى ليحمي سلمى، ولأنه اكتشف شيئًا أكبر من قدرته على التحكم فيه. وكانت هي، بكل ألمها، شاهدة على كل شيء، وحارسة السر.
لارا (بإصرار): "لازم تخرجي كل شيء. الحقائق لازم تطلع للنور."
لكن سلمى لم تجب، بل نظرت إلى الباب وكأنها تتوقع شيئًا. وفي لحظة مفاجئة، وقع صوت غريب من الخارج… صوت خطوات ثقيلة.
لارا (قلقة): "إيه ده؟!"
سلمى (بلهجة مرعوبة): "جاءوا… جاوا علشان يخلصوا على كل شيء."
كانت لحظة الخطر قد حانت، ولم يكن أمام لارا وسلمى سوى خيار واحد: الهروب.
الخطوات كانت تقترب بسرعة، وصوتها يملأ المكان وكأنها تتردد في الجدران نفسها. لارا نظرت إلى سلمى، التي كانت تجلس صامتة، عيونها مليئة بالخوف، وكأنها قد توقعت هذه اللحظة منذ سنوات.
لارا (بسرعة): "سلمى، لازم نخرج من هنا دلوقتي!"
لكن قبل أن تتحرك لارا، كان الباب قد انفجر فجأة عن فتحه، ودخل رجلان ضخام الجثة يرتديان ملابس داكنة. كان وجه أحدهم مغطى بوشاح، بينما الآخر كان يضع نظارات شمسية رغم الظلام.
الرجل الأول (بصوت منخفض وقاسي): "ماذا تفعلين هنا، سلمى؟"
سلمى (بترتجف): "أرجوكم، لا تقتربوا… أنا ما عنديش حاجة أقولها."
لارا (بشجاعة): "ماذا تريدون منها؟ لماذا تهددونها؟"
نظر الرجل الأول إلى لارا ببرود، ثم تحرك ببطء نحوها، في حركة كانت تشي بالقوة التي يمتلكها.
الرجل الأول (بنظرة متفحصة): "وأنتِ؟ من تكونين؟"
لارا (بحزم): "أنا لارا، صحفية… كنت أبحث عن ضياء."
الرجل الثاني (بتهكم): "ضياء؟ هل تعتقدين أنه سيعود؟"
سكتت لارا للحظة، ثم قالت بصوت محمّل بالغضب:
لارا: "أنا أعرف أنه اختفى بسببكم. وأنتما تعرفان الحقيقة، أليس كذلك؟"
ضحك الرجل الأول بصوت عميق وكأن السؤال كان تافهًا.
الرجل الأول: "نحن لا نتعامل مع المبتدئين مثلك. الحقيقة بالنسبة لكِ مجرد وهم."
لكن لارا لم تستطع كبح مشاعرها. تذكرت الرسائل التي عثرت عليها، تذكرت ضياء، وتذكرت السر الذي كان يحاول كشفه.
لارا (بغضب): "أنتم السبب في كل هذا! أنتم من جعلتم ضياء يختفي، وأنتم من جعلتموه يموت!"
الرجل الأول (بتهديد): "أنتِ لا تعرفين حجم الأمور التي تتحدثين عنها."
في تلك اللحظة، حاولت لارا التراجع لكن الرجل الثاني اقترب منها بسرعة، محاولًا الإمساك بها. لكن فجأة، سلمى وقفت وصرخت بصوت عالٍ.
سلمى (بغضب): "كفى! كل شيء على وشك الانكشاف، ولا أحد يستطيع إيقافه الآن!"
تجمّد الجميع للحظة، ثم نظر الرجل الأول إلى سلمى.
الرجل الأول (بصوت حاد): "أنتِ ما زلتِ تظنين أنكِ ستهربين من مصيرك؟"
لكن قبل أن يستطيع أحد الرد، ارتفع صوت محرك سيارة خارج الشقة. ثم دخل رجل ثالث إلى الغرفة، وكان يحمل حقيبة بيده.
الرجل الثالث (بصوت حازم): "كفى هراء! سلمى، كفاكِ خداعًا."
بينما كان الرجل الثالث يدخل، كانت لارا تتفحصه بعيونٍ حادة. كان يرتدي سترة جلدية، وعيناه كانتا تحملان غموضًا قاتلًا.
لارا (بصوت هادئ): "من أنت؟"
الرجل الثالث (بابتسامة خفيفة): "أنا الشخص الذي يمكن أن يوقف هذه المهزلة."
كان الجو مشحونًا بالتهديد، وكان الجميع ينتظر الخطوة التالية. لم تستطع لارا أن تفهم حقيقة هذا الرجل، لكن لحظة واحدة جعلتها تشعر بشيء مختلف.
الرجل الثالث (بإصرار): "الوقت ليس في صالحنا، وسأساعدكِ. لكن عليكِ أن تعرفي أن الضغوط التي واجهتها سلمى وضياء كانت جزءًا من شيء أكبر. هذا ليس مجرد فساد عادي."
نظرت لارا إلى سلمى، التي بدت وكأنها فقدت الأمل، وعرفت في تلك اللحظة أن كل شيء كان أكثر تعقيدًا مما تخيلت.
لارا (بحذر): "ماذا يعني ذلك؟ وما الذي يحدث هنا بالضبط؟"
لكن الرجل الثالث لم يجب على الفور. بل التفت إلى الرجلين الآخرين وقال:
الرجل الثالث (بغضب): "أوقفوا هذا العبث! نحن هنا لإنهاء كل شيء."
في تلك اللحظة، شعرت لارا أن كل شيء على وشك الانفجار. وأنه مهما كانت الحقيقة، فإنها قد تكون أخطر مما توقعت بكثير.
