
رواية نذير شؤم الفصل الثامن8 الاخير بقلم ناهد خالد
خرج " منتصر " من غرفته يركض تجاه " إبراهيم " وهو يقول
يلا أنت لسه واقف عندك ؟!
أُفيقت من صدمتها وهى تردد بلهفه :
أنا عاوزه أجى معاكوا يا عمى ..
نظر لها " منتصر " بضيق ثم ردد باقتضاب :
مش هينفع , يلا يا إبراهيم
نظرت لخروجهما بصمت فلم تجد ما تقوله بعد طريقة منتصر معها ! , جلست فوق المقعد الموجود فى الصاله وهى تنظر أمامها بشرود , ودموعها تنزل بصمت , تُرى ما أصاب يوسف ؟ وكيف حالته ! , أسيأخذه الله منها بعدما تعلقت بهِ وأصبح لها العوض عن كل سئ أصابها سلفًا ! , خفضت بصرها لدبلته التى تزين إصبعها فوجدت شهقاتها تخرج بعدما كانت تحاول كتمها بكت بحرقه على حظها العاثر الذى لا يجعل فرحه لها تكتمل , بكت خوفًا من أن تُحرم ممن ارتضاه قلبها آنيسًا , ظلت تبكى لأكثر من نصف ساعه كامله حتى شعرت بأعينها قد جفت من البكاء , توقفت فجأه ووجدت نفسها تخرج من الشقه بل من البيت بأكمله قاصده شقتها ..
وصلت لها فتوجهت فورًا للمرحاض وتوضأت ثم ارتدت ما يناسب الصلاه ووقفت بين يدى الله تُصلى وتدعو الله أن يرده إليها سالمًا وألا يصيبه مكروه , هذا ما شعرت أنها تريد فعله لذا أقبلت عليهِ دون أى تردد , شعرت أنها لا تريد أن تفكر فى حالته خاصًة والأفكار السيئه تتزاحم فى عقلها حول ما سيؤول إليهِ الأمر ..
ظلت تتضرع لله بالدعاء وتقرأ القرآن كى يهدأ نفسها القلقه الثائره , وبالفعل هذا ما حدث وللعجب بعدما انتهت وجدت السكينه تغزوها وراحه غريبه تتسلل لقلبها و يقين خفى بأن الله لن يرد دعائها ويوسف سيكون بخير .
________( ناهد خالد )_____
أخرج هاتفه ليدق عليها ثوانِ وأتاه الرد وهى تقول بلهفه :
-ايوه يا عمى طمنى يوسف كويس ؟
رد بضيق :
-لا مش كويس , حالته مش مستقره .
أما على الجهه الأخرى تلألأت الدموع فى مقلتيها وهى تقول :
-يعنى الدكتور قال ايه ؟
زفر " منتصر " بضيق وهو يقول :
-أنا مش بكلمك عشان تقوليلى الدكتور قال ايه , أنا بكملك عشان حاجه تانيه .
ردت بقلق :
-حاجة ايه ياعمى ؟
-اسمعى يابنتى أنا شكلى غلط لما قولتلك أنك ملكيش دخل فى الى بيحصل لعيلتى , يوسف ابنى أكتر حد من ولادى غالى عندى , ومعنديش استعداد أخسره , فأيًا كان أنتِ فعلاً نذير شوم زى مابيقولوا ولا لأ , أنا ميفرقش معايا غير ابنى والى بيحصلنا ده مش طبيعي مش هستنى لحد ما أخسره , فأبعدى عن ابنى وعننا وامشى بشرك ولا خيرك بعيد عنا .
ابتلعت غصه مريره فى حلقها وهى تستمع لحديثه الصادم لها , لم تتوقع أن الحاج " منتصر " من أرشد عقلها للصواب هو من يقول هذا ! , صمتت لثوانِ تستجمع رابطة جأشها ثم قالت :
-اعذرنى يا حاج بس الوضع دلوقتى اختلف ويوسف بقى خطيبى مش مجرد دكتور شغاله عنده , والوحيد اللى له يقرر يكمل معايا ولا لأ هو يوسف مش حد تانى , وبالنسبه لأنك رجعت فى كلامك وحسيت أنى فعلاً نذير شوم , فمش هقولك غير حاجه واحده " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون " , يمكن حضرتك نسيت الكلام الى قولتهولى يومها بس أنا منسيتوش , عشان كده بقولك حادثة يوسف مش بسببى , حادثة يوسف قدر ومكتوبله مليش دخل فيه , سلام يا عمى .
أغلقت الهاتف وهى تتنهد براحه , تشعر أنها تأخرت كثيرًا فى تلك الخطوه التى تقف فيها أمام الجميع وتنفى عنها التهمه الملصوقه بها , لكن لا بأس أن تتأخر أفضل من الأ تصل !
________( ناهد خالد )_____
أغلق معها الهاتف بإبتسامه هادئه ونظر للذى أمامه حين قال :
-أنا مش عارف أنا طاوعتك ازاى يا حاج فى الى عملته ده , يعنى قلقتها عليا و كمان كلامك ليها دلوقتِ , افرض روحنا لاقيناها مشيت !.
كانت هذه كلمات " يوسف " الجالس أمام مكتب أبيه وأمامه يجلس " إبراهيم " يتابع ما يحدث فى صمت , نظر له منتصر وهو يقول :
-تمشى ايه يا عبيط , الى تقول الكلام ده بعد الى قولته عمرها ما تمشى , بعدين كان لازم تبدأوا حياتكم صح ولا عاوزنى استنى لما تتجوزوا ويحصلكوا مصيبه وتفكر هى أنها بسببها وتهرب منك ولا تطلب الطلاق ويبقى حياتك معاها على كف عفريت ! , ده كان اختبار ليها عشان أشوف إذا كانت اقتنعت فعلاً بكلامى واقتنعت أنها ملهاش علاقه بأى حاجه تحصل ولا لأ , وكمان عشان أنت متبقاش قلقان أنها ترجع تفكر فى الحكايه دى تانى .
أومئ برأسه موافقًا على حديث أبيه فهذا تحديدًا ما جعله يوافق , أنه يريد أن يطمئن من موقفها الآن تجاه كلمة " نذير الشوم " ..
-طيب ممكن اروحلها بقى ؟
أشار له منتصر وهو يقول :
-روحلها يا اخويا أنا قولتلك متروحش !
انتفض من مكانه فورًا متجهًا للخارج قاصدًا مكانها ...
_______( ناهد خالد )_____
جلست تفكر فيما عليها فعله , أستجلس هكذا دون فعل شئ ؟ دون أن تطمئن عليهِ وتعرف إلما وصلت حالته ! أليس من حقها أن تطمئن عليهِ !؟
وقفت متجهه لغرفتها وهتفت وهى تخرج الثياب من الخزانه :
-أنا خطيبته ومن حقى أطمن عليه ! ومحدش له الحق أنه يمنعى أصلاً !
أنتهت من ارتداء ملابسها وجذبت هاتفها وهاتفت " إبراهيم " تطلب منه أن يوصف لها عنوان المستشفى فأخبرها أن تنتظره وسيأتى لجلبها , وجدت جرس الباب يرن , فقطبت حاجبيها باستغراب ثم فتحت الباب لتجحظ عيناها وهى تراه أمامها , يوسف أنه هنا حقًا !! , يقف أمامها ويبدو بصحه جيده ! إذًا ما حدث ماذا كان ؟!
أما عنه فاختفت ابتسامته وهو يراها مرتديه ثياب الخروج ومستعده للذهاب ! أكانت ستفعل ما يخشاه , أقررت الإبتعاد مره أخرى ؟
-أنتِ رايحه فين ؟
خرج السؤال من فاهه وهو ينظر لها بقلق من ردّها يخشى أن تجيبه بأنها كانت ستذهب وتتركه فتضيع فرحته فى مهب الريح ..
تحركت شفتيها تتمتم بدهشه :
-يوسف ! أنت هنا ! طب ازاى ؟
تجمدت ملامحه كأنه لم يسمعها وهو يُعيد سؤاله :
-كنتِ رايحه فين ؟
ردت سريعًا :
-أنا كنت جايالك المستشفى , كلمت إبراهيم وكان جاى ياخدنى , أنت ازاى طلعت بعدين عمى قالى أن حالتك مش مستقره هو ايه الى بيحصل ؟
قالت حديثها بسرعه حتى لم تأخذ نفسها , فقطاعها وهو يقول مبتسمًا :
-اهدى بس , خدى نفسك , أنا كويس , كل الحكايه أنه كان اختبار ياستى وأنتِ نجحتى فيه .
هزت رأسها بعدم فهم وقالت :
-اختبار ايه أنا مش فاهمه حاجه !
دلف للشقه وتبعته هى عائده للداخل فجلس على أحد الكراسى وهو يقول :
-تعالى اقعدى و أنا هحكيلك .
جلست أمامه ومرت عدة دقائق وهو يسرد لها ما حدث , نظرت له بضيق وهى تقول :
-يعنى كنتوا بتلعبوا بأعصابى وتقولى اختبار !
ابتسم لها غامزًا بعيناه :
-عديها بقى , وبعدين بزمتك مش أنتِ نفسك كنتِ عاوزه تعرفى أنتِ فعلاً اقتنعتى ولا لو حصل حاجه تانيه هتراودك أفكارك العبيطه تاني ؟
ردت بتلقائيه :
-اسكت يا يوسف ده أنا مكنتش بنام من التفكير , أنا عارفه أنى اقتنعت بس لما بتتحط فى الموقف غير برضو , كنت بفضل أفكر طب لو اتجوزنا وأنت حصل معاك حاجه ولا خلفنا وحد من ولادنا حصله حاجه هشيل نفسى الذنب ولا هلاقى الأفكار دى مبقاش لها وجوده فى دماغى .
ابتسم براحه قائلاً :
-شوفتِ بقى أنك أنتِ كمان كنتِ محتاجه ده .
انتبهت لتلقائيتها فى الحديث فقالت بضيق :
-امشى يا يوسف أنا مش طايقاك أصلاً ..
ضحك بخفه على تمسكها بضيقها يبدو أنه سيحتاج لوقت كى تسامحه والكثير من الهدايا رُبما !
______( ناهد خالد )____
خمسة أشهر مروا بسلام , تزوجا منذُ شهر ونصف فى شقة " يوسف " القديمه بعدما قام بتجديدها , أصبحت حياة نواره بين شقتها وشقة " رحاب " حيث تكفلت بأعمال الشقه وتحضير الطعام و الاعتناء بأمور " سمر " أيضًا , ويوسف كان بين عيادته و شقة والدته والوقت الأكبر بالطبع فى شقته ..
-يا سمر ادخلى ذاكرى مش هقول تانى ..
رددتها " نواره " بصوت عالِ من المطبخ ليصل لتلك التى تجلس بالخارج أمام التلفاز , ردت عليها " سمر " بتذمر :
-يوه بقى يانواره المسلسل لسه مخلصش !
ردت عليها من الداخل وهى تُقلب الأرز الذى تطهيه :
-المسلسل هيتعاد تانى لكن السنه دى مش هتتعاد ...
تركت الملعقه من يدها وخرجت من المطبخ وهى تكمل حديثها :
-يابنتى دى تالتة ثانوى وعاوزه عنايه أكتر من كده , بقالك 3 ساعات قاعده قدام المسلسل هو المسلسل ده مبيخلصش !
ردت " سمر " بحماس :
-دى حلقات مجمعه ..
جحظت أعين " نواره " بصدمه وهى تردد :
-مجمعه ! نهارك أبيض , قومى ياختى دى قدمها للعشاء على ماتخلص ..
أنهت حديثها وهى تغلق التلفاز فصاحت " سمر " باعتراض :
-يوووه يا نواره بقى , أنتِ دايمًا تقطعى لحظاتى السعيده , بعدين ده وقت البريك .
لوت فمها بسخريه تقول :
-بريك ايه الى بقاله 3 ساعات ده , يلا قومى على المذاكره لحد ما الغدا يخلص ويوسف ييجى .
وقفت بتذمر وهى تغمغم ببعض الكلمات الغير مفهومه , فرفعت " نواره " حاجبيها وهى تقول :
-سمعينى بتقولى ايه ؟
اقتربت منها مقبله وجنتها بقوه وقالت مبتسمه :
- ولا حاجه يا نوارة قلبى يا قمر أنتِ .
-بت دى كلمتى أنا احنا هنقطع على بعض !
كانت جملة يوسف التى قالها ما إن دلف من باب الشقه واستمعت لجملة أخته الأخيره ..
رفعت " سمر " يدها وهى تقول بمرح :
-سورى يا جو عندى دى .
نظرت لها " نواره " مردده بضحك :
-لا دى مصممه تسرق ألقابنا لبعض بقى !
ردت " سمر " وهى تتجه لغرفتها :
-خليلكوا القابكم بكره ييجى الى يقولى يا سمورتى .
-بت !
قالها " يوسف " بتحذير فأغلقت باب غرفتها وهى تتنفخ بضيق ..
ضحكت " نواره " بمرح عليها وهى تقول :
-البت يعينى من أول شهر فى الثانويه وزهقت ..
التفت له حين لم يجيبها فوجدته ينظر لها بأعين لامعه مبتسمه , قالت بخجل من نظراته :
-مش هتبطل نظراتك دى بتكسفنى على فكره ..
اقترب محاصرًا ذراعيها بكفيهِ وهو يقول :
-أعمل ايه , بحبك وبحب أملى عينى منك , بعدين لا تلومن عاشق فى عشقه .
ابتسمت بخجل وهى تقول :
-صح بس متبقش تكسفنى بقى لما اسرح فيك وأنت بتكلمنى أو لما تصحى تلاقينى ببصلك .
رفع حاجبيهِ بدهشه مصطنعه وهو يقول :
-ايه ده أنتِ عاشقه أنتِ كمان !
استندت برأسها على صدره بخجل وهى تقول :
-ده أنا دايبه فى هوى محبوبى .
صمتت قليلاً وهى تشعر بابتسامته ثم قالت :
-يوسف كنت عاوزه اقولك على حاجه بس متزعلش ..
اتبعدت عن صدره لينظر لها باستغراب وهو يقول :
-قولى يا حبيبتى .
أخرجت شئ ما من جيب فستانها والذى لم يكن سوى " اختبار للحمل " نظر له وهو يرى خطان بللون الأحمر يزينونه , اتسعت ابتسامته وهو ينظر لها بسعاده بالغه حتى أدمعت عيناه وهو يقول :
-حامل يا نواره !
ابتسمت لسعادته وقالت :
-محبتش أجيلك ولا أقولك على الأعراض الى كانت عندى من أول الأسبوع عشان متتعشمش على الفاضى .
أومئ برأسه عدة مرات بسعاده ثم قال بدون وعى :
-أحنا لازم نروح لدكتور عشان ...
قاطعته " نواره " بضحكه عاليه وهى تقول :
-حبيبى أنت دكتور !
حك جبينه بحرج وقال :
-ايه ده , أنا بس فرحتى لخبطتنى .
نظر له للحظه قبل أن يباغتها محتضنًا إياها بقوه وهو يهمس بترديد :
-الحمد لله , اللهم لك الحمد والشكر ..
________( ناهد خالد )________
كانت متسطحه فوق الفراش بخوف والممرضه التى جلبها يوسف لتكون معه فى العياده تضع بيدها الكانيولا تحضيرًا لها للدلوف لغرفة العمليات بعد قليل لتضع مولدها الأول ..
دلف لها " يوسف " بزيه الخاص بغرفة العمليات والابتسامه تزين ثغره ثم قال :
-اطلعى أنتِ يا هبه دكتور التخدير بره استنونى فى أوضة العمليات .
أومأت موافقه وخرجت بالفعل , اقترب " يوسف " من " نواره " وانحنى يقبل جبهتها بعمق قبل أن يبتعد وهو يبتسم فى وجهها ويقول :
-نوارة قلبى جاهزه ؟
ردت بخوف :
-أنا خايفه اوى يا يوسف .
ملس بيده على وجنتها ويده الأخرى محتضنه كفها :
-متخفيش يا روح يا يوسف , هتخرجى إن شاء الله وهتبقى زى الفل , أنتِ مش واثقه فى جوزك ولا ايه
ابتلعت ريقها بقلق وهى تقول :
-يوسف افتح حته صغيره بلاش بطنى كلها عشان ميبقاش شكلها وحش .
ضحك بشده وهو يقول :
-أنتِ بتقولى أيه يا حبيبتى هو أنا شغال فى مجزر ! أنا دكتور يا ماما , متقلقيش هتكونى كويسه .
ظل معها عدة دقائق يطمئنها حتى استطاع أن يلهيها عن شعور الخوف قليلاً ثم حملها بين ذراعيهِ متجهًا بها لغرفة العمليات تحت رفضها وهى تغمغم بخجل :
-نزلنى يا يوسف عيب كده , أنا هعرف امشى نزلى بقى .
غمز لها بعيناه وهو يقول :
-تمشى وأنا موجود ! اهو ده العيب الى بجد ..
فتحت عيناها ببطئ حتى استطاعت الرؤيه جيدًا , نظرت جوارها فوجدت يوسف جالسًا بجوارها مبتسمًا لها وبين يديهِ يحمل الصغيره .
ابتسمت بسعاده وهى تمد يدها له ليضع الصغيره بين يديها وهو يقول
-طالعه قمر لمامتها ..
التقطتها وهى تنظر لها بأعين دامعه ثم رفعت نظرها ليوسف المبتسم لهما بحنو وقالت :
-شكلها حلو أوى يا يوسف .
أومئ بابتسامه وهو يقول
-مش بنت نواره , هتبقى حلوه طبعًا .
اقترب طابعًا قبله على جبين الصغيره وهو يردد :
-نوره يوسف المهدى , نورتِ حياتنا .
فقد اختار اسمها قريبًا لأسم والدتها لا يفصل بينهما سوى حرف واحد فقط .
نظرت " نواره " له وهى تقول بعاطفه قويه تجاهه :
-بحبك يا جو .
مرر بصره لها وهو يغمغم بصدق :
-وأنا بعشقك يا نوارة قلبى ..
بالطبع حياتهم قد أنتابها بعض المشاكل و المصائب كسابقًا , لكن الفرق أنها باتت تدرى أنها ليست نذير شؤم ..وكل ما يحدث مجرد قضاء وقدر، يحدث فى حياة الجميع.. .
تمت بحمد الله